‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقابلات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقابلات. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 27 فبراير 2013

أمير العمري: مهرجانات السينما في مصر مثل "ليلة الزفة"!



أجرت الصحفية مريم عاطف مقابلة مع الناقد أمير العمري لصحيفة "الأهرام" المصرية، بشأن البيان الصحفي الذي أصدره أخيرا حول نهاية دوره كمدير لمهرجان الإسماعيلية السينمائي، لكن "الأهرام" لم تنشر سوى مقطعا قصيرا منه في صفحتها الأخيرة. هنا النص الكامل للمقابلة...


* وصفت حضرتك مهرجانات وزارة الثقافة إنها مثل ليلة الزفة، ماذا تقصد بهذا الوصف ولماذا؟

* إن منطق الوزارة في إقامة مهرجانات السينما في مصر أن المهرجان مثل "ليلة الزفة" أي حفلة يلقي فيها الوزير والمحافظ وغيرهما من المسؤولين كلمات دعائية الطابع تسعى لتجميل دور الوزارة بل والنظام السياسي نفسه، ويصعد خلال تلك "الزفة" عدد من النجوم على خشبة المسرح.. ثم يقام حفل عشاء كبير أي وليمة من ولائم العرب، وينتهي الأمر بالنسبة لهم، وليس المهرجان عندهم تظاهرة ثقافية متعددة الأوجه، فلم نجد أن وزيرا حضر، في أي مرة مثلا، ندوة دولية مهمة من الندوات التي تقيمها المهرجانات كما حدث في الاسماعيلية، وذلك على العكس مما نراه في مهرجانات العالم مثلا. وقد قصدت من التعبير أن المهرجان بمنطق وزارة الثقافة مجرد احتفالية وليس نشاطا ثقافيا عميقا وجادا.. ومفهومها هذا ينطبق على السينما تحديدا.


* يدافع وزير الثقافة عن موقفه فى عودته للوزارة، كيف ترى هذا؟
الوزير يستقيل مرتين ويعود في استقالته ويجد دائما المبررات الجاهزة، فهو على سبيل المثال لم يقل لنا أصلا لماذا استقال في المرة الأولى في حين أن العالم كله يعلم أنه استقال لكي يحصل على جائزة الدولة التقديرية (200 ألف جنيه) لأنه لم يكن ليحصل عليها لو ظل وزيرا مسؤولا عن منح الجوائز باعتباره رئيس للمجلس الأعلى للثقافة. وفي المرة الثانية قيل لنا إن الوزير استقال احتجاجا على سحل مواطن مصري في الشارع على أيدي (أو بالأحرى أقدام!) قوات الأمن.. فهل توقف السحل لكي يعود الوزير ام أنه أصبح يمارس يوميا بشكل اعتيادي هنا وهناك كما يمارس قتل الأبرياء أيضا! ولماذا لا توجهي سؤالك هذا أيضا إلى وزير الثقافة نفسه.. لماذا لا يتطرق لهذه النقطة تحديدا، بل هو يكتفي بالقول إنه عاد لكي ينقذ الثقافة المصرية ويحافظ عليها، وماذا سيحدث للثقافة المصرية في حالة الاستتغناء قريبا عن خدمات الوزير بعد الانتخابات؟ هل ستتوقف بسبب غياب محمد صابر عرب!


* هل سيقام مهرجان الإسماعيلية هذا العام؟
لم لا توجهي هذا السؤال إلى كمال عبد العزيز مدير المركز القومي للسينما الذي فشل، كما ذكرت في بياني، في إقامة المهرجان القومي للسينما المصرية المتوقف منذ عامين كما فشل في تنظيم المسابقة التي ابتكرها هو نفسه وروج لها باعتبارها حدثا كبيرا، والخاصة بمنح عشرين ألف جنيه كجائزة لأحسن فيلم تسجيلي عن الثورة. من جهة أخرى هل يمكن قيام مهرجان دولي في محافظة الاسماعيلية في ظل وجود حالة طواريء وحظر تجول جزئي هناك رسميا على الأقل، مه وجود كل هذا الاحتقان في الشارع فيما الوضع مرشح لمزيد من الانفجار مع بدء الانتخابات البرلمانية التي ستستمر الحملات لها لأربعة أشهر، وهل سيوافق محافظ الاسماعيلية على إقامته في هذه الظروف المحتقنة. وهل سيقام المهرجان في موعده المحدد في 8 يونيو؟ وهل يمكن الإعداد لحدث دولي كبير ومميز في ثلاثة أشهر؟ لا علم لدي لكن يراودني الكثير من الشك!


* هل من الممكن أن تعود فى قرارك عن استقالتك من مهرجان الإسماعيلية؟ 
الخروج من هذه التجربة قرار نهائي مرتبط بالتدهور الحالي في وزارة الثقافة بل وفي مؤسسات مصر كلها.. ليس من الممكن أن أعمل مرة أخرى، لا في هذا المهرجان ولا في غيره من المهرجانات المصرية، في ظروف عشوائية مع إعتلاء أشخاص لا يفهون شيئا في طبيعة المهرجانات ورغبتهم في أن يكونوا "رؤساء" و"كبراء" بحكم كونهم موظفين في دولة فاسدة لم يتغير فيها شئ.. لكي نؤسس لمهرجانات سينمائية حقيقية لابد أن يوجد فريق يعمل على مدار العام لأن المهرجان ليس مثل جمع اللطعة في دودة القطن يمكن أن نجمع له مجموعة من عمال التراحيل الغلابة لتشغيلهم باليومية. الوزارة لم تحترم القرار الذي أصدره الوزير المحترم شاكر عبد الحميد بالتعاقد معي لعامين (بمعنى 3 دورات وليس دورتين فقط!) وهو قرار صادر عن مجلس إدارة المركز القومي السابق الذي لم يعجب صابر عرب وحله وشكل مجلسا جديدا ضم إليه الممثلة ليلى علوى وإثنين من منتجي السينما الذين يرضى عنهم!


* لماذا كان بيانك شديد التشاؤم عن الثورة حيث قلت انك تستقيل بعد فوز الثورة المضادة؟
الثورة في أي مكان تقوم من أجل دفع المجتمع إلى الأمام، نحو إقامة مجتمع ديمقراطي مستنير ودولة تحترم القانون والحريات العامة، فإذا جاءت قوة رجعية موغلة في النكوص عن الحاضر ولا ترى المستقبل بل تود العودة إلى الماضي السحيق، إلى الحكم.. أليس معنى هذا أن الثورة المضادة للتقدم هي التي انتصرت وهي التي تحكم الآن في مصر؟ ووزير الثقافة صابر عرب يعمل في خدمة الحكومة التي شكلتها الثورة المضادة ومع نفس عناصر النظام القديم الذين مازالوا في مواقعهم في وزارته.. هذه حقيقة. نعم الثورة مستمرة في موجات لكن في الوقت الحالي الذي انتصر ووصل للسلطة وأبقى على مجموعة الحرس القديم في وزارة الثقافة وغيرها، هي جماعات الفاشية الدينية وهي قوى مضادة للتقدم الاجتماعي، فهم يريدون فرض الحجاب على النساء وتزويج الأطفال، وتقنين قتل المتظاهرين (الذين لولا ثورتهم لما جاءوا للحكم) كما اأهم يستعدون للإفراج عن كل مجرمي النظام القديم مقابل تسويات مالية. أليس معنى هذا أن الثورة المضادة في الحكم وهي التي انتصرت حتى إشعار آخر.. كيف سيعمل أمير العمري في ظل هذا النظام وأنا الذي اعلنت في تصريح شهير عندما بدأت العمل مديرا للمهرجان أنني لن أسمح بعرض الأفلام على الرقابة لأن افلام المهرجانات لا يجب أن تخضع للرقابة، فجاءني إنذار في اليوم التالي من مدير الرقابة السابق (سيد خطاب) بضرورة عدم التحريض على خرق القانون. هل ستسمح الفاشية الدينية بعرض الافلام بحرية ومناقشتها بحرية في المناخ القمعي الحالي؟
محمد صابر عرب وزير الثقافة



* ما موقف مجدى أحمد على من نهاية دورك في المهرجان؟
لا أعلم بل يجب توجيه هذا السؤال إليه.. وعموما مجدي يعتبر نفسه بعيدا عن النشاط العام منذ تقاعده في أغسطس الماضي وقد إختلف بشدة مع الوزير صابر عرب بسبب سياسة الوزير من مهرجان القاهرة السينمائي ورجوعه عن إسناد المهرجان لمؤسسة برئاسة يوسف شريف رزق الله حسب قرار مجلس إدارة المركز القومي في عهد مجدي، وإسناده للحرس القديم من فلول نظام مبارك الذين ينتمي إليهم الوزير نفسه!


* وما موقف كمال عبد العزيز رئيس المركز القومى للسينما من استقالتك؟
لم أبعث باستقالة إلى كمال عبد العزيز، ولا إلى خالد عبد الجليل رئيس ما يسمى بقطاع الإنتاج الثقافي وهو في الحقيقة الذي يملي على كمال عبد العزيز ما يتعين عليه أن يفعله، فهؤلاء القوم لا يستحقون أصلا أن أن تقيمي لهم أدنى اعتبار لأنهم يبحثون عن أمجاد شخصية زائفة في حين أنهم لا يتمتعون بأي كفاءة حقيقية ولا معرفة، ومن ضمن مشاكلي مع أمثال هؤلاء أنهم لا يستطيعوا أن يلعبوا دور الرئيس على شخص مثلي، فهم يريدون مديري مهرجانات من نوع "شيالي الشنطة" للمسؤول أو ممن ينحنون ويقبلون الأيادي ويسمعون الكلام ويكتبون التقارير ولا يتمتعون بأي استقلالية وهذا هو منطق العمل في وزارة الثقافة وغيرها من أجهزة الدولة المصرية منذ زمن ومن يريد أن يتقلد مناصب عليا عليه أن ينصاع ولست كذلك فانا مستقل منذ أن ولدت وبدأت العمل العام. عندما أدرت الدورة الماضية لم أسمح لأي مخلوق بالتدخل في عملي، مما أثار علي حنق المسؤولين ولكن دون أن يجرؤا على إعلان اعتراضهم لأنهم كانوا يعلمون أنني محق. إنهم عادة يحترمونك، ويعرفون مقدار كفاءتك، لكنهم لا يحبونك بسبب التزامك بالقواعد أي قواعد اللعبة وعدم الخضوع للتهريج والمجاملات وأشياء أخرى أستطيع أن أروي لك الكثير منها تتعلق بالفساد، ولكن هذا ليس مجال الحديث عنها!
لقد أعدت الإعتبار المفقود لمنصب مدير المهرجان (الذي يعتبره البعض منصبا أدنى من منصب الرئيس في مصر!) وفرضت ذلك بحكم اتفاقي مع مجدي أحمد علي الذي يفهم طبيعة عمل مدير المهرجان تماما لذلك لم يتدخل. لكن هذا كان يغيظ خالد عبد الجليل الذي كان يريد أن يفرض بعض الأشياء ومنها دعوة من يطبلون ويزمرون له.. وغير ذلك من فضائح.. لكنه لم يستطع أن يمرر شيئا، وقبل وصمت على مضض. هذا المناخ الفاسد لا يوفر لك متعة في العمل والتجويد والابتكار والمعرفة، وإذا سألتني ما الذي فقدته بعد أن أنهيت دوري في المهرجان أقول لك: لاشيء فالمهرجان هو الذي استفاد مني، لكني لم أستفد شيئا من وراءه بل عانيت معاناة شديدة وتعطلت عن أعمالي الخاصة ومزاولة إهتماماتي وخسرت أيضا الكثير من المال، وخصوصا أن العمل كان يعتمد على شخصي بالدرجة الأساسية، حيث لا يوجد سوى شخص أو إثنان لديهما بعض الخبرة في العمل بالمهرجانات في المركز القومي للسينما. وبالتالي يجاهد المرء من أجل القيام بأدنى الأعمال بما في ذلك الاتصالات. وقد قبلت القيام بالعمل في ظروف عسيرة وفي فترة زمنية محدودة على أن نعمل بعد ذلك على مدار العام لكن هذا الهدف لم يتحقق ولن يتحقق أبدا فوزارة الثقافة كما ذكرت ليست لديها سياسة ثابتة للمهرجانات بل تعتبرها كما سبق أن أشرت، مثل ليلة الزفة!
لم أرسل باستقالة لأحد بعد أن أخلت الوزارة بالاتفاق السابق مع الوزير السابق شاكر عبد الحميد وبقرار مجلس إدارة المركز القومي، وبالتالي لم أكن أتقاضى منهم مرتبا أصلا منذ أن انتهى العمل في الدورة السابقة في 30 يونيو 2012، وسمعت أخيرا أنهم اتفقوا مع منتج سينمائي على أن يتولى إدارة المهرجان. ومع كل التقدير والاحترام لشخصه، إلا أنني لم أسمع في حياتي وأنا أتجول منذ ثلاثين عاما بين عشرات المهرجانات السينمائية في العالم، أن منتجا سينمائيا تولى إدارة مهرجان سينمائي دولي. ولكن مصر بلد العجائب، ولذلك أصبحنا أضحوكة العالم!


* هل شاركت فى التحضير للمهرجان فى هذه الدورة أو لم يتم لها التحضير من أساسه؟
كنت قد أعددت حطة تفصيلية لملامح الدورة قدمتها كما ذكرت في بياني لكمال عبد العزيز بناء على طلبه واتصاله بإلحاح عدة مرات، وقال لي إنها خطة ممتازة وإنه سيعرضها على الوزير، لكنه اختفى بعد ذلك ولم أسمع منه منه شيئا وإنشغل أيضا في السفر للمهرجانات كممثل لمؤسسة السينما المصرية (المركز القومي). لكنهم الآن يلتقطون الجديد من خطتي ويعلنون في الصحف أنها من بنات أفكارهم وهذا في حد ذاته نوع من النصب والاحتيال بل والسرقة أيضا وعليهم أن يخجلوا من أنفسهم.. وسأنشر الخطة الكاملة قريبا جدا لكي يكف هؤلاء عن سرقة جهد وخبرة وأفكار الآخرين. وكنت قد اتفقت أيضا مع عدد من السينمائيين والنقاد الأجانب والعرب على عرض أفلامهم وضمهم للجنة التحكيم الدولية، كما اتفقت مع جهات دولية على أن تكون "رعاة" للمهرجان. لكن هذا كله تم بمبادرة شخصية مني وعلى نفقتي الخاصة عند سفري للمهرجانات الدولية ولكني توقفت بعد أن ايقنت انني أتعامل مع وضع عبثي ليس فيه أي نوع من الإستقرار، وهذا حال مصر كلها عموما في الوقت الحالي.
وقد أصدرت بياني الصحفي الأخير الذي نشرته وعلقت عليه جهات عديدة، بشأن نهاية دوري في المهرجان بعد أن عدت من مهرجان برلين السينمائي حيث تلقيت الكثير من الأسئلة من الأصدقاء سواء من الصحفيين أو السينمائيين، حول المهرجان ورغبتهم في المشاركة في دورته القادمة فكان لابد من توضيح الأمر للرأي العام لكي أخلي مسؤوليتي تماما.

السبت، 25 أغسطس 2012

خليل الدمون: ليس من حق مديرالمركز السينمائي المغربي إقصاء النقاد!

خليل الدمون



جمعية نقاد السينما ومهرجان خريبكة وادارة المركز السينمائي


حوار مع خليل الدمون




تضمن العدد 13 من جريدة "خريبكة الآن"، أغسطس 2012، ملفا هاما حول الدورة 15 لمهرجان السينما الافريقية ، مكونا من عدة مواد من بينها حوار مع رئيس الجمعية المغربية لنقاد السينما الأستاذ خليل الدمون أجراه الصحافيان نجيب مصباح وعادل حسني.

ونظرا لأهمية ما جاء في هذا الحوار من ملاحظات وانتقادات تهم مهرجان السينما الافريقية بخريبكة تحت ادارة المدير العام الحالي للمركز السينمائي المغربي، الذي هو في الآن نفسه رئيس مؤسسة المهرجان المذكور، نعيد نشره تعميما للفائدة. فيما يلي نص الحوار:


 سؤال 1 : نود منك في البداية أن تحدثنا عن الوضعية الحالية للجمعية المغربية لنقاد السينما؟
جواب: وضعية الجمعية المغربية لنقاد السينما بألف خير. داخليا وبعد الجمع العام الأخير استطاعت الجمعية أن تستقطب أسماء جديدة وهي لشباب يحبون السينما ويحبونها بعمق كبير، وقد أصبحنا نكتشفهم ونكتشف عطاءاتهم وإنتاجاتهم وعمق تحليلاتهم مثل محمد البوعيادي وعادل السمار وفاطمة إيغوضان وعبد الخالق صباح وعبد النبي داشين ، إضافة إلى نقاد آخرين أكدوا حضورهم بشكل كبير في العشر سنوات الأخيرة كمحمد اشويكة وبوشتى فرقزايد ونور الدين محقق ومبارك حسني ، دون أن ننسى ركائز النقد السينمائي في المغرب المتمثلة في محمد كلاوي وحمادي كيروم ومولاي ادريس الجعيدي ومحمد صوف وعمر بلخمار وعبد الجليل لبويري والراحلين نور الدين كشطي ومحمد سكري . وتتبلور قيمة عطاءاتهم في مؤلفاتهم ومداخلاتهم في الندوات واللقاءات والمهرجانات ، وفي كتاباتهم على صفحات الجرائد والمجلات الوطنية والدولية. ولا يمكن أن تخلو أية تظاهرة سينمائية في المغرب من حضورهم لأنهم أصبحوا يؤثثون المشهد النقدي المغربي ولا يمكن تجاوزهم بأي حال من الأحوال.

أيضا استطاعت الجمعية أن تنظم تظاهرات هامة في السنتين الأخيرتين على المستوى الوطني وبتعاون مع هيئات ومؤسسات جامعية وجمعيات المجتمع المدني بحيث مكنتنا من ملامسة أهم القضايا المرتبطة بالنقد السينمائي وبالثقافة السينمائية وبالسينما في المغرب بوجه عام. كما تمكنا من فرض رأي الناقد في المهرجانات وفي كل المحافل السينمائية وأصبح الرأي العام قادرا بشكل كبير على التمييز بين الناقد الحقيقي  الذي يشتغل باستمرار على ملفات سينمائية معينة والناقد الذي يدعي أنه ناقد لكنه لا يشتغل إلا في مناسبات معينة أو عند الطلب.

أؤكد لك بأن النقد السينمائي في تطور واضح وملموس بالرغم من التمييع الذي يلحق به من طرف الإدارة الوصية على قطاع السينما في المغرب ، التي ما فتئت تدعي أن النقد السينمائي في المغرب ضعيف وهزيل ، وبالرغم من أن على رأس هذه الإدارة ناقد سينمائي اشتغل مع النقاد الحاليين منذ مدة ، لما كنا في الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، وللأسف الشديد تعمل هذه الإدارة كل ما في وسعها لقتل النقد السينمائي في المغرب عن طريق إقصاء النقاد من لجن التشاور والتحكيم وتنظيم المهرجانات، وإغراء بعضهم بتعويضات وأسفار، وتفضيل التعامل معهم كأفراد لا كجماعة منتمية لجمعية ، من أجل تشتيتهم ، وخلق هيئات صورية لمحاربة الجمعية الأم، إلى غير ذلك من محاولات التضييق والتدجين، وهي بذلك تتمنى أن تعرف الجمعية المغربية لنقاد السينما حياة على شكل موت سريري تماما كما هو الحال بالنسبة للجامعة الوطنية للأندية السينمائية التي يتم التفرج عليها وهي تحتضر بدلا من القيام بإنقاذها. والغريب في الأمر أن مدير المركز السينمائي المغربي كان من المؤسسين لهذه الجامعة واستطاع أن يصل إلى ما وصل إليه بفضل هذه الجامعة وبفضل أطر هذه الجامعة  .

 سؤال 2 : يعرف الجميع أن لك علاقة وطيدة بمهرجان خريبكة السينمائي ، ماهي أبرز مميزات هاته العلاقة بالأمس واليوم؟
        جواب: شخصيا أعتبر نفسي من أبناء المهرجان، وأقول بكل تواضع، كنت من المجموعة التي ساهمت في بناء هذا الصرح منذ لحظاته الأولى سواء كممثل لنادي طنجة السينمائي أو كعضو في المكتب الجامعي الذي كان يسهر على أن يبقى للأندية السينمائية حضور متميز في المهرجان سواء من خلال البرمجة أو من خلال تسيير النقاش أو الجلسات الليلية. وكنا نناقش في اجتماعات المكتب الجامعي التفاصيل الدقيقة لكل دورة من دورات المهرجان.
        كما كان لي الشرف أن أكون عضو لجنة المصالحة بين المجلس البلدي لخريبكة والمكتب الجامعي في التسعينات لما كانت العلاقة تصل أحيانا  إلى الباب المسدود حيث كانت تنادي أطراف معينة إلى ضرورة مقاطعة المهرجان أو نقله إلى مدينة أخرى.  
ولن أنسى التغطيات والبرامج الليليلة التي كنت أنجزها لإذاعة طنجة من داخل المهرجان في كل دورة والتي كانت حقيقة علامات بارزة في العمل الإعلامي آنذاك.
        لما أسسنا جمعية النقاد حاولنا دائما احترام مسار المهرجان وكانت مشاركاتنا إيجابية بالرغم من أن إدارة المهرجان كانت ولا زالت تفضل التعامل معنا كأفراد: قدمنا الإصدارات الجديدة وشاركنا في مناقشة الأفلام وقدمنا في إحدى الدورات جائزة النقد كما كانت الأندية السينمائية تقدم جائزة السينيفيليا. إضافة إلى أننا أصدرنا عددا خاصا بمهرجان خريبكة  من مجلة "سينما"  التي كنا نصدرها.

سؤال 3 :سجلت الفعاليات المهتمة بالفن السابع عدم حضورك لمهرجان خريبكة ، ما السبب وراء ذلك؟ كما أصدرتم بيانا احتجاجيا على هامش الدورة 15 لمهرجان السينما الافريقية بخريبكة، ماهي الخلفيات المتحكمة ذلك؟
جواب:  بكل بساطة ، لم أحضر لأنني لم أتوصل بدعوة للحضور والمشاركة، أو لنكن صريحين ، اتخذ رئيس المؤسسة ومدير المهرجان قرارا بإقصائي من الحضور كباقي الإخوة الذين ينتمون للجمعية إضافة إلى كل من تشم منه رائحة معارضة للطريقة التي يدبر بها الشأن السينمائي في بلادنا. والحقيقة أن إدارة المؤسسة تضع في كل دورة لائحة تعرف عندنا وعند الكثيرين باللائحة السوداء. وهذه اللائحة تضم أسماء النقاد والمخرجين والصحفيين الذين لا يمكن لهم أن يتفقوا دائما مع قرارات رئيس مؤسسة مهرجان خريبكة الذي هو في نفس الوقت مدير المركز السينمائي المغربي. فمثلا على لا يمكن أن نتصور حضور محمد العسلي أو سعد الشرايبي أو أحمد المعنوني في مهرجان خريبكة أو يتم استدعاء أحمد سيجلماسي أو يوضع اسم ناقد من جمعيتنا في لجنة من لجن التحكيم، وعلى ذكر لجن التحكيم، في إحدى الدورات السابقة كان الإخوة الذين يعملون في المؤسسة قد اقترحوا بحسن نية اسم ناقد من جمعيتنا ليكون عضوا في لجنة التحكيم، وفعلا تم الاتصال به فقبل، وظل عضوا في لجنة التحكيم لمدة 15 يوما تقريبا إلى أن جاء القرار العلوي للتشطيب عليه نهائيا فعاد الإخوان للاتصال به من جديد للاعتذار له.

نور الدين الصايل

واللائحة السوداء هته تضم كل من تسول له نفسه مناقشة أو معارضة قرار أو فكرة لرئيس المؤسسة سواء كانت هذه المعارضة لها ارتباط بمهرجان خريبكة أم لا. ولذلك كنا نضحك كثيرا مع المرحوم محمد سكري ، الذي كان اسمه يندرج كثيرا في هذه اللائحة ، لأنه كان يحب المهرجان ويحب السينما الإفريقية وكان يمنع أحيانا من الحضور. وبكامل الوقاحة يأتي اليوم رئيس المؤسسة لينظم له تكريما ويقول فيه كلاما منمقا وهو الذي لم يزره قط وهو على فراش الموت بالمصحة ولم يتبع نعشه عند الجنازة. شأنه في ذلك شأن المرحوم نور الدين كشطي الذي كان صديق المهرجان لكن الصايل  تنكر له عندما طلبنا منه أن يساهم كباقي الأفراد والمؤسسات في مساعدة أسرته وأبنائه الذين هم في حاجة إلى مساعدة حقيقية ، لكن لا حياة لمن تنادي...
والحقيقة أننا نتحمل جميعا مسؤولية كبيرة عندما كنا نسكت على كثير من الأشياء التي كانت تحدث في المهرجان، وهي كثيرة وسيأتي وقت الإفصاح عنها لاحقا، على اعتبار أن المهرجان مهرجاننا تربينا وترعرعنا فيه وبالتالي يمكن غض الطرف أحيانا، إلا أن غض الطرف أدى بنا إلى الوضعية الراهنة لأننا كلما غضضنا طرفنا كلما تمادى رئيس المؤسسة في جبروته بحيث أصبح يتصور نفسه الحاكم المطلق في المهرجان ولا أحد يمكن أن يتجرأ على مفاتحته في أمر من الأمور.

سؤال 4 : هل يمكن القول اليوم أن الإدارة المنظمة للمهرجان برئاسة نور الدين الصايل أصبحت تتخوف من النقاد ونقاشاتهم؟ وهل يمكن أن نعتبر ذلك تخوفا استباقيا لخلافة نور الدين الصايل في مهمة مدير المركز السينمائي؟
جواب : هوية الناقد الحقيقي تكمن أساسا في المكاشفة والمصارحة وتتبع مسار الملفات السينمائية لأن ذلك يساعده أكثر على فهم ما يجري وتمثل مكامن القوة والضعف في مسار المهرجانات السينمائية بالمغرب، كيف نشأت ؟ وكيف تطورت؟ وكيف أصبحت تعرف فتورا ملحوظا في الخمس سنوات الأخيرة حتى أن بعض المهرجانات لا يهتم فيها منظموها إلا بحفلي الافتتاح والختام؟، أما ما عدا ذلك فلا يهم. بالنسبة لمهرجان خريبكة كانت الأمور سجالا بين جهتين أساسيتين في التنظيم: الجامعة الوطنية للأندية السينمائية والمجلس البلدي دون أن ننسى دعم المكتب الشريف للفوسفات.
 لكن باحتضار الجامعة وتخلي المجلس البلدي عن دوره الأساسي في الاقتراح والتتبع والمراقبة ترك المجال مفتوحا أمام الرأي الواحد الأحد في اختيار الأفلام وضبط لائحة الضيوف المغاربة والأجانب، واختيار لجن التحكيم ووضع البرنامج الكامل لكل دورة حسب مزاج واحد، الأمر الذي جعل المهرجان في السنوات الأخيرة يدخل حالة روتينية قاتلة لا ابتكار فيها ولا إبداع... لحد أننا أصبحنا نعرف مسبقا، بعد الاطلاع على لائحة الأفلام المشاركة في المسابقة، من سيفوز بالجائزة؟ وكيف؟... ولا أدل على ذلك من المهزلة التي حصلت في إحدى الدورات الأخيرة حيث حصل فيلم عادي جدا على الجائزة الكبرى للمهرجان أمام تحفة سينمائية من إثيوبيا.

أما ندوات المهرجان فلا قيمة علمية لها بحيث تعالج مواضيع فضفاضة كالسينما والتنمية والإنتاج المشترك في إفريقيا، ندوات يسيرها طيلة هذه السنين كلها رئيس المؤسسة وحده كما يسير كل اللقاءات وغالبا ما تدور حول شخصه كما كان الحال في السنة الماضية حيث نظم لقاء مع الشباب ولقاء مع النساء.

أما علاقاته بالنقاد وخاصة مع الجمعية المغربية لنقاد السينما فهي جد متوترة لأننا لا نترك هذه الأمور تمر مرور الكرام. من حق السيد مدير المركز السينمائي المغربي ألا تعجبه طناطن النقاد ولكن ليس من حقه أن يقصيهم من المشاركة. عليه أن يتعامل مع الجميع بالمثل: فإذا كان سبب عدم دعوتنا للحضور في المهرجان يعود إلى قلة أماكن الإقامة كما صرح بذلك السيد المندوب العام لوسائل الإعلام فإنني أؤكد أن مشكل الإقامة لم يكن مطروحا بالنسبة لكثير من المدعوين الآخرين حتى لا أقول كلاما آخر.

أما من سيخلف المدير الحالي في المركز فإن ذلك لا يعنينا إطلاقا كجمعية سوى أننا نأمل أن تتغير  السياسة العامة التي يدبر بها الشأن السينمائي في بلادنا سواء تحت إدارة المدير الحالي أو الذي سيخلفه.  فالمغرب عرف تحولات لا بأس بها على المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي كما تغيرت رؤى الناس وعقلياتهم، فليس من حق أي أحد أن يستمر في استبلاد  الناس ولم يعد أحد يتحمل الخطاب الوحيد وخاصة في المجالين الثقافي والفني.

سؤال 5 : ما هو موقف الشركاء الآخرين وباقي المهتمين من هذا الإقصاء؟
جواب : للأسف الشديد هناك صمت مطبق على ما يجري. حقا هناك كلام في المقاهي وفي الكواليس ولكن لا أحد يتجرأ بالتعبير صراحة وأمام الملأ عن موقفه، ربما خوفا من فقدان دعوة للحضور أو عدم الاستفادة من امتيازات... أو أشياء أخرى.

سؤال 6: ماهي أهم نقط الضعف والقوة في مهرجان خريبكة السينمائي؟ وماهي اقتراحاتكم المستقبلية؟
جواب : نقط القوة في مهرجان خريبكة للسينما الإفريقية أنه يحتضن سينما قارة لها تاريخها، لها تراثها ولها تفردها. وهي سينما في حاجة إلى دعم وإلى مشاهدة لأنها تكتب بأسلوب مغاير عما تكتب به سينمات في قارات أخرى.
قوة مهرجان خريبكة أنه يجمع ولا يفرق. يلتف حوله الإقليم برسمييه ومثقفيه وشبابه. الكل يريد أن ينخرط ويقدم يد الله كما يقال. وبالتالي تشعر بحميمية كبرى قلما تشعر بها في مهرجانات أخرى. قوة مهرجان خريبكة أنه تمكن من الحفاظ على هذه الحميمية إذا استثنينا الثلاث سنوات الأخيرة. إنك في خريبكة يسري معك دفء إنسان المنطقة وحرارته وأصالته البدوية عندما يناقش الأفلام الإفريقية وعندما يحتفي بالضيوف الأفارقة خصوصا إذا كانوا من عيار عصمان صامبين وسليمان سيسي والطاهر شريعة ونوري بوزيد ومحمد اشويخ وصافي فاي... هذه القوة يستمدها المهرجان من صدق السينما الإفريقية رغم الظروف الصعبة التي تمر منها .

نقط ضعف المهرجان أنه لم يتطور كثيرا. لم يعد ذلك المهرجان الذي كان يستقبل أعدادا كبيرة من الأفارقة. وفي الغالب تتم دعوة الأفارقة الذين يعيشون في فرنسا وبالتالي سيطرت عليه النزعة الفرنكوفونية ونسي المنظمون أن إفريقيا تنتج أفلاما ناطقة بالفرنسية وأفلاما ناطقة بالعربية وأفلاما ناطقة بالإنجليزية كما أن هناك أفلاما ناطقة باللهجات المحلية. وهذا التنوع لم نعد نشعر به في البرمجة الحالية.

نقطة ضعف أخرى تتمثل في كون المهرجان ظل حبيس البرمجة التقليدية الصرفة المرتبطة بالأفلام الروائية الطويلة في حين يمكن برمجة الفيلم الإفريقي القصير، وبرمجة الفيلم الوثائقي في إفريقيا ، وأفلام الشباب بحيث يكون لكل قسم جوائزه إلى غير ذلك من الإنتاجات الإفريقية مع طرح الصعوبات التي تعترضها للنقاش مع المعنيين بالأمر.

أيضا لا بد من الحفاظ على طابعه الثقافي المتميز بتقديم الإصدارات الوطنية والإفريقية وتقديم الأفلام قبل عرضها بطريقة لائقة من طرف أشخاص يفقهون في السينما أو على الأقل ينطقون جيدا أسماء المخرجين والممثلين مع نبذة عن إنتاجاتهم... وإرجاع جوائز كانت تقدم في الماضي لكنها حذفت ، يتعلق الأمر بجائزة السينيفيليا وهي خاصة بالنوادي السينمائية وجائزة النقد تقدمها الجمعية المغربية لنقاد السينما. كما يجدر بالمهرجان أن ينظم حفلا ساهرا في كل دورة يضم فقرات من الموسيقى والأغاني الإفريقية. وبالتالي يستعيد المهرجان حيويته ودفأه الذي فقده في السنوات الأخيرة.

كل هذا يتطلب إعادة النظر في الجانب التنظيمي بحيث يتكلف كل مسؤول بمهمته ويحاسب عنها لا أن تشعر وأنت في المهرجان بأن هناك مسؤولين وهناك مسخرون لا يفيدونك في شيء تسألهم عن معلومة بسيطة فلا يستطيعون تقديم أية إجابة على الإطلاق.

عن العدد 13 من جريدة " خريبكة الآن " ـ أغسطس 2012


الخميس، 7 يونيو 2012

أمير العمري: قبلت التحدي لإدارة مهرجان الإسماعيلية


 
 
 


أستاذ أمير استلمتم مهرجان الإسماعيلية عن الإدارة السابقة التي تم تغييرها بعد الثورة فما الذي سيتبقى من مهرجان الاسماعيلية السابق..

يتبقى أن الادارة السابقة لها فضل المحافظة على استمرار المهرجان وما اكتسبه من سمعة دولية محترمة من خلال شبكة علاقات جيدة. لكننا بكل أسف استلمنا ادارة المهرجان وكان يتعين علينا أن نبدأ من الصفر لأن المسؤولين السابقين عن المهرجان قاموا بإخفاء ومحو كل ما له علاقة بالمعلومات والبيانات التي كانت متوفرة لديهم بل وحتى الاتفاقات الدولية الموقعة مع جهات أخرى تم الاستيلاء عليها لأنهم كانوا يتصورون أننا سنقف عاجزين تماما كما تقوم بقايا وفلول نظام مبارك حاليا بمحاولة عرقلة المد الثوري في البلاد وتكريس فكرة زائفة هي أنه بدون مبارك ونظامه ستتحول مصر الى فوضى. ولكن يمكنني أن اؤكد لك أنه من حسن الطالع أن يصبح البدء من الصفر ميزة لأنه فرض علينا التعامل بمنطق جديد وروح جديدة والبحث عن آفاق جديدة للعمل وتطوير المهرجان بحيث يتحلص من كثير من الجوانب العتيقة الموروثة عاما وراء عام.


*  إذن فهذه الدورة تحمل الكثير من التحدي وتخطي الصعوبات فهل يمكن أن تترجم لنا ذلك بالأرقام ؟؟

لدينا أفلام من 40 دولة عدد هذه الافلام 103 فيلما. من بين هذه الدول بريطانيا والمانيا وفرنسا وايطاليا والبرازيل وكوريا الجنوبية وايرلندا وكرواتيا واستونيا ومقدونيا وصربيا واسبانيا كما أن هناك مشاركة عربية كبيرة ربما تكون الأكبر في تاريخ مهرجان الاسماعيلية فهناك أفلام من تونس والجزائر والمغرب ومصر والبحرين وعمان وفلسطين ولبنان وسوريا والامارات والعراق.

لدينا في المسابقات الرسمية الأربع للمهرجان 56 فيلما، ويعرض في البرامج الموازية خارج المسابقة 47 فيلما. وسيشارك في تغطية فعاليت المهرجان عدد كبير من الاعلاميين والنقاد والصحفيين من مصر والعالم العربي والعالم.


* الثورة حاضرة بامتياز في هذه الدورة فلو تدققون لنا مظاهر هذا الحضور..

الثورة موجودة بقوة في برامج المهرجان سواء من خلال بعض الأفلام المشاركة في المسابقة والتي تعرض للمرة الأولى عالميا أو ضمن برنامج بعنوان "الثورة كما يراها الآخر" الذي يضم خمسة أفلام لمخرجين من بريطانيا والمانيا وفرنسا والدنمارك وتشيكيا. وموجودة أيضا ضمن تظاهرة المرأة في الثورة التي تضم أربعة أفلام تسجيلية من إخراج سينمائيات مصريات.

* ماذا يعني لك كناقد ان تترأس أشهر مهرجان تسجيلي عربي.؟
هو نوع من التحدي. وكان قبولي له المهم في هذه الظروف العسيرة جدا منطلقا من قبول التحدي الذي يفرضه المنصب في هذه الظروف الصعبة تحديدا.. لأن الوضع السياسي الحالي المتقلب هو وضع قد لا يكون في صالح أي مهرجان يقام حاليا. لقد قبلت المهمة والتحدي رغم ما أنفقه من جهد ووقت بل ويتسبب لي هذا الالتزام في خسائر شخصية بعد أن صرفني عن ممارسة عملي في الشركة التي أسستها في مصر حديثا كما يمنعني من الكتابة بانتظام. وكانت الفكرة أيضا أن البعض يمكن أن يقول لك: ها نحن نعرض على ناقد ظل يتحدث كثيرا عن سلبيات المهرجانات العربية والمصرية فلما أتيحت له الفرصة تهرب.. لكني لم أتهرب بل قبلت القيام بالدور رغم أنني سبق لي القيام به قبل أحد عشر عاما ويفترض أن الإنسان يكبر، أي يجب أن يتولى مناصب أكبر عما كان الأمر، هذا اذا كان الأمر يتعلق أصلا بالبحث عن المناصب، خصوصا وأن دور مدير المهرجان لدى الناس في مصر غير واضح تماما فالناس دائما ما يتكلمون عن "الرئيس" أي رئيس المهرجان باعتباره المسؤول عن كل شيء في حين أننا في حالة مهرجان الاسماعيلية اشترطنا من البداية أن يكون المدير الفني والتنفيذي هو الشخصية المسؤولة عن المهرجان بشكل كامل كما في كل المهرجانات الدولية الكبرى في العالم. أما رئيس المهرجان فهو رئيس المركز القومي للسينما بحكم منصبه وقدرته كموظف مسؤول على تسيير الكثير من الأمور الادارية والمالية وهو ما يفعله الصديق المخرج مجدي أحمد علي بكل براعة وحنكة. وأضيف أيضا أن المهرجان لم يكن ليقام لولا حماسه وإصراره على تذليل الكثير من العقبات الادارية.
ولم يكن الأمر متعلقا بالبحث عن مناصب بل بقبول تحدي فرضه الواقع على الناقد. وقد قمت بطرح رؤيتي من خلال خطة المهرجان وتنظيمه في نطاق ما هو متاح من إمكانيات بالطبع وهي ليست كبيرة فنحن نعمل بميزانية تقل 800 ألف جنيه مصري عن ميزانية الدورة السابقة، ولكننا أيضا نسعى الى تقديم دورة أكثر طموحا بكثير من السابقة وهذا هو جوهر التحدي.

* هل نفهم من ذلك أن مرحلة ما بعد الثورة هي مرحلة النقد والتأسيس؟
يمكنك أن تقول إنها مرحلة الانطلاق من النقد الى التأسيس. ولكن أيضا الأمر متعلق في مصر بوجود أشخاص معينين في مواقع المسؤولية في وقت معين، فلست متأكدا من ذلك. ففي حالة انفراد جماعة سياسية معنية على الحكم سنتمكن من ممارسة دورنا كما نريد ونرغب بل ربما تحدث بعض المتغيرات فالمشسكلة أن أصحاب القناعات الثابتة والأيديولوجية الشمولية (مهما كان مصدرها) لا يثقون عادة إلا في أبنائهم وأتباعهم..

* بعد سنوات من التحليق حرا ككاتب تقع في قفص الإدارة فما الصعوبات الادارية التي واجهتها؟
حريتي ملكي وحدي ولا تستطيع أي سلطة أو إدارة أن تنتزعها مني.. فأنا أدير مهرجان الاسماعيلية السينمائي بعقلية المثقف والخبير السينمائي الذي قضى أكثر من ثلاثين عاما في البحث عن المعرفة سواء في عمل المهرجانات السينمائية في العالم أو في مجال السينما كنظرية أو كتقنية أو فن بصري هائل التأثير والقيمة.
الصعوبات الإدارية هائلة. ومصر أكثر من أي دولة في العالم في حاجة الى ثورة إدارية بل وثورة ثقافية فالتغيير في الادارة والتجديد وادخال أشكال جديدة أمر يواجه عراقيل هائلة من جانب من يسمون أنفسهم بـ"النخبة المثقفة" ومن جانب المنظومة الثقافية القائمة عموما.. فأنت لكي تأتي بصحفي شاب جديد يتميز بالنشاط والمعرفة والاجتهاد تريد أن تجعله مثلا جزءا من بيئة المهرجان، تجد نفسك تواجه بأشد الانتقادات.. والبعض مثلا اتهمونا بأننا "أقصيناهم" عن المهرجان لمجرد أننا قمنا بتغيير أعضاء لجنة المشاهدة وترشيح الأفلام واستبعدنا الأسماء القديمة، فهم يتصورون أنها نوع من "التركة" الثابتة التي ورثوها والتي يجب علي أن أحافظ عليها، في حين أن من صميم طبيعة الأشياء التغيير والتبديل والاستعانة بخبرات أخرى.
وعندما تريد أن تستبعد من الدليل الرسمي للمهرجان (الكتالوج) كلمة الوزير والمحافظ وكل هذه التقاليد البالية الموروثة وتكتفي فقط بكلمة رئيس المهرجان والمدير الفني المسؤول الذي يقدم برنامجه للناس، ينظر اليك البعض بدهشة بل وبفزع أيضا. فما هذه الجرأة على "تحطيم" صنم راسخ من أصنام الإدارة المصرية العتيقة.. لكتي لا أهتم.. ولا أخشى شيئا فنحن في ثورة، هذه الثورة أنا شخصيا واحد من الذين بشروا ودعوا اليها من المهجر لسنوات طويلة منذ أن ابتعدت عن المنظومة الثقافية المصرية الرسمية وبدأت في توجيه سهام النقد لنظام مبارك ومنظومة فاروق حسني الاعلامية. وكان البعض أيضا يعتبرنا من المتطرفين و"المجانين" لأنهم كانوا يعتبرون الخروج عن الحظيرة" عملا انتحاريا..!
رئيس المهرجان مجدي أحمد علي

* أنت حاضر دائما في أغلب مهرجانات العالم.. كيف سيستفيد المهرجان من هذه الخبرة الطويلة
 سينعكس هذا على كل شيء في المهرجان من أول الاستعانة ببطاقات محددة لكل الضيوف والصحفيين ولجان التحكيم الى إشراك جهات أخرى في دعم المهرجان من خلال نظام الرعاة والشراكة كما حدث مثلا في اتفاقنا مع قناة الجزيرة الوثائقية والندوة الكبرى التي ستقام باشراف الجزيرة، دون أن نخشى الاتهام بالعمالة لجهات أجنبية وهي تهمة ثابتة في مصر كانت توجه في الماضي الى المعارضين السياسيين عموما واليوم أصبحت سيفا مسلطا على رقاب كل الوطنيين الباحثين عن آفاق جديدة للعمل بعيدا عن الأطر المحدودة لنظام "الدولة الكفيل" التي تحتكر كل شيء، وتسيطر على كل شيء، وتريد أيضا أن تراقب كل شيء..!
سينعكس هذا أيضا على خريطة برنامج المهرجان، وعلى اختيار دور عرض شعبية لعرض أفلامه والخروج من دائرة قصر الثقافة وهو كيان رسمي جامد، وسيتبدى أيضا في اخيتاراتي كمدير للمهرجان للأفلام والدول والمخرجين والندوات بل وجديدنا أيضا أن يحضر في تظاهرة المهرجان ضيف الشرف حيث نستضيف هذا العام مهرجان كليرمون فيرون الفرنسي، أشهر مهرجانات الأفلام القصيرة في العالم. المهرجان سيبصح أكثر تحررا وأكثر ديمقراطية وشبابا.. وأقرب الى المهرجانات الأوروبية في دقة برنامجه ونظامه العام. لقد جعلنا التسجيل مثلا في المهرجان من جانب السينمائيين والصحافيين يتم عبر موقع المهرجان على شبكة الانترنت وهو موقع لم يكن له وجود من قبل، بالعربية والانجليزية.

 * التعاون مع الجزيرة الوثائقية مبادرة جديدة منكم ومن القناة فما دلالة هذا التعاون وآفاقه؟
كما قلت فإن دلالة هذا التعاون يؤسس قيمة جديدة من خلال الشراكة بين أكبر مهرجان عربي للسينما التسجيلية وأكبر قناة عربية متخصصة في السينما التسجيلية، وهو اتفاق سيؤدي على المدى البعيد الى انشاء سوق لتسويق ودعم انتاج الفيلم التسجيلي العربي وهو ما آمل شخصيا للعمل من أجل تأسيسه في الدوة القادمة بالتعاون مع الجزيرة الوثائقية. وأنا على ثقة من أن مثل هذا التعاون سينتج عنه تطور كبير في دور المهرجان السينمائي نفسه من مجرد جهة استهلاكية للأفلام الى كيان يرعى النوع السينمائي ويلعب دورا في تطويره.

الأربعاء، 4 فبراير 2009

نجوى نجار: "المر والرمان" هو لون الواقع الفلسطيني

هيام عباس تألقت وطغت بأدائها على الآخرين

لقطة التلامس عبر الأسلاك

من الأفلام المتميزة التي عرضت بالدورة الثامنة والثلاثين من مهرجان روتردام السينمائي الفيلم الفلسطيني "المر والرمان" للمخرجة نجوى نجار، وهذا فيلمها الروائي الطويل الأول.
يصور هذا الفيلم بأسلوب شاعري رقيق، العلاقات الإنسانية داخل عائلة مسيحية فلسطينية من رام الله تزوج ابنها حديثا فتاة من القدس، والمشاكل التي يمكن أن تنشب بعد مصادرة السلطات العسكرية الإسرائيلية الأرض التي تملكها هذه الأسرة والتي تعتبر مصدر الرزق والحياة بالنسبة لها، ثم اعتقال ابن العائلة "زيد" ولم يمض على زواجه بعد سوى أيام محدودة.
ماذا يمكن أن تفعل الزوجة الشابة "قمر" التي تهوى الرقص الشعبي، وتكون قد التحقت بفرقة فلسطينية في رام الله، هل يمكنها أن تستأنف حياتها بعد أن اصبحت "زوجة معتقل".. متى سيخرج زوجها "زيد"، وهل ترضخ لطلب أمها وتعود إلى بيت أسرتها في القدس حتى تنجو من الواقع المرير.
الجيش الاسرائيلي يضع مجموعة من الجنود داخل الأرض المصادرة، يحرسونها بقوة السلاح ويمنعون أفراد العائلة من الاقتراب منها، والعائلة تلجأ إلى محامية اسرائيلية للطعن في قرار السلطات العسكرية بمصادرة الأرض، واجراءات التقاضي تطول، وزيد في المعتقل يتعرض لأبشع أنواع التعذيب والحبس الانفرادي، ولكنه صامد يرفض توقيع التنازل الذي يطلبونه منه والعودة إلى عروسه.
أما العروس فهي ممزقة بين واجبها الذي يتحتم عليها القيام به تجاه زوجها وأسرته، وبين إحساسها الشخصي بالجفاف والحرمان والنبذ، محرومة حتى من التعبير عن مشاعرها المكتومة ولو بالرقص.
وللمرة الأولى في السينما الفلسطينية يصبح موضوع المرأة-الجسد محورا للفيلم على نحو ما، فالعروس تعود تدريجيا للرقص، يدربها مدرب فلسطيني شاب جاء من لبنان هو "قيس"، الذي يشعر نحوها ببعض المشاعر الغامضة.. لكنه هو أيضا ممزق، يبدو في عينيه كل حزن العالم بفعل التجربة المريرة التي مر بها في الماضي.
في الفيلم بعض الإشارات إلى الرغبة المتبادلة، وإلى العلاقة مع الجسد، والتمزق بين الواجب وبين الذات، وبين الهم الشخصي والهم الجماعي. ولكن المخرجة تتوقف على استحياء دون أن تجعل المشاعر المكبوتة تعبر عن نفسها في مشاهد صريحة، اكتفاء بالإشارات من بعيد.
في الفيلم مشاهد واضحة تماما للقهر الاسرائيلي: نقاط التفتيش التي يوقف الجنود عند احداها العريس وهو في طريقه من القدس إلى رام الله مع اسرته إلى العروس، كما لو كانوا من المشتبه فيهم. وهناك مشهد مصادرة الأرض والمشادة التي تنشب بين زيد والجنود ويعتقل على أثرها. وهناك التوغل الاسرائيلي المعتاد بالسيارات العسكرية واقتحام رام الله وإرغام السكان على النزول إلى الملاجئ، وهناك المستوطنون الاسرائيليون الذي يروعون عائلة زيد ويهددونهم بالسلاح.
غير أن الفيلم ليس كسائر الأفلام التي تحكي قصة الاحتلال وانعكاساته، فالمخرجة تتمتع بحس تشكيلي واضح في تكوين اللقطات، وتستخدم الرقص كمعادل للحرية، كما تستخدم الموسيقى الفلسطينية الحزينة بآلة العود وإيقاع الطبل.. وتنجح كثيرا في تنفيذ المشاهد التي تدور داخل السجن، خصوصا عندما تزور قمر زيدا وتتلامس أيديهما عبر الأسلاك، وتطبع هي على فمه قبلة من وراء السلك رغم اعتراض الجنود الاسرائيليين.
يخرج زيد في النهاية، ويحاول العودة للتأقلم مع حياته السابقة، لكن يستغرق الأمر مرور بعض الوقت قبل أن يصبح قادرا على استئناف حياته الطبيعية مع زوجته.
وتقوم الممثلة هيام عباس بدور صاحبة مقهى كانت قد عملت بالخدمة في بيوت الأسر الميسورة لمدة أربعة عشر عاما قبل أن تفتتح المقهى الذي يلتقي فيه الجميع ويبدو هنا بمثابة رمز للاحتفال الفلسطيني بالحياة رغم الاحتلال، كما أنها هي التي تجمع بين الشخصيات وتوفق بحكمتها بين الأطراف المختلفة، وتتصدى لجنود الاحتلال وتهزأ منهم، وترفض الانصياع لأوامرهم. إنها تبدو على نحو ما، في السياق، رمزا لفلسطين نفسها.

نجوى نجار مخرجة الفيلم

أجريت هذه المقابلة مع المخرجة نجوى نجار أثناء حضورها مع فيلمها الدورة الثامنة والثلاثين من مهرجان روتردام السينمائي.
- أريدك أولا أن تحدثيني عن الخلفية الثقافية لك.. أين درست، ومن أين أتيت، وكيف أصبحت مخرجة سينمائية؟
- قضيت معظم حياتي خارج فلسطين في الولايات المتحدة والسعودية ثم درست في أوروبا علوم سياسية واقتصاد ثم سينما في الولايات المتحدة ثم عدت إلى فلسطين، إلى رام الله. والدي كان قد عمل صحفيا في فترة من حياته ووقتها أهداني كاميرا وكنت ألتقط بها الكثير من الصور، وكنت أيضا أقرأ كثيرا وأشعر أنني يمكن أن أعبر عما أريده بشكل أفضل من خلال السينما، وأحاول أن أعثر على لغة خاصة في التعبير.
- من أين جاءك موضوع فيلم "المر والرمان" وماذا يعني العنوان عندك؟
- عدت إلى فلسطين عام 1996، وفي سنة 2000 حدثت الانتفاضة الثانية وأصبح ممنوع علينا الحركة وبقيت مع أسرتي داخل البيت، وللمرة الأولى في حياتي أشعر أنني سجينة بالفعل. وشعرت بالغضب، وكانت التسلية الوحيدة أمامنا مشاهدة التليفزيون، لكن الصور التي كانت تعرض على محطات التليفزيون في العالم كانت تصورنا على أننا أناس يملؤهم الغضب فقط. لكني جزء من المجتمع الفلسطيني، ولذا خرجت مع الذين أصروا على الخروج وممارسة الحياة ولو حتى انتظرنا أكثر من ساعتين على حاجز تفتيش إسرائيلي. لم نجعل أي شئ يحول بيننا وبين ممارسة حياتنا العادية. في هذه الفترة كنت أقرأ في الفولكولور العربي وكنت أيضا أكتب. وقد وجدت في الفولكولور حكاية المر والرمان.. هناك داخل كل رمانة بذرة واحدة تأتي من الجنة. وبدأت أبحث في هذا الموضوع، إن هذه الرمانة هي رمز للأمل في الحياة، والمر أو المرارة هي الجانب السيء في الحياة.. هذه هي حياتنا.. مزيج من الإثنين.. ومن هنا كانت علاقتي بالموضوع.
إنني أروى في هذا الفيلم قصة امرأة تتزوج ثم يعتقل زوجها فتصبح زوجة سجين، وهي أيضا راقصة في فرقة للفولكلور الفلسطيني، وتجد نفسها سجينة مرتين: أولا داخل جسدها لأنها غير مسموح لها بالرقص كونها زوجة سجين، وثانيا سجينة في مجتمع الاحتلال والحصار.
- قبل هذا الفيلم هل كانت لديك تجربة في السينما.. في إدارة الممثلين؟
- هذا الفيلم أخذ ست سنوات من حياتي.. قبل أن يتحقق. وخلال هذه الفترة أخرجت عدة أفلام وثائقية وفيلمين قصيرين الأول دقيقتان ضمن فيلم أخرجه ستة مخرجين عن جوائز السينما الأوروبية، والثاني اسمه "ياسمين تغني". وعندما بدأت العمل في "المر والرمان" أجريت اختبارات لأكثر من مائة ممثل وممثلة.. كنت أبحث عن ممثلين يصلحون للأدوار في كل مكان: في الأردن وفلسطين ولبنان وفرنسا وأمريكا إلى أن اخترت الأفضل.. وكنت سعيدة الحظ أن أعمل مع هذا الفريق من الممثلين الموهوبين. وقد اشتركوا في العمل معي أنا التي تقف للمرة الأولى وراء الكاميرا، وهم سعداء يملؤهم الحماس. لقد كانت التجربة رائعة. كنا نعمل كعائلة واحدة. وكانوا يتعاونون معي في إنجاز الفيلم وفي تقديمي لعائلات فلسطينية أخرى.
وعندما جاءت المصورة ناقشت معها كيف يمكن أن تروي كل لقطة شيئا ولا يكون الهدف من التنويع في اللقطات مجرد الانتقال بين صورة وصورة أخرى لها حجم مختلف. كنا مثلا نناقش كيف يمكن أن نصور شخصية البطلة التي هي راقصة ومن أي زاوية، وكيف يكون من الأفضل أن نصور باستخدام الكاميرا المحمولة على الكتف (المهتزة) مشاهد مصادرة الأرض، كنا نريد أن يرى المشاهد الفيلم بإحساس جديد يختلف عن المتابعة الآلية لزوايا التصوير كما درسناها.
كنا نناقش الألوان التي نريد استخدامها في الفيلم. الأحمر معادل للحياة، والأخضر.. ركزنا على هذين اللونين، على ألوان العلم الفلسطيني.. ألوان فلسطين المنسية في السينما فدائما ما نرى الأشياء أسود وأبيض، فقد اثر الاحتلال كثيرا على رؤيتنا للأشياء. لقد أردنا أن نحتفل بفلسطيني الجميلة في هذا الفيلم.
- أريد أن أسالك عن اختيارك للممثلين.


- ياسمين المصري التي تقوم بالدور الرئيسي (قمر) هي ممثلة فلسطينية تعيش في لبنان، وقد لعبت دورا رئيسيا في فيلم "سكر بنات"، ومن حسن الحظ أنها تحمل الجنسية الفرنسية أيضا ولذلك تمكنا من ادخالها إلى القدس ورام الله. وهي أيضا راقصة، ولذا كانت مناسبة تماما للدور. وخصوصا أنها كانت المرة الأولى التي تأتي فيها إلى فلسطين، فهذا العامل كان شديد الأهمية بالنسبة للفيلم، فقد كنت أريد أن أصور لحظة اللقاء الأول، إنها تلعب دور عروس جديد تذهب لكي تعيش في رام لأول مرة في حياتها، ولم تكن تشعر بالراحة مائة بالمائة.. هذا الشعور بعدم الراحة، أو بالقلق كان حقيقيا لدى الممثلة وأردت الاستفادة من ذلك في الفيلم. أما أشرف فرح الذي يلعب دور زيد (الزوج) فلم يسبق له التمثيل من قبل، ولكن عندما وضعت الإثنان معا كان هناك نوع من الانسجام في الأداء فيما بينهما على الفور. أما علي سليمان الذي لعب دور قيس مدرب الرقص، فهو مناسب تماما للدور، ففي عينيه حزن خفي، وهو يتمتع أيضا بالرقة والحنان، كان لديه كاريزما معينة تخفي ألما وتجربة إنسانية عريضة. أما هيام عباس التي تلعب دور أم حبيب فلم يكن عليها أي نقاش. لقد جاءت وارتدت الدور وكأنه مصنوع خصيصا لها ومنحته أبعادا أعمق.
- كيف كانت تجربة التصوير في رام الله والقدس، وما هي المشاكل التي واجهتك هناك؟
- كانت تجربة شديدة الصعوبة. لقد أجرينا الكثير من التحضيرات والاستعدادت. ذهبنا إلى مواقع التصوير، ودرسنا كل شئ، ماذا سنفعل وماذا نريد، وكيف ستتحرك السيارات، وكم أفراد طاقم التصوير، وما هي المشاكل التي يمكن أن تقع لنا وكيف يمكننا التغلب عليها، هل في هذا المكان حاجز اسرائيلي، وماذا سنفعل إذا أوقفونا وما هو البديل لهذا الموقع.. إلخ. - لقد حاولنا بقدر الإمكان أن نتحسب لكل شئ، لكن التصوير في واقع تحت الاحتلال يجعل الأشياء عرضة للمزاجية والعشوائية، فمن الممكن أن يكون مزاج الجندي الاسرائيلي متعكرا فيقرر أن يوقف التصوير مثلا. كان لدينا طاقم تصوير وممثلين من حيفا وعكا ونابلس وايطاليا وفرنسا وفلسطينيون من غزة ولبنان، وكانت كل جماعة من جهة ما تحمل بطاقات لها لون معين. وكانت هناك مشاكل في انتقال الممثلين بسبب قرارات المنع الاسرائيلية التي تحظر مثلا انتقال أي شخص من القدس وحيفا ويافا ممنوع يدخلون إلى الضفة، والقادمون من غزة والضفة ممنوع دخولهم للقدس.. وهكذا كان هناك كابوس لوجستي.
- أخيرا.. لمن صنعت هذا الفيلم: هل للجمهور في العالم الخارجي أم للجمهور الفلسطيني، وهل عرض في فلسطين؟
- آمل أن يتمكن هذا الفيلم من التحدث بلغتين، فأنا لم أصنعه فقط للعرض في الداخل ويلقى التقدير ولا يصل للجمهور في العالم الخارجي، خصوصا في الغرب، ليس كافيا، والعكس صحيح أيضا. إنه يصور جانبا من حياتنا ومن معاناتنا وهذا الجانب من المهم أن يصل وهو لم يعرض بعد في فلسطين وهو لم يعرض بعد في الداخل لكنه سيعرض قريبا في مارس، ولكنه عرض في مهرجان دبي السينمائي ولقى استجابة جيدة.

الجمعة، 5 سبتمبر 2008

مقابلتي مع ماركو موللر مدير مهرجان فينيسيا

ماريان خوري وأمير العمري وماركو موللر
هناك تقصير من جانبنا لكن المنتجين العرب لا يهتمون بالمشاركة في المهرجانات الدولية

عرف السينمائيون العرب ماركو موللر ناشطا رئيسيا في مهرجان روتردام السينمائي، الذي قدم دعما للكثير من أفلام السينما العربية من خلال مؤسسة خاصة أنشأها موللر ولاتزال تعمل في تنظيم ورش عمل لتمويل الأعمال الطموح.
وتولى موللر بعد ذلك منصب مدير مهرجان لوكارنو الذي رحب بالأعمال الجديدة لأسماء البكري ويسري نصر الله ومحمد ملص والناصر الخمير وغيرهم. لكن موللر أهمل السينما العربية وأخذ يتعامل معها بالجملة، متناسيا أن هناك سينما مصرية عريقة
تملك وحدها تراثا أكبر من تراث 7 من دول أورونبا الغربية مجتمعة، والسينما السورية، والسينما اللبنانية، ولا يهتم بالتعامل مع المواهب الجديدة التي تنشأ في هذه البلدان بل يكتفي بفيلم واحد (عادة من المغرب العربي وممل فرنسيا) للقول إن السينما العربية ممثلة والسلام. وقدحملت تساؤلاتي وذهبت إلى لقاء نوللر لكي أعرف منه كيف يعمل وماذا يتوقع للمستقبل، وأيضا أواجهه بما يقال عنه ومن تعمده تهميش الأفلام العربية. وقد دار حواري معه على النحو التالي:

** أولا حدثنا عن طريقتك في العمل لإقامة مهرجان كبير بحجم فينيسيا سنويا.. هل تعتمد على لجان للمشاهدة والاختيار أم تشاهد الأفلام بنفسك خصوصا أفلام المسابقة؟
* أولا المهرجان جزء من مؤسسة كبيرة هي مؤسسة بينالي فينيسيا للفنون، وهي مؤسسة تقيم مهرجانات للمسرح والموسيقى وتنظم معارض مختلفة للفنون التشكيلية والعمارة، ولذلك لدينا أطقم مدربة من الموظفين على درجة عالية من الكفاءة
تعمل على مدار العام. أما بالنسبة للاختيار فلدينا نظام متكامل من المستشارين والمراسلين.
هناك درة بو شوشة،
وهي تونسية لكنها تنتقل إلى مهرجانات وبلدان كثيرة، وقد أصبحت حاليا مديرة مهرجان قرطاج السينمائي، وهي ترشح الأفلام لنا. ثم لدينا لجنة اختيار تتكون من 5 أشخاص معظمهم من الشباب بين 30 و40 عاما، ثم هناك أنريكو ماجريللي الذي يقوم بدور "كاجيموشا" أو الرجل البديل لي شخصيا، وكنا قد بدأنا العمل معا لمهرجان فينيسيا في عام 1979 أي منذ حوالي 30 عاما.
ما يحدث هو أننا نشاهد الأفلام معا، ولكن
لا أستطيع مشاهدة كل الأفلام لأنني أكون أحيانا مشغول في الرد على مكالمات هاتفية ومخاطبة السينمائيين ومكاتبتهم عن طريق البريد الالكتروني. لقد شاهدنا جميعا معا حوالي 3 آلاف فيلم طويل، شاهد المراسلون والمستشارون منها حوالي النصف، أما النصف الآخر فقد شاهدت منه حوالي 800 فيلم. وأنا أفضل الترحال بنفسي خصوصا إلى آسيا لأنني أتكلم عدة لغات آسيوية، إلى الصين وهونج كونج وتايوان واليابان. ولدينا أحد المساعدين في لجنة الاختيار يجيد اللغتين الكورية والأندونيسية، ةقد قضى حوالي شهرين في فيتنام وتايلاند وكوريا.

** وهل أنت سعيد باختيارات هذا العام خاصة أفلام المسابقة الرئيسية التي تضم فيلمين من أفلام الرسوم من اليابان، أليس معنى هذا أنك ربما أردت ان تستكمل العدد الى 21 فيلما بينما كان يمكن الاكتفاء بـ 19 فيلما مثلا أو 20.
* لقد اخترنا 21 فيلما لأن الأفلام فرضت نفسها. إذا لم تكن قد شاهدت فيلم المخرج الياباني هايو ميازاكي إذهب وشاهده بعد ظهر اليوم لأنه أحد الأفلام التي تدخل السعادة على القلب وتجعل المرء يتمتع بالحيوية لمدة يومين أو ثلاثة على الأقل. أما فيلم الرسوم الياباني الثاني فهو فيلم مختلف تماما وقريب من عالم بيتر بان الذي نعرفه جيدا في مجتمعاتنا المعاصرة.

** أنت عرفت بتشجيع الأفلام القادمة من العالم العربي عندا كنت مديرا لمهرجان لوكارنو.. ما الذي حدث الآن.. يقال إنك لم تعد تبالي بهذه الأفلام، فيما عدا اهتمامك بالأفلام التي تمثل المغرب العربي التي نعرف جميعا أنها فرنسية الانتاج والتمويل مائة بالمائة. وأنت أيضا متهم بأنك تهمل السينما المصرية مثلا بدعوى أنها سينما تتمتع بالشعبية داخل بلدها وليست في حاجة للتشجيع على الساحة الدولية.. كيف ترد على هذا؟
* كان يهمنا كثيرا تقديم فيلم مثل
الفيلم المصري الذي حصل على جائزة أحسن فيلم في مهرجان تاورومينا وهو فيلم "عين شمس" للمخرج ابراهيم البطوط، لكن لم يتقدم أحد بالفيلم إلينا، وقد عرفنا عنه بعد أن كان الوقت قد أصبح متأخرا. وقد ضمته مندوبة المهرجان درة بوشوشة إلى أفلام مسابقة مهرجان قرطاج.
كان هناك فيلم مصري كنت أرغب تماما في العثور على مكان له في المهرجان وهو فيلم "خلطة فوزية" لمجدي أحمد علي. وأنا من المعجبين بالأفلام التي يصنعها مجدي لأنه واحد من السينمائيين القليلين في مصر الذين يعملون عند الخط الرفيع بين الفيلم الفني والفيلم التجاري، بين الجماهيري والنخبوي، وهو يفعل هذا في فيلمه الجديد الذي أعجبني حقا. ولكن لأنني يجب أن أشرك لجنة الاختيار معي، كنا في حاجة إلى أن نرى هذا الفيلم قبل فترة كافية وأن نناقشه،
لكنه لم يصل إلينا إلا يوم 20 يوليو الماضي ونحن ننتهي من الاختيارات، وقد شاهد أعضاء اللجنة الفيلم ولم يفهموه. لم يفهموا أهمية الفيلم أو جرأته. لكني لا أحاول التماس الأعذار لهم. ولكن يجب أن تعلم أنه في توقيت صعب كهذا يجب أن يحصل الفيلم على إجماع اعضاء اللجنة على الفور لكي يشارك، وإلا يستبعد. وهذا للأسف ما حدث. ولم أستطع إعادته للمناقشة مرة أخرى.
أعتقد أنه يتعين علينا أن نجذب اهتمام السينمائيين العرب إلى مهرجان فينيسيا بأن نبذل جهدا أكبر، أعرف أن المخرجين مهتمون بالأمر أما منتجو الأفلام فليس لديهم اهتمام بالمهرجانات الدولية الكبيرة.

** هل ما أعلنتم عنه أخيرا عن إقامة منشآت جديدة للمهرجان هنا في ليدو لتجديد شباب المهرجان العجوز ستتيح له الفرصة لاستعادة مجده القديم ومنافسة مهرجان كان مثلا؟
* لا أعرف ما إذا كان هذا ما نريده، بمعنى أننا لن نستطيع أن نكون مهرجانا له سوق كبير للأفلام لأن مواعيد اقامة المهرجان ليست مناسبة. فلأن مهرجان فينيسيا ينعقد في أواخر الصيف وبداية الخريف فنحن نريد أن نسلط الإضواء على أفلام جديدة ستعرض خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة في العام قبل هجوم أفلام أعياد الكريسماس، لأن الأفلام التي نعرضها هي أفلام جادة تحتاج إلى جمهور مختلف أكثر معرفة وثقافة. "
مشكلتنا هي أننا نخضع
لنوع من رقابة السوق التي تفرض أفلاما معينة في ايطاليا وفي البلدان الأوروبية المجاورة. وهذا يشمل استبعاد الأفلام العربية والأفريقية. لا أعتقد أنه تم توزيع أي فيلم عربي أو افريقي في ايطاليا خلال الثمانية عشر شهرا الأخيرة. ولهذا السبب نحن في حاجة إلى مهرجانات لليسنما، وأيضا هذا يجعلني أحرص على احترام آراء لجنة الاختيار التي تضم نقادا من الشباب أساسا، لأنهم يقولون لي ما هي الأفلام التي يمكنها أن تستمر في الحياة بعد عرضها في المهرجان وتجد طريقها للتوزيع. وهذه أيضا إحدى مهامنا أي ضمان حياة أطول للأفلام فيما بعد المهرجان. القصر الجديد للمهرجان سيضم قاعات للاجتماعات وقاعات للمشاهدة ويسعى لجعل فينيسيا مدينة حية طوال العام.
المنتجون السينمائيون الجدد الذين يتمتعون بالحيوية في العالم العربي يعرفون أنني عندما أنشأت جوائز هيوبرت بالس في مهرجان روتردام، ثم نظام دعم الأفلام في لوكارنو، كان هدفي الأساسي أن يكون لدينا مهرجان للأفلام الموجودة، ومهرجان للأفلام التي نريدها أن توجد، المنشآت الجديدة أيضا سيكون لها مضمون، وبهذا المعنى يمكنني أن أجيب عن سؤالك الخاص بعلاقتنا بالعالم العربي والسينمائيين العرب بأننا سنسعى لتحسين علاقتنا بالمشرق.

** ماذا يعني لديك إهداء هذه الدورة من المهرجان للسينمائي المصري الراحل يوسف شاهين؟
* أعتقد أنه بسبب الوضع الحالي للسينما فنحن في حاجة للعودة إلى الفنان نفسه وعالمه، إلى فنان وإنسان رائع أحب السينما الأمريكية، ودرسها وعرف ما يأخذه منها وما يتركه، ثم ابتكر سينما جيدة، هو والمخرج السنغالي عثمان سمبان الذي كان أيضا صديقا مقربا، وربما كان يتعين علي أن أهدى الدورة الماضية إلى سمبان.
لقد علمنا الإثنان أن السينما هي الأفلام التي نشاهدها، وكان يوسف شاهين يتعامل مع كل فيلم جديد يخرجه كما لو أن السينما لم تخترع
بعد، وكان بالتالي يتيح لنفسه الفرصة للابتكار والخلق، وهذا النوع من الحرية هو شئ نفتقده بشدة اليوم.

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger