السبت، 30 مارس 2013

أفلام وكراسي: مرة أخرى!



هذا المقال البسيط الذي يحمل بعض التداعيات كتبته في هذه المدونة في إطار اليوميات من مهرجان روتردام
الدولي (وليس العربي سيء الصيت من فضلكم!) في 2009، ولعله لايزال صالحا اليوم..

غير أن المشكلة الأخرى التي تداعت عقب الانتهاء من مشاهدة هذا العمل الكبير، نتجت عن التفكير فيما فعلته كاميرا الديجيتال: فقد أنتجت خيرا وشرا في وقت واحد.
فإذا كانت كاميرا الفيديو الرقمية قد حررت السينمائي من ضغط الميزانية، وأتاحت أمامه فرصة لابتكار ما لم يكن ممكنا ابتكاره بسبب صعوبة حمل ونقل الكاميرا السينمائية واقتحام الكثير من المواقع بها، فقد أدى انتشار هذا النوع من الكاميرات أيضا إلى أن سقط الشرط الأساسي الذي يجب توفره في السينمائي، أي سينمائي، قبل أن يصبح سينمائيا معترفا به، هذا الشرط يتلخص في كلمة واحدة هي "الموهبة" التي ترتبط بالتأكيد بمساحة الخيال، والقدرة على استخدام لغة السينما، وطبعا لكي يعرف أي إمرء استخدام أي لغة عليه أولا أن يتعلم كيف يقرأها.
لكن المشكلة أنه بعد توفر كاميرا الديجيتال الرخيصة أصبح كل من هب ودب يعتبر نفسه مخرجا سينمائيا، وانتشرت بشدة ما يمكن أن نطلق عليه "أفلام الكراسي".
ما المقصود بأفلام الكراسي؟ الحقيقة أنني أقصد تحديدا كل ما يصور على شرائط من مقابلات مع شخصيات من هنا ومن هناك، أجراها مصور أو حتى مخرج (افتراضا) بالطريقة السهلة البسيطة أي أتى بكرسي وأجلس فوقه الضيف وأخذ يمطره بالأسئلة والضيف يجيب والمصور يصور.
وفي عملية المونتاج التي تعتمد تماما على "الفهلوة" يمكن ادخال بعض الصور واللقطات، من الحقول والشوارع والطبيعة الصامتة أو الناطقة، ثم يطلق صاحب هذا العمل عليه فيلما سينمائيا، ويقدم نفسه باعتباره مخرجا، ويظل يلف ويدور لمدة سنة كاملة على الأقل، على كل  المهرجانات السينمائية الدولية التي أصبحت تقبل كل هذا العبث متغاضية عن تهافته الفني وجرعة الملل التي تصيب المشاهد وهو يجلس أمام الكرسي، عفوا أقصد أمام الشريط الذي يحوي صورا متحركة، ويستمع إلى المحاضرة السخيفة عن أي شيء، من مشاكل البيئة إلى معنى الوجود، وسبب تريب المهرجانات يعود إلى ارتباط معظم هذه الأفلام بالحدث السياسي الساخن وهو لا يكفي بالضرورة لصنع فيلم جيد.
ولعل التليفزيون الذي يرحب بهذا النوع من المقابلات المصورة هو المسؤول عن انتشار ظاهرة أفلام ومخرجي الكراسي خصوصا في العالم العربي الذي انكسر فيه القيد عن الفن، فساح الفن وأصبح كل من هب ودب فنانا، وإذا تزوج شعبان البقال أيضا من "فنانة" يتم تعيينه على الفور "فنانا".. مع الاعتذار لعمنا الكبير الشاعر الصعلوك الأعظم أحمد فؤاد نجم صاحب قصيدة "شعبان البقال"!
مشكلة أفلام الكراسي أنها ليست أفلاما بل مقابلات مصورة، وأن مصوريها هم صناعها الحقيقيون كوثيقة للأرشيف أساسا، أي كمادة خام يمكن استخدام أجزاء منها في أعمال أخرى تماما مثل محفوظات دار الكتب، لكنها ليست أعمالا فنية، ولا تستحق أن تعرض في مسابقات بالمهرجانات السينمائية، فعلى أي شيء ستتنافس وكلها متشابهة. وكل من يزعمون أنهم مخرجون لهذا النوع من القطع المصورة يحتالون ويتحايلون على جوهر الفن السينمائي، أي ذلك السحر الخاص الذي يمنحه صاحب الرؤية للصور واللقطات التي يقوم بتركيبها معا وكأنه يولف مقطوعة موسيقية لها أول، ولها آخر، أما أفلام الكراسي فقد يكون لها أرجل تماما مثل الكراسي، لكن ليس لها أي دماغ.. فارحمونا من فضلكم أو خصصوا لهذا النوع من التحف الفريدة مهرجاناتها الخاصة واجعلوا شعارها الكرسي، الذي يجب أن يصطف صناع هذا النوع من الشرائط أمامه يوميا ليقدموا له الشكر الجزيل على استمرار وجودهم على قيد الحياة!

الاثنين، 18 مارس 2013

فيلم "الشتا اللي فات": شهادة سينمائية بليغة عن الثورة!



  


أمير العمري




لاشك أن فيلم إبراهيم البطوط "الشتا اللي فات"، ثالث أفلامه الروائية الطويلة، يعد أهم وأفضل ما ظهر من أفلام عن الثورة المصرية، سواء من ناحية الدقة والموضوعية والقدرة على التأثير إلى جانب براعة المستوى الفني والشمولية، دون أي شعارات أو إدعاءات، وبعيدا عن المبالغات الميلودرامية.. آفة الفيلم المصري المزمنة.
فيلم "الشتا اللي فات" ليس فقط رؤية بصرية مذهلة عن ذلك الغضب المشحون الذي ظل يتصاعد وصولا إلى انفجار الثورة في يناير 2011، بل وشهادة مؤثرة وبليغة عن "عصر التعذيب" وعن الرعب الذي يعيشة فيه المصريون الذين يتطلعون إلى نهضة بلادهم في ظل "الدولة البوليسية" منذ أكثر من ستين عاما، فتفكيك هذه الدولة القمعية لا يتم سوى من خلال سلطة ثورية حقيقية تدعمها الجماهير.


دقة هندسية
فيلم البطوط قائم على سيناريو متوازن مصنوع بدقة هندسية: ثلاث شخصيات: الناشط السياسي عمرو (عمرو واكد)، مذيعة التليفزيون فرح (فرح يوسف) وضابط أمن الدولة آدم (صلاح الحنفي).
يبدأ الفيلم بقبلة لا تكتمل بين عمرو وفرح.. ربما تكون في خيال عمرو.. فالحب بينهما لم يكتمل، ولاشك أننا سنعرف السبب من دون أن يصرح لنا الفيلم من خلال الحوار، فالحوار في الفيلم عموما ليس حوارا يشرح ويفسر بل حوار محدود المساحة، يهمس أكثر مما يصرخ، فالصراخ سيأتي من حوار من نوع آخر، هو الحوار بين أجهزة التعذيب التي يمارس من خلالها "عنف أجهزة أمن الدولة"، وبين أجساد الشباب المعتقل الهزيلة.
اليوم 25 يناير 2011.. يوم سيكون له شأن خاص في تاريخ مصر. بطلنا يفتح باب شرفة مسكنه لنكتشف أنه يقيم في شقة يواجهها حائط أصم، وكأنه سجين اختار عزلته بنفسه أو ربما فرضت عليه.
عمرو متردد، خائف، لا يريد أن يغادر المسكن ليرى ما سر كل تلك الحركة والهتافات والضجيج والمطاردات التي تحدث في الخارج والتي تتناهى إلى أسماعه. جاره يتحدث عن مظاهرة كبيرة في الطريق. عمرو يحبس نفسه داخل شقته، لكنه يراقب كل ما يحدث في العالم من خلال شاشة الكومبيوتر وشبكة الانترنت (هو مصمم مواقع وخبير بعالم الكومبيوتر والانترنت).. لكن السبب الحقيقي لهذه العزلة والوجل والتردد هو الخوف الذي جاء نتاجا لما مر به من تجربة خاصة مع السلطة.
إنه جالس، يشاهد عبر شاشة الكومبيوتر شريطا سبق أن سجله، يحوي شهادة شاب يروي قصة اعتقاله في مطار القاهرة ثم تعرضه للتعذيب بعد عودته من البوسنه حيث كان يقوم بتصوير الحرب التي كانت تدور هناك في التسعينيات.. إنها قصة شقيق ابراهيم البطوط التي أصبحت معروفة الآن، وما جرى له على يد شرطة أمن نظام مبارك عام 1996. والشخص الذي نراه على الشاشة هو الشخص الحقيقي.. وهو يتحدث عن الصعق بالكهرباء.. في مشهد ربما يكون أكثر مشاهد الفيلم امتلاء بالتأثير الدرامي: صوت وكأنه صوت قطارات الأنفاق التي تجري تحت الأرض، بكاء مكتوم.. الشاب يريد أن يصرخ وهو يتذكر ويروي قصته، لكنه عاجز حتى عن الصراخ. إن ألمه حقيقي تماما، فهو لا يؤدي دورا بل يسترجع حقيقة ما وقع له.

سنعرف بعد ذلك كيف اعتقل بطلنا عمرو قبل سنتين وتعرض للتعذيب القاسي في مشهد آخر من أقوى مشاهد الفيلم بسبب واقعيته ونجاح البطوط في إخراجه من الناحية التقنية واستخدامه للزوايا وأحجام اللقطات وتركيب اللقطات معا بحيث نجح في خلق إيقاع سريع يقدم للمشاهد في واقعية شبه تسجيلية، تفاصيل ما يحدث في غرف التعذيب القابعة تحت الأرض في مباني أجهزة الأمن.


أكاذيب الإعلام
لكننا الآن ما زلنا في 25 يناير. وننتقل إلى المذيعة- فرح- التي تقدم الأخبار والبرامج الإخبارية وتجري مع زميلها "تامر" المقابلات في البرامج الإخبارية التي يقدمها التليفزيون المصري. لكن التليفزيون لا يبث حقيقة ما يجري في الشارع، وعندما يستضيف فإنه يستضيف اثنين من كبار ضباط الشرطة، يقللان كثيرا من شأن ما يحدث، و ينصح أحدهما يضرورة قطع وسائل الاتصال كأفضل وسيلة للتغلب على المشكلة القائمة.
أما ضابط أمن الدولة (آدم) الذي يراقب من مكتبه البرنامج التليفزيوني فأمامه الكثير من العمل مع زملائه رغم استهانته الظاهرة من المظاهرات.
يستمر الفيلم لنرى كيف يتعامل الضابط مع رجل.. يفترض أنه شيخ من شيوخ المساجد، يبدو أنه "خرج عن الخط" ذات مرة، فام استدعاؤه إلى مقر أمن الدولة حيث يرغمونه هناك على شرب كميات كبيرة من الماء لكنهم يمنعونه من الذهاب إلى دورة المياه إلى أن يتبول على نفسه، كنوع من العقاب المخفف أو الإنذار كما يقول له الضابط حتى لا يكررها مرة أخرى!
تدريجيا ومع تصاعد أحداث الثورة.. تدرك فرح أنها تخون نفسها ورفاقها حينما تقبل أن تمارس لعبة الكذب التي يصر عليها زميلها تامر فتترك العمل وتنضم للثوار.
وعندما يعجز الضابط عن السيطرة على الموقف كما كان يتصور يقوم بإرسال أسرته إلى مسكنه الفخم في العين السخنة أي بعيدا عن القاهرة، ويوزع الأسلحة البيضاء على البلطجية لكي يتولوا ترويع المواطنين.
ونرى تصويرا جيدا واقعيا لكيفية تعامل الشباب مع الفوضى الأمنية عن طريق تشكيل مجموعات الحماية المدنية أو اللجان الشعبية، وكيف يحدث الصدام بين الشباب والبلطجية، وكيف تتعرض فرح وأحد زملائها الشباب لحادث ترويع وبلطجة.
كل هذه الأحداث التي ينسجها السيناريو ببراعة حول الشخصيات الثلاث، يتم تداخلها مع خطابات الرئيس السابق حسني مبارك الثلاثة التي يرفض فيها باستمرار أن يترك السلطة، مرددا وعود لا يصدقها أحد، وصولا إلى إعلان تخليه عن السلطة تحت الضغط الشعبي الهائل. وهنا تدخل الكاميرا للمرة الأولى إلى ميدان التحرير. فنحن لا نرى الميدان سوى في المشاهد الأخيرة من الفيلم.


تداخل الأزمنة
يعتمد البطوط في بناء فيلمه على التداخل بين الأزمنة: الحاضر والماضي والماضي القريب، والانتقال فيما بين هذه الأزمنة بسلاسة تامة وفي سياق مفهوم للمشاهد، حيث يمكنه الربط بين المشاهد المختلفة، وفهم دلالاتها في السياق.
عندما يطلب عمرو من بواب مسكنه أن يأتيه بكميات كبيرة من الأطعمة والسجائر نفهم أنه قرر أن يمكث في بيته لا يغادره وأنه يتحسب لاتساع نطاق المظاهرات الشعبية.
وعندما يقوم ببث شهادة المذيعة فرح عبر الانترنت وإخفاء الأسطوانة التي سجلت عليها الشهادة المصورة، نعرف أنه سيجلس بعد ذلك في انتظار الاعتقال. وهو يعتقل ويتم تعذيبه بالفعل مع مجوعة من الشباب في مشاهد مبتكرة منها ذلك المشهد الهائل الذي يصوره البطوط في مساحة كبيرة خربة مهدمة لا نعرف في أي مكان بالضبط يمكن أن توجد، مكان يستخدمه رجال أمن الدولة، حيث يضعون مناضد ومقاعد في صف طولي أي أمام بعضها البعض، ويجلس كل معتقل وأمامه مباشرة يجلس ضابط من ضباط أمن الدولة يستجوبه ويوجه له التهديدات والإهانات، وتتحرك الكاميرا تدريجيافي حركة "تراكنج" لتنتقل من المنضدة الأولى إلى الثانية حتى الأخيرة والتي نرى حولها عمرو والضابط الذي يستجوبه وآدم.. ضابط أمن الدولة المسؤول عنه مباشرة والذي أطلق سراحه من قبل بشروط. هنا تتوقف الكاميرا ويدور الحوار الذي ينتهي بصمود عمرو واستهانته بالضابط، لقد استرد قوته أخيرا وأصبح لا يهاب الموت.
عبارات الحوار في هذا المشهد طريفة وساخرة، والمشهد يجسد على نحو ما، سواء من حيث زاوية الكاميرا أو التكوين كيف أن المعتقلين الشباب أقوى من سجانيهم الذين يستجوبونهم!

طابع حداثي
يستخدم البطوط في فيلمه شاشات التليفزيون والكومبيوتر وكاميرا الفيديو كثيرا، مما يضفي طابعا حداثيا على الفيلم، فمصر 2011 ليست كمصر 1977.. عمرو يشاهد الكثير من الأحداث عبر الكومبيوتر وشاشة التليفزيون: الانترنت والأسطوانات وتسجيلات الفيديو القديمة، رغم أنه سجين في شقته تقريبا لخوفه من عاقبة التحامه بالشارع. وأسرة فرح تشاهد ما يحدث من مظاهرات عبر قناة تليفزيون بي بي سي. وضابط أمن الدولة يشاهد برنامج "قلب البلد" الذي كانت تعمل فيه فرح وهو في مكتبه، والشيخ المعتقل داخل غرفة أمن الدولة يشاهد الأخبار في التليفزيون من داخل امكتب الذي حبسوه فيه (تنقل أخبار التليفزيون الغارات الإسرائيلية على غزة) وحينها يتدخل الضابط ويدير مؤشر التليفزيون إلى قناة تبث أغنية. في القناة التليفزيونية نشاهد عبر شاشات غرفة التحكم صناعة الكذب على المشاهدين، وكيف يستعينون برجل يتصل تليفونيا من داخل القناة موهما جمهور المشاهدين بأنه يتحدث من ميدان التحرير حيث يقوم بتشويه الشباب المتظاهر على النحو الذي كان سائدا إبان تلك الأحداث. خطابات مبارك تظهر على شاشة التليفزيون. تستخدم فرح الكاميرا من فوق سطح إحدى البنايات لتصوير الشباب الذي يشارك في الثورة في أسفل.. في الشارع، كما تستخدم الكاميرا لتسجيل شهادتها (بدون مكياج)..إلخ
في الوقت نفسه يستخدم البطوط أسلوب كتابة تواريخ الأحداث على الشاشة أي التواريخ التي تعكس تطورات أحداث الثورة، إمعانا في تأكيد طابع الواقعية التسجيلية. وبوجه عام يمزج البطوط بين التسجيلي والروائي في فيلمه في بعض المشاهد بمهارة ودون أدنى إقحام. ولعله كما صرح، قام بتصوير جانب من أحداث الثورة- والفيلم، في ميدان التحرير في اليوم الذي سبق سقوط مبارك. ولاشك أن هذه المشاهد أضفت الكثير من الواقعية والصدق على "صورة" الفيلم خاصة وأن ظهور عمرو واكد فيها بدا مقعنا وطبيعيا.
إضاءة شقة عمرو خافتة الإضاءة، فهو منغلق على نفسه، كأنه يتفادى أن يراه أحد. يتوجس حتى عندما يسأله ابن جارته الطيبة عما يجري فيجيبه: لا أعلم. الأجواء أجواء خوف وقلق وترقب.
إضاءة مكاتب أمن الدولة وأقبيتها أيضا ذات إضاءة خافتة، وهو ما يتسق مع طبيعتها وطبيعة ما يجري في داخلها. ومصدر الضوء عادة محدود يحاكي الضوء الطبيعي، ولا توجد أي لقطة في الفيلم تضاء إضاءة ساطعة لتنوير الكادر على طريقة هوليوود التقليدية، ومشاهد الثورة ليلية في معظمها أي خافتة الإضاءة أيضا.. إنه ضوء الشتاء!
ويجسد البطوط مظاهر التعذيب بشكل واقعي تماما: تعليق المعتقلين من القدمين وضربهم بالأسلاك واستخدام الصدمات الكهربائية والاغراق في الماء.. وغير ذلك. وبذكاء شديد يصور البطوط إثنين من حراس السجن وهما يتناقشان حول: من منهما سيقبض الجمعية أولا، وفي مقابل هذه الحالة البائسة، يصور كيف تعيش أسرة آدم.. ضابط أمن الدولة، في رفاهية، تخدمها مربية فلبينية، وكيف يمتلك شقة فخمة وسيارة فارهة كما يمتلك ذلك الشاليه في منتجع العين السخنة على ساحل البحر الأحمر.
ولا ينتهي الفيلم نهاية سعيدة رغم أننا نعرف أن عمرو يعود إلى حبيبته فرح وربما سيتزوج الإثنان قريبا بعد أن توحدا معا في الثورة، فنحن نراهما معا على أحد جسور النيل في القاهرة وأمامهما كاميرا تصورهما على خلفية النيل معا. لكن هذه النهاية التي تبدو رومانسية هي في الحقيقة ليست كذلك، فنظرات الإثنين مليئة بالتوجس والحزن والقلق. القلق على مصير الثورة التي يقول لنا البطوط إنها لم تكتمل.

عن الإخراج
يبدو إبراهيم البطوط في فيلمه الثالث، أكثر خبرة ومهارة في التعامل مع الكاميرا برصانة، فهي تتحرك وقتما ينبغي أن تتحرك (لتعقب رجال الشرطة وهم يقومون بتفتيش شقة عمرو وتحطيم قطع الأثاث والأدوات الصحية بوحشية) ويعرف كيف يستفيد من الموسيقى (التي تعكس الترقب والتوتر والقلق والغضب) والمؤثرات الصوتية، ويخلق منها مع الصورة، إيقاعا متصاعدا سلسا رغم التداخل في الأزمنة كما أشرنا، كما يركز على استخدام اللقطات القريبة، ويمنح الممثلين مساحة للتعبير بتلقائية والاندماج معا وكأنهم يعيشون الحدث، في تناغم بديع. ولاشك أن وجود عمرو واكد في الدور الرئيسي في الفيلم ساهم في أن يأتي أداء الممثلين من حوله، ومعظمهم من المبتدئين أو الهواة، على كل هذا النحو من البساطة والعمق. أداء محكوم لا إفراط فيه في التعبير عن المشاعر.
صلاح الحنفي الذي اكتشفه البطوط بالصدفة في "الميدان" أي ميدان التحرير، قوة تمثلية كبيرة في دور ضابط أمن الدولة "آدم". ولاشك أنه سيواجه الكثير من الإغراءات مستقبلا للقيام بأدوار مشابهة عليه أن يفلت منها سريعا ويفرض نفسه بموهبته، كممثل غير نمطي.
فرح يوسف: ملائمة بطزاجة وجهها لدور المذيعة المتماثلة مع "النظام" رغبة في الصعود، شأن معظم فتيات البورجوازية الصغيرة في عالمنا، إلا أنها تحسم ترددها مع إدراكها بأنه "لم يعد في الإمكان أبشع مما كان" وأنه حان الوقت للانضمام للثورة مهما كانت العواقب!
في نهاية الفيلم تنزل معلومات دقيقة على الشاشة تضم أرقاما وأسماء: عدد الذين استشهدوا أمام ماسبيرو (حيث يوجد مبنى التليفزيون المصري) في المواجهات العنيفة مع الجيش، وكيف استشهد 286 شخصا خلال أقل من عام، وجرح 8469، وفقد 271 عيونهم، واغتصبت 27 ناشطة سياسية، ووقعت كشوف العذرية على بعضهن، وأنه لايزال هناك 12 ألف سجين مدني في سجون عسكرية طبقا لأحكام عسكرية... وأن "العد مازال مستمرا"- كما يقول العنوان النهائي.
 لقد تحررت الإرادة، وانطلق عمرو من محبسه لكي يشارك الجماهير إحساسها بالحرية، لكن اللقطة الأخيرة تشي بالترقب والتوجس، بانتظار القادم.. وهو ثقيل لكن عمرو فرح وأمثالهما مصرون على عدم التراجع.

الأربعاء، 13 مارس 2013

تحقيق مجلة الكواكب حول بيان أمير العمري بشأن مهرجان الإسماعيلية

الأحد، 10 مارس 2013

إستقالة سمير فريد من اللجنة الهزلية للمركز القومي للسينما






قبل بدء الندوة الأسبوعية لجمعية نقاد السينما يوم الأحد 10 مارس علق الناقد السينمائي الكبير سمير فريد ساخرا على اجتماع لمجلس ادارة المركز القومي للسينما واصفا ما فعله كمال عبد العزيز بأنه مهزلة حينما اقترح اسم مدير لمهرجان الاسماعيلية السينمائي خلال حضوره في اللجنة مما فاجأ جميع الاعضاء فصمتوا مصدومين من انعدام اللياقة الذي جعله يطرح اسم مرشح لادارة المهرجان في وجود الشخص المقصود لاحراج الجميع، وعندما صمت الجميع أعلن كمال عبد العزيز وكأنه يسخر منهم جميعا، وهو يضحك: إذن موافقة بالاجماع!!
وكان أمير العمري المدير السابق للمهرجان قد أعلن تفاصيل انهاء دوره وتوقفه التام عن تمثيل المهرجان منذ عدة أشهر في بيان أصدره أخيرا وفي اليوم التالي لصدور البيان أعلن المركز القومي للسينما أو اضطر لإعلان اسم مدير جديد للمهرجان، دون أن يكون قد صدر من وزير الثقافة قرار بتعيينه حتى الآن، كما لم يصدر قرار وزاري أصلا باقامة الدورة القادمة.. علما بأن موظفا إداريا صغيرا هو من يدير حاليا المركز القومي للسينما أي أنه المدير الفعلي الذي يوقع نيابة عن رئيسه المصور كمال عبد العزيز الذي لا يحضر لمباشرة وظيفته إلا قليلا، وهو أيضا الذي يملي على مدير المركز ما يفعله لأن المدير الجديد للمركز غير متفرغ ولم يحصل على أي تدريب حقيقي قبل ان يباشر مسؤوليته في إدارة مركز يعمل فيه 550 موظفا. ويسخر العاملون في المركز حاليا من الخضوع الذليل من جانب رئيس المركز لوصايا هذا الموظف المعروف بصلاته بأجهزة الأمن!


وكان سمير فريد قد أعلن في مقال له بجريدة المصري اليوم، أنه استقال من كل لجان وزارة الثقافة (إقرأ مقال سمير فريد في العمود الأيمن من هذه الصفحة) التي كان عضوا بها بعد أن ثبت له أنها شكلية وفارغة من المضمون، وخصوصا بعد الاجتماع الفضائحي للجنة إدارة المركز القومي لسينما وثبوت أن مدير المركز الجديد المصور، كمال عبد العزيز، يستخدم هذه اللجنة التي أعاد تشكيلها بالاتفاق مع المدعو خالد عبد الجليل المسؤول في وزارة ثقافة حكومة الإخوان المتأسلمين، لتمرير قرارات رآها سمير خاطئة ومراهقة ويفرضها أثناء اجتماع اللجنة بدون أي مناقشة حقيقية كأن يعرض تعيين مدير جديد لمهرجان الاسماعيلية أثناء وجوده كعضو في اللجنة في تصرف لا مثيل له ويخالف كل التقاليد، ويقول أمام الجميع: طبعا كلنا موافقين.. مما دفع سمير فريد إلى مغادرة اجتماع اللجنة غاضبا وعرض بعدها استقالته من اللجنة الشكلية.

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger