الثلاثاء، 1 مارس 2016

عن هذا الفيلم.. وهذا الجمهور



منذ زمن بعيد وأنا مشغول بمحاولة فهم “جمهور السينما”.. ما هو بالضبط هذا الجمهور؟ وممن يتكون؟ وما الذي يعجبه من أفلام؟ وكيف يستقبل الأفلام؟ وهل لدى هذا الجمهور أجهزة استقبال ذهنية تختلف عما لدى الناقد المخضرم المحترف الذي قضى عمره في المشاهدة الدقيقة والقراءة والتعلم؟ وعلى أي أساس يرفض جمهور ما فيلما ما؟ ويقبل بغيره ويرحب به ويرفعه إلى مصاف الأعمال العظيمة؟ بينما يمكن أن يكون هذا الفيلم عملا بدائيا ضعيفـا حسب المقاييس الفنيـة والجمالية؟
هذه التساؤلات وغيرها وردت على ذهني بعد مشاهدة الفيلم الإسرائيلي “عاصفة رملية” في مهرجان برلين السينمائي.
قصة الفيلم تدور في بيئة بدوية في صحراء النقب، أبطالها امرأة تدعى جليلة وزوجها سليمان الذي يبدأ الفيلم بحفل زواجه من امرأة ثانية هي عفاف، أكثر شبابا ونضارة من جليلة العابسة المتجهمة.
ومع ذلك، فجليلة هي التي تدير الأمور، ترعى بناتها الأربع من سليمان، وكبرى أولئك البنات هي ليلى ابنة الثمانية عشر ربيعا التي تحب شابا في مثل عمرها هو منير زميل دراستها، فهي تتمتع بهامش كبير من الحرية التي أتاحها لها والدها، رغم أنه ينتمي لقبيلة من البدو.. فهي رغم أنها محجبة، تقود السيارة وتستخدم الهاتف المحمول. ووالدها سليمان يرتدي الملابس الأوروبية، يدخن السجائر الأميركية، ويمتلك الهاتف المحمول والسيارة.
ولكي لا أطيل في وصف تفاصيل عمل تقليدي ربما يكون مألوفا تماما لمشاهدي الأفلام المصرية القديمة (البدوية) التي كانت تقوم ببطولتها كوكا، أكتفي بالقول إن الأم ترفض علاقة ابنتها بالشاب منير، وتخشى العواقب، والابنة تصرّ على اطلاع الأب على رغبة منير في الزواج منها، بل يذهب منير نفسه للأب لكي يخطبها منه، ويظل الأب يردد على مسامع ابنته أنه شاب جيد وسيكون زوجا جيدا بالتأكيد، لكننا نفاجأ في النهاية بأنه يفرض عليها الزواج من رجل لا تعرفه.
الفيلم هو أول أفلام المخرجة الإسرائيلية إليت زكسر، وكان يمكن أن تروى أحداثه في 20 أو 25 دقيقة لا أكثر لكنه يمتد لساعة ونصف دون أن نرى فيه شيئا متميزا، فحواره مفكك، وأخطاؤه كثيرة ومشاهده طويلة وفكرته سطحية.
ربما يكون هناك تميز في أداء الممثلين الفلسطينيين الذين ساهموا فيه، لكنه رغم نقده لفكرة السيطرة الذكورية على المرأة في المجتمع البدوي، لا يتجاوز “الحدوتة” الميلودرامية المألوفة.


إنها صورة نمطية مستهكلة في بناء مهلهل وحوار مفتعل وسخيف، لكن القاعة التي امتلأت عن آخرها بالجمهور الألماني، انفجرت في النهاية في عاصفة من التصفيق خاصة بعد أن صعدت المخرجة على المسرح وهي ترتدي سروال الجينز ضيقة، تتلوى وهي تلوك الكلمات بلكنة أميركية مصرة على تقديم كل العاملين بالفيلم من الإسرائيليين.
والأكثر مدعاة للدهشة أن ينهض شخص وراء آخر، يغالي كثيرا في الإشادة بالفيلم والتغزل بمستواه الفني، بل إن أحدهم وصفه بأنه “قصيدة شعر”، وهو ما دفعني إلى التفكير: كيف كان هذا الجمهور نفسه يمكن أن يستقبل فيلما مثل “غرام بثينة” أو “رابحة” أو “وهيبة ملكة الغجر” أو “وداد”؟ وكلها أفلام بدوية تناقش مواضيع مشابهة وبأسلوب أكثر حرفية من أسلوب هذه المخرجة التي لا تعرف أصلا كلمة واحدة من اللغة العربية التي تستخدمها في فيلمها، بل ولا يعنيها أمر الفلسطينيين أو البدو في شيء، بدليل أن فيلمها يبدو وكأنه يدور في كوكب آخر.
فلا ذكر للسلطة الإسرائيلية ومسؤوليتها عن غياب التنمية في تلك المناطق البدوية وتهميش هذه الفئة ومصادرة أراضيها وهدم منازلها.
وفي المقابـل، فالمهم أن يظهـر الفيلـم أمام العالم باعتباره معبرا عن رؤية نسائية تتضامن مع المرأة أينما كانت، وهو ما أجده نوعا من “الغش التجاري”.
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger