أفكار جديدة في أمسية السينما المستقلة
وكان الحشد الذي حضر مفاجئا لي، فلم تكن هناك إعلانات في الصحف، بل اقتصر الأمر على هذه المدونة. ومع ذلك، جاء كثيرون لا أعرفهم أو لم أكن اعرفهم من قبل، من الشباب، من هواة السينما، ومن محترفيها ومن الراغبين في العمل بالسينما.
وقد استغرق اللقاء ثلاث ساعات كاملة، من السابعة على العاشرة مساء، وشمل عددا من المحارو منها مستقبل السينما المستقلة، والعلاقة بينها وبين النقد، وهل هي علاقة ثقة أم تشكك، وهل الإنتاج يقتضي المغامرة أم التأني، وهل هناك قواعد للسينما المستقلة عليها أن تضعها لنفسها أم أن الأفضل ان تحطم كل القواعد وتدع "مائة زهرة تتفتح".
من السينمائين المستقلين الذين قدموا اسهاماتهم الأولى جاء ابراهيم البطوط مخرج فيلم "عين شمس"، وأحمد رشوان مخرج فيلم "بصرة"، وأحمد عاطف مخرج فيلم "الغابة"، والمخرج التجريبي الطليعي عماد إرنست، واعتذر أحمد عبد الله مخرج فيلم "هليوبوليس" عن عدم الحضور قبل اللقاء بسبب انغماسه في تصوير فيلم جديد في الاسكندرية، بينما قطع ابراهيم البطوط تصويره فيلم آخر جديد هناك لكي يحضر اللقاء كما قال لي.
وحضر معنا كاتب السيناريو سامي السيوي، والدكتور ناجي فوزي الأستاذ بمعهد النقد الفني، والناقد حسين بيومي، ومحمد عبد الفتاح مدير ومؤسس مهرجان السينما المستقلة، وحشد من الزملاء والزميلات، معظمهم من جيل الشباب كما اشرت. وكان هذا مؤشرا على الاهتمام الكبير الذي تجده الفكرة في حد ذاتها، أي فكرة السينما المستقلة: بمعنى الاستقلال عن السينما السائدة، والبحث عن طرق جديدة للإنتاج والتصوير بعيدا عن الطرق التقليدية والوسائل العتيقة والنجوم الذين يفرضهم السوق أكثر من الضرورة الفنية.
قلت إننا نجتمع لكي نرى ما إذا كنا قد أصبحنا اليوم أكثر اقترابا من مفهوم السينما المستقلة وذلك في ضوء ما تحقق بالفعل من أفلام تحت هذه اللافتة، سواء من افلام روائية طويلة او افلام قصيرة عديدة.
أحمد عاطف تحدث مؤكدا أن فيلمه "الغابة" أحد افلام السينما المستقلة وشرح تجربة انتاجه وكيف أنه انتج خارج الاطر التقليدية وبدهوده الخاصة واهتمادا على ما يعرف بسلفة التوزيع (قرض بضمان توزيع الفيلم)، وأن أجور العاملين كانت مؤجلة الدفع، وأنه تقدم بالفيلم إلى مسابقات كثيرة في الخارج، وانه عمل بدون منتج بل انتج فيلمه بنفسه، وأكد في عبارة أثارت الدهشة ان "العمل بدون منتج على الإطلاق أفضل من العمل في وجود منتج، فوجوده فكرة مزعجة جدا حتى لو كان أكثرهم فهما"!
وطالب أحمد بضرروة دعم مثل هذه التجارب من جانب النقاد الذين يجب أن يأخذوا في الاعتبار الظروف الشاقة التي يصنع الفيلم في اطارها رغم اقراره بضرورة التعامل مع الفيلم تعاملا فنيا وعدم التساهل في هذا الجانب.
وأكد عاطف ان الفيلم الطويل هو الذي سيصنع التغيير في السينما وليست الأفلام القصيرة التي ربما يعكس الاقبال على صنعها خوفا من الاقدام على تجربة صنع أفلام طويلة.
مشروع ومغامرة
تحدث ابراهيم البطوط عن مشروعه الجديد وقال إنه بدأ في تصوير فيلم بدون ميزانية على الإطلاق، وبدون سيناريو نهائي، وأنه حدد فترة زمنية للانتهاء نم تصوير الفيلم وانه ملتزم بها، وقال عن العمل يشكل مغامرة قد تنتهي بان ياتي الفيلم نفسه مغايرا للفكرة التي بدأه بها.. وقال إنه يعمل اعتمادا على جهود عدد من ابناء مدينة الاسكندرية سواء من الفنيين او الممثلين، وذلك لكسر احتكار الفنانين القاهريين، والاعتماد على المبادرة الجماعية التطوعية، وأكد انه رغم ادراكه لاحتمالات الفشل القائمة بنسبة كبيرة إلا أنه مصر مع فريق فيلمه، على المضي قدما في التجربة حتى نهايتها، بعد ان ادرك انه يتعين عليه أن يصنع فيلما ىخر دون انتظار لتوفر الظروف المثالية للإقدام على اخراج الفيلم بعد أن تعثر مشروع فيلمه الآخر انتاجيا.
عماد إرنست قال إن لديه افلاما قصيرة، ولديه عدد من المشاريع موجودة في الدرج، وليست لديه روح الاندفاع لتحقيق أفلام، وأن من طبعه التأني الشديد، والعمل الطويل على المادة من الناحية الجمالية قبل التصوير. وقال ان موضوعات السينمائيين المستقلين متشابهة بل وأفلامهم تتشابه أيضا في جمالياتها. وأضاف أن موضوعات أفلامه ليست تجارية وأن طريقة عمله لا تناسب الفيلم التجاري أصلا ولا المنتج الذي يود تحقيق مكاسب مباشرة، ودعا إلى ضرورة احترام التباين وتحدث بالتفصيل عن تجربة الملتقى السينمائي الذي نظمه حديثا لعرض ومناقشة الأفلام على مستوى اقرب إلى "ورشة العمل" وليس نادي السينما، والدروس التي خرج بها من التجربة.
وقد تحدثت شقيقة عماد "هناء إرنست" تفصيلا أيضا عن التجربة نفسها، وهي المدير الفني لملتقى الأفلام. وقد طلبت من كل منهما أن يكتبا لهذا الموقع "حياة في السينما" شهادتيهما على التجربة الثرية بغرض توثيقها وتأصيلها وحتى تعم الفائدة.
أحمد رشوان تحدث بانفعال صادق عن ضرورة البحث عن وسيلة للسيطرة على اداة العرض والتوزيع للأفلام المستقلة حيث لا توجد طريقة حاليا لعرضها على نطاق واسع جنبا على جنب مع غيرها من الأفلام. وشدد على أهمية وجود منبر دائم لعرض الأفلام، وضرورة العمل المشترك بين الجميع لتوفير دار عرض صغيرة دائمة.
وتحدث أحمد عاطف عن تجربته مع اللجنة الحكومية التي شكلتها وزارة الثقافة لدعم أفلام الديجيتال وانتقد سلبياتها وقراراتها.
وطالب حسين بيومي بوجود نقاد مستقلين لنقد السينما المستقلة. وشكا عماد إرنست من عزلة معظم النقاد الموجودين في الساحة عن السينما ورغبتهم في وصول الأفلام إليهم واحجامهم عن المبادرة لحضور العروض التي تنظم لهذه الأفلام، وطالب بضرورة أن يتخلى النقاد القدامى عن جمالياتهم التقليدية اذا أرادوا التعامل مع السينما المستقلة، وان يديروا نقاشا حقيقيا مع السينمائيين "لأن هذا هو ما يصنع التقدم".
الثقافة السينمائية
الناقدة سهام عبد اسلام تحدثت فقارنت بين وضع الثقافة السينمائية في السبعينيات وبينها في الوقت الراهن، واشارت على العلاقة الوثيقة التي كانت قائمة بين السينمائيين والنقاد في اطار مشروع ثقافي عام أشمل ان يشغل الجميع. وكان عماد ارنست قد أشار على ما استخلصه من قراءته لكتاب "حياة في السينما" من وجود علاقة وثيقة بين المخرجين والنقاد في تلك الحقبة.
وأشار رشوان على وجود انعدام ثقة بين المخرجين والنقاد حاليا لأن هناك نظرة تجاهل من جانب الكثير من النقاد للسينما المستقلة، وقال ان مجموعة منهم حاولت الالتحاق بجمعية نقاد السينما المصريين. وطالب رشوان مع الكثير من الحاضرين في الندوة، بضرورة تأسيس كيان دائم في نهاية هذه الندوة، وطالب البعض الآخر ايضا بضرورة ان يصبح هذا اللقاء دوريا وليس سنويا. واتفقت معهم على أن اهم ما يمكن ان يتمخض عنه لقاؤنا اليوم هو أن يصبح هذا اللقاء اسبوعيا فعلا سواء في حضوري أو في غيابي.
رأيت أيضا أن النقاد في مصر خرجوا في السبعينيات من نوادي السينما، ولكنهم اليوم يأتون بالصدفة، من الصحافة ومن الانترنت بدون تأسيس سينمائي حقيقي.
وقدم عصام علي تحليلا شاملا لوضعية الثقافة السينمائية في مصر بين الماضي والحاضر مسلطا الاضواء على تغير الظرف السياسي والاجتماعي والفكري، دون ان يغفل الارهاصات الايجابية التي تتشكل في الواقع.
وتساءل الدكتور ناجي فوزي عن تعريف السينما المستقلة وأكد على ضرورة الالتزام بمعايير علمية راسخة في التعامل مع الفيلم كمنتج وضرورة وضع حدود بين المحترفين والهواة، وعدم الخلط بين سينما الهواة وبين السينما المستقلة، بينما جاء رد محمد عبد الفتاح فأكد على ضرورة ترك الباب مفتوحا أمام كل التجارب ولو على صعيد "عشوائي" وهو التعبير الذي رفضه أحمد رشوان تماما، بسبب ارتباطه بالفوضى الاجتماعية في الواقع. وأوضح محمد أنه يقصد الحرية الكاملة امام كل التجارب التي ستفرز نفسها بنفسها في النستقبل.
وقال الفنان التشكيلي سعد روماني عن أهم نتائج اللقاء الكشف عن الجوهة غير الخاضعة للمعايير والمقاييس. وطالب بتكسير القيود على الابداع. واقترح أحمد عاطف ضرورة أن يشاهد النقاد الأفلام قبل عرضها وقبل أن ينتهي صنعها تماما، واكد انه لا مانع من تدخل النقاد بالاقتراحات، فيما اعتبر عماد أن الجمهور وحده هة الذي يمكنه أن يحكم على الفيلم.
طرح الكثير من الأفكار المثيرة خلال المناقشة الطويلة الممتدة، وهي أفكار لا يمكن الاحاطة بها جميعا. وبكل اسف لم يتم تسجيل هذه الأمسية، بل ولم يكن لدي الوقت لكي أقوم بتسجيلها على الورق بل اكتفيت ببعض الملاحظات، وها أنا ذا أكتب من الذاكرة بدرجة كبيرة. ولذا فقد طلبت من المتحدثين الأساسيين ضرورة كتابة شهاداتهم واتفقنا على أن يقوموا بارسالها لي على أن تنشر تباعا في هذا الموقع ونفتح بعدها باب المداخلات مع جميع المهتمين. وأنا في انتظار أن يفي أصدقاؤنا بوعدهم.
0 comments:
إرسال تعليق