الجمعة، 23 ديسمبر 2011

مدرسة السينما

الجمعة، 11 نوفمبر 2011

حول فيلم "في الوقت المحدد": بيع الأعمار!


استمتعت أخيرا بمشاهدة الفيلم الأمريكي In Time للمخرج أندرو نيكول، في إحدى دور العرض اللندنية، وهو يروي قصة موحية رمزية تدور في المستقبل عن كيفية تحكم المؤسسات الرأسمالية والأثرياء الكبار في الولايات المتحدة في أرواح البشر، وكيف يشترون الأعمار، يطيلون فيها أو يقصرونها حسب ما يرون وطبقا لمصالحهم، وكيف أصبح كل شيء للبيع، بيع الوقت أي الزمن، أي قسط زمني من العمر مقابل أي شيء يريد المرء شراؤه.

إنها رؤية مخيفة للمستقبل، ولكنها بطبيعة الحال، رؤية لها في الواقع الكثير من الشواهد عليها، إذا ما اخذنا في الاعتبار ما يجري في العالم من كوارث اقتصادية اليوم بعد انهيار النظام المالي والكشف عن الاستغلال الرهيب من جانب البنوك والاحتكارات المالية للإنسان العادي البسيط.

نحن أمام فيلم "ثوري" بكل معنى الكلمة، أي فيلم يدعو بشكل واضح إلى رفض المؤسسة القائمة، ويكشفها ويعري طرائقها وأساليبها ويدينها بانعدام الإنسانية، لكنه في الوقت نفسه، يفعل هذا بالكثير جدا من البراعة الفنية، سواء من ناحية الخيال البديع الذي يكفل لكاتب السيناريو نسج الكثير من الشخصيات والأحداث والتفاصيل الفرعية المكملة للحبكة والتي تخدم الموضوع وتتطور به، بحيث لا يمكنك العثور على ثغرات فنية كثيرة في هذا الفيلم البديع المؤثر. وهذا درس لكل الراغبين في صنع أفلام تحمل "رسالة" ولا يقيمون عادة وزنا كبيرا للاهتمام بالجانب الفني، بالخيال، بالابتكار، بالشكل، بطريقة المعالجة الفنية، بل يلجاون الى الخطابة والصراخ والهستيريا وحشد عشر شخصيات أمام الكاميرا في لقطة واحدة، والكل صرخ ويتجادل!

هنا نحن أمام إيقاع متدفق صاعد، مواقف منسوجة ببراعة لكي ترسخ الفكرة وتكشف عن الجوانب المختلفة للموضوع، وتنفيذ قوي للكثير من المشاهد، وقدرة فنية رفيعة في خلق الجو العام للفيلم، والارتباط بين شريطي الصوت والصورة، وتحكم كبير في الأداء التمثيلي.

فيلم "في الوقت المحدد" عمل فيه الكثير من الابتكار الفني، والكثير من الأصالة، لكنه أساسا، عمل إنساني يعبر عن رفض الإنسان للإنسان، ويحذرنا من السقوط في المستنقع نحو تلك النهاية التي لا تجعل هناك أي فرق بين أن نحيا وأن ننتحر!

الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

"الهافر".. أو العالم كما هو وكما ينبغي أن يكون!

من أجمل واقرب الأفلام إلى قلوب المشاهدين في دورة مهرجان كان السينمائي الـ64 فيلم "الهافر" Le Havre للمخرج الفنلندي الشهير أكي كوريسماكي Kaurismaki..
هذا المخرج الذي يواصل تقديم الأفلام المثيرة للإعجاب، كونه يجمع بين طابع سينما المؤلف، أي السينمائي الذي يملك رؤية خاصة للعالم وهي سينما "نخبوية" عادة، وبين طابع الفيلم الشعبي، الذي يتميز ببساطته، بوضوح رؤيته، بحميميته، وبموضوعه الإنساني القريب من القلوب.
هنا في هذا الفيلم الجديد، يخرج كوريسماكي عن حدود هلسنكي، عالمه الأثير، ليقدم عملا من الإنتاج المشترك مع فرنسا، يصوره في الميناء الفرنسي الشهير الذي يحمل الفيلم اسمه، ولكن دون أن يتنازل، أو يتقاعس عن تقديم رؤيته الخاصة، مجسدا من خلالها عالمه الخاص الأثير إلى نفسه، عالم الشخصيات الهامشية الوحيدة التي تشعر بغربتها في العالم، وحاجتها الى التعاضد الانساني، قدرتها رغم ذلك على السخرية، وعلى التحلي بروح متفائلة.
هذا العالم الخاص هنا يتمحور بين الواقع والخيال، ما يحدث فعلا وما يمكن أن يحدث، وما نتمنى أن يحدث، تعقيدات الواقع التي تتبدل تدريجيا مع اكتشاف أن البشر في معظمهم أنقياء وأوفياء وعلى استعداد لتقديم ما ينتظر منهم وقت الضرورة، كبشر يتضامنون معا بغض النظر عن حواجز الدين والجنس والهوية القومية، وقسوة الواقع الذي يمكن ان يفقد فيه الانسان حياته لأي سبب، أو يصبح ضحية للحواجز المفروضة بقسوة، والسجون الكبيرة التي تقام لكي تحد من حرية البشر في الانتقال والعمل رغم كل ما يقال عكس ذلك.

سيناريو متقن
فيلم كوريسماكي يعتمد كعادته، على سيناريو متقن، يجسد أزمة الفرد في المجتمع، ولكن عندما يكتشف أن تحققه يمكن ان يأتي من خلال توحده مع الآخرين، وعلى أداء تمثيلي محكوم، وعلى أسلوب إخراج، صحيح أنه يعكس طريقة صاحبه في التعبير، لكنه يبدو أيضا في هذا الفيلم تحديدا، متأثرا بأسلوب بعض المخرجين الفرنسيين الذين يهيم هو بهم وباعمالهم من فترة الواقعية الشعرية مثل مارسيل كارنيه على وجه الخصوص.
بطل الفيلم "ماكس"، رجل في خريف العمر، مهاجر فنلندي متجنس بالجنسية الفرنسية يعيش مع زوجته المعتلة صحيا "أرليتي"، فهي مصابة بمرض خطير، لكنها تخفي الأمر على زوجها وتتشبث بمعجزة الشفاء التي قد تأتي في نهاية الأمر.. من يدري!
وماكس فنان كان ذات يوم في الماضي، مرموقا ثم تدهور به الحال واضطر الى العمل كماسح للأحذية على أرصفة ميناء الهافر وأمام مقاهيه.
يسوق القدر إليه ذات يوم طفلا افريقيا من المهاجرين غير الشرعيين الذين تقبض عليهم السلطات وتضعهم في معسكر كبير للمهاجرين تمهيدا لترحيلهم. هذا المعسكر المعروف الذي ذاع صيته عبر نشرات الأخبار خلال الفترة الأخيرة، ويعرف باسم "الغابة" وتمت تصفيته بقسوة وفظاظة من قبل السلطات الفرنسية.



دور الكلبة
الطفل "إدريسا" يتمكن من الهرب من الشرطة، ويلجأ الى منزل ماكس الذي يأويه ويمده بالرعاية ويخفيه عن عيون الشرطة، في غياب زوجته المريضة في المستشفى، وبمعاونة كلبته الأليفة الذكية "لايكا"، وهي في الحقيقة الكلبة التي يصفها بعض النقاد بـ"الكلبة الأكثر شهرة في السينما الأوروبية"، فهي تظهر في معظم أفلام كوريسماكي وترتبط به.
لكن ضابط الشرطة المخضرم المفتش مونيه يشك في وجود الصبي في منزل ماكس، ويحاول استدراجه للاعتراف. ولكن هذا الضابط القاسي الملامح، الجامد من الخارج سنكتشف قرب النهاية أنه يخفي قلبا شديد الطيبة لا يقل في طيبته عن جيران ماكس جميعا واصدقائه الذين يساعدونه بتوفير احتياجاته من المواد الغذائية بمن فيهم البقال الجزائري الأصل المتزوج من فرنسية، وعامل القمامة الصيني الأصل، وجارته الفرنسية الطيبة صاحبة المخبز التي تزوده بالخبز يوميا.
يبدأ الجميع في جمع التبرعات من أجل دفع تكاليف تهريب الصبي "إدريسا" على متن سفينة تعبر الى الساحل البريطاني لكي يلتحق الصبي بأمه التي سبقته في التسلل الى بلاد الانجليز وتقيم في لندن.
وفي اللحظة التي توشك الخطة التي يشترك فيها الجميع على النجاح، يظهر المفتش مونيه، ولكن لكي يحمي تهريب الصبي من مطاردة رجال شرطة الهجرة، ويقدم يد المساعدة للآخرين.
مزيج من الواقعية والحلم، تسيطر على أجواء الفيلم بحيث أننا أحيانا نتخيل اننا نشاهد فيلما من الأفلام الفرنسية في الأربعينيات تلك التي تميزت بما يعرف بـ"الفيلم- نوار".. أي بأجواء الغموض، والسرية، والتوتر، والظلال القاتمة، وفي أحيان أخرى، نشعر أننا نشاهد "كوميديا" من تلك التي تعتمد على المفارقات المشهدية لا على المبالغة في الأداء أو المفارقات المصطنعة.
وبين الطابعين تتلون المشهدية، من الاضاءة الناعمة ذات الألوان الواضحة: الأزرق والأحمر بوجه خاص، وينتقل التصوير من الداخل الى الخارج، وبالعكس، دون أن يفقد التتابع حيويته وهدوئه مع المحافظة على إيقاع رصين لا يخرج عن المسار باستثناء ربما في المشهد الذي يستعين فيه ماكس بمغني معتزل لأغاني البوب من جيل الستينيات، ويقنعه باقامة حفل محلي لجمع لصالح تمويل رحلة "إدريسا" إلى لندن.

عن الأداء
الأداء كالعادة في أفلام كوريسماكي، محسوب بدقة، والحوار قصير ومختصر ولكنه يعبر عن كل شخصية بأقل الكلمات، كما يعبر حوار بطلنا "ماكس" عن خلفيته المثقفة مع لمسة فلسفية أيضا، ولاشك أن "ماكس" الذي يحمل فلسفة كوريسماكي نفسه، هو شخصية "مخترعة" أي سينمائية أساسا، وكذلك معظم الشخصيات التي تأتي كما أشرت في السابق، متآلفة، إيجابية، تسعى للخير، رغم ما يكمن في الواقع من قسوة شديدة نلمحها في المشهد الأول عندما يقتل أحد زبائن ماكس في تصفيات بين عصابات الأشقياء فيما يبدو، وأيضا في المشهد شبه التسجيلي الذي صوره كوريسماكي داخل معسكر ايواء اللاجئين المعروف بـ"الغابة"، أثناء بحث البطل عن أحد يمكنه أن يرشده الى مكان والدة ادريسا.
وينهي كوريسماكي الفيلم بخروج زوجة ماكس تخرج من المستشفى بعد ان شفيت من مرضها العضال فعلا، لكي تكون بمثابة المكافأة له على موقفه النبيل.
"الهافر" في النهاية، رغم عدم حصوله على جوائز في مهرجان كان بينما كان كثيرون يتوقعون له "السعفة الذهبية" لا أقل، يمثل خطوة الى الأمام في مسيرة مخرجه الطويلة، ونقلة تتجاوز كثيرا ما حققه في فيلمه السابق "أضواء في الغسق" الذي عرض في مسابقة كان عام 2006.جدير بالذكر أن كوريسماكي من مواليد 1957، وقد أخرج حتى الآن 28 فيلما، ما بين طويل وقصير وتسجيلي. وفيلمه السابق مباشرة هو فيلم تسجيلي صوره في الشيشان ويحمل عنوان "برزخ" Barzakh.

الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

تحذير من هجوم التتار على السينما وعلى الوطن!





الإخوان المتسعودون قادمون، لا ريب في ذلك، قادمون الى برلمان مصر، هم ومعهم مجموعة ممن يطلقون على أنفسهم السلفيين (والأحق أن يقال السفليين!)، ومجموعة أخرى ممن يمكن أن نطلق عليهم "نواب الإرهاب"، أي الذين يمثلون ما يسمى بتنظيم الجهاد وجماعة التكفير والهجرة والجماعة الإسلامية.
هذه الجماعات التي تنتمي للعمل السياسي، ومنها ما اكتشف قيمة وأهمية العمل في الساحة السياسية بعد أن كان يحرم ويجرم هذا النشاط (السفليون على وجه التحديد وهم حوالي 5 ملايين شخص) بل وكانوا يحرمون الثورة والخروج على الحاكم وتعاونوا طويلا مع أجهزة أمن الدولة وتعذيب المواطنين، أقول إن هذه الجماعات تتفق جميعها في عدة أشياء أساسية منها الانطلاق من فكر تكفير الآخر، أي كل من لا ينتمي لها الفصيل، وكل من لا يعتبر من وجهة نظرهم متدينا على طريقتهم، ومن لا يرتدي ملابس مثلما يرتدون، ولا يطلق لحية شيطانية مثل لحاهم المقيتة البشعة التي تخيف الأطفال الأبرياء، وكل من لا يتفق مع شعارهم "الإسلام هو الحل" الذي يرهبون به غيرهم من المسلمين، ويخيفون المسيحيين من "شركاء الوطن والمصير"، لدفعهم دفعا إلى الهجرة من مصر.
ومن ضمن الأشياء التي يتفق فيها هؤلاء من أصحاب الفكر التكفيري (وعلى رأسهم تنظيم الإخوان المتأسلمين مهما ادعوا عكس ذلك والذين خرج من معطفهم كل دعاة الارهاب وجماعات التطرف) كراهية السينما، والميل إلى تحريمها، ومصادرة الأفلام التي لا تحمل فكرا موجها يتبنى دعوتهم وأفكارهم السياسية وتفسيراتهم العقيمة المتشددة للدين، ولذلك فوصول هذه القوى السياسية التي تنتمي للعصور الوسطى الى الحكم في مصر معناه ببساطة أن أيام السينما المصرية باتت معدودة، فليس من المتصور أن يسمحوا باستمرار أفلام تنتقد وتصور الواقع والعلاقات الاجتماعية القائمة بما فيها من فساد وتدهور وتفسخ جاء نتيجة ستين عاما من التسلط والديكتاتورية وحكم مجموعة من العسكر الجهلاء الذين لا يتميزون بأي ميزة بل يستندون أساسا، إلى قوة المدرعات والطائرات المدمرة التي يمكن أن تحاصر وتقصف وتقتل (أبناء الشعب العزل طبعا وليس جنود الأعداء).
إن السينما المصرية ذات التاريخ العريق ستواجه أصعب مراحلها التاريخية في العصر القادم أي يبشرنا كثير من أصحاب الفكر اليوم بأنه سيكون عصر الحريات والديمقراطية، فيما نرى ان فئة معينة تنتمي في فكرها الى العصر الحجري، تستعد لالتهام كعكة الثورة المصرية التي رفضت هذه القوى في البداية المشاركة فيها بل وأصدرت بيانات تعاديها وتناهضها وتعلن فيها تمكسها بما كان يسمى بـ"الشرعية" أي بشرعية نظام مبارك الذي يتشدقون الآن بأنهم كاوا من أشد معارضيه!



إن نهاية السينما في مصر معناه نهاية الحداثة والفنون البصرية وفن الصورة إلا تلك التي تحمل دعاية مباشرة للعقيدة السياسية لجماعات التأسلم السياسي على شاكلة الدعاية الفاشية والنازية، لذلك لا أرى أي شكل آخر من مناهضة هذه القوى الزاحفة بقوة اليقين الشيطاني الى الاستيلاء على السلطة في غيبة الوعي العام، سوى الاستعداد التصدي لها بالقوة.
ولعل الدرس الألماني لايزال أمامنا واضحا، فلو كان القطاع الديمقراطي الوطني في ألمانيا قد تصدى للتيار النازي بالقوة وأنزلوا بأنصاره الهزيمة، لما أوصلوا ألمانيا الى ما وصلت اليه من عار وهزيمة لاتزال تدفع ثمنها حتى يومنا هذا رغم الفارق الكبير بالطبع بين أيديولوجية علمانية من صنع البشر أيا كانت شموليتها، وأيديولوجية دينية تزعم أنها تستند الى ما أنزله الله عز وجل!
فكيف سنواجه تلك القوى وهي تشهر في وجوهنا السيوف متخذة من الإسلام رهينة بين يديها، وكيف سنتمكن من قهرها؟ في صندوق الانتخابات؟
أشك أن هذا الصندوق سيكون متاحا بعد أربع سنوات من وصول تلك الشراذم الى السلطة في مصر، فستصبح عملية الاقتراع نفسها في خبر كان، وسيتم تدمير المؤسسات العصرية والاعتماد على ما يصدر من فتاوى موجبة من "المرشد العام"!
السينمائيون اليوم في حاجة الى أن يتحولوا من فنانين انعزاليين الى مقاتلين ليس فقط من أجل انقاذ السينما، بل وانقاذ الوطن نفسه. 

الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011

حول موقف الوفد المغربي في مهرجان أبو ظبي السينمائي


لقطة من فيلم "أياد خشنة" لمحمد العسلي


صدم زملاؤنا وأصدقاؤنا من السينمائيين والنقاد الحاضرين في مهرجان أبو ظبي السينمائي بعد إعلان نتاج مسابقات الدورة الخامسة من المهرجان التي اختتمت السبت الماضي.
جاءت السينما المغربية إلى أبو ظبي بخمسة من أفلامها الروائية الطويلة معظمها كما نعلم جميعا، من الإنتاج المشترك (مع فرنسا تحديدا) بل ومنها فيلم مثل "رجال أحرار" من الإنتاج الفرنسي بالكامل دون أي مشاركة مغربية، ولكنه لمخرج مغربي متميز هو اسماعيا فروخي صاحب التحفة السابقة "الرحلة الكبرى" قبل سبع سنوات.
من بين كل من فازوا بالجوائز التي يبلغ عددها 42 جائزة (!) في هذا المهرجان السخي ماليا (يمنح المهرجان مليون دولار بالتمام والكمال للفائزين من صناع الأفلام) أقول من بين الفائزين جميعا لم يحصل سوى اسماعيل فروخي على جائزة أحسن مخرج عربي في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، ومقدارها 50 ألف دولار. ولكن فيلمه "رجال أحرار" لم يفز بالجائزة الكبرى بل فاز بها أجمل وأكمل أفلام المسابقة بالفعل وهو الفيلم الفرنسي "دجاج بالخوخ" لمارجان ساترابي وهو الفيلم الذي كان جديرا بالفوز بالأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا من وجهة نظر كاتب هذه السطور، كما ورد خلال تغطيتنا لمهرجان فينيسيا.
المشكلة أن المغرب حضر بمجموعة متميزة من الأفلام دون أدنى شك، ومنها ما كان جديرا بالفعل بالحصول على جائزة أو أكثر مثل الفيلم البديع "أياد خشنة" لمحمد العسلي. وكان من المتوقع أن يحصل هذا الفيلم نحديدا على جائزة أفضل فيلم في مسابقة "آفاق جديدة" التي نعيب عليها أن تعرض فيلما بهذا المستوى لمخرج كبير مثل العسلي في هذا القسم وليس في المسابقة الرئيسية للأفلام الروائية الطويلة، والسبب يعود الى أن "آفاق جديدة" مخصص لعرض الأفلام الأولى والثانية للمخرجين.
لكن المهرجان ولجانه المتخصصة ارتكبت خطأ كبيرا عند اختيار فيلم "على الحافة" المغربي أيضا للعرض في المسابقة الرئيسية رغم كونه الفيلم الأول لمخرجته ليلى كيلاني!


لقطة من فيلم "رجال أحرار" لاسماعيل فروخي


هذا التناقض يعكس نوعا من الاضطراب الناتج عن فكرة غير مطبقة في أي مهرجان وهي تخصيص مسابقة خاصة للأفلام الأولى والثانية للمخرجين، في حين أن من الأفضل ادماج هذا النوع (إذا جاز التعبير) ضمن قائمة أفلام المسابقة الرئيسية للأفلام الروائية الطويلة بغض النظر عن كونها الأولى أو الثانية او لمخرج سبق له اخراج أكثر من ثلاثين فيلما.
في هذه الحالة تمنح لجنة التحكيم جائزة لأفضل فيلم أول لمخرجه. ويعامل الفيلم الاول عادة معاملة أي فيلم آخر، وهو ما يحدث في كبرى المهرجانات السينمائية في العالم.
ومن أسباب غضب الوفد المغربي أيضا ليلة الختام، منح جائزة أحسن ممثلة (بالمناصفة) للممثلة التي قامت بدور البطولة في الفيلم الاسباني "دموع الرمال" وهو الفيلم الذي أثار احتجاج الوفد المغربي على عرضه في المهرجان بسبب تبنيه لفكرة أن اقليم الصحراء الغربية يجب أن ينال الاستقلال عن المغرب وانه ليس جزءا من التراب المغربي (كما تعتبره كل الأحزب والكتل السياسية في المغرب من اليمين إلى اليسار).
وقد علمت أن المهرجان استجاب لطلب الوفد المغربي بسحب الفيلم من مسابقة "آفاق جديدة" بعد أن قيل للقائمين على المهرجان هل تقبل دولة الامارات فيلما ايرانيا يدافع عن اعتبار الجزر الثلاث التي استولت عليها ايران في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، جزرا "فارسية" يجب أن تتبع ايران!
غير أن عدم ابلاغ المهرجان للجنة التحكيم بسحب الفيلم أدى على ما يبدو الى حصوله على جائزة أحسن ممثلة. أما اذا كان المهرجان قد اكتفى بتهدئة المغاربة فقط وأبقى على الفيلم في المسابقة فهذا يعد نوعا من الاضطراب المربك حقا، ويصبح من حق المغاربة الاحتجاج على هذا التخبط.
الجوائز عند كاتب هذه السطور، لا قيمة لها ولم تكن أبدا، مقياسيا حقيقيا لقيمة الفيلم الفنية. وبالتالي لا ينبغي البكاء على ضياعها فالفيلم الجيد يبقى شاهدا على نفسه، ويدخل تاريخ السينما في بلاده بقيمته الفنية وليس بما حصل عليه من جوائز في المهرجانات.

الخميس، 20 أكتوبر 2011

نحو مهرجان سينمائي في أبو ظبي أكثر إحكاما وأقل ازدحاما بالأفلام




أكتب هذه الكلمة وأنا من المحبين لمهرجان أبو ظبي. لماذا؟ لأنه نجح في دعم الأفلام العربية ويواصل مشواره مع مهرجان دبي في دعم الأفلام الفنية العربية تحديدا أي تلك الأفلام المستقلة بمعنى استقلاليتها عن شركات الانتاج الكبيرة التي تضع عادة شروطا "تجارية" مسبقة أو وصفة يجب أن تتوفر للفيلم الذي ترحب بتمويله أو انتاجه، وكذلك شركات التوزيع السينمائي في العالم العربي صاحبة السمعة السيئة في الهبوط بالفيلم الذي ينتج في البلدان المنتجة للأفلام والتي تلقى توزيعا في السوق العربية.

مهرجان أبو ظبي يسعى أيضا إلى أن يكون احتفالا بفن السينما بجميع أنواعها، أي أنه ينفتح على كل أنواع الأفلام. وقد أضافوا هذا العام تقسيمات في دليل أفلام المهرجان يقسم الأفلام المشاركة حسب النوع، فهناك الأفلام الميلودرامية والرياضية والكوميدية والاجتماعية والمثيرة بل وهناك أفلام تقع تحت أفلام النساء وأفلام الـ"موكوكوميدي" وأفلام الفكاهة السوداء وأفلام البيئة وأفلام "الانعطافات" حسب تقسيم القائمين على هذا الدليل!

لكننا رأينا أيضا رغبة واضحة في التوسع الكبير في أقسام المهرجان دون أي معنى أو هدف سوى حشد أكبر عدد ممكن من الأفلام وتصنيفها ضمن هذه الأقسام.

ولعل الملحوظة الأولى تكمن في وجود عدد كبير يستعصي على الفهم للمسابقات (5 مسابقات تحديدا) مما يفقد فكرة التنافس معناها في الكثير من الأحيان، فمثلا لماذا تخصص مسابقة مستقلة للأفلام الأأولى والثانية للمخرجين في حين أن من الممكن استيعاب أفضل هذه الأفلام في مسابقة الأفلام الروائية، ولماذا التفرقة بين الروائي والوثائقي في حين أن الفروق بينهما تتضاءل تدريجيا والعالم كله أصبح الآن يضم الوثائقي الى المسابقة المخصصة للروائي!

ثالثا لماذا الاصرار على تنظيم مسابقة لأفلام الامارات في حين أن هذه المسابقة مكانها الحقيقي والطبيعي في المهرجان المستقل الذي يقام سنويا وهو مهرجان أفلام الخليج. هل هي الرغبة في المنافسة من أجل المنافسة، أم أن هناك هدفا محددا من وراء المسابقات هو  محل الاهتمام!

رابعا: ما معنى أن يخصص قسم يطلق عليه أفلام العائلة فهل معنى هذا مثلا أن باقي الأفلام لا تصلح لأن تشاهدها العائلات؟ وما معنى المسابقة المسماة "مسابقة أفلام عالمنا" وهل باقي الأفلام في باقي المسابقات ليست من عالمنا مثلا!

هناك خلط واضح بين أفلام البيئة وأفلام من عالمنا، وبين الأفلام الروائية الطويلة في المسابقة وأفلام قسم آفاق جديدة، وبين الدولة الضيف أي السويد التي يعرض لها عدد من الأفلام، وبين تداخل الكثير من هذه الأفلام في أقسام أخرى، الأمر الذي يعكس نوعا من العشوائية في التسميات والتقسيمات والمسابقات. ومعروف أن كثرة عدد المسابقات والجوائز ولجان التحكيم يفقد أي جائزة مصداقيتها.

ومن الأفضل في رأيي أن تكون هناك مسابقة للأفلام الطويلة (روائية وتسجيلية) ومسابقة للأفلام القصيرة. وأن تمنح جائزة واحدة لأفضل فيلم أول أو ثاني لمخرجه من الأفلام المعروضة داخل المسابقة الرئيسية. على أن تخصص القيمة المالية لباقي الجوائز لدعم السيناريوهات الجديدة، أي للمساهمة في دفع مزيد من السينمائيين للعمل.

ومن الضرروي أيضا أن يبدأ التفكير في جديا في الغاء الكثير من التظاهرات الموازية التي لا تجد في نهاية الأمر جمهورا لها مثل تظاهرة أفلام البيئة وما الى ذلك، فهذا النوع المتخصص من الأفلام يحتاج الى مهرجانات أي مسابقات خاصة تكون تحت اشراف مؤسسات دولية تهتم بهذا النوع من الأفلام تحديدا.

ومرة أخرى لعل المهرجان يعيد النظر في طريقة التنظيم والعلاقة بين أماكن اقامة الضيوف وأماكن العرض السينمائي وتقليص تلك المسافات الطويلة التي يتعين على الصحفيين والنقاد تحديدا قطعها يوميا للوصول الى مقر المهرجان في فندق يقع في أقصى الطرف من المدينة.

الاثنين، 17 أكتوبر 2011

هذه المدن الصغيرة ومهرجاناتها الدولية!






مناقشات كثيرة تدور على هامش مهرجان أبو ظبي السينمائي بين السينمائيين والنقاد، وبين النقاد بعضهم بعضا إذا خلص الود طبعا وتراجع "التنمر" والنهم الى الاغتياب والتشويه وأحيانا أيضا، نفخ الذات باستخدام ما لا ينفع من الادعاءات والتشبث بالصغائر، وهو كثير!
 الناقد المغربي الصديق عبد الإله الجوهري استغرق معي في مناقشة طويلة حول المهرجانات التي تقام في أرجاء كثيرة من العالم العربي وخصوصا في المغرب.

هذه المهرجانات كان رأيي، ولايزال، أنها تتوالد وتتكاثر بشكل عشوائي أي غير منظم، وتظهر إلى النور طبقا لرغبة البعض الذين ربما كانوا يحبون السينما حقا لكنهم مغرمون أيضا بالظهور وحب الاستعراض، ولذلك فهم يسعون وراء عدد من النجوم، يريدونهم أن يأتوا الى تلك المهرجانات الصغيرة، يغرونهم بالتكريم والجوائز وما الى ذلك مما أصبح في الحقيقة بمثابة طقوس شبه اسبوعية.

أبديت تحفظي على تلك المهرجانات الصغيرة التي تقام في بلدات أو حتى مدن صغيرة غير مؤهلة بحكم غياب البنية التحتية الصالحة، لإقامة مهرجانات سينمائية "دولية" وضع مائة خط تحت كلمة "دولية"، تنظم مسابقة، وتستضيف لجان تحكيم وتمنح الجوائز.

وكان رأي صديقي الجوهري أنه من حق سكان تلك المدن الصغيرة مشاهدة الأفلام الحديثة، فالسينما حق لكل المواطنين أو هكذا يجب أن تكون، وأنه ليس من حقي أن أصادر على حقهم في المشاهدة والاستمتاع.

قلت إنني أتفق تماما أن من حق الجميع مشاهدة الأفلام، وإن من الممكن لتحقيق هذا الغرض تنظيم تظاهرات للعروض السينمائية، ولكن أن نخدع الناس بأننا نقيم مهرجانا "دوليا" في حين أننا نجمع فقط عددا من اسطوانات الدي في دي (أي الاسطوانات الرقمية المدمجة) وعددا محدودا من الممثلين والمخرجين والصحفيين، ونوهم الجميع بأنه قد أصبح لدينا مهرجان دولي، فهو نوع من الاحتيال والكذب لأن للمهرجانات شروطها وقواعدها.

وتساءل الجوهري: أي شروط تلك التي تريد فرضها على الراغبين في اقامة مهرجانات صغيرة؟ فقلت إنه كما أن للعرض السينمائي شروطا علمية وموضوعية لا يجب التفريط فيها بدعوى أن شيئا خير من لاشيء، تماما هي المهرجانات السينمائية الدولية التي لها مقاييس ومعايير وشروط محددة ليس من الصواب الالتفاف حولها وتدمير الفكرة نفسها بدعوى أننا بهذا نخدم الجمهور.
ولماذا لا يكتفي الجمهور بمشاهدة الأفلام ومناقشتها من خلال نوادي السينما مثلا، ولماذا نريد تحويل كل تظاهرة محدودة للعرض الى مناسبة لتوزيع الجوائز وتكريم الممثلات والمخرجين (تحديدا) وعمل قشرة "ثقافية" أو غطاء من الثقافة من خلال ندوة لا يحضرها أحد في النهاية لأن الجميع يكونون مشغولون في الحفلات أو في التسوق!

إذا كانت السينما فن ديمقراطي فلا أعتقد أن هذا المبدأ يعني الركون الى العشوائية والارتجال.

من ناحية أخرى لا أعتقد أن وظيفة المهرجانات تتلخص في "التثقيف" السينمائي للجمهور، ومرة أخرى، فإن هذا التثقيف السينمائي كان يتم عادة من خلال العروض المنظمة والمناقشات التي تدور حول الأفلام، والمطبوعات التي تصدر بشكل دوري، من خلال نوادي السينما، وليس من خلال الشكل الاحتفالي الدعائي المظهري الذي يكتفي عادة باللامع من على السطح، بدلا من تعميق ثقافة سينمائية أخرى، خصوصا إذا غاب الاهتمام بدعم السينما المحلية (الوطنية) من خلال برنامج طموح عملي يكفل تطورها والحفاظ عليها.
المهرجان السينمائي لا يجب أن يكون مجرد سلة لعرض الأفلام، بل منظومة كاملة تكفل تطوير الفن السينمائي نفسه في البلد الذي يقام فيه المهرجان، من خلال العروض فقط والبرنامج الثقافي والسوق السينمائية أيضا.

لكن البعض سيظل يغامر باقامة مهرجانات يصر على منها صفة "الدولية" دون أن يكون لديها أصلا شاشات تصلح للعرض السينمائي. وهي مأساة أكثر منها مغامرة.. أليس كذلك!

الخميس، 13 أكتوبر 2011

قراءة في أفلام مسابقة مهرجان أبو ظبي السينمائي

لقطة من فيلم الافتتاح "مسيو لازهر"


تفتتح مساء اليوم الدورة الخامسة من مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي. ويعرض المهرجان من خلال برنامج حافل متعدد الأقسام على مدى تسعة أيام، عددا كبيرا من الأفلام الطويلة والقصيرة، الروائية والوثائقية، وأفلام الديجيتال.

ولعل ما شجع المهرجان على ذلك الانفتاح الكبير هذا العام وضم كل هذا العدد من الأفلام، هو الإقبال الكبير الذي شهدته الدورتان السابقتان من جانب جمهور أبوظبي، سواء من الوافدين أو المقيمين، من شتى الجنسيات والأعمار.

هذا المقال سيركز أساسا، على أفلام المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة التي تتنافس على الجوائز الرئيسية للمهر جان المعروفة بقيمتها المادية الكبيرة التي لا تضاهيها أي جوائز أخرى في أي مهرجان في العالم.

تضم المسابقة 15 فيلما، بينها أربعة أفلام عربية أو من إخراج مخرجين ينتمون للثقافة العربية، حتى لو كانت تلك الأفلام من الإنتاج الأجنبي، الفرنسي تحديدا.

الملاحظ أن هناك فيلمين منها حصلا على دعم مالي من مؤسسة "سند" التابعة لبرنامج مؤسسة أبوظبي للتراث والثقافة (التي تنظم المهرجان) وهو دور أرى أنه من أهم الأدوار التي يقوم بها مهرجانا أبو ظبي ودبي في دعم الانتاج الجديد من الأفلام العربية التي تتناول القضايا العربية، بدلا من الجري وراء المشاركة في انتاج أفلام أمريكية وكأننا نحل أزمة الانتاج السينمائي الأمريكي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمشاركة في تمويل أفلام تجارية الطابع، من أفلام التسلية الأمريكية الشائعة، إلا لو كان الهدف من التمويل العربي (الخليجي) هو المشاركة في الأرباح المتوقعة، أي بغرض الاستثمار التجاري في صناعة السينما، وهذا موضوع آخر لا علاقة له بالهدف الثقافي ولا يفيد المحيط العربي في شيء

باقي المقال عبر الرابط التالي:

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

نماذج من المحظورات الفنية للقنوات "الوهابية" للشيخ صالح كامل




 
عدم وضع الممثلين سلاسل ذهبية أو غيرها في رقابهم وأيديهم،

منع التدخين بكافة أشكاله،

الحرص على الإحتشام في ملابس النساء،

عدم القسم بغير الله،

عدم إحتضان الممثل للممثلة،

تلافي لقاء ممثل وممثلة على السرير،

منع الرقص بكافة أنواعه،

تلافي تصوير مشاهد البلاج ومنع ظهور ملابس البحر،

تلافي ظهور الخمر وشربها،

التقيد بالملاحظات الواردة على النص،

عدم التعرض للأديان،

عدم التهكم على علماء ورجال الدين،

عدم التعرض للأنظمة السياسية بمختلف أنواعها،

عدم التهكم على العاهات الخلقية،

عدم عرض الجريمة وأساليب التحايل على الجريمة بطريقة تغري على محاكاتها والإعجاب بها،

عدم استخدام الألفاظ النابية والعبارات السوقية والكلمات المبتذلة من ناحية اختيار الألفاظ التي تجرح الشعور أو تخدش الحياء أو ينفر منها الذوق،

عدم التعرض للسحر والشعوذة،

عدم التعرض للأبراج والطوالع والبخوت والتنبؤات،

المحافظة على تماسك الاسرة والروابط الاسرية والإحترام المتبادل بين الزوج وزوجته، بين الآباء والأبناء،

عدم الإساءة إلى رجال السلطة والأمن،

منع غناء السيدات،

عدم إستخدام الأغاني كخلفية والأفضل إستخدام موسيقى الأغاني،



محظور تصوير صوان العزاء ويقتصر الحداد على زوجة المتوفي فقط،

ممنوع استخدام كلمتي "بابي" و"مامي"،

ممنوع ظهور مشاهد الدماء سواء في جرائم القتل أو الحوادث،

عدم إستخدام كلمتي "المرحوم" و"المرحومة"،

يضاف كلمة بإذن الله أو إنشاء الله قبل أي عمل مستقبلي،

الإتكال على الله وحده دون سواه، فيجب عدم استخدام جملة "إتكل على اللع وعليا"، أي من الضروري حذف كلمة "وعليا".

المرض والموت ليس بعيدا عن أي مخلوق فيجب عدم استخدام كلمتي "بعيد عنك" عند ذكر المرض والموت،

عدم استخدام كلمة "ربنا افتكره"، فذلك يعني أن الله كان نسيه والإقتصاد على كلمة "توفي"،

عند تلاقي شاب وشابة أو رجل وإمراة غير متزوجين في أي مكان، فلا بد من وجود شخص ثالث يشترك في الديالوج،

يصرح بتصوير المتزوجين فقط في غرفة النوم، ولكن بدون أن يتجاورا في الفراش". (إلخ...)

من كتاب "تسريب الرمل"، الخطاب السلفي في الفضائيات العربية. نأليف خميس الخياطي. نشر دار سحر. 2006 نوتس


الأربعاء، 5 أكتوبر 2011

أحوال المهرجانات السينمائية في العالم العربي





بقلم: أمير العمري


يبدو أن هناك هذه الأيام حالة "إسهال" مهرجاناتي سينمائي، فنحن نشهد توالد الكثير من التظاهرات التي يطلق عليها أصحابها "مهرجانات سينمائية"، فقد أصبح كل مغامر يمكنه جمع سلة من الأفلام ودعوة خمسة أو ستة من الصحفيين المعروفين بأنهم ممن يأكلون ويشربون على كل الموائد، مقابل كتابة تقارير وتحقيقات وأخبار، معظمها له رائحة رديئة، هذا المغامر الفرد أصبح من السهل جدا أن يفاجئنا بالاعلان يوما بعد يوم، عن مولد مهرجان سينمائي، سواء في أقاصي الشمال أو أقصي الجنوب.

أصبح الهدف الأساسي من هذا الاسهال (وهو حالة مرضية خطيرة تقتضي العلاج الناجع السريع) أي التلهف المرضي على اقامة مهرجانات سينمائية بأي طريقة بل وبكل الطرق فيماعدا الطرق العلمية الصحيحة، ينحصر في تحقيق بعض الربح الذي يذهب الى جيب ذلك المغامر الذي يتولى رئاسة أو إدارة أو نظارة هذا المهرجان الصغير أو ذاك، وأصبح الأمر يقتضي بالضرورة بعض التدقيق، والفرز والتشخيص حتى لا ينتشر المرض أكثر مما انتشر، أو يصيب المهرجانات التي نجحت في ترسيخ أقدامها في العالم العربي بتقاليد الجيدة.

ولعل من الغريب، الذي لم أفهمه بل لم أكن أتصوره، هو تهافت الكثير من المخرجين والممثلات والممثلين، على الذهاب الى أي مهرجان يقدم لهم دعوة، أو يقول لهم إنه سيجري تكريمهم أومنحهم شهادة ورقية حتى لو كانت من الأخ "أبو الليل" أو "أبو الدهب" (من شخصيات المجرمين المحترفين في الأفلام المصرية القديمة!) بل وحتى لو كان المهرجان يقام في بلدة بدائية (أو مدينة مكتظة بالسكان) تعاني من قلة مياه الشرب النقية مثلا، أو من الانتشار المخيف للبعوض، وانعدام الأمن كما تعاني من البؤس الواضح بين السكان، دون أدنى اعتبار للحساسيات بل والاحتكاكات التي قد تنشأ جراء ذلك التلاحم غير الصحي بين نجوم لامعة، وبؤساء يتضورون، وهو ما يمكن أن ينتج عنه وقوع الكثير من السرقات والاعتداءات مما شاهدته وتعرضت له شخصيا أكثر من مرة، في أكثر من مكان!

يروي بعض الأصدقاء الذين ارتبكوا فيما مضى خطيئة الذهاب الى مهرجان سيء السمعة يدعى مهرجان وهران، أنهم كانوا يجدون صعوبة شديدة في التجول في المدينة أو حتى مجرد مغادرة بوابة الفندق، بسبب انتشار عدد كبير من اللصوص وخاطفي حقائب اليد وأجهزة التليفون المحمول وغيرهم من المتشردين وأرباب السوابق. وكان التجول ليلا في المدينة يتطلب وجود كتيبة مسلحة من الامن لحماية الضيوف بسبب استهداف المهرجان نفسه من قبل جماعات الارهاب باسم الدين. وقد انتهى مهرجان وهران، الذي اعتبر من المهرجانات سيئة السمعة الى مصيره المعروف، بأن قاطعه معظم السينمائيين والنقاد المحترمين.

غير أن هذا التهافت من جانب ما يسمى بـ"الفنانين" هو الذي يغري عاما بعد عام، الكثير من المغامرين الذين يمكنهم عن طريق تدبير بعض المال بالاعلان عن تنظيم مهرجانات لا قيمة لها ولا تاريخ وسرعان ما تذهب طي النسيان مهما حاول القائمون عليها من لفت الانظار.
هذه المهرجانات- تجاوزا- يقيمها أشخاص لا تربطهم بالسينما أدنى علاقة، اكتشفوا لتوهم أن هذه "البدعة" يمكن أن توفر لهم مبلغا لا بأس به من المال الى جانب ما تجلبه من دعاية وشهرة اعلامية بفضل أكلة الطيور واللحوم وأشياء أخرى من صحفيي الدرجة الثالثة في الصفحات الفنية، وهم على أي حال، حفنة لا تتجاوز عادة أصابع اليد الواحدة، ينتقلون من مهرجان الى ملتقى، ومن تظاهرة الى جنازة والعياذ بالله.
ليست كل المهرجانات او التظاهرات الصغيرة التي تقام هنا وهناك، في الغرب أو في الشرق، من هذا النوع الذي وصفناه، بل هناك بكل تأكيد تظاهرات محترمة فيها الكثير من الجهد والجد والاخلاص. وهي تعتمد أساسيا على جهود مجموعات من الشباب الذي يحب السينما بالفعل ويرغب في التعلم والاستفادة والتقريب بين الثقافات.
 
محاولة يائسة

مهرجان الاسكندرية السينمائي الذي سيقام لمدة 5 أيام فقط، ليس سوى محاولة يائسة محكوم عليها بالفشل، لإنقاذ سمعة هذا المهرجان التي وصلت الى الحضيض بفضل ممارسات ممدوح الليثي، رئيسه وربيبه، حتى لو لم يكن رئيسه هذا العام بعد أن أوكل مهمة تنظيمه الى الصحفي نادر عدلي الذي يبدو متحمسا لاقامته بأي ثمن، ممدوح الليثي، المتشبث بمعقله الأخير يستحق أيضا أن تصله رياح الثورة والتغيير وتخلعه ويتولى شباب جمعية كتاب ونقاد السينما تطهير هذه الجميعة من أذناب النظام السابق، ويجعلون منها جمعية ثقافية حقيقية وليست ديكورا لكل الممارسات السيئة، وستارا يدير من ورائه الليثي وغيره، مصالحهم في الدروب الخانقة السوداء للبيروقراطية المصرية. وليتهم يتمكنون أيضا من فتح ملفات العلاقة بين تلك الجمعية (أو الذين كانوا قائمين عليها من الحرس القديم) وبين أجهزة الأمن في مصر.

ممدوح الليثي

 
كان مهرجان الاسكندرية قد جرب أكبر عدد من الذين تولوا ادارة مهرجان في تاريخ مصر، من أحمد الحضري الى خيرية البشلاوي الى مصطفى محرم الى ايريس نظمي الى رءوف توفيق، إلى ممدوح الليثي نفسه، بل وأيضا محمد القليوبي الذي قبل تعيينه رئيسا للمهرجان بفرمان من فاروق حسني (وزير الحظيرة) الذي كان قد أعفاه من منصبه قبلها بسنتين فقط بطريقة فظة. والجدير بالذكر أن القليوبي كان من أقطاب جمعية نقاد السينما المصريين التي ناوأت طويلا في السبعينيات جمعية كتاب ونقاد السينما التي أسسها كمال الملاخ بتعليمات من وزير الثقافة وقتذاك في زمن السادات، يوسف السباعي، وكان القليوبي من أشد المنتقدين لمهرجان القاهرة السينمائي وقت تأسيسه كما يتضح من تفاصيل الندوة التي أقامتها جمعية النقاد بعد أول دورة لمهرجان القاهرة، ونشرتها في كتابي "حياة في السينما" وتعتبر شهادة على الكثير من المواقف التي كانت ثم تغيرت اليوم.
مهرجان السينما المصرية المسمى المهرجان القومي الذي كان يقام سنويا في مصر، كان يدار بطريقة العمل من الباطن إلى أن أصبح أخيرا عاجزا عن العثور على من يرضى للمشاركة في فعالياته من السينمائيين المصريين ومن يسمونهم "النجوم". وبقى امر المهرجان حاليا غامضا، فهل تتولاه الدولة أم شلة من المغامرين، أم يتولاه اتحاد السينمائيين؟ الواضح أن لا أحد يشغل نفسه بهذا المهرجان لأنه لا يتمتع بما تتمتع به المهرجانات الدولية من شهرة وأضواء وداعية وبريق إعلامي، والأهم بالطبع، أموال تضخ ويصعب إحصاء أين تذهب تحديدا!

 

من بيروت الى الدوحة

سنعبر في هذا العرض مهرجان بيروت، فهو على ما يبدو، تظاهرة أقرب للمحلية، بل هي تتخذ صفة محددة داخل التركيبة اللبنانية الطائفية، ويبدو أن القائمين أو القائمات عليه، من الفرانكفونيين أساسا، وهي تظاهرة تقام سنويا منذ مدة، دون أن تلفت أنظار أحد خارج المحيط الضيق للشق الذي تقام فيه، وتقدم للجمهور البيروتي سلة من الأفلام العالمية الجيدة جدا بالمناسبة.. حسب البرنامج المنشور، دون أن تهتم كثيرا بالانفتاح على العالم العربي ثقافيا ونقديا وصحفيا واعلاميا، لأن إخواننا في بيروت يكتفون عادة بأنفسهم، لأنهم يعتبرون أنفسهم أصل الاعلام والصحافة والشطارة.. وأشياء أخرى كثيرة!
أما مهرجان الدوحة الذي اشترى له اسم مهرجان "تريبكا" مقابل 15 مليون دولار دفعت نقدا لروبرت دي نيرو شخصيا، وعشرات الملايين الأخرى لصندوق المهرجان الأمريكي، فهو مهرجان صغير في حجمه وعدد أفلامه وضيوفه رغم أنه المهرجان الأكبر على الساحة العربية كلها من حيث الميزانية التي تقدرها بعض الأوساط بـ50 مليون دولار، ينفق معظمها بسخاء على استقدام ضيوف من النجوم من العرب، ومن العجم، لحفل الافتتاح، علما بأن المهرجان يستغرق أربعة أيام فقط!
شراء اسم تريبكا يذكرنا بالمطاعم التي تشتري اسم مطاعم ماكدونالدز الأمريكية في بعض العواصم العربية والتي يديرها هنود، وهي قد اشترت "الماركة" دون النكهة، فالمهرجان القطري يعتبر نفسه جزءا من العالم الأمريكي وليس العربي، وإن كان يتظاهر أمام الأمريكان بأنه يخدم السينما العربية فيتفق مع مخرج معين سنويا على منحه جائزة أحسن فيلم عربي (أو شرق أوسطي حسب التسمية التي باتت معتمدة حاليا) على أن يعرض فيلمه هناك عرضا عالميا أول، ولا يشترط بالطبع أن يكون الفيلم نفسه جيدا فمن الذي يهتم بالجودة، في حين أن معظم المسؤولين في القوة الضاربة للمهرجان وعلى رأسهم مديرته المسؤولة، من الغربيين الذين لا يعرفون كلمة واحدة من اللغة العربية، ولا يحترمون الثقافة العربية بل لا يعدو أمر المهرجان بالنسبة لهم سوى "هبرة" كبيرة، يخشون أن يراهم أحد وهم يقومون بـ"تقسيمها" فيما بينهم، ويكنون كل الاحتقار للعرب وللسينما العربية!

الغريب أيضا أنه رغم الميزانية الضخمة للمهرجان الا ان طريقة العمل تبدو وكأنا تدار على طريقة الهواة، وتسند المناصب الادارية في الى بعض الأفراد بطرق تدعو للتساؤل.

دمشق والقاهرة

لحسن الحظ أعلن القائمون على مهرجان دمشق السينمائي تعليقه هذا العام (حتى لا يقولون وقفه) بسبب ما تشهده سورية من أحداث دموية يروح ضحيتها يوميا عشرات الأشخاص، وذلك لكي تتجنب السلطات- على ما يبدو- الاضطرار الى حماية ضيوفه بالدبابات.. أو يخصص الجيش السوري "الباسل" الذي يقصف المتظاهرين المسالمين بالأسلحة الثقيلة، دبابة لحراسة كل ضيف. وكنت فقط أود أن أتخيل كيف يمكن أن يسير الضيف في شوارع دمشق تلاحقه دبابة كبيرة تستدير معه وتتابعه داخل الحواري والأزقة في حي باب توما، تتجه ماسورتها الطويلة تدريجيا الى جدران المنازل وقد تفلت منها عدة قذائف فتزيل صفوفا من المنازل من على وجه الأرض.. حتى يمر الضيف من غير مشكلة، على طريقة الكرم الشامي المعهود. وكنت أتخيل كيف يمكن أن يتعامل مخرج مثل إيليا سليمان، مع هذا المشهد الذي سيبدو بكل تأكيد أكثر سيريالية من تعامل دبابات الاحتلال الإسرائيلي مع الفلسطينيين في القدس مثلا!
مهرجان القاهرة السينمائي أيضا توقف بسبب الصخب الدائر في الشارع المصري وبسبب افلاس الدولة وفشلها فشلا تاما في ادارة مهرجان أثبت فساده بجدارة عبر 35 سنة، والآن أصبحوا يبحثون له عن "محلل".. ويقال ان العطاء رسا على مجموعة منبثقة من داخل الادارة القديمة بعد أن نجحت في التخلص من المرأة الحديدية بعد ان سقط الغطاء الذي كان يحميها والذيكان يتمثل في زوجة الرئيس المخلوع حسني مبارك!

مراكش والصايل

نصل الى مهرجان مراكش الدولي، أي مهرجان الرفيق نور الدين الصايل الذي كان شيوعيا ثم تحول الى انتهازي في خدمة السلطة التي كان يعارضها. وقد صنع الصايل لنفسه أرضية في المغرب عن طريق هيمنته على شبكة نوادي السينما وقت أن كانت هذه النوادي نشيطة في المغرب قبل أن يستدير ليبحث لنفسه عن فرصة هنا وفرصة هناك، يستثمر بها علاقاته، تماما كما فعل بعض فرسان نوادي السينما في مصر الذين اكتشف بعضهم (مؤخرا أو متأخرا) أنهم في حاج شرسة إلى أكبر كم من المال بأي طريقة وبكل طريقة، واعتبروا أن المال وحده هو أهم ما في الحياة حتى لو جاء على حساب كل القيم والمباديء التي كانوا يبشروننا بها في الماضي.
التكوين الثقافي الأساسي لنور الدين الصايل فرنسي، وقد ظل دائما متفرنسا، وكان في الستينيات متمركسا (عندما كانت الرطانة الماركسية في تلك الفترة "موضة" تلفت الأنظار في مقاهي وصالونات الشانزليزيه)، وكان يقدم في منتصف الثمانينيات، برنامجا سينمائيا في التليفزيون قبل أن يرحل للعمل في أحضان "ماما فرنسا"، وقد عاد منذ سنوات طويلة الى المغرب وتولى رئاسة القناة الثانية المغربية في التليفزيون، ولكنه خرج منها بعد سلسلة فضائح نشرت تفاصيلها الصحف المغربية. لكن الصايل نجح في الانتقال من التليفزيون الى رئاسة المركز السينمائي المغربي، ونجح في زيادة عدد الأفلام المغربية التي تنتج سنويا بسبب حماس الملك محمد السادس وحبه للسينما وتشجيعه لها، لكن نوعية ما ينتجه المركز من أفلام (ومعظمها من التمويل الفرنسي أو الانتاج المشترك مع فرنسا)، تتعرض للهجوم الشديد من جانب كثير من النقاد المغاربة بالاضافة الى فشل المركز في خلق أي كيانات حقيقية داخل المغرب في التصوير والمونتاج والصوت والعمليات الاستكمالية السينمائية عموما، ومازال المغرب يعتمد في كل تلك العمليات على التقنيين الفرنسيين والمعامل الفرنسية.
نور الدين الصايل
 نور الدين الصايل يسير على درب كل المثقفين العرب الانتهازيين الذين عرفناهم ومروا علينا منذ السبعينيات، أي منذ أن دخلنا الوسط الثقافي ثم احتككنا بهذه الأوساط في العالم العربي في الثمانينيات. وهو يجيد الاغداق على من يدينون له بالولاء الشخصي، ويحارب بكل ضراوة من يمتنعون عن الركوع والسجود لشخصه المغرق في نرجسيته. وقد نجح في استغلال منصبه كمدير للمركز السينمائي المغربي، في الهيمنة على كل المهرجانات السينمائية في المغرب باستثناء مهرجان تطوان ومهرجان آخر أو ملتقى يحاولان بشق الأنفس التواجد وسط حرب ضروس يخوضها ضدهم الصايل وأتباعه. وكانت المجموعة المنظمة لمهرجان تطوان قد تمردت عليه من البداية ورفضت تدخله وهيمنته. علما بأنه أيضا الذي يتدخل في تعيين مديري المهرجانات المحلية الأخرى مثل الرباط وخريبكة وطنجة وغيرها، كما يتدخل في تحديد كل صغيرة وكبيرة في مسار معظم المهرجانات التي تقام في المغرب، ويلوح بالعصا والجزرة للمخرجين المغاربة بعد أن سيطر على الدعم المالي لأفلامهم، فأصبح بوسع أن يمنح ويمنع.
والصايل لا يكتب النقد السينمائي كما يتصور البعض أو يشيع، فليست له سوى حفنة ضئيلة من المقالات المنشورة باللغة الوطنية، أي لغة بلاده، ولكن هناك بعض الكتابات القديمة جدا منشورة باللغة الفرنسية. وهو أساسا ناقد "شفوي" أكثر منه كاتب حقيقي يملك القدرة على الكتابة والتحليل باللغة العربية، رغم أنه يتحدث بها بطلاقة أي ثرثار يلوك الكلمات ويتلاعب بها حسب الطلب، وحسب المقام!
مهرجان "الرفيق" نور الدين الصايل مهرجان أورو- أمريكي، ينظر باستعلاء وتعال الى العالم العربي والسينما العربية، لكن لابد له من واجهة "عربية" محدودة حتى لا يحظى باحتقار الأوساط السينمائية الأوروبية التي تحتقر وتزدري كثيرا بالمناسبة، كل الذين ينكرون أو يتنكرون لثقافتهم، أو يسعون بحماس إلى الاندماج في الثقافة الأوروبية بعد ان يخلعوا جلودهم وأصولهم وأرديتهم القديمة ويتخلون طواعية عن جذورهم الثقافية، ويتخذون لغة المستعمر السابق لغة لهم، يحتقرون كل من لا يجيدها أو يتحدثها.
هنا يمكن للصايل أن يستعين ببعض الأفلام من مصر أو سورية، ويمكنه أيضا أن يعرض الأفلام التي أنتجها هو في المغرب عن طريق المركز السينمائي المغربي الذي يجثم الصايل على أنفاسه منذ سنوات!
وتبلغ ميزانية المهرجان المعلنة 16 مليون دولار، بالاضافة الى ملايين أخرى عديدة مخصصة للحفلات وليالي ألف ليلة وليلة التي تقام في قصور خاصة، لا يحضرها سوى نخبة النخبة، من كبار النجوم، حيث تتم استضافتهم على حفلات العشاء، أو يتم تقديم الهدايا القيمة لهم.


مهرجانان في الإمارات


يبقى أمامنا مهرجان أبو ظبي ومهرجان دبي. وهما مهرجانان يقامان في دولة واحدة هي الامارات، لكنهما يتميزان أيضا بالتنافس الشديد فيما بينهما، ليس فقط للحصول على أفضل الأفلام وأهمها وخصوصا الأفلام العربية الجديدة، بل والأهم كثيرا في رأيي، يتنافسان على تقديم دعم متميز للأفلام الجديدة التي تنتج بشكل مستقل، في العالم العربي. وهو ما يجعل المهرجان مؤسسة قائمة، تتفاعل بشكل حقيقي مع محيطها العربي، وتخلق ساحة جيدة وجادة لاستثمار الأموال في بناء سينما المستقبل.
ولكن من الضروري أن يدقق المسؤولون عن هذه المؤسسات الداعمة، مثل "سند" التابعة لمهرجان أبو ظبي، و"إنجاز" التابعة لمهرجان دبي، في تعيين أعضاء لجان الاختيار والترشيح بحيث تكتسب مصداقية حقيقية وتضمن أن تكون بعيدة كل البعد عن التحيز والمجاملات، وبشرط ضمان جودة العمل الذي يحصل على الدعم وليس مجرد تنويع الجنسيات.
حديثنا هنا انحصر في المهرجانات الأساسية في العالم العربي، أما تلك التظاهرات الهامشية التي يقيمها المغامرون في الشمال الأوروبي أو في هوامش العالم العربي، بغرض لفت الأنظار وتحقيق بعض المكاسب المادية المحدودة، فهي لا تستحق أصلا، إنفاق الوقت والجهد، ونظن أنها ستذهب سريعا أدراج الرياح.
تذكرت الآن فقط أنني لم أنتبه لوجود مهرجان يعد والأقدم والأعرق في العالم العربي وهو مهرجان قرطاج، والسبب أن مهرجان قرطاج نفس نسى نفسه، أو عجز عن الخروج من شكل المهرجان الفرانكفوني الخاضع تماما للسطة البيروقراطية للدولة، تماما مثلما كان مهرجان القاهرة، وقد هبط في تنظيمه وبرنامجه وطريقة العمل به الى الحضيض.. ولذا فقدت شخصيا أي اهتمام به وأصبح في رأيي، يحتاج الآن الى ثورة ترفع شعار من نوع "الشعب يريد اسقاط البيروقراطية في مهرجان قرطاج" مرة واحدة، وإلى الأبد!
مهرجان قرطاج في حاجة الى مراجعة جذرية، واعادة نظر في تكوينه وأهدافه وأول من ينبغي عمله أو البدء فيه جديا، هو تحويل الى حدث سنوي وليس كل سنتين فهذا النوع من المهرجانات السينمائية يكاد يكون قد انقرض من العالم حاليا.

الأحد، 2 أكتوبر 2011

تعليق من المخرج أحمد عبد الله على ملف المهرجانات.. وتعقيب


أحمد عبد الله



وصلتني رسالة من المخرج الأستاذ أحمد عبد الله (مخرج هلوبوليس وميكروفون) تعليقا على المقال الأول المنشور هنا من ملف المهرجانات السينمائية الذي آثرت نشره في مدونتي الخاصة، وليس في أي صحيفة مصرية رغم وجود من يرحب بنشره، ولا في الموقع الذي أتولى رئاسة تحريره "عين على السينما"، لأن المقال مكتوب بطريقة صريحة مباشرة دون أي صياغة متحفظة أو ديباجة رسمية تراعي دائما "التجهيل" أي عدم ذكر الأسماء في المجلات والصحف السيارة، بل بلغة متحررة هي أنسب ما تصلح للمدونات الشخصية.

هنا ما كتبه في رسالته:

العزيز الأستاذ أمير العمري.

اسمح لي أن أعلق لديك هنا للمرة الأولي ليس بصفتي مخرجا طالما استفدت ولازت استفيد من مساحة الرأي بهذه المدونة، و لكن هذه المرة بصفتي كعضو في مجلس إدارة المركز القومي للسينما.. ذلك المجلس الذي أحزنني وصفك إيانا بـ "الكهنة".. و ارتأيت إحقاقا للحق أن أطرح رؤية "من الداخل" ، ليس دفاعا، بقدر ما هو عرض للوضع ورغبة في طرح الأمورعلي الثقات لمناقشتها أملا في منتهى أفضل اعرف إخلاص نيتك في الصيرورة إليه.

ولأختصر اسمح لي توضيح بضع نقاط:

1- هذا المجلس مكون من يسري نصر الله، و مجدي أحمد علي، كاملة أبو ذكري، وممثل من غرفة صناعة السينما وممثل من النقابة وممثل للشؤون القانونية ورئيس المجلس بصفته وأنا، فضلا عن عضوين استقالا مؤخرا لاسباب شخصية وعملية بحتة لا ترتبط بالمركز لا من قريب و لا من بعيد هما أ. سمير فريد، و الصديقة ماريان خوري.

2- المجلس مكون من ٩ أفراد، د. خالد عبد الجليل هو صوت واحد فقط ، ولا يجوز له بأي حال من الأحول تمرير أي قرار أو مقترح بدون موافقة الاصوات، لم و لن يحدث ذلك .. بل وأضع شرفي المهني والاخلاقي على هذا المحك في هذا الصدد. والحق أن دور د. خالد لا يتجاوز مهامه التنفيذية الإدارية، وإنما سائر القرارات السياسات وإعادة الهيكلة هي قرارات تصويتية تناقش عليها الجميع و تم التصويت الأغلبية عليها، وبالتالي فلا يمكن إحالة المشكلات الي قد تطرأ لوجود فرد واحد أيا كان.

3- جميعنا آثرنا العمل تطوعا بلا أي أجر أو مقابل، على حساب مشاريعنا الخاصة وأملا في أن نساهم ولو بجزء بسيط في تطوير الوضع الذي ذكرت أنت صادقا لأي مدي بلغ فساده، والحق أقول لك أن كوننا أعضاءا في المجلس حرمنا من مميزات كالتقدم لمنحة الدعم - التي يتمناها أي مخرج مستقل في سني يربأ بنفسه عن الدوران في فلك الممولين الأجانب و العرب و هم أسوأ! - و حرمتنا من التقدم بأية مشاريع فنية وسينمائية مع الدولة أو لاي من أقربائنا. وأن نصبح في عضوية أي من الجمعيات الناشئة... لا أقول ذلك من باب المن على الوزارة أو الصناعة، و لكن هذا هو حال الوضع الراهن، وستتعجب ان احصيت لك كم الشباب الذين أتونا بمشاريع تثقيفية آية في الابداع ولا يطلبون أجرا أو مالا إلا ابتغاء تطوير الحال السينمائي المتردي و اثرنا أن نكون جزءا من هذه الروح.

4- بصدد المهرجانات حدث أن وافقنا بالإجماع على رفع يد الدولة عن أدلجة الثقافة والإبداع والتحكم الكلي بهم، وأن يكون دورها تنويري داعم فقط، بعيدة عن رسم منهجيات و ايدولوجيات شكل السينما العام كما عانينا في عصور فائتة - وإن كانت الوزارة ستحتفظ بدورها في مراقبة الجودة ووضع ضوابط لمن أراد اقامة مهرجان سينمائي تحت دعم الوزارة - فقررنا إطلاق يد الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني لإقامة مهرجانات و فعاليات سينمائية، ووضعنا ضوابط لادارة المهرجانات واحتفظنا بحق الدولة في مراقبة الجودة.. فضلا عن أن الدولة لن تتولي دعم أي مهرجان بأكثر من نصف ميزانيته مهما كان.

5- من شروط التقدم لدعم الدولة لاي مهرجان من أية مؤسسة تقليص ميزانيات حفلات الافتتاح و الختام، العمل مع المجتمع المدني والجمعيات في المدينة المزمع اقامة المهرجان فيها والتوجه للجمهور العام، اقامة عروض مفتوحة مجانية للجمهور، عمل بروتوكولات تعاون مع الجامعات والمعاهد الفنية بالمدن المقام بها المهرجان لتحقيق الاستفادة للطلبة والشباب، التأكيد على إقامة الورش مع الجمهور المهتمين، خلق منافذ جديدة تقليدية او غير تقليدية في المدن لعرض الافلام استقطابا لكافة انواع الجمهورو إنهاء ثقافة مهرجانات الفنادق إلي غير رجعة، تقليص عدد المدعوين و التركيز على سينمائيين جادين في شتى مجالات الصناعة و الاستفادة العملية من وجودهم في البلاد بدلا من حصر الأمر النجوم و النجمات و البساط الاحمر و غيرها…

6- طبعا الشروط السابقة هي لمن أراد إقامة مهرجان و الحصول على دعم مالي من المركز بإمكانياتنا المحدودة، لكن من أراد إقامة أي مهرجان على حسابه الخاص أو برعاة من أي مكان أراد فله مطلق الحرية، وغني عن الذكر أن اقامة مهرجان كان أمرا مستحيلا في ظل هيمنة ما عرفت بـ “اللجنة العليا للمهرجانات” التي قمنا بحلها من اول جلسة لنا، قد لمست بنفسي كم الارهاب الذي مارسته هذه اللجنة على سينمائيين شبان أرادوا اقامة مهرجانات صغيرة على حسابهم الخاص واوقفتهم اللجنة تماما إذ أنها كانت تصدر قرارات بمن “يجوز” له إقامة مهرجان من عدمه. كل ذلك انتهى و من حق الجميع العمل الآن.
٧- اي عاقل يتفهم اعتراضك على أشخاص بعينها يتقدمون ضمن جمعية لإقامة مهرجان ما.. و لكننا كمجلس لا سلطة لنا إلا مقارنة المشاريع المقدمة، و المشروعات كجاءتنا من كل حدب و صوب ، و قد آثرنا دراسة كل مشروع على حدة بالتفصيل، بل و اجتمعنا بالمتقدمين مرار سائلين عن كل صغيرة، حتى قررنا بالتصويت اختيار الجمعية الانسب لتولي كل مشروع بناء على مدى كمال وخصوصية مشروع مهرجانها .

 و بالطبع لم يكم من سلطتنا مطالبتهم بحذف اسم او تغيير عضو في جمعيتهم، اللهم إلا السيد ممدوح الليثي الذي رأى أغلبنا (كل بشكل شخصي) ألا نتعاطى معه مطلقا، و لكنه لم يكن اسمه مدرجا كرئيس للمهرجان.. بل رئيس للجمعية التي تقدم الطلب باسمها ليس أكثر.. و الحقيقة فإن جمعيته التي تقيم مهرجان الاسكندرية هذا العام كانت الجهة الوحيدة المتقدمة، و المهرجان ليس تحت إدارته بل بإدارة الناقد أ. عدلي ، و بالتالي لم نرد وقف اجراءات هذا المهرجان الذي كانوا قد بدؤا في العمل منذ شهور فعلا، و الحق على جمعيتهم ان تثور على رئيسها إن أرادوا التغيير، و لكنها ليست قضيتنا كمجلس، خاصة أن الاستاذ عدلي لا غبار على مصداقيته و رغبته في التحسين.

٨- لا زالت هناك جمعيات تتقدم بافكار أخري طموحة كمهرجان للسينما الافريقية، و ماراثون الفيديو، و مدارس السينما في المحافظات، و إعادة الروح لنوادي السينما على يد شباب سينمائيين ناشطين، نحاول بإمكانياتنا المحدودة دعمهم قدر ما نستطيع.

٩- على مستوى شخصي بحت، لا احب تحويل المعركة لمعركة أشخاص، ديناصورات الماضي هم إلى زوال ، و لم يعد في مقدور أحد إيقاف السيل الجارف من الشباب المخلص الراغب في رؤية سينما مصرية افضل، و أؤمن في قرارة قلبي أن ٢٠ تنينا لن يوقفوا شابا واحدا كابراهيم البطوط او آيتن أمين أو هالة لطفي. و لن أبذل جهدا في محاربة التنانين، المعركة هي تمكين الاصوات الجديدة من نيل ما تتمنى و أظننا في الطريق بدعم منكم نتمناه و من الآخرين.

أعتذر عن الإطالة، و لكن حقا اختصرت عشرات التفاصيل و النقاط، اتمنى إن أردتم التعمق قليلا أن نتحادث هاتفيا و لتنشر رأيك الفاصل الذي أظنه سيفيد جميع الأطراف.

تعقيب على الرسالة:

الأخ الصديق أحمد عبد الله. أنت تعلم علم اليقين أنني عندما أكتب فإنني أنسى تماما كل ما يتعلق بالصداقات والعلاقات والمصالح، ولو أنني أدخلت هذه العوامل في اعتباري لما كتبت شيئا، ولكن عندما يتعلق الأمر بالعمل العام فإنني أكتب وأنسى تماما كل هذه العوامل، وهو ما يفقدني الكثير من العلاقات (التي يمكن أن تكون بالمناسبة مفيدة جدا!) والصداقات (لأناس يتمتعون بالنفوذ هنا وهناك) ناهيك عما تجلبه كتابة الحقائق من وجع للدماغ، ومن وشايات وتقولات تافهة وردود من عينة ذلك الرد الذي جاء من طرف (خفي، معروف) يتهمني بالهرب من تحمل المسؤولية، في حين أنني تحملت لأكثر من عقد مسؤولية الناقد الذي لا يسعى للحصول على أي مكسب شخصي بل إنني تركت لهم البلاد وآثرت أن أحتفظ بمسافة للتأمل والتفكير لكي أكتب متخلصا تماما من أي ضغوط مباشرة. ولم أطلب لنفسي دورا سوى دور الناقد الذي أصبح شبه غائب في مصر حاليا بعد أن استحكمت شبكات الفساد والمصالح والتداخل بين الكلمة والرأي، وبين البيزنس، اتساقا مع عصر لم ينقضي بعد، ساد فيه هذا النوع من الفساد. وقد عدت الى مصر للاقامة الدائمة بعد غربة طويلة في بريطانيا، بعد ثورة 25 يناير مستبشرا خيرا بالتغيير القادم لكني صدمت بعد أن وجدت نظاما يدافع، مع ميليشياته، عن بقائه بكل الأسلحة فقررت مقاومة هذا النظام العفن بكل ما أملك الأسلحة أيضا ومهما كلفني الأمر.

أنت تعرف كم أشعر تجاهك بالتقدير والاحترام والود. وأقدر كثيرا مبادرتك.

لكن اسمح لي بعد هذا ان أعقب على رسالتك في هذه النقاط السريعة:

1- جميل جدا أن تنتبه الدولة أو الوزارة أو الوزير أخيرا الى ما كنت أول من نادى به وطالب به لسنوات، أي ترك أمر المهرجانات للمجتمع المدني. ومنذ أن كنت رئيسا لجمعية نقاد السينما المصريين (وهي غير جمعية كتاب ونقاد السينما ورئيسها ممدوح الليثي). وكنت من أكثر من لنتقدوا ما يمكن أن نكلق عليه "فساد المهرجانات في مصر" وكتبت في هذا سلسلة من المقالات نشرتها وكررت ما فيها من أفكار في مناسبات مختلفة، في مواقع عديدة وصحف داخل مصر، كما تحدثت عنها في الاذاعة والتليفزيون، داخل وخارج مصر. ومعروف أن أي سياسات تنشأ عن أفراد، ويتولى تنفيذها أيضا أفراد، ولذا فليس من الممكن أصلا تجنب الحديث عن أشخاص بعينهم بل وبأسمائهم كما فعلت أكثر من مرة، مما أثار علي حنق بعض الأصدقاء الذين تحولوا إلى أعداء لأن ما أكتبه يهدد "مصالحهم" حتى لو اتفق مع قناعاتهم الداخلية كمثقفين (سابقين!).

2- أن تتجه النية الى فتح المجال أمام المجتمع المدني للتعامل مع مهرجانات السينما في مصر، ليس معناه بكل تأكيد، أن يصبح المنطلق العملي لها من داخل المركز القومي للسينما، نفس الجهاز البيروقراطي سيء السمعة (بسبب ارتباطه الطويل بجهات أمنية معروفة والملفات موجودة).. ولا يهم إذا كان السيد خالد عبد الجليل يتحكم في صوت واحد فقط، فخالد عبد الجليل نفسه (وليس هناك أي منطلق شخصي فيما أكتبه فعلاقتي به جيدة) كان يجب أن يذهب مع التغييرات التي أعقبت الثورة المصرية في 25 يناير. فلماذا بقى خالد عبد الجليل في منصبه وهو الذي جاء أصلا عن طريق علاقته بلجنة السياسات سيئة السمعة.

3- النقطة الثانية، مع كل احترامي وتقديري، من الذي اختار هؤلاء الأعضاء الذين تضمهم اللجنة المشرفة المسؤولة، وعلى أي أساس، ومن الذي يقول إن مخرجة مثل كاملة أبو ذكري مثلا (مع كل الاحترام والتبجيل لها كمخرجة متميزة جدا)، يمكنها الحكم على أي شيء يتعلق بالعمل الثقافي العريض في مجال السينما. ومن الذي يقول إن لجنة من هذا النوع يجب أن تقتصر عضويتها فقط على العاملين بالسينما بشكل مباشر، وأين دور المثقفين من شعراء وتشكيليين وأدباء ونقاد وغيرهم؟ ولماذا يحرم مخرج مثلك أو مثل الأخ مجدي أحمد علي، من فرص التقدم للحصول على دعم من الدولة "كعقوبة" على الاشتراك في هذه اللجنة، بينما كان يمكن الاستعانة بعدد من المثقفين الذين يتمتعون بالمصداقية والاحترام من الذين لا يخرجون الأفلام وليسوا مشغولين بالبحث عن التمويل ولا مراجعة السيناريو واعادة كتابته، وأنا في الحقيقة في غاية الدهشة من قبول الصديق الصديق يسري نصر الله، هذا الدور البيروقراطي والذي يتخذ كستار لتمرير بعض الأمور، بحجة أنه سينمائي، وسينمائي كبير. فهذا موضوع، وذلك موضوع آخر مختلف تماما.

4- أليس من الطبيعي أن يبدي المرء اندهاشه عندما يجد أن هناك نية مبيتة لارساء عطاء مهرجان القاهرة السينمائي على نفس المجموعة التي كانت تديره في الماضي (بعد استبدال اسم واحد) والتي كانت تعمل في اطار الدولة الفاشية، والتي فشلت بامكانيات الدولة طوال 35 عاما في اقامة مهرجان يتمع بالمصداقية والاحترام؟ وبغض النظر عن شخص الرئيس الجديد المقترح للمهرجان وهو يوسف شريف رزق الله (وهو أيضا من الأصدقاء القدامي وليس بيني وبينه سوى كل ود وتقدير).. ما الذي يعرفه هؤلاء الذين بادروا في الظلام، دون أي إعلان علني مسبق ودعوة عامة) الى تأسيس جميعة لاقامة المهرجان، أقول ما الذي يعرفونه عن العمل في اطار مؤسسات المجتمع المدني ومعظمهم من العاملين الذين ظلوا طوال عمرهم يعملون في ظل الدولة وبسند من الدولة، ويلمعون في إطار الدولة الرسمية بمن فيهم تلك التي ذهبت الى باريس وقضت عشرات السنين فهي لم تستطع في أي وزقت أن تستغني عن علاقاتها بالأجهزة والمؤسسات الرسمية الفاسدة في مصر!

5- من الذي اختار هؤلاء الأعضاء المحترمين وأسند لهم تلك المهمة، ولماذا لم يتم الأمر مثلا، طبقا لترشيحات من الجمعيات السينمائية كما هو الحال بالنسبة لما يجري حاليا في تشكيل لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة. نعلم بطبيعة الحال أن من اختارهم هو الوزير الحالي (وهو أيضا صديق قديم من زمن النضال!!) الذي قلنا وأكدنا أكثر من مرة أنه من بقايا نظام فاروق حسني أو من موظفيه أو من المنتمين للدولة القديمة التي يجب هدمها تماما واقامة الدولة الجديدة بعد الثورة التي دفع المئات أرواحهم ثمنا لأن تبني مصر دولة جديدة متحررة من القبضة الحديدية الفاشية للأمن ومن يختارهم الأمن ويزكيهم ويأمر بتصعيدهم.. إنني أحيي اسقاطكم للجنة المهرجانات التي كان يتحكم فيها "مثقف" من أكثر المثقفين ارتباطا بالجهات الأمنية في تاريخ مصر الحديث. ولكن ألم يكن من المجدي أيضا أن تعملوا على تحرير المركز القومي للسينما من القابضين عليه طبقا لسياسات قديمة، والدعوة الى تطويره وجعله بالفعل مركزا سينمائي يليق بتاريخ مصر السينمائي بدلا من أن يظل "مقصدا" لكل الباحثين عن "السبوبة"!

6- أليس مما يثير التساؤل والعجب بل والاسترابة أيضا، أن يكون كل القائمين على المهرجانات التي يتم التخطيط لها في الظلام الآن، من الحرس القديم، أي من أولئك الذين تولوا المناصب القيادية في مهرجانات السينما الرسمية في مصر طوال الثلاثين عاما الماضية، ومن الطامعين في امتداد نفوذهم ووجودهم الى الأبد، ألست معي في أنه قد آن الأوان لأن يذهب هؤلاء للراحة في منازلهم، ويتركون المجال لغيرهم للابتكار والتجديد والاستعانة بجيل جديد أيضا. لقد كان كل هؤلاء "في السلطة" في ظل النظام القديم فهل أصبحوا اليوم فجأة أيضا من "المعارضة" التي أسقطت النظام لكي يتولوا مواقع قيادية فيما يتم خلقه الآن من كيانات، سواء مهرجانات للسينما أم غيرها. هل المطلوب بعد الثورة التي قامت في مصر، أن يظل من كانوا في المعارضة، جالسين يعارضون من على المقاهي، في حين يتصدر المشهد إلى يوم الدين: علي أبو شادي ومحمد القليوبي وسمير فريد وممدوح الليثي وخيرية البشلاوي ويوسف شريف .. ويمكنني أن أقدم لك هنا قائمة كاملة تفصيلية بكل ما تولاه كل منهم من مناصب، ومواقع ثقافية وسينمائية، في ظل النظام (القديم- الجديد) في مصر خلال السنوات الثلاثين السابقة!

اعذرني إذا كنت قد أطلت.. دمت لي..

أمير العمري

الخميس، 29 سبتمبر 2011

صراعات ضارية حول مهرجانات السينما في مصر


مجموعة من "الفنانات" في مهرجان القاهرة السينمائي




جماعات تخريب السينما تتشبث بقوة بمقاعدها



بقلم: أمير العمري



عشرات الجماعات والشلل بدأت تعد العدة للاستيلاء على مهرجانات السينما التي كانت تقيمها الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الثقافة وأجهزتها المعروفة بفسادها الذي يزكم الأنوف، وذلك بعد أن أعلنت الوزارة تخليها عن تنظيم المهرجانات وطلبت من "المجتمع المدني" أخذ زمام المبادرة والتقدم بخطط بديلة لإقامة تلك المهرجانات.
جمعيات أهلية تتكون خصيصا الآن من أجل أن ترث مهرجانات وزارة الثقافة، ولكي تستولي على المهرجانات لحساب مجموعة من أصحاب شلل المصالح والمنافع، ويتم هذا كله تحت اشراف خالد عبد الجليل الذي يدير المركز السينمائي الحكومي في مصر، والذي يلعب دور العراب حاليا، بعد أن أصبح له غطاء يتمثل في لجنة من الكهنة وأشباه النقاد، تشرف على عملية "نقل الملكية" كله أيضا حسب المصالح. فلم يتغير شيء في مصر الثورة بعد أن اختطفت الثورة، ووقعت في براثن أزلام النظام السابق من المثقفاتية وخدم السلطة. 

المهرجانات المقصودة هي القاهرة الدولي، والاسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة، والمهرجان السنوي للأفلام المصرية الذي يطلقون عليه ولعا بالألفاظ الضخمة "العسكرية": المهرجان القومي للسينما المصرية، في حين أنه مسابقة محلية لا تشمل حتى كل ما يعرض من الانتاج المصري بل ما يتقدم به المنتجون من أفلام في مسابقة شابتها الكثير من الشكوك خصوصا خلال السنوات الأخيرة!

مهرجان القاهرة السينمائي كانت إدارته دائما تسند الى من لا يستحق ومن لا يقدر لأنه لا يملك (المعرفة والعلم والخبرة) وذلك منذ أن عهد وزير الثقافة الكاتب يوسف السباعي عام 1976 الى الصحفي كمال الملاخ برئاسته من خلال مايسمى بـ"جمعية كتاب ونقاد السينما" التي أسسها الملاخ وأسند رئاستها الفخرية وقتذاك الى السباعي نفسه حتى وفاته عندما اغتيل عام 1978 في قبرص من جانب تنظيم فلسطيني، وقيل أن الاغتيال تم بسبب تأييده السادات في رحلته للقدس ولعقد اتفاق صلح منفرد مع اسرائيل.

سعد الدين وهبة حصل عام 1985 على الضوء الأخضر من الدولة أيضا، بالسيطرة بوضع اليد على المهرجان بعد أن ساءت سمعته وتدهورت سمعة الجمعية التي كانت تديره، حينما انشغلت في حروب داخلية بين أعضائها حول تقسيم المكاسب والمنافع والأموال التي كانت تأتي بسخاء من كثير من الجهات، تحت ستار المهرجان الدولي، وانكشف وقتها أن مهر جان القاهرة ليس سوى ستار لتحقيق مكاسب مادية لأفراد شلة جمعية تبادل المنافع. ولذلك يجب التأكيد على أن ما نقوله هنا نوقش في عشرات الصفحات من صحف الفترة لمن لم يكن قد شب بعد عن الطوق آنذاك، لكي يعود فيبحث قبل أن يتهمنا باطلاق الحديث بشكل مرسل. وقد وصلت الأمور المالية لمهرجان القاهرة في وقت ما، إلى جهات التحقيق في الدولة. لذا عندما أعلن سعد الدين وهبة ضمه الى مظلة كيان وهمي كان قد أسسه، هو ما يسمى بـ"اتحاد الفنانين العرب" (عندما أسمع كلمة فنان أو فنانة في العالم العربي ينتابني إحساس بأننا نتكلم عن راقصات الكباريهات وعلب الليل!!) قوبل الأمر بالترحاب والقبول لأن المعروف عن سعد وهبة أيضا أنه "ابن عمدة" أي أقرب الى شيخ القبيلة الذي يغدق على أبتاعه ورعاياه، لذلك فقد رعى وتبنى عددا من المثقفاتية والصحفيين الذين مازالوا يسبحون بحمده حتى الآن، بل وأشاع حول نفسه أنه مثقف وطني معادي للصهيونية، بسبب رفضه اشتراك اسرائيل في المهرجان (وهو بالمناسبة ليس قراره ولم يكن قراره بل قرار من أجهزة المخابرات، ولو كانت تلك الأجهزة قد أرادت اشتراك اسرائيل لفرضت على سعد وهبة وغيره ارادتها، لكن البعض يستمر في تصديق الأكائيب لأننا أمة من هواة خداع الذات)..

كان مهرجان القاهرة السينمائي يرغب في تحسين سمعته تحت ادارة السيد سعد الدين وهبة الذي كانت كل علاقته بالسينما أنه كتب أربعة سيناريوهات. وكان في الأساس، كاتب مسرحي لاشك في موهبته في الستينيات. ولكن لأنه كان أحد رجال الدولة الناصرية (التي لاتزال قائمة حتى كتابة هذه السطور حاليا، ونقصد تلك الدولة المستبدة التي يهيمن عليها العسكر وأجهزة الأمن، وتوضع فيها الدبابة مباشرة أمام القلم، وتتميز تلك الدولة بازدراء الفكر عموما، والفكر التقدمي بوجه خاص)، أقول لأن سعد وهبة كان أحد رجال تلك الدولة الموثوق بهم (كان قد عمل ضابطا للشرطة ولشرطة السجون أساسا قبل أن يستقيل ويتفرغ للكتابة والصحافة وأشياء أخرى) فقد أسندت إليه أيضا في أواخر الستينيات رئاسة تحرير قسم السينما في مجلة المسرح والسينما التي انفصلت فيما بعد الى مجلتين رأس سعد مجلة السينما. وكان يتعاون معه في خيئة تحريرها صبحي شفيق وأحمد الحضري وأحمد كامل مرسي وسمير فريد ويوسف شريف رزق الله.

سهير عبد القادر


المهم أن المهرجان تحت رئاسة سعد وهبة نجح في الحصول على اعتراف دولي به، وكان قد أصبح أيضا يلقى رواجا في الثمانينيات والتسعينيات مع اقبال الجمهور على مشاهدة بعض أفلامه التي كان يراعى فيها أن تحتوي على أكبر عدد من المناظر المثيرة (أتذكر أن فيلم حدث ذات مرة في أمريكا لسيرجيو ليوني ظل يعرض (بسبب مشاهده الجريئة وليس نتيجة مستواه الفني الممتاز وهو كذلك) أكثر من عشر مرات في دورة 1986 لكي يأتي بأموال وفيرة، وكان ذلك بالطبع قبل انتشار الأفلام عن طريق الانترنت حيث يمكن لأي هاو تنزيلها على جهاز الكومبيوتر المنزلي حاليا أي يقرصنها، ولعل هذا من أسباب الركود الاقتصادي لمهرجان القاهرة تحديدا خلال سنواته الأخيرة، بعد أن صنع شهرته لدى المتفرج العادي الذي يشتري التذاكر، على أساس أنه يغرض أفلام "المناظر" المثيرة وليس كمؤسسة ثقافية سينمائية لديها أهداف تليق بمؤسسة من هذا النوع!
مهرجان القاهرة بعد سعد وهبة تدهور، ولكن ليس بسبب غياب سعد وهبة بل بسبب انصراف الجمهور عنه نتيجة السبب الذي ذكرناه، ونتيجة ما مورس من تخريب ونتيجة الانفراد الإداري التسلطي المطلق للمرأة الحديدية (سهير عبد القادر) التي كان تعمل سكرتيرة لسعد الدين وهبة (تطبع على الآلة الكاتبة) ثم ترقت الى أن أسند اليها في أواخر عهده، منصب نائب رئيس المهرجان، وهو منصب لا وجود له في أي مهرجان سينمائي محترم. في حين ظل منصب المدير الفني غامضا معظم الوقت، مع وجود لجنة عليا للمهرجان يرأسها عادة الوزير تضم عشرات من أسماء المومياوات وعجائز الفرح وأعضاء جمعية المنتفعين بخراب السينما والثقافة السينمائية في مصر.
وعندما نقول خراب الثقافة السينمائية، فنحن لا نلق كلاما مرسلا، بل نتحدث تحديدا عن تخريب نادي سينما القاهرة (ثم جمعية الفيلم وغيرها) الذي كان قد رسخ كمؤسسة ثقافية كبرى قدمت خدمة ثقافية هائلة لأجيال من الشباب عبر أكثر من عشرين عاما، وجاءت جحافل التتار الثقافي لتقضي عليها وسط لامبالاة أولئكط الذين نصبوا من أنفسهم، ومازالوا، أئمة النقد السينمائي والثقافة السينمائية في مصر منذ الخمسينيات حتى الآن!
وفي وقت ما أصبح مهرجان القاهرة السينمائي هدفا أمنيا أيضا، تشرف عليه – من بعيد- أجهزة المخابرات وأمن الدولة- وتستخدمه وسيلة للتجسس على بعض المسؤولين العرب، وتسجيل الصور والأفلام لبعض ضيوفه جريا على عادة تلك الأجهزة منذ أن أطلق خالد الذكر جمال عبد الناصر يدها في كل صغيرة وكبيرة في بر مصر الى أن كادت تنقلب عليه عام 1968 في مؤامرة رفيق دربه المشير عبد الحكيم عامر (الذي كان بالمناسبة أيضا مشغولا بشدة بالفن وأهل الفن، وتزوج سرا من ممثلة تخصصت في أدوار الإغراء وقتذاك كما تزوج مدير مكتبه علي شفيق من المغنية (صاحبة الصوت المتواضع والجسد المثير) مها صبري، وزيجات العسكر من رفاق المشير المنتحر، متعددة لمن يريد أن يبحث عن مغزى تلك العلاقة السرية بين الفن، والسلطة عندما تكون جهولة جاهلة لا تملك مشروعا ثقافيا حقيقيا!
عودة الى الوضع الحالي لمهرجان القاهرة الذي أوقفه الوزير الحالي عماد الدين أبو غازي بدعوى أننا في سنة انتخابات، تمهيدا لاسناده الى مجموعة من المتآمرين من الحرس القديم للمهرجان مع شخص أو اثنين من الذين وفدوا الى حقل الكتابة عن السينما مؤخرا ومن خلال مهرجان واحد كبير هو مهرجان كان السينمائي، يغشونه بحكم صلاتهم الفرانكفونية.
وتضم جماعة التأسيس للاستيلاء على المهرجان سيدة معروفة بإفشالها كل المشاريع التي تتولى إدارتها، سواء في معهد العالم العربي (الذي خرجت منه بفضيحة) أو مشروعها الشخصي في العمل كمندوبة مقاولات لمهرجان كان ترسل إليه فيلما أو فيلمين وتتولى تسفير بعض (الفنانين!!) ثم ينتهي الأمر بفضيحة تشمل أشياء مخجلة أربا بنفسي أن أخوض فيها مثل التحكم في أشياء متدنية مثل توزيع دعوات حفلات العشاء في مهرجان كان، وما إلى ذلك.
وسوف لن أتوقف هنا طويلا أمام خطة هذه المجموعة (وهي لدينا بالتفصيل من الداخل) التي التحقت بها أيضا ناقدة كانت دائما تترجم، وتنسب لنفسها ما تترجمه على أنه من تأليفها وتلحينها، وقد تكلست عبر السنين وأصبحت مليئة بالشر والأحقاد بسبب السعي المباشر للتواجد في بؤرة العمل الثقافي الرسمي داخل حظيرة الوزير الغابر فاروق حسني.

وزير الثقافة الجديد عماد أبو غازي

ويبقى صديقنا الذي تأخر كثيرا دوره كرئيس للمهرجان، عندما اضطر للعمل لعشرين سنة أو أكثر، تحت سطوة المرأة الحديدية، لكن مشكلة هذا الرجل الذي نحترم دوره القديم في حقل الثقافة السينمائية، أن سياسته قد اختبرت بالفعل سواء في اختياراته الفنية للمهرجان أو في استخدام علاقاته الواسعة أو حتى قدرته التنظيمية رغم اعترافنا بالتدخل الشائن من قبل المرأة الحديدة، وقد قدم تصوره على أرض الواقع بالفعل، وآن الأوان حاليا أن يتخلى عن هذه المسؤولية لغيره من جيل آخر، كما أنه ارتبط بمجموعة معينة يبدو لنا حاليا، أنه لا يمكنه الخروج من تحت معطفها، فقد أعلنت هذه المجموعة تأييدها له في رئاسة المهرجان، مقابل الحصول على منافع متعددة، بل انهم ابتكروا أيضا منصبا غامضا هو منصب الأمين العام للمهرجان أسندوه الى صاحبنا الذي نقول عنه أنه وفد مؤخرا الى حقل الكتابة (بالفرنسية) عن السينما، ولا خبرة له من أي نوع بالمهرجانات وتنظيمها وفنونها. هو باختصار، رجل طيب، وكما يقال باللبناني (هذا رجل طيب.. نزوجه ابنتنا ولكن لا نعطيه مصارينا (أي أموالنا)!!
نحن في ثورة ولكن البعض لا يريد أن يعترف بهذه الحقيقة بل يريد الابقاء على كل ما كان، مع تغيير في المقاعد فقط، أي نحن نشاهد في الحقيقة لعبة كراسي موسيقية يتسابق فيها نفس الأشخاص الذين حفظنا طريقتهم، والذين عملوا في الماضي ضمن مؤسسة الدولة ولا يعرفون غيرها، يرغبون اليوم في العمل ضمن مؤسسات المجتمع المدني دون أن يعرفوا آلياتها بل غالبا سيفسدونها كما أفسدوا الدولة!
أما رئيس جمعية نقاد وكتاب السينما ممدوح الليثي الذي لا يريد أن يعتزل العمل السينمائي بعد أن أصبح عالة على أجهزة الإعلام بسبب عدم قدرته على الحديث بشكل صحيح، نتيجة اضطراب واضح في التفكير ربما بسبب تقدمه في السن أو بعض الأمراض التي أصيب بها وقد تكون أثرت على شرايين المخ، وأصابته بتصلب في الشرايين، فهو يصر على استعادة مهرجان القاهرة الى جمعية نقاد وكتاب السينما التي يرأسها دون أن يبدو في الأفق أن أيا من شبابها المثقف مثل الدكتور وليد سيف، سينجح في استعادتها من قبضته الأمنية (كان مثل سعد وهبة ضابط شرطة وله علاقات أمنية جيدة منذ حقبة عبد الناصر).
وبالمناسبة من أعراض هذ المرض أي مرض تصلب الشرايين، التشبث بالفكرة الواحدة أي داء الفكرة الثابتة، وتكرارها بطريقة من يعرف طريقه الى الجحيم ولا يرغب في التراجع أبدا مهما نبهه الآخرون. وقد ظهر مؤخرا على شاشة التليفزيون لكي يؤكد بشكل قاطع أن فيلم "لعبة عادلة" Fair Game هو فيلم صهيوني اسرائيلي معادي للعرب في حين أن أي مشاهد مبتديء يمكنه أن يعرف أن هذا فيلم ليبرالي ينتقد السياسة الأمريكية في العراق.. لكن الحاذق المكير ممدوح الليثي، يعرف ما لا نعرفه رغم اعترافه في البرنامج الذي عرض على شاشة قناة "نايل سينما"، بأنه لم يشاهد الفيلم!!


عزت أبو عوف آخر رئيس لمهرجان القاهرة قبل توقفه


من جهة أخرى هناك أيضا مجموعة ثانية مندمجة في مولد المهرجانات التي يعد لها في مصر تخطط بقيادة علي أبو شادي، الذي نشفق عليه من طموحه ورغبته في التشبث بأهداب السلطة رغم أنها فارقته بعد اختفاء وزيره المعروف بوزير الحظيرة فاروق حسني مع ربيبه حسني مبارك وامرأته، وبعد أن ظل أبو شادي في خدمته لسنوات طويلة، أهداه خلالها الوزير مسؤولية رئاسة كل مهرجانات السينما في مصر فيما عدا مهرجان القاهرة السينمائي، الذي أسنده الوزير الى شخصيات بريئة كل البراءة من ثقافة المهرجانات مثل حسين فهمي (الولد التقيل جدا) والصحفي شريف الشوباشي الذي توقف عن مشاهدة السينما منذ الثمانينيات (غالبا بسبب عدم توفر الوقت لديه لأنه مشغول دائما في الحديث على التليفون مع الفنانات!)، والممثل نصف المعروف عزت أبو عوف المشغول بالخروج من مسلسل تافه للدخول في مسلسل آخر تافه، وكان يكتفي بحضور حفل الافتتاح لإلقاء خطبة عصماء أمام وزير الحظيرة، والختام لالتقاط صور مع النجوم (والفنانات!).
المهم أن علي أبو شادي (المحسوب على فئة الموظفين المجتهدين في وزارة الثقافة) كان فاروق حسني يعتمد عليه بحكم أنه يمتلك أجندة تليفونات دسمة لأرقام الكثير من الفنانين والفنانات في الوسط السينمائي الذين يغرمون بتدليله بـ"ياعلوة" حتى يحصلوا على بعض سكر الوزارة أيام أن كانت الوزارة توزع السكر.. وربما أيضا بعض الزيت!
سقطت وزارة الحظيرة، وجاء وزير جديد من داخل الحظيرة أيضا لا يمكنه أن يتجاوز النظرة الضيقة داخل الحظيرة القديمة قط، فهو مازال يبقي على معظم إن لم يكن كل، من عملوا في حظيرة الوزير الفنان جدا، وخصوصا رئيس المركز (القومي) للسينما.. لاحظ ايضا التفخيم في المنصب والاسم، والأصح بالطبع أن يسمى المركز المصري للسينما. وتحت مكتب الأخ مسؤول القومي للسينما، يجلس علي أبو شادي مستشارا أو بالأحرى، مراقبا عاما لنشاط رئيس المركز القومي، ولكن بعقد "عرفي" مع وزارة الثقافة لأن الأجهزة لا يمكنها أن تتخلى أبدا عمن قدموا لها الخدمات لسنوات وسنوات، مهما قيل من أحاديث تافهة عن انهيار أمن الدولة وأمن الملوخية، فخدم أمن الدولة هم "أهل الثقة" وسيبقون مهما تغير الاسم، وتغيرت العصور.. إنها مصر ياحبيبي!
أبو شادي لا يريد الاعتراف بتأثير الزمن، وهذا جيد بالتأكيد فهو يثبت لنا أن المرء يمكنه تحدي الزمن، ولكن لماذا لا يستثمر أمواله التي كسبها (بعرق جبينه) في تجارة مفيدة، ولماذا يصر على التمسك برئاسة مهرجان الاسماعيلية علما بأنه يهوى الجلوس في القاعة المكيفة بالقرية الاوليمبية بالاسماعيلية، يدلي بالمقابلات الصحفية للصحفيات الفاتنات، ضاربا عرض الحائط بالعروض والمناقشات، فقد أصبح يمل من مشاهدة الأفلام، ولماذا لا يترك المهرجان لرئيس جديد من جيل أكثر شبابا وتطلعا، بل من جيل الثورة تحديدا!
ولكن كيف وعلي أبو شادي لم يتقدم بالاعتذار عن عدم تولي رئاسة مهرجان أفلام الكام، أول مهرجان يقام بعد الثورة المصرية لأفلام شباب الثورة المصورة بكاميرات الديجيتال الرقمية، بل أقبل على رئاسته بجرأة نادرة في حين ان الموقف الصحيح كان يقتضي أن يتولاه شاب من جيل المخرجين الشباب، أي جيل الثورة نفسه خصوصا أنه كان مخصصا لعرض أفلام صورت أثناء الثورة.. لكن لاشك أن الوزير الجديد أبو غازي، يتحمل أيضا المسؤولية، أي مسؤولية اختيار أبو شادي (الذي لا يمكنه أن يقول لا أبدا) وكأنك يابو غازي.. ما غزيت!
في الطريق أيضا استعدادات ومؤامرات صغيرة، تحاك في الظلام، استعدادا للقفز على مهرجانات أخرى، أو تأسيس مهرجانات جديدة سنتولاها بالرعاية في مقالنا القادم.
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger