الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

في مهرجان دبي السينمائي 5


لو أراد مهرجان دبي السينمائي أن يتميز على كل المهرجانات الدولية التي تقام في العالم العربي فمطلوب منه أن يقدم على تحقيق أمرين، لن يكلفانه شيئا على الإطلاق، ولكنهما سيمنحانه سمعة دولية واحتراما كبيرين:
الأمر الأول: تخصيص قاعة مسرح سوق المدينة لعرض برنامج يومي مكون من خمسة أفلام يكون قاصرا على النقاد والصحفيين وضيوف المهرجان من السينمائيين، علما بأن هذا المسرح الممتاز من كل النواحي يظل معطلا عن العمل معظم الوقت.. على أن يبدأ البرنامج في العاشرة صباحا وينتهي عند منتصف الليل بحيث يتيح فترات استراحة في الظهر والمساء لاتاحة الفرصة لتناول طعامي الغداء والعشاء، على غرار ما يحدث في "كان" و"فينيسيا"
وغيرهما من المهرجانات الكبيرة التي نغرم بنقل مظاهرها السطحية مثل البساط الأحمر وخلافه، ونهمل جوهرها، وهو اتاحة الفرصة للمتخصصين لمشاهدة الأفلام بدون عناء كبير مثل الانتقال في حافلات إلى سوق تجاري مزدحم لا يتوفر على أي وسيلة تجعله ملتقى للسينمائيين والنقاد هو "مول الامارات" الذي يعج بالمتسوقين وجمهور الوجبات السريعة.. إلخ
إن مسرح سوق المدينة في دبي مكان مثالي لعرض برنامج يتم اختياره بعناية من الأفلام (داخل وخارج المسابقات)، فهو يوجد على بعد خطوات من المركز الصحفي والاعلامي وقاعات المناقشات حيث يمكن للصحفيين والسينمائيين الانتقال منه وإليه، لحضور الأفلام والالتقاء مع بعضهم البعض وحضور جانب من المناقشات والندوات التي تقام، كما يوفر المركز مكانا للراحة بين الأفلام وتناول المشروبات بدلا عن ذلك "الماراثون" اليومي من الفندق إلى مول الامارات (البعيد نسبيا) ثم بالعكس، وأحيانا يعجز المرء عن استكمال الرحلات المرهقة لأنه يفضل الراحة في الفندق على المغامرة مجددا باقتحام قلعة المول (وهي قلعة حقيقية من الخرسانة المسلحة والزجاج والصلب تضم مئات المحلات التجارية وقلاع التسوق الأخرى المشهورة عالميا.
ويمكن أن تصبح قاعات السينما (12 قاعة) الموجودة في مول الامارات مخصصة فقط للعروض الجماهيرية العامة. وهنا فإننا نقر مبدأ شديد الاحترام، هو عدم جعل النقاد والصحفيين مضطرين لمزاحمة الجمهور والاصطفاف يوميا من أجل الحصول على 4 بطاقات لدخول الأفلام في قاعات مختلفة، بينما يمكن أن يتغير مزاج الراغب في المشاهدة، فيرغب مثلا في تغيير الفيلم دون أن يتمكن من هذا، فلا يمكن ارجاع البطاقات التي تم صرفها أو استبدالها!

إن الهدف الأساسي من حضور كل هذا العدد من الصحفيين والنقاد والسينمائيين من ضيوف المهرجان هو، كما نفهم، التردد على عروض الأفلام. ومن غير المفهوم أن ينفق المهرجان بكرم حقيقي، على السفر والانتقال والاقامة، ويبخل تماما في توفير العروض اللائقة التي تتيح فرصة أيضا للاحتكاك والتواصل بين البشر. إن مسرح المدينة مكان مثالي للعروض واللقاءات في المركز الصحفي وأيضا لملاصقته لمجموعة كبيرة من المطاعم بالإضافة بالطبع إلى ما تتميز به المنطقة كلها من تصميم معماري خلاب، مع وجود عدد من المقاهي المفتوحة في الهواء الطلق وليس في هواء التكييف كما في "مول الإمارات". وتخصيص قاعة للضيوف أمر عجزت عن تحقيقه كل مهرجانات السينما التي تقام في العالم العربي حتى الآن.. بما في ذلك مهرجان قرطاج السينمائي الأعرق، والذي ينقل عن "كان" من البداية كل شيء فيما عدا الاعتراف بأهمية الإعلام والنقد فهل يسبقها مهرجان دبي ويقدم على تغيير الوضع بقرار شجاع عملي؟
أود أن اتساءل هنا أيضا عن الحكمة من تطبيق هذا النظام السيء في مهرجاني أبو ظبي ودبي تحديدا، أي نظام منح الصحفيين عددا من البطاقات يجب الحصول عليها من شباك التذاكر يوميا.. وهو نظام كما أعرف، يرتبط بالمدير الكندي الأول لمهرجان دبي، وقد ظل قائما بعد رحيل المدير.
هذا نظام غير معمول به على حد علمي سوى في مهرجاني برلين ورورتردام، إلا أن هذين المهرجانين يخصصان عروضا خاصة للنقاد، وأما بطاقات الدخول فهي لمشاهدة عروض عامة (إضافية) مع الجمهور إذا كان قد فات على الناقد أو السينمائي مشاهدة فيلم ما في عرضه الخاص، كما يحدث أيضا في مهرجان لندن أو اذا كان يرغب في مشاهدة المزيد خارج نطاق العروض الصحفية الخاصة.
وعادة ما تكون وجبة العروض الخاصة دسمة للغاية. ويجب أن ينظم مهرجان دبي ثلاثة عروض للفيلم الواحد، على أن يتم الاتفاق على هذا مع أصحاب الأفلام المشاركة كشرط للمشاركة في المهرجان: عرض أول خاص للصحافة والإعلام (يمكن أن يشمل السينمائيين الضيوف وأهل الصناعة)، وعرض ثان رسمي بحضور النجوم والمخرجين (في المسرح الكبير الرسمي بقصر المهرجان)، وعرض ثالث للجمهور في قاعات سوق مول الإمارات.
الأمر الثاني: هو جعل مهمة مدير المكتب الصحفي مهمة رفيعة لا تقل عن منصب المدير الفني للمهرجان، لذا يجب التوقف عن اعتبار هذه الوظيفة وظيفة سكرتارية، تسند عادة إلى فتيات يقمن بدور أقرب إلى التنسيق والسكرتارية والاتصالات، فهذا النوع من الموظفين يصلح أكثر كمساعدين في المكتب الصحفي وليس لإدارته. ويجب أن يكون مدير المركز الصحفي ناقدا سينمائيا، أو خبيرا في السينما، يلم باتجاهاتها ورموزها واعلامها، يكون مطلعا جيدا على برنامج المهرجان وأفلامه ومخرجيه، ويعرف الكثير عن عالم السينما وتياراتها، ويمكنه ادارة مؤتمر صحفي بنجاح، ويدير المناقشات المهمة البارزة مع السينمائيين الكبار، ويمكنه أيضا التحدث باسم المهرجان أي يكون ناطقا بلسانه أمام أجهزة الإعلام. وهو ينشغل عادة بالتنسيق والاشراف على أعمال القسم الصحفي: الدعوات والمطبوعات وإعداد العروض الصحفية والإشراف على مسارها، والتدخل في الوقت المناسب لحل أي مشاكل تنشأ في هذا المجال، لذا فهو عادة يتمتع بصلاحيات حقيقية ولا يضطر للعودة في كل كبيرة وصغيرة إلى مدير المهرجان.
أود فقط الإشارة هنا إلى أن بادرة تكريم فاتن حمامة (أو الاحتفاء بها) في المهرجان هذا العام كانت بادرة تدل على الذكاء والمعرفة، ففاتن حمامة الأكثر تأثيرا في المشاهد العربي، الأقل احتفاء بها، كما أنها نموذج ممتاز للممثلة المثابرة المتفانية بالاضافة إلى نجاحها في تصوير المرأة المصرية من جميع الطبقات على العكس من نادية الجندي التي كرمها مهرجان القاهرة السينمائي رغم اساءتها الدائمة للمرأة المصرية وتقديمها الوجه القبيح البشع لهذه المرأة بل والوجه القبيح للسينما المصرية التجارية السائدة في أدنى حالاتها.
وكنا نتمنى لو تمكنت فاتن حمامة من الحضور إلى دبي كما فعل عمر الشريف لكن يبدو أن ظروفا قوية منعتها من القيام بهذا الظهور "التاريخي".

ملحوظة أخيرة: لولا ثقافة وجهود ودماثة خلق المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي مسعود أمر الله لما أمكن حل الكثير من المشاكل وحسم الكثير من الأمور بكفاءة عالية، فإدارة مهرجان من هذا النوع وبهذا الحجم الكبير ليست أمرا سهلا.. تحية لمسعود يستحقها عن جدارة، ولكن مطلوب منه التطوير واعادة النظر في النقاط التي أثرناها هنا لصالح المهرجان، كما نطالبه أيضا بتدريب أطقم من الشباب الإماراتي يكون مؤهلا في المستقبل القريب لكي يحل محل الأجانب.

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger