الاثنين، 27 أكتوبر 2008

يوميات مهرجان قرطاج السينمائي 1

مع رمضان سليم

المنصف بن عامر


* وصلت ليلة أمس في وقت متأخر، لم ألحق حفل الافتتاح، وهو أمر لم أكن أصلا أتوق إليه، فهو لا يخرج عادة عن بعض المراسم والكلمات ثم عرض فيلم كان هذا العام فيلم يوسف شاهين وخالد يوسف "هي فوضى" الذي سبق بالطبع أن شاهدته ونشرت موضوعا تفصيليا عنه عندما عرض في مهرجان لندن العام الماضي.صباح الأحد 26 اكتوبر، التقيت بالصديق القديم الناقد الليبي رمضان سليم الذي لا يخلع أبدا قبعته الصغيرة التي أصبحت مثل العلامة المسجلة. ولم ألتق رمضان منذ سنوات طويلة بعد أن توقفت عن الذهاب إلى المهرجانات العربية لأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها الآن.
جلست مع رمضان والمنصف بن عامر الكاتب العام للمهرجان سابقا من أيام الزمن الرائع في الثمانينيات. المنصف رجل شديد الأدب والتهذيب ودماثة الخلق. وهو محب حقيقي للسينما وليس مجرد موظف "يستفيد من، ويتعيش على السينما مثل بعض النقاد الميديوكر- آسف لا أجد كلمة أخرى في العربية أكثر مناسبة لوصف المعنيين!".
في المكتب الصحفي للمهرجان الأمور سارت سيرا جيدا بالنسبة لي وليس بالنسبة لرمضان الذي تعين عليه الانتظار عدة ساعات إلى أن تمكن أخيرا من الحصول على البطاقة الصحفية، والسبب أنهم لم يكونوا قد "أنتجوا" البطاقة البلاستيكية بعد ويبدو أن هناك أيضا عددا كبيرا من الصحفيين لم تصنع بطاقاتهم واضطروا للانتظار!
ابراهيم البطوط

* في المكتب الصحفي التقيت بالكاتب والناشط في مجال حقوق الإنسان خالد شوكات، وهو تونسي يقيم في هولندا وأراه بشكل عابر أحيانا عندما أزور روتردام لحضور مهرجانها السينمائي الدولي (وليس العربي الذي يديره خالد).. خالد كعادته مجامل ولبق، وهو طبعا أكثر مجاملة في حديثه لأننا في تونس بلده.
* جاء رشيد مشهراوي العائد من اليابان مع فيلمه "عيد ميلاد ليلى" حيث كرمه مهرجان طوكيو السينمائي. مشهراوي صديق قديم رائع ومتألق دائما ورجل بمعنى الكلمة فقد قرر توزيع مبلغ 75 الف دولار (جائزة حصل عليها من مهرجان الشرق الاوسط) على كل العاملين بفيلمه وعددهم 40 شخصا.
* بحثت عن الصديق المخرج ابراهيم البطوط الذي قضيت معه أمسية جميلة في لندن قبل أيام عندما كان يحضر بفيلمه البديع "عين شمس" المهرجان. وقد لقي الفيلم استقبالا جيدا جدا من جانب جمهور مهرجان لندن، كما نوقش بعد عرضه مرتين، مناقشة ممتازة. وقد قمت بإنتاج قطعة تليفزيونية (أكثر قليلا من 3 دقائق) عن الفيلم وأصدائه وما أثاره من جدل عرضت على شاشة تليفزيون بي بي سي العربي يوم 22 اكتوبر كما ظهرت بعد بثها للحديث عن الفيلم وما واجهه من مشاكل في مصر لمدة 5 دقائق على الهواء مباشرة.
ابراهيم غير موجود في غرفته بالفندق. سأعود للاتصال به فيما بعد إن لم نل تق الليلة.

رضا الباهي


* ذهبت إلى المسرح البلدي في الثالثة بعد الظهر لمشاهدة فيلم تسجيلي عن "محمود درويش" شاعر العرب الراحل الكبير، ولدهشتي الشديدة وجدت القاعة ممتلئة عن آخرها وقد
بدأ عرض الفيلم بالفعل. وقد تمكن المشرفون على المسرح الكلاسيكي الجميل من العثور على مقعد لي بصعوبة.
الفيلم من اخراج سيمون بيتون الاسرائيلية الفرنسية الأصل التي غادرت اسرائيل واستقرت في فرنسا منذ سنوات لأنها لن تكق العيش في دولة عنصرية، واتخذت مواقف مؤيدة للفلسطينيين وصنعت بعض الأفلام الوثائقية المهمة عن الموضوع ولها في قرطاج أكث من فيلم.
الفيلم بديع ورقيق ومخلص تماما لموضوعه، ويعكس صورة انسانية حقيقية لمحمود درويش، الشاعر الفذ الذي كان انطباعي عنه دائما أنه لا يجيد الظهور الإعلامي، وأنه رغم شهرته الكبيرة ووقوفه مئات المرات أمام الجمهور لإلقاء شعره، إلا أنني كنت أشعر أن هناك جانبا "خجولا" في تكوينه الشخصي، وحزنا خاصا دفينا يغلفه بكبرياء قد لا تمنحه صورة المتحدث الجذاب كثيرا أمام عدسات التليفزيون. لكنه في هذا الفيلم يتحدث ببساطة وبشاعرية عن كل شئ. أعجبني محمود كثيرا وهو يروي كيف كان يشعر عندما انتقل من حيفا إلى القاهرة، وكانت تلك المرة الأولى في حياته التي ينتقل فيها من مدينته الفلسطينية إلى عاصمة عربية كبرى. ويقول محمود إنه فتح النافذة في الليل لكي يتأكد من أنه في القاهرة حقا، ورأى أمامه نهر النيل وكان النيل هو الذي أكد له أنه في القاهرة، ووجد نفسه يشعر شعورا غريبا: إنها المرة الأولى التي يرى نفسه في مدينة عربية تماما، كل من فيها عرب يتكلمون العربية، هنا أدرك مسألة اللغة، وكتب قصيدة شهيرة عن اللغة العربية باعتبارها مرادفا للهوية العربية. وهل أصبح لنا غيرها يامحمود.. عليك ألف رحمة.

فريد بوغدير

* في مطعم فندق افريقيا العتيد ألتقي عزت العلايلي رئيس لجنة التحكيم. عزت شديد الغضب على ما يجري في مصر من "تسلط" ثقافي أدى إلى نوع من التدهور. أتذكر معه بصعوبة يوم أن ذهبنا قبل 21 عاما مع المخرج الصديق خيري بشارة إلى منزل علي رستم، الذي كان يرغب في الاقدام على الانتاج السينمائي، وكان لدى خيري وقتها مشروع طموح لكن الفيلم لم ينتج ابدا.
الغريب أن عزت يسألني بدهشة عما أفعله في لندن؟ وكأنه لا يوجد في لندن ما يمكن لرجل مثلي أن يفعله، وكأن عزت لايزال يفكر بعقلية الفلاح المصري القديم (ربما من دوره في فيلم الأرض مثلا) كيف يمكن أن يستقر المصري في بلد مثل لندن، وكأن عزت أيضا لا يعرف كيف أصبحنا غرباء في بلادنا منذ دهور طويلة، بل وكيف أصبحت لندن وغيرها أكثر قدرة على احتواء وفهم غضبنا وثورتنا وتمردنا وقلقنا!
وهذا على أي حال، موضوع طويل طويل.. بطول الرحلة الطويلة المستمرة التي يبدو أنه لن يقطعها سوى الموت.. والموت، لو تعرفون، يقف على ناصية الطريق!
زميلة عزت العلايلي في لجنة التحكيم الممثلة الفرنسية ايمانويل بيير تبدو أقل جمالا بكثير جدا من صورتها السينمائية بل أقصر كثيرا عما تخيلتها من قبل. أما نوري بوزيد عضو اللجنة أيضا، فقد بدا عليه تأثير الزمن بشدة.

نادية كامل

* التقي أيضا بالصديق القديم المخرج التونسي رضا الباهي. رضا كعادتي به دوما، رجل باسم مرحب حميمي، قال وهو يقدمني للمخرجة المصرية نادية كامل (مخرجة فيلم "سلطة بلدي" الذي أثار ضجة في كل مكان لكني لم أشاهده حتى الآن): إننا نرتبط بصداقة عمر.
وحقا صدق، فقد التقيت رضا الباهي للمرة الأولى مع فتحي فرج عندما جاء إلى القاهرة لعرض فيلمه الأول البديع "العتبات الممنوعة" أظن عام 1974 أو 1975 لا أتذكر بالضبط الآن. وقد عرض الفيلم وقتذاك في نادي القاهرة للسينما. وكان قد واجه المنع في تونس لأنه صور اغتصاب سائحة أجنبية في مسجد بتونس. رضا أخرج بعد ذلك أفلاما كثيرة، وكان دوما مشغولا بفكرة تقديم أفلام ناطقة بالانجليزية من بطولة ممثلين وممثلات من العالم العربي وأمريكا وأوروبا. وقد عملت معه جولي كريستي وعزت العلايلي ومحمود مرسي وبن جازارا وربما شون كونري أيضا كما أعتقد.

* فجأة يظهر صديقنا القديم المخرج التونسي فريد بوغدير.. بشحمه ولحمه: أقول له إنه لم يتغير على الاطلاق بل ظل بنفس شبابه الدائم وابتسامته الرائعة. نتذكر بحزن زمن التألق: تألقه الشخصي ونشاطي الكبير في أوائل التسعينيات. وكنا نلتقي كثيرا في المهرجانات الدولية.
وقد قضينا معا يوما مجنونا بكل ما تعنيه الكلمة من جنون في مهرجان فالنثيا الاسباني، وخرجنا إلى الشوارع وكنا نعبر أثناء سير السيارات، ونضحك ولا يهمنا ما يحدث. كنا سعداء باحتضان العالم. وكان فيلمه "عصفور السطح" أو الحلفاوين قد حقق نجاحا كبيرا ودار على عدد من المهرجانات وحصل على الكثير من الجوائز. أين أفلامك الآن يافريد؟ لا أتلقى اجابة واضحة.. أعلق بأن العالم أصبح كئيبا بعد 11 سبتمبر. يوافقني تماما. ولكن ما سر السعادة؟ يقول فريد إن السبب أنه يعيش دائما مثل "عصفور السطح"!
أتوجه في الموعد تماما إلى قاعة المونديال لمشاهدة الفيلم التونسي في المسابقة "سفرة يامحلاها" لخالد غربال. المقاعد كلها امتلأت عن آخرها. لا توجد أماكن مخصصة للصحفيين والنقاد.. آسفون.. لا يمكنك الدخول!
لا تعليق!

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger