لاشك أن مهمة نقاد
السينما الأساسية هي نقد الأفلام، ومهمتهم التالية نقد الظواهر السينمائية
والقضايا التي تلعب دورا رئيسيا في العملية السينمائية بل ونقد الظواهر الثقافية
بشكل عام، فالسينما لا توجد في عزلة عن غيرها من النشاطات الثقافية، وهي تتأثر
بشكل كبير بالمفهوم السائد للرقابة على الإبداع وبالثقافة السائدة في المجتمع،
وهنا يتعين على الناقد أن يلعب دورا مباشرا في قيادة حركة الوعي الثقافي
والسينمائي، يدافع عن حرية الفكر وحرية الإبداع، كما أن من واجبه الدفاع عن سينما
الفن في مواجهة سينما التجارة والمقاولات التي لا تقيم لقيم الفن بحثا عن تقديم
التسلية بأي طريقة.
ومن الظواهر التي
باتت تشكل منعطفا واضحا في مسار النقد السينمائي العربي، أن أصبح الكثير من نقاد
السينما المخضرمين، الذين يعرفون الفرق بين الغث والسمين، ويعرفون أهمية تحليل
الفيلم وتفكيكه ورده إلى مصادره ثم إعادة تركيبه وشرح مغزاه ومفاهيمه للقاريء-
المشاهد، اختاروا طواعية التوقف عن ممارسة النقد السينمائي، بدعوى أنهم كتبوا
كثيرا في الماضي ولم تجدي كتاباتهم شيئا، فلم تتغير السينما، ولم يتغير المشاهدون.
هذه الفرضية ليست
صحيحة بالقطع، فالمشاهد الذي يقرأ ليس هو نفسه مشاهد السينما بالأمس، قبل ظهور
وسائل الاعلام الجديدة المتعددة الوسائط، التي جعلت الأجيال الجديدة من الشباب
يقبلون على المشاهدة المكثفة، والاستمتاع والبحث عن كل ما يتعلق بالأفلام التي
يشاهدونها، من نقد وتحليل ومعلومات، وأحيانا أيضا يدخلون في جدال حول ما يشاهدونه،
على مواقع التواصل الاجتماعي.
أصبح بعض النقاد
الذين كانوا يمارسون دورهم بصلابة في الماضي يبحثون اليوم عن أدوار أخرى، مثل
العمل بالمهرجانات السينمائية، أو الاكتفاء بكتابة عمود قصير إسبوعي يحمل بعض الأفكار
العامة، ولا يخرج في معظم الأحيان عن إطار المجاملات أو التعليقات التي تتحاشى
توجيه نقد حقيقي للظواهر السلبية في حياتنا الثقافية والسينمائية. وأصبح النقد
بالتالي في أزمة، وأصبح الشباب يكتفي بالتعليقات العابرة التي تتنشر على موقع
التواصل الاجتماعي، أو يبحثون عن النقد في الصحف والمواقع الأجنبية.
هذه النظرة التي
تتعالى على النقد، أو ترى أن "الناقد" أكبر من كتابة النقد، وأن دوره
أكبر من مجرد الكتابة، وأن بوسعه مثلا الاكتفاء بالظهور أحيانا على شاشة
التليفزيون للحديث عن السينما في إطار الاحتفال والمجاملة، يمكن أن يجنبه الكثير
من المتاعب مع السينمائيين، بل قد يجعل منه "نجما" يتمتع بجماهيرية
مثلما يتمتع النجم السينمائي.
لكن الناقد أولا
وأخيرا، مثقف وليس نجما، وطبيعي أن يختلف دور المثقف عن دور النجم، والمثقف
الحقيقي يختلف مع المنظومة السائدة التي تعادي الإبداع، ويدفع بالتالي ثمن مواقفه.
0 comments:
إرسال تعليق