روي أندرسون يحمل الاسد الذهبي |
أمير العمري-البندقية
وفقت لجنة التحكيم الدولية برئاسة الموسيقار الفرنسي ألكسندر ديشبلات
عندما منحت الجائزة الكبرى لمهرجان البندقية السينمائي -وهي جائزة "الأسد
الذهبي"- لفيلم "حمامة تقف فوق غصن تتأمل الوجود" للمخرج السويدي روي
أندرسون.
هذا فيلم يقترب من لغة الشعر السينمائي الرفيعة التي تتكون من
الصور والإشارات والعلاقات البصرية متحدثة عن نفسها، فالحوار في الفيلم
ليست له وظيفة مباشرة في التعبير عن العلاقات بين البشر، بل عن ما وصلت
إليه العلاقات الإنسانية، خاصة في المجتمعات الأوروبية، من برودة وانفصال
وانعدام القدرة على التواصل، والأهم عدم القدرة على تفهم المأزق الذي يعيشه
الآخر، والذي قد يكون مكثفا لمأزق أكبر وأشمل.
فيلم روي أندرسون هو خاتمة ثلاثية بدأها هذا المخرج البالغ من العمر 71 عاما بفيلم "أغنيات من الطابق الثاني" عام 2000، ثم ثناها بفيلم "أنت.. الذي تعيش" عام 2007، وتتميز أفلامه -خصوصا فيلمه الأخير- بطابعها السيريالي الساخر، ومشاهدها الثابتة ولقطاتها الطويلة التي لا تصطف ضمن سياق درامي تقليدي، بل تعتمد على ذكاء المتفرج في التقاط العلاقات الذهنية بين الشخصيات والأماكن التي تظهر فيها، وتحمل نبرة سخرية تميز أسلوب الكوميديا السوداء التي تنتمي لها.
هنا، يقسو أندرسون في هجائه الإنسان الأوروبي، متخلصا تماما من تلك النزعة المركزية الأوروبية، معلنا استنكاره حتى لتاريخ من الانتصارات الزائفة والممارسات الاستعمارية البشعة، ومصورا المستعمر البريطاني تحديدا وهو يقدم تسلية لطبقة رجال الأعمال الأوروبيين عن طريق شواء مجموعة من نساء ورجال وأطفال إحدى المستعمرات الأفريقية داخل أسطوانة نحاسية ضخمة تدور، وتحتها نيران مشتعلة.
ساعي البريد
كما منحت لجنة التحكيم جائزة الأسد الفضي لأفضل إخراج للمخرج الروسي المرموق أندريه كونتشالوفسكي عن فيلم "ليالي ساعي البريد البيضاء" الذي تدور أحداثه في قرية نائية في أقاصي الشمال الروسي، حيث يعيش الأهالي هناك في عزلة تامة عن ما يحدث في روسيا والعالم، ولم تلمس التغييرات التي وقعت منذ سقوط الاتحاد السوفياتي حياتهم ولم تغير فيها شيئا، وسيلتهم الوحيدة للاتصال بالجانب الآخر في المدينة هو ساعي البريد الذي يأتي إلى قريتهم راكبا دراجته النارية، حاملا بعض الخطابات والرسائل التي قد لا تحمل سوى الأخبار السلبية.
ويتميز الفيلم بأسلوبه الذي يموج بين الروائي والوثائقي، ويقوم بالدور الرئيس فيه، أي دور ساعي البريد، موظف حقيقي يعمل ساعيا للبريد في المنطقة، كما استعان المخرج بالكثير من سكان المنطقة للقيام بأدوارهم الحقيقية.
وذهبت جائزة أحسن ممثل إلى الأميركي آدم درايفر، وجائزة أحسن ممثلة إلى زميلته الممثلة الإيطالية ألبا روروتشر، صاحبي الأداء المتميز كثيرا في فيلم المخرج الإيطالي "قلوب جائعة" الناطق بالإنجليزية، وهو الفيلم الذي رشحه عدد من النقاد للجائزة الكبرى، وعلى الرغم من أنه من الممكن اعتباره فيلما من أفلام الرعب فإن أسلوب المعالجة السينمائية لموضوعه الإنساني ترك تأثيرا لا شك فيه على المشاهدين.
ويصور الفيلم كيف ترغب زوجة أنجبت حديثا في حرمان وليدها الصغير من تناول أي طعام بروتيني من أي نوع، وتكتفي بتدليك جسمه بزيت نباتي معين، فهي النباتية تعتقد أن المأكولات الغنية بالبروتين تقتل الإنسان، في حين يشاهد والده كيف يتضاءل جسد ابنه يوما بعد يوم، ويضطر لسرقة الطفل والخروج به بعيدا عن عيني الأم لكي يطعمه بنفسه، ومع تطور شخصية الأم تزداد حالتها النفسية سوءا مع تصاعد رغبتها في الاستحواذ على الطفل وتربيته بطريقتها الخاصة بما يشي بجنونها، ويحاول الأب مستعينا بوالدته انتشال الابن من المصير الذي ينتظره، وذلك على نحو يذكرنا بفيلم "طفل روزماري" لرومان بولانسكي (من عام 1968).
مذابح إندونيسيا
وذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة إلى المخرج الأميركي جوشوا أوبنهايمر عن فيلمه التسجيلي الطويل "نظرة الصمت" الذي يستكمل فيه ما بدأه في فيلمه الوثائقي السابق "فعل قتل" (الحاصل على الأوسكار)، ولكن في حين كان الفيلم السابق يعرض اعترافات مباشرة لأشخاص شاركوا في مذابح إندونيسيا ضد أعضاء الحزب الشيوعي في أعقاب انقلاب عام 1965 على الرئيس سوكارنو، يعرض الفيلم الجديد القصة ولكن ليس من خلال وجهة نظر القتلة، بل من وجهة نظر الضحايا والشهود على تلك المذابح التي لا تزال موضوعا يثير الجدل في إندونيسيا حتى اليوم.
ومنحت لجنة التحكيم جائزة أحسن سيناريو إلى المخرجة رخشان بني اعتماد وفريد مصطفاوي كاتبي سيناريو فيلم "حكايات" الإيراني لمخرجته بني اعتماد الذي تلخص فيه ما جاء في أفلامها السابقة منذ فيلم "نرجس" من شخصيات تعاني وطأة الضغوط الاجتماعية والبيروقراطية، ولكن من خلال النقد الاجتماعي الخفيف الذي لا يصل إلى توجيه النقد لجوهر النظام وطبيعته الاستبدادية.
أما جائزة "مارسيللو ماتسروياني" التي تمنح لأحسن ممثل أو ممثلة في الدور الأول فقد ذهبت إلى الممثلة الفرنسية روان بول عن دورها في الفيلم الفرنسي "ضربة المطرقة الأخيرة" الذي تقوم فيه بدور أم انفصلت عن زوجها وأصبحت مسؤولة عن تربية ابنهما المراهق الذي يرغب في استئناف علاقته بأبيه رغم أنه لم يره منذ عشر سنوات، كما أن الأم تعاني من سرطان الدماغ وتستعد لإجراء عملية جراحية.
والفيلم عمل شديد الرقة والتأثير، يفيض بالمشاعر الإنسانية ويقدم صورة شديدة الصدق والواقعية لصبي يتطلع إلى الالتحاق بعالم الكبار لكنه يقاوم البقاء في كنف أمه الوحيدة.
وقد نظر كثيرون إلى الجائزة الخاصة التي منحتها لجنة التحكيم للفيلم التركي "سيفان" على أنها جائزة تحمل نوعا من المجاملة بمناسبة الاحتفال بمائة عام على بدء تاريخ السينما في تركيا، أما الفيلم نفسه فهو عمل غير متميز سينمائيا، كما أنه يمتلئ بالمشاهد التي تثير النفور كتعذيب وإيذاء الحيوانات، وكيف ينساق طفل وراء الكبار في الولع بمصارعة الكلاب حتى الموت.
فيلم روي أندرسون هو خاتمة ثلاثية بدأها هذا المخرج البالغ من العمر 71 عاما بفيلم "أغنيات من الطابق الثاني" عام 2000، ثم ثناها بفيلم "أنت.. الذي تعيش" عام 2007، وتتميز أفلامه -خصوصا فيلمه الأخير- بطابعها السيريالي الساخر، ومشاهدها الثابتة ولقطاتها الطويلة التي لا تصطف ضمن سياق درامي تقليدي، بل تعتمد على ذكاء المتفرج في التقاط العلاقات الذهنية بين الشخصيات والأماكن التي تظهر فيها، وتحمل نبرة سخرية تميز أسلوب الكوميديا السوداء التي تنتمي لها.
هنا، يقسو أندرسون في هجائه الإنسان الأوروبي، متخلصا تماما من تلك النزعة المركزية الأوروبية، معلنا استنكاره حتى لتاريخ من الانتصارات الزائفة والممارسات الاستعمارية البشعة، ومصورا المستعمر البريطاني تحديدا وهو يقدم تسلية لطبقة رجال الأعمال الأوروبيين عن طريق شواء مجموعة من نساء ورجال وأطفال إحدى المستعمرات الأفريقية داخل أسطوانة نحاسية ضخمة تدور، وتحتها نيران مشتعلة.
ساعي البريد
كما منحت لجنة التحكيم جائزة الأسد الفضي لأفضل إخراج للمخرج الروسي المرموق أندريه كونتشالوفسكي عن فيلم "ليالي ساعي البريد البيضاء" الذي تدور أحداثه في قرية نائية في أقاصي الشمال الروسي، حيث يعيش الأهالي هناك في عزلة تامة عن ما يحدث في روسيا والعالم، ولم تلمس التغييرات التي وقعت منذ سقوط الاتحاد السوفياتي حياتهم ولم تغير فيها شيئا، وسيلتهم الوحيدة للاتصال بالجانب الآخر في المدينة هو ساعي البريد الذي يأتي إلى قريتهم راكبا دراجته النارية، حاملا بعض الخطابات والرسائل التي قد لا تحمل سوى الأخبار السلبية.
ويتميز الفيلم بأسلوبه الذي يموج بين الروائي والوثائقي، ويقوم بالدور الرئيس فيه، أي دور ساعي البريد، موظف حقيقي يعمل ساعيا للبريد في المنطقة، كما استعان المخرج بالكثير من سكان المنطقة للقيام بأدوارهم الحقيقية.
وذهبت جائزة أحسن ممثل إلى الأميركي آدم درايفر، وجائزة أحسن ممثلة إلى زميلته الممثلة الإيطالية ألبا روروتشر، صاحبي الأداء المتميز كثيرا في فيلم المخرج الإيطالي "قلوب جائعة" الناطق بالإنجليزية، وهو الفيلم الذي رشحه عدد من النقاد للجائزة الكبرى، وعلى الرغم من أنه من الممكن اعتباره فيلما من أفلام الرعب فإن أسلوب المعالجة السينمائية لموضوعه الإنساني ترك تأثيرا لا شك فيه على المشاهدين.
ويصور الفيلم كيف ترغب زوجة أنجبت حديثا في حرمان وليدها الصغير من تناول أي طعام بروتيني من أي نوع، وتكتفي بتدليك جسمه بزيت نباتي معين، فهي النباتية تعتقد أن المأكولات الغنية بالبروتين تقتل الإنسان، في حين يشاهد والده كيف يتضاءل جسد ابنه يوما بعد يوم، ويضطر لسرقة الطفل والخروج به بعيدا عن عيني الأم لكي يطعمه بنفسه، ومع تطور شخصية الأم تزداد حالتها النفسية سوءا مع تصاعد رغبتها في الاستحواذ على الطفل وتربيته بطريقتها الخاصة بما يشي بجنونها، ويحاول الأب مستعينا بوالدته انتشال الابن من المصير الذي ينتظره، وذلك على نحو يذكرنا بفيلم "طفل روزماري" لرومان بولانسكي (من عام 1968).
وذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة إلى المخرج الأميركي جوشوا أوبنهايمر عن فيلمه التسجيلي الطويل "نظرة الصمت" الذي يستكمل فيه ما بدأه في فيلمه الوثائقي السابق "فعل قتل" (الحاصل على الأوسكار)، ولكن في حين كان الفيلم السابق يعرض اعترافات مباشرة لأشخاص شاركوا في مذابح إندونيسيا ضد أعضاء الحزب الشيوعي في أعقاب انقلاب عام 1965 على الرئيس سوكارنو، يعرض الفيلم الجديد القصة ولكن ليس من خلال وجهة نظر القتلة، بل من وجهة نظر الضحايا والشهود على تلك المذابح التي لا تزال موضوعا يثير الجدل في إندونيسيا حتى اليوم.
ومنحت لجنة التحكيم جائزة أحسن سيناريو إلى المخرجة رخشان بني اعتماد وفريد مصطفاوي كاتبي سيناريو فيلم "حكايات" الإيراني لمخرجته بني اعتماد الذي تلخص فيه ما جاء في أفلامها السابقة منذ فيلم "نرجس" من شخصيات تعاني وطأة الضغوط الاجتماعية والبيروقراطية، ولكن من خلال النقد الاجتماعي الخفيف الذي لا يصل إلى توجيه النقد لجوهر النظام وطبيعته الاستبدادية.
أما جائزة "مارسيللو ماتسروياني" التي تمنح لأحسن ممثل أو ممثلة في الدور الأول فقد ذهبت إلى الممثلة الفرنسية روان بول عن دورها في الفيلم الفرنسي "ضربة المطرقة الأخيرة" الذي تقوم فيه بدور أم انفصلت عن زوجها وأصبحت مسؤولة عن تربية ابنهما المراهق الذي يرغب في استئناف علاقته بأبيه رغم أنه لم يره منذ عشر سنوات، كما أن الأم تعاني من سرطان الدماغ وتستعد لإجراء عملية جراحية.
والفيلم عمل شديد الرقة والتأثير، يفيض بالمشاعر الإنسانية ويقدم صورة شديدة الصدق والواقعية لصبي يتطلع إلى الالتحاق بعالم الكبار لكنه يقاوم البقاء في كنف أمه الوحيدة.
وقد نظر كثيرون إلى الجائزة الخاصة التي منحتها لجنة التحكيم للفيلم التركي "سيفان" على أنها جائزة تحمل نوعا من المجاملة بمناسبة الاحتفال بمائة عام على بدء تاريخ السينما في تركيا، أما الفيلم نفسه فهو عمل غير متميز سينمائيا، كما أنه يمتلئ بالمشاهد التي تثير النفور كتعذيب وإيذاء الحيوانات، وكيف ينساق طفل وراء الكبار في الولع بمصارعة الكلاب حتى الموت.
0 comments:
إرسال تعليق