الاثنين، 17 أكتوبر 2011

هذه المدن الصغيرة ومهرجاناتها الدولية!






مناقشات كثيرة تدور على هامش مهرجان أبو ظبي السينمائي بين السينمائيين والنقاد، وبين النقاد بعضهم بعضا إذا خلص الود طبعا وتراجع "التنمر" والنهم الى الاغتياب والتشويه وأحيانا أيضا، نفخ الذات باستخدام ما لا ينفع من الادعاءات والتشبث بالصغائر، وهو كثير!
 الناقد المغربي الصديق عبد الإله الجوهري استغرق معي في مناقشة طويلة حول المهرجانات التي تقام في أرجاء كثيرة من العالم العربي وخصوصا في المغرب.

هذه المهرجانات كان رأيي، ولايزال، أنها تتوالد وتتكاثر بشكل عشوائي أي غير منظم، وتظهر إلى النور طبقا لرغبة البعض الذين ربما كانوا يحبون السينما حقا لكنهم مغرمون أيضا بالظهور وحب الاستعراض، ولذلك فهم يسعون وراء عدد من النجوم، يريدونهم أن يأتوا الى تلك المهرجانات الصغيرة، يغرونهم بالتكريم والجوائز وما الى ذلك مما أصبح في الحقيقة بمثابة طقوس شبه اسبوعية.

أبديت تحفظي على تلك المهرجانات الصغيرة التي تقام في بلدات أو حتى مدن صغيرة غير مؤهلة بحكم غياب البنية التحتية الصالحة، لإقامة مهرجانات سينمائية "دولية" وضع مائة خط تحت كلمة "دولية"، تنظم مسابقة، وتستضيف لجان تحكيم وتمنح الجوائز.

وكان رأي صديقي الجوهري أنه من حق سكان تلك المدن الصغيرة مشاهدة الأفلام الحديثة، فالسينما حق لكل المواطنين أو هكذا يجب أن تكون، وأنه ليس من حقي أن أصادر على حقهم في المشاهدة والاستمتاع.

قلت إنني أتفق تماما أن من حق الجميع مشاهدة الأفلام، وإن من الممكن لتحقيق هذا الغرض تنظيم تظاهرات للعروض السينمائية، ولكن أن نخدع الناس بأننا نقيم مهرجانا "دوليا" في حين أننا نجمع فقط عددا من اسطوانات الدي في دي (أي الاسطوانات الرقمية المدمجة) وعددا محدودا من الممثلين والمخرجين والصحفيين، ونوهم الجميع بأنه قد أصبح لدينا مهرجان دولي، فهو نوع من الاحتيال والكذب لأن للمهرجانات شروطها وقواعدها.

وتساءل الجوهري: أي شروط تلك التي تريد فرضها على الراغبين في اقامة مهرجانات صغيرة؟ فقلت إنه كما أن للعرض السينمائي شروطا علمية وموضوعية لا يجب التفريط فيها بدعوى أن شيئا خير من لاشيء، تماما هي المهرجانات السينمائية الدولية التي لها مقاييس ومعايير وشروط محددة ليس من الصواب الالتفاف حولها وتدمير الفكرة نفسها بدعوى أننا بهذا نخدم الجمهور.
ولماذا لا يكتفي الجمهور بمشاهدة الأفلام ومناقشتها من خلال نوادي السينما مثلا، ولماذا نريد تحويل كل تظاهرة محدودة للعرض الى مناسبة لتوزيع الجوائز وتكريم الممثلات والمخرجين (تحديدا) وعمل قشرة "ثقافية" أو غطاء من الثقافة من خلال ندوة لا يحضرها أحد في النهاية لأن الجميع يكونون مشغولون في الحفلات أو في التسوق!

إذا كانت السينما فن ديمقراطي فلا أعتقد أن هذا المبدأ يعني الركون الى العشوائية والارتجال.

من ناحية أخرى لا أعتقد أن وظيفة المهرجانات تتلخص في "التثقيف" السينمائي للجمهور، ومرة أخرى، فإن هذا التثقيف السينمائي كان يتم عادة من خلال العروض المنظمة والمناقشات التي تدور حول الأفلام، والمطبوعات التي تصدر بشكل دوري، من خلال نوادي السينما، وليس من خلال الشكل الاحتفالي الدعائي المظهري الذي يكتفي عادة باللامع من على السطح، بدلا من تعميق ثقافة سينمائية أخرى، خصوصا إذا غاب الاهتمام بدعم السينما المحلية (الوطنية) من خلال برنامج طموح عملي يكفل تطورها والحفاظ عليها.
المهرجان السينمائي لا يجب أن يكون مجرد سلة لعرض الأفلام، بل منظومة كاملة تكفل تطوير الفن السينمائي نفسه في البلد الذي يقام فيه المهرجان، من خلال العروض فقط والبرنامج الثقافي والسوق السينمائية أيضا.

لكن البعض سيظل يغامر باقامة مهرجانات يصر على منها صفة "الدولية" دون أن يكون لديها أصلا شاشات تصلح للعرض السينمائي. وهي مأساة أكثر منها مغامرة.. أليس كذلك!

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger