|
كتابات نقدية حرة عن السينما في الحياة، والحياة في السينما............. يحررها أمير العمري
إظهار الرسائل ذات التسميات سينما وثائقية. إظهار كافة الرسائل
إظهار الرسائل ذات التسميات سينما وثائقية. إظهار كافة الرسائل
الخميس، 27 فبراير 2014
الفيلم الوثائقي "رائحة الثورة"
Labels:
سينما وثائقية
الاثنين، 28 أكتوبر 2013
إعادة إكتشاف فلسطين: في مهرجان لندن السينمائي
|
Labels:
سينما وثائقية
الأربعاء، 9 يناير 2013
أحداث أهم عام في التاريخ 1968 في فيلم تسجيلي
أمير العمري
من أجمل الأفلام التسجيلية التي أعجبتني فيلم
"68" (90 دقيقة) للمخرج الفرنسي باتريك روتمان. وقد أخرج روتمان فيلمه هذا عام 2008 وهو يعتمد على كم هائل من الوثائق المصورة، منها
الكثير من الوثائق النادرة التي نراها للمرة الأولى، منها لقطات بالألوان لانتفاضة
مايو 1968 في باريس.
كان المخرج روتمان في ذلك الوقت، أي
قبل 40 عاما من صنع فيلمه، طالبا في
السوربون، وقد شارك في الأحداث كما كان شاهدا عليها. وقد ظل يبحث فيما وقع في 68
واصدر كتابا مهما في الموضوع، ثم جاء هذا الفيلم الذي لعل أكثر ما يميزه أنه يربط
بين ما حدث في فرنسا في ذلك الصيف، وبين ما كان يحدث في العالم في تلك السنة
المميزة في القرن العشرين.
لقد كان 1968 عام الثورة والغضب
والتمرد والاحتجاج ضد الفقر والظلم والتفرقة العنصرية، والأهم ربما، أنه كان عام
الاحتجاج والغضب على حرب فيتنام، وكان يمثل ايضا علامة فاصلة بين عصرين: عصر
التقاليد العتيقة المحافظة، وعصر الفكر الجديد المنطلق والرغبة في نظام تعليمي
جديد والاعتراف بالحقوق المدنية وإقرار مبدا الحرية الجنسية.
يأتي
الفيلم في إيقاع ساخن لاهث سريع، مصحوب بالأغاني السياسية الغاضبة للفترة، وهي
أغان لها معان واضحة محددة وكلماتها رقيقة بقدر ما هي عنيفة، أغاني جيمي هندركس
وبوب ديلان وجيم موريسون وجانيس جوبلن وغيرهم.
وينتقل الفيلم من باريس إلى براغ،
ومن واشنطن إلى المكسيك، ويشير إلى ما اجتاح، ليس فقط الدول الصناعية من حركات
احتجاج، بل بلدان العالم الثالث أيضا.
ويصور انتفاضة "ربيع
براغ" في تشيكوسلوفاكيا ضد البيروقراطية السوفيتية، ثم دخول قوات حلف وارسو
إلى براغ، والمصير الذي انتهى إليه زعيم الحركة وزعيم الحزب الشيوعي وقتذاك
الكسندر دوبتشك، ثم ينتقل إلى مقدمات وملابسات اغتيال مارتن لوثر كنج ثم روبرت
كنيدي، حتى يصل إلى مصرع جيفارا.
لكن تبقى انتفاضة باريس بما لها وما
عليها هي أساس الفيلم، ويستخدم المخرج ما توفر له من لقطات ووثائق لكي يجعلنا نرى
كيف تحولت الحركة تدريجيا من حركة سلمية منظمة، إلى احتجاج غاضب ثم ما أدى إليه
تدخل الشرطة العنيف إلى اتجاهها للعنف ثم انضمام العمال إلى الطلاب والمثقفين إلى
الاضراب العام الذي شل البلاد والمعارك العنيفة التي دارت وأدت إلى تخريب قطاع
كبير من باريس.
ويصور الفيلم كيف أدى هذا كله إلى
تحول في موقف المتعاطفين مع الانتفاضة، واستغلال ديجول الموقف وإعلانه تدخل قوات
الجيش لانقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي التام.
إنك تشاهد هذا الفيلم ولا تستطيع أن
تدير وجهك ولو للحظة واحدة، رغم تدفق الصور واللقطات المباشرة الصادمة بكل ما
تحتويه أحيانا من عنف وضراوة.
![]() |
باتريك روتمان مخرج الفيلم |
ويصور الفيلم دخول القوات السوفيتية
وقوات حلف وارسو على اعاصمة الشتكية براغ، وكيف واجهها السكان.
إن الصورة هنا ليست للإثارة ولا
لإطلاع المشاهد على ما حدث فقط، بل يستخدم المخرج أسلوبا تحليليا في قراءة
الأحداث، سواء من خلال التعليق الصوتي المكتوب بعناية ودقة، أو من خلال التداخل
بين الصور والتعليق والعناوين المكتوبة على الشاشة، واستخدام المقابلات المصورة من
الفترة نفسها، والبرامج التليفزيونية والاذاعية والأغاني.
إن "68" أحد الأعمال
الكبيرة في تاريخ الفيلم الوثائقي. ولحسن الحظ أن وسائل الاتصال أصبحت تجعله
متوفرا بسهولة اليوم لمن يريد حقا أن يرى، وأن يتعلم!
ملحوظة:
الفيلم متوفر على شبكة الانترنت في نسخة ناطقة بالفرنسية
Labels:
سينما وثائقية
الأحد، 18 نوفمبر 2012
الطريق لوسط البلد" نموذج للفيلم التسجيلي العشوائي!
أمير العمري
من أهم خصائص الفيلم التسجيلي الجيد تركيزه على الموضوع الذي يريد مخرجه وصانعه أن يتناوله. من الممكن أن يلجأ مخرج الفيلم إلى استخدام الكثير من العناصر المرئية والصوتية، سواء الموجودة في الواقع أو تلك التي يمكن أن يخلقها خلقا لتأكيد رؤيته، شريطة أن يكون ملما بكل دقائق هذه العناصر التي يستخدمها، وأن يكون أيضا مسيطرا على دقائقها وتفاصيلها بحيث لا يطغي عنصر على عنصر آخر.
من الممكن له أن يستخدم الكثير من الشخصيات التي يتابعها في مسارها اليومي- الحياتي، أو يستمع إلى تجاربها الخاصة، أو يطلب منها إعادة تمثيل مواقف ما تدفع سياق الفيلم وتضيف إلى موضوعه وتؤكد على ما يريد المخرج توصيله للمشاهد أو ما يرغب في تحقيقه من "تأثير" حتى لو كان تأثيرا مجردا، جماليا.
لم يعد ممكنا أن نكتفي بالقول إن الفيلم التسجيلي الجيد هو الذي يكون مخلصا في تسجيله للواقع. فمهما بذل المخرج من جهد فهو لن يستطيع في النهاية، تقديم الواقع كما هو، بل ستظل هناك زاوية ما للرؤية، أو صورة محددة للواقع يريد المخرج نقلها إلينا كمشاهدين، وتفاصيل معينة في الصورة هي التي تحظى باهتمامه.
من حق السينمائي أن يختار البناء الذي يراه مناسبا، لكن يتعين عليه السيطرة على كل عناصر الفيلم لكي يدفعها في اتجاه الموضوع الذي يرويه الفيلم أو يناقشه. والفرق كبير بين الفوضى المنظمة والفوضى العشوائية.
هذا المدخل أراه ضروريا قبيل تناول الفيلم المصري التسجيلي "في الطريق لوسط البلد" للمخرج شريف البنداري. (الصحيح لغويا "في الطريق إلى وسط البلد"). أما إذا توقفنا أمام العنوان في علاقته بمادة الفيلم نفسه فسنرى أن موضوع الفيلم لا يتعلق فقط بالطريق الذي يسلكه الناس في طريقهم إلى وسط مدينة القاهرة، أو إلى ذلك "المربع السحري" الذي يصفه بالتفصيل، الكاتب الأمريكي ماكس رودنبك في كتابه الممتع Cairo, The City Victorious بل أساسا، بوسط البلد نفسه، أجواؤه وأناسه وأرصفته ومبانيه.
الدوران حول الفكرة
لكن من حيث أراد المخرج تصوير منطقة وسط القاهرة بخصوصيتها المعروفة التي قام بتفصيلها علاء الأسواني في "عمارة يعقوبيان" مثلا، فإنه يجد نفسه مهتما أكثر بالكثير من الشخصيات والأشياء التي تعتبر خارج نطاق "وسط البلد"، وبالتالي فهو يفقد التركيز على الموضوع، ويقع في عشوائية السرد بعد أن لجأ إلى طريقة في المونتاج لا تبني مشهدا بعد آخر لكي يضيف شيئا إلى الفيلم من خلال كل مشهد، بل يعيد ويكرر، ويعود إلى ما سبق أن صوره، لا لكي يطوره أو يجعلنا ننتقل إلى الأمام، نحو اكتشاف مناطق جديدة في الموضوع، بل للدوران حول الفكرة دون الدخول في عمق الموضوع، وأصبح الفيلم بالتالي فاقدا للتوزان الفني المطلوب في أي عمل.
كيف حدث هذا؟ وما هو الدليل عليه؟
من المعروف في الفن السينمائي، أن الفيلم، سواء الروائي أو التسجيلي، الذي يحتوي على لقطات منفصلة جميلة في حد ذاتها، لا يكون بالضرورة فيلما جيدا، بل قد تصبح مثل هذه اللقطات "الجميلة" عبئا عليه، كما أن ليس كل ما يلتقطه المخرج- أو صانع الفيلم، من لقطات أثناء تصوير الفيلم، تصلح لأن يضمها إلى جسد الفيلم. فالفيلم له منطقه الداخلي الخاص. وكل مشاهده وشخصياته يجب أن تخضع لهذا المنطق، مهما بدا هناك من فوضى "ظاهرية".
يبدأ فيلم شريف البنداري من "وسط البلد" بالفعل، وليس من الطريق إلى وسط البلد"، فمن اللقطات الأولى في الفيلم نرى ميادين وسط القاهرة الشهيرة، لافتات المحلات التجارية في شارع قصر النيل، زحام سيارات الأجرة، الباعة الذين افترشوا أرضية الأرصفة يعلنون عن بضاعتهم، والمشاجرات بينهم على احتلال الأرصفة.. إلخ
هناك فتاة تقود سيارة تحاول الوصول إلى صديقة لها تقطن في شارع عدلي لكنها تعجز عن تحقيق هدفها، نراها من حين إلى آخر، وهي في الطريق، لا تستطيع أن تترك سيارتها في مكان أمين، تمر – كما تقول لصديقتها عبر الهاتف- مرات عديدة من أمام العمارة السكنية المقصودة لكنها لا تجد مكانا تقف فيه بالسيارة. وجود المنزل الذي تقصده بالقرب من المعبد اليهودي بما يقتضيه من تأمين، يزيد من تعقيد المشكلة. هذه الفتاة سيتكرر ظهورها عبر الفيلم، ونعرف أنها كانت مقيمة في الخارج وعادت للقاهرة وشاركت في ثورة 25 يناير وأنها تسترجع مع المخرج ذكرياتها وتتحدث عن ميدان التحرير وما أصبح يمثله لها.
وهناك إمرأة أخرى، نصف أجنبية، تقيم في شقة في وسط القاهرة، تزور في البداية مكانا لبيع المشغولات اليدوية، يديره فرنسي يحدثها عن اضطراره لغلق المكان أثناء الثورة بسبب خشيته على العاملين من قنابل المولوتوف. وسنعرف فيما بعد أن المرأة ربما تكون صاحبة ومؤسسة معطم شهير في وسط المدينة هو مطعم أستوريل، وأن لديها ذكريات خاصة في المنطقة، تستعيد بعضها من خلال مجموعة من الصور القديمة. وهي تتكلم في البداية بالإنحليزية رغم أنها تعود فتتكلم بالعربية بسلاسة!
وهناك شخص آخر نراه داخل مكتبه يحدثنا عن ذلك المنهج الدراسي الذي يقوم بتدريسه عما يطلق عليه "الفراغات البينية" في منطقة وسط القاهرة، دون أن يفهم المشاهد ما هي الفراغات البينية وما هي أهميتها وأهمية دراستها فالفيلم لا يوضح هذا الجانب ولا يسلط عليه الضوء بل يمر عليه مرور الكرام، لكن المخرج يعود إلى الباحث الأكاديمي نفسه، عبر الفيلم، مرات ومرات، فقط لكي نراه وهو يقوم بتجميع أجزاء ذلك النموذج الخشبي الدقيق (الماكيت) الذي صنعه الطلاب الدارسون للمنطقة، ولا نفهم أيضا أهميته وما يرمي إليه المخرج من وراء هذه الشخصية وهذا النموذج.
كيف حدث هذا؟ وما هو الدليل عليه؟
من المعروف في الفن السينمائي، أن الفيلم، سواء الروائي أو التسجيلي، الذي يحتوي على لقطات منفصلة جميلة في حد ذاتها، لا يكون بالضرورة فيلما جيدا، بل قد تصبح مثل هذه اللقطات "الجميلة" عبئا عليه، كما أن ليس كل ما يلتقطه المخرج- أو صانع الفيلم، من لقطات أثناء تصوير الفيلم، تصلح لأن يضمها إلى جسد الفيلم. فالفيلم له منطقه الداخلي الخاص. وكل مشاهده وشخصياته يجب أن تخضع لهذا المنطق، مهما بدا هناك من فوضى "ظاهرية".
يبدأ فيلم شريف البنداري من "وسط البلد" بالفعل، وليس من الطريق إلى وسط البلد"، فمن اللقطات الأولى في الفيلم نرى ميادين وسط القاهرة الشهيرة، لافتات المحلات التجارية في شارع قصر النيل، زحام سيارات الأجرة، الباعة الذين افترشوا أرضية الأرصفة يعلنون عن بضاعتهم، والمشاجرات بينهم على احتلال الأرصفة.. إلخ
هناك فتاة تقود سيارة تحاول الوصول إلى صديقة لها تقطن في شارع عدلي لكنها تعجز عن تحقيق هدفها، نراها من حين إلى آخر، وهي في الطريق، لا تستطيع أن تترك سيارتها في مكان أمين، تمر – كما تقول لصديقتها عبر الهاتف- مرات عديدة من أمام العمارة السكنية المقصودة لكنها لا تجد مكانا تقف فيه بالسيارة. وجود المنزل الذي تقصده بالقرب من المعبد اليهودي بما يقتضيه من تأمين، يزيد من تعقيد المشكلة. هذه الفتاة سيتكرر ظهورها عبر الفيلم، ونعرف أنها كانت مقيمة في الخارج وعادت للقاهرة وشاركت في ثورة 25 يناير وأنها تسترجع مع المخرج ذكرياتها وتتحدث عن ميدان التحرير وما أصبح يمثله لها.
وهناك إمرأة أخرى، نصف أجنبية، تقيم في شقة في وسط القاهرة، تزور في البداية مكانا لبيع المشغولات اليدوية، يديره فرنسي يحدثها عن اضطراره لغلق المكان أثناء الثورة بسبب خشيته على العاملين من قنابل المولوتوف. وسنعرف فيما بعد أن المرأة ربما تكون صاحبة ومؤسسة معطم شهير في وسط المدينة هو مطعم أستوريل، وأن لديها ذكريات خاصة في المنطقة، تستعيد بعضها من خلال مجموعة من الصور القديمة. وهي تتكلم في البداية بالإنحليزية رغم أنها تعود فتتكلم بالعربية بسلاسة!
وهناك شخص آخر نراه داخل مكتبه يحدثنا عن ذلك المنهج الدراسي الذي يقوم بتدريسه عما يطلق عليه "الفراغات البينية" في منطقة وسط القاهرة، دون أن يفهم المشاهد ما هي الفراغات البينية وما هي أهميتها وأهمية دراستها فالفيلم لا يوضح هذا الجانب ولا يسلط عليه الضوء بل يمر عليه مرور الكرام، لكن المخرج يعود إلى الباحث الأكاديمي نفسه، عبر الفيلم، مرات ومرات، فقط لكي نراه وهو يقوم بتجميع أجزاء ذلك النموذج الخشبي الدقيق (الماكيت) الذي صنعه الطلاب الدارسون للمنطقة، ولا نفهم أيضا أهميته وما يرمي إليه المخرج من وراء هذه الشخصية وهذا النموذج.
وهناك الكاتب الروائي المكاوي سعيد (الذي لا يعرف المشاهد المحايد من هو لأن المخرج لا يقدم الشخصيات بوضوح دائما بل يترك الأمر لفراسة للمشاهد ومعرفته الشخصية). وهو ككاتب من الكتاب الذين كتبوا عن وسط القاهرة في رواياته (هذا أيضا متروك لاستنتاج المشاهد) يزور محلا لبيع الأثريات والأشياء القديمة: الصور واللوحات والأسطوانات والمقاعد.. إلخ
صاحب المحل (أمجد) يبدو رجلا مثقفا يعرف تاريخ وأصل كل ما يعرضه للبيع من مقتنيات، أما سعيد فهو يسأله عن شخصيات مثل مونولوجست قديم من الثلاثينيات، كان يدعى سيد قشطة، وقد أطلق الناس إسمه- كما يقول سعيد- على حيوان فرس النهر عندما جاء إلى حديقة الحيوانات بالجيزة، أو يستمع الإثنان معا إلى أسطوانة قديمة بواسطة جهاز جرامافون قديم إلى أغنية من أغاني الماضي. هنا نحن نخرج من خصوصية "وسط البلد" إلى موضوع يتعلق ببعض المعروضات القديمة التي ترتبط- ليس بوسط البلد تحديدا- لكي ندخل في قصص عن شخصيات أخرى وحكايات أخرى تستغرق صانع الفيلم لطرافتها لكنها تنزلق بالفيلم بعيدا عن مادته الأساسية.
وهناك القاص والرسام عبده البرماوي الذي يتردد كثيرا على منطقة وسط البلد ويشرح للمخرج كيف أن المثقفين لا يخرجون عن نطاق مثلث معين في المنطقة يرتبط بعدد من المقاهي المعروفة، كما يتطرق أيضا إلى مشاركته في الثورة الأخيرة.
وهناك البائع المتجول أو بائع الرصيف (وهو وصف أكثر دقة في رأيي) ويدعى حسين الذي يتحدث كثيرا عما كانوا يتعرضون له هو وزملاؤه على يد الشرطة قبل الثورة.
هناك الكثير من التشتت في الأفكار، وكثير من التنافر في الشخصيات، فمعظمها أساسا، شخصيات جاءت من خارج المنطقة، وهي تقدم لنا من على مسافة معينة، تحافظ على القشرة الخارجية لها دون النفاذ إلى أعماق أي شخصية منها. ولا نعرف هل اهتمام الفيلم بالمنطقة كمكان هو اهتمام بتاريخها الثقافي، أو بطرازها المعماري، أم بكونها كانت بؤرة لثورة يناير 2011 بسبب ملاصقتها لعاصمة الثورة أي ميدان التحرير!
من الممكن أن يقول قائل بالطبع: إنها كل هذه الأسباب مجتمعة، لكن العبرة بالقدرة الفنية على تحقيق التوازن فيما بينها، بل وعلى تقديمها بشكل عميق وليس العبور السطحي عليها من الخارج، وهو ما نفتقده كثيرا في الفيلم، فأنت لن يمكنك أن تحشد كل شيء يصادفك لمجرد ما تعتقد أنه "طرافته" و"تعبيره عن شيء ما". وما ينتج عن هذه "المزاجية" أن الفيلم يمكن ان يستمر في الخروج من قصة للدخول في قصة أخرى، والتوقف أمام المزيد من الشخصيات التي تصادف وجودها في "وسط البلد"، وبذلك يمكن أن يستمر السرد لساعات، كما يمكن أن ينتهي في أي لحظة، وهذا ما نطلق عليه خللا خطيرا في البناء.
صاحب المحل (أمجد) يبدو رجلا مثقفا يعرف تاريخ وأصل كل ما يعرضه للبيع من مقتنيات، أما سعيد فهو يسأله عن شخصيات مثل مونولوجست قديم من الثلاثينيات، كان يدعى سيد قشطة، وقد أطلق الناس إسمه- كما يقول سعيد- على حيوان فرس النهر عندما جاء إلى حديقة الحيوانات بالجيزة، أو يستمع الإثنان معا إلى أسطوانة قديمة بواسطة جهاز جرامافون قديم إلى أغنية من أغاني الماضي. هنا نحن نخرج من خصوصية "وسط البلد" إلى موضوع يتعلق ببعض المعروضات القديمة التي ترتبط- ليس بوسط البلد تحديدا- لكي ندخل في قصص عن شخصيات أخرى وحكايات أخرى تستغرق صانع الفيلم لطرافتها لكنها تنزلق بالفيلم بعيدا عن مادته الأساسية.
وهناك القاص والرسام عبده البرماوي الذي يتردد كثيرا على منطقة وسط البلد ويشرح للمخرج كيف أن المثقفين لا يخرجون عن نطاق مثلث معين في المنطقة يرتبط بعدد من المقاهي المعروفة، كما يتطرق أيضا إلى مشاركته في الثورة الأخيرة.
وهناك البائع المتجول أو بائع الرصيف (وهو وصف أكثر دقة في رأيي) ويدعى حسين الذي يتحدث كثيرا عما كانوا يتعرضون له هو وزملاؤه على يد الشرطة قبل الثورة.
هناك الكثير من التشتت في الأفكار، وكثير من التنافر في الشخصيات، فمعظمها أساسا، شخصيات جاءت من خارج المنطقة، وهي تقدم لنا من على مسافة معينة، تحافظ على القشرة الخارجية لها دون النفاذ إلى أعماق أي شخصية منها. ولا نعرف هل اهتمام الفيلم بالمنطقة كمكان هو اهتمام بتاريخها الثقافي، أو بطرازها المعماري، أم بكونها كانت بؤرة لثورة يناير 2011 بسبب ملاصقتها لعاصمة الثورة أي ميدان التحرير!
من الممكن أن يقول قائل بالطبع: إنها كل هذه الأسباب مجتمعة، لكن العبرة بالقدرة الفنية على تحقيق التوازن فيما بينها، بل وعلى تقديمها بشكل عميق وليس العبور السطحي عليها من الخارج، وهو ما نفتقده كثيرا في الفيلم، فأنت لن يمكنك أن تحشد كل شيء يصادفك لمجرد ما تعتقد أنه "طرافته" و"تعبيره عن شيء ما". وما ينتج عن هذه "المزاجية" أن الفيلم يمكن ان يستمر في الخروج من قصة للدخول في قصة أخرى، والتوقف أمام المزيد من الشخصيات التي تصادف وجودها في "وسط البلد"، وبذلك يمكن أن يستمر السرد لساعات، كما يمكن أن ينتهي في أي لحظة، وهذا ما نطلق عليه خللا خطيرا في البناء.
تراكم اللقطات
يعتمد المخرج في تقديم كل شخصيات الفيلم التي تظهر مرات عدة جميعها، تتحدث سواء مع بعضها البعض أو مع المخرج من وراء الكاميرا، على إعادة التجسيد، أي على نوع من التمثيل.. تمثيل "وجود" هذه الشخصيات في "وسط البلد"، مما أدى إلى الكثير من الافتعال.. افتعال التلقائية في التصرفات والحوارات والأداء أمام الكاميرا.
ومع تكرار ظهور تلك الشخصيات تتراكم اللقطات دون أي إضافة حقيقية تثري الفيلم الذي أخذ مخرجه يواصل الدوران حول الفكرة دون الاقتراب منها، فقد خرجنا ونحن أبعد ما نكون معرفة بوسط القاهرة، فكل ما شاهدناه مجموعة من الأنماط التي يمكن أن تجدها في أي حي في العاصمة، وما تقوله تلك الشخصيات لا أهمية له في سياق التعريف بخصوصية المنطقة.
نحن مثلا نرى الفتاة التي تحاول الوصول إلى صديقتها تشكو من عدم وجود أماكن يمكن استئجارها للتدرب على الرقص، وهو موضوع لا علاقة له بموضوع الفيلم، بل ولا تقول لنا قصتها هي داخل الفيلم سوى أن "وسط البلد" مكان مزدحم يصعب أن تترك فيه سيارتك، وأن الأرصفة لم تعد تصلح للاستخدام، وتشكو من أن الناس لم تعد تسير على الأرصفة، وهذا كله ليس اكتشافا، بل وجانب لا قيمة له أصلا في السياق، وصاحب الماكيت الضخم لا يضيف إلى معارفنا بالمنطقة والحي وطبيعته وأناسه شيئا بل يبدو وكأن الفيلم مشغول بأمر واحد فقط هو تجميع أجزاء الماكيت معا لكي يعرض لنا صورة عامة له دون أن يضيف ذلك شيئا إلى الفيلم. والسيدة التي تروي لنا كيف أن البعض يقوم بسرقة أغطية البالوعات وأسلاك التليفونات وترينا صورا التقطتها للشوارع وقد بدت فيها البالوعات مفتوحة، لا تقول لنا شيئا يضيف أو يكشف لنا عن جانب من جوانب الخصوصية في "وسط البلد" فهذا ما يحدث أيضا في أماكن عديدة أخرى في القاهرة.
إن "الطريق لوسط البلد" فيلم يعيبه أساسا ذلك القدر من العشوائية في البناء، والسطحية في التناول، والفشل في التعامل مع الموضوع من زواياه المختلفة بسبب الخروج باستمرار عن بؤرة الموضوع.
ومرة أخرى، نحن لا نعرف هل هو فيلم عن الزحام، أم عن الثورة؟ عن تاريخ المكان وأهميته (وهو غائب عن الفيلم بشكل عام) أم عن الباعة الجائلين ومشاكلهم؟ عن العلاقة بين الشرطة والناس، أم عن الشعور بالإحباط من الزحام؟ عن محلات العاديات (التي توجد أيضا بعيدا عن وسط المدينة في حي المعادي مثلا) أم عن رسوم الثورة الجرافيكية؟
ولهذا فالفيلم يفتقد إلى الوحدة الفنية بشكل ظاهر. ويبقى الجانب الأساسي الغائب عن الفيلم، هو ذلك التعبير عن سحر ذلك "المربع السحري".. رغم أغطية البالوعات المفتوحة وأسلاك التليفونات المنهوبة. لكن هذه هي حدود فيلم أراد أن يقول كل شي فلم ينجح في إشباع أي من جوانبه.
(( نشر هذا المقال في موقع "الجزيرة الوثائقية بتاريخ 15 نوفمبر 2012))
يعتمد المخرج في تقديم كل شخصيات الفيلم التي تظهر مرات عدة جميعها، تتحدث سواء مع بعضها البعض أو مع المخرج من وراء الكاميرا، على إعادة التجسيد، أي على نوع من التمثيل.. تمثيل "وجود" هذه الشخصيات في "وسط البلد"، مما أدى إلى الكثير من الافتعال.. افتعال التلقائية في التصرفات والحوارات والأداء أمام الكاميرا.
ومع تكرار ظهور تلك الشخصيات تتراكم اللقطات دون أي إضافة حقيقية تثري الفيلم الذي أخذ مخرجه يواصل الدوران حول الفكرة دون الاقتراب منها، فقد خرجنا ونحن أبعد ما نكون معرفة بوسط القاهرة، فكل ما شاهدناه مجموعة من الأنماط التي يمكن أن تجدها في أي حي في العاصمة، وما تقوله تلك الشخصيات لا أهمية له في سياق التعريف بخصوصية المنطقة.
نحن مثلا نرى الفتاة التي تحاول الوصول إلى صديقتها تشكو من عدم وجود أماكن يمكن استئجارها للتدرب على الرقص، وهو موضوع لا علاقة له بموضوع الفيلم، بل ولا تقول لنا قصتها هي داخل الفيلم سوى أن "وسط البلد" مكان مزدحم يصعب أن تترك فيه سيارتك، وأن الأرصفة لم تعد تصلح للاستخدام، وتشكو من أن الناس لم تعد تسير على الأرصفة، وهذا كله ليس اكتشافا، بل وجانب لا قيمة له أصلا في السياق، وصاحب الماكيت الضخم لا يضيف إلى معارفنا بالمنطقة والحي وطبيعته وأناسه شيئا بل يبدو وكأن الفيلم مشغول بأمر واحد فقط هو تجميع أجزاء الماكيت معا لكي يعرض لنا صورة عامة له دون أن يضيف ذلك شيئا إلى الفيلم. والسيدة التي تروي لنا كيف أن البعض يقوم بسرقة أغطية البالوعات وأسلاك التليفونات وترينا صورا التقطتها للشوارع وقد بدت فيها البالوعات مفتوحة، لا تقول لنا شيئا يضيف أو يكشف لنا عن جانب من جوانب الخصوصية في "وسط البلد" فهذا ما يحدث أيضا في أماكن عديدة أخرى في القاهرة.
إن "الطريق لوسط البلد" فيلم يعيبه أساسا ذلك القدر من العشوائية في البناء، والسطحية في التناول، والفشل في التعامل مع الموضوع من زواياه المختلفة بسبب الخروج باستمرار عن بؤرة الموضوع.
ومرة أخرى، نحن لا نعرف هل هو فيلم عن الزحام، أم عن الثورة؟ عن تاريخ المكان وأهميته (وهو غائب عن الفيلم بشكل عام) أم عن الباعة الجائلين ومشاكلهم؟ عن العلاقة بين الشرطة والناس، أم عن الشعور بالإحباط من الزحام؟ عن محلات العاديات (التي توجد أيضا بعيدا عن وسط المدينة في حي المعادي مثلا) أم عن رسوم الثورة الجرافيكية؟
ولهذا فالفيلم يفتقد إلى الوحدة الفنية بشكل ظاهر. ويبقى الجانب الأساسي الغائب عن الفيلم، هو ذلك التعبير عن سحر ذلك "المربع السحري".. رغم أغطية البالوعات المفتوحة وأسلاك التليفونات المنهوبة. لكن هذه هي حدود فيلم أراد أن يقول كل شي فلم ينجح في إشباع أي من جوانبه.
(( نشر هذا المقال في موقع "الجزيرة الوثائقية بتاريخ 15 نوفمبر 2012))
Labels:
سينما وثائقية
الاثنين، 14 مارس 2011
"جوقة رجل واحد": إعادة اكتشاف أورسون ويلز
بقلم: أمير العمري
الفيلم الوثائقي الذي اسلط الضوء عليه اليوم، يعود إلى ما قبل خمسة عشر عاما، لكني عدت لمشاهدته أخيرا، ليس فقط لأهميته وأهمية الاكتشافات التي تمكن مخرجه من تقديمها عن شخصية المخرج السينمائي الأمريكي الرائد أورسون ويلز، صاحب فيم "المواطن كين" أحد اهم الأفلام في تاريخ السينما، بل لأنه منذ ظهوره في 1995، لم يستطع أي فيلم وثائقي آخر، أن يتجاوزه، أي أن يضيف جديدا إلى ما أضافه هذا الفيلم، بل إنه يُعد أيضا، دراسة بالصورة والصوت، لواحدة من أكثر الشخصيات السينمائية غرابة وتفردا وتقلبا وسوء حظ أيضا، في عالمنا، ومنذ اختراع السينما حتى اليوم.
هذا الفيلم هو "جوقة رجل واحد" One Man’s Band وهو يقع في 90 دقيقة، اشترك في إخراجه المخرج اليوغسلافي السابق (من مواليد سلوفينيا) فاسيلي سيلوفيتش، والمخرجة أوجا كودار، وهي من مواليد زغرب في كرواتيا، لكن أهميتها تعود إلى أنها كانت أيضا الزوجة الأخيرة للمعلم الكبير أورسون ويلز ورفيقة دربه طيلة السنوات العشر الأخيرة من حياته، وقد عملت مساعدة له في كتابة السيناريو لبعض أفلامه التي لم يجد معظمها طريقه إلى العرض، أو لم يكتمل تصوير بعضها الآخر لأسباب يتعرض فيلمنا الوثائقي هذا لها ويترك الكثير من علامات الاستفهام معلقة امام البعض الآخر منها.
ولعل السؤال الاول الذي قد يتبادر إلى الأذهان هنا هو: وما الذي يستطيع أن يقدمه فيلم وثائقي جديد عن عالم أوروسون ويلز الذي رحل عن دنيانا قبل ربع قرن؟ فقد ظهرات من قبل عن ويلز عشرات الكتب والدراسات والمقالات النقدية والأفلام الوثائقية التي حاولت تقديم صورة مكثفة للعالم الخاص والفريد لذلك الفنان العظيم وتجاربه الفريدة في التمثيل والإخراج والكتابة، فما الجديد الذي جاء فيلم "جوقة رجل واحد" لكي يقدمه؟
يلقي الفيلم أضواء جديدة على الكثير من الجوانب الغامضة والخفية في شخصية أورسون ويلز، كما يعرض أجزاء نادرة لم يسبق عرضها، من أفلامه العديدة التي شرع في ابتكارها وإعدادها وتصويرها أحيانا، دون أن يتمكن أبدا من استكمالها لأسباب كثيرة معقدة يتطرق إليها الفيلم. ويقول الفيلم أيضا إن هناك أفلاما أخرى كان ويلز قد انتهى بالفعل من إخراجها لكنها لم تعرض قط لأسباب قانونية لاتزال قائمة حتى يومنا هذا. ولو قدر لهذه الأعمال أن تعرض الآن فلاشك أنها ستضيف الكثير جدا إلى تجربة أورسون ويلز السينمائية، وتفتح آفاقا جديدة للتعرف الحقيقي على حجم موهبته، بل وعلى قدرته الدائمة على الاكتشاف والابتكار والتجديد في الشكل السينمائي، في حين أن الكثيرين يتصورون أنه انتهى في تجديده عند رائعته "المواطن كين" (1941) الذي لايزال منذ ظهوره منذ نحو سبعين عاما، قادرا على تحدي الزمن، وعلى تحدي الكثير من الإضافات الفنية اللاحقة على ظهوره بسنوات بعيدة.
وكان ويلز في الرابعة والعشرين من عمره عندما أخرج هذا الفيلم الذي غير وجه تاريخ السينما وأسس بشكل كبير، للـ"الفن السينمائي" في مقابل "الصناعة" السينمائية. وبعده، لم يستسلم ويلز كما يتصور كثيرون لمقاييس هوليوود السائدة، بل واصل تجاربه وابتكاراته، حتى أنه يمكن القول إنه يعتبر أعظم التجريبيين في تاريخ السينما.
في فيلم "جوقة رجل واحد" يستخدم لقطات عديدة للقاء التاريخي الذي جمع بين ويلز قبيل وفاته، وأعضاء معهد الفيلم الأمريكي American Film Institute أو مؤسسة دعم السينما الأمريكية كتاريخ وثقافة، ومقرها نيويورك.
فقد أقام له هؤلاء حفل تكريم خاص ومنحوه جائزة المعهد، ربما كانت الوحيدة التي حصل عليها طيلة حياته من مؤسسة أمريكية، عن مجمل إسهامه الفني في تطوير لغة السينما. وخلال اللقاء الذي نشهد منه لقطات متقطعة عبر المراحل المختلفة من الفيلم، يرد ويلز على سؤال بشأن علاقته بالجمهور فيقول بحسرة واضحة، إنه كان يسعى طوال حياته، للوصول إلى ذلك الجمهور وليس إلى القطيعة معه.
غير أن أفلام أورسون ويلز التي لم تختبر اختبارا حقيقا في سوق الفيلم، واجهت في الحقيقة، صعوبات ومتاعب جمة وعراقيل من جانب شركات الإنتاج السينمائي في الولايات المتحدة، فقد وضع المنتجون أمامه العراقيل والشروط الصعبة، وارادوا إرغامه على الامتثال لشروط الإنتاج الأمريكي الذي يحسب طبقا لدراسات جدوى في الأسواق، في حين أن موهبته الجامحة كانت ترغب دائما، في تطويع إمكانيات الصناعة لخياله الخاص الجامح.
كان ويلز، المشبع تماما بالثقافة الحقيقية: الأدب والمسرح الشكسبيري والفن التشكيلي وفن التصوير الفوتوغرافي والتمثيل المسرحي، أكثر طموحا في أفلامه من مجرد الطموح المعتاد للمخرج السينمائي. فقد كان يسعى إلى العثور على معادل يجمع هذه الفنون جميعها، في بوتقة واحدة، يمزجها بالتجربة الشخصية للفنان، يصبغها بصبغته الشخصية، ويدفع الحياة فيها والحركة إلى أقصاها. وكان بالتالي، ينفق الكثير من الوقت والجهد من أجل تحقيق غرضه دون كلل. ولم تكن شركات الإنتاج السينمائي الأمريكي تستطيع ان تقبل بذلك, ومن هنا جاءت مشاكله، فقد أشيع عنه مثلا أنه لا ينهي أفلامه بسهولة، وأنه عنيف متقلب المزاج، في حين كان ويلز يتمتع بطاقة هائلة وقدرة فذة على العمل الشاق المتواصل، وإرادة لا تعرف الكلل، من أجل تحقيق أحلامه السينمائية الخاصة، والبحث عن تمويل مناسب لها، حتى لو أدى الأمر إلى قيامه بمعظم العمليات الفنية الأساسية بنفسه: الكتابة والتمثيل والإخراج والإنتاج، واحيانا المونتاج أيضا. وكان بالتالي نموذجا للمخرج صاحب الرؤية، أو ما يعرف بالمخرج- المؤلف بكل معنى الكلمة.
ويكشف فيلم "جوقة رجل واحد" عن طاقة ويلز الهائلة، كما يلقي الأضواء على أعماله الطموح، التي لم يتوقف قط عن تطويرها والابتكار فيها. ومن هذه الأعمال مثلا فيلم "الجانب الآخر من الريح" The Other Side of the Wind الذي يعرض فيلمنا هذا مشاهد عديدة منه للمرة الأولى. وقد انتهى ويلز من تصوير الفيلم بالكامل إلا أنه لم يتمكن ابدا من عمل المونتاج له، وبالتالي يظل حبيسا في العلب.
ويقول فاسيلي سيلوفيتش، أحد مخرجي "جوقة رجل واحد"، إن الفيلم لم يكتمل بسبب ما وقع من مشاكل بين طرفي الإنتاج فيه، وهما منتجان من فرنسا وإيران، وكان من الصعب للغاية أن يقوم أي مخرج آخر غير ويلز الذي توفي عام 1985، بالإشراف على المونتاج له، لأن المونتاج كان دائما المرحلة الاهم في العمل السينمائي لدى ويلز، وخلالها كان يمنح الفيلم طابعه المميز، وأسلوبه الشخصي، لكنه يرى أن المخرجة أوجا كودار، مساعدته، هي الوحيدة التي يمكنها استكمال الفيلم. وفي المشاهد التي تظهر هنا من "الجانب الآخر من الريح"، يتبدى بوضوح الطموح الفني عند ويلز في بناء المشاهد وتصميم الحر كة في داخلها، واختياراته للألوان، ولقطاته الفريدة القريبة (كلوز اب).
وكان أورسون ويلز قد شرع في سنواته الأخيرة، في تصوير فيلم عن مسرحية شكسبير الخالدة "الملك لير" يقوم هو بدور البطولة فيه أي بدور الملك لير نفسه. وكان لديه مشروع آخر بدأ في تصويره عن مسرحية "تاجر البندقية" نرى منه ومن الفيلم السابق ذكره، لقطات فريدة تبرز قدرة ويلز الكبيرة كممثل من طراز فريد يميل إلى التقمص التام، والتعايش الكامل مع الشخصية التي يؤديها، كما صور أيضا بعض المشاهد من فيلم بعنوان "الحالمون" عن مجموعة قصص قصيرة للكاتبة الدنماركية كارين بليكسن التي كانت تكتب باسم إسحق دينيسين (وهي مؤلفة رواية "خارج افريقيا" Out of Africa الشهيرة التي تحولت إلى فيلم بنفس العنوان حصل على عدد من جوائز الأوسكار). وكان ويلز من أشد المعجبين برواياتها وقصصها، وقد سبق أن أخرج للتليفزيون، فيلما عن إحدى قصصها هو فيلم "قصة لا تموت" The Immortal Story
وكان ويلز قد شرع أيضا في تصوير فيلم جديد عن الرواية التي يكن لها إعجابا كبيرا وهي رواية "موبي ديك" ومنح الشخصية الرئيسية فيه أبعادا جديدة من خلال رؤيته الخاصة لها، وادائه وأسلوب إخراجه. وبدأ ويلز تصوير الفيلم الذي لم يكتمل، في عام 1972 ثم توقف في العام التالي، وهو لا يقوم فقط في هذا الفيلم بالدور الرئيسي، بل بادوار أخرى ثانوية في نفس الوقت.
الساحر والساخر
في "جوقة رجل واحد" مشاهد عديدة مأخوذة من البرامج التليفزيونية التي ظهر فيها ويلز كضيف ثابت، ابتكر اشكالا جديدة للسخرية، منها ذلك العرض التليفزيوني الذي كان يقدمه مع مجموعة من الدمى المتحركة، وعروض أخرى كان يمارس فيها هوايته الغريبة في القيام بأعمال السحر، وبرامج صورها في بريطانيا وأيرلندا وجسد فيها انطباعاته الساخرة عن الشخصية الإنجليزية والأيرلندية، وغيرهما.
ويضم الفيلم ايضا لقطات نادرة صورتها المخرجة أوجا كودار لاورسون ويلز أثناء قيامه بإخراج أفلامه الأخيرة، أوأثناء قيامه بالتدريبات التمهيدية على الأداء(البروفات)، كما يعرض الفيلم لرحلات ويلز العديدة خارج الولايات المتحدة. لقد كان ويلز ، على نحو ما، سينمائيا أوروبيا، هضم جيدا التراث الثقافي في الأدب والمسرح الأوروبي، وتاثر بهما، وربما كانت تلك الخاصية وراء الكثير من أسباب إحساسه الشخصي بالغربة والعزلة عن المجتمع الأمريكي، وهو إحساس نشعر به طوال مشاهدتنا لهذا الفيلم الوثائقي المدهش.
يضم "جوقة رجل واحد" ستين دقيقة من لقطات من الأفلام المجهولة لاورسون ويلز، وثلاثين دقيقة من ذكريات زوجته الأخيرة كودار، عن حياتهما معا وعن نظرتها إليه، ليس فقط كزوج، بل كفنان مدهش، ومبدع كبير. وفي الفيلم أيضا لقطات من حفل تكريمه في معهد الفيلم الأمريكي، نرى كيف يوجه له أحد النقاد سؤالا يتعلق بعدم استكمال أفلامه الأخيرة، فيستنكر ويلز هذا القول، ويرفض الاعتراف بأنه توقف عن العمل، مصرا على أنه سيواصل العمل إلى أن ينتهي من هذه الافلام قريبا. لقد كان ويلز نموذجا للقدرة الدائمة على الاستمرار في العمل حتى آخر نفس في حياته، وهذا أهم ما يكشف لنا الفيلم عنه.
الأوسكار والنظام
لم يحصل أورسون ويلز على أي من جوائز الأكاديمية الأمريكية لفنون السينما (الأوسكار9، لا كمؤلف بارز وكاتب سيناريو، ولا كممثل عظيم، ولا كمخرج من الرواد، بل ولا حتى عن فيلمه الذي أدهش كل رجال صناعة السينما في زمانه ولايزال يعد من أهم عشرة أفلام في تاريخ السينما، أي فيلم "المواطن كين". ولم يحصل ويلز أيضا على جائزة الأوسكار التي تمنح تكريما للمخرجين العظام عن مجمل أعمالهم السينمائية، لكن أعماله القليلة المكتملة التي تركها، تتحدى الأوسكار، وتثبت للمقارنة مع الأعمال الرفيعة في الفن. ومن هذه الافلام: "فالساتف"، الذي استوحاه عن مسرحيات عدة لشكسبير، و"الرجل الثالث" الذي صوره في فيينا بعد الحرب العالمية الثانية، و"سيدة من شنغهاي"، و"آل أمبرسون العظام"، و"المحاكمة" عن رواية كافكا الشهيرة، و"لمسة الشر"، و"عطيل" الذي صوره في أربعة بلدان من بينها المغرب، وقد عرضت النسخة الكاملة منه للمرة الأولى في مهرجان كان السينمائي عام 1993، وفيلم "التزوير" وهو آخر أفلامه كمخرج.
لم يحصل أورسون ويلز على أي من جوائز الأكاديمية الأمريكية لفنون السينما (الأوسكار9، لا كمؤلف بارز وكاتب سيناريو، ولا كممثل عظيم، ولا كمخرج من الرواد، بل ولا حتى عن فيلمه الذي أدهش كل رجال صناعة السينما في زمانه ولايزال يعد من أهم عشرة أفلام في تاريخ السينما، أي فيلم "المواطن كين". ولم يحصل ويلز أيضا على جائزة الأوسكار التي تمنح تكريما للمخرجين العظام عن مجمل أعمالهم السينمائية، لكن أعماله القليلة المكتملة التي تركها، تتحدى الأوسكار، وتثبت للمقارنة مع الأعمال الرفيعة في الفن. ومن هذه الافلام: "فالساتف"، الذي استوحاه عن مسرحيات عدة لشكسبير، و"الرجل الثالث" الذي صوره في فيينا بعد الحرب العالمية الثانية، و"سيدة من شنغهاي"، و"آل أمبرسون العظام"، و"المحاكمة" عن رواية كافكا الشهيرة، و"لمسة الشر"، و"عطيل" الذي صوره في أربعة بلدان من بينها المغرب، وقد عرضت النسخة الكاملة منه للمرة الأولى في مهرجان كان السينمائي عام 1993، وفيلم "التزوير" وهو آخر أفلامه كمخرج.
كان ويلز قادرا على جعل الفيلم السينمائي سينمائيا خالصا، يحمل بصمته الشخصية، أيا كان المصدر المأخوذ عنه الفيلم، سواء عن مسرحيات شكسبير أم عن القصص والروايات البوليسية، وسواء كان يحتوي على أبعاد فلسفية أم نفسية أم سياسية. وكان قادرا على أن يجعله أيضا، شديد الجاذبية ومختلفا تماما عما قبله. وكان يضطر إلى القبول بالتمثيل في أفلام عديدة، حتى من تلك التي لم يكن يحترمها كثيرا، من أجل تدبير بعض المال الذي يمكنه من مواصلة عمله كمخرج، يقوم أيضا بإنتاج أفلامه الفنية.
وهنا تحديدا، يكمن سر شقائه ومجده في آن. فهو المتمرد الأعظم على "النظام" أي نظام الإنتاج التقليدي في هوليوود، المتجاوز لعصره فنيا وفكريا، الطامح إلى خلق لغة سينمائية خالصة. إلا أنه أيضا، ضحية النظام الذي حاربه، ولفظه، وحرمه من فرصة استكمال الكثير من أفلامه المدهشة التي لا تزال تنتظر من يكملها، ويخرجها من معطف الساحر ويعيدها إلينا. ولو قدر لهذه الأعمال أن تعرض اليوم ستكون كفيلة بتغيير وجه السينما إلى الأبد.
(جميع الحقوق محفوظة وغير مسموح باعادة النشر إلا بإذن صريح مكتوب من ناشر المدونة)
Labels:
سينما وثائقية
الجمعة، 14 يناير 2011
الفيلم الوثائقي السيريالي
بقلم: بروس هودسدون
ترجمة: أمير العمري
"سوف أتأمل في الوجه الآخر من العالم"
بنيامين بيريه في "اختراع العالم"
يوصف الفيلم الوثائقي باعتباره "خيالي لا يشبه أي شكل خيالي آخر". وبدلا عن المفهوم القائل إن الخيالي يقدم مدخلا إلى "عالم"، يزعم الوثائقي أنه يقدم مدخلا إلى "العالم"، وهو زعم بأنه يمتلك وضعا خاصا، فيه نوع من التفوق الأخلاقي، يتمثل في الرابطة المباشرة التي تتكون بين الواقع وتجسيد الواقع في السينما.
الفيلم الوثائقي السيريالي يتحدى هذا الزعم ويطوع هذا الزعم لتحقيق وضعا خاصا.
لقد قام روبرت فلاهرتي بإعادة تجسيد بعض المشاهد من أجل المحافظة على أنماط حياة الإسكيمو المهددة بالتلاشي، على شريط الفيلم السينمائي، والجمع في سلاسة، بين اللقطات المصنوعة واللقطات الوثائقية المباشرة في فيلمه "نانوك من الشمال" (1922). وفي الوقت نفسه، كان بنيامين كريستنسن يقفز من مستوى للواقع الى مستوى آخر في فيلمه "هاكسن: السحر عبر العصور" Häxan: Whitchcraft through the Ages ".
الأشكال السردية التي وفق بينها كريستنسن، جامعا بين الواقع والخيال في "هاكسن" Häxan كانت نوعا من الإرهاصات الأولية لظهور الفيلم الوثائقي السيريالي. تطمس السريالية، خلال سعيها لفتح الخيال على الواقع، الفرق بين الحقيقة والخيال. في الأفلام الوثائقية السيريالية والأفلام السيريالية بشكل عام، يتم استخدام التأثير الواقعي لتقريب المتفرج من العالم الذي يجسده الفيلم، من أجل مصادرة الافتراضات المسبقة في ذهن المتفرج حول هذا العالم. وقد تجسد استخدام المزج بين الحقيقة والخيال في استخدام لقطات من فيلم وثائقي عن العقارب في المشهد الأول من فيلم "العصر الذهبي" للويس بونويل (1930)، وفي استخدام جان فيجو للمزج بين الذاتية، والتصويرالذي تتخذ فيه الكاميرا مكان العين، والهجائية الساخرة، والمسح الاجتماعي في تصويره لمدينة نيس في فيلمه " حول نيس" propos de Nice A(1930).
عرض فيلم "العصرالذهبي" عرضا عاما قبل 75 عاما في ستوديو 28 في باريس في 28 نوفمبر 1930. وقد أتاح هذا العرض وضع الفيلم الوثائقي على حافة المثلث السيريالي الذي بلغ ذروته عندما فتح الطريق أمام السيريالية الاثنوجرافية في فيلم "أرض بلا خبز" Las Hurdes (1933)، الذي كان ثوريا ورجعيا على حد سواء، غامضا ومتصل، منفصلا بقسوة في تعليقه الصوتي، ومتكلفا بعبثية في اختيار خلفيته الموسيقية.
كانت اللقطات الأولى في فيلم "العصر الذهبي" تعكس إشكالية الرغبة في اقتحام حقل اجتماعي أكبر من ذلك بكثير" من خلال فيلم لا يمكن تصنيفه بسهولة، سيريالي بشكل أساسي، مزيج من الأنواع السينمائية genres ومن الخيالي والوثائقي،و شبه التاريخي، والميلودرامي، وهو ما كان أكثر قدرة على مقاومة استفزازات فيلم "الكلب الأندلسي" لبونويل (1929) بلقطاته التي تشبه الأحلام، في سياق "خطاب التحليل النفسي للرغبة الكامنة على مستوى اللاوعي". لقد أصبح "العصر الذهبي" عرضة لهجوم متواصل من اليمين، ومنع من العرض العام في غضون أسبوع من عرضه الأول (استمر حظر عرضه عمليا لمدة 50 عاما) ، بينما تمتع فيلم "الكلب الأندلسي" بالعرض بشكل متواصل في باريس لمدة ثمانية أشهر، وهو نجاح استقبل استقبالا متناقضا في أوساط السيرياليين.
وإذا كان "الكلب الاندلسي" يعتبر مغامرة عظمى سيريالية داخل عالم اللاوعي، فربما يكون "العصر الذهبي" هو الأكثر في تعبيره الصلب والعنيد عن العزيمة الثورية.
وقد أعيد إحياء طريقة استخدام أسلوب التعارض بين اللقطات الخيالية والوثائقية في فيلم "فيلهلم رايش: ألغاز الكائن الحي" الذي أخرجه اليوغسلافي دوسان مكافييف عام 1971. وقد وصفه الناقد ديفيد تومبسون في دراسة له، بأنه "أسلوب صاعد ومترابط ينتقل من الخصوصية البشرية، إلى السلوك السياسي، وينظر أيضا إلى السلوك السياسي باعتباره رد فعل للإحباط النفسي والجنسي، وهو ما يمكن تطبيقه على قدم المساواة، على فيلم "العصر الذهبي".
![]() |
من فيلم "العصر الذهبي" لبونويل |
بالمقارنة، يستخدم كريس ماركر أسلوبا يجمع بين اللقطات 'الحقيقية'، والتعليق الصوتي الخيالي، والبناء القائم على شكل الرحلة، وذلك في فيلمه "عديم الشمس" Sans Soleil (1983). إنه يتجاوز الأسلوب التقليدي الشائع لأفلام الرحلة، عن طريق الجمع بين المشردين الحقيقين والمتخيلين في سياق سيريالي يمكن مقارنته بما حققه السيريالي باتريك كيللر في فيلميه (من أفلام الرحلة): لندن (1994) و"روبنسون في الفضاء" (1997).
لقد أعرب سيرجي أيزنشتاين عن رفضه للسيريالية عندما تعرف عليها في باريس عام 1930. وقد وصفها بقوله: "إنها بعيدة كل البعد، سواء في الفكر أو في الشكل، عن كل ما قمنا به ونقوم به"، وهو رأي لا يشاركه فيه السيرياليون. بونويل، على سبيل المثال، اعترف في سيرته الذاتية بأنه كان على قناعة، لسنوات عديدة، بأن فيلم "المدمرة بوتيمكين" (1925) هو الفيلم "الأكثر جمالا في تاريخ السينما". ووصف أيزنشتاين فيلمه " الخط العام" (1929)، الذي يعتبر ظاهريا 'دراما وثائقية رسمية حول المزارع الجماعية" ، بأنه "محاولة لتصوير تجربة العمل اليومي عند الفلاحين بطريقة مثيرة للاهتمام ". وهو يحتوي على أحد أكثر المشاهد في ذاكرة السينما تعبيرا عن الشهوة الجنسية (بمعنى التحول المكثف)، الحصول على آلة لفصل الزبدة عن الحليب، حيث تتحول الإثارة الجنسية هنا"من الجسد البشري إلى الآلة" إن لقطات أيزنشتاين الأساسية المثيرة للنشوة في هذا الفيلم هي لقطات كان قد صورها أصلا لفيلمه المكسيكي " تحيا المكسيك" (1932).
ويربط المونتاج بين التعارضات المقلقة، الكامنة في ثنايا الصور، وبين الصوت والصورة (التعليق، المؤثرات الصوتية الحية، والموسيقى) وذلك في الأفلام الوثائقية التي صنعها سينمائيون سيرياليون من أمثال جان بينليفيه Painlevé، هنري ستورك، جورج فرانجو Franju، آلان رينيه، وهمفري جينينجز، ويان سفانكماير Švankmajer، وفي هذه الأفلام يستخدم هؤلاء المخرجين ازدواجية المغزى الشعري في مادة الفيلم: العلوم الطبيعية، جزيرة عيد الفصح ، مسلخ، الضريح، المكتبة، ثقافة الطبقة العاملة، والعرض المروع للعظام البشرية في صندوق عظام الموتي داخل الدير. إن ما يجمع بينهم هو الإحساس الناتج عن خلق عوالم موازية، سطح كوكب حضارة ميتة (في فيلم L’Ile de Pâques، لهنري ستورك، 1935)، والضريح الذي هو أرشيف كبير (في "كل ذاكرة العالم" لآلان رينيه، 1956) أو الرعب المكتوم من المسالخ في الضواحي (في فيلم "البهائم"، لفرانجو، 1949)- العلاقة الكابوسية الخيالية في علاقتها مع العالم الواقعي. وحتى في تصوير كيف تقضي الطبقة العاملة أوقات الفراغ (كما في "وقت الفراغ"، 1939)، تمكن المخرج همفري جينينجز من العثور على "نوع من الخيال القاتم. وبعض الكرامة... ".
![]() |
لوي بونويل |
في السينما ، يتم التعبير عن خطابات متناقضة في سياق سائد يعمل بمثابة اللغة التي تستخدم في تعريف لغة أخرى metalanguage. وفي حالة السينما الوثائقية، عادة ما يحدث هذا من خلال التعليق الصوتي المصاحب الذي يربط معا، الرؤى المختلفة للواقع، التي تكشف عنها الصور والأصوات الأخرى في الفيلم. وفي الفيلم الوثائقي السيريالي، إما يتم الاستغناء عن التعليق الصوتي، أو يكون التعليق متناثرا وقليلا، أو يتم تهميشه ليصبح مجرد صوت نشاز أو مرتبطا بسياق محدد.
لقد تحدى لويس بونويل في فيلم "أرض بلا خبز" Las Hurdes، وجان روش في أفلامه الإثنولوجية، القواعد التقليدية للفيلم الوثائقي. ويمكن قراءة فيلم بونويل باعتباره محاكاة ساخرة سيريالية للفيلم الخيالي "يوسع مساحة اضطراب المفاهيم السينمائية التي سبق أن رسخها في "الكلب الأندلسي" و"العصر الذهبي"، بشكل يتلخص أساسا في طريقة استخدامه للتعليق الصوتي. ويسهم راؤول رويز في فيلمه "الأحداث الكبرى والناس العاديون، 1979) في استراتيجية التفكيك الذاتي للعديد من القناعات الموضوعية في الفيلم الوثائقي.
على مر السنين، كثيرا ما أسيء تفسير التناقض الواضح بين التعليق الصوتي و"الاستخدام غير المناسب" للسيمفونية الخامسة لبرامز في فيلم "أرض بلا خبز" على انه نتيجة تدخل فظ من جانب موزع الفيلم. إلا أن رويز، مع ذلك، لا يترك سببا لمثل هذا الغموض في سخريته اللاذعة من القناعات الواقعية كما تنعكس في التقارير التليفزيونية. إن غموض "الأحداث الكبرى" يكمن حيث يمكن أن يقودنا رويز. إن التأملات الأقرب إلى اليوميات لرجل تشيلي يعيش في المنفى، في فرنسا، في الانتخابات المحلية الفرنسية (رؤية رويز نفسه)، تفسح المجال لاستخدام مواد خارجية تأتي من مصادر أخرى، مما يجعل اليوميات التي كانت متدفقة، تتوقف. ومن أجل تقديم تعريف لما هو حقيقي وما هو دخيل في الفيلم الوثائقي يقوم رويز باستدعاء حالته الشخصية باعتباره رجلا من تشيلي يعيش في المنفي، في فرنسا. وهو يجعل النقد يتجه إلى ذلك الشعور بالقبول لدى المتفرجين عن طريق تثبيت ثلاث حقائق سيريالية تتعلق بالفيلم "الوثائقي المستقبلي" يمكن التعبير عنها من خلال هذه العبارة:
طالما ظل الفقر موجودا، سنكون أغنياء
وطالما ظل الحزن موجودا، سنكون سعداء
وما دامت السجون موجودة، سنكون أحرارا
(من بيل نيكولز: "تجسيد الواقع: قضايا ومفاهيم في الفيلم الوثائقي).
* جزء من دراسة بعنوان "السينما الوثائقية السيريالية: مراجعة الحقيقي"- 2005.
Labels:
سينما وثائقية
الجمعة، 27 أغسطس 2010
"جنوب الحدود": مغامرة جديدة لأوليفر ستون في أمريكا اللاتينية
ستون يخوض هنا مغامرة جديدة في السباحة ضد التيار السائد، ضد الإعلام الأمريكي وما يروجه من معلومات خاطئة وما يعكسه من مواقف موالية بالكامل لنظرة الإدارة الأمريكية التقليدية بل وضد موقف ورؤية وكالات الاستخبارات الأمريكية من بلدان أمريكا اللاتينية، التي تتناقض في مواقفها السياسية مع رغبة واشنطن في فرض الهيمنة عليها.
على رأس تلك البلدان فنزويلا في عهد رئيسها الممتليء بالحيوية والنشاط والذي يتحلى أيضا بشجاعة كبيرة: هوجو تشافيز.
ستون يتجول بالكاميرا، في عدد من بلدان القارة الجنوبية، فيذهب إلى فنزويلا حيث يلتقي بتشافيز، ثم إلى الأرجنتين فيقابل الرئيس السابق نيستور كيرشنر والرئيسة الحالية (زوجته) كريستينا كيرشنر، وإلى بوليفيا حيث يلتقي بأول رئيس في أمريكا اللاتينية من السكان الأصليين (يطلقون عليهم خطأ الهنود الحمر) هو الرئيس إيفو موراليس، ثم إلى البرازيل والرئيس لولا دا سيلفا، وباراجواي والرئيس فرناندو لوجو، وأخيرا إلى كوبا ورئيسها راؤول كاسترو.
يستخدم ستون المادة المصورة التي يظهر فيها بنفسه يدير الحوارات أمام الكاميرا، ويطرح الكثير من التساؤلات من وجهة نظر الأمريكي "العادي" لكنه لا يحاول بالطبع ادخال الرأي الآخر، المناقض لآراء زعماء بلدان أمريكا اللاتينية بل ويستثني رئيس كولومبيا المؤيد تماما للسياسة الأمريكية والذي تخوض بلاده حربا ضد جماعات الثوار منذ سنوات، والسبب بسيط، لأن هذا الرأي أو تلك الوجهة الأخرى، معروفة ومألوفة وشائعة، ويعرفها جميع الأمريكيين، بل والرأي العام في العالم من خلال أجهزة الإعلام السائدة مثل سي إن إن وغيرها، وهي تتلخص في إدانة هذه البلدان والحكم عليها بانتهاك حقوق الإنسان (التي يقول لنا الفيلم إنها أصبحت التهمة الجديدة بعد تهمة الديكتاتورية).
ويسخر الفيلم من اتهام تشافيز مثلا بالديكتاتورية، وتقول رئيسة الأرجنتين إنها لا تعرف بلدا في العالم أجريت فيه الانتخابات الديمقراطية 17 مرة في سنوات معدودة كما حدث في فنزويلا. ويؤكد الفيلم على أن جميع الرؤساء الذين يحاورهم ستون جاءوا إلى الحكم عن طريق الانتخابات بل إنهم فضوا دائما التصدي للعنف بالعنف، ويصور احترامهم لحق الإضراب والتظاهر في كل الظروف، باستثناء كوبا التي تنهج نهجا مختلفا، وإن كان يصور كيف يحظى النظام بالشعبية الكبيرة من جانب الطبقات الكادحة، أي الأغلبية.
ويركز الفيلم بدرجة كبيرة، على تجربة تشافيز في فنزويلا، وهي من أغنى الدول بالنفط، وكيف تآمرت عليه الولايات المتحدة وأرادت الاطاحة به في انقلاب سرعان من انعكس لصالحه، وكيف تمكن من الصمود وتحويل بلاده من دولة تستورد كل قمحها من الخارج إلى دولة مصدرة، وكيف وفرت الدول التعليم والصحة لفئات كانت محرومة تماما منها.
ولعل من الجوانب المهمة التي يكشف عنها الفيلم من خلال الحوارات المكثفة مع زعماء البلدان التي اشرنا إليها، هو كيف تتضامن هذه الدول معا، في مواجهة القوة الأكبر في العالم، متحدة بموقف موحد ورأي واحد، لا تسعى للصدام بل لاحترام استقلاليتها وتوجهها المختلف.
صحيح أن هذا الفيلم من الأفلام التليفزيونية المصورة بكاميرا الديجيتال الصغيرة، وصحيح أنه يعتمد على الحوارات، لكنه يتمتع بقدر كبير من الحيوية، والجمال الداخلي، الذي يشع من مشاهد كثيرة مثل المشهد الذي يلعب فيه ستون مع رئيس بوليفيا الكرة، أو عندما يشرح رئيس باراجواي الشاب في حماسة وسخرية، كيف أنه رد على رفض الأمريكيين سحب قاعدتهم العسكرية من بلاده بأنه سيوافق على وجودها في حالة موافقتهم على وجود قاعدة لبلاده على الأراضي الأمريكية.
ويكشف الفيلم من خلال ما يدور من حوارات عما يتمتع به هؤلاء الرؤساء من ثقافة سياسية وقدرة تحليلية عالية، يجمعهم الوقوف سياسيا على اليسار أو يسار الوسط، ويدافعون جميعا عن دور الدولة في توجيه الاقتصاد، ويرفضون فكرة الاستسلام لاقتصاد السوق طبقا لشروط البنك الدولي.
وفي الفيلم جانب تعليمي مهم يساهم في إثارة الوعي لدى مشاهديه. وليت حكامنا يشاهدونه لكي يدركوا أن الأمر ممكن.. وليته يعرض على الجمهور في بلادنا لكي يعرفوا كيف يخدعهم حكامهم ليلا ونهارا بالقول إنه "ليس ممكنا"!
ملحوظة: فاجأ الرئيس الفنزويلي تشافيز جمهور المهرجان وظهر إلى جانب أوليفر ستون في المؤتمر الصحفي ليس باعتباره رئيسا، بل باعتباره الشخصية الأولى في للفيلم مما أضفى جوا من الحيوية الشديدة على المؤتمر. وقد قضى تشافيز 17 ساعة في فينيسيا قبل أن يغادرها.
Labels:
سينما وثائقية
السبت، 14 أغسطس 2010
"العد التنازلي حتى الصفر": عودة التحذير من الخطر النووي

هذه المزايا أجدها متوفرة تماما في الفيلم الأمريكي الوثائقي الطويل "العد التنازلي حتى الصفر" Count Down to Zero للمخرجة البريطانية لوسي ووكر الذي عرض خارج المسابقة في مهرجان كان السينمائي الـ63.
موضوع الفيلم هو الخطر النووي الذي لايزال قائما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية ما عرف بالحرب الباردة بين الكتلتين، الشرقية والغربية، ورغم ذلك، يؤكد الفيلم أن الخطر المحدق انتقل من الصراع بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، إلى ذلك "الانفلات" النووي الذي يمكن أن يؤدي إليه وقوع قنابل نووية في أيدي عصابات دولية، أو منظمات إرهابية، أو أنظمة ترفض الانصياع للرأي العام العالمي، وتتمادى في فكرة الردع المعنوي بل ويمكن ايضا أن تلجأ إلى الردع المادي النووي باستخدام تلك الأسلحة بالفعل، في حالة شعورها بالخطر.مدخل الفيلم إلى الموضوع هو ما ورد في خطاب للرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي، الذي حذر عام 1961 من الخطر النووي الذي يمكن أن يقضي على الإنسان، وذكر كنيدي آنذاك، قولته الشهيرة "إن كل رجل وامرأة وطفل يعيش تحت سيف ديموقليطس النووي، المعلق بخيوط رفيعة جدا يمكن أن تُقطع في أي لحظة نتيجة حادث، أو حسابات خاطئة، أو نوبة جنون".
Labels:
سينما وثائقية
الأربعاء، 21 يوليو 2010
ملحمة "دراكيلا": بيرلسكوني بطلا أمام نفسه!

كان من أهم الأفلام الوثائقية التي عرضت في دورة مهرجان كان الأخيرة، الفيلم الإيطالي "دراكيلا: إيطاليا تهتز" Draquila: L’Italia Che Trema للمخرجة سابينا جوزانتي.هذا الفيلم جاء نموذجا على التطور الكبير الذي حققه صناع السينما الوثائقية، فهو لم يعد مجرد "بيان" لما يجري في الواقع، بل رؤية تحليلية ساخرة، وبناء يتجاوز جفاف المادة الوثائقية، لكي يضفي نوعا من الإثارة والمتعة على المشاهدة، بقدر لا يقل عما يمكن أن يحققه الفيلم الدرامي الروائي. هنا يزول الفرق بين الوثائقي والروائي، ويصبح الفيلم فيلما شاملا بكل معنى الكلمة، يقدم عرضا للفرجة والمتعة والفهم، بل والكشف الصارم عن بواطن الفساد بما يمثل على نحو ما، دعوة إلى تغيير الواقع أيضا.عنوان الفيلم "دراكيلا" هو مزيج ساخر من كلمتين هما "لاكيلا" l’aquila وهي مدينة إيطالية تاريخية معروفة بآثارها القديمة، تعرضت في أبريل/ نيسان 2009 لزلزال مدمر. و"دراكولا".. الشخصية الأسطورية لمصاص الدماء الشهير في الأدب والخيال المصور. أما الشق الثاني من عنوان الفيلم أي "إيطاليا تهتز" فهو تنويع على عنوان الفيلم الإيطالي الكلاسيكي الشهير "الأرض تهتز" (1948) للمخرج الراحل لوتشينو فيسكونتي، ويعد من العلامات الكبرى في مدرسة الواقعية الجديدة فيما بعد الحرب العالمية الثانية.
مخرجة الفيلم سابينا جوزانتي Sabina Guzzanti، جاءت إلى السينما من عالم التمثيل والبرامج التليفزيونية الساخرة. كان والدها عضوا في البرلمان الإيطالي عن حزب بيرلسكوني لكنه اختلف معه كثيرا واستقال بعد أن وجه انتقادات قاسية للحزب وزعيمه.
ذهبت سابينا بعد وقوع الزلزال إلى المدينة المتضررة، وبدأت تجري التحقيقات والأبحاث حتى اتضحت في ذهنها المادة التي ستعتمد عليها في بناء فيلمها، بطريقة مشوقة وممتعة.
يبدأ الفيلم بلقطة لقارب من القوارب الإيطالية الشهيرة (جندولا) يسير في إحدى قنوات البندقية، ثم تتراجع الكاميرا إلى الوراء لكي نرى صورة مرسومة لبيرلسكوني، يجلس وقد أسند ذقنه على يده، يتطلع نحو جهاز للتليفزيون عبارة عن صورة مرسومة أيضا لكن الصور التي يعرضها حقيقية تماما، ويأتي التعليق الصوتي بصوت المخرجة، يقول لنا إن "اليوم كان بداية الربيع في شبه الجزيرة (أي إيطاليا) لكنه كان يوما سيئا آخر لبيرلسكوني، فقد أمسك القضاء بخناقه". ونرى لقطات لبيرلسكوني أمام المحكمة عندما اضطر للمثول أمامها للإدلاء بشهادته فيما يتعلق بتهم فساد. وسرعان ما يظهر بيرلسكوني نفسه وهو يقول: "لقد كنت محظوظا أن تمكنت من دفع 200 مليون يورو (حوالي 250 مليون دولار) للمستشارين و"القضاة"..". وعندما يدرك خطأه يتوقف ويستدرك قائلا :أقصد للمحامين".
هذا الأسلوب سيطبع الفيلم بكامله، فنحن نتلقى الصور كما لو كنا نشاهد فيلما مسلياً من أفلام الأطفال، تروى لنا المخرجة أحداثه وتفاصيله، تلتقط من الصور (الحقيقية تماما) ما يدعم رؤيتها للموضوع. ولكنها لا تتوقف فقط أمام الصور، بل تستخدم الرسوم البيانية التي تحتوي على إحصائيات ومعلومات، كما تستخدم الرسوم الكاريكاتورية وأشكال التحريك المختلفة، واللقطات المأخوذة من البرامج التليفزيونية ونشرات الأخبار، وتمزجها مع المقابلات التي تجريها من وراء الكاميرا، والتي تظهر هي فيها أحيانا كطرف مباشر أمام الكاميرا، تناقش وتجادل وتسأل.الرسم البياني الذي يعقب ذلك يقول لنا إن شعبية بيرلسكوني كانت قد تدهورت كثيرا في تلك الفترة، ولكن التعليق يخبرنا أنه "في الساعة الثالثة و33 دقيقة من صباح 6 أبريل 2009، وقع زلزال لاكيلا الذي أيقظ حتى سكان منزل الأخ الأكبر" (كما نرى في لقطات بالأبيض والأسود مأخوذة بكاميرا الفيديو السرية)، في إشارة إلى البرنامج التليفزيوني الشهير لما يسمى بـ"تليفزيون الواقع" الذي تسخر منه المخرجة بالطبع، حين تعرض لقطة سريعة لشاب يستيقظ من الفراش مذعورا.وتمضي الصور يصاحبها التعليق. رسم لبيرلسكوني عاريا تماما سوى من ربطة عنق وورقة من ذات الخمسمائة يورو تستر عورته، وهو يمد يده مبتسما.. في حين يقول التعليق إنه "على حين دمرت بلدة بأسرها، فقد كان الأمر بالنسبة لبيرلسكوني كما لو أن العناية الإلهية مدت إليه يدها مجددا".
هذا الأسلوب سيطبع الفيلم بكامله، فنحن نتلقى الصور كما لو كنا نشاهد فيلما مسلياً من أفلام الأطفال، تروى لنا المخرجة أحداثه وتفاصيله، تلتقط من الصور (الحقيقية تماما) ما يدعم رؤيتها للموضوع. ولكنها لا تتوقف فقط أمام الصور، بل تستخدم الرسوم البيانية التي تحتوي على إحصائيات ومعلومات، كما تستخدم الرسوم الكاريكاتورية وأشكال التحريك المختلفة، واللقطات المأخوذة من البرامج التليفزيونية ونشرات الأخبار، وتمزجها مع المقابلات التي تجريها من وراء الكاميرا، والتي تظهر هي فيها أحيانا كطرف مباشر أمام الكاميرا، تناقش وتجادل وتسأل.الرسم البياني الذي يعقب ذلك يقول لنا إن شعبية بيرلسكوني كانت قد تدهورت كثيرا في تلك الفترة، ولكن التعليق يخبرنا أنه "في الساعة الثالثة و33 دقيقة من صباح 6 أبريل 2009، وقع زلزال لاكيلا الذي أيقظ حتى سكان منزل الأخ الأكبر" (كما نرى في لقطات بالأبيض والأسود مأخوذة بكاميرا الفيديو السرية)، في إشارة إلى البرنامج التليفزيوني الشهير لما يسمى بـ"تليفزيون الواقع" الذي تسخر منه المخرجة بالطبع، حين تعرض لقطة سريعة لشاب يستيقظ من الفراش مذعورا.وتمضي الصور يصاحبها التعليق. رسم لبيرلسكوني عاريا تماما سوى من ربطة عنق وورقة من ذات الخمسمائة يورو تستر عورته، وهو يمد يده مبتسما.. في حين يقول التعليق إنه "على حين دمرت بلدة بأسرها، فقد كان الأمر بالنسبة لبيرلسكوني كما لو أن العناية الإلهية مدت إليه يدها مجددا".
على هذا التعليق الطريف نشاهد إحدى لوحات عصر النهضة التي تصور العالم الآخر، ويد تمتد تلمس يد بريلسكوني في رقة قبل أن تمتليء السماء بالبرق والرعد!
هذا هو الأسلوب، يتشكل ويتحدد منذ اللقطات الأولى من الفيلم: اللقطات المتناقضة، والتعليق الساخر، والحقيقة ممزوجة بالرسوم، والبيانات والمعلومات ممتزجة بالتعليقات المباشرة من قلب الواقع وعلى ألسنة الشخصيات المختلفة القريبة من الحكاية.تروي المخرجة (وهي حاضرة طوال الوقت في الفيلم تستخدم ضمير المتكلم) كيف سارع بيرلسكوني، رجل الدعاية البارع، إلى استغلال الزلزال المدمر الذي أدى إلى مقتل 300 شخص وتشريد 70 ألف آخرين، من أجل استعادة شعبيته المتراجعة. وكيف يتوجه مباشرة إلى موقع الزلزال، ويتعهد بأن يوفر مسكنا بديلا لكل أسرة بحلول الخريف، ويشرح أمام كاميرات التليفزيون كيف ستكون كل شقة مفروشة بالكامل بما في ذلك التفاصيل الصغيرة، بل ومع "كعكة كبيرة وزجاجة شمبانيا في الثلاجة" أيضا!
لكننا نرى في الوقت نفسه، كيف أرغم السكان على مغادرة المدينة، وأرسلت السلطات 30 ألفا منهم للإقامة في فنادق على الشاطئ البعيد بشكل مؤقت، حتى أولئك الذين لم تتضرر منازلهم، كما أرسلت باقي السكان للإقامة داخل خيام في منطقة معزولة، تحاصرها قوات الجيش التي تحظر على السكان الاتصال بالصحافة والإعلام، كما تحظر تماما دخول الصحافة كما نرى بالفعل عندما يتصدورن لفريق الفيلم ويدفعونه بعيدا. ونرى كيف ينظم سكان المخيم تظاهرات يومية للاحتجاج على الأوضاع المزرية التي يعيشونها.والطريف أيضا أن السلطات تحظر عليهم تناول الكوكاكولا والقهوة، كما تخبرنا اللافتات المعلقة في أرجاء المخيم ، فالسلطات المسؤولة تعتبر هذه المواد من "المنبهات" التي يمكن أن تثير السكان وتدفعهم إلى الخروج من عقالهم!
وتكشف جوزانتي كيف أسندت الحكومة تصميم مساكن جديدة في الضواحي، إلى نفس المهندس الذي كان يطمئن السكان قبل فترة وجيزة من وقوع الزلزال، بأن مكروها لن يقع لمدينتهم التاريخية.بعد ستة أشهر من وقوع الزلزال يتم بناء 30 في المائة فقط من المساكن الموعودة يتسلمها المحظوظون، لكنهم يقولون لنا إنهم ليسوا محظوظين تماما، فقد اشترطوا عليهم ضرورة تسليم تلك المساكن في النهاية، بعد أن تنتهي عملية ترميم المدينة، على الحالة التي كانت عليها عند استلامهم لها، أي أن المطلوب أن يعيدوا كل شيء إلى أصله، ويحظر عليهم دق أي مسامير في الجدران، وضرورة المحافظة على صناديق القمامة لتسليمها، وعدم العبث بالستائر.. إلخعلى الجانب الآخر، في لاكيلا نفسها يحتل الجيش وسط المدينة ويرفض السماح لأي مخلوق بدخول المنطقة، في حين أن الآثار التاريخية القديمة المتداعية تركت لكي
تتداعى.
تتداعى.
ويتهم الفيلم بيرلسكوني بالتخريب المتعمد بعد أن أسند مسؤولية التعامل مع الأزمة إلى ما يعرف بـ"وكالة الحماية المدنية" التي يرأسها رجل يعد من أخلص حلفائه هو جويدو برتولاسو، الذي وجهت إليه اتهامات بالتحرش الجنسي والفساد، مما دفعه إلى أن يعرض تقديم استقالته إلا أن بيرلسكوني رفض وألح عليه أن يبقى في منصبه.هذه الوكالة كما يكشف الفيلم، يفترض أن تتعامل مع الأوضاع المدنية في حالة الطواريء فقط، إلا أن حكومة بيرلسكوني كما تكشف لنا المخرجة، أضافت بندا آخر تحت مسمى "الأحداث الكبيرة" وهو تعبير عمومي، يمنح تلك المؤسسة سلطة كاملة، ويبيح لها تجاوز القانون بل والدستور أيضا، فالدستور الإيطالي يسمح بالتجمعات والمظاهرات في حين أن سلطة الحماية المدنية تفرض على السكان المقيمين في المخيم المؤقت، عدم التجمع أو التظاهر. وهذه النقطة هي ما تجعل المخرجة جوزانتي تتهم حكومة بيرلسكوني بانتهاج سياسية شمولية تتنافى تماما مع الديمقراطية.
ويصور الفيلم كيف استغل بيرلسكوني المأساة لكي ينقل مؤتمر مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى، من صقلية إلى لاكيلا، وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة، وبتكاليف باهظة من أموال دافعي الضرائب، فقط من أجل التباهي بأنه مهتم بأحوال المدينة وسكانها الذين هجروها، أي باستخدام المؤتمر للدعاية الشخصية لنفسه.
ثم نرى كيف يقوم بيرلسكوني بزيارة يتفقد خلالها بعض أعمال البناء في ضواحي المدينة، حيث يلتقي بمجموعة من العمال، ولكنه يلاحظ غياب النساء فيتساءل في بساطة: أين النساء؟ ثم يتعهد بأنه عندما يأتي في المرة القادمة "سأصطحب معي مجموعة من فتيات الاستعراض"!

وفي مرة أخرى يصر على التقاط صورة مع مجموعة من العمال ومسؤولي البلدية، وبينهم امراة واحدة تتمتع بقسط من الجاذبية، فيقول وهو يقترب منها أريد أن أشعر بالمرأة أكثر!هذا التصوير الكاريكاتوري هو جزء أساسي من الطابع الهجائي للفيلم، وهو يقربه من المشاهدين، على نحو ما يفعل المخرج الأمريكي الشهير مايكل مور في أفلامه الوثائقية، كما يساهم في تأكيد فكرة اللامبالاة إزاء الكارثة التي حلت بعشرات الآلاف من البشر في الوقت، فنحن نرى كيف يلهو بيرلسكوني بالمأساة، ويصور الأمر أمام كاميرات التليفزيون في معرض تعليقه على السكان الذين انزلتهم السلطات في فنادق مؤقتة على الشاطئ بقوله: "إنهم سعداء هناك كما لو كانوا يقضون عطلة"!
ويصور الفيلم كيف يحتفل بيرلسكوني علانية، وبشكل مبالغ فيه، بعيد ميلاده في الوقت الذي يعلن فيه توزيع المساكن على قطاع من سكان المدينة المنكوبة، في شكل احتفالي غير لائق، وكيف يستخدم الدعاية التي توفرها له امبراطوريته الإعلامية من أجل كسب الأصوات، وهو ما تظهره جيدا سابينا جوزانتي من خلال المقابلات العديدة التي تجريها مع نساء ورجال خاصة من المسنين، وكيف يبدون إعجابهم ببيرلسكوني وجاذبيته وكرمه وأريحيته، ويقولون إنه لولاه ما كان شيئا ليتحقق، كما لو كان الرجل يعطي الشعب من أمواله، وهي فكرة يروج لها عادة الكثير من رجال الأعمال عندما يتولون السلطة السياسية.
فيلم "دراكيلا" أخيرا، أحد الأفلام الشجاعة الجريئة، التي تكشف وتعري، ورغم أنه ليس فيلما "محايدا" حسب المفهوم التقليدي في السينما الوثائقية، إلا أنه متوازن إلى حد كبير، وهو يعتمد على الحقائق، كما يعتمد على الوثائق والشهادات الإنسانية المباشرة، ويكشف أيضا تقاعس المعارضة السياسية والصحافة عن القيام بدورها كما ينبغي، بعد أن أحكمت سلطة، تراها المخرجة "شمولية"، قبضتها على الإعلام، وقلصت من دور المعارضة على نحو مثير للأسى والأسف!
تقول سابينا جوزانتي: "إن تصوير هذا الفيلم ثم مشاهدة لقطاته وانا أقوم بالمونتاج وأربط بين الصور والأحداث، هزني كثيرا. سيستغرق الأمر زمنا طويلا قبل أن يعاد بناء لاكيلا: المدينة التي بدأ تشييدها في عصر فريدريك الثاني كقلعة حصينة ضد روما الفاسدة، واستكمل بناؤها في القرن الثالث عشر على يدي ابنه، مدينة تعرضت للكثير من الزلازل العنيفة، واليوم أصبحت تواجه بشيء أشد وأخطر. سيستغرق الامر على الأقل وقتا مشابها إلى أن يعاد بناؤها".
Labels:
سينما وثائقية
الاثنين، 5 يوليو 2010
"حنين للضوء": التطلع إلى السماء لمعرفة ما في باطن الأرض
وقد صنع جوزمان فيلمه في نحو ساعة ونصف، وصوره للشاشة العريضة، وفيه يحاول أن ينقل الفيلم الوثائقي نقلة جديدة، ليس من خلال التلاعب بالشكل بل عن طريق، التعامل مع التاريخ والسياسة ولكن من خلال نظرة فلسفية ذهنية، ترى علاقة بين دقائق الكون، وحبيبات الرمال في جوف الصحراء، بين الكواكب وحركتها وما تسقطه من ضوء، وبين العتمة التي تمكن داخل باطن الأرض، والعتمة القائمة التي تحلق فوق منطقة معينة من "تاريخ" تشيلي، لا يصلها ضوء الكواكب، ولا تخترقها نظرة المناظير العملاقة التي نراها في المشاهد الأولى من الفيلم.
إننا أمام فيلم يبدو للوهلة لأولى، تقليديا، في بنائه، وفي استخدامه للتعليق الصوتي المصاحب لصوره ولقطاته، غير أن الفيلم في جوهر مادته وتركيبها معا، ليس تقليديا على الإطلاق، بل ويمكن أن يكون فيه نوعا من السيريالية أيضا، فهناك علاقة وثيقة بين ما يحدث في الكون، خارج عالمنا المحدود، وبين ما هو كائن في جوف الأرض "حرفيا"، بين التاريخ: تاريخ الإنسان على هذه الأرض، وبين ما يكمن تحت هذه السماء، بين الماضي البعيد والماضي القريب، وبين الإنسان والتاريخ. ولذلك يمكن القول إن فيلمنا هذا ينحو منحى ذهنيا، يحيل المشاهدين إلى التأمل، ويدعوهم إلى التوقف أمام أفكار تتجاوز مجرد الهجاء الشائع في الأفلام التي تبحث عادة، في قضية الاضطهاد السياسي.
يدور الفيلم في معظمه في صحراء "أتاكاما" Atacama التي تبلغ مساحتها نحو الف كيلومتر مربع، وتمتد بين تشيلي وبيرو. وتعتبر هذه الصحراء أكثر مناطق العالم جفافا، ولذا تعتبر بمثابة "جنة" لعلماء الفلك، وفيها كما نرى في الفيلم، عدد من المراصد ذت القباب التي تحتوي على أكبر المناظير الفلكية في العالم.
هنا، من خلال هذه المناظير، يمكن رصد حركة بعض الكواكب.. ويمكن متابعة أشعة الضوء التي تنعكس من هذه الكواكب وتصل إلى كوكبنا بعد فترة زمنية لها بالطبع حساباتها العلمية.
رحلة إلى الماضي
رحلة الضوء بكل ما يحمله من لغز في داخله، هي مدخلنا إلى موضوع الفيلم، ولكن الموضوع ليس علم الفلك. إنه التاريخ: تاريخ القتل وسفك الدماء وعدوان الإنسان على الإنسان.. ما شهدته تشيلي في عهد الجنرال أوجستو بينوشيه، من تصفيات للمعارضين ودفنهم في مقابر جماعية.
ولكن ما علاقة الفلك والضوء بهذا؟
يتحدث عالم الفلك الشاب جاسبار جالاز في الفيلم عن الضوء فيقول إن العلماء عندما يتطلعون إلى السماء لرصد الضوء ومساره، فإنهم في الحقيقة يتطلعون إلى الماضي، فالضوء عندما يسقط لا يصل إلينا مباشرة بل يقتضي الأمر مرور بعض الوقت، قبل أن يصل إلينا، وإذن فنحن في الحقيقة نتعامل مع ظاهرة تنتمي إلى الماضي.
ويقول العالم الشاب إن بحث الإنسان يتركز في الماضي، في التاريخ، فيما وقع بالفعل.
في صحراء أتاكاما الممتدة الشاسعة، ينتشر أيضا عدد من علماء الجيولوجيا والحفريات الذين ينقبون عن أصل الإنسان، ويجرون الكثير من الحفريات التي يستخرجون خلالها الكثير من البقايا التي تدل على نشاط الإنسان في تلك المنطقة منذ أكثر من عشرة آلاف سنة. ولعل هذا النشاط العلمي المزدهر هنا يعود أيضا إلى ان احتواء التربة على أملاح النترات التي تساعد على حفظ الهياكل العظمية والبقايا البشرية.

في تلك المناطق الصحراوية التي تقسو فيها الحياة، وتشتد الحرارة، ويتصاعد اللهيب بفعل الجفاف الشديد، هناك بقايا قائمة من مساكن عمال مناجم أملاح النترات، أقيمت في عشرينيات القرن الماضي. هي مهجورة حاليا، لكن نظام الجنرال بينوشيه كان يستخدمها كمعسكرات اعتقال جماعية قتل فيها آلاف الضحايا. ويقدم اثنان من الناجين من تلك المعسكرات الرهيبة شهاداتهم في الفيلم، ويتحدثان عما كان يقع من تصفيات فيها وعمليات تعذيب، ويرويان عن معاناتهما الشخصية خلال سنوات الاعتقال، ثم كيف تمكنا من الهرب.
وفي الصحراء جنبا إلى جنب مع علماء الفلك، وعلماء الآثار، نساء بلا مستقبل، يعشن جميعهن في الماضي، جئن إلى تلك المنطقة النائية واتخذن منها مكانا لإقامتهن الطويلة، من أجل هدف واحد يجمع بينهن جميعا: العثور على رفات الأهل والأحباب والأبناء والأزواج من المعارضين السياسيين لنظام العسكر بزعامة بينوشيه، والذين قضوا خلال سنوات الحكم العسكري، ودفنوا في عمق الصحراء.
الباحثات عن الحقيقة
ماذا يمكن أن تفعل تلك المناظير الضخمة التي تراقب ما يحدث في الفضاء الخارجي، وماذا يمكن أن يقدم العلماء لهاته النسوة المعذبات؟
هنا نرى النسوة وهن يحفرن بأيديهن، يوما بعد يوم، يروادهن الأمل في العثور على رفات أحبائهن الغائبين، دليلا على تلك الجريمة الكبرى التي لوثت تاريخ تشيلي الحديث، وأرادت الأنظمة التي تعاقبت بعد سقوط نظام بينوشيه، أن تنساها، أو تتجاوزها وتتستر عليها، لكن جوزمان، المخرج الذي لعب هو نفسه دورا بارزا في مقاومة الديكتاتورية العسكرية بأفلامه، ودفع ثمنا باهظا لمعارضته، لا ينساها ويريد أن يساهم بفيلمه هذا في إعادة التذكير بتلك التراجيديا الكبرى.
فتجيب: "سأواصل التنقيب مهما كلفني الأمر ومهما طال الزمن. حتى لو كانت لدي شكوك واسئلة لا أملك إجابات عنها. إنهم يقولون إنهم قاموا بإخراجهم من تحت الأرض وألقوا بهم في مياه البحر. هل حدث هذا حقا؟ لا يمكنني العثور على إجابة عن مثل هذا السؤال. ماذا لو كانوا قد ألقوا بهم في الجبال القريبة. حتى بعد ان بلغت هذا السن، وأنا في السبعين من عمري الآن، أجد من الصعب أن أصدقهم. لقد علموني ألا أصدقهم. أحيانا أشعر أنني كالبلهاء، لأنني لا أكف عن طرح الأسئلة. ولا أحد يريد أن يمنحني الإجابة التي أنشدها. إذا قال لي أحد إنهم ألقوا بهم في أعلى الجبل، فسوف أعثر على وسيلة للوصول إلى قمة الجبل . لست مثلما كنت في العشرين، سيكون من الصعب أن أفعل ذلك.. لكن الأمل يمنحك القوة".فيلم "حنين إلى الضوء"، أي حنين إلى المعرفة، إلى الإبصار، إبصار الحقيقة، والكشف عن الماضي، يكشف لنا طبقة جديدة من المعاناة: معاناة العيش في الماضي ليس من أجل التلذذ به، بل للكشف عن درس في التاريخ لا يجب نسيانه.
الكاميرا- قلم
والفيلم عمل فني رفيع، يستخدم فيه مخرجه كل إمكانيات السينما الوثائقية الحديثة للتعبيرعن فكرته. إنه يستخدم الكاميرا كما يستخدم الشاعر القلم، يبدأ الفيلم بلقطات من خلال عدسات المناظير الفلكية العملاقة، للكون، لقطات سيريالية تتداخل فيها الالوان وتبدو فيها الحركة الدقيقة للأشياء مثل حركة جنين لم يولد بعد. وينتقل بعد ذلك إلى الصحراء، ويصنع من اللقطات التي تمتزج فيها حبيبات الرمال المتطايرة مع الضباب في الليل، صورة فريدة تعمق من إحساسنا بالاغتراب من أجل الاقتراب.

ورغم ما يبدو من صرامة باردة ظاهرية في التعامل مع الموضوع إلا أن هناك الكثير من المشاهد الصادمة المثيرة للعديد من المشاعر. فهل يمكن مثلا نسيان امرأة مثل فيكي سافيدرا التي استطاعت، بعد سنوات من التنقيب، العثور على جزء من جمجمة شقيقها وبعض أسنانه وإحدى قدميه والحذاء لايزال فيها، وهي تواصل التنقيب، تريد أن تعثر على باقي أجزاء جسده!
تجربة المخرج
باتريشيو جوزمان المخرج من مواليد تشيلي عام 1941، درس السينما في مدريد (اسبانيا)، وتخصص في إخراج الافلام الوثائقية التي يعتبر أشهرها فيلم "معركة تشيلي" الذي يسجل ويوثق فيه لسنوات تجربة حكومة الوحدة الشعبية وما لاقته من متاعب، إلى أن وقع الاتقلاب العسكري عام 1973 وقد سجن جوزمان لفترة قبل ان يتمكن من الفرار من تشيلي ونجح تهريب المادة المصورة إلى كوبا حيث تمكن من عمل المونتاج لفيلمه الطويل، كما أخرج هناك أفلاما أخرى. وله فيلم مرجعي عن سلفادور أليندي. وقد عاش في اسبانيا وفرنسا قبل أن يعود إلى تشيلي حيث واصل عمله في التأريخ للمتغيرات السياسية في بلاده خلال 40 عاما، وهو يمتلك مادة مصورة هائلة صورها لحسابه الشخصي كما يستعين في أفلامه بالكثير من المواد المصورة من الأرشيف.
Labels:
سينما وثائقية
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com