‏إظهار الرسائل ذات التسميات ذاكرة السينما. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ذاكرة السينما. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 7 أغسطس 2009

من ذاكرة السينما: فيلم "زائر الفجر" لممدوح شكري

عرض فيلم "زائر الفجر" للمخرج الراحل ممدوح شكري في عرض أول قبل العرض التجاري العام في يناير 1973 في جمعية الفيلم ثم عرض في نادي القاهرة للسينما.
في ذلك الزمان، كانت الدنيا غير الدنيا، والناس غير الناس، والسينما غير السينما أيضا.
في الخارج، أي خارج جمعية الفيلم ونادي السينما، وكانا من أكثر المنابر السينمائية احتراما، وكانا يقدمان التحف السينمائية وفيهما تعلم هواة السينما التفكير والتأمل في السينما وفهم آلياتها ولغتها، كانت الحركة الطلابية في قمة المواجهة مع نظام السادات الذي يتراخى ويتعلل بشتى العلل للتهرب من المواجهة المحتومة مع الإسرائيليين لتحرير سيناء المحتلة. وكانت الحركة الوطنية وقتها، تسعى في الوقت نفسه، إلى الضغط على النظام من أجل تحقيق التحول الديمقراطي المنشود بعد أن ثبت أن سنوات الكبت والحرمان السياسي لم تجلب سوى الهزيمة والتراجع.
وقد ظهر فيلم "زائر الفجر" في تلك الأجواء، وكان يعبر أفضل ما يمكن، عنها، وفيه يصور ممدوح شكري ببراعة وحساسية خاصة، مجتمع الهزيمة من خلال دراما معقدة مدخلها هو التحقيق في مقتل صحفية شابة متمردة – ماجدة الخطيب- كانت تحاول أن تفهم لماذا حدث ما حدث ومن المسؤول عما وصلت إليه البلاد من تدهور على مستوى البنية التحتية، وأصبحت أجهزة الأمن تلقي بوطأتها الثقيلة على حياة الناس، تتجسس عليهم، وتصفي حساباتها وصولا إلى القتل، مع كل من لا يعجبها سلوكه، أو بالأحرى مع كل من يغرد خارج السرب، ويسعى لمعرفة الحقيقة.
وكان المحقق الشريف- عزت العلايلي- يسعى بكل ما يمكنه من جهد، للوصول إلى الحقيقة وراء مقتل الصحفية، رافضا الاتصياع للضغوط التي تمارس عليه من أعلى الجهات.
كان يفترض أن الفيلم يدور في مجتمع ما بعد الهزيمة مباشرة أي في العهد الناصري، وكان يدعو بوضوح إلى التغيير، ويتساءل عن المسؤولين عما جرى، بل ويبدي تعاطفا واضحا مع القوى الثائرة التي تحمل الهم الوطني على عاتقها. وفي الفيلم يقوم شكري سرحان بدور لا يمكن نسيانه أبدا، هو دور المناضل الوطني الذي يعيد إحياء خلية نضالية مع رفاق الماضي من أجل استئناف النضال بعد أن أدرك أن منطق "تفويض الزعيم" نيابة عن الشعب قد فشل ولم يؤد سوى إلى الكارثة التي وقعت.
ولاشك أن الفيلم في بنائه الذي يعتمد على اعادة رواية ما وقع (أي ما وقع للبطلة القتيلة) من وجهات نظر متعددة، كان متأثرا على نحو كبير، ببناء فيلم "زد" Z الذي كان قد ظهر قبل ذلك بفترة قصيرة وحقق أًصداء هائلة ومنعته الرقابة من العرض في مصر تخوفا من تأثيره الكبير على طلاب الجامعة الثائرين.
ولاشك أيضا أن الأصل في هذه البناء المركب، الذي اقتبسه كاتب سيناريو الفيلم رفيق الصبان، واستعادة الرواية من وجهات نظر عدة، هو فيلم "راشومون" Rashmon العظيم للمخرج الياباني الراحل أكيرا كيروساوا.
وقد منع عرض "زائر الفجر" من العرض العام بعد أيام من عرضه بسبب قوة تأثيره وحساسية الفترة واهتزاز الوضع السياسي.
ولم تسمح الرقابة بعرضه إلا عام 1975 أي بعد أكثر من ثلاث سنوات وبعد ان استبعدت منه عشرات اللقطات التي لم يتم أبدا استعادتها بعد ذلك، بل إن الفيلم لايزال ممنوعا من العرض بالتليفزيون المصري حتى يومنا هذا.
ولاشك أن منع عرضه ثم تشويهه، كان ضربة شديدة الوطأة لمنتجته ماجدة الخطيب. وقد تعرض ممثلوه أيضا لنوع من "التحذير" من جانب الأجهزة الأمنية، لأن الفيلم في مضمونه كان "ساخنا" بالفعل، وكانت تتردد فيه عبارات تقول على سبيل المثال: البلد دي ريحتها فاحت.. عفنت.. بقت عاملة زي صفيحة الزبالة.. لازم تتحرق"!
وكان الفيلم ينتهي على طريقة الأفلام السياسية الايطالية التي كانت في قمتها في تلك الفترة، خاصة فيلم "انتهى التحقيق.. إنس الموضوع" للمخرج داميانو دامياني، الذي كان قد عرض في القاهرة ضمن اسبوع الفيلم الايطالي، وأثار اهتماما نقديا كبيرا. وكان ينتهي بصدور أوامر عليا من أعلى مستوى، بنقل ضابط التحقيق وإغلاق الملف، والافراج عن المشتبه فيهم، دلالة على أن النظام أقوى من الأفراد مهما كانوا، وأن محاولة الإصلاح من داخل النظام نفسه لا تجدي.
وكان "زائرالفجر" هو الفيلم الثاني لمخرجه ممدوح شكري بعد فيلمه الأول "أوهام الحب" (1970)، وبعد اشتراكه في اخراج فيلم مكون من ثلاث قصص أخرج منها واحدة أي "ثلث" فيلم. وكان "زائرالفجر" قفزة نوعية كبيرة في الأسلوب واللغة والبراعة الحرفية في تنفيذ المشاهد والسيطرة على أداء مجموعة كبيرة من الممثلين شاركت في الفيلم منهم سعيد صالح ورجاء الجدواي وتحية كاريوكا ويوسف شعبان وعايدة رياض ومديحة كامل وزيزي مصطفى وجلال عيسى بالاضافة بالطبع إلى شكري سرحان وماجدة الخطيب وعزت العلايلي.
كان فيلم "زائر الفجر" أحد الأفلام "الثورية" السياسية النادرة في تاريخ السينما المصرية، وكان منطقه من القوة بحيث خشت السلطات من تأثيره الكبير على الجماهير، بل ولاتزال تخشاه حتى اليوم.
وقد أصاب الاكتئاب ممدوح شكري لفترة جعلته يهمل في صحته مما أدى إلى إصابته بمرض حاد نقل على اثره إلى مستشفى الحميات حيث صعدت روحه إلى بارئها هناك قبل أن يشهد التصريح بعرض فيلمه ولو مبتورا.
وهكذا.. ورغم أن النظام كان يرفع شعارات الحرية والديمقراطية ويدين مجتمع القهر السابق (في عهد عبد الناصر) إلا أن الفيلم كان أقوى كثيرا من أن يمكن استخدامه لدعم مثل هذه الشعارات البراقة التافهة التي لاتزال تتردد.. ويصدقها البعض أيضا!

الأربعاء، 29 يوليو 2009

خودوروفسكي يبدأ تصوير"كنج شوت" في أكتوبر

آخر أخبار الفيلم المنتظر "كنج شوت" King Shot الذي وصف بأنه سيكون أول فيلم من نوع "ويسترن ميتافيزيقي" للمخرج الشهير أليخاندرو خودوروفسكي (صاحب "الطوبو" و"الجبل السحري" و"الدماء المقدسة") سيبدأ تصويره في إسبانيا في شهر اكتوبر القادم.
وكان خودوروفسكي قد جاء إلى مهرجان كان الأخير (مايو 2009) وتمكن من تدبير باقي الميزانية المطلوبة لانتاج الفيلم، الذي يعد أول فيلم يخرجه خودورفسكي منذ 20 عاما، ويشارك في إنتاجه أطراف من اسبانيا وايطاليا والمجر والولايات المتحدة. وتبلغ ميزانية الفيلم 7.4 مليون دولار، تعتبر ميزانية صغيرة قياسا إلى الأفلام الأمريكية وبالنظر إلى الديكورات الضخمة التي ستبنى خصيصا لتصوير الفيلم.
وكانت قد سرت أنباء في مارس الماضي عن تأجيل تصوير الفيلم للعام القادم بسبب الأزمة المالية، وسيقوم مارلي مانسون في الفيلم بدور بابا للفاتيكان عمره 300 عام.
والطريف أن هناك عشرات المدونات على شبكة الانترنت باللغات المختلفة أنشأها المعجبون بأفلام خودوروفسكي، لمناقشة ومتابعة كل أخباره، ومن الآن تدور التكهنات حول الفيلم ونوعه ومحتواه وتعبر هذه المدونات عن الشوق البالغ إلى عودة هذا العملاق السينمائي الأسطوري للإخراج وهو في الثمانين من عمره.
جدير بالذكر أيضا أن آلان كلاين، موزع أفلام خودوروفسكي الشهيرة مثل "الطوبو" و"الجبل السحري" والذي كان "يعتقل" هذه الأفلام ويحول بينها وبين شبكة التوزيع العالمية ولو من خلال الاسطوانات الالكيترونية DVD، قبل أن يتصالح العام الماضي مع المخرج الكبير، قد توفى مؤخرا. وكان خلافه مع خودوروفسكي أشهر خلاف بين مخرج ومنتج في تاريخ السينما، فقد غضب عليه الأخير فقرر عدم عرض أو توزيع أفلامه إلى أن يموت، لكنها عادت إلينا لحسن الحظ قبل وفاته!
كنت منذ فترة أتساءل: إذا كان عماد الدين أديب (جود نيوز) يتوق إلى أن يصبح منتجا عالميا فلماذا لم يتقدم لإنتاج الفيلم ودخول تاريخ السينما كمنتج حقيقي لأفلام ستعيش طويلا في الذاكرة.. أليس هذا أفضل وأبقى من إنتاج أفلام مثل "ليلة البيبي دول" وأمثاله؟!
ديفيد لينش هو الذي تعاقد على إنتاج الفيلم. والأموال أصبحت جاهزة، ولكن هناك كلام عن أن آسيا أرجنتو قد لا تقوم بدور البطولة في "كنج شوت" بعد أن حملت مرة أخرى!

الجمعة، 17 يوليو 2009

دهشة اكتشاف السينما في السينماتيك الفرنسية

المبنى الحالي للسينماتيك في بيرسي
بعض الأزياء والمقتنيات القديمة في السينماتيك
هذه مجموعة من اللقطات التي قمت بالتقاطها خلال رحلتي الأخيرة إلى باريس من داخل متحف السينماتيك الفرنسية العريقة التي أسسها الرائد هنري لانجلوا، وتظهر فيها بعض الأجهزة القديمة وأهمها الكنتوسكوب الذي اخترعه أديسون وكان من أوائل أجهزة العرض السينمائي في العالم. والمبنى الذي زرته يقع في حي بيرسي في العاصمة الفرنسية وهو المبنى الجديد الذي انتقلت إليه السينماتيك أي دار التحف والقتنيات السينمائية بعد أن ظل لعقود في موقعه القديم في منطقة تروكاديرو بالقرب من برج إيفل الشهير.
وقمت بزيارة السينماتيك بصحبة الصديق القديم صلاح هاشم المقيم في باريس منذ سنوات طويلة، ودارت بيننا مناقشات عديدة ثرية حول السينما في العالم وموقعنا منها. والتقط صلاح لي مشكورا بعض الصور من داخل السينماتيك أنشر منها واحدة هنا.
وتعد السينماتيك الفرنسية الأعرق والأكبر في العالم وهي تحتوي على أكبر كمية من المقتنيات في أي دار من نوعها كما تضم أكبر عدد من الأفلام من شتى أنحاء العالم. وقد بدأ لانجلوا جمع الأفلام في الثلاثينيات ثم تعرض قسم كبير منها للتدمير على أيدي الألمان النازيين بعد احتلال باريس، فقد أمروا بالقضاء على كل الأفلام التي صورت قبل عام 1937 إلا أن لانجلوا تمكن بمساعدة بعض الأصدقاء من تهريب عدد كبير منها خارج باريس وانقاذها بالتالي من الدمار ثم خصصت الحكومة الفرنسية بعد نهاية الحرب في 1946 منحة صغيرة لدعم السينماتيك كما خصصت لها مقرا مؤقتا تغير عدة مرات إلى أن استقر في تروكاديرو قبل أن ينتقل إلى مقره الحالي في مبنى من تصميم معماري أمريكي في بيرسي.
وقد شهدت السينماتيك عصرها الذهبي في الخمسينيات عندما كانت بمثابة معهد لتعلم السينما من خلال المشاهدة والمناقشة التحليلية للأفلام عندما كان يتردد عليها عدد من النقاد وهواة السينما من أمثال جودار وتريفو وريفيت ورينيه وشابرول وفاديم، وهم الذين شكلوا فيما بعد مجموعة السينمائيين الذين صنعوا حركة "الموجة الجديدة" La Nouvelle Vague الفرنسية الشهيرة التي غيرت الكثير من المفاهيم المستقرة عن الفن السينمائي. وكان قد سبقهم جيل السينمائيين المخضرمين الأساتذة مثل روبير بريسون ورينيه كلير وجورج كلوزو في اكتشاف السينما من خلال السينماتيك.

كينتوسكوب إديسون الشهير


ملصق فيلم "كارمن" الفرنسي (1926) الذي قامت ببطولته راكيل ميللر وأخرجه جاك فيدير

الاثنين، 9 مارس 2009

ملصقات الفيلم الكلاسيكي" المدمرة بوتيمكين"



سبق أن نشرت ملصقا أصليا من فيلم "المدمرة بوتيمكين" (1925) للمخرج الروسي سيرجي أيزنشتاين وكان من تصميم الشقيقين جيورجي وفلاديمير شتاينبرج، وهما من المتخصصين في تصميم الملصقات في بدايات السينما في روسيا. وقد انضما إلى جماعة من الفنانين التجريبيين الذين كانوا يجربون في إطار المدرسة الشكلانية الروسية التي كانت تعتمد على التركيب والتجميع (ينتمي إليها بلا شك رائد التجريب في السينما العالمية كوليشوف).
واليوم أنشر ثلاثة ملصقات أخرى من الفيلم نفسه الذي اصبح إحدى الكلاسيكيات الكبيرة في تاريخ السينما.
الملصق العلوي مجهول وقد أصبح من الممكن نشره بعد أن انتهى الحظر على النشر بعد مرور سبعين عاما على ظهوره (عام 1927) وكانت ملكيته لاستديو جوسكينو في موسكو.
والملصق الثاني (في الوسط) هو أيضا من الملصقات الأصلية للفيلم الكلاسيكي وهو مجهول النسب أيضا مثل سابقه وملك لاستديو جوسكينو الذي أنتج الفيلم.
والملصق الثالث (السفلي) من تصميم الفنان الكسندر رودشنكو عام 1926. وقد توفي الفنان في أواخر 1941.
من كتاب "فنون السينما" الذي ترجمه الناقد والمخرج عبد القادر التلمساني أقتبس السطور التالية التي وردت عن فيلم "المدمرة بوتيمكين" (يترجمه المدرعة) في الجزء المعنون "عشرة افلام هزت العالم":
"في عام 1958 في بروكسل - أعلنت لجنة تحكيم من مؤرخي السينما في 62 دولة أن فيلم «المدرعة بوتيمكين» هو «أجمل فيلم في العالم». وقبل ذلك بعشر سنوات - عام 1948- اتفقت آراء النقاد العالميين كذلك على وضع فيلم «المدرعة بوتيمكين» على رأس قائمة أحسن عشرة أفلام أنتجتها السينما في العالم حتى ذلك التاريخ. ولا جدال في أن هذا الفيلم العبقري سيظل إلى آماد بعيدة علامة كبرى من علامات الخلق السينمائي الأصيل. ويعتبر فيلم «المدرعة بوتيمكين» الرسالة الأولى للسينما السوفييتية إلى العالم كله, يؤكد خصوبة وروعة الثورة الاشتراكية الأولى حينما تتفجر هذه الثورة في قلب فنان شاب.
أنتج الفيلم عام 1925، في السنة الأولى لتنظيم السينما في الاتحاد السوفييتي على الطريقة الاشتراكية. والفيلم يدور حول حادث واحد وقع سنة 1905 وهو تمرد بحارة «المدرعة بوتيمكين» واشتعال الثورة في الميناء - وقد جاء هذا الحادث في صفحة واحدة من نص السيناريو المكتوب. وتم تصوير الفيلم على هذه الصورة في ستة أسابيع - من نهاية سبتمبر حتى بداية نوفمبر - وقد ارتجل أيزيشتاين أغلب أجزائه أثناء التصوير .. وانتهى مونتاج الفيلم في صباح يوم عرضه في 21 ديسمبر 1925, في ليلة من ليالي مسرح البولشوي بموسكو. واستقبله الجمهور بحماس بالغ. لم يلبث أن امتد إلى جمهور برلين ولندن وباريس وكل العواصم حتى القاهرة. حيث عرض (بعد إنتاجه بنحو أربعين سنة). وقد كتب أيزينشتاين عام 1939 دراسة قيمة عن الوحدة العضوية والانفعال النفسي في فيلم «المدرعة بوتيمكين» قال عنها:
- يبدو فيلم «المدرعة بوتيمكين» من الظاهر على أنه تاريخ لأحداث . ولكنه يترك تأثيره في المتفرج كدراما. والسر في هذا التأثير يكمن في الخطة التي بنيناها متمشية مع قوانين التكوين الصارم للمأساة. إن العمل الفني لا يصبح عملا عضويا , ولا يصل إلى قمة الانفعال الحقيقي إلا عندما يصبح موضوع ومضمون وفكرة العمل كلا عضويا مستمرا مع أفكار وأحاسيس المؤلف, بل ومع أنفاسه نفسها. ويعود النجاح العالمي الكبير الذي لقيه هذا الفيلم إلى شكله الفني السينمائي الخالص. وإلى مستوى عال من الإتفاق لا مثيل لهما. كما يعود على الخصوص إلى الحرارة الإنسانية".

السبت، 13 سبتمبر 2008

الملصق الثوري لفيلم "المدمرة بوتيمكين"

نشرت صحيفة "الجارديان" للمرة الأولى صورة بالألوان من الملصق الأصلي للفيلم السوفيتي العظيم "المدمرة بوتيمكين" للسينمائي الرائد سيرجي أيزنشتاين. والملصق من تصميم الشقيقين جيورجي وفلاديمير شتاينبرج، وكانا من المتخصصين في تصميم الملصقات في بدايات السينما في روسيا. وقد انضما إلى جماعة من الفنانين التجريبيين الذين كانوا يجربون في إطار المدرسة الشكلانية الروسية التي كانت تعتمد على التركيب والتجميع (ينتمي إليها بلا شك رائد التجريب في السينما العالمية كوليشوف). ويتضح في ملصق "بوتيمكين" قوة وجاذبية الصورة السينمائية من خلال استخدام أو ابراز الملصق للغة البصرية والمونتاج واللقطة القريبة (كلوز أب). إنهما يقومان بترتيب هذه العناصر الثلاثة بعد أن يبالغا في تجسيد المنظور لإبراز فكرة الصراع الطبقي كما أراد ابزنشتاين تجسيدها في فيلمه. ولا ننسى أن الفيلم يستخدم التمرد الذي وقع على متن سفينة حربية روسية منجانب بحارتها ضد الضباط، بسبب سوء المعاملة، فما كان من قيادتها إلا أن أمرت باطلاق النار عليهم جميعا. وفي الفيلم مشهد لا ينسى عندما يحاول الضباط إلقاء مشمع أبيض على أجساد البحارة بعد أن حصروهم في ركن من أركان السفينة، في محاولة لتغطيتهم به تمهيدا لاطلاق النار عليهم، في مقابلة واضحة مع لقطة ذبح الثور في المذبح. وكأن البحارة "مادة بشرية" متوحدة يمكن القضاء عليها مرة واحدة. ومن أعظم مشاهد الفيلم مشهد سلالم مدينة أوديسا الذي يستغرق وقتا أطول كثيرا مما يستغرقه الحدث نفسه في الواقع، مع استخدام الانتقال بين اللقطات بالقطع لتحقيق أكبر شحنة عاطفية منه: هناك مثلا لقطة المربية التي تدفع عربة فيها طفل ثم مع الفوضى والاضطراب الذي ينشأ مع بدء اطلاق جنود القوزاق النار على المتظاهرين، تفلت العربة من يدها وتتدحرج على السلم وفي داخلها الطفل الرضيع. وينتقل المخرج من هذه اللقطة إلى الأم الملتاعة، إلى الجنود وهم يطلقون النار، إلى الأجساد التي تسقط فوق السلالم. ويهبط بالكاميرا تدريجيا مع الذين يهبطون، ثم يصور من زوايا مرتفعة ما يجري على السلالم. ويستخدم اللقطات القريبة (كلوز اب) لتقديم نماذج متباينة من الأشخاص المرعوبين ولا ننسى اللقطة القريبة جدا الشهيرة لوجه الأم وهي تسقط بعد اصابتها بالرصاص. لقطة من مشهد سلالم أوديسا الشهير في الفيلم

ولعلنا نتذكر كيف استفاد المخرج الأمريكي الشهير بريان دي بالما من هذا الأسلوب المميز لايزنشتاين وقدم محاكاة للمشهد في فيلمه "غير القابلين للرشوة" The Untouchable - الذي قام ببطولته شون كونري وكيفن كوستنر عام 1987.
هنا، في الملصق الذي نراه، نستطيع أن نرصد ثلاثة عناصر: الضابط الذي نراه ملقى فوق سطح السفينة، أو المدمرة، والبحار الذي يعبر بثقة عن الزهو والانتصار وهو يقف بثقة فوق مقدمة المدفع الذي يرمز إلى القوة الجديدة القادمة. ولا ننس أن أيزنشتاين أنهى فيلمه بانتصار البحارة على عكس ما حدث في الواقع، فقد كانت أحداث بوتيمكين من ضمن أحداث ثورة 1905 الروسية التي فشلت، لكنها اعتبرت مقدمة للثورة البلشفية الكبرى عام 1917. وفي عام 1925 أي بعد مرور 20 عاما على ثورة البحارة على متن بوتمكين، صنع ايزنشتاين تحفته الكلاسيكية التي ظلت صامدة للزمن.

شاهد بالفيديو هذا المقطع من سلالم أوديسا

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger