‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات نقدية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات نقدية. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 10 فبراير 2016

الأصول الاجتماعية والثقافية والفلسفية لمفهوم النقد



لكي يتعلم بعض من لا يريدون التعلم أن "الصنعة" ليست بالصراخ والعويل والبكاء على غياب النقد وتدهور النقد وجهل النقاد، نعيد نشر هذا المقال الهام للكاتب والمفكر ابراهيم الحيدري الذي نراه مفتاحا لفهم الكثير من الأشياء..



                     الأصول الاجتماعية والثقافية والفلسفية لمفهوم النقد

                                                                  بقلم: ابراهيم الحيدري
 


لا يمكن فهم الاصول الاجتماعية والثقافية والفلسفية لمفهوم النقد من دون الرجوع الى الفلاسفة وعلماء الاجتماع الذين ساهموا في ارساء قواعده. ويقف على رأس هؤلاء عامنوئيل كانت في نقده للعقل الخالص وفردريك هيغل في جدليته وكارل ماركس في نقده للاقتصاد السياسي. وكذلك دلتاى وركرت في اتجاههم التأويلي ورواد مدرسة فرانكفورت في علم الاجتماع النقدي. ان هذه التيارات الفكرية شكلت المصادر الاساسية والاطار العام للفلسفة وعلم الاجتماع النقديين وكذلك لجميع الاتجاهات النقدية الحديثة الاخرى.

مفهوم النقد
ان مفههوم النقد، بوصفه ظاهرة من ظواهر التاريخ والمجتمع والثقافة يعود الى نهاية القرون الوسطى، التي مهدت الطريق لتطور مفهوم النقد في ابعاده الاجتماعية والثقافية والفلسفية والسياسية.
فلسفيا، بدأ النقد حسب الموضوع ثم اصبح حسب الكلمة. وجاءت كلمة نقد( Kritik،Critic) لاول مرة في اللغة الاغريقية ( techne)، بمعنى الاختبار او الحكم، الذي يعتبر اهم المقدرات عند الانسان التي تحفظه من الخطأ او الخديعة، وبصورة خاصة، فيما يخص الشخص ذاته، وهو ما اطلق عيه بـ "النقد الذاتي"، وفي ذات الوقت دلت كلمة "نقد" على نوع من الجدل العقلي او النشاط المتميز للعقل من اجل الوصول الى معرفة اخرى.
جاء مفهوم النقد عند افلاطون بمعنى فلسفي تماما، ولكن ليس بالمعنى الشائع اليوم لكلمة "نقد" وانما بمعنى مختلف وهو " الحكم "، اذ اعتبر افلاطون النقد كقطيعة بين الروح والجسد وربطه باسطورة الحكمة الإلهية لليوم الآخر. فالروح حين تخرج من الجسد في اليوم الاخر يكافأ الانسان اما بالصعود الى عالم السماء او النزول الى عالم الجحيم والعذاب. وبصورة او باخرى فالانسان يولد من جديد.
اما عند سقراط فجاءت كلمة " نقد" بمعنى التمييز بين ما هو حقيقي وبين ما هو غير ذلك. وتشير كلمة نقد، تقنية Technik او فن Kunst او " تقنيةالاخلاق" الى نفس معنى الحكم او اصدار قرار، وهو المعنى الذي انتقل الى الفلسفة الاخلاقية. والحال ان الفلسفة منذ قرون هي نظام للعمل النقدي الذي ميزه بلوتارخ في نظريته:"ما هو الجميل/ الاصيل" عن القبيح المشين، وكذلك ماهو العادل وغير العادل. وبايجاز شديد: ما هو القصد، وما هو المخرج ؟
وكان من الطبيعي ان ياتي دور العقل في المرتبة الثانية بعد الايمان وبخاصة بعد توسع نفوذ الكنيسة وهيمنتها على المجتمع حيث اخذ مصطلح النقد يشير الى عملية اصدار احكام صحيحة تستند على معلومات حقيقية تتعلق بدراسة النصوص القديمة، سواء كانت كلاسيكية او مقدسة، واستخدم من قبل الاتجاهات الدينية المختلفة آنذاك كسلاح ذو حدين. فقد استخدمه الكاثوليك كمنهج لغوي للتدليل على اهمية ودور الكنيسة مثلما استخدمه البروتستانت في دعم أولوية الاعتماد على الكتاب المقدس ذاته. وقد اكد القديس اوغسطين على قاعدة اصولية مؤداها " ان سلطة الكتاب المقدس هي اكبر من جميع قوى العقل الانساني." وبعد تنامي الفلسفة المدرسية، اخذت هذه النظرة تتغير بالتدريج وذلك بفعل افكار اريجين الفلسفية، الذي كان معاصرا للفيلسوف العربي ابو يوسف الكندي. كما كان اول فيلسوف أوربي ربط بين سلطة العقل وموضوع الدين، واكد بان اي سلطة لا تقوم على العقل تعتبر سلطة كسيحة، واول من اعطى لنفسه الحرية في تفسير النصوص الدينية تفسيرا عقلانيا، ولذلك نظرت الكنيسة بعين الريبة والحذر الى افكاره، وامرت بحرق كتبه وطرده من الكنيسة. كما كان القديس أنسلم ، الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي، احد الدعاة الى تحكيم العقل في امور الدين.
وخلال القرن الثالث عشر ازدادت النزعة العقلية (النقدية) على اثر اتصال الاوربيين بالعرب والمسلمين عن طريق الحروب الصليبية وترجمة امهات الكتب الفلسفية للمفكرين العرب الى اللغة اللاتينية وبخاصة مؤلفات الكندي وابن سينا والفارابي وابن رشد. ومع بدايات القرن الرابع عشر، الذي جاء محملا برياح التغيير، تزعزعت الابنية الفكرية القديمة وتفجرت الصراعات بين الانظمة الملكية الجديدة وبين الكهانة وظهرت بدايات الفصل بين الدين والفلسفة. ويعتبر الفيلسوف اوكام (1349) اول من قام بحركة قوية لنقد الفلسفة الكهنوتية والمطالبة بالفصل بين السلطتين الدينية والمدنية.
والواقع بقى النقد في تلك الفترة لا يخرج عن كونه عملية اصدار احكام صحيحة تستند على معلومات حقيقية تتعلق بدراسة وتفسير النصوص القديمة سواء كانت دينية او دنيوية.

المنهج النقدي
غير ان المنهج النقدي لم يحقق نوعا من الاستقلالية الا بعد ان حلت الافكار التأملية الرشيدة مكان المفاهيم والافكار التقليدية القديمة، وبخاصة تلك التي ترتبط بالحق والمقدس. وبالتدريج اصبحت فكرة النقد تعني " الجدل العقلي" ثم النشاط المتميز للعقل باعتبارها اداة تحكيم عقلانية. ثم تطور مفهوم النقد ليصبح عملا من اعمال الفكر في شروط المعرفة الممكنة، اي القدرات التي تمكن الانسان من المعرفة والنظر في الامور بحرية. لان هدف النقد هو ان لا يضيع الانسان في واقع مزيف او يستسلم لحقيقة كاذبة، او يتوهم بانها ابدية ولا يمكن مسها بالنقد والتجريح. كما ان هدف النقد هو ايقاض الوعي الانساني عن طريق القدرة على الرفض، الذي يلغي الحق في التفكير الحر، ورفع القدرة على الابداع. ومن هنا تاتي أهمية النقد باعتباره عملية رفض وتحد وليس خضوعا واستسلاما.
والنقد هو " فن ألحكم "، أي الفصل بين الاشياء والحقائق التي يختلف حولها ووضعها موضع التساؤل. وهو بهذا احد أهم القابليات العقلية في الاختبار والحكم التي يمتلكها الانسان والتي تجنبه الخطأ والضلال، وبخاصة ما يمس الشخص ذاته، مثلما يشير الى القدرة على استخدام النقد، أي المعرفة والاستيعاب والقابلية على التصرف بحكمة للوصول الى الهدف الأصل و القدرة على التمرن على ممارسة النقد. فالنقد يشترط وجود قدرة وامكانية لمعرفة مناحي القوة او الضعف في الموضوع المنقود او في كليهما، مثلما يشترط ان لا يكون هجوما على الشخص ولا حتى الشعور بالهجوم، لأن أي تعامل خاص مع أي موضوع أو نص أو وجهة نظر تعتبر عموما حكم مسبق يظهر خاصة بتأثير عاطفة او نزوة او مصلحة. وقابلية النقد هي جزء من قابلية الثقافة والجماعة واستعدادها على تقبل النقد.

جوهر النقد هوالحرية
والصعوبة في عملية النقد تأتي من خضوعه لاختبار حر ومفتوح، لأن العامل الاساسي الفاصل في ذلك هو تقديم الدلالات والبراهين الكافية لبيان مناطق القوة والضعف، مثلما ترتبط قابلية النقد بقابلية تقديم الحجج المقنعة. واذا كان النقد عادلا، فيعني ذلك وجود من له قابلية على النقد واستعداده للاعتراف بنقاط الضعف في الموضوع المنقود.
والنقد عملية تساعد على تنمية التفكير وتحريكه والتخلص من عقدة الخوف والوجل والتردد من قول الحقيقة، وتوليد افكار ورؤى جديدة، ولذلك فهو عملية ضرورية للتخلص من الطاعة العمياء والخضوع والانقياد للقدر الاعمى، وعدم طرح الاراء والافكار من دون تأمل، كما يرتبط سؤال النقد بالحرية، لان نقد الفكر من الداخل غالبا ما يكون محكوم بقيم وقواعد واعراف وشروط انتاج المعرفة في المجتمع. واذا كان جوهر النقد هو الحرية، فهل يستطيع الناقد ان يرفض القيم الاجتماعية ويتخطاها؟ هذا هو السؤال الجوهري؟!
يقول فولتير:" قد اخالفك فيما تقول، ولكنني اضحي بحياتي دفاعا عن حقك في ما تقوله". ويقول الامام الشافعي:" رأي صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب". ومعنى هذا، ان النقد يرتبط بالرأي، الذي يحتمل الصواب والخطأ، وكذلك بالموقف من الآخر، وكل رأي معرض الى الخطأ والصواب، لان الرأي والموقف نسبيان ولا يرقيان الى الحقيقة المطلقة. وعندما يكون في الرأي احتمال الخطأ، يكون هناك اختلاف. واذا غاب النقد عن الاختلاف، يكون هناك خلاف وانحراف عن الاحكام العقلية.
النقد والابداع
النقد منذ البداية جزء من تاريخ الفكر والمعرفة والثقافة، الذي انبثق عنها، لانه قائم في سياق تاريخي واجتماعي وارتبط بالتغيرات الذاتية والموضوعية وكذلك بالمناخ الاجتماعي ـ الثقافي وبتاريخ الافكار والنظم والفلسفات في العصر الحديث التي اثرت بدورها على حركة النقد وانواعه واتجاهاته، وبخاصة الحركات الفكرية والاجتماعية والسياسية.
ويشكل النقد لولب الحراك الاجتماعي الذي ينتج عمليات التغير والتغيير والتطور والتقدم الاجتماعي. ولولاه لظل التفكير الاجتماعي ثابتا وجامدا. وهو جزء من الوعي الانساني بالذات وبالآخر ومحركه، وهدفه ايقاظ الوعي الاجتماعي عن طريق القدرة على الرفض وعدم الغاء الحق في التفكير والحرية في الرأي والقدرة على الابداع. فهو عملية تحد وصمود وعدم الاستسلام او الخضوع لقمع اي فكر تسلطي.
ورسالة النقد ذات ابعاد متعددة، فهو آلية من آليات الخلق والابداع، التي تفكك الخطاب وتحلله وتؤوله، بعد ان تستشرف فضاءاته وآفاقه وابعاده ودواخله وتسبر جوهره لتعيد انتاجه بخطاب جديد يقوم عليه. ولهذا اصبح النقد شرط الابداع. والابداع شرط التطور والتقدم.
ولا يكسب النقد شرعيته الا بعد ان يستكشف الناقد ما يكمن داخل الخطاب ـ النص، من دلائل ورموز ومعاني واشارات، بل ويكشف عن ما هو غامض وسري ودفين فيه.
واذا كان النقد ابداعا، فهو يشترط ذائقة نقدية، مثلما يشترط امتلاك ادواته النقدية، وكذلك ذائقة جمالية، لان النقد خطاب جمالي ذو منطلق علمي تتحدد قيمته بمدى الحرية المفتوحة امامه، ومدى الوعي بهذه الحرية واستخدامها، وكذلك التمكن من استخدام ادواته النقدية وذائقته الجمالية ومخزونه المعرفي، الذي ينبغي ان يستجيب للتعديل والتحوير والتطوير ليكون ابداعا وابتكارا واصالة.
وكان افلاطون اعتبر الابداع لغزا محيرا لا يمكن تفسيره الا بالإلهام، ونسبه الى الآلهة والقوى السماوية. اما ارسطو فقد اعتبر الطبيعة مصدر الالهام والابداع وهو تفسير عقلاني يتجاوز رأي افلاطون بارجاعه الى عوامل سحرية وما ورائية.
غير ان كانت، كان اكثر وضوحا حين شدد على ان جوهر الابداع هو خلق وابتكار ما هو غير موجود وليس تقليدا ومحاكاة محضة لما في الطبيعة، وميز بين الخلق والتقليد وعزا الخلق والابتكار الى العبقرية، وقرن الابداع الحقيقي بالفن وليس العلم. فالابداع عنده هو النتيجة الطبيعية للتفاعل المتبادل بين التصور والادراك. في حين اعتبر سيغموند فرويد بان منشأ الابداع في اللا شعور، ويعود الى خصوبة الخيال والفنطازيا في التفكير.
وهكذا فالنقد منهج مفتوح على المعرفة العلمية وعلى وعي جديد يكشف عن المعلوم والمجهول في الفكر متطابقا او مخالفا معه، ليؤسس لفكر جديد.

المصادر:
1-Philosophisches woerterbuch, Kritik, Kroener Verlag، Stuttgart,1965, s.331
-2W. F.Haug. Zur Kritikbegriff markistischen Denkens, Das Arqument, Heft 240. 2001
- 3Kritik, in,dtv.Lexikon, Bd. 10
4- ابراهيم الحيدري، صورة الشرق في عيون الغرب، دار الساقي 1996
5- رينيه ويليك، تاريخ النقد الادبي الحديث 1750 - 1950، الجزء الاول، (ترجمة)، القاهرة 1998
6- محمد مندور، في الادب والنقد، القاهرة 1988

السبت، 4 يوليو 2015

مليار دولار من أجل الديناصورات!




في أحد المشاهد المبكرة من فيلم "العالم الجوراسي" Jurassic World يقول عرفان خان- الذي يقوم بدور المستثمر الرئيسي في حديقة الديناصورات المخصصة لتسلية السياح والأطفال على شاكلة ديزني لاند ولكن بديناصورات حقيقية، يقول لمديرة الحديقة الشاسعة: "إننا نريد أن نرى "ديناصورات أكبر.. بأسنان أكبر". وهذا تحديدا ما يبدو لي أنه كان الهدف الأساسي من وراء إنتاج هذا الفيلم، وهو الرابع في سلسلة أفلام الديناصورات التي بدأها المخرج ستيفن سبيلبرغ عام 1993 بفيلمه الشهير "العالم الجوراسي".

ديناصورات أكبر، وأسنان أكبر، ومناظر أكثر إثارة، تجسد الصراع بين الإنسان والديناصور الشرير، وكيف يمكن للإنسان ترويض الديناصورات الطيبة، وتطويعها لخدمته في الخير، وليس في الحرب كما يرغب أحد القادة العسكريين الذي يضع خطة "شريرة" للتحكم في الديناصورات واستخدامها في الحروب التي تشنها الولايات المتحدة لتقليل الخسائر البشرية، وعندما يشاهد الديناصورات العملاقة وقد انطلقت من عقالها، وأصبحت تعيث دمارا وتخريبا وقتلا في الناس، يعلق في حسرة واضحة: "آه لو كنا استخدمناها في تورا بورا"!

تعتمد "التركيبة" هنا على استخدام الأطفال كالعادة، والمرأة ولكن كنموذج جاف معقد في البداية، ترفض الانصياع للرجل- الفتوة، ثم تنصاع أمام قوته وشجاعته، وتقبل الانضواء تحت معطفه، كاشفة عن ضعفها التقليدي الذي تكمن فيه جاذبيتها الجنسية!

ليس سهلا أن يقاوم المرء الذهاب لمشاهدة هذا الفيلم الجديد، رغم أنك تعرف مسبقا محتواه، وتدرك سذاجة فكرته، ولكن ما يدفعك لمشاهدته الإطلاع على ما يمكن أن يضيفه للقصة التطور الكبير الذي حدث في مجال تكنولوجيا الصورة، وبعد أن بلغت تكاليف إنتاج الفيلم ما يقرب من 200 مليون دولار، معظمها أنفق على المؤثرات، وحقق الفيلم حتى كتابة هذه السطور، أي بعد عشرة أيام من بدء عروضه العالمية، مليار دولار!

المؤسف بعد ذلك أنني وجدت أن قصة الديناصورات والعالم الجوراسي الخيالية، التي لقيت من قبل اقبالا من جانب الكبار والصغار، فقدت طزاجتها وحيويتها، بل وبراءتها، ففي هذا الفيلم الجديد، لا يجب أن تسأل عن السيناريو، فليست هناك شخصيات مقنعة تتمتع بأبعاد وملامح واضحة، وليس هناك إخراج يضارع على الأقل أو يقترب من مستوى إخراج سبيلبرغ في الفيلم الأول. وستجد أن البطولة الحقيقية في الفيلم للمؤثرات الخاصة، التي تعتمد بالطبع على تقنية توليد الصور المتحركة من أنظمة الكومبيوتر أو ما يعرف بـ "CGI"، لدرجة أنك تشعر بأن الحديقة التي يفترض أنها تدار بأحدث أنظمة التحكم الالكتروني وأكثرها دقة في العالم، كان من الأفضل تجسيدها وتجسيد أحداث وشخصيات الفيلم، من خلال عالم الرسوم "الكارتون"، أوما يعرف بـ "التحريك"، ولاشك أن الفيلم كان سيصبح أكثر إقناعا وقدرة على الإمتاع لو كان قد صنع كفيلم من أفلام الرسوم المتحركة.

الفيلم يصيب عشاق السينما الحقيقية الرفيعة بالاحباط الشديد، فعندما يصبح "العالم الجوراسي" هو النموذج الذي يندفع لمشاهدته الملايين من جمهور السينما في العالم، وعندما تجد أن ديناصورات السينما تخرج ألسنتها لأفلام الفن الرفيع وتدفع بها إلى الظل والظلام، فلابد أن تشعر بنوع من الإحباط، فهل هذا ما وصلنا إليه بعد كل ما كشفت عنه السنيما من قدرات هائلة على تصوير أكثر المواضيع حساسية ورهافة، بما يتجاوز لغة الشعر والأدب الرفيع والفن التشكيلي والموسيقى؟ لاشك أن ديناصورات العالم الجوراسي تضعنا اليوم أمام مأزق كبير!

 

السبت، 27 يونيو 2015

عن النقد السينمائي والصحافة والسيميائيات







منذ أن وعينا على الكتابة وعالم النقد السينمائي، ونحن نرى ونسمع ونقرأ ويمر علينا بين كل يوم وآخر، من يخصصون وقتهم لنقد النقاد العرب، والتقليل من قيمة ما يكتبونه.
وبدلا من أن يركز هؤلاء جهودهم على تطوير مناهجهم ولغة كتاباتهم ويتوسعون في الإطلاع على أعمال السينما العالمية ويعودون للقراءة في شتى مجالات المعرفة خصوصا التاريخ والفلسفة والأدب، يأتي هؤلاء ليعطونا دروسا في النقد، مع إبداء الازدراء للنقد القائم بل والشطب عليه بالكامل، أو إعتباره مجرد "مراجعات" سينمائية وليس نقدا. وعادة ما تتم أيضا مقارنته مع النقد الغربي (خصوصا الفرنسي) الذي أصبح "كعبة" لدى البعض ممن يدورون في فلك تلك الثقافة الأخرى.
ينسى هؤلاء أو يتجاهلون عمدا، أن هناك مستويات للنقد، وأن ما يمكن نشره في مقال من 1000 كلمة مثلا في صحيفة ما، يختلف بالضرورة عن دراسة منهجية عميقة من عشرة آلاف كلمة مثلا، أو عن كتاب متخصص في موضوع واحد، فليس من الممكن أن يحتوي مقال من هذا النوع على ما يريدونه من "تنظير"، لكن الأهم أن يكون مستندا إلى منهج واضح في فهم وقراءة وتفكيك العمل وتحليل العلاقات بين الصور في داخله، من دون تقعر، وفي حدود المساحة التي يتحملها "القاريء المتوسط" الذي يتوجه إليه الناقد بل ويجب أن يكون توجهه الأساسي إليه، كما أن مقالا كهذا من الممكن أيضا أن تتحمله الصحيفة أو المطبوعة أو الموقع، خصوصا إذا لم يكن من النوع المتخصص في النقد السينمائي.
يتصور البعض أن "النقد العلمي" الصحيح يجب أن يعتمد على السيميائيات أو علوم السميوطيقا، أي التحليل الذي يرتبط بنظريات ظهرت في عالم نقد النصوص واللسانيات، وتهتم بنظام الإشارات والعلامات الكامنة داخل النصوص الأدبية وبالعلاقات التي تربط بين المفاهيم والعلامات والأفكار. وكلها يمكن أن يشملها المقال النقدي من دون أن يتباهى بالإشارة إلى أنه يعتمد على "السيميائيات" أو يردها إلى أساتذتها الغربيين الذين يغرم كثير من مثقفي العرب بذكر أسمائهم في ثنايا مقالاتهم حتى يضفوا عليها نوعا من الأهمية، أمثال فردينان دو سوسيور ورولان بارت وكلود ليفي شتراوس وغيرهم. كما أن هناك أيضا من يعتقدون أن ذكر اقتباسات (عادية تماما) من أقوال سينمائيين معروفين عالميا، يضفي على مقالاتهم أهمية خاصة رغم أن الناقد يمكنه أن يعبر عن المعنى ذاته دون أن يشير إلى اقتباسه من مخرج معين، لكنها تلك الحالة من الدونية التي تسيطر على الكثير من الكتاب!
لاشك أن منهج البنيوية والتفكيكية الذي يرتبط بالأبحاث السيميائية التي تهتم أساسا باللغة وتدور في دائرة "فلسفة اللغة"، قد أضافت إلى علوم النقد الأدبي والسينمائي أيضا، لكن بعض الأساتذة العرب من القادمين إلى نقد السينما من أجناس أخرى، يميلون إلى الاعتقاد ان النقد السينمائي الوحيد الصحيح هو النقد الذي يقوم على السيميائية، وماعداه لا يعد نقدا بل مجرد انطباعات صحفية، وذلك لاضفاء العظمة على ما يقدموه من دراسات، معظمها مكتوب بلغة لا يفهمها القاريء العربي بحكم أن معظمها ترجمات واقتباسات اجتهد الكاتب أو الباحث في نقلها عن لغات أجنبية لا يجيدها عادة ولم يدرسها في بلادها الأصلية لكي يدرك مغزى تلك المصطلحات والكلمات في إطار تطور ثقافتها ولغتها.
يعتقد كثير من المغرمين بتلك النظريات أن الفيلم السينمائي مثله مثل الكتاب أو الرواية، أي مجرد نص يمكن تفسيره طبقا لعلوم اللسانيات، وهو نزوع متعسف لا يؤدي سوى إلى تضليل القاريء، بل إنك حينما تطبق المنهج البنيوي مثلا على فيلم بسيط من الأفلام التي يخرجها الشباب العرب هنا أو هناك، ستبدو كما لو كنت تطبق بهيكل عملاق على صدر كائن هش ضعيف يهتم بالوصف أكثر من اهتمامه بالتفلسف والتأمل والإحالات المعقدة كونه نابعا من بيئة ثقافية محدودة للغاية. وتكون النتيجة تدمير الكائن الهش، وانهيار الهيكل العملاق!
من المهم أن ينفتح الناقد على كل المذاهب والاتجاهات النقدية ويستفيد منها، غير أن من الخطأ أن يغلق نفسه على مذهب واحد يعتبره "مقدسا" فيصبح مثله مثل عبيد الأيديولوجيا، الذين يرفضون الاستفادة من أي مذهب خارج نطاق أيديولوجيتهم التي يعتقدون أنها تقدم تفسيرا شاملا للعالم.
والمشكلة أن من يكتبون هذه الانتقادات يكتفون عادة بالتنظير والاكتفاء بنقد النقد، ولدون أن يتصدوا لنقد الأفلام بينما الوظيفة الأساسية لأي ناقد سينمائي هي "نقد الفيلم". وإذا كان من الممكن تطبيق أرقى النظريات النقدية على الأفلام الفلسفية التي تبتكر وتطور أساليب سينمائية مركبة مثل أفلام جودار أو ديفيد لينش أو جريناواي، فليس من الممكن تطبيق المنهج السيميائي على كل ما هو شائع من أفلام تجارية بسيطة التركيب، وإلا فلماذا لا يكلف أحد من هؤلاء الناقدين نفسه تقديم تحليل سيميائي مثلا لفيلم لأفلام "تتح"  و"سالم ابن أخته" و"الألماني" و"صنع في مصر"!

إن النقد السينمائي الذي ينشر في الصحافة أكثر تأثيرا على القاريء- المشاهد للأفلام، من النقد الأكاديمي الذي يعتمد على النقل من المراجع الأجنبية ويكتب عادة في استطرادات طويلة مليئة بالألفاظ الاستعراضية. فكيف سيفهم القاريء المتوسط  كلمات مثل "التمفصلية" و"الابستمولوجية" و"الظاهراتية" و"المتغيرات الدلالية" و"المدلول التجاوزي"؟!
خارج الصحافة لا وجود للنقد السينمائي ولا تأثير له، فالدراسات والأبحاث التي تنتج لكي ينال أصحابها الدرجات العلمية، تظل عادة حبيسة الأدراج، وإذا صدرت في كتب فهي لا تنتشر بل تصدر في طبعات محدودة للغاية، كما أنها لا تصل إلى القاريء المتوسط الذي يحجم عنها لتعقيدها واستغلاقها عليه سواء من ناحية المادة أو اللغة.
حري بنا أن نطالب الصحافة بالاهتمام بتخصيص مساحات أكبر للنقد السينمائي، وباصدار المطبوعات والمواقع الالكترونية المتخصصة في النقد السينمائي (وليس في نشر أخبار النجوم والفضائح) بدلا من أن نشطب على النقد الذي ينشر في الصحف والترويج لمنهج واحد ووحيد سيظل للأسف، يُتداول داخل دائرة محدودة من المتخصصين دون أن يكون له تأثير حقيقي على تطور السينما والجمهور وصناع الأفلام، وهم- في النهاية- الهدف الأساسي للنقد.
 

الثلاثاء، 17 مارس 2015

هل الناقد أكبر من الكتابة؟




لاشك أن مهمة نقاد السينما الأساسية هي نقد الأفلام، ومهمتهم التالية نقد الظواهر السينمائية والقضايا التي تلعب دورا رئيسيا في العملية السينمائية بل ونقد الظواهر الثقافية بشكل عام، فالسينما لا توجد في عزلة عن غيرها من النشاطات الثقافية، وهي تتأثر بشكل كبير بالمفهوم السائد للرقابة على الإبداع وبالثقافة السائدة في المجتمع، وهنا يتعين على الناقد أن يلعب دورا مباشرا في قيادة حركة الوعي الثقافي والسينمائي، يدافع عن حرية الفكر وحرية الإبداع، كما أن من واجبه الدفاع عن سينما الفن في مواجهة سينما التجارة والمقاولات التي لا تقيم لقيم الفن بحثا عن تقديم التسلية بأي طريقة.

ومن الظواهر التي باتت تشكل منعطفا واضحا في مسار النقد السينمائي العربي، أن أصبح الكثير من نقاد السينما المخضرمين، الذين يعرفون الفرق بين الغث والسمين، ويعرفون أهمية تحليل الفيلم وتفكيكه ورده إلى مصادره ثم إعادة تركيبه وشرح مغزاه ومفاهيمه للقاريء- المشاهد، اختاروا طواعية التوقف عن ممارسة النقد السينمائي، بدعوى أنهم كتبوا كثيرا في الماضي ولم تجدي كتاباتهم شيئا، فلم تتغير السينما، ولم يتغير المشاهدون.

هذه الفرضية ليست صحيحة بالقطع، فالمشاهد الذي يقرأ ليس هو نفسه مشاهد السينما بالأمس، قبل ظهور وسائل الاعلام الجديدة المتعددة الوسائط، التي جعلت الأجيال الجديدة من الشباب يقبلون على المشاهدة المكثفة، والاستمتاع والبحث عن كل ما يتعلق بالأفلام التي يشاهدونها، من نقد وتحليل ومعلومات، وأحيانا أيضا يدخلون في جدال حول ما يشاهدونه، على مواقع التواصل الاجتماعي.

أصبح بعض النقاد الذين كانوا يمارسون دورهم بصلابة في الماضي يبحثون اليوم عن أدوار أخرى، مثل العمل بالمهرجانات السينمائية، أو الاكتفاء بكتابة عمود قصير إسبوعي يحمل بعض الأفكار العامة، ولا يخرج في معظم الأحيان عن إطار المجاملات أو التعليقات التي تتحاشى توجيه نقد حقيقي للظواهر السلبية في حياتنا الثقافية والسينمائية. وأصبح النقد بالتالي في أزمة، وأصبح الشباب يكتفي بالتعليقات العابرة التي تتنشر على موقع التواصل الاجتماعي، أو يبحثون عن النقد في الصحف والمواقع الأجنبية.

هذه النظرة التي تتعالى على النقد، أو ترى أن "الناقد" أكبر من كتابة النقد، وأن دوره أكبر من مجرد الكتابة، وأن بوسعه مثلا الاكتفاء بالظهور أحيانا على شاشة التليفزيون للحديث عن السينما في إطار الاحتفال والمجاملة، يمكن أن يجنبه الكثير من المتاعب مع السينمائيين، بل قد يجعل منه "نجما" يتمتع بجماهيرية مثلما يتمتع النجم السينمائي.

لكن الناقد أولا وأخيرا، مثقف وليس نجما، وطبيعي أن يختلف دور المثقف عن دور النجم، والمثقف الحقيقي يختلف مع المنظومة السائدة التي تعادي الإبداع، ويدفع بالتالي ثمن مواقفه.




الاثنين، 9 يونيو 2014

أوراق من "كان": "قاعة جيمي": الثوري الرومانسي عندما يهزمه تحالف القهر



قد يكون المخرج البريطاني كن لوتش، السينمائي الوحيد في النصف الغربي من العالم، الذي لايزال ملتزما برؤيته الماركسية المبنية على أساس إنساني، بعد أن أصبحت الإشتراكية عند الكثيرين الآن، كلمة منفرة، بل وأصبح التعريض بها والهجوم عليها، "موضة" شائعة لدى الكثير من النقاد، وهو ما قد يكون الدافع، وراء الهجوم القاسي الذي شنه أخيرا كن لوتش على النقاد في بلاده، متهما إياهم بالانعزال عن الواقع والانكفاء على أنفسهم داخل قاعات السينما المظلمة، داعيا إلى إستبعادهم من تقييم الأفلام والحكم عليها!
وقد يكون كن لوتش أيضا، المخرج الوحيد في الغرب الذي لايزال يعبر ببراعة وبأسلوب فني رفيع، عن أفكاره الإشتراكية الملتزمة بنضال الطبقة العاملة، قادرا على صنع أفلام ممتعة تعبر عن تجليات الفكر الاشتراكي من زاويته الأساسية، الإنسانية، وليس من خلال تحويل الفكر المفتوح على الدنيا بأسرها إلى "فكرة أيديولوجية جامدة" يدور حولها منظرو عبادة الأفكار والأفراد، ومعظم هؤلاء من الذين وقفوا عاجزين عن فهم مغزى ما حدث بعد سقوط الأنظمة السياسية في أوروبا الشرقية.  
ويمكن إعتبار الكثير من أفلام كن لوتش توثيقا سينمائيا رائعا لنضال الطبقة العاملة في تلك المنطقة من العالم، أي في الغرب (بريطانيا، اسبانيا، أيرلندا). ولابد أن نتذكر، في هذا السياق، أفلاما مثل "رف راف" (1991) Rif Raf، و"ليدي بيرد.. ليدي بيرد" (1994) Lady Bird.. lady Bird ثم فيلمه  الملحمي الكبير "الأرض والحرية" (1995) Land and Freedom ثم "الريح التي تهز الشعير" (2006) The Wind that Shakes the   Barely الذي توج بالسعفة الذهبية في مهرجان كان.
لا يبتعد الفيلم الجديد لكن لوتش، الذي عرض في المسابقة الرسمية للدورة الـ67 من مهرجان كان السينمائي، وهو فيلم "قاعة جيمي" Jimmy’s Hall، عن اهتمامات لوتش السياسية بل لعله يمثل أيضا عودة قوية إلى عرض جانب من التاريخ المجهول للحركة الاشتراكية في أيرلندا. وهو على الرغم من جدية وصرامة موضوعه، يتميز بنوع من البساطة الشاعرية، والروح الرومانسية، والكثير من لحظات المرح والاحتفال بالحياة عن طريق الموسيقى والرقص والحب.
الانتقال في الزمن
يعتمد سيناريو الفيلم- الذي كتبه الكاتب المفضل عند لوتش، بول لافرتي- على مسرحية من تأليف دونال أوكيلي Donal O’Kelly تستند بدورها على أحداث ووقائع وشخصيات حقيقية. ويبدأ الفيلم بلقطات تسجيلية (بالأبيض والأسود) من مدينة نيويورك في عشرينيات القرن الماضي، نرى خلالها تظاهرات وتجمعات العاطلين عن العمل ومعظمهم من السود، قبل ان ننتقل في الزمن ثلاث سنوات إلى الوراء، كما ننتقل من المكان، لنعود إلى منطقة ريفية تتميز بجبالها الخضراء في أيرلندا بين عامي 1919 و1921 خلال ما يعرف بـ"حرب الاستقلال" ثم الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد بين طرف لا يمانع من الاستقلال تحت التاج البريطاني، وطرف آخر، جمهوري، يريد تأسيس جمهورية مستقلة. هذا النزاع الذي خلف الكثير من الندوب والجروح في النفوس، وهو ما نراه بوضوح وتدور على خلفيته أحداث الفيلم الاسبق الكبير لكن لوتش أي "الريح التي تهز الشعير".
في تلك الفترة اضطر المناضل الشيوعي الشاب "جيمي جرالتون" للهجرة إلى الولايات المتحدة هربا من السجن والإعدام، وبنى حياة مستقلة في نيويورك، واليوم ونحن في 1932، هو يعود إلى بلدته محملا بذكريات الماضي، عندما كان قد افتتح قاعة للرقص في البلدة، وظل يواجه الكثير من المشاكل مع ملاك الاراضي الجشعين الذي كانوا يتحايلون على القانون لطرد الفلاحين من أراضيهم والاستيلاء عليها، الذين نجحزا في إستصدور حكم من المحكمة باغلاق القاعة ومنع جيمي وأقرانه من دخولها.. وما عقب ذلك من تعقب جيمي واضطراره للفرار.
الآن مع عودة جيمي، تنهض آمال الكثيرين من سكان القرية مجددا. لكن جيمي يعلن انه عاد لكي يرعى والدته التي تقدمت في العمر، وأنه يريد ان يعيش حياة هادئة، يقوم على شؤون المزرعة الصغيرة للأسرة بعد وفاة شقيقه. لكن الك أهل البلدة يمارسون ضغوطا عليه لاعادة افتتاح القاعة التي تهدمت، ويقومون باعادة بنائها معا، وتصبح مركزا لتجمع الشباب، للرقص والغناء وقراءة الشعر ومناقشة القضايا السياسية والبحث في كيفية واجهة ملاك الاراضي الجشعين الذين يتعاونون مع السلطة لقهر الفقراء. هنا تتحول القاعة إلى بؤرة للنشاط السياسي الذي يهدد مصالح الأثرياء، فيتحالف هؤلاء مع مؤسسة الشرطة والكنيسة، من أجل القضاء عليها وإغلاقها.
هجوم الكنيسة
يشن القس شريدان- ممثل الكنيسة الكاثوليكية في البلدة- هجوما عنيفا على جيمي ورفاقه في الكنيسة، ويتهمهم بالإلحاد وتشويه الثقافة الوطنية عبر القيم التي عاد بها جيمي من أمريكا، ويصل في معاداته وتحريضه إلى حد اعتبار جماعة جيمي جماعة من الكفار والمارقين، واعتبار موسيقى الجاز إعتداء على القيم المسيحية، ويهاجم من يصفهم بـ"الشيوعيين الملحدين"، ويدعو الناس الى مقاطعتهم ويخيرهم بين طاعة المسيح، أو الانضمام لأعداء المسيح!
يتم تحرير قائمة بأسماء الذين يحضرون حفلات الرقص في قاعة جيمي، ومن بينهم فتاة شابة هي إبنة مدير الشرطة القاسي الغليظ الذي يقوم في مشهد مؤثر بجلدها بالسوط، عقابا لها لكي تكف عن التردد على القاعة، لكنها تهرب وتلتحق بجيمي الذي يصبح رمزا للبطل الذي تعقد الجماهير عليه آمالها في الحصول على حقوقها وعلى حريتها، وتصبح المعركة بين جيمي وبين القس، صراعا بين الدعوة للاحتفال بالحياة والحب في إطار مقاومة التعنت والجمود، وبين التمسك بالمصالح الطبقية والفكرية والتعصب الديني الذي يفضي إلى الحض على الكراهية والعنف.
ولكن لا يبدو أن القس شيريدان يشعر بالسلام مع نفسه، فبل يبدو غير راض عن موقفه العنيف الفظ، بل يصوره السيناريو البارع، متشككا، يردد مع مساعده أنه لا يرى في "جيمي" ما يشين، بل يراه صادقا مع نفسه، لا يرى فيه عيوبا كشيوعي، بل هو أقرب إلى فكر المسيح من كثيرين، ويبدي رغبته ايضا في قراءة كتاب "رأس المال" لكارل ماركس، لكي يفهم، لكنه مع ذلك لا يمكنه إلا التمسك بموقفه الجامد المتزمت، دفاعا عن "المؤسسة" التي ينتمي إليها.  فهو يرى أن "جيمي" وجماعته نقيض لجوهر فكرة الكنيسة، فإما أن تكون مع المسيح او مع "جيمي"، وهو صراع بين مؤسسة ترفض الحياة بمفهوم الحرية والتحرر والاستمتاع حبدون مغالاة، وجماعة تدافع عن حق الإنسان في الحرية والانعتاق.
وفي واحد من أجمل مشاهد الفيلم، يذهب جيمي إلى الكنيسة يريد أن يدلي بالاعتراف للقس. وهو يوجه دعوة للقس، إلى أن يخفف من غلوائه وأن يقوم بزيارة القاعة لكي يطلع بنفسه على ما يفعلونه هناك بما لا يمثل إعتداء على أحد ولا يخالف القيم الاجتماعية، لكن القس يرفض ويقول له إنه سيذهب لزيارة القاعة فقط في حالة التخلي عن الرقص وقبول الإنضواء تحت لواء الكنيسة والخضوع لتقاليدها، فيقول له جيمي وهو يغادر الكنيسة: نحن لسنا في حاجة إلى نصائح من أصحاب القلوب الغليظة!
تحالف الدفاع عن المصالح
وفي مشهد آخر، تعتدي جماعة مسلحة تمثل تحالف الشرطة والكنيسة وكبار ملاك الاراضي، على الأهالي وهم يشاهدون فيلما تسجيليا داخل دار السينما في البلدة. ويجسد الفيلم عبر مساره، ذلك التحالف رابطا بين الفكر الديني التقليدي المتزمت، وبين المصالح الاقتصادية الطبقية لكبار ملاك الاراضي، وانحياز الشرطة والقضاء إليهم بدعوى مقاومة الشيوعية، كما يصور كيف يخشى الجيش الجمهوري الأيرلندي ضياع نفوذه بسبب نشاط جيمي ورفاقه، والتفاف الأهالي حولهم، فيباركون أيضا الاعتداء على جيمي ومطاردته أو يتغاضون عنه.
وينسج الفيلم قصة حب بين جيمي وفتاة (تدعى أونا)، كان يرتبط بها عاطفيا في الماضي ولم تستطع أن ترحل معه إلى أمريكا بسبب اضطرارها للبقاء بجانب والدتها المريضة، وهي الآن قد اصبحت متزوجة من رجل آخر، ويستخدم هذا الحب الذي ينمو مجددا، لكي يعبر عن فكرة ما يتعين على البسطاء دفع، كضحايا للانقسام السياسي الذي شهدته البلاد في تلك الحقبة.
قد يبدو فيلم "قاعة جيمي" فيلما بسيطا، واضح المعالم، وليس مركبا على نحو ما كان "الريح التي تهز الشعير"، لكن هذا لا يقلل من كونه واحدا من أكثر افلام كن لوتش تكاملا ورونقا وسحرا واتساقا في الرؤية السينمائية، وأيضا، تكاملا من الناحية السينمائية. هنا نرى تصويرا مؤثرا وصادقا للريف الاأرلندي في إطار تلك الفترة الزمنية، وننتقل من مشهد إلى آخر بسلاسة وبراعة، ونرى تجسيدا للشخصيات لا يتغافل الفيلم عن التعرض لتناقضاتها الداخلية، ويقدم المناضل السياسي في صورة إنسانية فيها من الجمال والرقة، ولكن دون أن يصبح الفيلم عملا تثقيفيا دعائيا تعليميا، بل يظل مقطوعة شاعرية رومانسية، لصورة الثوري الذي كان أول ايرلندي يتم ترحيله قسرا من بلاده وطرده إلى الولايات المتحدة. 
يتميز الفيلم أيضا بإيقاع منضبط، وموسيقة موازية رفيعة معبرة، وأداء تمثيلي بديع سواء من باري وورد (في دور جيمي) بشخصيته الكاريزمية الجامحة، وسحره الخاص ورقته وقوة شكيمته، والممثل الأيرلندي الكبير جيم نورتون (في دور القس)، وبريان اوبايرن (في دور ضابط الشرطة الفظ)، وسيمون كيربي (في دور أونا).

الجمعة، 7 مارس 2014

حول المطالبة بمنع عرض فيلم "نوح" في مصر




كانت مصر دائما تعرف عرض الأفلام "التوراتية" كما يقال لها، أي الأفلام التي تتناول نشأة المسيحية وحياة المسيح والأفلام التاريخية الدينية مثل الوصايا العشر وباراباس وغيرها... واليوم الأزهر (أبو الوسطية كما يقول البعض) يطالب بمنع فيلم عن "نوح".... فهل انكشفت الآن "وسطية الأزهر" تلك المؤسسة المسؤولة عن كل أشكال الفكر الديني المتطرف في مصر والتي يتخرج من عباءتها آلاف مؤلفة من المتطرفين والارهابيين سنويا، الذين يتعلمون بين جنباتها أن الاسلام دين ودولة وسلطة سياسية، أي أن من حق الجماعة التي يقال لهخا الآن (محظورة والارهابية) السعي للوصول للسلطة واقامة دولتها (وكله حسب الشريعة- كما يقولون). هل لجنة الفتوى وجماعة كبار العلماء والمجلس الأعلى للبحوث وهي مؤسسات تابعة بشكل ما للفكر الأزهري، التي تطالب بمنع الافلام اليوم، هي التي ستقف بجانب السلطة الجديدة في مقاومة الدعوة إلى إقامة الدولة الاسلامية- حسب الشريعة، بما يشمله ذلك من هدم دور السينما وحرق كتب الفلسفة الحديثة (الغربية) وهدم المعابد الفرعونية والتماثيل.. وما الفرق بينها وبينهم.... أليس كله في النهاية (على كله)!
وعلى الذين يزعمون أن تصوير الأنبياء في السينما وغيرها حرام شرعا أن يأتوا لنا بنص قرآني واضح في هذا المجال- أكرر- نص قرآني- وليس أحد الكتب التي وضعها أشخاص من البشر ومكن أن يكون لأي انسان رأي مخالف لما تتردد فيها "آراء" ظهرت قبل اختراع السينما وغيرها بقرون!

الثلاثاء، 4 مارس 2014

حول تكريم فاروق حسني في مهرجان المركز الكاثوليكي السينمائي



قرأت البيان الذي أصدره عدد من السينمائيين المصريين (إعتراضا) على تكريم وزيرالثقافة الأسبق فاروق حسني في مهرجان السينما المصرية السنوي الذي يقيمه المركز الكاثوليكي المصري في القاهرة، ووجدته بيانا ضعيفا بل وهزيلا فالموقعون عليه (8 أسماء) يستبعدون أن يككون اعتراضهم على تكريم فاروق حسني المعروف بلقب "وزير الحظيرة"- نسبة إلى التعبير المنسوب إليه- يقولون في بيانهم إنهم (غير معنيين بغسيل السمعة الذي مارسه فاروق حسني من موقعه كوزير ثقافة لصالح حسني مبارك، نحن غير معنيين بمواقفه السياسية) كما أنهم (نحن وإن كنا معتقدين في أهمية إعلان موقفنا، إلا أنا لا نرى فائدة ترجى من سحب أفلامنا من الدورة الحالية للمهرجان، وذلك لإيماننا بأن عروض الأفلام إنما هي ملك لمحبي الافلام ومشاهديها)...
هم ليسوا إذن مختلفين سياسيا مع فاروق حسني ولا يهمهم حتى ما مارسه من غسيل لسمعة نظاممبارك، بل فقط لا يعجبهم أن يتك تكريمه لأنه مسؤول عن الحريق في مسرح مدينة بني سويف الذي أدى الى قتل عدد من المسرحيين والمثقفين، وعلى فساد المتاحف المصرية)!!!
كما أن الأخوة الموقعين على البيان يؤكدون أنهم لن يسحبوا أفلامهم من مهرجان المركز الكاثوليكي اكتفاء بالطبع بالبيان (الورقي) الذي أصدروه في حين ان الموقف الأقوى كثيرا الذي كان يمكن أن يعد موقفا ثوريا عن جق، هو سحب أفلامهم وادانة موقف المركز الكاثوليكي الذي لا يتعرضون له في بيانهم سوى بابداء الاحترام والتقدير (للدور الذي يقوم به المركز الكاثوليكي تجاه صناعة السينما المصرية). ولا أدري ما هو هذا الدور خاصة أن هذا المركز التابع للكنيسة الكاثوليكية في مصر يفرض شروطا رقابية متزمتة من منطلقات أخلاقية ودينية على الأفلام السينمائية، ولا يقبل في مهرجانه سوى أفلام الدعوة الى الفضيلة والخير الذي يجب أن ينتصر على الشر، طبقا لقناعاته بالطبع، ومعظمها أفلام متدنية المستوى..  كما أن دور الكنيسة الكاثوليكية ليس الاهتمام بالسينما ولا بالثقافة والسياسة، بل بخدمة رعاياها. والغريب أن موقف المركز والكنيسة في الاحتفاء بفاروق حسني لا يلقى اي اعتراض من طرف الموقعين على البيان، وكأن فاروق حسني هو الذي قام بالاحتفاء بنفسه!!
إن احتفاء المركز الكاثوليكي بفاروق حسني وتكريمه هو عمل سياسي واضح وموقف داعم لنظام نريده أن يسقط وكنا دائما نعمل من أجل إسقاطه، من قبل أن يولد "الأب بطرس"- راعي المركز والمهرجان المزعوم- الذي يتهمنا الآن بأننا ممن يريدون "ركوب موجة الثورة"!
قلناها من قبل ونقولها مجددا: الفاتيكان لا يقيم مهرجانات سينمائية ولا يستقبل ممثلات وممثلين يتمسح فيهم من أجل كسب بعض الشعبية له في ايطاليا، كما أنه لا يوزع جوائز سينمائية ولا يحتفي بالرموز السياسية من الحقبة الفاشية.. ولو فعل لقامت قيامة كل السينمائيين والمثقفين في إيطاليا.. لكن البعض في (مصر المحروسة) يخجل ويعتذر عشرات المرات قبل لفت النظر في ذلك البيان الضعيف، إلى أنهم فقط غاضبون لهذا "الاستخفاف بالمنطق" مع الاصرار  في الوقت نفسه، على عدم سحب أفلامهم من مهرجان "يستخف بالمنطق".. وهي إزدواجية الراغب في الإمساك بالعصا من المنتصف!

الثلاثاء، 18 فبراير 2014

سر قوة فيلم "12 عاما في العبودية"







أمير العمري





بعض التعليقات التي كتبت على الفيلم الأمريكي البديع "12 عاما في العبودية"  12 Years A Slave  تقول إن الفيلم لا يضيف جديدا، وإنه يجعل من قضية تحرير العبيد قضية قانونية تتعلق أيضا بشخص واحد بدلا من المجموع، وإنه بالتالي يقلل من قيمة وأهمية القضية، بل ويهمشها حينما ينتهي بحصول بطله على الحرية مع بقاء أقرانه عبيدا!

الحقيقة أن الفيلم يميل أولا، إلى الاخلاص للأصل الأدبي الذي يعتمد عليه، وهو الكتاب الذي يحمل العنوان نفسه الذي أصدره سولومون نورثروب في القرن التاسع عشر.. الذي يروي قصته الشخصية وما وقع له من مأساة. 

والرد على اتهام الفيلم بأنه يجعل القضية قضية أوراق قانونية فقط يجب أن يكون كالتالي: إنه حتى الأمريكي الأسود الذي كان يحما أوراق انعتاق من العبودية في تلك الفترة النظلمة من التاريخ الأمريكي، لم يسلم من الاستبعاد والبقاء في العبودية لإثني عشر عاما.. وهو ما يقوي موضوع الفيلم وقضيته وليس العكس، أي أن هذه الحالة الخاصة هي أبلغ ادانة لسياسة التفرقة العنصرية على أساس اللون، واستبعاد الانسان لأخيه الانسان وليست تهميشا للقضية. واختيار مشكلة شخصية تتعلق برجل معين، موهوب، يعزف على آلة الكمان، يجيد القراءة والكتابة، يتمتع بالفطنة وحسن التدبير والقدرة على الابتكار، كلها أمور تجعل الاختيار مثاليا في التعبير عن ضراوة المشكلة، فرجل بهذه المواصفات، أرغم على العمل في الحقول مثل أي عبد من زملائه، كما بقى في العبودية سنوات طويلة عاجز عن اثبات أنه رجل حر وكان يلقى السخرية حينا، أو الانكار والاتسنكار حينا آخر كلما انبرى يدافع عن حقوقه الى أن أرغم بالقوة على الصمت والقبول حتى بتغيير إسمه وتاريخه الشخصي حسب رغبة السادة الذين اختطفوه ثم باعوه ونقلوه الى الجنوب الأمريكي.

 بطل الفيلم يتمتع بقدرة عالية على ضبط النفس، وعدم اللجوء للعنف إلى أن يشتد الضغط عليه فينبري مرة واحدة للدفاع عن نفسه فيكون ذلك الانتقام القاسي الذي يتعرض له كما شاهدنا في مشهد الشنق الوحشي الذي لم يكتمل، إلا أن الفيلم لم يهمل تصوير غيره من نماذج بشرية أخرى بائسة تتعرض لشتتى أنواع الاعتداء والتنكيل ومنها الاغتصاب الجنسي والجلد والشنق الفعلي..إلخ
إذن الفيلم لم يهمل تصوير الموضوع في كليته وشموليته، ولكنه لم يكن ممكنا أن ينتهي بمشاهد عنيفة بطولية على طريقة (جانجو)- لأنه فيلم يقوم على موضوع وقصة حقيقيتين وليس على افتراضات خيالية فنية مثل تلك التي أبدعها تارانتينو في فيلم شديد الاختلاف حقا. 

ان الانتصار على العنصرية على الشاشة فقط لا يغير حقائق التاريخ، ولكنه ربما يغير صورة التعبير عن تلك الحقيقة على الشاشة. وهو ما لم يلجأ إليه المخرج ستيف ماكوين الذي ليس من الممكن اتهامه بأي درجة بأنه من السينمائيين الذين ينطبق عليهم وصف أنصار كوخ العم توم، بل على العكس تماما. إنه يستنكر ويصرخ ويحتج عبر بطله في هذا الفيلم البديع، على تلك الهمجية التي لم ينج منها حتى من اعتبرته "الحضارة الأمريكية" وقتها مواطنا حرا!
وهذا بلاشك من أفضل الأفلام التي عالجت المسألة بنظرة فنية رفيعة.

الخميس، 13 فبراير 2014

فيلم "كف القمر" هل أفلس خالد يوسف؟!



شاهدت أخيرا فيلم "كف القمر"- آخر فيلم أخرجه خالد يوسف قبل أن يصبح جزءا من الأحداث السياسية الصاخبة التي تشهدها مصر منذ نحو ثلاث سنوات. ولم يكن هذا الفيلم تحديدا قد حظى باهتمام نقدي أو حتى جماهيري مشابه لأفلام سابقة للمخرج نفسه، ومرجع ذلك أن عروضه العامة في مصر بدأت بعد أحداث إنتفاضة 25 يناير مباشرة التي أدت إلى إغلاق كثير من دور السينما واضطراب عروض البعض الآخر في تلك الفترة بسبب تدهور الأحوال الأمنية في الشارع.
الفيلم من تأليف ناصر عبد الرحمن (كتب القصة والسيناريو والحوار) الذي سبق أن إشترك في أكثر من فيلم مع خالد يوسف لعل أشهرها "حين ميسرة". أما في هذا الفيلم فيتراجع خالد يوسف إلى الوراء، ويترك العنان لطغيان الرمز السياسي الذي يولع به كثيرا بحيث يصل أحيانا إلى حد الصراخ المباشر من خلال الحوار، وحشو الكثير من المبالغات الدرامية التي تجعل من معظم أفلامه "بيانات سياسية احتجاجية مباشرة وضعيفة" لا تشهد على الظاهرة الاجتماعية المتدهورة بقدر ما تصبح جزءا منها!
إن مشكلة خالد يوسف أنه لا يريد أن يكتفي بدور السينمائي الذي يقدم رؤية فنية للواقع، بل يريد أن يقوم بدور الخطيب والداعية السياسي أو المصلح الاجتماعي ولو بوضع مجموعة من "الافتراضات الدرامية" التي تقارب بين الفيلم والواقع بطريقة رديئة تذكرنا بميلودرامات سينما أثرياء الحرب في الأربعينيات.





السبت، 8 فبراير 2014

فيلم "الميدان" وكل هذا الجدل.. لماذا؟



بمجرد ترشيحه لجائزة الأوسكار لأحسن فيلم وثائقي طويل مع أربعة أفلام أخرى، سرعان ما أثار الفيلم الوثائقي 'الميدان' الكثير من الجدل الحاد والصاخب سواء على صفحات موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي، أو عبر الصحف ووسائل الإعلام المصرية.


فقد تعرض الفيلم ومخرجته المصرية التي تقيم في الولايات المتحدة، لحملة ضارية تنتقص من قيمة الفيلم وتقلل من أهميته وتعتبره جزءا من 'مؤامرة' أميركية ضد الثورة المصرية والثوار، بل بلغت الاتهامات حد اتهام المخرجة بالخضوع للتوجهات السياسية الأميركية، وهو ما يعني العمالة.


بل إن حصول الفيلم على عدد كبير من الجوائز واهتمام إعلامي كبير في مهرجانات سينمائية مرموقة مثل 'صندانص' و'تورنتو' و'نيويورك'، استخدم سلاحا ضد الفيلم، ودليلا على فكرة أنه جزء من مؤامرة غربية لتشويه الثورة المصرية!


جيهان نجيم مخرجة الفيلم


هذه الاتهامات لم تأت فقط في سياق تعليقات من بعض الشباب، منهم من يزعم أن الفيلم لا يعبر عن ثورة يناير 2011 بل أن 'لا أحد يمكنه التعبير عن الثورة'، بل تورط فيها أيضا عدد من النقاد أو الصحفيين.



وأود هنا أن أقرر أنني شاهدت الكثير من الأفلام التي صنعت عن الثورة المصرية، سواء من التي صنعها مصريون أو أجانب، وسواء عبر شاشات التلفزيون (كما في الفيلم الذي أنتجه تلفزيون بي بي سي البريطاني)، أو خلال عرضها في مهرجانات سينمائية عالمية، ولم ألحظ وجود أي اتهام وجه لهذه الأفلام حينما عرضت في الغرب.

الخميس، 16 يناير 2014

فيلم إيدا".. الهولوكوست صناعة بولندية!




يعيد الفيلم السينمائي البولندي "إيدا" Ida للمخرج بافل باولكوفسكي المقيم في بريطانيا، مجددا- تصوير موضوع درامي إنساني يرتبط بما يعرف بـ"الهولوكوست"، أي إضطهاد النازيين لليهود، وما يقال عن إرسالهم إلى "غرف الغاز" بغرض "الإبادة الجماعية" خلال الحرب العالمية الثانية. هذا الموضوع الذي أنتجت عنه مئات الأفلام الدرامية والتسجيلية والمسلسلات التلفزيونية. وتتفق معظم هذه الأعمال على أن "الهولوكوست" صناعة ألمانية، وأنه مرتبط بالعنصرية النازية تحديدا، التي كانت موجهة - بشكل إستثنائي- ضد اليهود واليهود وحدهم، وهي نظرة تلقى أيضا من يشكك في صحتها وينقدها بل وينفيها بأبحاث وكتابات مضادة في الغرب.
أما فيلم "إيدا" فهو يرد الموضوع إلى طرف آخر، فهو يتهم البولنديين الكاثوليك باستغلال الخطاب النازي الدعائي المعادي لليهود  خلال الحرب العالمية الثانية، والمشاركة في قتل اليهود البولنديين، بغرض الاستيلاء على منازلهم وممتلكاتهم. لكن أهمية الفيلم ونقاط تميزه لا تعود فقط إلى هذا الجانب الذي يجعله مختلفا عن كثير من الأفلام التي سبقته، بل إلى شكل تناوله للموضوع وأسلوبه الفني الخاص والمتميز كثيرا.

يبدو هذا الفيلم للوهلة الأولى، تقليديا في بنائه، إلا أن نظرة متعمقة في أبعاده وتضاريسه الفنية تكشف أننا أمام فيلم "طليعي" بدرجة كبيرة، يتمرد على الجماليات السائدة في مثل هذا النوع من الأفلام، بل ويتلاعب بالشكل تماما، كما يغير من مسار الموضوع ليبعده تماما عما يمكن ان يتوقعه وينتظره المشاهد.
الفيلم يبدو أولا، مخلصا لمنطق الدراما التقليدية (الأرسطية) في حفاظه على وحدتي الزمان والمكان، فالأحداث تدورفي عام 1960 أي بعد خمسة عشر عاما من نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945. وثانيا يخلص سيناريو الفيلم للنصيحة الأولية التي توجه عادة لكتاب السيناريو، مما يجعله يركز على شخصيتين رئيسيتين فقط هما: الفتاة (إيدا) وخالتها "فاندا".



الاثنين، 6 يناير 2014

السينما العربية.. أزمة المصطلح

لقطة من فيلم "وجدة"

بقلم" أمير العمري


"أزمة السينما العربية" موضوع مطروح للمناقشة يتردد منذ أن وعينا على الدنيا، تردده وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث والدراسات باستمرار، وتقام بشأنه -بين حين وآخر- الكثير من المؤتمرات والندوات والموائد المستطيلة والمستديرة دون أن يتطرق أحد المشاركين في تلك المناقشات إلى طرح معنى السينما العربية أصلا.
 
يجدر التساؤل بشأن ماهية السينما العربية قبل أن نحدد ما إذا كانت في أزمة، أم أن سؤال الأزمة بأكمله سؤال "مفتعل" لإشغال البعض بالبحث والجد والاجتهاد في ما لا يوصلنا قط إلى فهم عميق للموضوع بل إننا نخرج منه كما دخلنا عادة!
عندما نقول "السينما العربية" يجب أن يكون هناك أولا -وقبل كل شيء- اتفاق على معنى المصطلح، فهل نحن متفقون فعلا؟

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

أزمة السينما... والثورة!




بقلم: نادر عدلي

جريدة "اليوم السابع" 6 ديسمبر 2013


حالة هستيرية مفتعلة تسود الحياة السينمائية، فالكل يتحدث عن «الأزمة» التى أودت بحركة صناعة السينما وجعلتها شبه متوقفة، على أساس أننا كنا ننتج 40 فيلماً سنوياً خلال العقدين الأخيرين، بينما لا يزيد الآن على 10 أفلام أو 15 فيلماً سنوياً، وهى أرقام غير دقيقة، حيث بلغ متوسط الإنتاج فى السنوات الثلاث الأخيرة حوالى 30 فيلماً سنوياً، وهو رقم حقيقى وواقعى لا يكمن لأحد أن ينكره!
ولست فى حاجة للإشارة إلى أن مسألة «أزمة السينما» هذه، عنوان أساسى فى الحديث عن السينما منذ الأربعينيات، ولم نحاول معالجتها بشكل حقيقى وصحيح.. وهذه مشكلة أخرى.
فما هى المشكلة أو «الأزمة» الآن؟!
يتصور المتحدثون عن الأزمة، أن ثورة 25 يناير 2011، كان من توابعها اضطراب فى سوق السينما، بسبب عدم الاستقرار الأمنى والمظاهرات، ثم سيطرة الإخوان «تجريم وتحريم الفن»، ثم حالة الطوارئ وحظر التجوال.. وأصحاب هذا الرأى يرون ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة للتغلب على الأزمة، وقد أصبحوا يتصدرون المشهد، وأصبحت لهم الكلمة الأولى فى الحالة السينمائية وتحليلها وتحديد اتجاهاتها!
من هؤلاء؟.. وكيف وصلوا لهذه المكانة؟!
بحكم «المهنة» انتبه هؤلاء مبكراً إلى ضرورة «تصوير» أنفسهم فى «ميدان التحرير»، ثم فى الاعتصام ضد وزير الثقافة الإخوانى، وقدموا أنفسهم بأنهم «صوت» السينمائيين!.. فلما جاء وزير الثقافة الانتقالى د. صابر عرب، حرص كل الحرص على إرضاء هذه المجموعة، صاحبة الصوت العالى «الثورى»!.. رغم علمه بأنها نفس المجموعة التى كانت تحرك السينما طوال الـ30 سنة الماضية ، وهم جزء من الأزمة وأسبابها (!!).
فتح لهم الوزير باب الوزارة ليرتعوا - على أساس أنه لا يفهم فى السينما! - فأصبحوا مستشاريه، وأقنعوه بأن يقيم «المهرجان القومى» حتى لو لم يحضره أى من السينمائيين.. وأن يؤجل مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، وإلغاء هذه الدورة.. فامتثل لهم!.. وأن يمنحهم كل مقاعد «لجنة السينما» بالمجلس الأعلى للثقافة.. ففعل!.. ويسمح لهم بالسيطرة على المركز القومى للسينما.. فرحب!
أما الشىء العبقرى - بالفعل - الذى حققوه، فكان إقناع رئيس الوزراء د. حازم الببلاوى بتشكيل لجنة من 8 وزراء (تصوروا)، وبرئاسة نائبه للشؤون الاقتصادية د. زياد بهاء الدين «للنهوض بصناعة السينما وتطويرها وحل مشاكلها»، وينضم لهذه اللجنة أعضاء غرفة صناعة السينما، وهذه المجموعة الثورية؟!.. ومر شهران ونصف الشهر دون أن تجتمع هذه اللجنة أصلاً!.. ونستطيع أن نتكهن بأن مطالب هؤلاء هى مجموعة إجراءات لتحقيق مصالحهم فى مزيد من الأرباح على حساب السينما وأزمتها!.. بالإضافة إلى تحقيق مزيد من أحلام الشهرة، وشهوة التقرب إلى السلطة!

أما أزمة السينما الحقيقية، فليس لها علاقة بكل ما ذكروه فى الصحف والبرامج التليفزيونية فهل يصح أن ندعو من «أفسدوا» السينما إلى إصلاحها؟!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger