كتابات نقدية حرة عن السينما في الحياة، والحياة في السينما............. يحررها أمير العمري
الاثنين، 28 مارس 2011
من مخزن الذاكرة: عصر مضى
الجمعة، 4 ديسمبر 2009
لقاءات في القاهرة 1
جاءت عطيات الأبنودي، والصديق الناقد حسين بيومي والكاتب والمترجم محمد هاشم، والصديق الشاب عمر منجونة، وصديقنا المخرج المشاغب عماد ارنست وأميرة الطحاوي وآخرون.. ثم جاء المخرج الكبير محمد خان، ومعه زوجته كاتبة السيناريو وسام سليمان، بعد أن توقفنا عن التصوير. وقضينا جميعا وقتا ممتعا في التواصل.
الثلاثاء، 17 نوفمبر 2009
صور من الزمن الذي كان


الاثنين، 23 مارس 2009
من مخزن الذاكرة: فالنسيا وأيام فالنسيا



أما الصورة الثانية (الوسطى) فهي من نفس المهرجان عام 1991 مع الناقد محمد رضا والممثل الفلسطيني سهيل حداد. وكان حداد قد لعب دورا في فيلم "نهائي كأس العالم" الاسرائيلي الشهير للمخرج عيران ريكليس (مخرج العروس السورية) الذي اعتبره الكاتب الفلسطيني الراحل إميل حبيبي في تلك الفترة، نموذجا للعمل المشترك بين التقدميين الاسرائيليين والفلسطينيين، خصوصا وان بعض رجال الأعمال الفلسطينيين شاركوا في تمويله، حسب تصورات وأفكار حبيبي التي كنت أعترض عليها بالطبع. وقد كتبت عن الفيلم بعد ذلك في كتابي "سينما الهلاك" وأوضحت تفصيلا كيف أنه من نفس فصيلة الأفلام الاسرائيلية "الناقدة" لبعض الممارسات لكنها لا تنفي الولاء للصهيونية.
المهم أن مهرجان فالنسيا كان في تلك الفترة يجمع الكثير من النقاد والسينمائيين العرب بحكم اهتمامه الكبير بالسينما العربية التي كانت في أوجها في تلك الفترة. وأذكر أنه في عام واحد فقط هو 1988 فازت ثلاثة أفلام عربية بالجوائز الرئيسية الثلاث في المهرجان. وكان الصحفيون والنقاد والسينمائيون العرب يستقبلون هناك استقبالا حافلا وقت أن كانت إدارة المهرجان تمثل اليسار أو أتى بها الحزب الاشتراكي الذي كان يسيطر على البلدية وعلى الدولة كلها، أما بعد الانتخابات التي أتت بعد ذلك بالبلدية اليمينية فقد وقعت بالطبع تغييرات في إدارة المهرجان شملت مديره واتت تلك الإدارة بممثل محدود الموهبة وإن كان يملك الملامح الخارجية الجذابة فقد كان يشبه إلى حد ما، الممثل الفرنسي آلان ديلون. وربما من فالنسيا جاءت فكرة تعيين حسين فهمي مديرا لمهرجان القاهرة السينمائي فيما بعد.
وكان هناك في فالنسيا، شخص عربي يدعى زهير الدواليبي، يعمل مترجما في البلدية، أتوا به للمهرجان لكي يسهل ترجمة الرسائل والمكاتبات ويترجم لهم نبذة عن الأفلام العربية التي كانوا يعرضونها. وكان زهير هذا شابا متواضعا مهذبا جدا، يعرف جيدا حجم دوره ومكانه، ويتعامل مع الجميع باحترام وأدب جمين.
وبعد تغير الأحوال وجدت الإدارة اليمينية نفسها تعاني من فراغ في الكوادر القادرة على فهم السينما العربية والتعامل مع السينمائيين العرب بعد أن استغنوا عن خدمات هؤلاء الخبراء الذين كانوا أيضا يتميزون بمعرفتهم وإلمامهم الكبير بالسينما العربية والسينما العالمية وبأهمية التواصل الثقافي بين بلدان المتوسط. ولجأت الإدارة في سد الفراغ إلى زهير الدواليبي هذا، فقفز وأصبح مساعدا في إعداد البرنامج ثم المبرمج الرئيسي للأفلام العربية في المهرجان. وتصور الدواليبي انه أصبح بقدرة قادر، خبيرا في السينما، يناقش مستوى الأفلام ويعترض عليها انطلاقا من مفاهيم أشبه بمفاهيم بائعي "الحمص"(مع الاعتذار لهؤلاء الشرقاء بالطبع فليس مطلوبا منهم أن يفتوا في السينما) وكان الدولبيني بكل جرأة، يجادل مع النقاد الذين أفنوا سنوات عمرهم من أجل الإلمام بتاريخ ولغة السينما، وجابوا العالم لمشاهدة الأفلام والاطلاع على أحدث إنجازات السينما. فما المانع، ألا يكلف الأمر أكثر من مكالمة تليفونية مع مخرج ما لدعوته للمشاركة بفيلمه وإحضار النجمة فلانة والنجم فلان معه "من شان خاطر عيون السينما العربية ياعيوني.. وتكرم عيونك". والطريف أيضا أنه بدأ يشكو من عدم توجيه الدعوة إليه من المهرجانات السينمائية التي تقام في العالم العربي، بل وبدأ ويتهجم على المسؤولين عن تلك المهرجانات ويكاد يقول لنا بصراحة لا مواربة فيها: أنظروا كيف ندعو "نحن" كل هؤلاء السينمائيين من هذه الدولة أو تلك، في حين لا يدعونني هم إلى مهرجاناتهم!
وكان لسان حاله يقول إنه يتوقع الحصول على دعوات مقابل دعوة سينمائيين العرب إلى فالنسيا، وهو أولا منطق غير مقبول، ثانيا هذا هو بعينه ما أصفه دائما بأنه "التأثير العربي" على المهرجانات الأوروبية، فهذه المهرجانات تتبع عادة سياسة علمية موضوعية في العمل، لكن ما أن يصبح واحد من هؤلاء العرب (إياهم) مستشارا لديها أو حتى طرطورا، إلا وينتقل الفساد العربي بأكمله إلى تلك المهرجانات، فأشباه المتثاقفين من العرب هم أسوأ أنواع البشر في هذا المضمار. وكان شيئا مثيرا للنفور بل والاستفزاز حقا أن هذا الشخص كان يعرف جيدا أن من أوليات حرفته الجديدة المكتسبة أنه يتعين عليه أن يضمن حضور ممثلين عن السينمات العربية إلى مهرجان فالنسيا وإلا سقط ما يدعيه المهرجان بأنه لسينما بلدان البحر المتوسط، ولم يكن هناك بالتالي فضل لأحد على أحد، لكنه الفساد المتأصل الذي غذته وزرعته الأنظمة الفاسدة في العالم العربي.
وكانت تلك الكوكبة من الأسماء اللامعة مثل يوسف شاهين ويسرا وعمر الشريف وليلى علوي وأسامة محمد وعبد اللطيف عبد الحميد وأيمن زيدان ومحمد ملص ويسري نصر الله ومحمد خان ومحمد القليوبي ومحمود عبد العزيز وغيرهم، هي التي تخلق لمهرجان فالنسيا قيمة، وتثير حوله الاهتمام الإعلامي في العالم العربي، وكذلك الأمر بالنسبة للإعلاميين على قدم المساواة فمن دونهم لم يكن أحد ليعرف شيئا عن هذا المهرجان.
كان زهير هذا يعبر صراحة عن أفكاره في الجلسات التي كانت تجمعنا أحيانا، ثم بدأ يتحدث بغلظة عن النقاد والصحفيين العرب، وبلغ به الأمر أن قال ذات مرة أمامي أن المهرجان يتكلف الكثير من أجل دعوة هؤلاء وإذا لم يكتبوا مساحات كافية فلماذا ندعوهم، وأشار إلى ناقد بالإسم قائلا إنه لم يكتب سوى مقالتين في صحيفته وإن من الأوفر والأرخص للمهرجان في هذه الحالة تكليف مكتب دعاية لكتابة مواد من هذا النوع، وكان رد فعلي عنيفا إزاء هذا الكلام الفارغ الذي سمعته منه،وقلت له إن قيمة الناقد لا تقاس بعدد ما يكتبه من مقالات، وإن هذا الكلام لا يمكن أن يتردد في أي مهرجان محترم حقا، وإن الناقد ليس مندوب دعاية لأي مهرجان بل ومن حقه أيضا أن ينتقد دون أن يعاقب وإن مبدأ العقاب والثواب الذي يلوح به شيء متخلف، وإن المهرجانات السينمائية لا يمكنها أن تعيش بدون اعلام أو نقد ومن الممكن طبعا أن يستغنى أي مهرجان عن النقاد والصحفيين، ولكن عليه ألا يعتبر نفسه مهرجانا دوليا، ويمكنه الاكتفاء بدعوة حفنة من المطبلاتية من الصحف المحلية او من أصدقاء المدير ومسامري الغفير.
منذ تلك اللحظة أظن أن علاقتي بالمدعو زهير لم تعد أبدا إلى ما كانت عليه، (وأظن أيضا أنه لايزال أحد مسؤولي إعداد برنامج المهرجان، الذي لم تعد له أي قيمة ولا أي ذكر). وكان هو من النوع الذي يعرف حجمه كما أشرت فكان يؤثر أن ينزوي عندما يراني، وطبعا وصلت الأمور إلى أننا التقينا مرة أخيرة في مهرجان القاهرة عام 1995 وأبلغته أنني توقفت من العام الماضي عن الحضور إلى فالنسيا بعد أن فقد معناه، بل إنني رفضت الذهاب إلى عشاء دعانا إليه طلعت شاهين في منزله بالقاهرة (وكان قد انتقل للعيش هناك) لأنني وجدت بصراحة شديدة، أن دعوة شخص كهذا قد تفهم على أنها نوع من التزلف له، وكان هو قد شعر بالزهو وانتفخت أوداجه عندما وجه له طلعت الدعوة. وحتى هذه اللحظة لا يعرف طلعت شاهين السبب الحقيقي الذي دعاني للاعتذار عن عدم الذهاب بل ولا أظن أن العشاء تم في بيت طلعت نفسه الذي اعتذر فيما علمت أو أجل الدعوة أو شيئا من هذا القبيل بعد اعتذاري عن عدم الحضور (والغريب أن طلعت فسر لابن شقيقته الصحفي علي حامد كما علمت بعد سنوات طويلة، أنني تراجعت عن قبول العشاء في بيته بدافع الرغبة المبيتة في إفساد علاقاته الدولية) أو شيئا ساذجا بهذا المعنى!
ما أعرفه أن المهرجان بدأ منذ تلك السنة بالفعل في الهبوط والتضاؤل، وابتعد عنه السينمائيون الكبار، كما آثر النقاد الذين يحترمون أنفسهم الابتعاد عنه ومنهم محمد رضا وأحمد صالح ورءوف توفيق ويوسف شريف رزق الله وفوزي سليمان، وكانوا من المترددين عليه بانتظام.
كنا أنا ومحمد رضا في تلك الفترة قريبين إلى حد ما، فقد كنا نقيم في لندن، وكانت لندن رائعة في تلك الفترة، والحياة فيها أكثر جمالا أو ربما يبدو لنا الماضي دوما أجمل من الحاضر، وكنا نلتقى من حين إلى آخر، نتكلم، نتفق ونختلف ونتبادل الرأي ونضحك ونسخر من عشرات الأشياء، ولكننا لم نتشاجر أبدا. وكان ما يجمعنا أساسا هو حبنا الكبير للسينما وإيماننا بما نفعله، ولا أظن أنه جمعنا أي شيء آخر له علاقة من أي نوع بالاستفادة المادية مثلا، أو المصالح الانتهازية المحدودة، أو أننا حتى تصارعنا من أجل الفوز بعمل ما، فقد كنت أعتبر نفسي دائما أكبر من أي صراع من هذا النوع، أنا الذي ضحيت بالكثير جدا في حياتي الشخصية لكي تتاح لي فرصة دراسة ما أحب والاطلاع عليه عن كثب وممارسة ما أحب أيضا. أما هو فقد كان يصارع في غابة لندن التي كانت مليئة بالتقلبات الصحفية التي كانت دون شك، انعكاسا للصراعات والتقلبات السياسية، ولم يكن هو طرفا في تلك الصراعات، وربما كان بالتالي يدفع الثمن في النهاية، أو أن هذا كان انطباعي.
وكان انطباعي أيضا أن محمد رضا يقضي خارج لندن، بل خارج بريطانيا كلها، وقتا أطول مما يقضيه في لندن، فقد كان دائم الترحال، حتى أنني لا أتذكر أنني شاهدته ولا مرة واحدة يحضر مهرجان لندن السينمائي الذي كنت أداوم على حضوره ومازلت. ويبدو أن الصحف التي كان يكتب لها كانت تفضل أن يقوم هو بتغطية مهرجانات أخرى تقام وقت انعقاد مهرجان لندن. وكان من طبيعته أيضا أننا حين كنا نلتقي كان يقترح أن نذهب إلى السينما، وكان بالتالي يفضل مشاهدة الأفلام على تضييع الوقت في تبادل الحديث مثلا.
وظل كل منا يشق طريقه في هدوء، بعيدا عن صخب هواة الصخب. وكان كلانا يعرف جيدا أن لكل منا أسلوبه وطريقته ومنهجه الخاص المختلف في النظرة إلى السينما والتعامل معها وفهمها، وأن لا أحد يطرح نفسه "شيخا" أو "فقيها" على قبيلة النقاد أو يزعم لنفسه ما ليس منها بالضرورة، بل كنا ندرك أننا نجتهد في مجال صعب يمتليء بالمغامرين والمحتالين والمدعين وهم كثر ولا يمكننا أن نوقف تدفقهم. كنا نجتهد إذن، نصيب أحيانا، وقد نخطيء أحيانا أخرى، دون أن يؤدي هذا إلى الاندفاع للرد والتعليق والتعقيب وتصيد كلمة هنا أو كلمة هناك، بل على العكس، كنا نحترم ما يكتبه بعضنا البعض رغم خلافنا المعلن حول الأفكار بالطبع، وهو خلاف مشروع ويكتسي بالاحترام. وقد كتب محمد رضا مقالا امتدح فيه كتابي الأول "سينما الهلاك" عند صدوره في أوائل 1993. وقد وضعت مقتطفا منه على ظهر غلاف الكتاب عند صدور طبعته الثانية (2006). وكنت قد آثرت أصلا الابتعاد عن أي منافسة في مجال الصحف السعودية والخليجية والممولة خليجيا واخترت العمل في جريدة، فقيرة، لكنها منحتني الحرية، وكانت في تلك الفترة لاتزال تتمتع بمصداقيتها كجريدة "فلسطينية" أساسا، تصدر بمنهج ورؤية واضحتين. وعندما اختلفت تلك "الرؤية" والهدف، اختلفت مع تلك الجريدة وخرجت منها.
الجريدة المقصودة هي "القدس العربي"، التي كنت أعمل بها مسؤولا عن صفحة السينما والفنون اليومية، وكان زميلي وصديقي أمجد ناصر المحرر الأدبي للجريدة، وكانت بيننا علاقة ألفة وصداقة وتعاون، وكنت أتحرك وأسافر وأكتب كما يحلو لي، بحرية كاملة، أحيانا على الصفحة كاملة، مما جعلني أبقى في الجريدة منذ تأسيسها تقريبا عام 1989 إلى أن خرجت منها في منتصف 1994 بعد أن تغيرت الظروف والأحوال وسارت "دماء" كثيرة في الأنهار، والتحقت بالعمل بتجربة تليفزيون بي بي سي العربي الأولى التي لم تستمر طويلا على أي حال.
وقد فكرت مع أمجد في عام 1992 في استضافة ندوة بالجريدة حول "السينما العربية والدولة"، وقمت بإدارة الندوة، وكان من المدعوين الذين سُجلت مناقشاتهم ونُشرت على أكثر من حلقة على صفحة كاملة من الجريدة: الناقد محمد رضا، والسينمائي الفلسطيني أنيس البرغوثي، والروائي والكاتب الصحفي (في جريدة الحياة) جاد الحاج (وكانت له مساهمات بارزة في النقد السينمائي)، والسينمائي المعروف جان شمعون، وطبعا أمجد ناصر.
والصورة الثالثة (السفلية) مأخوذة من تلك الجلسة في مكاتب الجريدة ويظهر فيها إلى جواري أمجد ناصر يتكلم بانفعاله المعروف، ثم أنيس البرغوثي، وجانب من وجه وجسد محمد رضا.
الصور لا يمكن لأحد أن يلغيها أو يعيد النظر فيها، فهي جزء من الذاكرة شئنا أم أبينا.. وهي جزء من حياتنا وشاهد عليها. لقد سرت بالطبع "مياه" كثيرة في الأنهار منذ التقاط تلك الصور، وكبرنا وكبرت معنا همومنا ومشاكلنا وتضاءلت أحلامنا وودعنا الكثير من الأوهام. لم أعد أعرف أين أنيس البرغوثي الآن، وكان قد درس السينما في لندن، ربما يكون قد عاد إلى الضفة وعمل بالتليفزيون الفلسطيني. أعرف أن جاد الحاج عاد إلى بيروت ولايزال يعمل في جريدة "الحياة" بعد أن انتقلت إلى هناك قبل سنوات، وصار يتردد بين استراليا (التي يحمل جنسيتها) ولبنان. طبعا أمجد ناصر لايزال في "القدس العربي" كما هو، وقد التقيته مؤخرا عندما جاء إلى مكاتبنا في بي بي سي. ويواصل جان شمعون إنتاجه السينمائي المتميز مع زوجته ورفيقته السينمائية مي مصري.. أما محمد رضا فهو كعادته، بين الأفلام!
الجمعة، 20 فبراير 2009
من مخزن الذاكرة: أيام في الدار البيضاء


جمعتنا أيام جميلة في الدار البيضاء (عام 1992) عندما شاركنا في الموسم الثقافي الجميل الذي نظمته كلية الآداب - ابن مسيك بالدر البيضاء حول "السينما والأدب" ووجهت الدعوة وقتها لعدد كبير من السينمائيين البارزين الذين كان لي شرف التواجد معهم، وكذلك النقاد.. نقاد الزمن الصعب من المشرق والمغرب.
وقد حفل الأسبوع بالعروض والمناقشات المثمرة التي دارت داخل مدرج كلية الآداب بالجامعة العريقة. وكان الدكتور محمد برادة أستاذ الأدب، رئيسا للجلسات وقتها. وأتذكر أن منظم الأسبوع كان الصديق الناقد المغربي حمادي كيروم، وكانت تلك المرة الأولى التي نلتقي وقد وجه لي الدعوة للمشاركة بورقة بحثية في المؤتمر وكانت وقتها بعنوان "السينما والأدب وأشكال التعبير: علاقة اقتباس أم استلهام، أمانة أم خيانة؟"، ويمكن القول باختصار أنها كانت دفاعا مسهبا عن "الخيانة" أي عن حق السينمائي في خيانة العمل الأدبي وتطويعه للغتة السينما ولأسلوبه ورؤيته، وكان فيها نوع من "التحيز" للسينما. وقد أثارت وقتها ضجة كبيرة ومناقشات صاخبة ونشرت فيما بعد في صحف مغربية، وأتذكر أنني تلقيت أيضا هجوما شديدا من طرف أحد الطلاب الذي انتفض واقفا بغضب محموم وكان يرتجف من فرط الانفعال وهو يتكلم موجها لي انتقادات شديدة، وكان أساس غضبه أنه شعر بالاستفزاز من كلمة "خيانة" وتصور فيما يبدو أنني أدعو إلى الخيانة الزوجية مثلا، أو إلى الإباحية ربما لأنني ضربت وقتها مثالا بفيلم "العاشقة" الفرنسي الذي كان قد ظهر مؤخرا في فرنسا عن رواية لمرجريت دورا وأثار ضجة كبرى لتجاوزه الرواية كثيرا. وكان الطالب المسكين كما بدا واضحا للجميع مدفوعا بأيديولوجية سلفية أو متشددة كانت لاتزال كامنة إلى حد ما في المغرب في تلك الفترة.
وقد نشر ذلك البحث ضمن كتابي "هموم السينما العربية" الذي صدر في القاهرة ضمن سلسلة "آفاق السينما" وأعتبره أسوأ كتبي على الإطلاق من حيث الإخراج والتنفيذ والطباعة، وإن كان من أكثرها اهتماما من جانب الكثير من المهتمين وطلاب السينما، فقد كنت كلما التقيت بأحد من هؤلاء يذكر الكتاب ويشيد بتأثيره عليه، وكنت أدهش كثيرا لذلك وأعتذر عن رداءة الطباعة خصوصا وأن الصديق كمال رمزي المشرف على السلسلة في تلك الفترة، أصدر معه كتابا ثانيا لي هو "سينما الرؤية الذاتية"، وقال في كلمته التي نشرت على ظهر الغلاف إنه يقدم "في هذا السفر عملين يكشف فيهما المؤلف عن همومه كناقد تجاه السينما العربية والعالمية".. ولم أقتنع بفكرة دمج كتابين منفصلين في كتاب واحد كما لم أقتنع بأنني كتبت "سفرا" أو شيئا من هذا القبيل!
كان الناقد كمال رمزي (الذي يظهر معي في الصورة السفلية (إلى اليسار)، ومع المخرج السينمائي الفلسطيني غالب شعث (أقصى اليمين) والصحفية المغربية أمينة بركات ,والإعلامية المغربية الأستاذة صباح بن داود)، صديقا مقربا في تلك الفترة وما تلاها، ولكن شاءت التغيرات والمتغيرات التي عصفت بكل شيء في مصر أن تغير أيضا الكثير من العلاقات والصداقات، وتصنع علاقات أخرى ربما تقوم على أشياء لا علاقة لها بحبنا القديم المشترك وهو السينما، أو بأحلامنا القديمة في تغيير الدنيا إلى الأفضل بعد أن سقطت الدنيا في المستنقع وسقط معها كثيرون!
كان المخرج غالب شعث، وهو رجل شديد التهذيب والأدب والرقة بل ويمتلك أيضا ثقافة رفيعة وحسا فنيا بليغا، مدعوا إلى المؤتمر- الأسبوع- المهرجان (أظن أن الإخوة في المغرب أطلقوا عليه وقتذاك "ملتقى الرواية والسينما") لعرض ومناقشة تجربة فيلمه الشهير "الظلال في الجانب الآخر" (1973) الذي كان باكورة إنتاج جماعة السينما الجديدة في مصر في عز سنوات الحلم بالتغيير بعد هزيمة 67 العسكرية التي احدثت نوعا من اليقظة بل والثورة الثقافية الشاملة التي كانت، لو قدر لها أن تستمر ولا يتم إجهاض مشروعها في 1971 ثم في 1974 مع إعلان السادات تغيير توجه المجتمع بالكامل وبقرار علوي من فوق، دون أن يملك أحد التصدي له سوى طلاب الجامعات، لكان من الممكن أن تلحق مصر بركب التطور ولا تنزلق وتسقط في غبار الفكر المتصحر المتصلب الجاف القادم من أعماق الصحراء المجاورة جالبا معه أزياءه وأشكاله وسحناته الشيطانية!
كان غالب شعث من أوائل السينمائيين الفلسطينيين الواعدين في مجال السينما الروائية الحقيقية، سينما التعبير باللفتة والحركة والهمسة والعلاقة بين الصور واللقطات، وذلك في وقت سادت فيه (أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات) سينما أخرى فلسطينية تعتمد على الشعارات وعلى أننا اصحاب حق و"عائدون" وكانت تمتلئ بالكثير من التدريبات العسكرية وتخلو من اللمسات الفنية الإنسانية. غير أن هذا المخرج الموهوب بحق امتنع بعد إخراج عمله البارز "الظلال" عن الإخراج السينمائي، وفشلت كل الجهود لدفعه للعودة للإخراج مرة أخرى حتى يومنا هذا. ورغم أنه درس السينما دراسة رفيعة في فيينا في الستينيات، إلا أنه فضل الأعمال التجارية متخذا من القاهرة منذ فيلم "الظلال" مقرا لإقامته حتى يومنا هذا.
كان من بين المدعوين إلى الدار البيضاء أيضا من الذين شاركوا بأوراق ومداخلات مكتوبة المخرج السوري الكبير نبيل المالح وعرض له فيلم "الكومبارس" وقد لقي استقبالا بديعا، وتحدث أيضا على ما أذكر أيضا المخرج الصديق داود عبد السيد الذي عرض له فيلم "الكيت كات" وكان قد ظهر حديثا وكانت تلك المرة الأولى التي أشاهده فيها، فقد جئت من لندن (كالعادة). غير أن رأيي دائما في داود وهو رجل عميق الاطلاع والمعرفة، انه أحد أفضل السينمائيين الذين ظهروا في تاريخ السينما المصرية قاطبة، غير أنه ليس متحدثا جيدا.
جاء وفد كبير من الأدباء والسينمائيين والنقاد من مصر يتقدمه الراحل الكبير صلاح أبو سيف، وكان يرأس الوفد الصديق الراحل أيضا عبد الحميد سعيد مؤسس أرشيف الفيلم المصري الذي لم يكتمل أبدا بسبب معوقات إدارية. وكان هناك الكاتب الكبير صبري موسى متعه الله بالصحة والعافية (صاحب سيناريو فيلم "البوسجي" الشهير الذي أخرجه حسين كمال قبل أن يتحول إلى إخراج الأفلام الرائجة)، وكان المؤتمر يعرض عددا من أفلام صلاح أبو سيف المأخوذة عن أعمال أدبية منها فيلم "بداية ونهاية" و"القاهرة 30". وعرض كذلك أفلاما من تونس والمغرب ولبنان وفلسطين.
أذكر أنه كان من بين المدعوين الصديق المخرج علي بدرخان الذي أخرج الكثير من الأفلام الجيدة التي تعتمد على نصوص أدبية مثل "الكرنك" و"أهل القمة" و"الجوع". وعلي بدرخان طبعا معروف بمقالبه الكثيرة التي يدبرها على سبيل المزاح. وقد حاول أن يجرب معي أحد مقالبه ونحن في الفندق حينما اتصل بي يدعوني للحضور فورا إلى غرفته في الفندق بحجة أن "أمرا مهما من إدارة المهرجان" في انتظاري أو شيئا من هذا القبيل.. لكني على ما يبدو شممت رائحة توحي بوجود مقلب ما في الموضوع، فلم يكن ما ذكره مقنعا تماما، كما أن قدرته على التمثيل لم تقنعني كما تقنعني قدرته على الإخراج. وقد ذهبت إلى الغرفة بالفعل وأنا أتشكك مسبقا في وجود أمر ما مدبر، فوجدت كمال رمزي منفجرا في الضحك ومعه صبري موسى وداود عبد السيد وطبعا علي بدرخان الذي حاول أن يوهمني بجدية الأمر، دون أي جدوى بالطبع.. لا أذكر كيف انتهت الجلسة، لكن على خير طبعا!
الثلاثاء، 21 أكتوبر 2008
من مخزن الذاكرة


الصورة العلوية لي مع المخرج الراحل صلاح أبو سيف في مهرجان قرطاج السينمائي (1986) ومعنا على اليسار المخرج التونسي الطيب لوحيشي، والصورة المنشورة تحتها مع المخرج الصديق خيري بشارة في الدورة نفسها من المهرجان المذكور.
كان صلاح أبو سيف قد جاء إلى مهرجان قرطاج ضمن وفد مصري يضم خيرة السينمائيين، تصور في تلك السنة، أنه صنع عددا من أفضل الأفلام، وجاء بها للعرض داخل وخارج المسابقة.
كان هناك فيلم "البداية" لصلاح أبو سيف وكان يعرض خارج المسابقة ضمن تكريم خاص للمخرج الكبير، وكان هناك فيلم "الجوع" لعلي بدرخان داخل المسابقة، وهو بلاشك من افضل ما أخرجه بدرخان، وآخر أفضل فيلم لسعاد حسني.
وجاء خيري بشارة بتحفته السينمائية "الطوق والإسورة" عن رواية يحيي الطاهر عبد الله وسيناريو يحيى عزمي.
وربما أصبحت الأفلام الثلاثة حاليا من الأعمال الكلاسيكية في السينما المصرية والناطقة بالعربية بوجه عام. ولكن كان هناك أيضا إلى جانب هذه الأفلام الثلاثة فيلم "اليوم السادس" للمخرج الراحل يوسف شاهين، وقد عرض في افتتاح مهرجان قرطاج في تلك الدورة (أعود لحضور المهرجان هذا العام الذي يفتتح بفيلم "هي فوضى" ليوسف شاهين.. آخر أفلام الراحل الكبير).
وقد خرج الفيلمان المصريان من المسابقة دون الحصول على أي جوائز. وفاز بالطانيت الذهبي الفيلم التونسي "ريح السد" الذي اثار وقتها ضجة كبرى في العالم العربي، كما تعرض لحملة هجومية قاسية في الصحافة المصرية بدعوى أنه يفتح الباب للتطبيع مع اسرائيل، أو بسبب تصويره الشخصية اليهودية في صورة ايجابية، والعربية في صورة سلبية- كما قالوا وقتها.
وقد تحدثت في إذاعة بي بي سي وكتبت ونشرت وقتها أكثر من مقال دافعت فيها بشدة عن هذا الفيلم، أقصد فيلم نوري بوزيد واعتبرته عملا فنيا بديعا (المقالات موجودة طبعا في أرشيفي الشخصي)، كما عدت فأرسلت إلى مهرجان القاهرة السينمائي الذي عرض الفيلم في أواخر العام نص مقابلة طويلة أجريتها في مهرجان قرطاج (اكتوبر 1986) مع نوري بوزيد تحدث فيها بإسهاب عن فيلمه، وقدمته باعتباره عملا كبيرا في السينما العربية، وكان هذا رأيي ولايزال. ونشرت المقابلة في النشرة الرسمية للمهرجان باعتبارها حوار بين "الناقد والمخرج". ولعل أبو زيد لا يعرف أنني بسبب نشر هذه المقابلة في القاهرة، نالني هجوم شديد أو وجه بالأحرى، اتهام من ناقدة مصرية معروفة، بأنني صرت من "المدافعين عن اليهود" وبأنهم "خدعوا في"!
إلا أن هذا لم يمنع نوري بوزيد من شن هجوم مضاد على كل النقاد المصريين، واتهامهم بأنهم "يشعرون بالغيرة من كون الأفلام التونسية تحقق نجاحا". وتجاهل تماما وجود "ناقد مصري" (لم يكن وحده على اي حال) دافع عن فيلمه أينما عرض، حتى بعد ذلك حينما منع عرض الفيلم ضمن 5 أفلام تونسية أخرى من العرض في مهرجان دمشق عام 1991. وقد كتبت وانتقدت ما وقع من حظر، على الفيلم وغيره مثل "الحلفاوين" للمخرج فريد بوغدير.
غير أنني عندما عدت بعد سنوات لمشاهدة فيلم نوري بوزيد المسمى "بزناس" في مهرجان كان 1992 كان لي تحفظات كثيرة على مضمونه وطريقة معالجته، واستسلامه للأشكال والكليشيهات التي يغرم بها الممولون والموزعون الفرنسيون والغربيون عموما، وكان هذا رأي اتفق فيه مع معظم النقاد العرب الذين كتبوا عن هذا الفيلم. وكان أهم ماخذ عليه افراطه في استخدام القوالب التي يحبها الغرب أي أنه استسلم لمقتضيات التمويل الأجنبي. والغريب أن بوزيد نفسه عاد بعد سنوات طويلة لكي يعترف بما قدمه من تنازلات في هذا الفيلم بالذات.
إلا أن نوري بوزيد في ذلك الوقت من التسعينيات اعتبر ما نشرته (في نفس المطبوعات التي نشرت فيها من قبل عن ريح السد) "حقدا مصريا" و"رغبة في إخراجه من السينما ودفعه إلى التوقف عن الإخراج" وغير ذلك من الكلمات الكبيرة الصغيرة المضحكة.
وعندما التقيت به مصادفة أمام مدخل الفندق بينما كنت أحضر دورة 1996 من مهرجان قرطاج، استوقفني لكي يقول لي إنه "لايزال موجودا وإنه ماض رغم كل محاولات إخراجه من المجال السينمائي" أو شيئا ساذجا بهذا المعنى!
ولم أحاول أن أشرح له أو أن أبرر، بل شكرته وانصرفت، فليس من الممكن أن يتخيل أي إنسان في العالم أن هدف أي ناقد أن يجعل مخرجا ما يتوقف عن الإخراج السينمائي فهذا كلام لا يصدر إلا بدوافع أخرى. وأنا أفهم الحساسية المرضية عند بعض السينمائيين العرب لما يكتبه النقاد الذين لا حسابات لهم، فبعضهم عندما يفشل تماما في العثور على دوافع "خاصة" تتفق مع تصوراته عن النقاد، يذهب إلى إيهام نفسه بأنهم يكتبون انطلاقا من اعتبارات الجنسية والتعصب القومي. ولو كان هذا صحيحا، لكنت قد اشتركت مع من شاركوا في حملة هائلة ضد مهرجان قرطاج واتهموه بتجاهل السينما المصرية عمدا ومحاولة عزلها، وكان لهم فيما صدر عنهم بعض العذر وقتذاك بسبب ما حدث في المهرجان من خروج الأفلام المصرية الأفضل من أفلام كثيرة غيرها، من سباق الجوائز بل إن الممثلة فردوس عبد الحميد حرمت بشكل ظالم لاشك في ذلك، من جائزة أحسن ممثلة. وقد وقعت مهزلة هناك عندما نودي على فردوس لكي تصعد لاستلام الجائزة لكنها عندما صعدت أمام الجماهير التي حيتها بقوة (وكانت وقتها في عز مجدها) فوجئت بذهاب الجائزة إلى ممثلة أخرى لا أتذكرها الآن!
كان هناك صراع متخلف وقتذاك يغذيه البعض، بين ما اطلقوا عليه سينما المشرق وسينما المغرب، أو تحديدا بين السينما المصرية، والسينما في المغرب العربي. وقد كتبت في هذا الموضوع، وكنت أميل إلى معارضة كلا الطرفين، اللذين كانا يستندان إلى مفاهيم متخلفة، فلم تكن "التقسيمة" صحيحة أصلا، بل الصحيح القول إن السينما الفنية المتميزة في مصر وغير مصر تواجه الكثير من العقبات والمشاكل، وليس صحيحا أن الفيلم المصري مرادف للفيلم التجاري السائد على إطلاقه، وإلا كيف نصنف أفلام محمد خان وعاطف الطيب ويسري نصر الله ورأفت الميهي وخيري بشارة وابراهيم البطوط وأسامة فوزي (والخلط بين الأجيال مقصود تماما).. هل نضعها في نفس الخانة مع أفلام تعرفونها أنتم جيدا؟
في الوقت نفسه ليس صحيحا على إطلاقه أن كل فيلم ينتج في تونس أو سورية أو المغرب هو فيلم فني بالضرروة، بل هناك أفلام مصنوعة أيضا بغرض الوصول إلى الجمهور العريض، أي أفلام تغازل ذلك الجمهور وتتصور أنها تقدم له ما يريده، وليس ما يريده السينمائيون الطموحون أصحاب الرؤية والخيال!
الموضوع خرج قليلا عن إطار الذكريات التي تستدعيها صور من هذا النوع.. لكن ربما يكون من المهم أن أختم بالقول إنني توقفت تماما عن الكتابة عن أفلام نوري بوزيد منذ ذلك الحين، ما أعجبني منها وما لم يعجبني.. ولعل ذلك أفضل له.. وأكثر راحة لي طبعا!
الجمعة، 8 أغسطس 2008
من مخزن الذاكرة


الاثنين، 4 أغسطس 2008
من مخزن الذاكرة


نقاد سعداء من زمن آخر
هنا من مخزن الذاكرة البصرية صورتان يظهر فيهما عدد من النقاد العرب من بينهم كاتب هذه السطور، في عصر آخر وزمن ولى.
الأحد، 3 أغسطس 2008
من مخزن الذاكرة

مخزن الذاكرة البصرية المصورة يحتوي الكثير والكثير من الصور، من البدايات وعبر مشوار الحياة في السينما، والسينما في الحياة، مع رفاق درب كانوا رفاقا تحول من تحول منهم إلى "اشياء" أخرى، واصدقاء تفرقت بهم السبل، منهم من ظل على إخلاصه واحترامه لنفسه، ومنهم أيضا من غيروا ولاءاتهم واصبحوا من خدم السلطة وعبيدها والمنظرين الأوائل لها في كل المحافل، لا يستنكفون أن يكتبوا اليوم شيئا، ثم يكتبون نقضيه غدا، ومنهم سينمائيون أصبحوا نجوما لامعة في سماء الفن،ومنهم أيضا من توفاه الله ورحل عن عالمنا.
من مخزن الذاكرة أنشر صورتين مع الصديق المخرج الكبير محمد خان في حضور المخرج الراحل الصديق عاطف الطيب، وقد التقطت الصورتان في مهرجان فالنسيا لسينما البحر المتوسط (اسبانيا) في أواخر الثمانينيات، غالبا عام 1989 حين جاء محمد خان وقتها للمشاركة في عضوية لجنة التحكيم كما عرض فيلمه "أحلام هند وكاميليا" أعتقد في اطار تكريم خاص من المهرجان له ولأفلامه (هو يمكن أن يصحح لي بالتأكيد). وعرض عاطف في تلك السنة فيلمه المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ "قلب الليل". وتظهر معنا في إحدى الصورتين أيضا رائدة الفيلم التسجيلي في مصر بلا منازع الأستاذة عطيات الأبنودي التي فاتتني الفرصة لكي أراها في القاهرة عندما كنت هناك قبل نحو شهرين لظروف قاهرة. ارجو أن تغفر لي، فصحبة عطيات دائما ممتعة، وقد شاهدتها تتحدث في برنامج على قناة فضائية مصرية (أظنها دريم) وتتحدث عن نفسها وأفلامها وتجاربها بمنتهى القوة مع قدر كبير من التواضع والحب للسينما التسجيلية وقضيتها. أين أفلامك الجديدة الآن ياعطيات؟
أعود إلى سيرة مهرجان فالنسيا الذي جمعنا لأقول إن "فالنسيا" (أو ربما بالنثيا- حسب بعض خبراء في الاسبانية.. والله أعلم) كان في الثمانينيات والتسعينيات قبلة السينمائيين العرب، بسبب وجود إدارة واعية تقدمية (تمثل الاشتراكيين الذين كانوا في السلطة)وكانت ادارة منفتحة كثيرا على العالم العربي وتعتبره امتدادا لاسبانيا، كما كانت جوائز فالنسيا المالية أيضا تغري السينمائيين العرب وتجعلهم يفضلون عرض أفلامهم فيه على عرضها في المهرجانات الكبيرة التي تنعدم فيها فرصتهم في الحصول على أي جوائز، ناهيك عن أن جوائز تلك المهرجانات ليست عادة ذات قيمة مالية.
لكن الطريف أيضا أن المؤسسات الثقافية والسينمائية العربية عادة ما تشيد بدور الاشتراكيين في بلدان أوروبا الغربية وترحب بالتعامل معهم باعتبارهم من مناصري القضايا العربية والقضايا الانسانية عموما (راجع مثلا حملة الاحتجاج ضج حرب فيتنام ثم غزو العراق) إلا أن هذه المؤسسات هي في العادة موغلة في الرجعية واليمينية والتخلف، ولا أستثني من هذا بالطبع عددا من النقاد والسينمائيين المعادين أصلا لفكرة الاشتراكية بل والذين كانوا دائمي السخرية منها في حين كانوا يأكلون من طعامها على موائد تلك التظاهرات (السياسية والأدبية والفنية) في ربوع البلدان الاشتراكية في أوروبا الشرقية في زمن الاتحاد السوفيتي. ولكن هذا موضوع آخر طويل له تضاريسه ومنعرجاته.
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com