‏إظهار الرسائل ذات التسميات نقد الظاهرة الثقافية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نقد الظاهرة الثقافية. إظهار كافة الرسائل

السبت، 21 ديسمبر 2013

وزارة الثقافة المصرية: الفساد مستمر.. والثورة مستمرة!



صابر عرب وزير الثقافة المصري



بقلم: محمود قرني



قبل حوالى الأسبوعين؛ أصدر تيار الثقافة الوطنية بالاشتراك مع مجموعة من المثقفين المستقلين، بيانا شديد اللهجة، يعلنون فيه موقفهم المناهض لما يرونه فسادا واسعا في وزارة الثقافة. انتهوا فيه الى المطالبة بإقالة وزير الثقافة ومحاكمته مع رموز وزارته، ثم أعلنوا البدء في خطوة أخرى تتضمن مذكرة تفصيلية، سترفع لرئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور وكذلك لرئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوي. من يقرأ البيان يدرك على الفور أن الأوضاع الشائنة في إدارات وهيئات الوزارة وأداء وزيرها صابر عرب وكل ما ترتكبه الإدارة الحالية من تضليل وإفساد لا يتلاءم وطموحات مصر ومثقفيها عقب ثورة الثلاثين من يونيو، بداية من ممارسات الوزير منذ توليه المسؤولية في الحكومة الجديدة وفي حكومتين سابقتين جمعت بين المجلس العسكري ثم نظام حكم الإخوان المسلمين. من هنا تتعاظم المشكلة وتتسع دائرة التناقض بين فصائل من المثقفين الطموحين لمستقبل يتساوق مع طموحات الثورة، وبين إدارة ثقافية غارقة حتى أذنيها في الفساد وإعادة إنتاج الماضي عبر الإصرار على بعث الحياة في رميم المقبورين فيه. 

من هنا نستطيع القول إن اتساع دائرة معارضي الوزير وسياسته لم يكن مرجعها الوحيد مساخر ما أطلق عليه ‘مؤتمر المثقفين’ الذي أقيم قبل صدور البيان بعدة أيام، بل إن السياسة الثقافية برمتها باتت موضع تساؤل وموضع رفض أيضا، غير أن كثيرين يتعشمون في انتهاء الفترة الانتقالية دون خسائر تتجاوز ما هو كائن حفاظا على ما تبقى من بنية أساسية مهددة هي الأخرى بالضياع، فالوزارة الآن تقع بين فكي كماشة، الفك الأول تشكله مجموعات النظام القديم التي عادت للسيطرة على الجزء الأعظم من مواقع الوزارة، وهي مجموعة تعادي كل التيارات الطليعية في الفكر والإبداع والتشكيل وكافة الفنون، ومع الوقت أنشأت جماعات مصالح داخل الوزارة أصبح من الصعب تفكيكها، أما الفك الثاني فتمثله مجموعات من المرتزقة ممن يسمون أنفسهم ‘رجال الاعتصام’، أعني المعتصمين في الوزارة قبل الإطاحة بمرسي، وهذه مجموعة حققت مصالح ضخمة من علاقتها بالوزارة منذ عصر مبارك وفاروق حسني، لكن أخطر ما يحدث الآن أن هذه المجموعة تدفع باتجاه تفكيك الوزارة وبيع مؤسساتها وفتح الباب على مصراعيه للتمويل الأجنبي لجماعات وأفراد يتعاملون مباشرة ضمن روشتة جهات التمويل. ومن المعروف أن هذه المجموعة تقف وراءها عدة تنظيمات أهلية ممولة من الخارج وعلى رأسها مؤسسة فورد. وهذه المجموعة ترى أن استمرار سيطرة الدولة على العملية الثقافية يحول دون تحقيق أهدافها، ومن ثم يدفعون في اتجاه إعادة هيكلة وزارة الثقافة بقصد التخلص من إدارتها حكوميا لصالح جهات التمويل الأجنبي وبيع قطاعاتها الإنتاجية وطرد العاملين بها تحت نظام المعاش المبكر.
وبذلك فإن وزارة الثقافة تواصل دورها في تعزيز العمل على عزل جماهيرها ومنح قبلة الحياة لأعدائها، بمواصلة بث الروح في رميم قياداتها القديمة ورموز فسادها المقيم، يتم ذلك عبر إعادة تمثيلها لنظامين فاشيين، بعد أن كتب الشعب نهايتهما في الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو. 

فتحت شعار يضج بتلفيقية أصحابه ؛ انعقد ما يسمى بمؤتمر ‘الثقافة المصرية في المواجهة’ تحت رعاية وزير الثقافة ‘صابر عرب’، حيث كانت البداية من المسرح الصغير بدار الأوبرا، وحيث القاعة تكتظ بموظفي الوزارة كبديل للغياب الإجمالي للمثقفين المصريين، وحيث يقف ثلاثة من حضور الافتتاح، أثناء كلمة الوزير، يهتفون بأعلى أصواتهم في وجهه: ‘إنزل يا فاسد’. الوزير يقول لهم : شكرا .. ويستمر في إلقاء كلمته. 

ويكشف هذا التجاهل والتعالي المكذوب للرأي العام أن الثقافة المصرية تقف بين أكذوبتين، الأولى: وزير أقصر قامة من موقعه، يعاشر كل موبقات الأنظمة البائدة وكيلا ومديرا ووزيرا. وككل نهّازي الفرص، ينجح في التواؤم مع الجميع. والثانية: نخبة كتائب التبرير والتمويل والمزايدة، التي تقدم نفسها باعتبارها صانعة ثورة الثلاثين من يونيو ومن ثم ترى، على غير الحقيقة، أنها لا تحصد إلا استحقاقا تاريخيا، ومن هنا فإنها مستعدة لمنازلة من يفكر في المرور من أمام قصعتها. في الوقت نفسه تتزايد عزلة وزارة الثقافة وكافة أجهزتها عن الحراك المجتمعي المتقدة جذوته. فرؤساء هيئاتها مشغولون بتعظيم مكاسبهم وصناعة التحالفات مع وضعاء الصحافيين وصغار المنتفعين وغيرهم من أصحاب المصالح دفاعا عن كراسيهم. ومن عجب أن يكون بين سدنة هذا المؤتمر من كان مستعدا لإطلاق لحيته إبان حكم الإخوان، وأحد هؤلاء قدم كتابا لسيد قطب، منظّر الإرهاب في العالم، اعتبره فيه واحدا من أهم نقادنا وروائيينا الطليعيين! وتكتمل حلقات هذا الفساد بقيام أحمد مجاهد بنشر تلك الترهات في هيئة الكتاب.

في هذه المناخات ليس غريبا أن تغلق الوزارة قاعاتها على ممثلي مؤتمرها، الذين لا يمثلون، في الحقيقة، سوى مصالحهم ومكاسبهم، بينما تظل هيئات الوزارة منشغلة بالكرنفالات الفارغة التي تقام وتنفض دون أن يسمع عنها أحد.
لم يسأل وزير الثقافة نفسه سؤالا واحدا: ما الذي تفعله هيئة قصور الثقافة التي تمتلك ما يزيد على خمسمائة بيت وقصر ثقافة على مستوى الجمهورية، وأين دورها في مقاومة العنف الديني الذي تمارسه جماعات منبوذة وفاشية ؟ لماذا لا تصل مطبوعات الوزارة الى عموم الشعب؟ تلك المطبوعات التي كلفت المواطن ملايين الجنيهات، ونخص بالذكر مطبوعات المجلس الأعلى للثقافة والمركز القومي للترجمة. ولماذا كل هذا الغثاء والفساد الذي تطبعه هيئة الكتاب دون حسيب أو رقيب ؟ ولماذا لم تحل مشكلات الفرق المسرحية المستقلة وفرق وبيوت الفنون ؟ وأين وزارة الثقافة من مشكلات صناعة السينما؟ ولماذا أعيد تعيين كل من نبذتهم الثورة على رأس المواقع المؤثرة بالوزارة؟ ولماذا تستمر مجلات لا يقرأها أكثر من كتابها ؟ مثل مجلة إبداع التي يترأسها الشاعر ‘المزمن’ أحمد عبد المعطي حجازي، وكذلك مجلتي فصول والرواية، وغير ذلك العشرات، ولماذا تستمر هيئة قصور الثقافة في انتزاع دور ليس لها بالاستمرار في مشروع النشر الإقليمي الذي ساهم في إفساد الذوق العام وأهدر كل قيمة إبداعية؟ هل لتحقيق مكاسب ومصالح عبر مشروع النشر؟ وذلك طبعا على نفقة دورها الرئيسي في الوصول الى نجوع وقرى مصر لنشر ثقافة الحوار ونقل الفنون المصرية الى كافة المواطنين؟!! 

في هذا المناخ لم يكن مفاجئا أن يقوم الدكتور سعيد توفيق الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بإعادة تشكيل لجان المجلس طبقا للمعايير نفسها التي تكرس الماضي بفجاجة ليس لها مثيل. فقد تمت الإطاحة بالروائية وكاتبة الأطفال نجلاء علام من رئاسة لجنة الطفل لتحل محلها الدكتورة فاطمة المعدول التي كانت عضوا بلجنة السياسات، كذلك تم اختراع لجنتين جديدتين أولهما لجنة للإعلام والثانية لجنة للشباب. الأولى طبعا لا تخفي مقاصدها حيث تستهدف جمع أكبر عدد ممكن من الولاءات الصحافية حتى يضمن المجلس ومعه الوزارة ولاءات هنا وولاءات هناك، مع الوضع في الاعتبار أن أهداف المجلس لا علاقة لها من قريب أو بعيد بموضوع الإعلام. أما اللجنة الثانية فهي لجنة الشباب وتستهدف هي الأخرى ضم عدد لا بأس به من الشباب المنتسبين للثورة مثل أحمد دومة وخالد تليمة ويترأسها المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، وقد شهدت اللجنة عددا من الاستقالات في أولى جلساتها فضلا عن تغيب أبرز أسمائها عن الحضور. 

بالسفور نفسه تمت إزاحة لجنة الشعر التي لم تكمل أكثر من عام ونصف العام وأعيدت لجنة أحمد عبد المعطي حجازي إلى سابق عهدها، وهي اللجنة التي سبق للشعراء المصريين أن ثاروا ضدها عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير.
لقد تمدد فساد وزارة الثقافة المصرية فغطى فضاء ثورة الثلاثين من يونيو، وأصبح ريحها العطن يزكم الأنوف. وبدت مشكلة وزيرها كامنة في عدم إيمانه بالثورة، لذلك لجأ الى إعادة إنتاج الفساد القديم عبر إحياء رموزه، أسماء وسلوكا، في الوقت الذي كان يتعين فيه إزالة آثار التعدي الصارخ على عقول المصريين إبان نظامين فاشيين انحاز أولهما للفساد والقمع والتدجين وأضاف ثانيهما الرجعية لكتلة صفاته المسيئة تحت شعارات ثورية كاذبة. غير أن واقع الحال يقول إن الفساد مستمر .. لكن الثورة أيضا مستمر
ة.

** نشرت في صحيفة القدس العربي بتاريخ 12 ديسمبر 2013

السبت، 12 أكتوبر 2013

صابر عرب.. الوزير الانتقالى



بقلم: عصام كامل


محمد صابر عرب.. الوزير الانتقالى بلا منازع، فقد كان الرجل وزيرا في حكومة عصام شرف الانيتقالية، وكان وزيرا ف حكومة الجنزورى الانتقالية، وكان وزيرا في حكومة هشام قنديل التي لم تنتقل بمصر أكثر من شبر، وهو الآن وزير في حكومة الدكتور الببلاوي الانتقالية.. ومن إنجازات سيادته أنه استقال عندما رشح للحصول على جائزة الدولة من أجل الحصول عليها وبعد حصوله عليها عاد من حيث لا ندري إلى الوزارة، وذلك في إطار حق الوزير الاستقالة من أجل الحصول على جائزة ثم عودته سالما غانما إلى نفس المقعد الوثير.

والدكتور صابر عرب في ملامحه الموظف التقليدى .. لم يضبط متلبسا بفكرة خلاقة أو بلحظة إبداعية.. ظل طوال حياته حريصا على تقديم أكبر إنجاز في حياته وهو أن يكون موظفا، مطيعا، غير مهتم بما يمكن أن ينقله من خانة الموظف إلى خانة المبدع أو الشخصية غير التقليدية.. ولأنه تقليدى فإنه أعاد مؤخرا كل من ذهبوا بعيدا أو ذهبت بهم الظروف بعيدا عن مناصبهم.. والشخصية التقليدية تميل أكثر إلى التعامل مع غير المبدعين، فها هو الدكتور أحمد مجاهد الذي فشل بلا منازع في كل الوظائف والمهام التي أسندت إليه طوال تاريخه الوظيفي يعود على ظهر حصان ومن نفس الباب.. باب الموظف الكبير صابر عرب.

ونفس الشىء مع الشاعر سعد عبد الرحمن، الذي وكأن شيئا لم يكن وبراءة الموظف في عينيه، لا لأنه عبقرية فذة وإنما لأن الوزير شخص تقليدي لا يحب التغيير.. يكره التغيير وإذا عرجنا إلى المهندس محمد أبو سعدة، وهو شخصية لها دور كبير في إنشاء العديد من المكتبات بربوع مصر، غير أن هذا الواقع لا يفرض على المصريين أن يتقلد سيادته عدة مناصب من بينها إدارته لمكتب الوزير وصندوق التنمية الثقافية وكأن مصر تعاني ندرة في السكان أو أنها عقمت أن تلد من يتقلد المناصب الأخرى.

وصابر عرب أو الوزير الانتقالى لم يقدم شيئا جديرا بالدراسة أو التأمل، فقد ظل طوال حياته "يمشي جنب الحيط"، كما يقال، ولذلك فإن سيادته لم ينزعج مثلا لما يحدث في بر مصر من عنف جراء اختطاف الدين وهو المناط به أن ينزعج أكثر من غيره من الوزراء وكان لزاما على فضيلته أن يهب ثائرا معلنا عن خطة ولو قصيرة المدي كنواة لمشروع ثقافى يواجه ضلال العقول أو يجابه فكرة احتكار الدين.. الوزير فضل أن يركن ظهره إلى مصطلح "الوزارة الانتقالية".. وعلى هذا المستوي أيضا لم يستطع أن يكون وزيرا انتقاليا بحق وحقيقى وفضل أن يكون وزير تشهيلات أو تسيير أعمال، فتحركاته ليست إلا للتصوير دونما أن يجهد نفسه في وضع لمسات تحسب له، وهو في هذا الأمر مغلوب على أمره فكل ميسر لما خلق له وسيادته لم يخلق لما هو أبعد مما يقدم.

تشتعل رابعة نارا وتنطفئ وتشتعل كرداسة نارا ولا تنطفئ والوزير مكانه لا يبرح المساحة التقليدية التي يسكنها مع شلة الموظفين التي تحيط به من كل صوب، فلا هو قدم رؤية ولا سمح لمن يمتلكون الرؤى بأن يتقدموا وظلت وزارة الثقافة في عهده مجرد خيمة نتقبل فيها العزاء في مشروع ثقافي لم يولد ولن يولد طالما ظل مع رفاقه قابضون على زمام الأمور يتابعون ما يحدث وكأنهم جمهور دونما يدركوا أنهم وقود المعركة الفعلية إذا ما أدركوا حقيقة دورهم الذي يجب أن يلعبوه.

الخوف ليس في المرحلة الانتقالية، وإنما فيما يمكن أن تطرحه الأيام القادمة لنستيقظ على كابوس ونري صابر عرب في الحكومة القادمة.. ساعتها لابد أن تعلموا أننا نعيد زمن الموظف والبطيخة و"المنشة"!

الاثنين، 7 أكتوبر 2013

بيان تيار الثقافة الوطنية: وزارة الثقافة.. عاهة الثورة!

وزير الثقافة محمد صابر عرب


وصلنا اليوم هذا البيان الذي أصدره تجمع المثقفين المصريين وننشره كما هو مع أسماء الموقعين عليه:


واصلت وزارة الثقافة دورها، كواحدة من عاهات الثورة، في تعزيز العمل علي عزل جماهيرها ومنح قبلة الحياة لأعدائها، ومواصلة بث الروح في رميم قياداتها ورموز فسادها، بإعادة تمثيلها لنظامين فاشيين، بعد أن كتب الشعب نهايتهما في الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو. وتحت شعار يضج بتلفيقية أصحابه؛ انعقد ما يسمي بمؤتمر "الثقافة المصرية في المواجهة" تحت رعاية وزير الثقافة، عابر العصور والأنظمة "صابر عرب"، وبإشراف مجموعات من سماسرة الثقافة المصرية طيلة ما يزيد علي العقدين.


فأي ثقافة وأي مواجهة يمكن أن يقدمها تحالف الملفقين والسماسرة ؟!!.

البداية كانت من المسرح الصغير بدار الأوبرا، حيث القاعة تكتظ بموظفي الوزارة كبديل للغياب الإجمالي للمثقفين المصريين، وحيث يقف ثلاثة من حضور الافتتاح، أثناء كلمة الوزير، يهتفون بأعلى أصواتهم في وجهه : " إنزل يا فاسد ". الوزير يقول لهم : شكرا.. ويستمر في إلقاء كلمته. 


وبين ما يبدو أنه نطاعة محترف وما يبدو أنه تسامح مدع تقف الثقافة المصرية بين أكذوبتين، الأولي: وزير أقصر قامة من موقعه، يعاشر كل موبقات الأنظمة البائدة وكيلا ومديرا ووزيرا. وككل نهّازي الفرص، ينجح في التواؤم مع الجميع. والثانية: نخبة كتائب التبرير والتمويل والمزايدة، التي تقدم نفسها باعتبارها صانعة ثورة الثلاثين من يونيو ومن ثم تري، علي غير الحقيقة، أنها لا تحصد إلا استحقاقا تاريخيا، ومن هنا فإنها مستعدة لمنازلة من يفكر في المرور من أمام قصعتها. في الوقت نفسه تتزايد عزلة وزارة الثقافة وكافة أجهزتها عن الحراك المجتمعي المتقدة جذوته. فرؤساء هيئاتها مشغولون بتعظيم مكاسبهم وصناعة التحالفات مع وضعاء الصحافيين وصغار المنتفعين وغيرهم من أصحاب المصالح دفاعا عن كراسيهم. ومن عجب أن يكون بين سدنة هذا المؤتمر من كان مستعدا لإطلاق لحيته إبان حكم الإخوان، وأحد هؤلاء قدم كتابا لسيد قطب، منظّر الإرهاب في العالم، اعتبره فيه واحدا من أهم نقادنا وروائيينا الطليعيين !! وتكتمل حلقات هذا الفساد بقيام أحمد مجاهد بنشر تلك الترهات في هيئة الكتاب، في الوقت الذي يقدمان فيه نفسيهما باعتبارهما بطلي ثورة الثلاثين من يونيو.


في هذه المناخات ليس غريبا أن تغلق الوزارة قاعاتها علي ممثلي مؤتمرها، الذين لا يمثلون، في الحقيقة، سوي مصالحهم ومكاسبهم، بينما تظل هيئات الوزارة منشغلة بالكرنفالات الفارغة التي تقام وتنفض دون أن يسمع عنها أحد. 


لم يسأل وزير الثقافة نفسه سؤالا واحدا : ما الذي تفعله هيئة قصور الثقافة التي تمتلك ما يزيد علي خمسمائة بيت وقصر ثقافة علي مستوي الجمهورية، وأين دورها في مقاومة العنف الديني الذي تمارسه جماعات منبوذة وفاشية ؟ لماذا لاتصل مطبوعات الوزارة إلي عموم الشعب ؟ تلك المطبوعات التي كلفت المواطن ملايين الجنيهات، ونخص بالذكر مطبوعات المجلس الأعلى للثقافة والمركز القومي للترجمة. ولماذا كل هذا الغثاء والفساد الذي تطبعه هيئة الكتاب دون حسيب أو رقيب ؟ ولماذا لم تحل مشكلات الفرق المسرحية المستقلة وفرق وبيوت الفنون ؟ وأين وزارة الثقافة من مشكلات صناعة السينما ؟ ولماذا أعيد تعيين كل من نبذتهم الثورة علي رأس المواقع المؤثرة بالوزارة ؟ ولماذا تستمر مجلات لا يقرأها أكثر من كتابها ؟ مثل مجلة إبداع التي يترأسها الشاعر المزمن أحمد عبد المعطي حجازي، ومجلة فصول التي يترأسها ناقد يتقلب بين التلفيق والانتهازية هو محمد بدوي، ومجلة الرواية التي يترأسها ناقد خارج مدارات الزمن هو مدحت الجيار، وغير ذلك العشرات، ولماذا تستمر هيئة قصور الثقافة في انتزاع دور ليس لها ؟ هل لتحقيق مكاسب ومصالح عبر مشروع النشر ؟ وذلك طبعا علي نفقة دورها الرئيسي في الوصول إلي نجوع وقري مصر لنشر ثقافة الحوار ونقل الفنون المصرية إلي كافة المواطنين؟!! 


لقد تمددت خيبة وزارة الثقافة المصرية فغطت فضاء ثورة الثلاثين من يونيو، وأصبح ريحها العطن يزكم الأنوف. وبدت مشكلة وزيرها كامنة في عدم إيمانه بالثورة، لذلك لجأ إلي إعادة إنتاج الفساد القديم عبر إحياء رموزه، أسماء وسلوكا، في الوقت الذي كان يتعين فيه إزالة آثار التعدي الصارخ علي عقول المصريين إبان نظامين فاشيين انحاز أولهما للفساد والقمع والتدجين وأضاف ثانيهما الرجعية لكتلة صفاته المسيئة تحت شعارات ثورية كاذبة.


إن أقل ما يجب أن تقدم عليه الثورة الآن هو المطالبة الفورية بعزل وزير الثقافة صابر عرب ومحاكمته مع رموز فساده، وإعادة الاعتبار لكل القيم الثورية التي أسقطها فاسدون وعملاء، أكدت الوقائع أن دفاعهم عن الثورة لم يكن إلا دفاعا عن تكتلات فسادهم وتعظيم مصالحهم، وإبقائها فوق السياقات القانونية والأخلاقية.


عاشت الثورة المصرية والمجد للشهداء...


الموقعون على البيان:
الناقد الدكتور يسري عبدالله، والشاعر محمود قرني، والروائي خالد إسماعيل، والشاعر جمال القصاص، والقاص والصحفي هيثم خيري، والروائي وحيد الطويلة، والمترجم والقاص عمرو خيري، والروائي حسين البدري، والشاعر شريف رزق، والشاعر فارس خضر، والشاعر سامح محجوب، والمخرج حسن شعراوي، والصحفي أحمد السماني، والشاعر والصحفي محمد الحمامصي.


السبت، 21 سبتمبر 2013

الملامح المقلقة للوطنية الجديدة في مصر





بقلم: نايل شامة *



"جريدة الحياة"- الجمعة 20 سبتمبر 2013




ما كاد الصراع السياسي في مصر يصل إلى ذروته بعزل الرئيس السابق محمد مرسي وفض اعتصامات مؤيديه، حتى سادت في البلاد ملامح نسق فكري جديد، لا يرقى إلى مرتبة الأيديولوجية، لكن دعائمه الفكرية والنفسية المختلفة ليست جزراً منفصلة يمكن غض الطرف عن أهميتها وتداعياتها.
هذا النسق من التفكير والسلوك (الذي تدعمه توجهات النظام الجديد ويجد أرضية واسعة في الشارع والإعلام ومؤسسات الدولة) يتبنى خطاباً وطنياً شعبوياً زاعقاً، تتكاثر فيه الإشارات إلى الأمن ويقل الحديث عن السياسة، ويتغلب فيه منطق الصراع وحتمية المعادلات الصفرية على إمكانيات التعاون والإدماج، كما أنه يميل إلى استبعاد المخالفين، واصطناع الأعداء في الداخل والخارج.
ويركز النسق الجديد على دور الدولة لا المجتمع، إذ يحتفي بجهود الأجهزة الأمنية (وخصوصاً المؤسسة العسكرية) في حماية الوطن من التهديدات، وينقب عن الزعامات المحتملة في صفوف العسكريين دافعاً إياها إلى صفوف القيادة. لكن رياح «الوطنية الجديدة» في مصر تنذر بعواصف وتقلبات عدة ينبغي التحوط من تداعياتها.
فأولاً، تحيط الغيوم بماهية غايات ذلك النسق، وما إذا كانت أدواته تصب في خدمة أهداف (وطنية) عليا، أم في خدمة مصالح «نخبة حاكمة» تدافع عن مكتسباتها الخاصة. فالخطاب الحالي يمثل في جوهره آلية للانتصار في معركة سياسية آنية أكثر منه خطة واضحة المعالم لإدارة البلاد أو التخطيط للمستقبل. ومن أجل حسم الانتصار في تلك المعركة المصيرية، تستخدم المشاعر الوطنية الجياشة كوقود لماكينة سياسية وإعلامية تشرعن بلا هوادة إقصاء الآخر المنافس، تحت دعاوى التخوين والعمالة.
فمثلاً، شيوع تعبير «هم ليسوا مصريين» في وسائل الإعلام للإشارة إلى الإسلاميين هو المقابل الموضوعي لخطاب التكفير الذي ارتفعت وتيرته على منصة رابعة العدوية عقب عزل مرسي. كلاهما خطاب يشيطن الآخر، وينزع عنه أهلية الرأي، ومشروعية المشاركة في صوغ مستقبل البلاد، وبالتالي يوفر المبرر الأخلاقي للإقصاء على أقل تقدير، أو حتى يسوغ توظيف العنف في الصراع السياسي.
وتتماهى وسائل الإعلام الرسمية والخاصة في مصر، ومعظمها يميني الهوى، مع توجهات وأفكار تعيد إلى الأذهان في شكل ما البروباغندا الفاشية التي ازدهرت في ألمانيا وإيطاليا في الثلاثينات من القرن الماضي، من حيث تعبيرها عن الرأي الواحد، وعدم اتساعها للتيارات الفكرية والسياسية كافة التي يموج بها المجتمع، وترويجها لسيل من قصص المؤامرات والخطط السرية التي تؤكد أنها تحاك لمصر، ومن حيث ادعائها أيضاً، الظاهر أو المستتر، احتكار الحقيقة، اضافة الى احتفائها بعسكرة الوطنية المصرية. والمفارقة هنا أن ذلك الإقصاء الذي يتم باسم الوطنية وتحت رايتها ونشيدها، يقوض أسس الوطنية الحقة التي يبشر بها، والتي تؤمن بداهة بأن المواطنين سواء في وطن واحد يحتضن الجميع، ويرحب بمشاركتهم في العمل والبناء. وهو لذلك نموذج مشوه للوطنية يفرق ولا يجمع، يكرس الشقاق ولا يخدم الوفاق. ويلاحظ أن هذا النمط من الوطنية هش وسريع الزوال، فالمشاعر المهتاجة لا تلبث أن تهدأ، واحتياجات المواطنين الأساسية لا يمكن تلبيتها لوقت طويل بالأغاني الوطنية والخطب الرنانة وأحاديث المؤامرات الخارجية. فالوطنية الجديدة التي تعتمد على تعبيرات هائمة عن الأمن القومي وتروج لمعركة ضد الإرهاب غير معروفة الحدود تختلف عن الوطنية المصرية التي نشأت لمناهضة الاحتلال البريطاني في النصف الأول من القرن العشرين، أو عن تلك التي ازدهرت أيام جمال عبد الناصر، الذي قدم مشروعاً قومياً جامعاً، تمحورت خطوطه العريضة حول تحقيق الاستقلال الوطني والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
ومن ثم، فعلى الجميع إدراك حقيقة أن اكتساب ثقة أو تأييد الجماهير لا يمر عبر بوابة الانتصار في معركة الإرهاب واستئصال شأفة الإخوان المسلمين، بقدر ما يتحقق بالقدرة على إحداث تغيير حقيقي في حياة المواطنين، المثقل كاهلهم بأعباء اقتصاد يترنح وخدمات متدهورة وأمن غائب.
إضافة إلى ذلك، فإن تناقض بعض التوجهات الحالية مع مبادئ ثورة يناير يومئ إلى حتمية اندلاع صراع جديد بين النظام وشباب الثورة، ربما يجيء أوانه حين تهدأ حدة المشاعر المعادية للإخوان، وتتضح فداحة ممارسات الأجهزة الأمنية. وقد بدأت مظاهر ذلك الصدام مع ثوار يناير بالفعل في الظهور على السطح، متمثلة في التوتر المتصاعد بين حركة 6 أبريل والنظام الحالي.
ولا يمكن إغفال العواقب الوخيمة لذلك النسق الفكري على التماسك والسلم الاجتماعيين على المدى البعيد. إذ إن الإقصاء السياسي يوفر بيئة خصبة لإعادة إنتاج الدولة الاستبدادية، ولازدهار ثقافة مجتمعية لا تتسامح مع المختلفين، سياسياً ودينياً وطائفياً. وإن وجهت سهام الإقصاء اليوم الى الإسلاميين ومنتقدي الممارسات الحالية فحسب، فإن آثاره ستمتد لا ريب في المستقبل إلى كل الأقليات، خصوصاً أن المجتمع يعاني أصلاً من استشراء ثقافة متعصبة، تناهض الاختلاف، وتدين كل من شذ عن التيار العام، أو عرض أفكاراً وتصورات مغايرة. وما تعرضت له المرأة والمسيحيون والشيعة والبهائيون المصريون في الماضي القريب ليس بحاجة الى تذكير، وأوجاع تلك الفئات تبدو مرشحة للتفاقم في ظل هيمنة المناخ الحالي.
كما ينبغي الانتباه إلى كلفة الممارسات السلطوية التي تنبثق من هذا النسق الفكري. فالوطنية الزاعقة تركز على «العدو» وأولوية محاربته، وتجعل من الحديث عن الحقوق والحريات ترفاً يمكن إهماله، أو على الأقل تأجيله. والشاهد أن أشد التجاوزات الماسة بحقوق الإنسان في مصر حدثت أثناء صراع الدولة مع الجماعات الإرهابية في التسعينات.
وفي شكل ما، تستدعي الموجة الوطنية الحالية إلى الذاكرة مكارثية الخمسينات، وأجواء الحرب الأميركية على الإرهاب في بدايات هذا القرن. ويلاحظ تشابه المنطق ولغة الخطاب بين قادة النظام الجديد والمحافظين الجدد في أميركا، بخاصة الشعار الأثير «من ليس معنا فهو ضدنا»، الذي جاء مضموناً لا نصاً على لسان أكثر من مسؤول حالي.
يعلم الجميع أن الفاشية هي النموذج الفج لتمازج الوطنية والشوفينية والعسكرة والسلطوية. ولئن لم يتم وقف الانزلاق الحاصل في مصر باتجاه تلك النزعات الأربع، فقد نفاجأ يوماً بتحول الوطنية الجديدة إلى فاشية جديدة.

* كاتب مصري

الثلاثاء، 4 يونيو 2013

عن جريدة القاهرة وصلاح عيسى

 


صلاح عيسى




بقلم: السماح عبد الله





في عام 2003 عندما حصلت على جائزة الدولة التشجيعية في الشعر اتصل بي الدكتور عماد أبوغازي وكان وقتها يشغل منصب رئيس الإدارة المركزية للشعب واللجان بالمجلس الأعلى للثقافة طالبا مني الحضور لمكتبه ليسلمني الشيك الخاص بالجائزة، تحدثنا وقتها عن بعض المشكلات التي تعاني منها الثقافة المصرية واقترحت عليه بعض الحلول لهذه المشكلات، ضحك الدكتور عماد وقتها ضحكة عالية وهو يعلق على كلامي وأعقب ضحكته قائلا :

- " نحن بحاجة لثورة كبرى لكي يتحقق ما تحلم به "

الغريب في الأمر أن الثورة حدثت بالفعل، والغريب أيضا أن الدكتور عماد أبوغازي نفسه أصبح وزيرا للثقافة، لكن الأغرب من هذا وذاك أن مشكلات الثقافة المصرية ظلت كما هي، تغيرت كثير من وجوه القيادات الثقافية لكن المنهج وأسلوب التفكير لم يتغيرا، ويكفي - عزيزي القاريء – أن أذكر لك حالة واحدة من حالات مشكلاتنا الثقافية لتقف معي على حقيقة ما أقول.


في بداية الألفية الثالثة قام السيد فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق بالسطو على مجلة " القاهرة " التي كانت تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، في واحدة من أغرب حالات السطو العلني في تاريخنا الثقافي، والتي مرت على المجتمع الثقافي كله في صمت تام مرور الكرام وكأن شيئا لم يحدث وبراءة الأطفال في عيون الوزير البراقة، في ذلك الوقت كنا نسمع في المنتديات والمقاهي عن المشاريع الكبرى التي ينتوي السيد الوزير إقامتها، منها إطلاقه لقناة فضائية تعرض لإنجازات الوزارة ومنها إنشاؤه لجريدة أسبوعية تكون لسان حال الوزارة وتدافع عن السيد الوزير ومعاونيه في وقت ارتفعت فيه حدة انتقاد الأداء الثقافي للوزير الذي يعد أشهر وزير نال انتقادا وهجوما، وكان من أبرز منتقدي السيد الوزير وسياساته ومعاونيه الكاتبة نعمات أحمد فؤاد والأديبة سكينة فؤاد والشاعر فاروق جويدة والأديب جمال الغيطاني الذي كان في البداية من مؤيديه ثم انتقل إلى كتيبة معارضيه ثم ارتد مرة أخرى إلى حظيرة المؤيدين، بالإضافة إلى الكاتب صلاح عيسى الذي سيتحول للتأييد السافر بعد أن أدار مؤشر رؤيته بنسبة 180 درجة، مما استدعى ضرورة تدشين آلة إعلامية جهنمية لمواجهة هذه الانتقادات، ولا أعرف تحديدا ما هو حجم العقبات التي حالت دون إطلاق القناة الفضائية لكنني أعرف جيدا حجم التيسيرات التي سهلت له إنشاء جريدة أسبوعية ظهرت منذ أكثر من أحد عشر عاما ومازالت تظهر حتى يومنا هذا بشكل أسبوعي، وذلك لأنني كنت شاهد عيان على هذه المؤامرة الخسيسة بحكم عملي مديرا لتحرير مجلة " القاهرة " .


كنا وقتها – نحن أعضاء هيئة تحرير مجلة " القاهرة " – نقدم واحدة من أهم المجلات الثقافية التي شهدتها الحياة الثقافية ربما منذ الأربعينيات، حيث كنا نفرد ملفات فكرية كبرى تناقش القضايا الملحة على الساحة المحلية والعربية والعالمية ونستكتب كتابا غربيين يكتبون خصيصا لنا ونشتبك مع الواقع الثقافي في عدد من القضايا الملحة وكثير من الأعداد كنا نخصصها بالكامل لمناقشة فكرة أو استعراض الجوانب الإصلاحية عند أحد المفكرين، المدهش أن مجلة " القاهرة " كانت تنفد فور صدورها وكان المثقفون يتوافدون على مقر المجلة للحصول على نسخة منها وكنا نصاب بالحرج البالغ لأن أعداد المجلة بالفعل نفدت، بل إن كثيرا من أعداد المجلة كان يعاد طبعها وتنفد أيضا في طبعتها الجديدة، وقد شهدت مطابع هيئة الكتاب حالة شديدة الغرائبية عندما اكتشفنا أن ثلاثة أعداد هي الأكثر طلبا من قبل القراء والمثقفين فقدمنا لرئيس الهيئة اقتراحا بإصدار الأعداد الثلاثة في مجلد واحد وهي الفكرة التي لم يوافق عليها الدكتور سمير سرحان مما تطلب استصدار قرار من وزير الثقافة بالموافقة على إصدار هذا العدد الاستثنائي الذي صدر أول فبراير عام 1996 في قرابة السبعمائة صفحة من القطع الكبير وضم الأعداد الخاصة عن شادي عبد السلام وطه حسين ونصر حامد أبوزيد، لكن يبدو أن الثقل الثقافي والفكري الذي كانت تمثله مجلة " القاهرة " ذالك الحين كان أكبر من أن يحتمله الواقع السياسي المصري فبدأت المضايقات تظهر شيئا فشيئا للتضييق على صناع المجلة، تارة بتأخير الصدور وتارة بحجب المكافآت وتارة باعتراض عمال المطابع على موضوع يناقش انعكاس التفكيكية على تطور نقد الشعر، وكان غالي شكري وعبده جبير ومهدي مصطفى وفتحي عبد الله وكاتب هذا المقال يحاولون جاهدين التغلب على كل هذه العقبات، غير أن محاولة إقناع السادة المبجلين عمال المطابع بأن نقد الشعر لابد وأن يتأثر بكافة الظواهر الفكرية والفلسفية الجديدة التي تظهر في الساحة العالمية سواء أكانت تفكيكية أو بنيوية، كانت هذه المحاولة وحدها كفيلة بأن تجعلنا نكفر بالشعر والقص والنقد والتفكيكية والبنيوية وجاك دريدا وليفي شتراوس نفسهماخاصة حين تجد عامل المطبعة ينظر إليك بعينيه المتربصتين وهو يشوح بيديه متهما إياك بالبعد عن جادة الصواب مع أن المشكلة في غاية البساطة وحلها أقرب إليك من حبل الوريد، ثم ينفخ دخان سيجارته في وجهك ويتركك ليواجه ماكينة الطباعة ذات الصوت الهادر وهو يعلي صوته كي تسمعه وكي يسمعه كل من حوله وهو يصرخ في وجهك معلنا بأن الإسلام هو الحل .


وهكذا بدأت أعداد المجلة تتأخر عن الصدور بالشهور لدرجة أن أحد أعداد المجلة كتبنا عليه تاريخ ستة أشهر مجتمعة، وزادت حدة المضايقات ومنعت مكافآتنا وطولبنا بالتوقيع في كشوف الحضور والانصراف تزامن كل هذا مع إصابة رئيس التحرير الدكتور غالي شكري بجلطة من العيار الثقيل، فزاد فعل المضايقات وتكاثر، ومع مرور الوقت أصبحنا نعمل في مجلة لا تصدر على الإطلاق وشيئا فشيئا بدأت خيوط المؤامرة تتضح لنا، فالتصريح الأساسي لإصدار " القاهرة " كان أسبوعيا وفي بدايات إصدارها أوائل الثمانينيات كانت تصدر صباح كل ثلاثاء بشكل أسبوعي حين كان يرأس تحريرها الكاتب عبد الرحمن فهمي وكل كتاب مصر الذين تقترب أعمارهم من الخمسين فما فوقها يتذكرون " القاهرة " الأسبوعية وكثير منهم كان ينشر فيها، وهكذا وجد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني ترخيصا جاهزا لدورية أسبوعية تابعة لوزارته يمكنها أن تحقق حلمه وتتحدث عن إنجازاته وتنشر صوره بالحجم الكبير وتروج للوحاته ومعارضه الدورية بل وتذهب كاميرات مصوريها إلى بيته الخاص لتنقل للقراء ذوقه الخاص في توزيع الأثاث في أركان منزله، ووقع اختياره على الكاتب الكبير رجاء النقاش ليرأس تحرير مجلته المنشودة، حضر إلينا الدكتور سمير سرحان في مقر المجلة المغتصبة وأخبرنا أن المجلة سيتغير اسمها من مجلة " القاهرة " إلى مجلة " الكاتب المصري " وأنه تم الاتفاق مع الكاتب الكبير أنيس منصور ليرأس تحريرها وبأنه يتعين علينا الرجوع لمقر الهيئة لحين حضور السيد أنيس منصور، كان من الواضح لنا أنها ليست أكثر من أكذوبة كبرى الغرض منها مغادرتنا للمكان والتعلق بأمل مجلة جديدة لضمان عدم الاعتراض على سرقة مجلتنا، ولما طال أمد الانتظار ذهبنا للسيد رئيس الهيئة لنواجهه بأن الأستاذ رجاء النقاش يقوم الآن بالإعداد لإصدار مجلتنا لم يستطع أن يراوغ وأخبرنا أنه اتفق مع الأستاذ رجاء النقاش أن يستعين بطاقم تحرير " القاهرة " القديم في إصداره الجديد وأن الأستاذ رجاء النقاش في انتظارنا في أي وقت بمكتبه بدار الهلال، كان الدكتور غالي شكري قد توفي وعبده جبير سافر للكويت ومهدي مصطفى التحق بالأهرام ولم يتبق من طاقم التحرير القديم الذي أشار إليه الدكتور سمير سرحان غير فتحي عبد الله وأنا فتحي عبد الله أزاح الموضوع كله من دماغه بضربة حجر شيشة واحد، وأنا واقع في هوى رجاء النقاش منذ عرفت الوقوع في هوى الكتاب، ومنذ نشر لي قصائدي في مجلة الدوحة قبل أن أبلغ العشرين من عمري، فذهبت إليه في مكتبه بدار الهلال، كان يجهز لعدد تجريبي من " القاهرة " وكان سعيدا جدا بالمجلة، أفرد أمامي ماكيت العدد التجريبي، كانت في حجم مجلة " المصور " أو أكبر قليلا وأطلعني على موادها، وأنا بدوري قدمت اقتراحا بباب خاص بالسيرة الذاتية أسميته " الدق على الذاكرة " نعرض فيه لسير كتابنا وشعرائنا ومفكرينا، رحب جدا بالفكرة وطلب مني تجهيز أربعة أبواب على الأقل، كنا هو وأنا مصدقيْن تماما لأحلامنا غير عارفين أن أحلام السيد الوزير ليست لها علاقة بأحلام المثقفين، وقبل أن أنتهي من إعداد الأبواب الأربعة تناهي إلى سمعنا خبر إزاحة رجاء النقاش من رئاسة تحرير " القاهرة " وإسنادها إلى الكاتب صلاح عيسى وتحويلها من مجلة إلى جريدة، كثير من المثقفين رفضوا تصديق الخبر واعتبروه مجرد شائعة فمن غير المنطقي أن يوافق صلاح عيسى أشهر كتاب اليسار المصري خصومة مع السيد فاروق حسني على رئاسة تحرير جريدته، غير أن العارفين ببواطن الأمور أكدوا لنا أنه من المنطقي تماما أن يحدث هذا بعد أن فتح السيد الوزير حظيرته على اتساعها لاستقطاب كل من يحمل في يمناه قلما وفي قلبه أحلاما لمنصب أو مغنم، وإن هي إلا بضعة أسابيع حتى كانت جريدة " القاهرة " واقعا فعليا وانبرى السيد رئيس تحريرها في الدفاع المستميت عن وزير الثقافة في كافة معاركه، وفي استعراض إنجازات سيادته وفي عرض لوحاته بالألوان الطبيعية وفي نشر صوره بأحجام كبيرة احتلت في بعض الأحايين نصف الصفحة طوليا، فتارة ترى سيادته واضعا ساقا على ساق، وتارة وهو ممسك بفرشاته في حالة استلهام للون الأزرق الشفيف وعيناه مركزتان على شيء ما، وتارة وهو واضع يمناه في جيب بنطاله، وتوالت أعداد الجريدة بشكل أسبوعي وقاربت من الستمائة عدد وهي في حالة رسوخ وثبات غريبتين على حالة جريدة من المفترض أن تتطور وتغير من جلدها وتستكتب كتابا آخرين، كل هذا شيء وما يفعله رئيس تحريرها مع نفسه شيء آخر لا أظن أن رئيس تحرير آخر فعله مع نفسه من قبل، فهو يصر في كل عدد أن يستقطع مساحة ضخمة وثابتة له وحده، وكأن الصفقة المبرمة بينه وبين النظام الذي أسقطه ثوار التحرير أن يدافع عن منجزات وزارة الثقافة وينشر صور الوزير ولوحاته في مقابل أن ينشر هو لنفسه ما يقدر على نشره، تستوي في ذلك كتاباته الجديدة وكتاباته القديمة، وقد بلغ استخفافه بالقاريء أنه يعيد نشر كتابات سبق له نشرها من قبل منذ يوم أو بعض يوم كأن ينشر مثلا زاوية ثابتة له بعنوان " مشاغبات " وتكتشف بعد الانتهاء من قراءتها أنها منشورة بقضها وقضيضها منذ يومين في " المصري اليوم "، ويزداد غيظك حينما يذيل مقاله بهذه العبارة " نقلا عن المصري اليوم " دون أن يبين لك ماهو سبب إعادة نشرها مرة أخرى، هذا عدا كتبه التي يعيد نشر فصولها بحيث يحتل كل فصل صفحة كاملة من الجريدة، هذا غير بابه الثابت " أزمنة وأمكنة " والذي يحتل بدوره نصف صفحة ويوقعه باسم المقريزي، وباب أخر صغير بعنوان " أنصحك أن تقرأ " هذا غير كثير من الموضوعات التي تظهر بدون اسم والمتعارف عليه في الصحافة أن كل ما ينشر بلا توقيع هو لرئيس التحرير، وهو يتعامل مع قراء الجريدة على اعتبار أنهم مثقوبو الذاكرة، فإذا ما خصص ملفا عن مفكر أو شاعر أو حادث وطني يعيد نشر مقالات سبق لنا قراءتها من قبل في دورياتها الأساسية، أما ما لايمكن تقبله من جريدة ثقافية من المفترض جديتها ونظافتها هو اعتمادها الأساسي على الموضوعات الفنية ونشر صور الفنانات الفاتنات بأحجام أكبر من حجم صورة الوزير نفسه، فالجريدة تخصص خمس صفحات كاملة للفنانات اللواتي هن مقدمات على تصوير دورهن الجديد في مسلسل الأمر الذي ساعد في دخول رئيس تحرير الجريدة صلاح عيسى نفسه للحقل الفني بعد تحويل كتاب وثائقي له عن " ريا وسكينة " إلى مسلسل درامي كتب له السيناريو والحوار السيناريست مصطفى محرم الذي سبق وأن نشرت له جريدة " القاهرة " التي يرأس تحريرها صاحب الكتاب، مذكراته المطولة مسلسلة على مدى أكثر من عشرة أعداد متوالية صب فيها جام غضبه على كثير من صناع السينما.


ثم ما علاقتنا نحن المثقفين بصدر الفنانة السورية " رغدة " لكي ينشره لنا السيد صلاح عيسى بضا طريا شهوانيا محتلا نصف صفحة طوليا لكي يكتب لنا خبرا ثقافيا من الطراز الفريد وهو أنها انتهت من تصوير " المركب " ؟ ! ثم ما علاقتنا بجسد المغنية اللبنانية " أليسا " لكي يزغلل به عيوننا ويفرده أمامنا على ارتفاع ثلاين سم وعرض عشرين سم فاتنا مثيرا منسابا كغصن البان لكي بخرج علينا بسبقه الصحفي الذي يؤكد فيه أن خبر منعها من الغناء مجرد شائعة يروجها حاسدوها ؟ !، وهكذا تظل رائحا غاديا بين تصاوير الكاسيات العاريات من الفنانات وذوي الأزرار المفتوحة من الفنانين وعلى امتداد خمس صفحات كاملة، لتعرف أن تامر حسني سيدخل البلاتوه قريبا لإغاظة منافسه الاستراتيجي عمرو دياب من خلال مسلسله الجديد الذي يتكتم على اسمه حتى الآن والذي سيتقاضى فيه أكثر من مليون جنيه في الحلقة الواحدة، أو أن حسين فهي يتورط في جريمة قتل إيمان العاصي وقبل أن يحبس محبو دنجوان السينما المصرية أنفاسهم خوفا على نجمهم المحبوب سيكتشفون أنه سيقتلها من خلال مسلسل سينمائي وليس في الواقع .


هكذا ركزت الجريدة الثقافية جل جهدها وجل صفحاتها للموضوعات الفنية وسخرت لها أقلام النقاد وأفسحت سجال النقاش ساخنا وملتهبا لتطرح على القراء الكرام الرؤى النقدية المتباينة للأفلام التي سطحت عقلية المواطن المصري وساهمت في تغييب عقله وتبسيط وعيه من عينة " حاحا وتفاحة ووش إجرام واللمبي وسيد العاطفي وخالتي فرنسا وصايع بحر " واهتمت اهتماما ملحوظا بالمعارك الناشبة بين هذه الفنانة أو تلك أو ذلك المنتج وهذا المطرب، فيما تعاملت مع الأدب والأدباء والفكر والمفكرين على اعتبار أنه عالة على الجريدة فلا تقترب منه إلا لذر الرماد، وكأن هذه الجريدة التي تصرف عليها وزارة الثقافة وتدعمها مقتطعة حصتها المالية الضخمة من نصيب الأدباء، كأنها أنشئت خصيصا للدفاع عن وزير الثقافة أيا كان اسمه ولنشر تراث المناضل اليساري سابقا صلاح عيسى وتحلية أغلب صفحاتها بأجساد ونهود فاتنات السينما المصرية ومطربات القطر اللبناني الشقيق.


أما ما يتعلق بالجانب الإبداعي فحدث ولا حرج، ليس في الجريدة كلها محرر أدبي يستطيع أن يحكم على قصة أو قصيدة ليقرر صلاحيتها للنشر من عدمه، ينتج عن ذلك نشر كلام مرصوص مليء بأغلاط النحو واللغة بل والإملاء على اعتبار أنه شعر أو قصة، وبين الحين والحين يمارس السيد صلاح عيسى هوايته الصحفية الغرائبية بإعادة نشر قصائد شهيرة لشعراء شهيرين من أمثال حجازي أو أمل أو الأبنودي أو جاهين أو نجم بمساحات كبيرة وبمصاحبة لوحات كبيرة للفنان التشكيلي فاروق حسني، صحيح أن للجريدة مستشارا أدبيا تحرص الجريدة على كتابة اسمه في الترويسة هو الكاتب الكبير علاء الديب، لكن من البين الجلي أنه لا يقرأ ما تنشره الجريدة من إبداعات ولا أعرف كيف يوافق كاتب في حجم علاء الديب على أن يكون مستشارا أدبيا لجريدة تنشر إبداعا بهذه التفاهة .


لقد تغير وزير الثقافة لكن رئيس تحرير جريدة " القاهرة " لم يغير منهجه الذي خطه لنفسه في التعامل مع من يأتي لمنصب الوزير سواء أكان فاروقا أو جابرا أو صاويا أو حواسا أو عمادا، فها هو ينشر في عدد واحد ثلاث صور لعماد أو غازي في عدد واحد، صورة في الصفحة الأولى وهو مبتسم ومرتد نظارتيه يخالط سواد شاربه بياض خفيف وفي الصفحة الثالثة صورة طولية لسيادته تصل لركبتيه وهو واقف وممسك بيسراه كتابا بينما يلوح من جيب بدلته العلوي قلم جاف، وفي الصفحة الثامنة تتكرر نفس الصورة الكبيرة بمصاحبة مقال كبير للشاعر مهدي بندق يدافع فيه عن الوزير الجديد بعنوان " مواسم الهجوم على وزارة الثقافة " .


نعم من حق المناضل اليساري القديم أن يغير نضاله فيصبح مهادنا ومطبطبا ومجاملا كما يحلو له، ويغير يساريته ويجلس في أقصى يمين اليمين، لكن الأمور – كلها – لها حدود، واحترام عقلية المتلقي ينبغي أن يوضع في الحسبان، وما كان يمكن أن نقبله قبل 25 يناير ينبغي أن نرفضه بعد هذا التاريخ، والذي يريد أن يطبل وبزمر للوزير – أي وزير – عليه أن يوقف اللحظة التاريخية بحيث لا تصل إلى 25 يناير أو يريح ويستريح، لكي لا يتكرر ما حدث، لأنه ببساطة شديدة وبعد مرور وقت قليل سيعتاد السيد عماد أبوغازي على هذا المديح الذي يكيله له أمثال الشاعر مهدي بندق وهم كثيرون ويستطيع السيد صلاح عيسى بموروثه النضالي القديم أن يبحث عنهم في أقاليم مصر وربوعها، وسوف يعتاد السيد الوزير على صوره الكثيرة في الجريدة وسوف يأتي اليوم الذي يؤنب فيه رئيس التحرير لأنه لم ينشر له صورته وهو واضع ساقا على ساق، أو وهو ممسك بقلمه في حالة استلهام لفكرة استشرافية وعيناه مركزتان على شيء ما.


وبعد


فنحن – أيها السادة الموقرون - لم نقرفص أرجلنا في مساءات ميدان التحرير يضربنا المطر ويلفحنا البرد ويشرخ الهتاف حناجرنا لكي نعرف من جريدة المناضل اليساري السيد صلاح عيسى إن كان عبد الحليم حافظ قد تزوج سعاد حسني أم ان الأمر مجرد أكذوبة أطلقها في وجوهنا – ذات نهار مشمس – الرفيق المحاور مفيد فوزي ؟ !


أظن أن أكثر من أحد عشر عاما وقت كاف تماما لإنهاء حالة اغتصاب مجلة، ووقت كاف تماما لكي نعرف من خلاله قدرات رئيس تحريرها الصحافية، ووقت كاف تماما لتفعيل أحد أهم مباديء ثورة 25 يناير وهو عودة الحقوق إلى أصحابها .


اللهم قد بلغت


اللهم فاشهد .



الثلاثاء، 14 مايو 2013

من فضائح المركز القومي للسينما في عهد المصور كمال عبد العزيز

كتب هذا التحقيق الصحفي محمد شكر ونشره في جريدة "الوفد" المصرية بتاريخ الأثنين  29 أبريل 2013 ويتناول جانبا من الفضائح التي تحدث في المركز القومي للسينما في القاهرة الذي يديره حاليا المصور كمال عبد العزيز..  هنا نص مقال الوفد:





                                               كمال عبد العزيز
ما زالت وزارة الثقافة تدار بأهواء الجالسين على كراسيها بغض النظر عن القوانين الحاكمة التى كان يجب أن تسود بعد ثورة يناير ولكن مع تراجع الثورة تراجعت أحلام التغيير فى مؤسسات وزارة الثقافة التى يتم التعامل معها باعتبارها «عزبة» يتحكمون فى المبدعين ويعملون على تفريغ الوزارة من كوادرها وتجاهل أوامر صاحب العزبة معالى الوزير وهو ما حدث مع المخرج سميح منسى المدير السابق لمركز الثقافة السينمائية، والذى شغل منصب مدير عام الإنتاج بالمركز القومى للسينما فى شهر اكتوبر الماضى


، ولكنه فوجئ بتهديدات من رئيس المركز بإقالته من منصبه وهو ما دعا شباب مخرجى المركز للاعتصام أمام وزارة الثقافة فى شهر مارس الماضى ليطالبوا بإصلاح إدارى ومالى إلى جانب المطالبة ببقاء سميح منسى فى منصبه مع المضايقات العديدة التى تعرض لها ورغم وعد وزير الثقافة ورئيس ديوانه محمد أبو سعدة ببقاء «منسى»، فإن رئيس المركز تجاهل قرارات الوزير وأصدر قراراً بإقالة سميح وتكليف زميل تبقى على انتهاء خدمته ثلاثة أشهر دون إجراء انتخابات أو الإعلان عن شغل المنصب طبقاً للقانون.
ويقول سميح منسى إنه لم يتعجب من قرار إقالته المفاجئة دون إنذاره أو إعلامه بموعد انتهاء علاقته بمنصب مدير عام الإنتاج لمعارضته لسياسات رئيس المركز التي لا تهدف للارتقاء به، ومنع إهدار المال العام الذي يمارس بشكل احترافى، وهو ما لفت نظره منذ بداية توليه لإدارة الإنتاج فتقدم بطلب لتشكيل لجنة لفحص عروض أسعار المعدات السينمائية، لم يتم الالتفات له بعد اكتشاف تباين واضح في أسعار المعدات من فيلم لآخر، يصل في بعض الأحيان إلى ما يزيد على ضعف السعر الأصلى كما في حالة فيلم «شد الحبل» الذي احتاج لإيجار شاريوه بسعر 900 جنيه لليوم، كما هو ثابت في فواتير وميزانية الفيلم وفيلم «أنا إخوان» الذي أجر نفس الشاريوه بإيجار يومي 2000 جنيه وهو ما اعتبره سميح تربح من أموال الشعب، مؤكداً أن مواجهته للفساد قد يكون سبباً في إقالته لأنه بهذا يكون قد دخل عش الدبابير.

وشدد سميح علي أن توقيت إقالته من منصب مدير عام الإنتاج مثير للشكوك، خاصة ونحن علي أعتاب سنة مالية جديدة كما أنه قام بعمل خطة للعام المالى القادم ضمت 25 فيلماً من بينها أفلام للفنانين الشبان بالمركز. وأكد أن هناك ميزانيات أفلام التي قدمها في خطته الإنتاجية تراوحت ميزانياتها بين 15 و38 ألف جنيه، ولكنك تجد فيلماً مثل «مفتش آثار» لمحمد مرزوق ميزانيته تعدت 158 ألف جنيه كما هو ثابت بالمستندات، وبعد مناقشة هذا الفيلم تم تخفيضه لمبلغ 148 ألف جنيه وهناك ميزانيتان للفيلم كل منهما برقم مختلف، وهو ما يعتبر تلاعباً وكأن المركز يتعامل مع فكرة الإنتاج بنفس طريقة «الفصال» في سوق الخضار ليخفض الميزانيات ولم يهتم رئيس المركز بالتحقيق في هذه الوقائع أو يوافق علي سد باب إهدار المال العام باعتماد لجنة لمراجعة إيجار المعدات التي تعتبر الباب الخفى للاستيلاء علي أموال المركز بغير وجه حق.




وأشار سميح منسى إلي ضرورة تشديد الرقابة علي المركز القومي للسينما كجهة إنتاج فيها كثيراً من أموال الدولة، مؤكداً أنه التقى بوزير الثقافة، وقال له إنه لن يترك المركز ينهار وسيجلس علي مقاعد المعارضة بغض النظر عن المنصب، وأن الوزير أكد له أنه لن يسمح بأي تجاوزات، كما أن المهندس محمد أبو سعدة الذي وعده بالاستمرار في منصبه ودفع الضغوط التي يمارسها رئيس المركز عنه، ولكنه اكتفى بمراقبة قرار إقالته، وقال إنه عنفه علي اتخاذ قرار فردي دون الرجوع للوزارة.
أضاف منسي أنه سلم صورة من الخطة التي وضعها للإنتاج لوزير الثقافة وطلب منه الإشراف عليها بنفسه، حتي لا ينكل رئيس المركز وحاشيته بشباب السينمائيين الذين كانوا شغله الشاغل طوال فترة عمله من خلال توقيع اتفاقية تعاون مع المركز الثقافي الفرنسي التي لم تفعل حتى

ا

 لآن وتطوير إدارة الرسوم المتحركة التي رفض رئيس المركز إعطاءها بلاتوه ليستمر نزيف الأموال في إيجار بلاتوهات خارج المركز رغم توفر المكان الذي حصل عليه المخرج مجدى أحمد علي أثناء فترة رئاسته ووضع برنامج «حنين سينمائى» الذي قدم لرئيس هيئة قصور الثقافة لنشر الثقافة السينمائية ومشروع ورش السينما الفنية والإبداعية الذي لم يتم الالتفات إليه، والأسماء الوهمية التي تتقاضى أجوراً كما في فيلم «أبيض وأحمر» والمكافآت التي تصرف للمحاسيب عمال علي بطال بدون وجه حق وأغلبها يكون للإداريين ممن لديهم حظوة لدي رئيس المركز أو الرئيس السابق لقطاع الإنتاج الثقافى.


الأربعاء، 26 يناير 2011

السبت، 6 نوفمبر 2010

إسرائيل والمثقفون العرب: المسكوت عنه في موضوع التطبيع


ليزلي دودوين
 حول ما حدث في مهرجان أبو ظبي

بقلم :أمير العمري


مرة أخرى تنفجر قضية التطبيع في وجوهنا. هذه المرة يثار الموضوع من جانب ما يسمى باتحاد نقابات المهن الفنية في مصر، الذي أصدر بيانا عنتريا يوم الخميس 4 نوفمبر 2010 يهاجم فيه مهرجان أبو ظبي السينمائي ويعلن مقاطعته له ويهدد أعضاءه، أي أعضاء الاتحاد من الفنانين المصريين، بالطرد من عضويته وبالتالي منعهم من ممارسة العمل، إذا شاركوا في المهرجان بعد ذلك. وليت الأمر توقف عند هذا الحد بل وصل الأمر برئيس الاتحاد، إلى توجيه انتقادات عنيفة ضد الصحفيين والنقاد المصريين الذين حضروا المهرجان ولم ينسحبوا بسبب وجود منتجة "اسرائيلية" هناك!
ورئيس الاتحاد ممدوح الليثي ضابط شرطة سابق وصادر ضده حكم من القضاء المصري في جريمة مخلة بالشرف حتى لو نجح هو فيما بعد في شطب الحكم بعد تدخل قيادات معروفة بالفساد، تماما كما تدخلت نفس القيادات في عمل القضاء لتخفيف الحكم بالاعدام الصادر ضد المحرض البلطجي هشام طلعت مصطفى الذي دفع الملايين لقتل المغنية سوزان تميم في القضية التي يعرف حقائقها الشعب المصري بكل طوائفه وأركانه، وكذلك الالتفاف الحكومي الرسمي بعد ذلك على الحكم ببطلان عقد بيع أراضي الدولة لاقامة مدينة سكنية لنفس الشخص، أي القاتل الذي ثبتت ادانته بما لا يدع أي مجال للشك، بأسعار "رمزية"، قامت الحكومة على إثر ذلك الحكم باعادة بيعها له بنفس الأسعار تقريبا وبقرار سيادي من أعلى مستوى في دولاب الفساد القائم في مصر.
وبدايةً، فإن ما أكتبه هنا لا علاقة له، من قريب أو بعيد بالدفاع عن مهرجان أبو ظبي أو غيره من المهرجانات، فموقفي من هذه المهرجانات مكتوب ومنشور ومعلن، بما لها وما عليها، ويستطيع المهرجان على أي حال أن يرد أو يبرر، وهذا شأنه إذا فعل. وإنما أنا أتحدث لأنني أولا كنت أحد هؤلاء المصريين الحاضرين في المهرجان، وثانيا لأنني أرى رأيا مخالفا في قضية التطبيع التي تحولت إلى ألعاب صبيانية، وإلى نوع من المزايدة على الشرفاء، يستخدمها الانتهازيون وبعض عملاء الأجهزة الأمنية لوصم المعارضين الذين ليسوا على استعداد لأي نوع من المساومة أو الدخول إلى "الحظيرة" بتلك التهمة الشيطانية التي تحولت إلى فزاعة، أي تهمة التطبيع، دون أن يكون لهذا أي أساس. ولا أستبعد أن ينالني البعض بهجومه بعد هذا المقال، لكني لا أقيم وزنا لمثل هذه الترهات، ولا أظن ان مثل هذه الاتهامات لها أي قيمة وهي على أي حال، لن تكون الأولى ولا الأخيرة!
تتعلق القصة أساسا بهذا النوع من المزايدات المستمرة من جانب فصيل في المجتمع المصري، يظن نفسه، الحارس على الوطنية، والذي يمكنه أيضا أن يلقن العرب خارج مصر أيضا، معنى الصمود والمقاطعة ورفض التطبيع ربما بسبب عقدة الاحاساس بالعجز عن منع وجود سفارة اسرائيلية في قلب العاصمة المصرية نفسها.
ويتسم الخطاب الصادر عن هذا الفصيل دائما بالتهديد والوعيد والهستيريا التي تخلط الأوراق، وتفتش عن رائحة التطبيع في كل زاوية وتحت كل حجر، بما يصل أحيانا إلى مستوى الإرهاب الفكري، والابتزاز السياسي للشرفاء والوطنيين الذين لا يستطيع أي شخص أن يشكك في ولائهم لوطنهم، وعدائهم الدائم والمستمر للصهيونية.
لقطة من فيلم "الغرب هو الغرب"
وليس بوسع أي مخلوق أن يشكك في كاتب هذه السطور شخصيا، فيما يتعلق بهذه المواقف تحديدا، وبوسع أي متشكك أن يبحث ويراجع تاريخ الكاتب الشخصي منذ أكثر من 30 عاما، وما قدمه ويقدمه في قضية التصدي للصهيونية وإسرائيل، ويقارن مع ما قدمه من إسهام فكري، وبين ما قدمه غيره من حفنة المطبلين والمهللين لبيان اتحاد الفنانين فقط لمجرد أنهم لم يتلقوا دعوة من مهرجان أبو ظبي تتيح لهم الفرصة لالتقاط صور تذكارية مع النجوم الحاضرين، ولعق بقايا أطباق الطعام، أو تصفية لحسابات معروفة ومنشورة، بينهم وبين أحد العاملين بالمهرجان، وصل من ناحيتهم إلى حد التشكيك في انتمائه العربي والادعاء بأن له أصولا يهودية!
وبكل أسف وجدت أيضا الناقد الزميل سمير فريد، في إطار الرغبة في توجيه ضربة لإدارة مهرجان أبو ظبي الحالية، يهاجم المهرجان ويصور الأمر على أن "المهرجان يمنح 30 ألف دولار لمنتجة إسرائيلية" ويذكرنا بما حدث عندما كان يعمل مستشارا للمهرجان في دورتيه الأوليتين وحاول المهرجان أن يأتي بفيلم "إسرائيلي" هو "زيارة الفرقة الموسيقية" (بالمناسبة سمير من أشد المعجبين به ويعتبره تحفة فنية وهو بالطبع حر في رأيه!) ويقول لنا للمرة الأولى، إنه كان مسؤولا عن وقف عرض الفيلم بالمهرجان بعد أن هدد بالاستقالة، متساءلا عن صمت الذين سبق ان هاجموا المهرجان لهذه الخطوة هذه المرة فيقول بالحرف:  في عموده بجريدة "المصري اليوم" (6 نوفمبر)"ومن اللافت الآن صمت بعض الذين حضروا ختام المهرجان عن الدعوة التى تمت ٢٠١٠ بينما كان صوتهم عالياً عن الدعوة التى لم تتم ٢٠٠٧".
والقصة ببساطة شديدة أن المنتجة البريطانية ليزلي يودوين (أؤكد البريطانية، فهي من مواليد مدينة برمنجهام الانجليزية) جاءت إلى المهرجان بصحبة فيلمها "الغرب هو الغرب" West is West وهو فيلم جيد سبق أن تناولته في هذه المدونة في اطار الكتابة عن المهرجان، ولا علاقة له من قريب أو بعيد باسرائيل أو بالعرب، بل يروي قصة ذات دلالة، عن العلاقة بين المسلمين (من باكستان) والإنجليز، ويصور بشكل كوميدي التناقضات بين المجموعتين، في اطار كوميدي يسعى للتصالح والفهم المتبادل، وليس الى ازكاء نيران الحقد العنصري بين الشعوب، وهو من تأليف كاتب هندي وبطولة ممثل هندي شهير، ويعد استكمالا لفيلم آخر بريطاني أنتج في 1999 بعنوان "الشرق هو الشرق".
هذه المنتجة وقفت في الندوة الصحفية لمناقشة الفيلم أو ربما خلال اعلان فوز فيلمها بجائزة الجمهور (ولم أحضر أي منهما شخصيا ولم أعرف عما حدث شيئا الا بعد أن انتهى المهرجان وعدت إلى لندن حينما قرأت ما نشرته بعض الصحف بعد انتهاء المهرجان بأيام).. فقد قالت المنتجة البريطانية حسب ما نقلته بعض الصحف إنها إسرائيلية الجنسية، وإنها تفخر بذلك. وذكرت تلك المصادر أن “ليزلى” قالت أنها أرادت أن تقضى على التعصب والانغلاق العقلى لدى البعض نتيجة التعميمات التى تطلق على أى شخص لمجرد أنه إسرائيلى فهى ليست مسؤولة عن تصرفات الدولة التى جاءت منها.
والواضح الجلي من هذه القصة أن ليزلي يودوين ممن يطلق عليهم "مزدوجي الجنسية" أي أنها بريطانية يهودية، حاصلة على الجنسية الاسرائيلية، وإن كانت قد ولدت وتقيم وتعمل في بريطانيا، وللعلم، ففيلمها شاركت مؤسسة بي بي سي البريطانية طرفا في انتاجه مع جهات بريطانية أخرى، وعرض في عدد من المهرجانات الدولية أحدثها مهرجان لندن السينمائي.

ممدوح الليثي
هذه النظرية
ولا أظن أن خطيئة المهرجان أنه أتى بفيلم بريطاني ودعا منتجته "البريطانية" ثم وقفت هي لتقول فجأة، إنها تحمل الجنسية الإسرائيلية. فما هو المطلوب في هذه الحالة؟ هل يجب أن تتدخل أجهزة المخابرات العربية في عمل مهرجانات السينما وتفتش في التاريخ الشخصي لكل المدعوين لتضمن ألا تتسلل شخصية تحمل الجنسية المزدوجة للمهرجان؟ والمعروف أن الكثيرين ممن يأتون إلى المهرجانات العربية مثل القاهرة وقرطاج ومراكش، هم من الاسرائيليين الذين يحملون جوازات سفر أمريكية وغير أمريكية، دون أن يعلنوا ذلك، بل ويتردد على مهرجان القاهرة السينمائي تحديدا عدد من السينمائيين الإسرائيليين منهم ليا فان لير مديرة مهرجان القدس السينمائي (وقد شاهدتها بنفسي عدة مرات)، ولكن بدون دعوة رسمية، ويجرون اتصالات مع بعض ضيوف المهرجان، وربما أيضا يشترون تذاكر يشاهدون بها بعض الافلام، فماذا فعل اتحاد الفنانين في مواجهة ذلك "الاختراق" العظيم الهائل الخطير جدا الذي يهدد أسس الثقافة المصرية والعربية – ياحسرة- بالانهيار والتصدع أكثر مما يهددها مثلا الفكر الوهابي المتخلف الزاحف من أعمق مجتمعات التصحر والبداوة والانغلاق، أو ديكتاتورية نظام هو الذي يقيم معاهدة مع عدو الشعب المصري التاريخي أي إسرائيل، ويسمح لها بافتتاح وتشغيل سفارة تعمل باستمرار تحت سمع وبصر ممدوح الليثي وحفنة الأفواه المريضة المحيطة به، دون أن يصدر الليثي وأعوانه بيانات التنديد والشجب والادانة والمقاطعة، ودون أن نرى لاتحاده المزعوم أي دور في معارضة نظام يقوم على القمع وإلغاء الآخر وشطبه من التاريخ، ويفتح ذراعيه وساقيه لإسرائيل وعملاء إسرائيل في أجهزة الإعلام والثقافة!
وللزميل الكبير سمير فريد أقول إن هناك فرقا كبيرا بين عرض فيلم بريطاني حول العلاقة بين الشرق والغرب، وبين عرض فيلم إسرائيلي حول العلاقة بين الإسرائيليين والمصريين، وإن هناك فرقا كبيرا أيضا بين أن يتخذ فيلم "زيارة الفرقة" الإسرائيلي وسيلة لعبور الأفلام الإسرائيلية للعالم العربي، وهو أمر مرفوض تماما حاليا، حتى لو رفع شعار السلام، وبين فيلم إنساني جميل يدعو للتفاهم بين الانجليز (الذين يعيشون بعقدة الامبراطورية القديمة) وبين الهنود أو الباكستانيين الذي لا يمكنهم الثقة في الانجليز. وأما ما يلوح به سمير فريد من أن جائزة الثلاثين ألف دولار فازت بها منتجة إسرائيلية، فهذه هي جائزة الجمهور وليست جائزة لجنة التحكيم ولا المهرجان، وهي لم تذهب لفيلم إسرائيلي كما أوضحنا. فماذا لو قلنا لسمير وغيره إن المنتجة ليزلي يودوين أدانت في كلمتها السياسة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وقالت إنها توجه انتقاداتها للمسؤولين الإسرائيليين الذين تلتقي بهم حول خطورة ما يفعلونه من تكريس للكراهية في حين أنهم يتعين عليهم أن يعيشوا مع الفلسطينيين وأن يفهمونهم. وهذه هي باقي تصريحات يودوين التي لم تنقلها بكل أسف، الصحف العربية التي تسعى وراء الاثارة السطحية فقط.
وقد كان هناك في المهرجان نفسه، كما في الدوحة، وربما سيكون في القاهرة أيضا، فيلم "ميرال" الذي شاهدناه معا في فينيسيا وأعجبنا به، وهو من إخراج مخرج أمريكي يهودي ليس مستبعدا أن يكون أيضا حاملا للجنسية الإسرائيلية، فكيف يمكننا أن نعرف، علما بأن كاتبة الفيلم فلسطينية، وأن عددا كبيرا من العاملين به هم من الفلسطينيين، فهل نحكم عليهم جميعا بالخيانة الوطنية أيضا!

ما المطلوب؟
ماذا كان مطلوبا من النقاد المصريين الحاضرين في المهرجان: أن ينسحبوا لمجرد وجود امرأة بريطانية- إسرائيلية جاءت بفيلم بريطاني.. وما الذي يجديه هذا الانسحاب؟ وما الذي يجديه أساسا، أي انسحاب من أي محفل دولي أمام الإسرائيليين، ولماذا يتعين على الطرف "العربي" دوما أن ينسحب في حين يتبجح الإسرائيلي ويتوغل ويصمد وينتقد ويفرض ويعرض وجهة نظره؟ هل أصبحت هذه السياسة التافهة التي تمارس منذ الخمسينيات بقرة مقدسة غير قابلة للمراجعة من أجل التوصل إلى مواقف أكثر فعالية وأكثر جدية في مواجهة الصهيونية والأنظمة التي تتعامل معها؟ وهل يجرؤ ممدوح الليثي، المسؤول عن جهاز الانتاج السينمائي الرسمي في مصر، على مواجهة إسرائيل بالفعل وليس بالقول، وتمويل الأفلام "الحقيقية" التي تفضح ممارسات إسرائيل "الحقيقية" داخل مصر نفسها؟ أم أنه سيتوجه أولا إلى أولياء نعمته وزملائه القدمي في مباحث أمن الدولة لكي يطلب رأيهم، وهل سيتناقض أمن حسني مبارك مع مواقف حسني مبارك؟
إن موضوع التطبيع أصبح بكل تأكيد في حاجة إلى تحديد علمي بعد أن أصبح حديث حق يراد به باطل، وأصبح كل من هب ودب من صحفيي آخر زمن، يستخدمه للصراخ في وجه الشرفاء.
يشارك الممثل خالد النبوي في فيلم أمريكي هو "لعبة عادلة"Fair Game (وهو بالمناسبة من أفلام الهجوم على السياسة الأمريكية في العراق) الذي اشتركت فيه ممثلة إسرائيلية، فتقوم قيامة البعض.
يذهب الممثل عمرو واكد لتمثيل دور في مسلسل بريطاني كبير عن صدام حسين، يشارك فيه ممثل إسرائيلي، فتقوم القيامة أيضا.
فما هو المطلوب: أن يمتنع كل الممثلين العرب عن العمل ويتركوا الفرصة، كل الفرصة، أمام الإسرائيليين للتواجد والتعبير وتقديم أنفسهم للعالم، ولماذا لا ينسحب الإسرائيليون الذين نقول عنهم إن لا تراث لديهم ولا ثقافة ولا تاريخ، وبأن دولتهم تقوم على التلفيق؟ لماذا لا ينسحب الطرف الإسرائيلي "الضعيف" تخاذلا وجبنا عن مواجهة الطرف "العربي" الأكثر رسوخا من الناحية التاريخية والثقافية، ولماذا يتعين ان ينسحب ويتوارى دائما هذا الطرف (العربي) ويترك المجال أمام الإسرائيليين؟ أليست هذه السياسة نفسها امتدادا لسياسة الانسحاب بدون معركة من هضبة الجولان، بل ومن سيناء في 1967 قبل أي اشتباك حقيقي مع العدو؟ وهل أدت هذه الانسحابات إلى تعزيز القضية الفلسطينية والى تحرير الأرض؟!
لقطة من الفيلم الإسرائيلي "زيارة الفرقة الموسيقية"
هذه المكارثية الجديدة
تذهب الممثلة هند صبري لزيارة الفلسطينيين في الضفة الغربية فتقوم القيامة: كيف تحصل هند على إذن بالعبور من السلطات الإسرائيلية، فممن كان يتعين أن تحصل هند على التصريح؟ من المخابرات المصرية مثلا في حين أن السيد عمر سليمان مدير المخابرات المصرية، لا يستطيع عبور مصر إلى غزة بدون استئذان الإسرائيليين.. بل ويحصل الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس نفسه على إذن للانتتقال داخل الأراضي الفلسطينية أليس كذلك؟ وأليس هذا هو الواقع المؤسف المخزي الجدير باهتمام كل القوى السياسية التي تسعى للتغيير الحقيقي في أرض الواقع وليس التشدق بشعارات تافهة، ثم الغرق بعد ذلك في غيبوبة المخدرات والخمر!
بكل أسف اقول إن عددا من المثقفين المصريين من أصحاب الصوت العالي، والفهم السطحي الذي لا يعرف كيف يفكر العالم فينا وكيف ينظر إلينا، فرضوا إطارا ضيقا يتعلق بنظرتهم للتطبيع، يرفض التواجد ويرفض المواجهة الحقيقية في ميادين النزال: الفكري والثقافي والفني والسينمائي، ويفضل دائما أن تبقى إسرائيل وحدها، تقدم نفسها للعالم- كذبا وادعاء- كنموذج على "التحضر، والهدوء، والعقلانية" في كل هذه المجالات.
إنه نوع من المكارثية الجديدة التي تفتش في العقول والقلوب والأفكار، وتتولى توزيع صكوك الوطنية أو سحب الوطينة وتخوين الكتاب والفنانين الوطنيين نتيجة فرضيات مضحكة ومضللة تؤدي إلى تقوية الطرف الآخر في الصراع طيلة الوقت، وتجعلنا أضحوطة امام العالم، وغريب أنها أيضا تصدر من جانب طرف هو الأدعى أن نتشكك فيه بحكم ولاءاته لسلطة قمعية غير وطنية أصلا، فقدت شرعيتها منذ دهر، وسقوطها مؤجل فقط.
ودعونا نطرح هذه الأسئلة: 
لماذا لا تنسحب الدول العربية من الأمم المتحدة؟ ومن منظمات الأمم المتحدة التي توجد فيها إسرائيل، ولماذا لا ينسحب ممثلو الدول العربية (المناضلة ضد اسرائيل) من أي اجتماع دولي يوجد فيه الطرف الإسرائيلي؟ ولماذا يطلب من الممثلين العرب الانسحاب امام أي وجود اسرائيلي في أي عمل فني؟ هل اشتراك خالد النبوي في فيلم أمريكي مع ممثلة اسرائيلية الأصل، معناه أن خالد النبوي أصبح ببساطة، جاسوسا لإسرائيل، وانه أعلن اعتراف العالم العربي بها، وهل معنى قبوله الدور أن المثقفين المصريين أصبحوا من "المطبعين" مع إسرائيل؟
وما معنى "التطبيع" تحديدا؟ وما هي حدوده وقيوده؟ ومن الذي يحددها؟ وكيف يضر التطبيع القضية الفلسطينية؟ وما هو منطق المقاطعة؟ وهل المقاطعة لكل ما هو يهودي الديانة، أم صهيوني داعم لاسرائيل فكريا وماديا ومعنويا، حتى لو كان أوروبيا مسيحيا، أو هنديا هندوسيا، أو حتى عربيا مسلما، وماذا لو كان هناك إسرائيلي يرفض السياسة الإسرائيلية ويؤيد القضية الفلسطينية، كيف سنتعامل معه، هل نتعامل معه على أنه إسرائيلي يهودي لا يجوز مصافحته، أم على أنه نصير ورفيق درب، هل كل ما يأتي من داخل إسرائيل (وهو مجتمع شديد التناقضات) شر مطلق يجب أن نتجنبه، وكل ما يأتي من داخل الدول العربية خير مطلق؟ وماذا لو صدر كتاب اسرائيلي معادي للصهيونية وفاضح للممارسات العنصرية الاسرائيلية، هل نرفضه ونرفض مؤلفه لأنه "إسرائيلي" وننضم بذلك لطابور الحقى والأغبياء في العالم العربي وهو طابور طويل، وهل المواجهة على جبهة الثقافة تغني بالفعل عن المواجهة الأشمل والأعمق على جبهة السياسة؟ وماذا يستطيع المثقف العربي أن يفعل في مواجهة الساسة المتخاذلين الذين يقبلون يوميا يد إسرائيل لكي تقبل الجلوس معهم، ومع الطرف الفلسطيني المغلوب على أمره؟!
كل هذه الأسئلة ينبغي طرحها بكل جرأة وصراحة، والاجتهاد في تقديم إجابات علمية عنها، بعيدة عن الشعارات والمزايدات الفارغة التي لا تؤدي سوى إلى مزيد من الهزائم والانكسارات.
وقديما قالوا "خذوا الحكمة من أفواه المجانين".. لكننا لا يمكن أن نتعلم الوطنية من بيانات الـ........!
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger