لو أراد مهرجان دبي السينمائي أن يتميز على كل المهرجانات الدولية التي تقام في العالم العربي فمطلوب منه أن يقدم على تحقيق أمرين، لن يكلفانه شيئا على الإطلاق، ولكنهما سيمنحانه سمعة دولية واحتراما كبيرين:
الأمر الأول: تخصيص قاعة مسرح سوق المدينة لعرض برنامج يومي مكون من خمسة أفلام يكون قاصرا على النقاد والصحفيين وضيوف المهرجان من السينمائيين، علما بأن هذا المسرح الممتاز من كل النواحي يظل معطلا عن العمل معظم الوقت.. على أن يبدأ البرنامج في العاشرة صباحا وينتهي عند منتصف الليل بحيث يتيح فترات استراحة في الظهر والمساء لاتاحة الفرصة لتناول طعامي الغداء والعشاء، على غرار ما يحدث في "كان" و"فينيسيا" وغيرهما من المهرجانات الكبيرة التي نغرم بنقل مظاهرها السطحية مثل البساط الأحمر وخلافه، ونهمل جوهرها، وهو اتاحة الفرصة للمتخصصين لمشاهدة الأفلام بدون عناء كبير مثل الانتقال في حافلات إلى سوق تجاري مزدحم لا يتوفر على أي وسيلة تجعله ملتقى للسينمائيين والنقاد هو "مول الامارات" الذي يعج بالمتسوقين وجمهور الوجبات السريعة.. إلخ
إن مسرح سوق المدينة في دبي مكان مثالي لعرض برنامج يتم اختياره بعناية من الأفلام (داخل وخارج المسابقات)، فهو يوجد على بعد خطوات من المركز الصحفي والاعلامي وقاعات المناقشات حيث يمكن للصحفيين والسينمائيين الانتقال منه وإليه، لحضور الأفلام والالتقاء مع بعضهم البعض وحضور جانب من المناقشات والندوات التي تقام، كما يوفر المركز مكانا للراحة بين الأفلام وتناول المشروبات بدلا عن ذلك "الماراثون" اليومي من الفندق إلى مول الامارات (البعيد نسبيا) ثم بالعكس، وأحيانا يعجز المرء عن استكمال الرحلات المرهقة لأنه يفضل الراحة في الفندق على المغامرة مجددا باقتحام قلعة المول (وهي قلعة حقيقية من الخرسانة المسلحة والزجاج والصلب تضم مئات المحلات التجارية وقلاع التسوق الأخرى المشهورة عالميا.
ويمكن أن تصبح قاعات السينما (12 قاعة) الموجودة في مول الامارات مخصصة فقط للعروض الجماهيرية العامة. وهنا فإننا نقر مبدأ شديد الاحترام، هو عدم جعل النقاد والصحفيين مضطرين لمزاحمة الجمهور والاصطفاف يوميا من أجل الحصول على 4 بطاقات لدخول الأفلام في قاعات مختلفة، بينما يمكن أن يتغير مزاج الراغب في المشاهدة، فيرغب مثلا في تغيير الفيلم دون أن يتمكن من هذا، فلا يمكن ارجاع البطاقات التي تم صرفها أو استبدالها!
أود أن اتساءل هنا أيضا عن الحكمة من تطبيق هذا النظام السيء في مهرجاني أبو ظبي ودبي تحديدا، أي نظام منح الصحفيين عددا من البطاقات يجب الحصول عليها من شباك التذاكر يوميا.. وهو نظام كما أعرف، يرتبط بالمدير الكندي الأول لمهرجان دبي، وقد ظل قائما بعد رحيل المدير.
هذا نظام غير معمول به على حد علمي سوى في مهرجاني برلين ورورتردام، إلا أن هذين المهرجانين يخصصان عروضا خاصة للنقاد، وأما بطاقات الدخول فهي لمشاهدة عروض عامة (إضافية) مع الجمهور إذا كان قد فات على الناقد أو السينمائي مشاهدة فيلم ما في عرضه الخاص، كما يحدث أيضا في مهرجان لندن أو اذا كان يرغب في مشاهدة المزيد خارج نطاق العروض الصحفية الخاصة.
الأمر الثاني: هو جعل مهمة مدير المكتب الصحفي مهمة رفيعة لا تقل عن منصب المدير الفني للمهرجان، لذا يجب التوقف عن اعتبار هذه الوظيفة وظيفة سكرتارية، تسند عادة إلى فتيات يقمن بدور أقرب إلى التنسيق والسكرتارية والاتصالات، فهذا النوع من الموظفين يصلح أكثر كمساعدين في المكتب الصحفي وليس لإدارته. ويجب أن يكون مدير المركز الصحفي ناقدا سينمائيا، أو خبيرا في السينما، يلم باتجاهاتها ورموزها واعلامها، يكون مطلعا جيدا على برنامج المهرجان وأفلامه ومخرجيه، ويعرف الكثير عن عالم السينما وتياراتها، ويمكنه ادارة مؤتمر صحفي بنجاح، ويدير المناقشات المهمة البارزة مع السينمائيين الكبار، ويمكنه أيضا التحدث باسم المهرجان أي يكون ناطقا بلسانه أمام أجهزة الإعلام. وهو ينشغل عادة بالتنسيق والاشراف على أعمال القسم الصحفي: الدعوات والمطبوعات وإعداد العروض الصحفية والإشراف على مسارها، والتدخل في الوقت المناسب لحل أي مشاكل تنشأ في هذا المجال، لذا فهو عادة يتمتع بصلاحيات حقيقية ولا يضطر للعودة في كل كبيرة وصغيرة إلى مدير المهرجان.
ملحوظة أخيرة: لولا ثقافة وجهود ودماثة خلق المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي مسعود أمر الله لما أمكن حل الكثير من المشاكل وحسم الكثير من الأمور بكفاءة عالية، فإدارة مهرجان من هذا النوع وبهذا الحجم الكبير ليست أمرا سهلا.. تحية لمسعود يستحقها عن جدارة، ولكن مطلوب منه التطوير واعادة النظر في النقاط التي أثرناها هنا لصالح المهرجان، كما نطالبه أيضا بتدريب أطقم من الشباب الإماراتي يكون مؤهلا في المستقبل القريب لكي يحل محل الأجانب.
0 comments:
إرسال تعليق