قبل أن نشاهد أفلاما من السينما الكوبية، كانت فكرتنا عن كوبا عموما، أنها بلد فقير، محاصر، خاضع لنفوذ السوفيت، ليس لديه سوى السكر والسيجار الهافاني الشهير الذي ارتبط به الزعيم الكوبي الأشهر، فيدل كاسترو.
كتابات نقدية حرة عن السينما في الحياة، والحياة في السينما............. يحررها أمير العمري
السبت، 27 أبريل 2013
الثورة والفيلم والسيجار
قبل أن نشاهد أفلاما من السينما الكوبية، كانت فكرتنا عن كوبا عموما، أنها بلد فقير، محاصر، خاضع لنفوذ السوفيت، ليس لديه سوى السكر والسيجار الهافاني الشهير الذي ارتبط به الزعيم الكوبي الأشهر، فيدل كاسترو.
الثلاثاء، 7 أغسطس 2012
ذكريات حول تجربة نادي السينما
الخميس، 7 يناير 2010
الحنين إلى "عصر السينما"

مجمع سينما وورنر فيلليج

سينما ريتزي التحفة المعمارية الرائعة في حي بريكستون (لم أزرها بكل أسف حتى الآن)

واجهة سينا بلازا
.jpg)
سينما امباير من الداخل في ليستر سكوير في سالف العصر والأوان قبل تقسيمها

سينما امباير من الخارج حاليا

سينما امباير من الخارج قبل فترة

سينما لندن بافيلون

سينما بيوجراف التي اشار إليها محمد خان وقال انها كانت في فيكتوريا ستريت
واجهة سينما جيت نوتنج هيل
المهم أن محمد خان الذي عاش سنوات طويلة في لندن، وسبقني بالطبع كثيرا، تعود ذكرياته بالتالي إلى الزمن الأجمل بلا أي شك، وهي حقبة الستينيات التي غيرت تاريخ الدنيا (هناك بالمناسبة عدد من الكتب المهمة حول تأثير الستينيات وثقافة الستينيات وفنون الستينيات) كما لم تفعل أي حقبة أخرى في القرن العشرين، فقد كانت سنوات للغضب والثورة والتمرد على كل ما هو سائد من فنون، وفيها ظهرت أكبر حركات التجديد في السينما والموسيقى والمسرح وغير ذلك.
أود ايضا أن اقول إنني كنت أريد أن يختتم كتابي "حياة في السينما" بهذا الفصل الحميمي الذي ابتعد فيه عن الهموم المصرية والعربية، وأعود إلى البدء.. أي إلى السينما، وإلى دار العرض السينمائي تحديدا التي ولدنا فيها وتعلمنا في داخلها السينما، أظن أنا ومحمد ايضا، فقد كانت وسيلتنا الأولية لتعلم السينما هي المشاهدة والقراءة والمناقشات سواء في نوادي السينما، أو بعد ذلك في دور السينما الفنية في العاصمة البريطانية التي أحتفظ لها بذكريات رائعة وأعتبرها مدرستي السينمائية بحق.. لكن الاقدار وحدها شاءت الا ينشر هذا الفصل في الكتاب، ربما لكي يصبح متاحا لقراء هذه المدونة بشكل مباشر.
وقد أسعدني أن اتلقى ثلاثة رسائل أخرى من محمد خان يذكرني فيها ببعض دور العرض اللندنية، منها ما أتذكره، ومنها ما لم أعايشه أو الحق به، فقد وصلت بعد أن زال من الوجود أو تحول إلى محلات أخرى.
وأنا أود هنا ان أشيد بذاكرة محمد خان، بل وأتمنى أن يعكف على كتابة مذكراته اللندنية بكل ما فيها من مغامرات في السينما وغير السينما، فسيكون هذا كتابا رائعا لنا جميعا.
المهم.. بعد ان تلقيت رسائل محمد، شعرت شعورا غامضا جميلا، بالرغبة في استعادة كل ما ذكره، بالعثور على صور لدور العرض التي ذكرني بها، كيف كانت وكيف أصبحت، وبدأت رحلة بحث مضنية، وتمكنت من جمع عدد من الصور التي أود ان اقدمها لقراء هذه المدونة من أصدقائي عشاق السينما، وعشاق دور السينما الحقيقية وليس "علب الافلام"، كما أقدمها أساسا، إلى صديقي محمد خان، لدعم هذه الذاكرة المشتركة بيننا، وتزويدها بالجزء المرئي منها، أي الصور. وارجو أن يساعده هذا بل ويحفزه على كتابة ذكرياته. وانا على استعداد لمراجعتها وإعدادها للنشر، والناشر موجود فعلا.
سألني محمد عن الدار السينمائية الملاصقة لسينما امباير في ليستر سكواير، واقول إنها ليست ملاصقة تماما. دار امباير القديمة التي أشار إلى أنها كانت مرقصا في الماضي، لابد أنها قسمت إلى دار عملاقة للسينما (هنا بعض الصور) ومرقص او ديسكو و ربما أيضا كازينو، أما السينما التي تبعد عدة خطوات عن مبنى إمباير فهي تدعى حاليا سينما فيو Vue وكانت من قبل Warner Village بعد أن تم تقسيمها إلى 9 قاعات تحت وفوق الأرض أو ربما 10 أيضا لا أتذكر بالضبط فلست من هواة التردد عليها بعد أن أصبحت مجموعة من العلب، وغالبا كانت تسمى قبل ذلك سينما كلاسيك أي ضمن الشبكة الشهيرة وقبلها كانت جزء من شبكة ABC ايه بي سي. أما سينما بلازا يامحمد فلم يعد لها وجود الآن بكل أسف.. وكذلك السينما الأخرى التي كانت موجودة في شارع هاي ماركيت على ناصية صغيرة، وهي أوديون هاي ماركيت، فقد فوجئت قبل فترة قصير باختفائها من الوجود ايضا، ولاتزال السينما الصغيرة في أول بيكاديللي ستريت موجودة لحسن الحظ.
أنشر هنا رسائل محمد الثلاثة كما وردت.. والصور تجدونها موزعة فوق وتحت هذه الكلمات مع تعليقاتي عليها.
عزيزي محمد: هل هذه هي الدور التي حدثتني عنها في رسائلك؟ رجاء التدقيق والتصحيح إذا وجدت خطأ ما.. وتقبل تحياتي.

لقطة أخرى لسينما بافيلون التي زالت من الوجود قبل ذهابي إلى لندن عام 1984
عزيزى أمير
لندن والثلوج أو الضباب أو الأمطار .. هى لندن التى لها وحشة .. فسينماتها من أول زيارة فى ١٩٥٨ تعود فى خيالى .. والبركة فى مقالك.. هل تتذكر السينما التى كانت فى ِإدجوار رود.. على الرصيف المواجه للأوديون ماربل آرش .. هى الآن اعتقد كافيتريا لبنانية لعشاق القهوة التركى والشيشة والشاورما .. بالمناسبة شبكة دور عرض أوديون وقبلها جومونت وبالمناسبة سينما إمباير فى ليستر سكوير قبل ما تقسم كانت اكبر سينما حجما فى لندن وكانت شقيقتها اللازقة بها وناسى اسمها .. ياريت تفكرنى .. المهم إمباير فى الستينات كانت قاعة رقص ضخمة كان لي مغامرات فيها.. أنا طبعا تطرقت للسينمات عموما ومش بالضرورى متخصصة ويمكن لأن السينما عموما كان حالها أجمل بكثير .. سينما ريالتو بقت محل هامبرجر وسينما بافيليون بقت فرع لشبكة محلات الدى فى دى.. وبما انى بقيت فى البيكاديلى منساش السينما الصغيرة على الناصية فى أوائل بيكاديلى ستريت .. أهى دى كانت متخصصة .. وأخيرا كنت من ضمن اللى وقفوا فى الصف الطويل عشان أشوف تحفة هيتشكوك ـ سايكو ـ فى أول عرض وحفلة ظهرا فى السينما اللى لا تزال موجودة فى ليتل ريجنت ستريت "بلازا " وقطعوها حتت زى بقية السينمات .. مقالك تحريض لزيارة لندن .. حتى لما اتقابلنا فى لندن على ما اتذكر فى شيرنج كروس روود كان فيها سينما فى صف مكتبة فويلز متخصصة كذلك .
كفاية سينمات والسلام.
رسالة (2)
ملحق سريع قبل ما أنسى.. شاهدت فيلمين فى نفس البرنامج
Fritz Lang's M
Henri George Cluzot's
Les Diaboliques
هناك سينما كانت مسرحا أصلا وأعتقد عادت لتكون مسرحا.. وهى خلف شيرنج كروس روود ناحية كيمبردج سيركس.
..
أظن كان برنامج مذهل
تحياتي
لقطة أخرى لعل محمد يؤكدها لسينما لندن بافيلون
رسالة (3)
آخر كلام عن السينمات .. الواحد نسى ثلاث سينمات قديمة
Paris Pullman
اكتشافى أنطونيونى بفيلم L'Aventurra
اللى بعده كتبت خطاب الى مجلة films & Filmingونشر عن تأثرى بالفيلم وأيضا كنت مع شادى عبد السلام وعبد العزيز فهمى نتابع عرض "المومياء"، وكان كتابى عن السينما المصرية فى فترينة السينماوده كانت سينما صغيرة وخاصة جدا، وبعدين فيه سينما اكتشفتها فى حى فكتوريا واسمها Biograph ثم فى ويسترن جروف روود كان فيها Roxy أو كانت غيرت اسمها إلى International film Theatre
واكتشفت تروفو فيها وكذلك فيلم نادر لدى سيكا ـ السقف ـ
بقت اعتقد الآن محل بيتزا.. كلهم قفلوا .. وعلى فكرة السينما اللى فى ادجوار روود كان اسمها Gala Royal وتعرفت فيها على بونويل
عشان كده بأعتبر مدرستى الحقيقية كانت سينمات لندن فى الستينات.
تحياتى

سينما ريالتو التي كانت كائنة في كوفنتري ستريت

سينما ريالتو من الداخل التي ذكرها محمد خان ولم أعاصرها

سينما أيماكس أكبر شاشة سينمائية في أوروبا التي تعرض الافلام المجسمة وأحدثها حاليا "افاتار"
السبت، 25 أكتوبر 2008
يوميات مهرجان تطوان السينمائي 2005

* يومي الأول هو اليوم الثاني في المهرجان. لماذا؟ السبب يرجع إلى عدم توفر أماكن شاغرة على الطائرات من أوروبا إلى طنجة بسبب عطلة عيد الفصح في أواخر مارس.
* الطريق من مطار طنجة إلى تطوان يستغرق ساعة ونصف الساعة تقريبا. تعرفت في السيارة على المخرجة سيمون بيتون، وهي إسرائيلية- فرنسية هجرت إسرائيل ضيقا من عنصريتها، وتخصصت في إخراج أفلام تسجيلية عن الفلسطينيين، وقد حضرت إلى مهرجان تطوان للمشاركة بفيلمها الجديد "الجدار" عن الجدار الفاصل الذي شيدته إسرائيل في الضفة الغربية.
سيمون ودودة وتمتلك الكثير من روح المرح، والأهم أنها تفهم روح السخرية irony، وبدون ذلك ليس من الممكن إجراء أي حوار حقيقي في رأيي مع أي إنسان متحضر!
* عرفت من مرافقي أثناء الرحلة من مطار طنجة إلى تطوان أن أعضاء الوفد المصري وصلوا في اليوم السابق لكنهم فشلوا في اللحاق بحفل الافتتاح بسبب تأخرهم داخل مطار الدار البيضاء (قبل انتقالهم بالسيارات إلى تطوان) لعدة ساعات، ربما بسبب إنهاء مشاكل التأشيرات أو ما إلى ذلك من مظاهر التخلف العربي الضارب بأطنابه.
وصلنا إلى الفندق وهو حديث البناء ممتاز. إلا أنه بعيد جدا عن المدينة حيث يوجد المهرجان (حوالي 40 كيلومترا)، وهو خطأ سنظل جميعا ندفع ثمنه يوميا حتى النهاية. وأظن ان هذا أبعد فندق نزلت به في حياتي عن أي مهرجان حضرته، فهو في واد والمهرجان في واد ىخر تماما. وكانت ابعد نقطة اتصورها عن موقع مهرجان ما هي عندما نزلت خلال حضوري مهرجان فارنا في بلغاريا عام 1987 في فندق على شاطئ يدعى "الرمال الذهبية" (بالمناسبة كل بلد في العالم تطل على بحر لديها رمالها الذهبية!) كان يبعد عن وسط مدينة فارنا حيث "هيصة" المهرجان حوالي 22 كيلومترا. أما فندق مهرجان تطوان (ذو النجوم الخمس) فهو يبعد حوالي 40 كيلومترا!
اليوم الثاني الأحد 27 مارس
* في مطعم الفندق ألتقي بالصديق القديم العتيد جدا.. "بريان دي بالما- مصر" كما أطلق عليه أو المخرج "الكبير جدا" محمد خان، ومعه هذه المرة زوجته الجديدة الشابة كاتبة السيناريو الموهوبة وسام التي كتبت فيلم "أحلى الأوقات". إنسانة رقيقة عذبة وحالمة، لا أعرفها من قبل فهي تنتمي للأجيال الجديدة التي نشأت وترعرعت وأنا خارج مصر. مهرجان تطوان يكرم محمد خان وهو تكريم يستحقه بالتأكيد. لم يفكر فيها أصحابنا إياهم في مهرجانات مصر ربما لأنهم لا يعتبرونه مصريا أصلا حسب تصنيفهم العنصري المحدود!
* الممثلة بوسي موجودة بحكم عضويتها في لجنة التحكيم. كنت قد التقيت بها من قبل مع نور الشريف في لندن قبل 16 سنة. صعب أن تتذكر.
* ألتقي أيضا بالصديق "التاريخي" محمد كامل القليوبي الذي تمتد معرفتي به إلى أكثر من 34 عاما.. هل هذا ممكن!
* هناك كذلك الصحفي الموهوب وائل عبد الفتاح، والناقدة الصحفية علا الشافعي (من الأهرام العربي) التي كنت قد قابلتها مرات معدودة في مصر، والمذيعة بسنت حسن من التليفزيون المصري.. لا أدري ماذا تفعل هنا حيث لا كاميرا ولا فريق تصوير ولا يحزنون. وكان هناك أيضا المخرجة هالة خليل التي أسعدني التعرف عليها كثيرا بسبب حلاوة روحها وشخصيتها القوية الطبيعية دون افتعال أو ادعاءات. وقد حضر أيضا المخرج سعد هنداوي والمخرج أسامة فوزي ولمها فيلمان في المهرجان داخل وخارج المسابقة.
* الموسيقار العراقي الموهوب نصير شمة موجود أيضا بدماثته وخلقه الرفيع ضمن أعضاء لجنة التحكيم الرسمية التي تضم اثنين من المغرب: ناقد ومخرج، جريا على عادة مهرجانات العالم العربي.
* الوفد المصري أجمع على اختيار "الأستاذ" فوزي سليمان رئيسا له.. يالشجاعة فوزي وشبابه وقدرته العظيمة على أن يقطع أرجاء الأرض، لا يستسلم للتقدم في السن أبدا.. وهو دائما ذلك الإنسان الرائع المحب للسينما، المخلص لها دون طمع في جاه أو نفوذ أو شهرة تقوم على الأكاذيب والادعاءات.
* في المقر الصحفي للمهرجان: أعرف من صديق مغربي بالخبر المأساوي: توفي أحمد زكي أخيرا فجر اليوم. مهرجان تطوان يبدأ وتنتهي حياة أحمد زكي كما كنا جميعا نتوقع لكن كنا نتشبث بالأمل. انتهت معاناته الآن مع المرض اللعين. خسارة فادحة للسينما المصرية والعربية دون أدنى شك.. هذا هو شعور كل الحاضرين هنا في تطوان.
* أحمد حسني مدير المهرجان يطلب أن يتحدث معي على انفراد. يخبرني أن علي أبو شادي رئيس المركز القومي للسينما – طلب أن يدعى للمهرجان لمصاحبة الوفد المصري، فأرسلوا له الدعوة، لكنهم فوجئوا به يطالب بضرورة إرسال تذكرة الطائرة على الدرجة الأولى متذرعا بأنه وكيل وزارة، وقال أحمد حسني إن أبو شادي كان عنيفا في حديثه معه، فأضطر إلى تذكيره بأن المهرجان لا يرسل تذاكر على الدرجة الأولى. بعد ذلك عرف أحمد حسني أن أبو شادي أخذ يضغط على السينمائيين والنقاد المصريين لحثهم على إلغاء سفرهم، وقد وصل إلى المهرجان بالفعل اعتذار من ليلى علوي وكذلك من بوسي ومحمود حميدة بل ومحمد خان وغيره، إلا أن جماعة تطوان تمكنوا من شرح الأمر لهم وإقناعهم بالمشاركة في المهرجان، باستثناء حميدة الذي تعلل بأنه مشغول، كما علموا أن أبو شادي أرسل أيضا للسفارة المصرية في الرباط يتنصل من مسؤوليته عن الوفد المصري والأفلام، ودفع السفارة لإرسال "فاكس" تطالب بتذاكر درجة أولى لكل أعضاء الوفد وإلا قاطعت مصر المهرجان!
أضاف أحمد حسني أنه اتصل غاضبا بعلي أبو شادي وقال له إنه إذا كان من حقه ألا يحضر إلا أنه ليس من حقه على الإطلاق تحريض الآخرين على مقاطعة المهرجان، وسأله: لماذا لا تدفع لك وزارته فرق السعر!
وقد انتهت الأزمة وأعلنت ليلى علوي أنها ستحضر غدا الاثنين، ثم سيحضر أيضا هاني سلامة ثم هند صبري في الختام. أما علي أبو شادي فلم يحضر.
* "فيلم "الجدار" تسجيلي كلاسيكي لكنه شديد التعاطف مع القضية الفلسطينية. لا بأس إذن.
* سعدت جدا بوجود الناقد الصديق صلاح هاشم المقيم في باريس والذي لم أره منذ لقائنا في مهرجان كان 2003. صلاح لا يزال يحتفظ بحماسه للسينما الجميلة، وحرارته التي تجعلني أغفر له هفواته الصغيرة دائما، وهي بالفعل صغيرة، فهو يعدك بأمر ما ثم قد يختفي عنك سنوات فتظن أنه يقاطعك لأمر ما، ثم تلتقيه فتكتشف أنه كما هو ببراءة الأطفال.. فقط هذا تكوينه كفنان أصلا.
* فيلم "الأمير" التونسي للمخرج محمد زرن فيلم جديد قديم. جديد بمعنى أنه يحاول "تطبيع" السينما التونسية مع الرومانسية، وقديم لأنه لا يضيف شيئا إلى التراث الرومانسي القديم.
اليوم الثالث الاثنين 28 مارس:
* في المكتب الصحفي: العادة العربية المزمنة واضحة.. إهمال تام للخدمات الصحافة والاتصالات لحساب حفلات الطعام.
* مشوار طويل عريض من السينما إلى المطعم في الغذاء، ونذهب و"نعيش" في المطعم إلى أن تلقي بنا الحافلات مرة أخرى في وسط المدينة أمام السينما. وهكذا إلى ما بعد منتصف الليل.
* أتذكر أنني أيضا عضو في لجنة تحكيم النقاد المكونة من خمسة نقاد من مصر والمغرب وفرنسا وأسبانيا وإيطاليا. لكن الايطالي أمبرتو روسو لم يحضر بسبب إجراء عملية جراحية له، والناقدة الأسبانية لن تستمر حتى الختام، ومنسق اللجنة غير متفرغ، لذا فشلنا حتى الآن في عقد اجتماع تمهيدي، بل اكتفيت بتبادل الرأي مع الناقد المغربي.
طلب مني أحمد حسني قبل فترة طويلة من انعقاد المهرجان- تقديم ندوة عن المشهد الحالي للنقد السينمائي العربي، أقارن فيها بين ما عرضته قبل عشر سنوات في ندوة مشابهة، وما هو قائم اليوم. لكن المشكلة أنهم لم يعلنوا عن الندوة، لا في الكتالوج ولا في البرنامج.
نبهت أحمد حسني لهذه المشكلة متسائلا عما إذا كانت قد ألغيت فربما يكون هذا أكثر وضوحا. أحمد - الذي يبدو كالمسحور - أصر على أن الندوة قائمة وأنهم سيخبروني بموعدها في أقرب وقت!
* عرض فيلم "بحب السيما" في المساء بحضور بطلته ليلى علوي التي تستقبل استقبالا هائلا حقا مع المخرج أسامة فوزي. ترحيب علني قبل عرض الفيلم بمعظم أعضاء الوفد المصري.
نجح عرض الفيلم الذي يعتبر أحد أهم ما قدمته السينما المصرية في السنوات الأخيرة.
اليوم الرابع الثلاثاء 29 مارس:
* الناقد خليل الدمون رئيس جمعية نقاد السينما في المغرب وهو صديق قديم أيضا، موجود وحاضر من خلال مجلة "سينما" التي يصدرها مع الصديق أيت عمر المختار وآخرين عن الجمعية وبدعم من المركز المغربي للسينما باللغتين العربية والفرنسية. وهي مجلة ممتازة الطباعة وليست كراسة متواضعة مثل مجلة "السينما الجديدة" التي كنا نكافح لإصدارها وقت رئاستي لجميعة نقاد السينما المصريين.
* الناقدة الأسبانية تقول لي أنها تفضل منح جائزة النقاد لفيلم عربي، تشجيعا لسينما في حاجة إلى تشجيع. نتفق معها على ذلك.
* مناقشة فيلم "بحب السيما" في ندوة عامة تبدأ على استحياء كالعادة. يتكلم بعض الصحفيين من المغرب. يركزون على الطابع "المسيحي" للفيلم –كما يقولون- وعلى نقده للكنيسة. أسامة فوزي يحاول الرد. ليلى علوى تتكلم كلاما جميلا أيضا لكنها تشير إلى فكرة العالمية وإلى أننا لا نقل عالمية عن غيرنا. أقرر أن أتكلم فأقول إن الفيلم لا يتناول موضوعا دينيا بل فكرة القهر والحرية من خلال عدد من الثنائيات في بناء متعدد المستويات. أتحدث بانفعال حقيقي وأنفى المفهوم السائد للعالمية: تستطيع أن تكون عالميا إذا نجحت في غزو شبكات التوزيع في السوق الأمريكية (أكثر من 20 ألف دار للعرض).
* أحمد حسني مدير المهرجان يخبرني أن الندوة "الموعودة" ستنعقد غدا في الثانية عشرة وأنهم أعلنوا عنها.
* فيلم "ليلة حب" لسعد هنداوي يثير الأسى والحسرة. هذا مخرج كان يبشر بتفجر موهبة لا تقبل المساومة لكنه يقبل صنع عمل أقرب إلى "الفيديو كليب" لكي يصبح مخرجا للأفلام الروائية الطويلة. فيلم من أفلام الوجبات السريعة "تيك أواي" بكل أسف، غير أنني لا أستطيع أن أمنع تعاطفي مع سعد. قسوة الظروف، والسينما ليست وحدها التي تدهورت. في مناخ آخر يمكن أن يجد سعد هنداوي نفسه بالتأكيد، أما المناخ الفاسد الحالي فنحن جميعا في انتظار أن يرحل الكابوس عن القصر!
* حديث طويل عن السينما المصرية وأزماتها المزمنة مع ليلى علوي وسعد هنداوي في بهو الفندق. ليلى تقول إن كلامي في ندوة "بحب السيما" غير مسار الندوة بالكامل. أنجح في إثارة شهيتها لحضور ندوة النقد السينمائي غدا.
اليوم الخامس: الأربعاء 30 مارس:
* ندوة النقد تتأخر ساعة كاملة بسبب انشغال القاعة. أصعد إلى المنصة وأقول ساخرا إن العالم العربي يعيش "أزهى عصوره" ولذا فقد تأخرت الندوة ساعة فقط ولم تلغ تماما ويتم طردنا من هنا، وعلينا بالتالي أن نكون شاكرين. لست واثقا تماما أن السخرية التي تحملها الكلمات قد وصلت إلى الجميع حقا!
لم يحضر أكثر من نصف الصحفيين والنقاد المصريين، بل ولا حتى محمد خان والقليوبي، وهو أمر لم يدهشني على الإطلاق فقد فضلوا الذهاب للتسوق. وهو أمر يحدث دائما في أحسن المهرجانات!
* حضر - باهتمام شديد - فوزي سليمان وسعد هنداوي وصلاح هاشم، كما حضر الصحفي أشرف بيومي.
فجأتني ليلى علوي وحضرت فعلا بعد بداية الندوة بقليل وظلت حتى النهاية. غريب أن النجمة تحضر ويغيب "المثقفون" أو ليس غريبا!
خضت في قضايا النقد والصحافة والتوزيع وأكدت على أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني المستقلة، وأهمية التكنولوجيا الجديدة في تقدم السينما (الكاميرات الرقمية، والنقد عبر الانترنت).
* أكثر الأسئلة صعوبة سؤال يتعلق بسلطة الناقد. قلت إنني لا أحب كلمة سلطة. أفضل مسؤولية. ربما تكون السلطة في القدرة على دفع الناس لمشاهدة فيلم والاعراض عن فيلم آخر، وهو ما لا يتوفر لأي ناقد عربي حتى الآن.. ربما لحسن الحظ أيضا وإلا لأصبح البعض ممن يجيدون استغلال هذه "السلطة من أصحاب الملايين!
* أثار ما أعلنته في الندوة من تحد للحكومات العربية أن تعلن عن خطة حقيقية لبناء "سينماتيك" دهشة الحاضرين.
* فيلم "أحلى الأوقات" مصنوع برقة وبلمسة خاصة ومن خلال سيناريو محكم، إلا أنني كنت أتمنى أن تتمكن مخرجته الموهوبة هالة خليل من التوقف في لحظات للصمت لكي تتيح لنا بعض لحظات للتأمل خلال المتابعة اللاهثة لمصائر الشخصيات الثلاث الرئيسية.
اليوم السادس: الخميس 31 مارس:
* صلاح هاشم أصر على ضرورة إجراء مقابلة صحفية صاخبة وطويلة معي للمرة الأولى في تاريخ علاقتنا في ضوء تصريحاتي المدوية في ندوة النقد. صلاح يبدو شديد الحماس.. هل يستمر حماسه طويلا أم يفتر كعادته بعد أن نفترق!
* تكريم المخرج محمد خان. محمد ينتهز الفرصة لكي يحول التكريم إلى تأبين لصديقه أحمد زكي بطل ستة من أفلامه. لمسة إنسانية جميلة ومؤثرة.
* أتفق مع الناقد المغربي نجيب الرفايف على ترشيح "بحب السيما" و"طرفاية أو باب البحر" المغربي لجائزة النقاد. الاسبانية ماريا لوس رشحت "طرفاية" و"معارك حب". أما الناقد الفرنسي ميشيل سيرسو فقد رشح فيلمين أوروبيين وهجر الأفلام العربية. "طرفاية" يكسب بالأغلبية إذن وهو يستحق بالفعل!
* أذهب لمشاهدة فيلم "كليفتي" لمحمد خان لكني أجده (أي خان طبعا وليس كليفتي) واقفا على باب دار الثقافة التي يفترض أن يعرض فيها الفيلم. لقد فشل المنظمون في العثور على جهاز عرض من نوع ديجيتال فيديو عرض الفيلم. محمد ليس ساخطا، بل هو قلق أكثر على زوجته التي تأخرت عن موعدها معه. أنتظر معه. ألتقي بمندوبة مهرجان مونبلييه الفرنسي. لقد جاءت أيضا لمشاهدة الفيلم. أسألها: هل يحدث لديكم أمر مشابه لما حدث الآن مع فيلم محمد خان؟ تنفي ببساطة. أعود لسؤالها: ولماذا؟ لا تعرف بم تجيب، ربما شعورا منها بالحرج. أقول لها إن السبب ربما يرجع إلى أنهم يعيشون في"شمال المتوسط" بينما نعيش نحن في جنوبه، العيب إذن في البحر المتوسط الذي يفرق بيننا وبينهم، واسألها ما رأيك في اختفاء المتوسط؟ ترد ضاحكة إنها تفضل بقاء المتوسط. لديها كل الحق بكل تأكيد!
اليوم السابع: الجمعة 1 أبريل:
* جولة مع القليوبي في الحي القديم من تطوان. نفس الأزقة والطرق الملتوية المبلطة والمنازل المتلاصقة والدكاكين الضيقة التي تستطيع أن تتكهن بأنها تؤدي إلى البيوت من الخلف. شاهدت نفس المعمار في أصفهان ودمشق وفي الجزائر وتونس والرباط. لم يشيد الأوروبيون شيئا مشابها إلا في فينيسيا. القليوبي رأيه أن هذا التصميم قصد منه تسهيل الدفاع عن المدن.
*على طعام الغذاء تحضر الممثلة المتألقة هند صبري التي وصلت من القاهرة اليوم لحضور الختام.
* حفل الختام: يتصف كالعادة بالطول والاستطرادات وكلمات المسؤولين الكثيرة المليئة بالشعارات. وزير الإعلام المغربي يتعهد في كلمته بتأسيس معهد للسينما في تطوان.
يبدأ تقديم لجنة التحكيم على المسرح. أفاجا بأنهم ينزلون بسرعة. ومن سيوزع الجوائز؟ انتظر وسترى.
ينادون على هاني سلامة الذي غادر تطوان عائدا للقاهرة لتقديم جائزة ما. وينادون على محمد خان مرتين. ولدهشتي ينادون علي للصعود إلى المنصة مع أعضاء لجنة تحكيم النقاد لا لتقديم جائزتنا بل للفرجة على الناس وإتاحة الفرصة للناس لكي يتفرجوا علينا.
* نفس الأخطاء المعتادة في المهرجانات التي تقام في "جنوب المتوسط" (إذا استدعينا تعبير عبد الرحمن منيف): اعلان الجوائز كتب بالفرنسية دون العربية وتعلثمت ليلى علوي ومحمد خان في القراءة، والرقص البلدي الشعبي بدون داع في مهرجان سينما، وبينما يتعرف كل الحاضرين في المسرح الجميل على هند صبري التي تجلس أمامي ، لا يتعرف عليها مقدما الحفل ولا منظمو المهرجان، لذلك لا يطلب منها الصعود على المسرح لتحية الجمهور أو لتقديم إحدى الجوائز.. لماذا دعوها للحضور إذن؟
* المفاجأة فوز الفيلم المغربي "الذاكرة المعتقلة" بالجائزة الكبرى، وخروج "بحب السيما" من المولد بلا حمص رغم مستواه الفني الذي لا شك فيه.
* المفاجأة الثانية هي أن لجنة التحكيم تمنح جائزة التمثيل النسائي لممثلة فرنسية بدلا من أن تحصل عليها ليلى علوي الحاضرة بقوة: في الفيلم وفي المهرجان، في حين تمنح اللجنة محمود حميدة جائزة أفضل ممثل عن دوره في "بحب السيما" وهو الذي غاب عن الحضور.
* أشعر بالأسف لأسامة فوزي. لقد سبق أن خرج من قرطاج أيضا دون الجائزة التي يستحقها. وقد فاز "الذاكرة المعتقلة" أيضا بجائزتي الشباب ودون كيشوت، وهو ما جعلني أداعب أصدقاءنا المغاربة بقولي: جوائزنا عادت إلينا.. أليس كذلك!
* أجمل ما في حفل الختام ذلك العرض الجميل الذي صاحبه العزف الحي الجميل من نصير شمة – لصور ولقطات من حياة وأعمال الراحل أحمد زكي، وكان ينبغي الاكتفاء بذلك وشطب كل الخطب الرنانة وتقديم المسؤولين وغير ذلك من تفاهات المهرجانات العربية "الفولكلورية".
* انتهى إذن المهرجان، وعلينا الآن أن نحتفل بالفائزين ونفرح معهم في قاعة حفل العشاء الكبير الذي أقيم في نهاية الليلة وامتد حتى الثانية صباحا أو بعد ذلك.
وعلينا أيضا أن نقنع أنفسنا بأن المهرجان نجح وأصبحت السينما العربية في طريقها إلى العالمية.
* في اليوم التالي. معاناة ما بعدها معاناة في انتظار الحافلة التي ستقل الوفد المصري إلى مطار طنجة. لا تأتي إلا متأخرة كثيرا. طائرتي أنا بعدهم بثلاث ساعات تقريبا فلماذا اذهب معهم. أكدت على القائمين على المهرجان أكثر من مرة ضرورة ارسال سيارة (المطار على بعد ساعة ونصف من الفندق). غادرت حافلة الوفد المصري مكتظة لا مكان فيها لليلى علوي ولا لبوسي أو اسامة محمد فحملهم السفير المصري معه في سيارته وغامر في الطريق اسلحلي في صبيحة ممطرة.
* السيارة التي يفترض أن تنقلني لم تأت. وبعد تحطيم أعصاب وعشرات المكالنات التليفونية التي لا يرد عليها أحد فأصحاب مهرجان تطوان أرهقهم التعب فاستغرقوا في نوم عميق ونسوا امر ضيوفهم.
* وصل أخيرا الأخ محمد ضياء السوري مسؤول العلاقات العامة في المهرجان لاصطحابي بسيارته. أخبرني الخبر المشؤوم أن سيارة السفير سقطت في هوة جبلية وعرة وأصيبت بوسي اصابات شديدة وكذلك ليلى علوي واسامة فوزي إلا أنهم جميعا نجوا بأعجوبة من موت محقق!
* نصل إلى المطار متأخرين بعد أن تكون الطائرة قد أقلعت إلى لندن. تكون النتيجة أن أعود لقضاء ليلة سيئة في طنجة ثم أستقل طائرة في الصباح الباكر إلى الدار البيضاء لاجلس لمدة 7 ساعات فوق مقعد في المطار حتى تقلع طائرة أخرى من الدار البيضاء إلى لندن. رحلة الأهوال التي لن تعود أبدا..
ألم أقل لكم أن العالم العربي يعيش حقا أزهى عصوره!
السبت، 4 أكتوبر 2008
"قلوب في دوامة" وتأملات في السينما والحياة

الماضي في مواجهة الحاضر وثنائية الأب - الإبن، والحب - الكراهية
تحفة إيليا كازان وكيف ساهمت في تشكيل الوعي بالسينما والعالم
قبل فيلم "الترتيب" The Arrangement لم تكن السينما واردة في ذهني بوضوح كاف. كانت مجرد فكرة أو مجموعة أفكار نظرية وجمالية ترتبط بعدد قليل من الأفلام التي كانت تعرض بين وقت وآخر في دور العرض القاهرية أو كنا نقرأ عنها في مجلة "السينما والمسرح".
كانت دور العرض قد شهدت موجة من الأفلام الجديدة في عهد مدير الرقابة مصطفى درويش مثل "انفجار" Blow Up لأنطونيوني الايطالي، و"زوربا اليوناني"لكاكويانيس اليوناني، و"الحياة للحياة" لكلود ليلوش الفرنسي، و"الخريج" لمايك نيكولز الأمريكي، و"قابلت الغجر السعداء" لألكسندر بتروفيتش اليوغسلافي . وكان هناك انفتاح واضح على السينما الأوروبية في تجاربها الفنية الجيدة. وكان نادي القاهرة للسينما قد بدأ أيضا في عرض أفلام مختلفة تماما عما اعتدنا مشاهدته ونحن أطفال مثل أفلام رعاة البقر وأفلام المعارك الحربية والمغامرات مثل "معركة آلامو" و"ريو برافو" و"ثورة على السفينة باونتي".
كانت أفلام نادي السينما في بداياته تأتي في معظمها من بلدان أوروبا الشرقية مثل الاتحاد السوفيتي والمجر وبولندا وتشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا، بحكم النشاط المكثف لمراكزها الثقافية في القاهرة، والاتفاقيات الثقافية التي كانت مصر قد وقعتها مع تلك البلدان. وقد بهرنا جميعا في ذلك الوقت، على سبيل المثال، بالفيلم التشيكي "ماركيتا لازاروفا" Marketa Lazarova برؤيته البصرية المدهشة وطابعه الملحمي وجرأته في استخدام الجسد البشري في التعبير وغير ذلك من العناصر الفنية التي لم يكن من السهل بالنسبة لشاب في مقتبل العمر مثلي أن يجد لها تفسيرا شاملا.
جيل الغضب
كنت في ذلك الوقت في بدايات الدراسة الجامعية، وكنت مشغولا مع أبناء جيلي، بالقراءة والبحث والتمرد وبفكرة التغيير، تغيير العالم بالسينما، أو تغيير السينما نفسها كمقدمة لتغيير العالم. وكانت فكرة التغيير ملحة بعد صدمة هزيمة 1967 التي أفاقتنا من الحلم الوردي الجميل المخدر بمجتمع القوة ودولة التفوق التي أطاحت بدول كبرى في 1956 وجعلتها "دولا من الدرجة الثانية ومن الدرجة الثالثة" حسب تعبير الرئيس جمال عبد الناصر الشهير.
كنا نتاجا بشكل ما، لتيار الغضب والتمرد الذي أعلن عن نفسه بوضوح في 1968، وكان عاما شهد فيه العالم باسره أحداثا صاخبة، وشهدت فيه مصر للمرة الأولى منذ يوليو 52 مظاهرات عارمة تعلن غضب الشباب ثم العمال على ما حل بالبلد بعد أن انكشف الغطاء وانفضح ما كان يرقد تحت السطح من عفن وجمود وغش وانتهازية، لعل يوسف شاهين عبر عنها أفضل تعبير في فيلمه "العصفور" الذي كتبه لطفي الخولي. وكانت السينما المصرية أيضا تمر بفترة تحول، من القديم إلى الجديد، من التسلية المطلقة الفارغة إلى الحديث بجرأة وشجاعة عن الكثير من الظواهر السلبية في حياتنا بصراحة للمرة الأولى منذ أن وعينا عليها.
اكتشاف الفيلم
غير أن ظهور فيلم "الترتيب" كان له عندي تأثير آخر أكثر قوة من تأثير اكتشاف السينما نفسها في بدايات الطفولة، فقد كان الفيلم اكتشافا للعلاقة بين الذات والعالم، الحلم والواقع، التعبير الحميمي عن النفس، والتعبير القاسي عن رفض السائد. وكان قبل هذا كله، اكتشافا للغة جديدة للسينما، مدهشة ومبهرة ومثيرة للعقل والخيال إلى أقصى درجة. وقد جاء الفيلم الذي انتج عام 1969 إلى مصر وعرض للمرة الأولى عام 1970 تحت اسم "قلوب في دوامة". ولم يستمر عرضه طويلا في دار سينما راديو التي كانت تعرضه من توزيع شركة وورنر على ما أتذكر، فقد ذهبت فيما بعد إلى مقر الشركة لاستئجار الفيلم لكي أعرضه في نادي السينما بكلية الطب الذي أسسته وأدرته عام 1971.
كان "الترتيب" (أو ترتيب الأمور) من بطولة نجم أمريكي شهير هو كيرك دوجلاس الذي كان اسمه محفورا في الذاكرة منذ سنوات الطفولة، منذ أن شاهدناه في دور سبارتاكوس في الفيلم الشهير. وكان معه في الفيلم ديبرا كير وفاي دوناواي وريتشارد بون. ودوناواي كانت ممثلة جديدة وقتها، وكانت قد لفتت الأنظار بقوة في دور بوني في الفيلم الشهير "بوني وكلايد" عام 1967.

المهم أن كازان الذي هاجر من شرق تركيا (وهو كما ذكرت يوناني الأصل) كان يروي في فيلمه هذا جانبا من حياته. وقد تلطخت سمعة كازان خلال فترة معينة بعد أن تحول إلى شاهد على رفاقه في الحزب الشيوعي الأمريكي خلال حقبة التفتيش ومحاكمات الفكر التي عرفتها الولايات المتحدة وهوليوود بوجه خاص في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي وارتبطت بالسيناتور اليميني جوزيف مكارثي الذي قاد الحملة وقتها ضد اليساريين، ورأس ما عرف باسم "لجنة النشاط المعادي" او "غير الأمريكي" في زمن الحرب الباردة وعرفت بـ"المكارثية" نسبة إليه، وهي حملة انتقلت بشكل معدل، إلى مصر في زمن السادات في السبعينيات.

لقطة من فيلم "امريكا.. أمريكا"
نعود إلى فيلمنا هذا الذي شاهدته بعد ظهر يوم في قاعة سينما راديو بوسط القاهرة وقت أن كانت بحق قاعة يمكن التباهي بها ومقارنتها مع أرقى دور العرض في العالم، وقبل تقطيع أوصالها وتحويلها إلى مسرح لم ادخله في حياتي، ودار سينما صغيرة منكمشة تجعلك تخرج وأنت تعاني من تصلب في عضلات الساقين!
العقل والخيال
وقد غادرت سينما راديو الجميلة وأنا في حالة صدمة جميلة ، فقد اكتشفت السينما يومها.. السينما الحقيقية التي تثير العقل والخيال، وأخذت أتساءل: كيف أمكن لإيليا كازان ذلك المخرج الذي أتى أساسا من المسرح، أن يصنع هذا الفيلم الذي ينحت لغة سينمائية جديدة تماما على هوليود تحديدا، وعلى الفيلم الأمريكي عموما، ومن خلال امكانيات الإنتاج الكبير وليس في نطاق السينما التجريبية أو سينما "تحت الأرض" التي عرفتها مدينة نيويورك في ذلك الوقت. لكن كان هناك بالتأكيد تاثير سينما "الأندرجروند" كما كان هناك تأثير السينما الأوروبية التي سعت هوليوود وقتذاك لاستقطاب الكثير من مخرجيها مثل أنطونيوني وروسيلليني فيما كان قد غادرها بسبب الحملة المكارثية سينمائيون عظماء قضوا باقي حياتهم في أوروبا إلى حين وفاتهم مثل جوزيف لوزي وجول داسان وشارلي شابلن وغيرهم، وكانوا ضمن "القائمة السوداء".
حملت تساؤلاتي وعدت لمشاهدة الفيلم مرة ثانية في عرض السادسة مساء في اليوم نفسه، وخرجت بانطباعات وأفكار وتساؤلات أكثر وأكثر، فهل كان ما يشدني إلى هذا الفيلم أسلوبه الطليعي المتقدم والمختلف تماما مع السينما الأمريكية السائدة، أم أن فيه أيضا اشياء أخرى قريبة من نفسي ومن خيالي الشخصي؟

الفرد والمجتمع
يناقش الفيلم، وهو مستمد من رواية لإيليا كازان فيها قدر لا بأس به من "السيرة الذاتية"، العلاقة بين الفرد والمجتمع، بين الرجل والمرأة (الزوجة من ناحية، والعشيقة من ناحية أخرى)، كما يعود إلى طفولة البطل وعلاقته بوالده وأمه وعمه وشقيقته، خاصة وأنه ينتمي لأسرة من المهاجرين من الشرق (يونانيون من تركيا). ويجسد السيناريو أزمة بطله (إيدي أندرسون) الذي يقوم بدوره كيرك دوجلاس من المشهد الأول في الفيلم قبل نزول العناوين، حيث نرى إيدي وهو أمام عجلة القيادة يقود سيارته في طريق سريع يمتلئ بالسيارات المسرعة، وهو يبتسم في سخرية ولامبالاة ثم ينحرف فجأة بعجلة القيادة لكي يصطدم بالشاحنة الضخمة التي تسير إلى جواره. إنه يرغب بوضوح في الخلاص من حياته، والأسباب كثيرة ونعرفها على مدار الفيلم.

لا ينجح إيدي في الهروب من حياته بالانتحار، وتقنعه جوين باستئناف عمله في الشركة، فيعود ولكن بعقلية أخرى، يسيطر عليها الرغبة في التدمير، مما يؤدي إلى أن تخسر الشركة بسبب لامبالاته الملايين. إنه يبدو كما لو كان يحقق انتقامه الشخصي من تلك الشركة التي تسيطر عليه وتأكل روحه. ربما كان في داخله شخص آخر يريد أن يتحرر وأن يحتضن العالم، فنان بوهيمي منطلق يعانق الطبيعة والبشر، ويبتعد عن أجواء النفاق والرسميات والمغالاة في إدعاء النجاح والتفوق بالمفهوم المادي. وربما كان الدافع يكمن في طفولته القاسية كإبن لأسرة مهاجرة، تعرض لضغوط كثيرة من اجل دفعه دفعا إلى النجاح، فالنجاح في المهجر ضرورة لمن يريد البقاء وسط مجتمع الأقوياء الذي لا يرحم الغرباء وخصوصا الفاشلين منهم.
حب- كراهية
تدريجيا يكشف لنا السيناريو المركب للفيلم، من خلال مشاهد العودة إلى الماضي، كيف كانت علاقة إيدي بوالده الذي كان يقسو عليه ويضربه دافعا اياه إلى النجاح: إنها علاقة حب وكراهية من أكثر من صورته السينما قوة.. حب طبيعي بين أب يرغب في رؤية ابنه إنسانا ناجحا يحقق ما عجز الأب في شبابه عن تحقيقه، وابن لا يمكنه بحكم كل التقاليد التي تربى عليها، أن يخالف أباه أو يعصيه، وكراهية لأن هذا الأب نفسه لا يريد أن يقترب أبدا من ابنه للتعرف على رغباته الحقيقية، ويرفض الاستجابة لما يحبه، بل يريد أن يخلق منه نموذجا للنجاح طبقا لمفهومه الشخصي: التعليم الراقي والعمل الناجح والوظيفة المرموقة والثروة.
الماضي والحاضر
لحظات المواجهة بين الإبن والأب يقدمها إيليا كازان في لقطات تجمع بين الماضي والحاضر، أي بين زمنين مختلفين في نفس اللقطة، فنحن نرى إيدي الكبير في الزمن المضارع وهو يواجه نفسه شابا يافعا يقف منكس الرأس أمام أبيه في الزمن الماضي في لقطة واحدة. وكان هذا الأسلوب جديدا تماما علينا في ذلك الوقت، وإن لم يكن جديدا على السينما الأوروبية مثلا كما اكتشفنا بعد ذلك في أفلام فيلليني وبرجمان وأنطونيوني وأدركنا أن لغة كازان هنا كانت متأثرة بلغة السينما الأوروبية أي أن ذلك كان "التأثير الأوروبي" على السينما الأمريكية في وقت كانت هوليوود تعاني من مضاعفات مرحلة ما بعد زوال عصر الاستديو أو نهاية الدور الحاسم لمديري الاستديوهات أو شركات الإنتاج الكبيرة في تحديد الشكل النهائي للفيلم، وكانت هوليوود بالتالي ترغب في تجديد شبابها. وقد عاد إيليا كازان نفسه إلى تناول مرحلة "سطوة" مديري الاستديوهات في فيلمه البديع "التايكون الأخير" The Last Tycoon الذي قام ببطولته روبرت دي نيرو عام 1974.
في اللقطات التي نرى فيها إيدي وهو يمارس الجنس مع زوجته كنوع من أداء الواجب، نراه يتخيل أنه يمارس الحب مع عشيقته ينطلق انطلاقا هائلا يجعله يبدو مثل طفل صغير، وأحيانا يتخيل اشياء شبيهة بما نراه في أفلام الرسوم المتحركة، ويستخدم كازان بالفعل لقطات مصورة بتقنية أفلام الرسوم مع وضع كلمات عابثة كالتي تظهر في مجلات الرسوم التي يقرأها الصغار مثل "بوووم... وطاااااااااخ".. وغير ذلك.
إيدي أندرسون يتمادى في تمرده، فيهجر البيت والعمل والأسرة ويذهب إلى والده في المصحة التي يرقد فيها بعد أن تقدم في العمر وأصبح يعاني من أمراض الشيخوخة، وهناك يكتشف أن والده مازال يعيش في وهم أنه يمكن أن يبدأ حياة جديدة، وان يشرع في بدء تجارة تجعله مليونيرا، ويحلم باستيراد السجاد من إيران وبيعه في أمريكا. يستجيب إيدي لأبيه في لحظات حب وصفاء ووفاء وعرفان بالجميل، فيصطحبه خارج تلك المصحة الكئيبة، ويأخذه للإقامة في بيت الأسرة الريفي في لونج أيلاند، وهناك تتداعى الذكريات المريرة من المواجهة بين الأب والإبن.. ونرى كيف كان الأب يعامل إيدي وهو صغير بخشونة وقسوة، وكيف كانت أمه تتستر عليه وتخفي عن الأب ما كان يفعله بعيدا عن الاستجابة لتعليمات والده. لكن الأب رغم ذلك، لايزال يعامل ابنه باعتياره طفلا، يصفعه صفعة مباشرة قوية تجعل الإبن في لحظة انهيار نفسي يعلن للأب في موقف يصرخ بالكثير من المشاعر المتضاربة: "إنني أشعر بالعار لكوني ابنك" وهو أقسي ما يمكن أن يقوله ابن لوالده. هنا تنهار كل مقاومة لدى الأب وتدمع عيناه ويستسلم في لقطة لا تنسى.
رحلة الهروب
يصطحبه إيدي إلى مبنى ناطحة السحاب المعروفة "إمباير ستايت" في نيويورك لكي يسحب أمواله من البنك آملا في بدء تجربته الجديدة، حتى لو كان على عتبات الموت. أما إيدي فإنه يواصل رحلة هروبه من عالمه القديم ولكن بلا جدوى، فسرعان ما تتآمر عليه زوجته وابنته بالتعاون مع محامي الأسرة، ويستصدرون حكما قضائيا بقضي بأنه "غير متوازن عقليا" وبالتالي يصبح مبررا وضعه تحت الوصاية والاستيلاء على ممتلكاته وأمواله. وفي لحظة إحساس بالغضب الشديد والرغبة في الانسلاخ من الماضي بأسره، يشعل إيدي النار في منزل الأسرة، ويتعين عليه بعد ذلك أن يدفع الثمن، فيقنعون السلطات بأنه فقد عقله واصبح خطرا عليهم وعلى المجتمع بأسره، يصدر حكم بوضعه في مصحة للأمراض العقلية حيث يستلقي لساعات طويلة، لا يتحدث إلى أحد، يتأمل فقط فيما يعرض على شاشة التليفزيون من أفلام تسجيلية عن الحيوانات المفترسة وهي تلتهم الحيوانات الوديعة.
الأب يموت.. وجوين تذهب لإقناع إيدي بضرورة الخروج من المصحة وحضور جنازة الأب. وفي الجنازة التي يصورها إيليا كازان في مقبرة تقع وسط تقاطع غابة من الطرق الاسفلتية الشيطانية المتداخلة في ضواحي لوس أنجليس، يدفن الأب، ويشعر إيدي، ربما للمرة الأولى في حياته، بأنه قد اصبح حرا، يمكنه أن يفعل ما يريد، لكننا لا نعرف ماذا سيفعل الآن. هل يعود لاستئناف حياته كما أراد له الآخرون، أم يعود إلى المصحة حيث الصمت الثقيل الأبدي والوحدة المخيفة!
فيلم المؤلف
كان هذا الفيلم بكل تركيبه الشكلي وتعقيداته في السرد، تحديا جديدا ومدهشا في تناول الدراما النفسية الاجتماعية، وايضا نموذجا "كبيرا" في الهجاء السياسي للمجتمع الأمريكي بقيمه الاستهلاكية وتأثيرها المدمر على الفرد. وفي الوقت نفسه كان فيلم "قلوب في دوامة" أو "الترتيب" فيلما نموذجيا في تعبيره عن الاتجاه الذي شاع في أوروبا وفي فرنسا تحديدا لما عرف بـ"سينما المؤلف" التي طرحت كبديل لسينما المخرج المنفذ (أو الصنايعي الحرفي الذي ينفذ سيناريوهات يكتبها آخرون بعيدة عنه وعن اهتماماته وأفكاره الشخصية ورؤيته الخاصة للدنيا من حوله). وكانت تهلمنا في ذلك الوقت كتابات صبحي شفيق وفتحي فرج في مجلة "السينما" في هذا المجال.
فقد كتب إيليا كازان سيناريو فيلمه بنفسه عن روايته، ولا شك أن جانبا أساسيا في الفيلم مستلهم من السيرة الذاتية لإيليا كازان نفسه. وكان هذا أهم كثيرا بالنسبة لي ولأبناء جيلي وقتها، من موقف كازان السياسي الذي شابه بعض الغبار بسبب موقفه أمام لجنة ماكارثي، فقد كنا نرغب في تغيير السينما وجعلها وسيلة للتعبير الذاتي والشخصي عن موقفنا من العالم، وكنا نود الانطلاق من السينما لتغيير العالم نفسه.
الثلاثاء، 30 سبتمبر 2008
جماعة "السينما الثالثة" والتحليق فوق الواقع

* خصوصية النموذج الأمريكي في الحياة والسينما
* محاولة التأسيس لسينما ثورية في مناخ مضاد
وقد نشأت الفكرة والتجربة أصلا في أمريكا اللاتينية، وأنتجت تجاربها المبهرة التي وصل بعضها إلينا من خلال العروض التي كانت تنظم، إما داخل بعض المراكز الثقافية الأجنبية، أو خلال أسابيع الأفلام التي كانت تقام بالتعاون بين وزارة الثقافة، وبين دول كانت تعتبر "صديقة" مثل كوبا.
هذه النظرة تعكس انبهارا بالنموذج الأمريكي في الحضارة، رغم أنه نموذج شديد الخصوصية وغير قابل للتكرار في أي مكان آخر من العالم بحكم استحالة توفر نفس الشروط والمعطيات والظروف التاريخية والبشرية وغير ذلك من العوامل التي أدت إلى نشوء أمريكا كظاهرة أو كدولة حديثة "لها خصوصيتها الشديدة".
كان من الكتب المهمة التي تركت تأثيرها الكبير على تفكيري وأنا في مرحلة البحث والسعى إلى المعرفة، كتاب "العرب والنموذج الأمريكي" للدكتور فؤاد زكريا أستاذ الفلسفة في جامعة عين شمس، ورئيس تحرير مجلة ثقافية مهمة قديمة هي مجلة "الفكر المعاصر". وكان الدكتور زكريا يشرح ويحدد بالتفصيل في كتابه هذا، وهو كتاب صغير الحجم، عظيم الفائدة، أسباب انبهار العرب تحديدا بالثقافة والحضارة الأمريكيتين، أو باختصار بالنموذج الأمريكي، ورغبتهم العنيدة بل والمستحيلة، في إعادة إنتاجه وتكراره. وكان يحلل استحالة تحقيق ذلك للأسباب العديدة التي قام بشرحها بإسهاب وقوة في كتابه هذا الذي لايزال يعد مرجعا لا غنى عنه في فهم "الظاهرة الأمريكية".
وكان الدكتور زكريا يشرح ويحلل ويدقق في تبيان كيف أن نشأة أمريكا نفسها، بثرواتها الطبيعة الهائلة، وتركيبتها السكانية، واعتمادها على الاحتكارات الهائلة والمشروع الفردي العملاق بديلا عن الدولة التقليدية، يجعلها نموذجا فريدا في العالم.
السينما الأولى إذن، أو النموذج الأمريكي في السينما هو نموذج له خصوصيته، لأنه يعتمد أولا على سوق هائلة متعددة الشركات، ترتبط معا بشبكة عملاقة من دور العرض السينمائي التي تشمل عددا من القاعات (أو الشاشات المستقلة المنفصلة) يبلغ في الوقت الحالي ما يقرب من أربعين ألف قاعة (38.794 قاعة عرض تحديدا) تمتلكها 10 شبكات كبرى، يبلغ معدل التردد عليها سنويا 1400 مليار تذكرة سينما، وبلغت حصيلة شباك التذاكر 9.629 مليار دولار (حسب إحصائيات عام 2007 التي نشرها الاتحاد الأمريكي لأصحاب دور العرض السينمائي، وهي متوفرة لمن يرغب في الاطلاع عليها).
ثانيا: سوق بهذا الحجم وهذه المداخيل المالية تتعامل مع الفيلم كما تتعامل مع منتج تجاري ضخم، ويمكنها الاستثمار فيه بميزانيات تصل إلى أكثر من 300 مليون دولار أحيانا للفيلم الواحد دون التخلي عن إنتاج أفلام أخرى موازية في خطة الشركات المنتجة، وتستطيع تحقيق النجاح التجاري الذي يكفل الاستمرار في الإنتاج. هذا الحجم من الاستثمارات لا يمكن لأي جهة أخرى في العالم أن تواكبه ناهيك عن أن تنافسه.
ثالثا: لا تكتفي السوق السينمائية الأمريكية فقط باستيعاب الأفلام، بل تستغل صناعة الأفلام لترويج للكثير من السلع الأخرى "الاستكمالية" أو الموازية، مثل الألعاب والدمي، وبرامج الكومبيوتر، وموسيقى الأفلام وأغانيها، والفانلات من نوع "تي شيرت"، والصور والملصقات، والمشروبات الخاصة.. وغير ذلك الكثير من السلع التي يدخل أيضا الإعلان التجاري فيها كاستثمار رئيسي.
وأي مكاسب تتحقق للفيلم الأمريكي من الأسواق الخارجية، خاصة في اليابان وأوروبا وأمريكا الجنوبية، تمثل دخلا إضافيا، علما بأن حجم سوق الشرق الأوسط وشمال افريقيا بالنسبة للفيلم الأمريكي لا تتجاوز نسبة ضئيلة للغاية من حجم السوق العالمي، أساسا بسبب ندرة دور العرض السينمائي، وتدني قيمة العملات المحلية في البلدان غير النفطية، وهامشية سوق بلدان الخليج وضعفه الشديد بسبب بنيته السكانية الضعيفة والهجينة أيضا (نسبة كبيرة من الهنود الذين يفضلون مشاهدة الأفلام الهندية).

السينما الثانية
كان هذا عن "السينما الأولى" أو الأمريكية. أما "السينما الثانية" فهي السينما الأوروبية أو سينما الفن الرفيع التي تعتمد على رفض نظام النجوم الأمريكي، ورفض اعتبارالمخرج مجرد منفذ أو محرك لمجاميع من المنفذين، وبالتالي رفض فكرة أنه "حرفي" في ورشة، لا يملك ان يعكس على الفيلم "رؤيته" الخاصة، بل إن تجربته الشخصية لا قيمة لها طالما أن الفيلم أساسا، منتج تجاري يخضع لدراسات جدوى، ويراعى فيه تلبية أغراض ومتطلبات سوق ذي مواصفات معنية.
أما المخرج السينمائي في "السينما الثانية" فقد أصبح هو أساس الفيلم، عقله وروحه، واصبح الفيلم نتاجا لفكره ورؤيته مثل الرسام والموسيقار والشاعر، واصبح هو المسؤول عن معظم العمليات الفنية الأساسية: يتدخل في السيناريو إن لم يكتبه من الأصل، ولا يعتمد على أصل أدبي بل يكتب مباشرة للسينما، يتولى الإشراف على المونتاج على عكس ما يحدث في هوليوود حيث يسند المونتاج إلى "حرفيين منفذين" وتنتهي علاقة المخرج بالفيلم مع نهاية التصوير.
كانت هذه التقاليد سارية، على الأقل، عند ظهور فكرة "السينما الثالثة" في الستينيات. ولاشك أن هوليوود تطورت ولم تعد تعامل "كبار" مبدعيها طبقا للسياسة القديمة التي كانت تتبعها الاستديوهات الكبيرة، إلا أن نظام تقسيم العمل الصارم، ونظام "الأنواع" genres أي تقسيم الأفلام إلى أنواع لها مواصفات محددة يخضع الإنتاج لها ويلبيها ولا يمكن الخروج عنها في "شطحات" فلسفية وسرد غير مقولب لا يزال يحكم "فلسفة" هوليوود الإنتاجية. هذه التقيسمات أو التصنيفات تدور عادة حول تسميات مثل "الفيلم الحربي" و"الفيلم التاريخي" و"الفيلم العاطفي" وفيلم "الدراما الاجتماعية".. إلخ
بيان السينما الثالثة
استندت "السينما الثالثة" التي ظهرت في أمريكا اللاتينية، في مناخ ثوري شديد الاختلاف عن المناخ السينمائي الشائع في الغرب، على رفض النموذجين السابقين: رفض النموذج الأول بدعوى أنه "نموذج للتسلية بهدف تحقيق الأرباح" يتوجه إلى جمهور سلبي من خلال قصص هروبية. وفي زاوية أخرى سياسية منه، نظر إليه باعتباره نموذجا للسينما "الكولونيالية" التي تكرس عبودية الإنسان للمال والكسب بأي ثمن ، وتبرر السيطرة والاستغلال والتوسع واستيلاء الكبير على ممتلكات الصغير. أما النموذج الثاني فقد رفضته السينما الثالثة باعتبار أنه يعلي من شأن التعبير الذاتي الفردي سعيا وراء خلق نموذج "بورجوازي" للسينما الفنية.
الصورة: فرناندو سولاناس في السيتنيات وكان وراء فكرة السينما الثالثة اثنان من السينمائيين من الأرجنتين هما فرناندو سولاناس وأوكتافيو جتينو. وهما اللذان نشرا ما اعتبر "مانيفستو" أو"بيان السينما الثالثة" في الستينيات تحت عنوان "نحو سينما ثالثة". وقد صدروه بعبارة مقتبسة من فرانز فانون تقول "يجب أن نناقش، يجب أن نبتكر". وقد رفضا في بيانهما كلا من السينما الهروبية (الأمريكية) وسينما الفن الأوروبية التي تقوم على التعبير الذاتي، وطرحا في مقابلهما سينما جديدة تقوم على تصوير تجارب الوعي الجمعي المشترك، وتعرية الحقائق والتحريض على رفض الواقع والسعي إلى تغييره.

السينما الجديدة
في مصر كانت "جماعة السينما الجديدة" التي تأسست في أواخر الستينيات، انعكاسا لمطالب أجيال من السينمائيين الذين درسوا السينما في معهد القاهرة للسينما وخرجوا لا يجدون فرصة للعمل. وكانت أيضا تلبية لطموحات عدد من هؤلاء ومن غيرهم الذين جاءوا من التليفزيون وغيره، يريدون تقديم أشكال جديدة وتجارب تتحرر من سطوة النجوم ومن تدخل المنتجين في الفيلم وتحديد عناصره. وكانت "السينما الجديدة" بهذا المعنى إلحاحا مهنيا من ناحية، ومحصلة، من ناحية أخرى، لعصر من الثقافة السينمائية انفتح كثيرا على التجارب السينمائية الجديدة في العالم مثل الموجة الجديدة في فرنسا، والسينما الحرة في بريطانيا، وسينما ألأندرجروند في الولايات المتحدة، وتجارب سينما أوروبا الشرقية.
درس فتحي فرج الفلسفة، وكان بالفعل مهموما بالفكر والتأمل الفلسفي ومستقبل مصر. وانضم في شبابه إلى الإخوان المسلمين أو بالأحرى حاول الاقتراب منهم، ولكنه سرعان ما وجد نفسه بعد ان نضج فكريا، يطرح تساؤلات خطيرة تسبب الارتباك للكثير من قيادات الإخوان، فيعجزون عن الرد عليها.
وروى فتحي أنه كلما كان الرئيس جمال عبد الناصر يعتزم إلقاء خطاب في ميدان عابدين كانت المباحث تقبض عليه ويضعونه مع أمثاله، في الصفوف الأولى من السرادق المقام في الميدان، ويجلس بين كل "مشبوه سياسي" وزميله، عسكري أو مخبر لكي يتأكد أنهم يسمعون ويصفقون بحرارة. وبعد أن ينتهي الخطاب، كان ممنوعا أن يتحدث أحدهم إلى زميله، بل كان كل منهم يسير في اتجاه يحاول بقدر الإمكان أن يجعله متباعدا عن زميله.. فقد كانت العيون تتابعهم. وكان مطلوبا من فتحي لفترة ما في حياته، أن يوقع في قسم الشرطة مساء كل يوم لإثبات وجوده في الحي وأنه لم يهرب من بيته أو من المراقبة المفروضة عليه.
ولعل من مهازل النظام الإداري في مصر أن فتحي فرج الذي درس الفلسفة، انتهى يعمل موظفا في وزارة المالية. لكنه أبدى اهتماما كبيرا بالسينما كفن، فالتحق بندوة الفيلم المختار التي كان يشرف عليها الأديب يحيى حقي في الخمسينيات وتخرج منها عدد كبير من نقاد السينما والباحثين، والمخرجين فيما بعد منهم، مثل هاشم النحاس وفريد المزاوي وأحمد راشد وأحمد الحضري وغيرهم. وبدأ فتحي ينشر النقد السينمائي في صحيفة "المساء" القاهرية في الخمسينيات، ثم أصبح من أبرز اعضاء جماعة السينما الجديدة التي تأسست عام 1968 وأصبح رئيسا لتحرير مجلة "الغاضبين" لسان حال الجماعة التي كانت تصدر في 4 صفحات ضمن مجلة الكواكب وقت أن كان رجاء النقاش رئيسا لتحريرها في أواخر الستينيات.


وقد بلغ عدد تلك النوادي 18 ناديا بعد ذلك، وأصبحت لها إدارة خاصة في الثقافة الجماهيرية يرأسها فتحي فرج الذي كان قد انتدب من وزارة المالية للعمل في وزارة الثقافة. وأصبحت نوادي السينما تستقطب كل المهتمين بالسينما، وتواصل عملها إلى أن طالتها التغييرات الجذرية في البنية الثقافية المصرية التي كانت قد بدأت منذ ما بعد حرب أكتوبر 1973.
كانت "الثقافة الجماهيرية" قلعة ثقافة اليسار في وزارة الثقافة. ولكن يوسف السباعي الذي جاء به السادات وزيرا للثقافة عام 1974 كان يخطط لضربها. وقد بدأ أولا بضرب وإغلاق عدد من المنابر الثقافية المعروفة، بل وقبض على رموزها ووضعوا في السجون، ثم أغلق بعض المجلات الثقافية مثل "الكاتب" ثم "الطليعة" وطرد أعضاء مجالس تحريرها من كبار الكتاب والمفكرين والصحفيين. وقد اضطر الكثير من هؤلاء الكتاب إلى الهجرة خارج مصر لسنوات طويلة منهم غالي شكري وأمير اسكندر وأحمد عباس صالح والفريد فرج ومحمود أمين العالم ومحمود السعدني وبكر الشرقاوي وغيرهم.
وقد بدأت السلطات أيضا تتعامل مع الثقافة الجماهيرية بطريقة الإحلال والتبديل، فأقالت الوجوه اليسارية والوطنية التقدمية التي يمكن أن تكون معارضة بشكل ما لسياسة السادات ونواياه في التقارب من إسرائيل. ومع تزايد الضغوط بعد تغير الإدارة العامة للهيئة قدم فتحي فرج طلبا للعودة إلى وزارة المالية والغاء انتدابه. وقد عاد بالفعل إلى وزارة المالية، وتولى إدارة السينما بعده مساعده علي أبو شادي. لكن فتحي لم يستمر طويلا في العمل الوظيفي في مصر، فقد لحق بطابور المهاجرين خارج مصر حين ذهب للعمل بإحدى الدول العربية وظل هناك لأكثر من عشر سنوات في "منفاه" الاختياري.
وقد كان فتحي هو الذي شجعني على خوض تجربة "السينما الثالثة". وكان رأي الناقد سمير فريد أيضا مع فكرة أن تقوم جماعة أخرى، من جيل أكثر شبابا، بتكوين جمعيتها التي تعبر عن فكرها وتطلعاتها بعد فشل تجربة "سينما الغد" التي كانت تدور في إطار "السينما البورجوازية الجميلة". وقد استهوتنا فكرة السينما الثالثة، وبدأنا نقرأ ونناقش، ونشاهد أفلاما كان سمير فريد يأتينا بها في جمعية النقاد التي ضمني فتحي فرج إليها وأنا بعد طالب جامعي (وكان فتحي سكرتيرها العام في ذلك الوقت، وكان رئيسها هو المخرج والناقد المخضرم من جيل الأربعينيات أحمد كامل مرسي).

كان محمد كامل القليوبي يعمل مهندسا، بعد أن تخرج من هندسة عين شمس، ولكنه كان قد أكمل أيضا دراسته بمعهد السينما في القاهرة (حصل على الماجستير) ويرغب في الذهاب لتحضير رسالة الدكتوراه في السينما في معهد موسكو السينمائي.
وكان القليوبي أيضا مشغولا بالاستعداد للسفر إلى موسكو. أما أحمد قاسم فكان أيضا يبحث عن إطار ينطلق منه لعمل أفلام تسجيلية طبقا لمفهومه الخاص في سينما التحريض الثورية الملتهبة. وكان القليوبي لا يفصح في الكثير من الأحيان عن رأيه.

القليوبي أعلن في 1978 أنه ذاهب إلى موسكو لاستكمال دراسته السينمائية. وأحمد قاسم ذهب يبحث عن مشاريع جادة لعمل أفلام مع مركز الأفلام التسجيلية ثم مع شركة يوسف شاهين. وفتحي فرج قرر السفر إلى السعودية للعمل هناك في الصحافة والإعلام ودراسة "شكل التحولات القادمة إلى المنطقة انطلاقا من تلك الدولة التي لا نعرف عنها شيئا والتي أصبحت قوة مالية ضخمة لابد أن يكون لها دور سياسي مواز". وأنا.. أصبح مطلوبا مني العمل خارج القاهرة في أقاصي الصعيد المصري في منطقة نائية في محافظة أسيوط حيث حرمت من الكهرباء لمدة ستة أشهر (ربما على سبيل العقاب!).
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com