‏إظهار الرسائل ذات التسميات مهرجانات سينمائية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مهرجانات سينمائية. إظهار كافة الرسائل

السبت، 27 سبتمبر 2014

في مهرجان سان سباستيان السينمائي أسرار وألعاب غريبة "تحت الأرض"!





أمير العمري- سان سباستيان

سيكون هذا بلاشك، "فيلم العام"، فمنذ عرضه في مهرجان فينيسيا- البندقية، اكتسب هذا الفيلم قوة دفع جعلته يحل بالترحاب على مهرجان سان سباستيان وسط إقبال كبير من عشاق سينما الصدمة والغرابة وتحديدا، أفلام المخرج النمساوي الشهير أولريش سيدل.
عنوان الفيلم بالألمانية هو
Im Keller الذي يمكن ترجمته إلى "الطابق الأسفل" أي الذي يقع تحت مستوى الأرض. ويشار عادة إلى "الطابق الأسفل" الذي يقع تحت أرض البناية، باعتباره مكانا لإقامة وسكنى الفقراء وطبقة حراس العمارات في المدن العربية، بينما يبدو الأمر مختلفا في الثقافة الأوروبية وثقافة المجتمع النمساوي بوجه خاص، فالطابق الأسفل هنا امتداد طبيعي لمنازل طبقة بورجوازية المدن. صحيح أنهم لا يقيمون فيه، إلا أنه يعد لدى الكثيرين، الجزء الأهم من المنزل، الذي يختزنون فيه أسرارهم وخباياهم. الطابق الأسفل في فيلمنا هذا بالمفهوم الفرويدي، هو المقابل لما يطلق عليه فرويد "الأنا السفلى" أي الرغبات التي لا يمكن للمرء التعبير عنها أمام الآخرين، أسراره الداخلية، سلوكياته التي تتناقض مع صورته "الرسمية" على السطح، فهي تختزن الكثير من الأسرار التي تصل إلى أقصى درجات القسوة والشذوذ والانحراف.
ربما لا يمكنك أن تعرف تماما ما إذا كان فيلم "الطابق الأسفل" تسجيليا أم روائيا، فالنوعان يختلطان هنا على نحو محير يدفع إلى التساؤل عما إذا كان المخرج يستمد أيضا من خياله الخاص أحيانا. يفترض أنه فيلم تسجيلي، لكن مخرجه يكتب على الشاشة في بدايته أنه "يستند إلى مفهوم وفكرة أولريش سيدل وفيرونيكا فرانز"- شريكته في كتابة الفيلم. وفي مقابلة منشورة معه يقول إنه كان يدخل أحيانا بعض التعديلات على سلوكيات بعض الشخصيات الحقيقية التي تعيش في مناطق متفرقة من النمسا، مذكورة بالإسم، دون أدنى ممانعة من جانبها للظهور والكشف عما تخبؤه تحت الأرض.
يتدرج الفيلم، من تقديم سلوكيات غريبة حقا ولكن "مقبولة" نسبيا، إلى سلوكيات أخرى تصل إلى أقصى درجات العبث بالذات وبالجسد البشري وبالآخر، وهو "عبث" غرضه تحقيق المتعة، فهذه الشخصيات تجد في الغرابة والانحراف عن السلوك السائد، لذة خاصة، لكن الفيلم بالطبع، يستخدم ما يصوره لكي يكشف ويفضح ويسخر من تلك الطبقة وتوجهاتها التي تصل إلى أقصى حدود الشذوذ والعنف. ورغم ما في الفيلم من قسوة، إلا أنه يتضمن الكثير من العبث المضحك الساخر، والتعليق الذي يأتي من الصورة داخلها.
لاشك أن الفيلم جاء متأثرا باكتشاف حالة النمساوي جوزيف فريتزل عام 2008، عندما توجهت امرأة في الثانية والأربعين من عمرها، تدعى اليزابيث فريتزل، للشرطة وقالت إنها تمكنت من الفرار لتوها من قبو داخل منزل الأسرة، احتجزها فيه والدها لمدة 24 سنة وأخذ يعتدي عليها جنسيا بانتظام لسنوات، ومارس كل أشكال العنف، وأنها أنجبت نتيجة لذلك، سبعة أطفال من والدها. لكن المؤكد أن حالة فريتز ليست وحيدة.

في الفيلم نرى أولا رجلا في السبعين من عمره، يهبط إلى الطابق الأسفل من منزله لكي يمارس هوايته في غناء الأوبرا وحده، ثم يدعو أصدقاءه للحاق به حيث يمارسون جميعا هواية إطلاق الرصاص، ويتناقشون حول المسلمين والقرآن، بما يكشف عنصريتهم ورسوخ الصورة النمطية في عقولهم عن "الآخر" وميلهم الدفين للعنف.
وهناك امرأة شابة (بدينة شأن كل نساء أفلام المخرج سيدل!) تظهر عارية داخل دورة المياه الموجودة في الطابق الأسفل، تقول إنها انتقلت من العمل في سوبرماركت إلى مجال أفلام "البورنو" الإباحية، ثم إلى بائعة للجنس، ولكنها تحب أن تختلي بصديقها (الذي نراه نحيفا جدا) تمارس معه كل الأشكال الجسدية الغريبة.
وهناك إمرأة تجاوزت الخمسين من عمرها، تقيم مع زوجها في الطابق الأعلى، ولكننا نراها يوميا، في المساء، تغلق الباب المؤدي الى الطابق الأسفل باحكام، وتتسلل الى أسفل، إلى غرفة مليئة بالصناديق الكرتونية تحتفظ داخلها بدمى على شكل أطفال رضع، تفتح واحدة منها وتتناول دمية منها، تداعبها وتهدهدها في حنان الأم، وتغني لها وكأنها طفلة حقيقية.
وهناك رجل في السبعين متزوج لكنه يقضي أمسياته في الأسفل مع أصدقائه، يشربون ويستعيدون معا "الأمجاد النازية" القديمة، وهو يعلق على الجدارن الكثير من الشعارات والصور والشارات النازية، ويكشف ذات مرة، عن صورة ضخمة معلقة على الجدار لهتلر يقول إنها أعظم هدية تلقاها في عيد ميلاده، وسط إعجاب وتهليل الحاضرين الذين يشربون معا "نخب الفوهرر"!
وننتقل إلى امرأة "مازوكية" بدينة عارية، تقول إنها تحب كل أنواع العنف، وإن الرجل لديها هو الرجل العنيف الذي يمكنه أن يسيطر عليها ويهينها، ونرى رفيقها يضربها بالسوط بينما هي تقوم باحصاء عدد الضربات!
وهناك زوجان يفخران بما جلباه من رحلات صيد الى جنوب افريقيا، وقد علقا كل ما يمكن تخيله من رءوس الحيوانات التي اصطادوها، فوق جدار "الطابق الأسفل" وكذلك كل أدوات القنص والصيد. وفي مشهد آخر نرى امرأة تقيم مع رفيقها الذي يستمتع باذلالها له، ونراها وهي ترغمه على تنظيف الحمام يوميا ولعق زجاج الحمام بلسانه عاريا تماما، يزحف على الأرض في دعة واستكانة وهي تناديه بـ "الخنزير" وتأمره أن يؤدي أشياء غريبة.
لقطات الفيلم طويلة الكاميرا فيها ثابتة، والشخصيات تقف أمامها وكأنها تسجل للتاريخ دونما خجل أو وجل، بل بنوع من الفخر أيضا. وقد اقتضى الأمر من المخرج سنوات من البحث إلى أن تمكن من اقناع هؤلاء بالظهور في فيلمه، دون أن يدركوا بالطبع أنه يستخدم تلك المادة، لتقديم صورة ساخرة من الطبقة الوسطى النمساوية التي يتهمها بالنازية والتطرف، رابطا بين الموقف السياسي وبين الانحراف الجنسي والسلوكي.

يستخدم سيدل المونتاج في الانتقال بين المشاهد ويربط بينها ببراعة، بحيث لا تشعر بالملل، بل ويمكنك أيضا العثور على سمات مشتركة بين هذه الشخصيات المتفرقة، وهو مثلا يفاجئك بأن من يهوى العزف على آلة موسيقية ما، من عشاق إطلاق النار، وأن من يعشق هتلر ومازال يؤمن بعبقريته، يقود فرقة موسيقية. وهو يترك صاحب المنزل يصحبه بالكاميرا من أعلى إلى أسفل، يقدم بنفسه وصفا لمنزله ولطابقه الأسفل بنوع من الزهو، ويستعرض ما يحتفظ فيه من أسرار، ربما باستثناء المرأة التي تعشق دمى الأطفال، التي يعترف سيدل بأنها كانت تحتفظ بتلك الصناديق في الطابق الأعلى من منزلها لكنه طلب أن يصورها في الطابق الأسفل.
يقول سيدل: ربما يكون عدد قليل هم من يحتفظون بصورة لهتلر يضعونها على جدران منازلهم، لكن الرفض والكراهية أو اللامبالاة تجاه الآخر، يمكن العثور عليها في كل مكان".
ويعلق على ما يتضمنه الفيلم من "نكات" لفظية كثيرة يلقيها الرجال- بقوله إن الضحك موجود في كل أفلامه لكن الجديد في هذا الفيلم هي النكات القذرة التي يلقيها الرجال "إنهم يعبرون عن الهواجس الجنسية لدى الذكور، عن العنصرية، والنظرة المتعالية الى الجنس الآخر، في سياق يبدو "تعبيرا مرحا، مقبولا اجتماعيا. عادة قبل أن أقوم بتصوير مشهد ما أسال نفسي: هل يتعين علي الضحك أم البكاء؟ ربما يجب أن أتابع هذه النقطة، وربما يوما ما أخرج فيلما فقط عن النكات القذرة التي يلقيها الرجال!


الاثنين، 8 سبتمبر 2014

جوائز مهرجان البندقية.. احتفاء بالشعر والإنسان


  روي أندرسون يحمل الاسد الذهبي
                                                          


أمير العمري-البندقية



وفقت لجنة التحكيم الدولية برئاسة الموسيقار الفرنسي ألكسندر ديشبلات عندما منحت الجائزة الكبرى لمهرجان البندقية السينمائي -وهي جائزة "الأسد الذهبي"- لفيلم "حمامة تقف فوق غصن تتأمل الوجود" للمخرج السويدي روي أندرسون.
هذا فيلم يقترب من لغة الشعر السينمائي الرفيعة التي تتكون من الصور والإشارات والعلاقات البصرية متحدثة عن نفسها، فالحوار في الفيلم ليست له وظيفة مباشرة في التعبير عن العلاقات بين البشر، بل عن ما وصلت إليه العلاقات الإنسانية، خاصة في المجتمعات الأوروبية، من برودة وانفصال وانعدام القدرة على التواصل، والأهم عدم القدرة على تفهم المأزق الذي يعيشه الآخر، والذي قد يكون مكثفا لمأزق أكبر وأشمل.
فيلم روي أندرسون هو خاتمة ثلاثية بدأها هذا المخرج البالغ من العمر 71 عاما بفيلم "أغنيات من الطابق الثاني" عام 2000، ثم ثناها بفيلم "أنت.. الذي تعيش" عام 2007، وتتميز أفلامه -خصوصا فيلمه الأخير- بطابعها السيريالي الساخر، ومشاهدها الثابتة ولقطاتها الطويلة التي لا تصطف ضمن سياق درامي تقليدي، بل تعتمد على ذكاء المتفرج في التقاط العلاقات الذهنية بين الشخصيات والأماكن التي تظهر فيها، وتحمل نبرة سخرية تميز أسلوب الكوميديا السوداء التي تنتمي لها.
هنا، يقسو أندرسون في هجائه الإنسان الأوروبي، متخلصا تماما من تلك النزعة المركزية الأوروبية، معلنا استنكاره حتى لتاريخ من الانتصارات الزائفة والممارسات الاستعمارية البشعة، ومصورا المستعمر البريطاني تحديدا وهو يقدم تسلية لطبقة رجال الأعمال الأوروبيين عن طريق شواء مجموعة من نساء ورجال وأطفال إحدى المستعمرات الأفريقية داخل أسطوانة نحاسية ضخمة تدور، وتحتها نيران مشتعلة.

ساعي البريد
كما منحت لجنة التحكيم جائزة الأسد الفضي لأفضل إخراج للمخرج الروسي المرموق أندريه كونتشالوفسكي عن فيلم "ليالي ساعي البريد البيضاء" الذي تدور أحداثه في قرية نائية في أقاصي الشمال الروسي، حيث يعيش الأهالي هناك في عزلة تامة عن ما يحدث في روسيا والعالم، ولم تلمس التغييرات التي وقعت منذ سقوط الاتحاد السوفياتي حياتهم ولم تغير فيها شيئا، وسيلتهم الوحيدة للاتصال بالجانب الآخر في المدينة هو ساعي البريد الذي يأتي إلى قريتهم راكبا دراجته النارية، حاملا بعض الخطابات والرسائل التي قد لا تحمل سوى الأخبار السلبية.
ويتميز الفيلم بأسلوبه الذي يموج بين الروائي والوثائقي، ويقوم بالدور الرئيس فيه، أي دور ساعي البريد، موظف حقيقي يعمل ساعيا للبريد في المنطقة، كما استعان المخرج بالكثير من سكان المنطقة للقيام بأدوارهم الحقيقية.
وذهبت جائزة أحسن ممثل إلى الأميركي آدم درايفر، وجائزة أحسن ممثلة إلى زميلته الممثلة الإيطالية ألبا روروتشر، صاحبي الأداء المتميز كثيرا في فيلم المخرج الإيطالي "قلوب جائعة" الناطق بالإنجليزية، وهو الفيلم الذي رشحه عدد من النقاد للجائزة الكبرى، وعلى الرغم من أنه من الممكن اعتباره فيلما من أفلام الرعب فإن أسلوب المعالجة السينمائية لموضوعه الإنساني ترك تأثيرا لا شك فيه على المشاهدين.
ويصور الفيلم كيف ترغب زوجة أنجبت حديثا في حرمان وليدها الصغير من تناول أي طعام بروتيني من أي نوع، وتكتفي بتدليك جسمه بزيت نباتي معين، فهي النباتية تعتقد أن المأكولات الغنية بالبروتين تقتل الإنسان، في حين يشاهد والده كيف يتضاءل جسد ابنه يوما بعد يوم، ويضطر لسرقة الطفل والخروج به بعيدا عن عيني الأم لكي يطعمه بنفسه، ومع تطور شخصية الأم تزداد حالتها النفسية سوءا مع تصاعد رغبتها في الاستحواذ على الطفل وتربيته بطريقتها الخاصة بما يشي بجنونها، ويحاول الأب مستعينا بوالدته انتشال الابن من المصير الذي ينتظره، وذلك على نحو يذكرنا بفيلم "طفل روزماري" لرومان بولانسكي (من عام 1968).


مذابح إندونيسيا
وذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة إلى المخرج الأميركي جوشوا أوبنهايمر عن فيلمه التسجيلي الطويل "نظرة الصمت" الذي يستكمل فيه ما بدأه في فيلمه الوثائقي السابق "فعل قتل" (الحاصل على الأوسكار)، ولكن في حين كان الفيلم السابق يعرض اعترافات مباشرة لأشخاص شاركوا في مذابح إندونيسيا ضد أعضاء الحزب الشيوعي في أعقاب انقلاب عام 1965 على الرئيس سوكارنو، يعرض الفيلم الجديد القصة ولكن ليس من خلال وجهة نظر القتلة، بل من وجهة نظر الضحايا والشهود على تلك المذابح التي لا تزال موضوعا يثير الجدل في إندونيسيا حتى اليوم.
ومنحت لجنة التحكيم جائزة أحسن سيناريو إلى المخرجة رخشان بني اعتماد وفريد مصطفاوي كاتبي سيناريو فيلم "حكايات" الإيراني لمخرجته بني اعتماد الذي تلخص فيه ما جاء في أفلامها السابقة منذ فيلم "نرجس" من شخصيات تعاني وطأة الضغوط الاجتماعية والبيروقراطية، ولكن من خلال النقد الاجتماعي الخفيف الذي لا يصل إلى توجيه النقد لجوهر النظام وطبيعته الاستبدادية.
أما جائزة "مارسيللو ماتسروياني" التي تمنح لأحسن ممثل أو ممثلة في الدور الأول فقد ذهبت إلى الممثلة الفرنسية روان بول عن دورها في الفيلم الفرنسي "ضربة المطرقة الأخيرة" الذي تقوم فيه بدور أم انفصلت عن زوجها وأصبحت مسؤولة عن تربية ابنهما المراهق الذي يرغب في استئناف علاقته بأبيه رغم أنه لم يره منذ عشر سنوات، كما أن الأم تعاني من سرطان الدماغ وتستعد لإجراء عملية جراحية.
والفيلم عمل شديد الرقة والتأثير، يفيض بالمشاعر الإنسانية ويقدم صورة شديدة الصدق والواقعية لصبي يتطلع إلى الالتحاق بعالم الكبار لكنه يقاوم البقاء في كنف أمه الوحيدة.
وقد نظر كثيرون إلى الجائزة الخاصة التي منحتها لجنة التحكيم للفيلم التركي "سيفان" على أنها جائزة تحمل نوعا من المجاملة بمناسبة الاحتفال بمائة عام على بدء تاريخ السينما في تركيا، أما الفيلم نفسه فهو عمل غير متميز سينمائيا، كما أنه يمتلئ بالمشاهد التي تثير النفور كتعذيب وإيذاء الحيوانات، وكيف ينساق طفل وراء الكبار في الولع بمصارعة الكلاب حتى الموت.
نشر في موقع الجزيرة

السبت، 31 مايو 2014

خواطر من "كان": العبرة ليست بعدد الأفلام!




 يتصور بعض من يقيمون المهرجانات في العالم العربي أنه كلما زاد عدد الأفلام التي يعرضونها في مهرجاناتهم كلما أصبح المهرجان "دوليا" وارتفعت قيمته وأهميته بين المهرجانات. ولكن الحقيقة ومن واقع ما نراه عاما بعد عام في مهرجان كان السينمائي، أكبر وأهم هذه المهرجانات، أن عدد الأفلام ليس هو المعيار بل اختيار الأفلام التي تعرض هو الأساس.
وقد يقول قائل: وهل مستوى الأفلام التي عرضت أو تعرض في مهرجان كان مثلا مستوى جيدا دائما، أليست هناك أفلام سيئة أو محدودة القيمة؟
الاجابة: كلا بالطبع ليس كل ما يعرض هو دائما جيد، بل الأهم أن معظم ما يعرض من أفلام أو الغالبية العظمى منها هي أفلام جديدة أي لم يسبق عرضها في أي مكان في العالم وهي لذلك تكون مفاجئة سواء سارة أو غير سارة بالنسبة للناقد والمشاهد والسينمائي المهتم أصلا بمشاهدة الأفلام وليس لعب القمار في كازينو كان الشهير!!
لم يعرضالمهرجان في برامجه كلها أكثر من 85 فيلما. وعرض في السوق عدد كبير يتجاوز ثلاثة ىلاف فيلم لكن الأسواق التي تتيح للموزعين الحصول على الافلام لا علاقة لها بالمهرجان الرسمي وافلامهما لا تخضع للاختيار بل لمنطق شركات التوزيع.
إن أي مهرجان يتفوق على غيره من مهرجانات، بما يستطيع أن يأتي به من أفلام تعرض للمرة الأولى عالميا، وبنجاحه في إقناع صناع الفيلم بالحضور ومناقشة أفلامهم مع النقاد والصحفيين وأحيانا أيضا، مع الجمهور. وكلما نجح المهرجا في استقطاب أفلام جديدة جيدة كان ناجحا ولكن لا يتوقف النجاح قط على استقطاب الأسماء الكبيرة في عالم الاخراج السينمائي فقط، فليس بالضرورة أن تكون هذه الأسماء قد حافظت على مستواها السابق. وقد شاهدنا على سبيل المثال، عددا من أفلام المخرج البريطاني كن لوتش (ثلاثة على الاقل) خلال السنوات الأخيرة، تعرض في مسابقة مهرجان كان دون أن ترتفع إلى مستوى المشاركة ولا حتى الى مستوى ما حققه كن لوتش نفسه من قبل في تحفته التي حصلت على السعفة الذهبية عام 2006 أي فيلم "الريح التي تهز الشعير".
وكان من الغريب والمهرجان الرسمي يحرص على استقطاب الأسماء الكبيرة أن يذهب الفيلم الجديد "الملكة والدولة" Queen and Country للمخرج البريطاني الكبير جدا قيمة وتجربة وعمرا، أي جون بورمان (83 سنة)، إلى تظاهرة "نصف شهر  المخرجين: وليس للمسابقة الرسمية أو حتى للعرض خارج المسابقة على نحو ما حدث مع فيلم المخرج الصيني المرموق جانج ييمو "العودة للدار" الذي عرض خارج المسابقة وإن كان رأيي أنه لا يليق بالمخرج الكبير ولم يأت حسب التوقعات بعد كل هذا الغياب عن التعاون بين ييمو وبطلته التي صنع معها مجده أي الممثلة جونج لي. وقد بالغ البعض في قيمة هذا الفيلم بل وفي قيمة تمثيل جونج لي الذي أراه مبالغا في الأداء وعلى وتيرة واحدة لا تتغير. ولنا مع الفيلم وقفة خاصة فيما بعد لتحليله تحليلا نقديا من داخله بعيدا عن هذه الانطباعات العابرة التي أسوقها هنا الآن.
لم تتجاوز أفلام المسابقة عدد 18 فيلما كما لو كان المهرجان المخضرم قد عجز عن الحصول على العدد المعتاد أي 20 أو 21 فيلما من العالم كله. أيضا لم يكن كل ما في هذه الأفلام جيدا بل كان هناك ما لا يصلح للاشتراك ـأصلا في أي مسابقة لمهرجان كبير محترم مثل الفيلم الايطالي الألماني "الرائعون" أو "الأعاجيب" أو سمه كما تشاء فاسمه نفسه يبدو ملتبسا فلا عرف الى أي شيء يشير. وهو بالانجليزية The Wonders والفيلم عبارة عن كوميديا سطحية اجتماعية وراءها فكرة نظرية قد تبدو جيدة عن تقديم أسرة من الطبقة الدنيا تخوض تجربة جديدة في العمل مع أطفالها في الريف. ولكن الفيلم يفتقر الى سينارية متماسك والى اخراج يعف هدفه، فيظل يدور في دوائر مغلقة، دون أي قدر من خفة الظل بل على العكس. ومسار الحكي نفسه يبدو ممطوطا ومفتعلا يبعث على النعاس ومع ذلك فاز الفيلم بجائزة مهمة في المهرجان هي جائزة لجنة التحكيم الكبرى التي تأتي في المرتبة التالي للسعفة الذهبية. هذه بلاشك جائزة مجاملة فقط لمخرجة الفيلم كونها امرأة، ولاشك أن جين كامبيون رئيسة لجنة التحكيم وهي معروفة بانتمائها الى معسكر "الفيمينزم" أو الحركة النسوانية التي تتحيز للمرأة على حساب الرجل أيا كان ، بدعوى أن المرأة مضطهدة ومظلومة وأن الرجل يستبعدها عادة من الصورة، كانت وراء منح تلك الجائزة لهذا الفيلم الضعيف شكلا ومضمونا
المضحك في الأمر كله أن الكثير من الذين يكتبون وينشرون الأخبار والتقارير في الصحف العربية اعتبروا- كما قلت من قبل أن يبدأ المهرجان في أكثر من مقال- أن الفيلم الفرنسي "تمبكتو" فيلم عربي، غالبا لإقناع القائمين على الصحف التي يكتبون لها بأن هناك ما يستحق التغطية والحصول على بدل سفر وتكاليف اقامة في أغلى مهرجان في العالم تكلفة، أليس عبد الرحمن سيساكو مخرج الفيلم موريتاني الأصل؟ وأليست موريتانيا عضوا في الجامعة العربية؟ وأليس الفيلم يدور في موريتانيا ويتناول مشكلة تتعلق بالتطرف الاسلامي أو بجماعات العنف باسم الاسلام؟ نعم طبعا، لكن موريتانيا لا تنتج الأفلام، ولا سيساكو نفسه ادعى أنه ذهب الى كان ممثلا لموريتانيا، بل هو الإبن الروحي للثقافة الفرنسية، وفيلمه وهو من الانتاج الفرنسي بالكامل، يدين العرب، بقدر ما يتجاهل دور الغرب في صنع ظاهرة التطرف الاسلامي والجهاد الكاذبة، هذا بالاضافة طبعا الى ضعف الفيلم نفسه كفيلم من حيث السيناريو والاخراج والسيطرة على المشهد والأداء والتكرار والافتعال..إلخ، لكن هذا لا يهم فالمهم أن الفيلم "انتصر" وذهب للعرض في المسابقة.
والطريف أنني بعد أن نشرت في موقع "عين على السينما" مقالي النقدي عن الفيلم عقب عرضه مباشرة في اليوم الثاني للمهرجان مع ملاحظاتي السلبية على الفيلم من الناحية الفنية، علق قاريء من موريتانيا بالقول إنني "حسود" وغن الفيلم لقي ترحيبا واشادة من "جميع" النقاد العرب والأجانب، أي أنني رجل حاقد على المنجز السينمائي الوطني "الموريتاني"، و"خارج عن الإجماع" بين نقاد العالم. وهي نزعة عنصرية استعلائية موجودة بين كثير من المشاهدين والقراء في العالم العربي خصوصا، فالجزائري يعتبر نقدنا السلبي لفيلم مثل "الخارجون عن القانون" لرشاد بوشارب مثلا، نقدا ينم عن "غيرة" لأن أفلام من بلادي لم تصل الى مسابقة كان بينما وصل الفيلم (الجزائري- افتراضا). وقد حدث هذا حرفيا معي، فالعرب يعتبرون المشاركة في "كان" ليست مشاركة تعبر عن المبدع الفرد أي مخرج الفيلم، بل تمثيلا للدولة وللسطة الرسمية أيضا، ويعتبرون مشاركة أفلام من بلادهم في مسابقة كان مثل دخول منتخبات بلادهم مسابقة كأس العالم لكرة القدم، أي يعتبرونه انتصارا قوميا يستحق الاشادة والاعتزاز والتمجيد، حتى لو خرج هذا المنتخب من الدور الأول مجللا بالفضائح فاشلا من جميع الجوانب الفنية، عاجزا عن تحقيق أي فوز امام منتخبات أخرى من بلدان ليست لديها عقدة الاضطهاد وكراهية الآخر، العربي تحديدا، وبغض النظر عن مستوى الفيلم وقيمته الفنية، فمن الممنوع أن ينتقده أحد بل يجب الاحتفاء به والتهليل بوصفه نصرا قوميا ووطنيا.
شخصيا لم يسبق لي أبدا- على سبيل المثال- أن سمعت أو قرأت أن مشاهدا من بريطانيا هاجم ناقدا فرنسيا لأانه لم يعجب بالفيلم البريطاني الذي عرض في مهرجان ما، واتهمه بكراهية بريطانيا وثقافتها والحقد عليه. ولم أسمع مطلقا أن أمريكيا اتهم ناقدا من ألمانيا بكراهية السينما الأامريكية والثقافة الأمريكية بسبب ما كتبه عن فيلم أمريكي. إنها عقدة النقص العربية المخيفة التي تفترض أن الناقد العربي يكتب انطلاقا من مواقف شوفينية ضيقة وليس استنادا الى ذوقه الشخصي ورؤيته وتكوينه وانفتاحه على الدنيا باسرها ثقافيا. لكن هذه قضية معقدة!

الخميس، 3 أبريل 2014

برنامج حافل في مهرجان إسطنبول السينمائي





 




تشير ملامح الدورة الثالثة والثلاثين من مهرجان إسطنبول السينمائي الدولي إلى الطموح الكبير الذي يدفع القائمين على أمر هذا المهرجان المرموق إلى الانفتاح على كل التجارب السينمائية في العالم، مع عدم إغفال ذلك الاهتمام المعتاد بالسينما التركية، فالهدف الأساسي لأي مهرجان سينمائي هو تطوير السينما المحلية في البلد الذي يقام فيه المهرجان، وليس مجرد تحقيق عروض للمتعة والتسلية للجمهور لبعض الوقت ثم ينتهي الأمر.


وأساس اهتمام ضيوف المهرجان الأجانب والنقاد والمتخصصين والسينمائيين، يتجه عادة الى الإطلاع على طبيعة النشاط السينمائي في الدولة المضيفة وليس فقط متابعة الأفلام التي تتنافس على الجوائز، أو تلك التي تعرض في البرامج الموازية التي تتوجه في الأساس ، إلى جمهور البلد الذي ينظم المهرجان.

وإذا عدنا إلى تاريخ مهرجان إسطنبول الدولي سنجد أنه نشأ في بدايته، عام 1982، كأسبوع سينمائي باسم "أيام إسطنبول السينمائية الدولية" كجزء من مهرجان إسطنبول للفنون، ثم أصبح حدثا سينمائيا مستقلا بذاته في 1984 ، وفي العام التالي بدأ الأسبوع (أو الأيام) في تنظيم مسابقتين، الأولى دولية، والثانية للأفلام التركية.  وفي عام 1989 أصبح "الأسبوع السينمائي" مهرجانا دوليا حصل على اعتراف الاتحاد الدولي لمنتجي الأفلام (الفياف) وأصبح ينظم مسابقة متخصصة تعرض الأفلام اتي تدور حول الفن والفنانين أو الأفلام المقتبسة عن أعمال أدبية.

وقد أصبح المهرجان ينظم منذ 2006، لقاءات بين المنتجين الأوروبيين ونظرائهم الأتراك بغرض تشجيع التعاون في مجال الإنتاج المشترك تطورت هذه اللقاءات إلى ورشة مكثفة لتقييم ودعم المشاريع السينمائية، كما يقيم المهرجان منذ 2007، مسابقة للأفلام التي تتناول مواضيع تتعلق بحقوق الانسان، ويمنح جائزة لأحسن فيلم في هذا المجال باسم جائزة المجلس الأوروبي لحقوق الانسان.

يعرض المهرجان أكثر من 200 فيلم، ويبلغ عدد المترددين على عروضه نحو 190 ألف شخص، وهو مهرجان طويل نسبيا إذ يستغرق 16 يوما. والدورة الجديدة وهي الثالثة والثلاثون، ستقام في الفترة من 5 إلى 20 أبريل 2014.

ينقسم إلى أقسام عديدة تغطي كل الاهتمامات وأنواع الأفلام، من الكلاسيكية إلى التسجيلية والروائية والتحريك وافلام الاطفال وافلام الشباب، إلى جانب المسابقة الدولية ومسابقة لأفلام حقوق الإنسان.

تشمل المسابقة الدولية عرض 12 فيلما من بولندا وبلجيكا وفرنسا وكندا وأيسلندا وألمانيا وإيطاليا والنرويج والسويد وبريطانيا واستراليا وأيرلندا.  أفلام المسابقة هي "20 ألف يوم على الأرض" للمخرج البريطاني إيان فورسايث، و"تربتيك" TRIPTYQUE  للمخرج الكندي روبير لوباج، و"فيوليت" للفرنسي مارتن بروفوست، و"عمياء" أول أفلام المخرج النرويجي إسكيل فوغت، و"أنا ونفسي وأمي" Me, Myself and Mum للمخرج والممثل الفرنسي عليوم غليين، و"تلك السنوات السعيدة" للمخرج الإيطالي دانييل لوتشيتي، و"بابسوزا" لاثنين من المخرجين البولنديين، عن حياة الشاعرة والمغنية الغجرية البولندية الشهيرة برونسلافا فايس التي عرفت باسم "بابسوزا" PAPUSZA .

لقراءة باقي المقال انقر على الرابط هنا

الجمعة، 21 مارس 2014

مهرجان القاهرة السينمائي يعوم على بحيرة من الفساد!



توليت رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي لمدة شهر واحد. كان وزير الثقافة السابق- علاء عبد العزيز- الذي لا تربطني به أي علاقة شخصية من أي نوع، هو من عرض علي هذا المنصب. وكنت أرى من واقع خبرتي ومعرفتي بعالم السينما وعالم المهرجانات الدولية عبر أكثر من ثلاثين عاما، سواء كعضو في لجان التحكيم أو كمشارك فاعل قريب من عدد كبير من المهرجانات السينمائية الدولية المرموقة، أنني جدير بتولي هذه المهمة، وأنها فرصة لوضع خبراتي التي قمت بتحصيلها عبر ثلاثين عاما أو أكثر قليلا، في خدمة المهرجان "الكبير" الذي يقام في بلادي وباسمها، والذي كان قد اكتسب عبر سنوات، سمعة سيئة في العالم، أساسا، بسبب إسناده الى غير المتخصصين وغير المحترفين وغير المهتمين أصلا بقضية الثقافة السينمائية بالاضافة إلى التدخل المزري من جانب أجهزة الدولة (التي يسمونها بالعميقة) في أعماله وبرامجه. وكانت قناعتي ومازالت، أن صناعة المهرجان السينمائي الدولي مهمة ذات علاقة وثيقة بالثقافة السينمائية، وليست مجرد إحتفال استعراضي يقصد من وراءه الترويج للسلطة.
وكنت أكتب، منذ أكثر من عشرين عاما، في نقد مهرجان القاهرة السينمائي، ونشرت الكثير من المقالات التي وجهت نقدا شديدا لهذا المهرجان، داخل مصر وخارجها، وتحدثت في الاذاعات الدولية ومحطات التليفزيون الدولية كثيرا. وعندما جاءت الفرصة لتولي هذه المسؤولية رحبت بها، وتساءلت كما تساءل كثيرون وقتها: وهل يمكن قبول مهمة من وزير محسوب على حكومة الإخوان المسلمين؟ وكانت الاجابة بنعم ونعم.. فهي بمثابة اعتراف بالدور الثقافي للمهرجان، ورد للأمور إلى نصابها الصحيح، وعودة الحق لنا نحن المثقفين الذين قضينا عمرنا دفاعا عن قضية الثقافة والثقافة السينمائية.ومازلت غير نادم عن قبولي تولي المهمة.
ليس دفاعا عن علاء عبد العزيز
لماذا؟ لأن محمد صابر عرب وزير الثقافة في عهد الاخوان المسلمين وحكومة محمد مرسي وهشام قنديل أيضا هو من عملت معه مديرا من قبل لمهرجان الاسماعيلية السينمائي، وهو الوزير المهيمن حاليا على الأمور ويعمل معه جميع من هاجموا علاء عبد العزيز وشككوا بجهل فاضح، في قيمته ومعرفته، رغم أنه الوزير القادم من محيط الثقافة السينمائية كمدرس في معهد السينما ومونتير، وليس قادما من "التنظيم السري العقائدي" للاخوان بل ولم يكن أصلا عضوا في تنظيم الاخوان، بل إنني وجدته- وهذه شهادة للتاريخ- أكثر انفتاحا وليبرالية ونزاهة وشرفا واستقامة وأمانة وصدقا – من الأغلبية العظمى من حفنة المثقفين والمتثاقفين الذين وقفوا ضده، واعتصموا في مبنى وزارة الثقافة بعد توليه منصبه (وأنا أعرفهم معرفة شخصية طويلة واعرف عنهم وعن مواقفهم وتطلعاتهم الكثير مما يمكن أن يملأ مجلدات)، وقد خضع هؤلاء بشكل يدعو للتعجب، لتوجيهات ثلاثة من موظفي الوزارة الذين يلطخ الفساد وجوههم وذممهم، الذين أعفاهم علاء عبد العزيز من العمل معه بعد ان سمحوا باحتلال مبنى الوزراة وشجعوا على دخوله، بل وسهروا على راحة المعتصمين وتقديم الشاي والقهوة لهم،  رغم ان علاء عبد العزيز لم يقطع رزقهم بل اعادهم الى الجهات الحكومية  التي انتدبوا منها للعمل في مقر الوزارة.. مما يدل على استماتتهم في الدفاع عن "مصدر النهب العام" الذي يغترفون منه، وهو نفس ما فعله ببعض من يطلق عليهم "قيادات العمل الثقافي" من أمثال أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب، وإيناس عبد الدايم، رئيسة دار الاوبرا، وغيرهما. وقد اطلعت بنفسي على وثائق رسمية بتوقيعهم تدينهم بالفساد المالي وتبديد المال العام والحصول- بدون وجه حق- على مكافآت مالية ضخمة.
وكان علاء عبد العزيز على حق فيما اتخذه من قرارت ضدهم، وقد أصبح هناك اليوم من يطالب علانية بمحاسبة أمثال هؤلاء من قيادات في الوزارة، ومنهم من قام بنهب وسلب المال العام في القطاع الذي يعمل به، لسنوات طويلة ومنهم أيضا من تقاعد أخيرا وكان ينتظر إسناد منصب الوزير إليه تكريسا ومكافاة للفساد الذي يقال لنا أن السلطة الحالية تحاربه، ولو أرادوا محاربته حقا لفتحوا ملفات التحقيق مع عبد الدايم ومجاهد بل وصابر عرب نفسه المتهم بالكثير من وقائع الفساد عندما كان رئيسا لدار الكتب والوثائق القومية، ويقال إنه في عهده ايضا- هو وسلفه، سرقت مخطوطات نادرة وتم بيعها بعد تهريبها خارج البلاد، وكتب الكثير أيضا عن كيف أنه تمكن من اغلاق ملفه الذي كان موجودا أمام النائب العام!
وأود أن أؤكد هنا، ما يعرفه الجميع من ان إسناد رئاسة المهرجان إلي لم يكن بأي حال قائما على أساس سياسي بل مهني بحت، وأن الجميع يعرف جيدا أنني من كبار معارضي الاخوان المسلمين بل وكل فرق الاسلام السياسي منذ عشرات السنين، عندما كان الكثيرون يرحبون بهم ويعتبرونهم جزءا من الحركة الوطنية، بل وهناك من كتبوا شعرا في خطاب يوسف القرضاوي الشهير عشية انتصار ثورة يناير 2011 في ميدان التحرير وقالوا عنه إنه من أعظم خطابات العصر الحديث وإنه ينبغي تدريسه على طلاب المدارس. وقد تحول الكثيرون من هؤلاء الآن بين ليلة وضحاها الى اعتبارهم "جماعة ارهابية" بعد أن أعلنت السلطة ذلك.
وكنت من أشد ناقدي الفكر السياسي الديني وكتبت في عشرات المواقع والمطبوعات معبرا عن ذلك بل وأصدرت بيانا وهم في عز سطوتهم بعد أن توليت المهمة، قلت فيه بوضوح أنني لا اتفق مع قناعات علاء عبد العزيز السياسية فأنا أنتمي لليسار، في حين يقف هو الى اليمين. لكني الآن أود أيضا أن أؤكد أنني لا أنطلق في أحكامي على البشر من منطلقات أيديولوجية، بل كنت دائما وسأظل، أدافع عن الحرية وعن الحقيقة. وليس من الممكن أبدا إنكار الحقيقة الواضحة لحساب الانحياز العقائدي. والحقيقة أن علاء عبد العزيز كان صادقا في رغبته في تطهير وزارة الثقافة. وأن ميزته الكبرى أنه كان قادما من خارج دولاب السلطة والوزارة وعملاء الأمن وفرق كتبة التقارير الذين قصرت عليهم المناصب والمسؤوليات الكبرى في مصر دون غيرهم، منذ عشرات السنين وحتى يومنا هذا، بدليل بقاء محمد صابر عرب وزيرا للثقافة في كل العهود. وما أقوله هنا هو الحق الذي أعرفه، وهذه حقيقة للتاريخ. وليس من الممكن نكران الحق، نكاية في "الإخوان" أو في غيرهم. وأود أن أضيف أيضا أنني وجدت كل تشجيع وحرية في العمل من جانب علاء عبد العزيز الذي لم يتصل بي ولا لمرة واحدة طوال فترة قيامي بالمهمة ولم يصدر لي أي توجيه أو يطلب مني أي طلب خاص او يتدخل في عملي كما هو معروف من جانب الوزراء.. وهذه أيضا، شهادة للتاريخ.
وقد علمت- قبل أن يعرض علي منصب رئيس مهرجان القاهرة السينمائي- أن ناقدا سينمائيا معروفا كان يسعى للحصول على هذا المنصب، وأنه ونحن بعد في دورة مهرجان كان السينمائي العام الماضي، كان يوسط من يمكنه التحدث إلى الوزير الجديد علاء عبد العزيز في هذا الشأن، بل وعلمت من علاء عبد العزيز نفسه فيما بعد، أن الناقد الكبير قام بتوسيط صحفي من أصدقائه قابل الوزير وطرح أمامه إسم الناقد الكبير لتولي مسؤولية المهرجان. ولم يكن لدي إعتراض من أي نوع على "خبرة" الناقد الكبير في هذا المجال، بل واحترم معرفته وخبراته وأقدرها.


الممثل محمود قابيل اجتمع مع علاء عبد العزيز وخرج بعد اللقاء وصرح بأنه تأكد بنفسه من وجود فساد وتجاوزات في الوزارة وأعلن تأييده لقرارات الوزير واقتناعه بسياسته ثم عاد فالتحق بالاعتصام ضده.. فالمسألة كانت سياسية تماما!

ولم يكن العمل مع "الوزير الإخواني" - كما يحب البعض أن يصفه، مرفوضا من ناحية المبدأ، بل إن الناقد الكبير دافع عنه في عدد من مقالاته في البداية كما هاجم اعتصام من يسمون أنفسهم بالمثقفين، ثم تحول إلى الهجوم عليه ومطالبته بالاستقالة بعد ذلك!
هذا الكلام أكتبه الآن بكل صراحة للتاريخ، ليس بقصد الإساءة لأحد، بل لوضع الأمور في نصابها أمام الجميع وحتى لا تتم المتاجرة بأي موقف أو المزايدة على أي موقف.

حملة التشويه
وقد تعرض كاتب هذا المقال لأبشع حملة تشويه وهجوم من بعض من كنت أعتقد أنهم من "الأصدقاء" أو على الأقل، من "غير الأعداء"، وكشفت لي هذه الحملة التي تسترت في الموقف السياسي المناهض للاخوان المسلمين وفكرهم، عن كم الأحقاد والغيرة والحسد التي تملأ قلوب البعض لمن يأتي من خارج "حظيرتهم" محصنا بثقافة سينمائية رفيعة وتجربة ثرية لم يتح لأحد منهم تحصيلها، صنعها بجهده الشخصي وفي معظم الاحوال، تحمل نفقاتها من جيبه الخاص دونما حاجة لدعوة من أحد، أو راع من منتجي الأفلام الاستهلاكية أو "فنانة" معروفة مثلا، لكي ينفق على سفرياته إلى مهرجانات السينما الدولية.
وقد تصور بعض هؤلاء الذين إنغمسوا في تلك الحملة القذرة وقتها أنهم الأجدر والأولى، وأنهم أحق من أمير العمري "الذي عاش طويلا في أوروبا"- كما قال بعضهم وصرح في الصحف، كما لو أن العيش في الداخل الملوث بالفساد يمثل قيمة في حد ذاته، وكما لو أن تجربة الغربة التي تكسب المرء الكثير من الخبرات والمعارف أصبحت عيبا في زمن تحولت فيه البعثات العلمية إلى اوروبا إلى مجال للارتزاق وتحويل العملة ومجاملة أبناء و"أزلام" المسؤولين ومكافآت تدفع لمن ينافقون هذا أو ذاك، من "القيادات الثقافية المشبوهة".
وقد رأينا بأعيننا بعد أن سكتت الضجة- ضجة المهزلة - كيف كوفيء أحد نقاد السينما من "الفئة الثالثة"، بموقع لا يستحقه في أكاديمية الفنون، مكافأة له على هجومه الشديد الهستيري على علاء عبد العزيز وعلى العمري، لحساب رئيس الأكاديمية سامح مهران الذي يوجد ملف ضخم لفساده لم يجرؤ حتى الوزير الأسبق للثقافة الدكتور شاكر عبد الحميد، على كشفه أمام رئيس الحكومة الجنزوري (في ذلك العصر والأوان) واقناعه باعفائه من منصبه، فالعلاقات مع أجهزة الأمن، تظل هي الأقوى في دولة بوليسية محكومة بالقهر، حولت قطاعات عريضة من المثقفين منذ 1954 إلى قطيع من كتبة التقارير والتجسس على أقرانهم في الداخل والخارج.
كان من أسباب الحملة ضدي أيضا أنني كنت أتصدى عبر ثلاثين عاما لنقد الأفلام المصرية الرديئة الفاشلة، ولذلك سنجد الكثير ممن انتقدت أفلامهم يتقدمهم مخرج نكرة، لم يصنع سوى فيلم واحد ولا أظنه سينجح في صنع فيلم ثان، ولعل تجربة إنتاج هذا الفيلم أيضا، تملأ ملفا من أكبر ملفات الفساد السينمائي في وزارة الثقافة في عصر فاروق حسني.
وقد وجدها أيضا فرصة، بعض من حثالة صحفيي المنوعات وأخبار النجوم والفضائح ولصوص المقالات، ممن فشلوا في الحصول على دعوة لمهرجان الاسماعيلية الذي عملت مديرا له في دورة 2012. وهؤلاء لا أسماء لهم أصلا، فهم، وبينهم أيضا عدد من صغار الصحفيات الفاشلات، مجموعة نكرات لكن صحف التدني في زمن الانهيار الثقافي المصري ترحب بما يبعثونه إليها من نفايات!

هاني مهنى

والطريف أيضا أنني تلقيت هجوما شرسا من المدعو هاني مهنى، عزف الأورج الذي انتخب نقيبا للفنانين في مصر، بدوعى أنني غير معروف لدى الفنانين وأنني فشلت في مهرجان الاسماعيلية، في حين ان هاني مهنى كان يتقافز وهو يدق بأصابعه على آلة الاورج عضوا في فرقة عبد الحليم حافظ، عندما كنت أنا أجوب ربوع مصر ثم العالم العربي في السبيعينات والثمانينيات أنشر الثقافة السينمائية وأعلم الشباب كيف يشاهدون الأفلام. وقد ولد على يدي عشرات من السينمائيين المصريين والعرب الذين أصبحوا اليوم من كبار السينمائيين المرموقين، فأين كان السيد هاني مهنا الذي لم يعرف له أدنى اهتمام بالسينما في تلك السنوات!

عن الاعتصام مجددا
كان رأيي في ذلك الاعتصام المشبوه في وزارة الثقافة، أن هذا الاعتصام يمكن قبوله لو كان في الشارع، أما احتلال المباني العامة فهذه جريمة يعاقب عليها القانون، وكان يجب على أجهزة الشرطة المصرية أن تتدخل لاخراج هؤلاء المعتصمين من مقر الوزارة.. وأنا الآن أقولها بمليء الفم، إن احترامي وتقديري لبعض من انضموا لهذا الاعتصام، قد تراجع الى نقطة الصفر، أي لم يعد له وجود بعد أن رأيتهم وهم يتحولون الى "أدوات" في أيدي مجموعة من "أزلام" وخدم بعض أصحاب المصالح الذين أضيروا بعد اعفائهم من مناصبهم على يدي الوزير الشجاع علاء عبد العزيز. واليوم يطالب كل الشرفاء بعودة نفس ما فعله علاء عبد العزيز في وزارة الثقافة وما كان يعتزم فعله.. ألا يشعر هؤلاء الذين استخدمت أسماؤهم وصورهم بالخجل اليوم؟!
ولكن لماذا تم التغاضي عن تلك "الجريمة" من جانب أمن الوزارة وأمن الدولة بل وتشجيعها على الاستمرار؟ وهل من الممكن أن يقتحم المثقفون الآن- الذين اكتشفوا أخيرا أن محمد صابر عرب – وزير الثورة الثانية العظيمة- لا يمثلهم أيضا، هل يمكنهم اقتحام مبنى الوزراة الآن واحتلالها بدعوى الدفاع عن "الثقافة الوطنية"!؟
الاجابة بالطبع لا.. فمبنى الوزارة مغلق ومحصن حاليا وعلى كل من يقترب من بابه أن يبرز شخصيته وسبب قدومه، ولا يسمح لأي مجموعة من مدعي الثقافة النفاذ من الباب. وأما سبب ترك الأمور تسير نحو الفوضى في يونيو 2013 فقد كان جزءا واضحا من مخطط الأجهزة الأمنية لاسقاط حكومة الاخوان المسلمين، وتشجيع التظاهر وخلق العراقيل الممكنة أمامها وصولا الى 30 يونيو عندما خرجت جموع الشعب مطالبة بتدخل الجيش لاسقاط الاخوان. ومعروف للكل ما حدث في ذلك التاريخ والقوى التي اجتمعت معا لتغيير نظام الإخوان، ومعروف أيضا الآن بكل وضوح، القوى التي استفادت من سقوط الاخوان وحلت مكانهم واستعادت السيطرة على مقدرات الأمور في مصر.
لقد كانت الفترة المحدودة التي قضيتها في رئاسة مهرجان القاهرة كافية لكي أضع يدي على الكثير من مظاهر فساد ضارب بجذوره في أرضية ذلك المهرجان منذ تأسيسه.. ويكفي أن أنشر الآن الاستقالة التي تقدم بها في 2012 المخرج أحمد عاطف (الذي تعاون معي في البداية ثم سرعان ما قفز من المركب عندما تغير الوزير وأدرك أنني لن أبقى للعمل مع صابر عرب.


منيب شافعي

ملاحظات
وقبل ان أنشر نص الاستقالة أحب أن أوضح النقاط التالية:
1- أنني اكتشفت وجود توقيع للسيد منيب شافعي رئيس غرفة صناعة السينما في مصر على حساب من حسابات مهرجان القاهرة السينمائي بالعملة الأوروبية (اليورو) في بنك مصر، جنبا إلى جنب مع توقيع رئيس المهرجان، جدون أن تكون لمنيب شافعي أي صفة أو علاقة مباشرة بالمهرجان.. فما معنى هذا؟!
2- غياب أي تسويات مالية لحسابات ما يقرب من ثلاثة ملايين جنيه تأتي من أموال الرعاة للمهرجان، فليست هناك وثائق توضح من أين جاءت ولا كيف تم انفاقها وعلى ماذا، كما  اكتشفت أن السجادة الحمراء التي تستخدم في حفل الافتتاح تتكلف 900 ألف جنيه (نشر الرئيس الجديد للمهرجان الذي جاء بعدي الناقد سمير فريد مؤخرا- ما يشير الى أنه وجد أن حفل الافتتاح كان يتكلف ثلاثة ملايين جنيه!).
3- لم يحرك وزير الثقافة الحالي والأسبق وما قبل الأسبق، أي محمد صابر عرب الذي قدم إليه أحمد عاطف هذه الاستقالة ساكنا ولم يأمر بالتحقيق فيها، بل طلب ممن قدمها التزام الصمت وترك الأمور الى أن يمر المهرجان "على خير"، وبالتالي أصبح السؤال قائما: ما مصلحة الوزير في التستر على وقائع بهذه الضخامة، وما معنى تستره عليها؟ بل وما معنى أن يستمر صاحب الاستقالة في العمل مع من يتهمهم بالفساد على هذا النحو، ولماذا لم يتقدم بما لديه من معلومات وأدلة للنائب العام، ولماذا عاد إلى طرق باب الوزير نفسه بعد ذلك رغم ان الوزير لم يعيره التفاتا؟!

نص الاستقالة (تركنا النص كما هو أي بكل أخطائه النحوبة واللغوية كما كتبها صاحبها الذي أخرج ثلاثة أفلام، لكنه أساسا، صحفي معين في أهم صحف مصر أي "الأهرام"):

استقالة مسببة
من مهمة المدير التنفيذى لمهرجان القاهرة السينمائى في دورته
الخامسة والثلاثين
معالى الدكتور محمد صابر عرب
وزير الثقافة ،
تحية طيبة وبعد
لقد شرفت بقرار سيادتكم تعييينى مديرا تنفيذيا لمهرجان القاهرة السينمائى الصادر فى 15 سبتمبر 2012
واعتبرته مهمة قومية لانقاذ المهرجان كما دعوتم سيادتكم دائما في الأسابيع الماضية، أن يتقدم كل صاحب خبرة هذا المجال لانقاذ مهرجان مصر الأكبر.
ولما كنت ولله الحمد من الخبراء في هذا المجال حيث وفقنى الله لاكتساب تجارب عديدة في مجال ادارة المهرجانات الدولية بالاضافة لتخصصى الاخرين كمخرج سينمائى وكاتب صحفى.
فوضعت كل جهدى ووصلت الليل بالنهار طوال شهر كامل من أجل نجاح هذا المهرجان وخروجه بصورة مشرفة. وقررت أن يكون عملى تطوعيا بدون أجر ايمانا منى بالمهمة الجسيمة وأبلغت بذلك رسميا السيدة نائب رئيس المهرجان وكل العاملين بالمكتب الفنى للمهرجان.
وتحملت سهام الكثير من زملائى اللذين اتهمونى بالتخاذل وقبول هذة المهمة في وسط الصراع الدائر حول مهرجان القاهرة الان، والانتصار لموقف الوزارة ضد عدد من السينمائيين.لم اعبأ بكل ذلك لاحترامى الكبير لكم كممؤرخ وكمسئول ثقافى رفيع أراك على حق في موقفك أن تنظم وزارة الثاقافة المهرجان.
ولكنى اليوم وكلي حزن وأسي، أجد نفسي مضطرا لكى أطلب من سيادتكم قبول استقالتى من هذا الموقع الذى أراه موقعا رفيعا يستحق أن يتحمل المرء من أجله الكثير.
واسباب استقالتى مفندة لسيادتكم كالاتى:
-       - لا أستطيع أن أعمل فى جو تحيط به مسائل مالية تدعو الى الريبة. حيث راعنى أن تقوم شركات  بعينها بالكثير من الأنشطة فى المهرجان في حين انه من الممكن ان يقوم بها افراد من الخبراء أو هيئات وزارة الثقافة بتكاليف أقل بكثير مما يتم التعاقد به. أى ما يمكن أن يتكلف 10 الاف جنيه على الأكثر يتم دفع نصف مليون جنيه فيه. وتمنعنى السيدة نائب رئيس المهرجان أن أحضر الاجتماعات مع تلك الشركات أو معرفة تفاصيل نشاطها. بل وعندما أسال السيدة سهير عبد القادر عما تفعله تلك الشركات تنفعل وتخرج عن شعورها قائلة: أه أنا بأدلع الشركات، دى طريقتى.وعندما أحاول دخول اجتماع به هذه الشركات يغيرون الموضوع أو يصمتون.
- ولكن بسبب وجودى بشكل يومى بالمهرجان فاتحا الأعين والاذان، معتبرا نفسي عين شريفة على ما يحدث وحارسا على المال العام. فوجئت بأن تلك الشركات ( ماكسيمام فيجان وكنوز للسياحة وأروما وأم سي ام ) لها تاريخ طويل مع المهرجان. ومجال المخالفات في التعامل معها كالاتى:
- ماكسيمام فيجان مثلا وظيفتها جلب رعاة للمهرجان. وهى التى تتفق مع الرعاة وتحدد بالاتفاق مع نائبة رئيس المهرجان مبلغ الرعاية. وتستلم الشركة المبلغ وتخصم من المبلغ ما صرفته من مصاريف جلب للراعى، ثم يتبقي مبلغ، فلا تقوم بتسليمه للمهرجان بل تقوم بعمل خدمة ما للمهرجان من خلاله.

وزير الثقافة الحالي محمد صابر عرب: تولى المنصب 4 مرات في حكومات الاخوان والمجلس العسكري وسلطة 30 يونيو
- وعادة ما تكون تلك الخدمة تقديرها المالى من الشركة أكثر من قيمتها فى الواقع. فمثلا قامت شركة أروما  بعمل أفيش المهرجان في الاعوام السابقة بتكلفة بلغت 500 ألف جنيه فى العام الواحد.
- بالنسبة لحفلى الافتتاح والختام فهو مجال واسع  لشبهات التربح والسرقة واهدار المال العام. فمتوسط تكلفى الحفلين 2 مليون جنيه بما يشكل عادة ما بين ربع أوثلث الميزانية الاجمالية للمهرجان. فبدلا من الصرف علي الانشطة الثقافية يتم دفع ذلك في تكاليف وهمية مثل شركة (ركن سيارات ضيوف الحفلين ) أو انشاء السجادة الحمراء بتكلفة 750 الف جنيه رغم ان المبلغ الطبيعى لتلك السجادة بطولها وحجمها المعتاد لا تزيد عن 150 ألف جنيه. بل ولا توجد حاجة أصلا للاستعانة بشركة لتقوم بعمل تلك السجادة، فورش الأوبرا تستطيع عمل ذلك. ونفس تلك الشركة أروما تقاضت مبالغ تجاوزت المليون جنيه مصرى مقابل اقامة حفل الافتتاح والختام رغم أن المهرجان كان يستطيع الاستعانة بمخرجى متخصصين في حفلات الافتتاح والختام من العاملين بوزارة الثقافة. مثل خالد جلال.
- وهناك أيضا شركة اسمها أم سى ام دأبت على صناعة خيم للمهرجان وهى شركة كانت تقوم بكل انشطة زوجة الرئيس المخلوع لكى يقام بها المركز الصحفى وبعض الأنشطة الأخرى، ولا أعرف لماذا الاحتياج لخيم رغم أن المهرجان كل عام فى شهر نوفمبر ولا توجد شمس حارقة نحتاج معها للخيم.
- وهناك شركتى سياحة اسمهما كنوز وماكسيمام فيجان مالكهما شخص واحد هو محمد منير.يقوم بجلب الرعاة ومسئول عن عروض ليزر هذا العام فى الافتتاح. ومسئول عن انشاء السوق.  ولا أعرف كيف تقوم شركة سياحة بتلك الاعمال وهو ليس تخصصها.
- وقد قالت لى السيدة نائب رئيس المهرجان فى احدى المرات وهى لا تنتبه أنها سافرت لمهرجان أبو ظبي على حساب شركة ميك أب فور ايفر وهى شركة أدوات ماكياج عالمية من رعاة المهرجان منذ سنوات.
- وطوال سنوات طويلة بكتالوج المهرجان: توجد أسماء رعاة رغم أنهم رسميا لا يدفعون شيئا للمهرجان. أو يدفعون ولا أعرف اين يذهب المبلغ. مثل شركات مرسيدس بنز. بل يقال انهم رعاة بالخدمات.
- وفى اجتماع ادارة المهرجان مع سيادتكم الذى تم بتاريخ 17 سبتمبر 2012 . حدث أمران الأول أن السيدة سهير عبد القادر قالت أمام الجميع أن الشركات دى هتعمل لنا الحاجات دى ببلاش ماهم كسبوا مننا كتير قبل كدا.
- والأمر الثانى أن نائبة رئيس المهرجان أصرت على ذكر اسماء هذة الشركات باعتبارها من رعاة المهرجان فى الخبر الصادر من المكتب الصحفى للسيد وزير الثقافة، وذلك لتمنح تلك الشركات شرعية رغم ان تلك الشركات لم توقع بعد أية عقود مع الوزارة أو مع المهرجان ومن غير اللائق أن يخرج خبر كذلك به أن الوزير قابل الشركات الفلانية أو العلانية.
- ونفس الامر بالنسبة لشركة الشحن والتأمين التى يتعامل معها المهرجان. فلم تجرى مزايدات أو منافصات لاختيارهما رغم أن كلاها ليس من الشركات الكبيرة فى مجالهما.فلماذا يتعامل المهرجان مع شركة شحن (سكاى نت) التى لم أسمع عنها فى حياتى. فأنا سمعت فقط عن فيديكس ودى اتش ال وأرامكس و يوبى اس.
- وبناءا على كل ذلك:
- فانه غير معلوم ماهية ضوابط اختيار الرعاة وكيفية تحديد المبلغ الذى يدفعه كل راعى وماذا يتلقى مقابله .وهل هذا المبلغ مناسب أو اقل مما ينبغى.
- ولماذا هناك وسطاء لجلب الاعلانات بعيدا عن وزارة الثقافة. واذا كانت هناك نسبة تتلقاها تلك الشركات لجلب الرعاة. لماذا لا تكون هذه النسبة معلنة.
- وما هى الضوابط التى تحكم أوجه صرف المبالع القادمة من الرعاة. علما بأن المهرجان له قيمته التسويقية الكبيرة بسبب عراقته واسمه الكبيرين وحجم النجوم اللذين يترددون عليه.
- وباعتبارى مدير تنفيذى للمهرجان حسب القرار الوزارى فانه يتم منعى من معرفة أية تفاصيل خاصة بهذه  الشركات أو حضور التفاوض معها أو معرفة أى شئ عن عملها.
- ماذا يفعل المرء اذن سيادة الوزير أمام كل هذا؟ ان هذا التعتيم واخفاء المعلومات ونقص الشفافية وشبهة الاسترباح الواضحة  تمارسها السيدة نائب رئيس المهرجان أمامى فماذا أفعل.
- الأمر الثانى الذى يضطرنى لطلب الاستقالة هو:
- محاولة السيدة نائبة رئيس المهرجان أن تحول المهرجان (لفرح بلدى) أو هيكل خارجى بدون مضمون. ففي الوقت الذى تقوم فيه بدعوة 20 رئيس مهرجان سينمائى دولى تجتمع معهم هى ولا يقابلهم اى سينمائى منذ أعوام، وفي الوقت الذى تتعاون فيه مع ابنة خالتها السيدة ميمى جمالى المقيمة في لندن وتجلب فوق ال 15 ضيفا من أصدقاء السيدة ميمى وهم علاقتهم ضعيفة بالسينما.
- ترفض السيدة سهير عبد القادر دعوة ولو ضيف واحد كمدرس بالورش التى اقترحتها بالمهرجان، وترفض اصدار حتى لو كتاب واحد حتى لو كان بالتنسيق مع احدى هيئات وزارة الثقافة. وترفض الاحتفال بمئوية اسماعيل ياسين واسمهان مثلا رغم ان ذلك لن يكلفها شيئا. ولا تسألنى سيادة الوزير عن دور المكتب الفنى، فجزء منه يرضخ لها والجزء الاخر تخفى عنه المعلومات الأساسية وهم فنانون كبار لن ينشغلوا بالتفاصيل. ويوجد محضر لأول اجتماع للمكتب الفنى فلم يناقشوا فيه أيا من أمور المهرجان بل ناقشوا الخوف من التيارات المتشددة وكأنهم في ندوة.
- والسبب أن المهرجان كحدث ثقافى هو اخر ما فى ذهن السيدة عبد القادر. فهى تنظر له باعتباره حدثا احتفالىا صاخبا. ولا تخفى كراهيتها للسينمائيين عدا بعض النجمات من صديقاتها من الأجيال القديمة.
- والسبب الاخر أن السيدة عبد القادر غير متخصصة فى السينما ولم تفلح تلك السنوات فى اثارة الاهتمام لديها بفن السينما. ويا ليتها تكتفى بالأمور الادارية والمالية لكنها تتدخل فى كل تفصيلة فنية بالمهرجان. فقد اختارت وحدها بدون الرجوع لأحد أكثر من 75 بالمائة من أعضاء ثلاث لجان تحكيم للمسابقات الثلاث للمهرجان. وتركت كلا منا يطرح اسما واحدا ذرا للرماد. حتى ماريان خورى المدير الفنى للمهرجان اختارت عضوين فقط من 27 عضوا بلجان التحكيم.
وخلال هذا الشهر فوجئت بالاكذوبة التى تراكمت مع السنوات ان السيدة عبد القادر صاحبة قدرات ادارية فذة وانها الشخص الوحيد الذى يستطيع ادارة المهرجان. والواقع أثبت لى عكس ذلك. فالادارة هى عمل هدف وتحديد لمهام كل شخص وجدول زمنى لبلوغ الهدف. واستغلال لقدرات العاملين وتنويع العمل ما بين أصحاب الخبرة وأصحاب الموهبة الجديدة والحماس. تلك هى الادارة الحديثة.
أما السيدة عبد القادر فهى تصحو من النوم لتقوم بجهد عشوائى فى الادارة على طريقة أنها تنجز ما تتذكره وما يرتاح اليه قلبها من ضيوف أو فعاليات. وبالطبع الاساطير المعروفة عنها من دكتاتورية ومركزية في القرار  ظهرت فى التعامل اليومى لى معها. بالاضافة لعصبيتها وعدم قدرتها على الاستماع الى الاخرين وفقدانها لأعصابها فى أقل الأمور. فأحيانا يصل الأمر الى اساءة بالقول أو الى تطاول على كل من يعارض.
وبناءا على كل ما سبق، فقد أقدمت على المهمة الرفيعة التى شرفتمونى بها لايمانى بضرورة أن يكون المهرجان مساحة للحوار والصداقة  والتفكير والتأمل والبهجة.
وعليه فلا استطيع أن استمر فى تلك المسيرة العشوائية التى ستنتج شيئا ساذجا به البريق الخارجى لكنه خاو من الداخل. فذلك ما يتناقض مع مبادئى ومع ما تعلمته اكاديميا وما خبرته عمليا. واشهد الله أننى بذلت قصارى جهدى دون كلل أو ملل وتحملت الكثير من الامور السيئة ومحاولة التقليل من دورى وتهميشى لا لشيئ الا للانفراد بقرارات يا ليتها كانت للمصلحة العامة. وأرفق لمعاليكم كشفا تفصيليا لما قمت به خلال الشهر الذى عملته بالمهرجان. ورأيى المتواضع أن المهرجان فى هذة المدة المتبقية لبدئه يستطيع أن يستمر بدونها وبجهود الفريق الموجود. فقد وضعت شخصيا تحديدا لكل يوم من أيام الفعاليات وطريقة دخول العروض والمتطلبات التقنية لها.
نهاية الأمر اليكم أنهى حديثى وانتهى. وهذه استقالتى قدمتها بين يديكم ولكم فيها ما تشائون. والأمر مفوض.
مقدمه
أحمد عاطف
 ( المخرج والناقد السينمائى)   30 سبتمبر 2012
((للموضوع بقية))

الأحد، 2 فبراير 2014

مهرجان برلين السينمائي: بوشارب في المسابقة والباقي في المنتدى!

فورست ويتيكر في فيلم "رجلان في المدينة لرشاد بوشاور"


 أمير العمري



تفتتح في السادس من فبراير الدورة الرابعة والستون من مهرجان برلين السينمائي بالفيلم الأمريكي "فندق بودابست الكبير" إخراج ويس أندرسون، وبطولة رالف فينيس وموراي ابراهام ومارلو أمالريك، وسيعرض هذا الفيلم خارج المسابقة، وهو من الإنتاج المشترك بين ألمانيا وبريطانيا، ويختتم المهرجان في الخامس عشر من فبراير بتوزيع الجوائز على الأفلام الفائزة في مسابقات المهرجان.
يعرض المهرجان ما يقرب من 400 فيلم، ما بين طويل وقصير، عبر أقسامه المختلفة وهي 10 أقسام: المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة (20 فيلما)، مسابقة الأفلام القصيرة (21 فيلما)، عروض خاصة لأفلام خارج المسابقة (12 فيلما)، البانوراما (36 فيلما روائيا، و16 فيلما تسجيليا طويلا)، و"آفاق السينما الألمانية" (16 فيلما)، "أفلام الجيل الجديد" (60 فيلما طويلا وقصيرا من 35 دولة، منها 14 في مسابقة خاصة بهذا القسم)، احتفاء خاص بالمخرج البريطاني كن لوتش (تعرض 10 من أفلامه)، إحتفاء خاص بالإضاءة في السينما من خلال عرض 40 فيلما صامتا وناطقا من تاريخ السينما العالمية، كما ستعرض نسخة جديدة تمت استعادتها من الفيلم الكلاسيكي الألماني الشهير "عيادة الدكتور كاليجاري" (1920) من إخراج فريدريك مورناو، بالاضاقة الى خمسة أفلام أخرى مثل "متمرد بلا قضية" لايليا كازان، و"كارافاجيو: لديريك جارمان، و"البطل" لساتيا جيتراي.

أخيرا يأتي قسم "المنتدى" أو ما يعرف بالفوروم، وهو يتكون في الواقع من قسمين: "المنتدي" (36 فيلما)، ثم "المنتدى الممتد" (52 فيلما من 20 دولة).. وهناك أيضا العروض الخاصة بالمنتدى (12 فيلما) من الأفلام التي أعيد إكتشافها أو الأفلام ذات القيمة التاريخية.
المسابقة الرسمية
تشمل المسابقة 20 فيلما روائيا طويلا ( منها أربعة أفلام من الدولة المضيفة ألمانيا للمرة الأولى منذ سنوات بعيدة (بالإضافة إلى وجود المانيا كطرف انتاجي مشترك في أربعة أفلام أخرى كما أن فيلم الافتتاح أيضا "فندق بودابست الكبير" الذي صور بالكامل في مناطق مختلفة من ألمانيا وكذلك في ستديوهات بابلسبرج الشهيرة في ضواحي برلين) وهناك بالمسابقة أيضا ثلاثة أفلام من الصين، وفيلمان من الأرجنتين، وفيلمان من بريطانيا، وفيلم واحد من كل من الولايات المتحدة واسبانيا وفرنسا واليونان والنرويج واليابان والنمسا والبرازيل والجزائر (إذا نسبنا الفيلم لثقافة مخرجه فهو فرنسي الجنسية من اصل جزائري). 
من أهم أفلام المسابقة الرسمية هذا العام فيلم المخرج الفرنسي الكبير آلان رينيه (91 سنة) آخرعمالقة جيل الموجة الجديدة في السينما الفرنسية الذين لايزالون على قيد الحياة مع زميله جان لوك جودار (83 سنة) وأنييس فاردا (85 سنة). وكان رينيه قد قدم فيلمه السابق "أنت لم تر شيئا" في مسابقة مهرجان كان عام 2012 وتصور الكثيرين أنه سيتوقف بعده، أي أنه سيكون فيلمه الأخير فقد كان يصور فيه رؤية مؤلف مسرحي توفي بالفعل، ويتحدث الآن من خلال شريط فيديو تركه خلفه، وأوصى بدعوة اصدقائه والممثلين الذين لعبوا أدوارا مشهورة في مسرحياته لمشاهدته. أما الفيلم الجديد – وهو بالفعل مفاجاة سارة- فهو حسب إسمه بالفرنسية "أحب، واشرب، وغني" أما العنوان بالإنجليزية فهو "حياة ريلي".



الأربعاء، 29 يناير 2014

نظرة على الأفلام المرشحة لجوائز الأوسكار!






 
شاهدت الأفلام التسعة المرشحة لأحسن فيلم في مسابقة الأوسكار لعام 2014.. ومن نفس هذه الأفلام التسعة، تأتي ترشيحات أوسكار أحسن مخرج وأحسن سيناريو معد عن أصل أدبي بل ويتكرر ترشيح هذه الأفلام نفسها في معظم قوائم التصنيفات الفرعية. وشاهدت أيضا فيلم "بلو جاسمين" لوودي ألان المرشح لجوائز: أحسن ممثلة رئيسية وأحسن ممثلة ثانوية وأحسن سيناريو اصلي، وفيلم "داخل لولين ديفيز" للأخوين كوين المرشح لجائزتي أحسن تصوير وأحسن مزج صوت، وشاهدت كل الأفلام المرشحة لجائزة أحسن فيلم أجنبي باستثاء الفيلم البلجيكي. ولم شاهد بعد "قبل منتصف الليل" لريتشارد لينكلاتر الموجود ضمن قائمة المرشحين لأفضل سيناريو مقتبس عن أصل أدبي.
 
وفي تقديري لن تخرج معظم الجوائز عن قائمة التسعة المرشحين لأحسن فيلم. ويبلغ عدد جوائز الأوسكار في كل الفروع 24 جائزة بما في ذلك أحسن تسجيلي قصير وأحسن تسجيلي طويل وأحسن فيلم تحريك.
الأفلام التسعة الأساسية هي:
القبطان فيليبس
احتيال أمريكي
نبراسكا
نادي دالاس
جاذبية أرضية Gravity
فيلومينا
12 عاما في العبودية
ذئب وول ستريت
هي Her
كتبت من قبل عن "جاذبية أرضية" و"فيلومينا" و"القبطان فيليبس"، و"نبراسكا"، و"ذئب وول ستريت".
 
من فيلم "نادي دالاس"
 
نادي دالاس
أما فيلم "نادي دالاس"  (الترجمة الحرفية لعنوان هذا الفيلم ستصبح بالضرورة ملتسبة على القاريء العربي فالعنوان بالانجليزية هو Dallas Buyers Club أي "نادي مشتري دالاس" أي أنه سيصبح اسما لا معنى له، كما أنني أجده عنوانا رديئا لا يعبر بأي حال عن موضوع الفيلم، بل وأجد أن الفيلم نفسه هو الحلقة الأضعف في قائمة الأفلام التسعة المرشحة وأستغرب من ترشيحه أصلا للأوسكار في حين أن مستواه أقل من المتوسط.. وربما يكون موضوعه الإنساني هو ما لفت أنظار أعضاء الأكاديمية الأمريكية لعلوم السينما الذين يرشحون الأفلام ويمنحونها الجوائز..
 
فالموضوع يدور حول مريض مصاب بمرض نقصان المناعة المكتسب المعروف بالإيدز، يسعى للحصول على عقار ممنوع من التداول في السوق الأمريكية، وتهريبه من المكسيك لمساعدة مرضى الايدز بعد ان وجد أن العقار قد ساعده في البقاء على قيد الحياة لفترة طويلة بعد ان قال له الأطباء الأمريكيون أن امامه 30 يوما فقط قبل أن يغادر الحياة. والفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية بطلها رجل يدعى رون وودروف- كهربائي ولاعب روديو في تكساس- يقوم بدوره في الفيلم الممثل المتميز ماتيو ماكونوي (المرشح لأحسن ممثل عن دوره في هذا الفيلم).
 
ولكن السيناريو يعاني من الترهل والتكرار والمشاهد التي لا تثير التعاطف أصلا بسبب قسوة البطل وعنفه ورد فعله العنيف ازاء العالم، كما أن الحدث الدرامي لا يتكرر على نحو يثير الاهتمام بل ويصبح المتفرج أمام تساؤل كبير عما اذا كان بطل الفيلم نبيلا يسعى بسلوكه هذا الى مساعدة المرضى بتزويدهم بالعقار المحظور، أم أن دافعه هو تأسيس تجارة سرعان نمت كبرت، يحقق من وراءها أرباحا طائلة بعد أن أسس ما أطلق عليه ناديا في دالاس جعل رسم عضويته 400 دولار، لتوزيع الدواء على الأعضاء، ثم أصبح يقوم برحلات طويلة إلى اليابان والمكسيك وغيرها، كأي رجل أعمال، لعقد صفقات لشراء العقار والتفنن في تهريبه داخل الولايات المتحدة!
 
أنت إذن لا يمكنك التعاطف تماما مع هذا الرجل، كما أن أسلوب الإخراج المتبع هنا لا يجعل الفيلم يتجاوز تمثليات السهرة التلفزيونية المؤثرة بل ولا تثير تلك العلاقة التي تنشأ بين البطل وبين امرأة من الجنس المتحول (كانت في الأصل رجلا) تساعده في تنظيم تجارته الجديدة، ولنها تموت فيما بعد، اهتمام المتفرج بسبب سطحية التناول.
 
والملاحظ أن عددا كبيرا من الأفلام المرشحة لجوائز الأوسكار خاصة قائمة التسعة الكبار، مقتبسة من أعمال أدبية منشورة، معظمها يروي قصصا حقيقية أو مذكرات، وهذا مثلا شأن "12 عاما في العبودية" و"القبطان فيليبس" و"ذئب وول ستريت" و"فيلومينا" بالاضافة الى "نادي دالاس".
 
هي والأفلام
فيلم "هي" Her فيلم خيالي يفترض في المستقبل القريب وجود شخصية رجل يكتب رسائل حب لغير القادرين على كتابة مثل هذه الرسائل (شيء في الواقع ينتمي للقرن التاسع عشر!!) وهو يشعر بالوحدة (كثيرا ما نراه يسير وحيدا في شوارع مدينة لوس أنجليس (وأحيانا في شنغهاي بالصين!!) مصورا من زوايا تجعله يبدو ضئيلا تائها وسط المباني العالية الكئيبة التي تحلق فوقه. هذا الشاب يقيم علاقة حب مع كائن افتراضي في العالم الافتراضي عبر الكومبيوتر.. هذا الكائن الافتراضي امرأة هو الذي اختارها تتخاطب معه عبر صوتها فقط (تقوم بالدور سكارليت جوهانسون)، فهي اختراع من عالم السوفت وير.. أي غير حقيقية لكنها تجعله يعتقد أنها قد وقعت في حبه بالفعل، بل وترتب لكي تجعله يمارس معها الحب عبر وسيط ثالث لامرأة جميلة، وهو ما لا يقدر على القيام به.
 
من فيلم "هي"
 
الفكرة جيدة لكن المعالجة التي تريد أن تلعب في المساحة الواقعة ما بين الكوميديا الهزلية وقصة الحب الرومانسية، تفشل في اثارة اهتمام المتفرج، وخصوصا المتفرج غير الأمريكي، الذي يدرك من البداية استحالة القصة وهزليتها، بل ويبدو الفيلم من ناحية أخرى، أطول كثيرا من قصته وتصبح بالتالي التفاصيل الكثيرة التي يحشوها السيناريو به، غير مبررة ولا مقبولة، فمن منا يتصور أن تكون لديه امرأة رائعة الجمال مثل زوجته السابقة (الممثلة روني مارا) ويتركها ويهيم على وجهه بحثا عن علاقة بكائن من عالم السوفت وير الخيالي، خصوصا وان الفيلم يصوره وهو يستعيد بحنين مشاهد من حياته الزوجية السابقة مع زوجته الجميلة.
 
أما فيلم "12 عاما في العبودية" فهو بلاشك واحد من أهم ما ظهر من أفلام العام الماضي، وهو جدير بالفوز بعدد من أهم جوائز الأوسكار وأظن انه سيفعل.
 
إن المخرج ستيف ماكوين يعود بنا إلى موضوع العبودية، من خلال رؤية سينمائية واقعية مكتوبة جيدا ومصاغة سينمائيا ببراعة مؤثرة، لا تسعى إلى الإدانة ولا إلى التوفيق التسامحي الساذج، بل إلى إعادة قراءة فترة من التاريخ الأمريكي ولكن من خلال خصوصية القصة الدرامية التي يرويها عن ذلك الشاب الأسود الحر من نيويورك، الذي اختطف وعذب وأرغم على الخضوع للعبودية لمدة 12 عاما في الجنوب الأمريكي. وليس المهم في هذا الفيلم تفاصيل القصة ومغزاها فقد تكون هذه التفاصيل معروفة لكل من قرأ كتاب سولومون نورثوب الذي يروي فيه وقائع قصته الغريبة التي حدثت عام 1941 واستمرت حتى 1853، أي قبل الحرب الأهلية الأمريكية وقبل أن تصدر قوانين حظر العبودية في الولايات المتحدة.
 
ولعل أحدهم يتساءل: وكيف كان بطلنا هذا حرا إذن؟ والاجابة أن ولايات الشمال الأمريكي كانت قد بدأت منذ فترة في الاعتراف بحرية السود وحقهم في المساواة وكان الخلاف الشهير بين الشمال والجنوب أحد أسباب اندلاع الحرب الأهلية. كان أمريكيو الشمال قد بدأوا في التصنيع وكانت المصانع الراسمالية الجديدة في حاجة إلى ملايين السود كأيد عاملة رخيصة، في حين كان الجنوبيون يرغبون في الابقاء عليهم كعبيد يقومون بالأعمال الشاقة في المزارع.
 
من فيلم "12 عاما في العبودية"
 
أقول إن المهم في هذا الفيلم هو الأسلوب: التصوير والاخراج والمونتاج وأيضا الأداء التمثيلي الرفيع.. وهذا سيحتاج بلاشك، مقالا آخر (في الطريق).
 
احتيال أمريكي فعلا
وشخصيا لم أجد فيلم "احتيال أمريكي" American Hustle للمخرج ديفيد أو راسل، مثيرا للاهتمام، بل وجدته عملا ثقيلا مترهلا يعاني من المشاهد المسرحية الطويلة التي تثقلها الحوارات، مع تعدد الشخصيات والافتعال في الأداء بدرجة كبيرة. وبعد بدايته القوية التي تشد الجمهور عن ثنائي محتال من رجل وامرأة، ثم وقوعهما في براثن عميل للمباحث الفيدرالية الأمريكية يبتزهما للتعاون معه في الإيقاع بعدد من الخارجين على القانون، ينحرف الفيلم الى متاهات ومبالغات كثيرة، وصراخ وهستيريا أمريكية مألوفة، لاصباغ الطابع الكوميدي على ما يصعب تحويله إلى كوميديا، بل إنني رثيت لحال ممثل عملاق مثل روبرت دي نيرو الذي أسندوا له دورا ثانويا في هذا الفيلم كأحد زعماء المافيا، في محاولة لاستعادة ذكرى أدواره الشهيرة مع سكورسيزي في أفلامه عن المافيا وأشهرها بالطبع "رفاق طيبون"، كما يستخدم الفيلم شخصية العربي من خلال رجل يتخفى في ثياب شيخ عربي من بلدان الخليج بملابسه التقليدية المعروفة، بدعوى أنه يرغب في الاستثمار في أعمال غير مشروعة تتعلق بالقمار وغير ذلك، وهذا كله في سياق هزلي لم أجده مثيرا للمتعة ولا للاستمتاع بل بالأحرى، للتقزز احيانا. وأستغرب كثيرا ان يكون فيلم كهذا مرشحا لكل هذا العدد من الجوائز في سائر المسابقات الأمريكية مثل جولدن جلوبس وخصوصا مسابقات نقاد السينما مثل نقاد نيويورك الذين منحوه جائزتهم!
 

وقد كنت أتصور أنني ربما أكون الوحيد، الذي لم يعجبه فيلم "احتيال أمريكي" مع كل ذلك "الهوس" بالفيلم المنتشر بشدة في الصحافة الأمريكية، إلى أن  وقعت أخيرا على مقال شجاع كتبه كيفن فالون في مجلة (وموقع) "ذي ديلي بيست" The Daily Beast بعنوان "احتيال أمريكي فيلم بولغ في قيمته" American Hustle Is

Overrated

يبدأ الكاتب مقاله على النحو التالي "سوف لن يتم تخويفنا لكي نتظاهر بأننا نعجب به بعد اليوم.. إن "إحتيال أمريكي" ليس بأي درجة، جيدا كما يقال لنا.. إذن كيف أمكن أن يكون ضمن قائمة الأفلام المرشحة لأحسن فيلم؟".


وهو يتساءل في موضع آخر: "إعطوني وصفا تفصيليا للحبكة ، لما حدث في الفيلم لأنني - اللعنة علي- إذا كنت أعرف. والاعنة إذا كان أي منا يعرف، ودعونا نكون صريحين:هذه القصة أكثر القصص التواء وتشويشا وهراء في أي فيلم رشح لجائزة أحسن فيلم منذ فترة طويلة".


من وجهة نظر كاتب هذا المقال فإن أفضل الأفلام في قائمة التسعة هي ثلاثة أفلام يستحق اي منها جائزة أحسن فيلم وأحسن إخراج وهي:
1- 12 عاما في العبودية
2 - ذئب وول ستريت
3 – نبراسكا
    
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger