‏إظهار الرسائل ذات التسميات ندوات سينمائية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ندوات سينمائية. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 9 ديسمبر 2009

لقاءات في القاهرة 3

ابراهيم البطوط وأحمد عاطف

مروة عبد الله وناجي فوزي وسامي السيوي

أفكار جديدة في أمسية السينما المستقلة

لقاء السينما المستقلة كان في اتيلييه للفنانين القاهرة يوم الثلاثاء 2 ديسمبر، ذلك اللقاء الذي أعلنت أنه لقاء سنوي، فقد كان الأول من نوعه منذ اللقاء الذي جمعنا في حديقة الاتيلييه في نفس الوقت من العام الماضي.
وكان الحشد الذي حضر مفاجئا لي، فلم تكن هناك إعلانات في الصحف، بل اقتصر الأمر على هذه المدونة. ومع ذلك، جاء كثيرون لا أعرفهم أو لم أكن اعرفهم من قبل، من الشباب، من هواة السينما، ومن محترفيها ومن الراغبين في العمل بالسينما.
وقد استغرق اللقاء ثلاث ساعات كاملة، من السابعة على العاشرة مساء، وشمل عددا من المحارو منها مستقبل السينما المستقلة، والعلاقة بينها وبين النقد، وهل هي علاقة ثقة أم تشكك، وهل الإنتاج يقتضي المغامرة أم التأني، وهل هناك قواعد للسينما المستقلة عليها أن تضعها لنفسها أم أن الأفضل ان تحطم كل القواعد وتدع "مائة زهرة تتفتح".
من السينمائين المستقلين الذين قدموا اسهاماتهم الأولى جاء ابراهيم البطوط مخرج فيلم "عين شمس"، وأحمد رشوان مخرج فيلم "بصرة"، وأحمد عاطف مخرج فيلم "الغابة"، والمخرج التجريبي الطليعي عماد إرنست، واعتذر أحمد عبد الله مخرج فيلم "هليوبوليس" عن عدم الحضور قبل اللقاء بسبب انغماسه في تصوير فيلم جديد في الاسكندرية، بينما قطع ابراهيم البطوط تصويره فيلم آخر جديد هناك لكي يحضر اللقاء كما قال لي.
وحضر معنا كاتب السيناريو سامي السيوي، والدكتور ناجي فوزي الأستاذ بمعهد النقد الفني، والناقد حسين بيومي، ومحمد عبد الفتاح مدير ومؤسس مهرجان السينما المستقلة، وحشد من الزملاء والزميلات، معظمهم من جيل الشباب كما اشرت. وكان هذا مؤشرا على الاهتمام الكبير الذي تجده الفكرة في حد ذاتها، أي فكرة السينما المستقلة: بمعنى الاستقلال عن السينما السائدة، والبحث عن طرق جديدة للإنتاج والتصوير بعيدا عن الطرق التقليدية والوسائل العتيقة والنجوم الذين يفرضهم السوق أكثر من الضرورة الفنية.
قلت إننا نجتمع لكي نرى ما إذا كنا قد أصبحنا اليوم أكثر اقترابا من مفهوم السينما المستقلة وذلك في ضوء ما تحقق بالفعل من أفلام تحت هذه اللافتة، سواء من افلام روائية طويلة او افلام قصيرة عديدة.
أحمد عاطف تحدث مؤكدا أن فيلمه "الغابة" أحد افلام السينما المستقلة وشرح تجربة انتاجه وكيف أنه انتج خارج الاطر التقليدية وبدهوده الخاصة واهتمادا على ما يعرف بسلفة التوزيع (قرض بضمان توزيع الفيلم)، وأن أجور العاملين كانت مؤجلة الدفع، وأنه تقدم بالفيلم إلى مسابقات كثيرة في الخارج، وانه عمل بدون منتج بل انتج فيلمه بنفسه، وأكد في عبارة أثارت الدهشة ان "العمل بدون منتج على الإطلاق أفضل من العمل في وجود منتج، فوجوده فكرة مزعجة جدا حتى لو كان أكثرهم فهما"!
وطالب أحمد بضرروة دعم مثل هذه التجارب من جانب النقاد الذين يجب أن يأخذوا في الاعتبار الظروف الشاقة التي يصنع الفيلم في اطارها رغم اقراره بضرورة التعامل مع الفيلم تعاملا فنيا وعدم التساهل في هذا الجانب.
وأكد عاطف ان الفيلم الطويل هو الذي سيصنع التغيير في السينما وليست الأفلام القصيرة التي ربما يعكس الاقبال على صنعها خوفا من الاقدام على تجربة صنع أفلام طويلة.

أحمد عاطف

مشروع ومغامرة
تحدث ابراهيم البطوط عن مشروعه الجديد وقال إنه بدأ في تصوير فيلم بدون ميزانية على الإطلاق، وبدون سيناريو نهائي، وأنه حدد فترة زمنية للانتهاء نم تصوير الفيلم وانه ملتزم بها، وقال عن العمل يشكل مغامرة قد تنتهي بان ياتي الفيلم نفسه مغايرا للفكرة التي بدأه بها.. وقال إنه يعمل اعتمادا على جهود عدد من ابناء مدينة الاسكندرية سواء من الفنيين او الممثلين، وذلك لكسر احتكار الفنانين القاهريين، والاعتماد على المبادرة الجماعية التطوعية، وأكد انه رغم ادراكه لاحتمالات الفشل القائمة بنسبة كبيرة إلا أنه مصر مع فريق فيلمه، على المضي قدما في التجربة حتى نهايتها، بعد ان ادرك انه يتعين عليه أن يصنع فيلما ىخر دون انتظار لتوفر الظروف المثالية للإقدام على اخراج الفيلم بعد أن تعثر مشروع فيلمه الآخر انتاجيا.

أحمد رشوان جلس على السلم بسبب امتلاء القاعة

عماد إرنست قال إن لديه افلاما قصيرة، ولديه عدد من المشاريع موجودة في الدرج، وليست لديه روح الاندفاع لتحقيق أفلام، وأن من طبعه التأني الشديد، والعمل الطويل على المادة من الناحية الجمالية قبل التصوير. وقال ان موضوعات السينمائيين المستقلين متشابهة بل وأفلامهم تتشابه أيضا في جمالياتها. وأضاف أن موضوعات أفلامه ليست تجارية وأن طريقة عمله لا تناسب الفيلم التجاري أصلا ولا المنتج الذي يود تحقيق مكاسب مباشرة، ودعا إلى ضرورة احترام التباين وتحدث بالتفصيل عن تجربة الملتقى السينمائي الذي نظمه حديثا لعرض ومناقشة الأفلام على مستوى اقرب إلى "ورشة العمل" وليس نادي السينما، والدروس التي خرج بها من التجربة.
وقد تحدثت شقيقة عماد "هناء إرنست" تفصيلا أيضا عن التجربة نفسها، وهي المدير الفني لملتقى الأفلام. وقد طلبت من كل منهما أن يكتبا لهذا الموقع "حياة في السينما" شهادتيهما على التجربة الثرية بغرض توثيقها وتأصيلها وحتى تعم الفائدة.
أحمد رشوان تحدث بانفعال صادق عن ضرورة البحث عن وسيلة للسيطرة على اداة العرض والتوزيع للأفلام المستقلة حيث لا توجد طريقة حاليا لعرضها على نطاق واسع جنبا على جنب مع غيرها من الأفلام. وشدد على أهمية وجود منبر دائم لعرض الأفلام، وضرورة العمل المشترك بين الجميع لتوفير دار عرض صغيرة دائمة.
وتحدث أحمد عاطف عن تجربته مع اللجنة الحكومية التي شكلتها وزارة الثقافة لدعم أفلام الديجيتال وانتقد سلبياتها وقراراتها.

مع عماد ارنست

وطالب حسين بيومي بوجود نقاد مستقلين لنقد السينما المستقلة. وشكا عماد إرنست من عزلة معظم النقاد الموجودين في الساحة عن السينما ورغبتهم في وصول الأفلام إليهم واحجامهم عن المبادرة لحضور العروض التي تنظم لهذه الأفلام، وطالب بضرورة أن يتخلى النقاد القدامى عن جمالياتهم التقليدية اذا أرادوا التعامل مع السينما المستقلة، وان يديروا نقاشا حقيقيا مع السينمائيين "لأن هذا هو ما يصنع التقدم".
الثقافة السينمائية
الناقدة سهام عبد اسلام تحدثت فقارنت بين وضع الثقافة السينمائية في السبعينيات وبينها في الوقت الراهن، واشارت على العلاقة الوثيقة التي كانت قائمة بين السينمائيين والنقاد في اطار مشروع ثقافي عام أشمل ان يشغل الجميع. وكان عماد ارنست قد أشار على ما استخلصه من قراءته لكتاب "حياة في السينما" من وجود علاقة وثيقة بين المخرجين والنقاد في تلك الحقبة.
وأشار رشوان على وجود انعدام ثقة بين المخرجين والنقاد حاليا لأن هناك نظرة تجاهل من جانب الكثير من النقاد للسينما المستقلة، وقال ان مجموعة منهم حاولت الالتحاق بجمعية نقاد السينما المصريين. وطالب رشوان مع الكثير من الحاضرين في الندوة، بضرورة تأسيس كيان دائم في نهاية هذه الندوة، وطالب البعض الآخر ايضا بضرورة ان يصبح هذا اللقاء دوريا وليس سنويا. واتفقت معهم على أن اهم ما يمكن ان يتمخض عنه لقاؤنا اليوم هو أن يصبح هذا اللقاء اسبوعيا فعلا سواء في حضوري أو في غيابي.
رأيت أيضا أن النقاد في مصر خرجوا في السبعينيات من نوادي السينما، ولكنهم اليوم يأتون بالصدفة، من الصحافة ومن الانترنت بدون تأسيس سينمائي حقيقي.
وقدم عصام علي تحليلا شاملا لوضعية الثقافة السينمائية في مصر بين الماضي والحاضر مسلطا الاضواء على تغير الظرف السياسي والاجتماعي والفكري، دون ان يغفل الارهاصات الايجابية التي تتشكل في الواقع.

وقال أحمد عاطف: إننا جميعا في مركب واحد.. وهناك فراغ في السوق يتعين علينا أن نملأه.
وتساءل الدكتور ناجي فوزي عن تعريف السينما المستقلة وأكد على ضرورة الالتزام بمعايير علمية راسخة في التعامل مع الفيلم كمنتج وضرورة وضع حدود بين المحترفين والهواة، وعدم الخلط بين سينما الهواة وبين السينما المستقلة، بينما جاء رد محمد عبد الفتاح فأكد على ضرورة ترك الباب مفتوحا أمام كل التجارب ولو على صعيد "عشوائي" وهو التعبير الذي رفضه أحمد رشوان تماما، بسبب ارتباطه بالفوضى الاجتماعية في الواقع. وأوضح محمد أنه يقصد الحرية الكاملة امام كل التجارب التي ستفرز نفسها بنفسها في النستقبل.
وقال الفنان التشكيلي سعد روماني عن أهم نتائج اللقاء الكشف عن الجوهة غير الخاضعة للمعايير والمقاييس. وطالب بتكسير القيود على الابداع. واقترح أحمد عاطف ضرورة أن يشاهد النقاد الأفلام قبل عرضها وقبل أن ينتهي صنعها تماما، واكد انه لا مانع من تدخل النقاد بالاقتراحات، فيما اعتبر عماد أن الجمهور وحده هة الذي يمكنه أن يحكم على الفيلم.
طرح الكثير من الأفكار المثيرة خلال المناقشة الطويلة الممتدة، وهي أفكار لا يمكن الاحاطة بها جميعا. وبكل اسف لم يتم تسجيل هذه الأمسية، بل ولم يكن لدي الوقت لكي أقوم بتسجيلها على الورق بل اكتفيت ببعض الملاحظات، وها أنا ذا أكتب من الذاكرة بدرجة كبيرة. ولذا فقد طلبت من المتحدثين الأساسيين ضرورة كتابة شهاداتهم واتفقنا على أن يقوموا بارسالها لي على أن تنشر تباعا في هذا الموقع ونفتح بعدها باب المداخلات مع جميع المهتمين. وأنا في انتظار أن يفي أصدقاؤنا بوعدهم.

الأحد، 26 أبريل 2009

واقع الكتابة السينمائية في المغرب

من فيلم "كل ما تريده لولا"


ندوة في طنجة تطرح إشكالية علاقة القلم بالصورة

عبد الله الدامون


لماذا نحب الخيال ونعشق الحكايات؟ ما هي أفضل كتابة سينمائية؟ ما هو موقع المخرج داخل هذه الكتابة؟ ما هو واقع الكتابة السينمائية في المغرب؟ مخرجون منتجون، نقاد، مبدعون يقاربون هذه الأسئلة من خلال ندوة في موضوع «واقع الكتابة السينمائية في المغرب» شارك فيها أيضا الكاتب الأفغاني عتيق رحيمي، وهي ندوة نظمت مؤخرا بمدينة طنجة على هامش معرض الكتاب.
أجمع المشاركون في ندوة «واقع الكتابة السينمائية في المغرب» على أهمية الكتابة السينمائية التي تعتبر الرافد الأساسي لسينما متطورة، غير أنهم اختلفوا في تقييم طبيعة الكتابة ودرجة أهميتها.
شارك مخرجون وكتاب ومنتجون، بينهم الكاتب الأفغاني عتيق رحيمي، في الندوة، التي نظمت بقصر مولاي عبد الحفيظ بطنجة، على هامش المعرض الدولي للكتاب والفنون، وهي ندوة من بين عدة ندوات وموائد مستديرة نظمت على هامش معرض الكتاب وتطرقت إلى المواضيع مختلفة تهم الفنون والثقافة بشكل عام.
وقال محمد نجيب الرفايف (صحافي ومدير بالقناة الثانية)، الذي تكفل بتنسيق الندوة ، إن الفن السينمائي، خلافا لباقي الفنون الإبداعية مثل الكتابة والمسرح والتشكيل، لا يعتبر موجودا إلا عندما يشاهد الناس الفيلم، وهذا مصدر تميز السينما التي تحتاج إلى المال لأنها صناعة.
وقدم، في بداية الندوة، محمد باكريم، ناقد سينمائي ومسؤول في المركز السينمائي المغربي، حصيلة السينما المغربية التي قال إنها تطورت كما وكيفا، وقدر عدد الأفلام الطويلة التي يتم إنتاجها سنويا بما بين 12 و15 فيلما، والأفلام القصيرة في حدود 50 فيلما سنويا.
وقال باكريم إن الإنتاج السينمائي المغربي موجود ويفرض نفسه بقوة، عبر المهرجان الوطني السنوي للسينما المغربية الذي ينظم كل عام في طنجة، بالإضافة إلى مهرجان الأفلام القصيرة في نفس المدينة، وعدّد مظاهر اختلاف وتميز السينما المغربية التي قال إنها تحظى بوجود جيل سينمائي جديد، مشيرا إلى أن نقطة الضعف الكبير للسينما المغربية هي قلة قاعات العرض.
وأشار باكريم إلى ما أسماه «السنوات الصعبة للسينما في المغرب»، وأن هناك «سينمائيين صمدوا خلال تلك الفترة، وهم اليوم يجنون ثمار صمودهم»، مضيفا أن «المغرب يدعم السينما الوطنية بحوالي 6 ملايين أورو في السنة، رغم أنه ليس بلدا بتروليا».
تدخل باكريم وصفه منسق المائدة المستديرة، نجيب الرفايف، بأنه متحمس، على الأقل في نبرته وأرقامه، وأثار أيضا تعليقا ساخرا من جانب المخرج السينمائي أحمد معنوني الذي علق بقوله إن «تفاؤل باكريم يعني أن الإيطاليين، الذين ينتجون أفلاما أقل كل عام، سيهاجرون قريبا إلى المغرب من أجل إنتاج أفلامهم، وأن واقع السينما المغربية لا تعكسه نبرة التفاؤل».
المخرج السينمائي جيلالي فرحاتي، الذي يكتب أفلامه بنفسه، قال إن رؤية المخرج الشخصية أساسية، وأن الكتابة السينمائية لا تنفصل أبدا عن رؤية المخرج. «لنا الحق في التصرف في الكتابة السينمائية ونمضي وقتنا في فعل ذلك، والمخرج له رؤية خاصة في رسم الواقع والشخصيات»، مضيفا أن «السيناريو يكون مقدسا في البداية، ثم تتم التضحية به بعد ذلك تبعا لضرورات كثيرة من بينها المونطاج»، مشيرا إلى أن السينما صنعت أساسا من أجل الذين لا يعرفون القراءة، أو للذين يتكاسلون عن القراءة. وختم فرحاتي تدخله بالقول إن «الواقع في المغرب يفوق الخيال». من جهته، تساءل المخرج أحمد معنوني عما يوجد وراء إنتاج 12 أو 15 فيلما كل سنة. ووصف واقع السينما المغربية بأنها سلسلة غير مكتملة ومليئة بالثقوب». وقال معنوني: «صحيح أنني يمكن أن أرتدي بذلة، لكنها بذلة يمكن أن تكون كلها مثقوبة».
وأشار معنوني إلى أنه لا يتم التركيز كثيرا في المغرب على الكتابة السينمائية، وأعطى مثالا حول فيلمه «ليام آليّام» الذي قال إنه قضى في كتابته سنة كاملة، وتحدث عن فيلم «قلوب محترقة» الذي قال إنه حاول أن يعكس من خلاله نفسه وطفولته، وأيضا مغربيته وتخيلاته.
وتحدث الكاتب الأفغاني عتيق رحيمي، الحاصل على جائزة الغونكور الأدبية في فرنسا، والذي أنتج وأخرج بدوره عدة أفلام تسجيلية، عن أن ولادة السينما كانت سردية، وأن مشهد وصول قطار إلى محطة مثلا يحمل في طياته صيغة حكائية لأن الكتابة السينمائية تولد في الحركة.
وتساءل رحيمي قائلا: لماذا نحب الخيال كثيرا ولماذا نعشق الحكايات؟. وأجاب عن تساؤله بنفسه قائلا: «لكي تصبح الواقعية حقيقة يجب أن نحكيها».
واعتبر رحيمي أن السينما لا ينبغي أن تتجاوز الأدب، بل يجب أن تتجاوب معه، وعلاقة التجاوب لا تحدث فقط بين الأدب والسينما، بل في فنون أخرى مثل التشكيل حيث إن فهم لوحات بيكاسو مثلا تتطلب فهم تاريخ الفن لأن الحركة السردية توجد وراء كل الفنون.
واعترف رحيمي بأنه يستعين شخصيا بكاتب سيناريو من إيران من أجل تحويل النصوص الأدبية إلى نصوص سينمائية لأنه لا يستطيع شخصيا القيام بهذا العمل. واعتبر الكاتب والسينمائي الأفغاني أن المرور من النص الأدبي إلى السينما يتطلب تدمير أشياء كثيرة. في البداية يتم تدمير الرواية لصناعة سيناريو، وبعد ذلك يجب تدمير السيناريو لصناعة فيلم، وأن القضية في عمقها عملية تدمير مستمرة للوصول إلى الصورة، وصولا إلى المونتاج الذي يعتبر عملية كتابة سينمائية جديدة، مضيفا أن «إنتاج فيلم فن يكتب باستمرار».
من جهته، تساءل الناقد السينمائي المغرب حمادي كيروم عن أي سينما نصنع في المغرب، معتبرا أن مدارس السينما تصنع التقنيين في الأساس، وأنه شخصيا حين يتوجه إلى السينما فإنه يتصرف كطفل ويبحث عن الحكاية.
وعبر كيروم عن إعجابه بالفيلم الإيطالي «سارق الدراجات»، وقارن بين نص السيناريو وبين مشاهد الفيلم التي كانت مختلفة عن نص السيناريو، معتبرا أن السينما ليست كتابة في المكان بل في الزمن، وأنها مثل حبة تزرع فتكبر باستمرار.
وجهة نظر المنتجين السينمائيين قدمها صارم الفاسي الفهري، الذي كان وجيزا في تدخله، وأشار إلى أن أفضل الكتابة بالنسبة إليه هي الكتابة الموجودة على شيك بنكي، مضيفا أن المنتجين ينظرون إلى الزمن السينمائي بطريقة مختلفة، يعني أن المخرجين ينظرون إلى المشهد السينمائي كونه من بضع دقائق، بينما ينظر إليه المنتجون ماديا لكونه مشهدا من عدة ملايين.
وأشار الفهري إلى أن اختيار الأعمال السينمائية من طرف منتج تبدأ باختيار سيناريو، وهو سيناريو يمكن تنقيحه بعد ذلك لكي يعجب المنتج والمشاهد معا.
الصورة الصغيرة: نور الدين الصايل مدير المركز السينمائي المغربي
* عن جريدة "المساء" المغربية

الجمعة، 12 ديسمبر 2008

جلسة في القاهرة حول السينما المستقلة

كان هدف اللقاء في أتيلييه القاهرة للفنون مساء الأربعاء 3 ديمسبر مع الأصدقاء من النقاد والسينمائيين والمهتمين من قراء هذه المدونة وأصدقائها يتلخص في المعرفة: معرفة ما هي السينما المستقلة التي يتكلم عنها كثيرون. وهنا كان لابد من الإنصات والتعلم والبحث المشترك عن المعنى والهدف والوسيلة كبداية بالطبع لمناقشات فكرية أكثر عمقا وثراء. ويمكنني القول أنني خرجت من تلك الجلسة التي جمعتني بعدد من أعز الأصدقاء، وعدد آخر من الأصدقاء الجدد الذين لم يسبق لي التشرف بمعرفتهم والذين جاءوا تلبية للدعوة التي وجهتها على هذه المدونة، وأنا أكثر إدراكا لما يدور في عقول السينمائيين الشباب حول السينما المستقلة، وما يدور في عقول المثقفين عن معنى الاستقلالية.
لكن ليس معنى هذا أننا أغلقنا معا الملف، بل لعلنا ساهمنا بقطرة في فتحه وفي تسليط الضوء على المعنى والتعريف، وبدأنا رحلة البحث من أجل المعرفة. ولا أزعم هنا أنني سجلت كل ما قيل في تلك الجلسة الممتعة التي امتدت لأكثر من ثلاث ساعات، بل أسوق فقط ما تمكنت من تسجيله بسرعة وباختصار شديد من ملاحظات قيلت خلال تلك الجلسة، بينما كنت مشغولا أيضا بالانصات والمتابعة وأحيانا بالتدخل والتعليق.


دور التكنولوجيا
كان التساؤل الأولي الذي طرحته عن دور التطور في مجال التكنولوجيا على صناعة الأفلام وعلى وجود هذا التيار الذي أطلق على نفسه السينما المستقلة تحديدا.
المخرج ابراهيم البطوط صاحب فيلمي "إيثاكي" و"عين شمس" اللذين صنعهما بامكانيات محدودة، قال إنه لا يرى أي علاقة بين ما سبق من تراث سينمائي وبين ما هو موجود اليوم عندما يشرع في صنع فيلم جديد فالتكنولوجيا في رأيه غيرت تماما من أشكال التواصل ومن الطريقة التي نستقبل بها الأفلام. وقال إنه لم يعد مضطرا للمرور بسيناريو على الرقابة بل إن أشكال التصوير والعرض الجديدة خلقت نوعا جديدا من المتقلين الذين يفرضون أيضا جماليات جديدة. وضرب ابراهيم مثالا بكيف أصبح بوسع العالم مشاهدة صور إعدام صدام حسين التي تم تصويرها بالموبيل. وقال إن الشخص كان ينتظر لكي يستمع أو يشاهد حفلات أم كلثوم أول كل شهر لم يعد قائما، بل أصبح هناك مشاهد من نوع آخر، ولم يعد يمكن منع عرض الأفلام فهو نوع من الوهم.
الروائية سلوى بكر فاجأتنا فقالت إنها كانت تكتب النقد السينمائي لعدة سنوات عندما كانت تقيم في قبرص وتعمل لإحدى المجلات هناك في الثمانينيات. وهي ترى أن السينما المستقلة مهمة لأنها تتصدى لتيار تزييف الوعي بالحقائق الذي نراه في التليفزيون وأجهزة الإعلام عموما. أما صديقنا مدير تحرير جريدة "الدستور" الصحفي والناقد خالد السرجاني فقد لفت نظرنا إلى ضرورة توخي الحذر في التعامل مع التجارب الجديدة في السينما المستقلة، وعدم الإفراط في التفاؤل بشأنها، فعلى الرغم من إمكانية أن تصدر عنها أفلام جميلة وواضحة المعنى إلا أن من الصعب أن تجد هذه الأفلام طريقها للعرض على الجمهور الذي يجب أن تصل إليه، وإذن فأزمة العرض أمر حقيقي وليس فقط حل مشكلة التصوير أو الإنتاج.
الزميل ضياء حسني اعترض على ما قاله ابراهيم البطوط من نفي تاريخ السينما السابق على التطور التكنولوجي الحالي واستبعاده من الحسبان، وقال إنه لابد من تطور الأفكار حتى يمكننا استخدام الوسيط، وإن التشبع بالكتنولوجيا بدون تاريخ من الأفكار يجعل الأفلام فارغة تماما. وضرب ضياء مثالا بفيلم "نابليون" للمخرج الفرنسي أبيل جانس الذي أخرجه عام 1927 كمثال على تطور الأفكار مع التطور الكتنولوجي وضرورة دراسة مثل هذه التجارب القديمة التي لاتزال تصلح دروسا نتعلم منها.

تعريف المستقلة
الصديق الصحفي محمد فوزي (جريدة الدستور) وهو من المهتمين بالسينما طالبنا بضرورة الخروج من الجلسة بمقترحات محددة تتعلق بتعريف السنيما المستقلة، وحاجة الجمهور إلى معرفة ماهيتها.. أفكارها.. أنماطها.. اهتماماتها.. ما إذا كانت هي الأفضل فنيا، كما طالب بضرورة نشر ثقافة سينمائية جديدة ترتبط بالسينما الجديدة المستقلة والوصول بها إلى الفضائيات، وقال إن من المهم أن يوجد تيار سينمائي مستقل في مصر يغير الواقع ويتصدى للنمط السائد في الإنتاج، ونبدأ في المراهنة على من لديهم نواة صلبة حقيقية وليس على منتجي الأفلام السائدة.
وطالبت سلوى بكر بضرورة بحث سبل وأساليب دعم السينما المستقلة عن طريق دعم وتطوير أشكال النقد المواكبة لها، وقالت إنه لايوجد إبداع في الهواء الطكلق بل إن ظاهرة مثل السينما المستقلة تؤدي للبحث عن أشكال أخرى للتعبير في غير ذلك من المجالات. ولفتت النظر إلى ضرورة أن تتوفر الأفلام المستقلة على نوع من المتعة للجمهور وقالت إن ما شاهدته من أفلام قصيرة لم يكن ممتعا.

بعضنا كان رايه أن السينما المستقلة هي تلك التي تصنع بعيدا عن قيود الإنتاج التقليدي، والبعض الآخر رأى أنها تلك التي تبحث عن أشكال جديدة في التعبير بالضرورة.
خالد السرجاني نبهنا إلى أن أهمية إنتاج سينما عكس التيار قد تتلاقى مع الآخر، وأما صنع فيلم للذهاب به إلى مهرجان سينمائي دولي تحت شعار "الحوار بين الشمال والجنوب" أو اليهود في العالم العربي أو الأقليات فهو موضوع آخر قد يكون قائما في اهتمامات الآخر ولا يمكن أن يكون من أهداف السينما المستقلة.
استغرقنا وقتا طويلا بعد ذلك في محاولة التفكير والبحث عن تعريف مناسب للسنيما المستقلة في مصر تحديدا بحيث نفرق بينها وبين ما أشير إليه في الولايات المتحدة على سبيل المثال. وكان رأي السرجاني أن الأمريكيين المستقلين لا يبتعدون كثيرا في اهتماماتهم عن التيار العريض في السينما الأمريكية بل هم يسعون أصلا إلى النفاذ إليه من خلال استخدام الفيلم المحدود الإمكانيات.
الدكتور ناجي فوزي قال إنه أمر مشروع أن يبدأ السينمائي وعينه على الوصول إلى الإنتاج الكبير أي أن يكون الهدف الانتقال من الأفلام المحدودة التكاليف إلى صنع أفلام كبيرة. وأشار إلى أهمية دور مؤسسات الثقافة السينمائية القائمة في تبني دعوة السينما المستقلة، وقال إنها عجزت حتى الآن عن الترويج للسينما التسجيلية مع أنها موجودة طوال الوقت، وأشار إلى عجز التجمعات الثقافية عن فرض الفيلم التسجيلي منذ ندوة الفيلم المختار التي بدأت قبل أكثر من 50 عاما.. وكان رأيي الشخصي ولايزال، أن العبرة بما يتقدم به السينمائي وما يرغب في تحقيقه فإذا قبلت أي جهة دعم فيلم ما دون أن تطلب أي تنازل من مخرجه ودون أن يكتب صاحب الفيلم مشروعه أصلا ويتقدم به وعينه على أنماط معينة يعتقد أنها سترضي جهات التمويل وتسيل لعابها، فلا تثريب ولا حرج، ولكن المشكلة أن الكثير من السينمائيين العرب تحديدا يتقدمون طواعية بالتنازلات مسبقا للحصول على التمويل. وكان رأيي أيضا أنه لم يعد هناك تمويل من طرف واحد أو سينما "وطنية" تماما مع وجود الأفلام التي تمول من جهات متعددة تشمل عددا من محطات التليفزيون من اليابان وأوروبا ومن الداخل ومن شركات سينمائية وجهات حكومية، وهنا ليس من الممكن القول بتبعية الفيلم المنتج فكريا لجهة ما واحدة محددة بل ربما تتلاقى هذه الأطراف وتتفق دون أي ترتيب، على شكل فني معين طموح تدعمه وتروج له كبديل لما هو سائد ومتخلف.

العامل المشترك
المخرج أحمد رشوان قال إن السينما المستقلة لا تمثل تيارا أو موجة مثل الموجة الجديدة التي كان يجمعها- حسب رأيه- تيار فكري، وأشار إلى غياب المشترك الفكري من أفلام السينما المستقلة في مصر، أما الجامع بينها فهو مجرد الرغبة في التعبير. واتفق مع الرأي القائل بوجود اختلاط في المفاهيم. وأضاف أن التصوير بكاميرا الديجيتال لا يقدم الوصفة السحرية للسينما المستقلة وذكر أن المنتج- الموزع صفوت غطاس وخمسة من المنتجين التقليديين في السوق اشتروا أخيرا كاميرات ديجيتال، فهل ستكون الأفلام التي سينتجها هؤلاء أفلاما مستقلة. وقال رشوان إن الاستقلال ليس ضد الاحتلال بل ضد التبعية أي التبعية للمنتج التاجر. وأشار إلى أن هناك فرقا بين الأفلام التي تصلح للعرض على جمهور عام وتلك التي لا تصلح سوى للعرض على جمهور محدود، وقال إن المشكلة ليست في الدراسة. أي دراسة الجمهور بل في تطوير القدرات الإبداعية. ويرى رشوان أيضا أن معهد السينما يخرج شبانا عيونهم على السوق، في حين تساهم تجارب مثل مدرسة السينما في الجزويت في توفير بديل جيد.
خلال تلك الأمسية استمتعنا أيضا بمداخلات من الصديق الجديد أحمد أبو الفضل وهو طبيب أسنان ومدون لديه مدونة باسم إنكشاريات. وقال أحمد إنه يتابع المدونات السينمائية على شبكة الانترنت وإنه يجد أن ثلاثة أو أربعة منها تقدم خدمة مفيدة وإنه شخصيا تمكن من متابعة الكثير من الأحداث السينمائية من خلالها، ولكنه أشار إلى محدودية جمهور المدونات عموما، وأشار كذلك إلى تجربة قامت بها ساقية الصاوي في مجال عرض الأفلام المجهولة التي يجب أن يلم بها عشاق السينما.
حضرت معنا أيضا الفنانة التشكيلية جيهان جاد التي أبدت حماسا كبيرا للسينما المستقلة وطالبت بوصولها للجمهور وضرورة أن تطور نفسها وآلياتها ولا تقتصر على أن تكون "سينما فقيرة". بالضرورة في مواجهة سينما غنية بالإمكانيات المادية.
كانت الأمسية دون شك، مفيدة لي شخصيا في التعرف على الكثير من الأفكار التي تشغل القريبين من السينما المستقلة في مصر، كما أتاحت لي الفرصة للتعرف على زملاء وزميلات جدد مثل بسمة ياسين الصحفية في جريدة "نهضة مصر" وزينب مصطفى المخرجة بالمركز القومي للسينما وهي فنانة تشكيلية أيضا. وقد تلقيت بعد تلك الأمسية اتصالا هاتفيا من الصحفي الشاب الأستاذ محمد فوزي الذي حضر الجلسة، اقترح علي ضرورة التوصل في مرة قادمة إلى إطار محدد لدعم تيار السينما الجديدة في مصر أو تأسيس كيان ما يجمعنا ويطور أفكارنا. أسعدني كثيرا جدا الحماس، وأتمنى أن نصبح قادرين قريبا، في زيارتي القادمة إلى القاهرة، على الوصول لشئ ملموس في هذا المجال أو على الأقل، في تأصيل ما هو مشترك بيننا، وهذا هو الأهم.. أليس كذلك؟
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger