هيام عباس تألقت وطغت بأدائها على الآخرين
لقطة التلامس عبر الأسلاك
نجوى نجار مخرجة الفيلم
أجريت هذه المقابلة مع المخرجة نجوى نجار أثناء حضورها مع فيلمها الدورة الثامنة والثلاثين من مهرجان روتردام السينمائي.
- أريدك أولا أن تحدثيني عن الخلفية الثقافية لك.. أين درست، ومن أين أتيت، وكيف أصبحت مخرجة سينمائية؟
- قضيت معظم حياتي خارج فلسطين في الولايات المتحدة والسعودية ثم درست في أوروبا علوم سياسية واقتصاد ثم سينما في الولايات المتحدة ثم عدت إلى فلسطين، إلى رام الله. والدي كان قد عمل صحفيا في فترة من حياته ووقتها أهداني كاميرا وكنت ألتقط بها الكثير من الصور، وكنت أيضا أقرأ كثيرا وأشعر أنني يمكن أن أعبر عما أريده بشكل أفضل من خلال السينما، وأحاول أن أعثر على لغة خاصة في التعبير.
- من أين جاءك موضوع فيلم "المر والرمان" وماذا يعني العنوان عندك؟
- عدت إلى فلسطين عام 1996، وفي سنة 2000 حدثت الانتفاضة الثانية وأصبح ممنوع علينا الحركة وبقيت مع أسرتي داخل البيت، وللمرة الأولى في حياتي أشعر أنني سجينة بالفعل. وشعرت بالغضب، وكانت التسلية الوحيدة أمامنا مشاهدة التليفزيون، لكن الصور التي كانت تعرض على محطات التليفزيون في العالم كانت تصورنا على أننا أناس يملؤهم الغضب فقط. لكني جزء من المجتمع الفلسطيني، ولذا خرجت مع الذين أصروا على الخروج وممارسة الحياة ولو حتى انتظرنا أكثر من ساعتين على حاجز تفتيش إسرائيلي. لم نجعل أي شئ يحول بيننا وبين ممارسة حياتنا العادية. في هذه الفترة كنت أقرأ في الفولكولور العربي وكنت أيضا أكتب. وقد وجدت في الفولكولور حكاية المر والرمان.. هناك داخل كل رمانة بذرة واحدة تأتي من الجنة. وبدأت أبحث في هذا الموضوع، إن هذه الرمانة هي رمز للأمل في الحياة، والمر أو المرارة هي الجانب السيء في الحياة.. هذه هي حياتنا.. مزيج من الإثنين.. ومن هنا كانت علاقتي بالموضوع.
إنني أروى في هذا الفيلم قصة امرأة تتزوج ثم يعتقل زوجها فتصبح زوجة سجين، وهي أيضا راقصة في فرقة للفولكلور الفلسطيني، وتجد نفسها سجينة مرتين: أولا داخل جسدها لأنها غير مسموح لها بالرقص كونها زوجة سجين، وثانيا سجينة في مجتمع الاحتلال والحصار.
- قبل هذا الفيلم هل كانت لديك تجربة في السينما.. في إدارة الممثلين؟
- هذا الفيلم أخذ ست سنوات من حياتي.. قبل أن يتحقق. وخلال هذه الفترة أخرجت عدة أفلام وثائقية وفيلمين قصيرين الأول دقيقتان ضمن فيلم أخرجه ستة مخرجين عن جوائز السينما الأوروبية، والثاني اسمه "ياسمين تغني". وعندما بدأت العمل في "المر والرمان" أجريت اختبارات لأكثر من مائة ممثل وممثلة.. كنت أبحث عن ممثلين يصلحون للأدوار في كل مكان: في الأردن وفلسطين ولبنان وفرنسا وأمريكا إلى أن اخترت الأفضل.. وكنت سعيدة الحظ أن أعمل مع هذا الفريق من الممثلين الموهوبين. وقد اشتركوا في العمل معي أنا التي تقف للمرة الأولى وراء الكاميرا، وهم سعداء يملؤهم الحماس. لقد كانت التجربة رائعة. كنا نعمل كعائلة واحدة. وكانوا يتعاونون معي في إنجاز الفيلم وفي تقديمي لعائلات فلسطينية أخرى.
وعندما جاءت المصورة ناقشت معها كيف يمكن أن تروي كل لقطة شيئا ولا يكون الهدف من التنويع في اللقطات مجرد الانتقال بين صورة وصورة أخرى لها حجم مختلف. كنا مثلا نناقش كيف يمكن أن نصور شخصية البطلة التي هي راقصة ومن أي زاوية، وكيف يكون من الأفضل أن نصور باستخدام الكاميرا المحمولة على الكتف (المهتزة) مشاهد مصادرة الأرض، كنا نريد أن يرى المشاهد الفيلم بإحساس جديد يختلف عن المتابعة الآلية لزوايا التصوير كما درسناها.
كنا نناقش الألوان التي نريد استخدامها في الفيلم. الأحمر معادل للحياة، والأخضر.. ركزنا على هذين اللونين، على ألوان العلم الفلسطيني.. ألوان فلسطين المنسية في السينما فدائما ما نرى الأشياء أسود وأبيض، فقد اثر الاحتلال كثيرا على رؤيتنا للأشياء. لقد أردنا أن نحتفل بفلسطيني الجميلة في هذا الفيلم.
- أريد أن أسالك عن اختيارك للممثلين.
- ياسمين المصري التي تقوم بالدور الرئيسي (قمر) هي ممثلة فلسطينية تعيش في لبنان، وقد لعبت دورا رئيسيا في فيلم "سكر بنات"، ومن حسن الحظ أنها تحمل الجنسية الفرنسية أيضا ولذلك تمكنا من ادخالها إلى القدس ورام الله. وهي أيضا راقصة، ولذا كانت مناسبة تماما للدور. وخصوصا أنها كانت المرة الأولى التي تأتي فيها إلى فلسطين، فهذا العامل كان شديد الأهمية بالنسبة للفيلم، فقد كنت أريد أن أصور لحظة اللقاء الأول، إنها تلعب دور عروس جديد تذهب لكي تعيش في رام لأول مرة في حياتها، ولم تكن تشعر بالراحة مائة بالمائة.. هذا الشعور بعدم الراحة، أو بالقلق كان حقيقيا لدى الممثلة وأردت الاستفادة من ذلك في الفيلم. أما أشرف فرح الذي يلعب دور زيد (الزوج) فلم يسبق له التمثيل من قبل، ولكن عندما وضعت الإثنان معا كان هناك نوع من الانسجام في الأداء فيما بينهما على الفور. أما علي سليمان الذي لعب دور قيس مدرب الرقص، فهو مناسب تماما للدور، ففي عينيه حزن خفي، وهو يتمتع أيضا بالرقة والحنان، كان لديه كاريزما معينة تخفي ألما وتجربة إنسانية عريضة. أما هيام عباس التي تلعب دور أم حبيب فلم يكن عليها أي نقاش. لقد جاءت وارتدت الدور وكأنه مصنوع خصيصا لها ومنحته أبعادا أعمق.
- كيف كانت تجربة التصوير في رام الله والقدس، وما هي المشاكل التي واجهتك هناك؟
- كانت تجربة شديدة الصعوبة. لقد أجرينا الكثير من التحضيرات والاستعدادت. ذهبنا إلى مواقع التصوير، ودرسنا كل شئ، ماذا سنفعل وماذا نريد، وكيف ستتحرك السيارات، وكم أفراد طاقم التصوير، وما هي المشاكل التي يمكن أن تقع لنا وكيف يمكننا التغلب عليها، هل في هذا المكان حاجز اسرائيلي، وماذا سنفعل إذا أوقفونا وما هو البديل لهذا الموقع.. إلخ. - لقد حاولنا بقدر الإمكان أن نتحسب لكل شئ، لكن التصوير في واقع تحت الاحتلال يجعل الأشياء عرضة للمزاجية والعشوائية، فمن الممكن أن يكون مزاج الجندي الاسرائيلي متعكرا فيقرر أن يوقف التصوير مثلا. كان لدينا طاقم تصوير وممثلين من حيفا وعكا ونابلس وايطاليا وفرنسا وفلسطينيون من غزة ولبنان، وكانت كل جماعة من جهة ما تحمل بطاقات لها لون معين. وكانت هناك مشاكل في انتقال الممثلين بسبب قرارات المنع الاسرائيلية التي تحظر مثلا انتقال أي شخص من القدس وحيفا ويافا ممنوع يدخلون إلى الضفة، والقادمون من غزة والضفة ممنوع دخولهم للقدس.. وهكذا كان هناك كابوس لوجستي.
- أخيرا.. لمن صنعت هذا الفيلم: هل للجمهور في العالم الخارجي أم للجمهور الفلسطيني، وهل عرض في فلسطين؟
- آمل أن يتمكن هذا الفيلم من التحدث بلغتين، فأنا لم أصنعه فقط للعرض في الداخل ويلقى التقدير ولا يصل للجمهور في العالم الخارجي، خصوصا في الغرب، ليس كافيا، والعكس صحيح أيضا. إنه يصور جانبا من حياتنا ومن معاناتنا وهذا الجانب من المهم أن يصل وهو لم يعرض بعد في فلسطين وهو لم يعرض بعد في الداخل لكنه سيعرض قريبا في مارس، ولكنه عرض في مهرجان دبي السينمائي ولقى استجابة جيدة.
من الأفلام المتميزة التي عرضت بالدورة الثامنة والثلاثين من مهرجان روتردام السينمائي الفيلم الفلسطيني "المر والرمان" للمخرجة نجوى نجار، وهذا فيلمها الروائي الطويل الأول.
يصور هذا الفيلم بأسلوب شاعري رقيق، العلاقات الإنسانية داخل عائلة مسيحية فلسطينية من رام الله تزوج ابنها حديثا فتاة من القدس، والمشاكل التي يمكن أن تنشب بعد مصادرة السلطات العسكرية الإسرائيلية الأرض التي تملكها هذه الأسرة والتي تعتبر مصدر الرزق والحياة بالنسبة لها، ثم اعتقال ابن العائلة "زيد" ولم يمض على زواجه بعد سوى أيام محدودة.
ماذا يمكن أن تفعل الزوجة الشابة "قمر" التي تهوى الرقص الشعبي، وتكون قد التحقت بفرقة فلسطينية في رام الله، هل يمكنها أن تستأنف حياتها بعد أن اصبحت "زوجة معتقل".. متى سيخرج زوجها "زيد"، وهل ترضخ لطلب أمها وتعود إلى بيت أسرتها في القدس حتى تنجو من الواقع المرير.
الجيش الاسرائيلي يضع مجموعة من الجنود داخل الأرض المصادرة، يحرسونها بقوة السلاح ويمنعون أفراد العائلة من الاقتراب منها، والعائلة تلجأ إلى محامية اسرائيلية للطعن في قرار السلطات العسكرية بمصادرة الأرض، واجراءات التقاضي تطول، وزيد في المعتقل يتعرض لأبشع أنواع التعذيب والحبس الانفرادي، ولكنه صامد يرفض توقيع التنازل الذي يطلبونه منه والعودة إلى عروسه.
أما العروس فهي ممزقة بين واجبها الذي يتحتم عليها القيام به تجاه زوجها وأسرته، وبين إحساسها الشخصي بالجفاف والحرمان والنبذ، محرومة حتى من التعبير عن مشاعرها المكتومة ولو بالرقص.
وللمرة الأولى في السينما الفلسطينية يصبح موضوع المرأة-الجسد محورا للفيلم على نحو ما، فالعروس تعود تدريجيا للرقص، يدربها مدرب فلسطيني شاب جاء من لبنان هو "قيس"، الذي يشعر نحوها ببعض المشاعر الغامضة.. لكنه هو أيضا ممزق، يبدو في عينيه كل حزن العالم بفعل التجربة المريرة التي مر بها في الماضي.
في الفيلم بعض الإشارات إلى الرغبة المتبادلة، وإلى العلاقة مع الجسد، والتمزق بين الواجب وبين الذات، وبين الهم الشخصي والهم الجماعي. ولكن المخرجة تتوقف على استحياء دون أن تجعل المشاعر المكبوتة تعبر عن نفسها في مشاهد صريحة، اكتفاء بالإشارات من بعيد.
في الفيلم مشاهد واضحة تماما للقهر الاسرائيلي: نقاط التفتيش التي يوقف الجنود عند احداها العريس وهو في طريقه من القدس إلى رام الله مع اسرته إلى العروس، كما لو كانوا من المشتبه فيهم. وهناك مشهد مصادرة الأرض والمشادة التي تنشب بين زيد والجنود ويعتقل على أثرها. وهناك التوغل الاسرائيلي المعتاد بالسيارات العسكرية واقتحام رام الله وإرغام السكان على النزول إلى الملاجئ، وهناك المستوطنون الاسرائيليون الذي يروعون عائلة زيد ويهددونهم بالسلاح.
غير أن الفيلم ليس كسائر الأفلام التي تحكي قصة الاحتلال وانعكاساته، فالمخرجة تتمتع بحس تشكيلي واضح في تكوين اللقطات، وتستخدم الرقص كمعادل للحرية، كما تستخدم الموسيقى الفلسطينية الحزينة بآلة العود وإيقاع الطبل.. وتنجح كثيرا في تنفيذ المشاهد التي تدور داخل السجن، خصوصا عندما تزور قمر زيدا وتتلامس أيديهما عبر الأسلاك، وتطبع هي على فمه قبلة من وراء السلك رغم اعتراض الجنود الاسرائيليين.
يخرج زيد في النهاية، ويحاول العودة للتأقلم مع حياته السابقة، لكن يستغرق الأمر مرور بعض الوقت قبل أن يصبح قادرا على استئناف حياته الطبيعية مع زوجته.
وتقوم الممثلة هيام عباس بدور صاحبة مقهى كانت قد عملت بالخدمة في بيوت الأسر الميسورة لمدة أربعة عشر عاما قبل أن تفتتح المقهى الذي يلتقي فيه الجميع ويبدو هنا بمثابة رمز للاحتفال الفلسطيني بالحياة رغم الاحتلال، كما أنها هي التي تجمع بين الشخصيات وتوفق بحكمتها بين الأطراف المختلفة، وتتصدى لجنود الاحتلال وتهزأ منهم، وترفض الانصياع لأوامرهم. إنها تبدو على نحو ما، في السياق، رمزا لفلسطين نفسها.
يصور هذا الفيلم بأسلوب شاعري رقيق، العلاقات الإنسانية داخل عائلة مسيحية فلسطينية من رام الله تزوج ابنها حديثا فتاة من القدس، والمشاكل التي يمكن أن تنشب بعد مصادرة السلطات العسكرية الإسرائيلية الأرض التي تملكها هذه الأسرة والتي تعتبر مصدر الرزق والحياة بالنسبة لها، ثم اعتقال ابن العائلة "زيد" ولم يمض على زواجه بعد سوى أيام محدودة.
ماذا يمكن أن تفعل الزوجة الشابة "قمر" التي تهوى الرقص الشعبي، وتكون قد التحقت بفرقة فلسطينية في رام الله، هل يمكنها أن تستأنف حياتها بعد أن اصبحت "زوجة معتقل".. متى سيخرج زوجها "زيد"، وهل ترضخ لطلب أمها وتعود إلى بيت أسرتها في القدس حتى تنجو من الواقع المرير.
الجيش الاسرائيلي يضع مجموعة من الجنود داخل الأرض المصادرة، يحرسونها بقوة السلاح ويمنعون أفراد العائلة من الاقتراب منها، والعائلة تلجأ إلى محامية اسرائيلية للطعن في قرار السلطات العسكرية بمصادرة الأرض، واجراءات التقاضي تطول، وزيد في المعتقل يتعرض لأبشع أنواع التعذيب والحبس الانفرادي، ولكنه صامد يرفض توقيع التنازل الذي يطلبونه منه والعودة إلى عروسه.
أما العروس فهي ممزقة بين واجبها الذي يتحتم عليها القيام به تجاه زوجها وأسرته، وبين إحساسها الشخصي بالجفاف والحرمان والنبذ، محرومة حتى من التعبير عن مشاعرها المكتومة ولو بالرقص.
وللمرة الأولى في السينما الفلسطينية يصبح موضوع المرأة-الجسد محورا للفيلم على نحو ما، فالعروس تعود تدريجيا للرقص، يدربها مدرب فلسطيني شاب جاء من لبنان هو "قيس"، الذي يشعر نحوها ببعض المشاعر الغامضة.. لكنه هو أيضا ممزق، يبدو في عينيه كل حزن العالم بفعل التجربة المريرة التي مر بها في الماضي.
في الفيلم بعض الإشارات إلى الرغبة المتبادلة، وإلى العلاقة مع الجسد، والتمزق بين الواجب وبين الذات، وبين الهم الشخصي والهم الجماعي. ولكن المخرجة تتوقف على استحياء دون أن تجعل المشاعر المكبوتة تعبر عن نفسها في مشاهد صريحة، اكتفاء بالإشارات من بعيد.
في الفيلم مشاهد واضحة تماما للقهر الاسرائيلي: نقاط التفتيش التي يوقف الجنود عند احداها العريس وهو في طريقه من القدس إلى رام الله مع اسرته إلى العروس، كما لو كانوا من المشتبه فيهم. وهناك مشهد مصادرة الأرض والمشادة التي تنشب بين زيد والجنود ويعتقل على أثرها. وهناك التوغل الاسرائيلي المعتاد بالسيارات العسكرية واقتحام رام الله وإرغام السكان على النزول إلى الملاجئ، وهناك المستوطنون الاسرائيليون الذي يروعون عائلة زيد ويهددونهم بالسلاح.
غير أن الفيلم ليس كسائر الأفلام التي تحكي قصة الاحتلال وانعكاساته، فالمخرجة تتمتع بحس تشكيلي واضح في تكوين اللقطات، وتستخدم الرقص كمعادل للحرية، كما تستخدم الموسيقى الفلسطينية الحزينة بآلة العود وإيقاع الطبل.. وتنجح كثيرا في تنفيذ المشاهد التي تدور داخل السجن، خصوصا عندما تزور قمر زيدا وتتلامس أيديهما عبر الأسلاك، وتطبع هي على فمه قبلة من وراء السلك رغم اعتراض الجنود الاسرائيليين.
يخرج زيد في النهاية، ويحاول العودة للتأقلم مع حياته السابقة، لكن يستغرق الأمر مرور بعض الوقت قبل أن يصبح قادرا على استئناف حياته الطبيعية مع زوجته.
وتقوم الممثلة هيام عباس بدور صاحبة مقهى كانت قد عملت بالخدمة في بيوت الأسر الميسورة لمدة أربعة عشر عاما قبل أن تفتتح المقهى الذي يلتقي فيه الجميع ويبدو هنا بمثابة رمز للاحتفال الفلسطيني بالحياة رغم الاحتلال، كما أنها هي التي تجمع بين الشخصيات وتوفق بحكمتها بين الأطراف المختلفة، وتتصدى لجنود الاحتلال وتهزأ منهم، وترفض الانصياع لأوامرهم. إنها تبدو على نحو ما، في السياق، رمزا لفلسطين نفسها.
نجوى نجار مخرجة الفيلم
أجريت هذه المقابلة مع المخرجة نجوى نجار أثناء حضورها مع فيلمها الدورة الثامنة والثلاثين من مهرجان روتردام السينمائي.
- أريدك أولا أن تحدثيني عن الخلفية الثقافية لك.. أين درست، ومن أين أتيت، وكيف أصبحت مخرجة سينمائية؟
- قضيت معظم حياتي خارج فلسطين في الولايات المتحدة والسعودية ثم درست في أوروبا علوم سياسية واقتصاد ثم سينما في الولايات المتحدة ثم عدت إلى فلسطين، إلى رام الله. والدي كان قد عمل صحفيا في فترة من حياته ووقتها أهداني كاميرا وكنت ألتقط بها الكثير من الصور، وكنت أيضا أقرأ كثيرا وأشعر أنني يمكن أن أعبر عما أريده بشكل أفضل من خلال السينما، وأحاول أن أعثر على لغة خاصة في التعبير.
- من أين جاءك موضوع فيلم "المر والرمان" وماذا يعني العنوان عندك؟
- عدت إلى فلسطين عام 1996، وفي سنة 2000 حدثت الانتفاضة الثانية وأصبح ممنوع علينا الحركة وبقيت مع أسرتي داخل البيت، وللمرة الأولى في حياتي أشعر أنني سجينة بالفعل. وشعرت بالغضب، وكانت التسلية الوحيدة أمامنا مشاهدة التليفزيون، لكن الصور التي كانت تعرض على محطات التليفزيون في العالم كانت تصورنا على أننا أناس يملؤهم الغضب فقط. لكني جزء من المجتمع الفلسطيني، ولذا خرجت مع الذين أصروا على الخروج وممارسة الحياة ولو حتى انتظرنا أكثر من ساعتين على حاجز تفتيش إسرائيلي. لم نجعل أي شئ يحول بيننا وبين ممارسة حياتنا العادية. في هذه الفترة كنت أقرأ في الفولكولور العربي وكنت أيضا أكتب. وقد وجدت في الفولكولور حكاية المر والرمان.. هناك داخل كل رمانة بذرة واحدة تأتي من الجنة. وبدأت أبحث في هذا الموضوع، إن هذه الرمانة هي رمز للأمل في الحياة، والمر أو المرارة هي الجانب السيء في الحياة.. هذه هي حياتنا.. مزيج من الإثنين.. ومن هنا كانت علاقتي بالموضوع.
إنني أروى في هذا الفيلم قصة امرأة تتزوج ثم يعتقل زوجها فتصبح زوجة سجين، وهي أيضا راقصة في فرقة للفولكلور الفلسطيني، وتجد نفسها سجينة مرتين: أولا داخل جسدها لأنها غير مسموح لها بالرقص كونها زوجة سجين، وثانيا سجينة في مجتمع الاحتلال والحصار.
- قبل هذا الفيلم هل كانت لديك تجربة في السينما.. في إدارة الممثلين؟
- هذا الفيلم أخذ ست سنوات من حياتي.. قبل أن يتحقق. وخلال هذه الفترة أخرجت عدة أفلام وثائقية وفيلمين قصيرين الأول دقيقتان ضمن فيلم أخرجه ستة مخرجين عن جوائز السينما الأوروبية، والثاني اسمه "ياسمين تغني". وعندما بدأت العمل في "المر والرمان" أجريت اختبارات لأكثر من مائة ممثل وممثلة.. كنت أبحث عن ممثلين يصلحون للأدوار في كل مكان: في الأردن وفلسطين ولبنان وفرنسا وأمريكا إلى أن اخترت الأفضل.. وكنت سعيدة الحظ أن أعمل مع هذا الفريق من الممثلين الموهوبين. وقد اشتركوا في العمل معي أنا التي تقف للمرة الأولى وراء الكاميرا، وهم سعداء يملؤهم الحماس. لقد كانت التجربة رائعة. كنا نعمل كعائلة واحدة. وكانوا يتعاونون معي في إنجاز الفيلم وفي تقديمي لعائلات فلسطينية أخرى.
وعندما جاءت المصورة ناقشت معها كيف يمكن أن تروي كل لقطة شيئا ولا يكون الهدف من التنويع في اللقطات مجرد الانتقال بين صورة وصورة أخرى لها حجم مختلف. كنا مثلا نناقش كيف يمكن أن نصور شخصية البطلة التي هي راقصة ومن أي زاوية، وكيف يكون من الأفضل أن نصور باستخدام الكاميرا المحمولة على الكتف (المهتزة) مشاهد مصادرة الأرض، كنا نريد أن يرى المشاهد الفيلم بإحساس جديد يختلف عن المتابعة الآلية لزوايا التصوير كما درسناها.
كنا نناقش الألوان التي نريد استخدامها في الفيلم. الأحمر معادل للحياة، والأخضر.. ركزنا على هذين اللونين، على ألوان العلم الفلسطيني.. ألوان فلسطين المنسية في السينما فدائما ما نرى الأشياء أسود وأبيض، فقد اثر الاحتلال كثيرا على رؤيتنا للأشياء. لقد أردنا أن نحتفل بفلسطيني الجميلة في هذا الفيلم.
- أريد أن أسالك عن اختيارك للممثلين.
- ياسمين المصري التي تقوم بالدور الرئيسي (قمر) هي ممثلة فلسطينية تعيش في لبنان، وقد لعبت دورا رئيسيا في فيلم "سكر بنات"، ومن حسن الحظ أنها تحمل الجنسية الفرنسية أيضا ولذلك تمكنا من ادخالها إلى القدس ورام الله. وهي أيضا راقصة، ولذا كانت مناسبة تماما للدور. وخصوصا أنها كانت المرة الأولى التي تأتي فيها إلى فلسطين، فهذا العامل كان شديد الأهمية بالنسبة للفيلم، فقد كنت أريد أن أصور لحظة اللقاء الأول، إنها تلعب دور عروس جديد تذهب لكي تعيش في رام لأول مرة في حياتها، ولم تكن تشعر بالراحة مائة بالمائة.. هذا الشعور بعدم الراحة، أو بالقلق كان حقيقيا لدى الممثلة وأردت الاستفادة من ذلك في الفيلم. أما أشرف فرح الذي يلعب دور زيد (الزوج) فلم يسبق له التمثيل من قبل، ولكن عندما وضعت الإثنان معا كان هناك نوع من الانسجام في الأداء فيما بينهما على الفور. أما علي سليمان الذي لعب دور قيس مدرب الرقص، فهو مناسب تماما للدور، ففي عينيه حزن خفي، وهو يتمتع أيضا بالرقة والحنان، كان لديه كاريزما معينة تخفي ألما وتجربة إنسانية عريضة. أما هيام عباس التي تلعب دور أم حبيب فلم يكن عليها أي نقاش. لقد جاءت وارتدت الدور وكأنه مصنوع خصيصا لها ومنحته أبعادا أعمق.
- كيف كانت تجربة التصوير في رام الله والقدس، وما هي المشاكل التي واجهتك هناك؟
- كانت تجربة شديدة الصعوبة. لقد أجرينا الكثير من التحضيرات والاستعدادت. ذهبنا إلى مواقع التصوير، ودرسنا كل شئ، ماذا سنفعل وماذا نريد، وكيف ستتحرك السيارات، وكم أفراد طاقم التصوير، وما هي المشاكل التي يمكن أن تقع لنا وكيف يمكننا التغلب عليها، هل في هذا المكان حاجز اسرائيلي، وماذا سنفعل إذا أوقفونا وما هو البديل لهذا الموقع.. إلخ. - لقد حاولنا بقدر الإمكان أن نتحسب لكل شئ، لكن التصوير في واقع تحت الاحتلال يجعل الأشياء عرضة للمزاجية والعشوائية، فمن الممكن أن يكون مزاج الجندي الاسرائيلي متعكرا فيقرر أن يوقف التصوير مثلا. كان لدينا طاقم تصوير وممثلين من حيفا وعكا ونابلس وايطاليا وفرنسا وفلسطينيون من غزة ولبنان، وكانت كل جماعة من جهة ما تحمل بطاقات لها لون معين. وكانت هناك مشاكل في انتقال الممثلين بسبب قرارات المنع الاسرائيلية التي تحظر مثلا انتقال أي شخص من القدس وحيفا ويافا ممنوع يدخلون إلى الضفة، والقادمون من غزة والضفة ممنوع دخولهم للقدس.. وهكذا كان هناك كابوس لوجستي.
- أخيرا.. لمن صنعت هذا الفيلم: هل للجمهور في العالم الخارجي أم للجمهور الفلسطيني، وهل عرض في فلسطين؟
- آمل أن يتمكن هذا الفيلم من التحدث بلغتين، فأنا لم أصنعه فقط للعرض في الداخل ويلقى التقدير ولا يصل للجمهور في العالم الخارجي، خصوصا في الغرب، ليس كافيا، والعكس صحيح أيضا. إنه يصور جانبا من حياتنا ومن معاناتنا وهذا الجانب من المهم أن يصل وهو لم يعرض بعد في فلسطين وهو لم يعرض بعد في الداخل لكنه سيعرض قريبا في مارس، ولكنه عرض في مهرجان دبي السينمائي ولقى استجابة جيدة.
0 comments:
إرسال تعليق