الأحد، 20 أبريل 2014

"محاكمات محمد علي": معركة الأفكار











أفلام كثيرة ظهرت عن الملاكم الشهير "محمد علي كلاي"، ما بين الوثائقية والروائية، كان أحدثها على الصعيد الروائي ما شاهدناه العام الماضي وهو فيلم "أعظم معارك محمد علي" لستيفن فريرز، وكان يقوم بإعادة تجسيد (متخيلة) لما دار وراء الستار من مداولات مرهقة طويلة داخل المحكمة العليا الأمريكية، التي كانت تنظر استئناف الملاكم الأشهر في تاريخ اللعبة ضد الحكم القضائي الذي صدر بتجريده من اللقب والحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بعد أن رفض الخضوع للتجنيد الإجباري في فيتنام!

هذه المرة نحن أمام فيلم "وثائقي" جديد مختلف عما سبقه من أفلام كان معظمها، يركز عادة، على مباريات الملاكمة التي حقق فيها "محمد علي" ما لم يحققه غيره من بطولات. هذا هو الفيلم الأمريكي "محاكمات محمد علي" The Trials of Muhammed Ali للمخرج بيل سيجيل، وهو عنوان "رمزي" يشير إلى ما واجهه محمد علي من "محاكمات" ومعارك أخرى خارج الحلبة لا تقتصر فقط على معركته القضائية، بل معاركه داخل المجتمع، مع الذين رفضوه ورفضوا أفكاره وصبوا عليه لعناتهم، ومن إعتبروه جزءا من حركة "عنصرية" أخرى مضادة تعادي المجتمع وتحرض على العنف، ومن إعتبروه "إهانة" لأمريكا بعد رفضه أداء الخدمة العسكرية، ومن رفضوا أن يفهموا وا حدث له من تحول في اتجاه التماثل مع هويته الشخصية وقناعاته الفكرية، التي تؤدي بالضرورة إلى مواقف سياسية ونظرة اجتماعية قد تغضب الكثيرين.

هذا فيلم مثير للجدل، لكنه يسعى نحو تحقيق نوع من "الاستنارة" فيما يتعلق بـ"قضية محمد علي" الأساسية، أي إختياره، وهو في قمة مجده الرياضي بعد أن حصل على بطولة العالم في الوزن الثقيل للمرة الأولى (التي سيحتفظ بها ثلاث مرات) أن يعلن إعتناقه الإسلام، ويقوم بتغيير إسمه من "كاسيوس كلاي" إلى محمد علي كلاي، ويصبح أحد الأعضاء البارزين في جماعة "أمة الإسلام" التي أسسها الداعية إليجا محمد في أمريكا وكانت تطالب بفصل السود الأمريكيين عن البيض، وتأسيس مجتمع خاص بالأمريكيين من أصول افريقية، وهي الحركة التي امتلكت الكثير من المدارس والمستشفيات والأراضي والعقارات ودور الرعاية المخصصة للسود الأمريكيين.

في بداية الفيلم نشاهد محمد علي في أحد البرامج التليفزيونية الشهيرة، يتحدث بجرأته المعهودة عن موقفه من التجنيد الاجباري، ثم كيف ينبري المنتج والمعلق ديفيد سسسكند لكي يصفه بأنه "أحمق ووصمة عار في جبين الأمة الأمريكية"!

محمد علي- الذي يصر دائما، حتى خلال استجوابه أمام لجنة من لجان الكونجرس فيما بعد على مقاطعة أحد أعضاء اللجنة، مذكرا إياه مرات عدة، بأنه ليس "كاسيوس كلاي" بل "محمد علي"، واحد من أكثر الرياضيين في التاريخ جرأة في الحديث المباشر الصريح أمام أجهزة الإعلام، حتى أننا نشاهد في مقابلة مصورة مع الممثل الكوميدي الشهير جيري لويس الذي كان يقدم في الستينيات برنامجا من برامج "التووك شو"، كيف أنه يصر على الكلام وإعلان موقفه السياسي والتعبير عن إدانته للعنصرية بأكثر الألفاظ قسوة، في حين يحاول جيري لويس أن يوقفه قائلا له أكثر من مرة أمام الكاميرا "هل يمكنك أن تغلق فمك لثانية واحدة فقط"!



بناء الوثائقي

يعتمد فيلم "محاكمات محمد علي" على مواد جيدة من الأرشيف، من الستينيات، لمقابلات محمد علي وظهوره العلني وتتبع مواقفه وتطورها خطوة بخطوة، كما نشاهد مقتطفات من أهم مباريات الملاكمة التي حقق انتصاراته الشهيرة فيها، ويسلط الفيلم الأضواء على حياته الأولى، أسرته ووالده وأشقائه، ثم كيف كان بروزه كملاكم في دورة روما الأوليمبية عام 1960 قبل أن يحصل على بطولة العالم في 1964 ثم يعتنق الاسلام في نفس العام، ويصبح من أشد المعارضين لسياسة التمييز العنصري في الولايات المتحدة، يقيم علاقات صداقة وتحالف مع مالكولم إكس الذي كان في البداية زميلا له في قيادة جماعة "أمة الإسلام" قبل أن ينشق عنها ويوجه انتقادات لاذعة للطريقة التي يدير بها أليجا محمد الجماعة، لكن كلاي يظل مدافعا عن الفصل بين السود والبيض رغم ما يتعرض له من هجوم، وإن كان أبرز ما يصوره هذا الفيلم، تمسكه بمبادئه، بإيمانه العميق بما يعتنقه، بالإسلام كدين يرفض أي تفرقة بين البشر، يرفض العبودية، ويدين الاستغلال والقتل والاعتداء.

لا يقتصر الفيلم على مواد الأرشيف التي تشمل أيضا قصاصات من الصحف وصورا ثابتة فوتوغرافية عديدة، بل يطعمها ويدعمها بعدد من المقابلات مع شخصيات بارزة في حياة محمد علي، لم يسبق لها الظهور على الشاشة في أي فيلم من الأفلام التي صنعت عن "محمد علي"، مثل لويس فاراقان الذي خلف أليجا محمد في قيادة جماعة أمة الإسلام، وروبرت لبستايل المحرر الرياضي السابق في صحيفة نيويورك تايمز (وهو يقوم في الكثير من فصول الفيلم بدور الراوية الذي يحكي ويشرح ويفسر ويسلط الأضواء بموضوعية لا تخلو من الإعجاب، على مسيرة محمد علي المثيرة للجدل) كما نشاهد أيضا مقابلات مع الزوجة الثانية لمحمد علي (خليلة)، وإبنته من زوجته الثالثة (حنا)، وشقيق محمد علي (عبد الرحمن)، ومدربه الذي يروي كيف كان يسعى بكل وسيلة أثناء السنوات التي أوقف محمد علي عن ممارسة الملاكمة، للعثور على أي ولاية تقبل إقامة مباراة للملاكمة يشترك فيها محمد علي، دون أن ينجح قط في مسعاه. ويتحدث في الفيلم أيضا أحد الموظفين في المحكمة العليا، الذي يروي تفاصيل ما كان يجري وراء الكواليس من مداولات وكيف أن العضو الأسود في هيئة المحكمة تنحى عن نظر القضية حتى يجنب القضاة الآخرين الحرج، وبالتالي أصبح يتعين على الأعضاء الثمانية التوصل إلى قرار بشأن استئناف محمد علي ضد الحكم بسجنه، وفي حالة انقسام أصواتهم كانت ستتم ادانة محمد علي.

إننا نتابع كيف وصل محمد علي في قوة إيمانه بما يعتقده وبمبادئه، التي ليس من الممكن لأحد المزايدة عليه أو التشكيك فيها، إلى أن انتماءه للاسلام يحتم عليه رفض المشاركة في حرب فيتنام التي وصفها بأنها حرب " الرجل الأبيض لقتل الشعوب الملونة"، وقال كلمته الشهيرة "لماذا يطلب مني القتال في فيتنام في حين أن الفيتناميين لم يغتصبوا أمي ولم يحرقوا بيتي ولم ينعتوني بالزنجي"!

محمد علي يحظر من ممارسة الملاكمة من 1967 إلى 1971، وفي تلك السنوات كان يتعين عليه- كما نرى في الفيلم- إعالة أسرته، فيلجأ إلى الظهور المكثف في البرامج التليفزيونية، وإثارة النقاش حول أفكاره التي كانت تعكس أفكار حركة الوعي الأسود في الستينيات، ويلجأ أيضا إلى الظهور في عروض مسرحية على مسارح برودواي (نرى لقطات نادرة بالألوان له وهو يرتدي شعرا مستعارا كثيفا ويلعب دورا في مسرحية تحريضية تنادي بتحرير السود من العبودية).

لقد أصبحت انتصارات محمد علي الرياضية المبهرة في الستينيات، رمزا لاستمرار النضال من أجل تحقيق المساواة في أمريكا، وكان الكثيرون داخل مجتمع السود المسلمين في الولايات المتحدة يعتبرونها أيضا "إشارة من الله" على أنه يقف بجوار عبده الذي إتجه إليه وسلم له أمره، أي كان ينظر إليها على أنها قد تكون من "المعجزات"، لكن أفكار محمد علي المتشددة أخذت في الاعتدال كثيرا بعد وفاة أليجا محمد، وأصبحت رؤيته الإسلامية تميل للتعايش الإنساني: نرى لقطات نادرة له مع كل من مالكولم إكس ومارتن لوثر كنج زعيم حركة الحقوق المدنية، واقترب محمد علي أكثر من حركة المناضل الأسود ستوكلي كارمايكل التي أعلنت أنها ضد العنف بكل أشكاله، ونراهما في الفيلم معا في أكثر من مشهد.

في الفيلم أيضا يظهر ويتحدث أحد أعضاء مجموعة الأحد عشر رجلا من لويزفيل بولاية كنتكي (موطن محمد علي) الذين وقفوا وراء محمد علي من البداية، ودعموه في مجال الملاكمة ومولوا مبارياته وحملاته الدعائية، وظلت علاقته بهم جيدة حتى النهاية، وحظر على أعضاء جماعة "أمة الإسلام" التعرض لهم باي شكل، وكانوا جميعهم من البيض. 





رواية قصة

يعتمد الفيلم على الانتقالات المحسوبة بدقة بين مقاطع المقابلات التي تسلط الضوء على الشخصية في إطار تاريخ الفترة، وبين المواد المأخوذة من الأرشيف، التي تكشف عن جهد كبير ومثير للإعجاب، في البحث والاختيار، مع قدرة كبيرة على الصياغة الفيلمية من خلال مونتاج يحرص على رواية قصة في تدفق وسلاسة آثرتين: قصة صعود، وقصة صراع، وقصة تمسك بالمبادي وبالهوية، تنتهي بالنصر.

في الفيلم بعض الأصوات التي تنتقد موقف محمد علي وتعترض على اختياراته، لكن الفيلم دون شك، يميل للانحياز إلى الملاكم الأسطوري الذي نراه في الكثير من صور الأرشيف يقوم بزيارة عدد من البلدان الافريقية من بينها مصر، ثم بعد أن أصبح سفير الأمم المتحدة للسلام، ونراه وهو يجاهد ارتجافات ذراعه جراء مرض الشلل الرعاش الذي أصيب به عام 1982، لكي يرفع الشعلة الأوليمبية في دورة الالعاب الرياضية في أطلانطا عام 1996.

إن فيلم "محاكمات محمد علي"، ليس فيلما عن شخصية محمد علي فقط (النجم في إطار عصره)، بل عن عصر كامل: عن النضال من أجل المساواة، حركة الحقوق المدنية واغتيال مارتن لوثر كنج، حرب فيتنام بما سببته من شرخ كبير في المجتمع الأمريكي، والإصرار على إدانة رجل ليس بسبب رفضه المشاركة في الحرب، بل بما بدا أنه عقاب له على تمرده وعلى إعلانه وهو في قمة مجده، اعتناق الإسلام، والحديث بجرأة وإدانة معتقدات راسخة قديمة في المجتمع الأمريكي.

محمد علي لايزال يعيش بيننا، عاجزا عن الحديث وعن الحركة، بعد أن شغل العالم كله، بحديثه وأبهر الكثيرين بقدرته غير العادية على الحركة داخل الحلبة.. لكنه- على الأقل- عاش حتى شهد وصول أمريكي أسود إلى البيت الأبيض!


الخميس، 3 أبريل 2014

برنامج حافل في مهرجان إسطنبول السينمائي





 




تشير ملامح الدورة الثالثة والثلاثين من مهرجان إسطنبول السينمائي الدولي إلى الطموح الكبير الذي يدفع القائمين على أمر هذا المهرجان المرموق إلى الانفتاح على كل التجارب السينمائية في العالم، مع عدم إغفال ذلك الاهتمام المعتاد بالسينما التركية، فالهدف الأساسي لأي مهرجان سينمائي هو تطوير السينما المحلية في البلد الذي يقام فيه المهرجان، وليس مجرد تحقيق عروض للمتعة والتسلية للجمهور لبعض الوقت ثم ينتهي الأمر.


وأساس اهتمام ضيوف المهرجان الأجانب والنقاد والمتخصصين والسينمائيين، يتجه عادة الى الإطلاع على طبيعة النشاط السينمائي في الدولة المضيفة وليس فقط متابعة الأفلام التي تتنافس على الجوائز، أو تلك التي تعرض في البرامج الموازية التي تتوجه في الأساس ، إلى جمهور البلد الذي ينظم المهرجان.

وإذا عدنا إلى تاريخ مهرجان إسطنبول الدولي سنجد أنه نشأ في بدايته، عام 1982، كأسبوع سينمائي باسم "أيام إسطنبول السينمائية الدولية" كجزء من مهرجان إسطنبول للفنون، ثم أصبح حدثا سينمائيا مستقلا بذاته في 1984 ، وفي العام التالي بدأ الأسبوع (أو الأيام) في تنظيم مسابقتين، الأولى دولية، والثانية للأفلام التركية.  وفي عام 1989 أصبح "الأسبوع السينمائي" مهرجانا دوليا حصل على اعتراف الاتحاد الدولي لمنتجي الأفلام (الفياف) وأصبح ينظم مسابقة متخصصة تعرض الأفلام اتي تدور حول الفن والفنانين أو الأفلام المقتبسة عن أعمال أدبية.

وقد أصبح المهرجان ينظم منذ 2006، لقاءات بين المنتجين الأوروبيين ونظرائهم الأتراك بغرض تشجيع التعاون في مجال الإنتاج المشترك تطورت هذه اللقاءات إلى ورشة مكثفة لتقييم ودعم المشاريع السينمائية، كما يقيم المهرجان منذ 2007، مسابقة للأفلام التي تتناول مواضيع تتعلق بحقوق الانسان، ويمنح جائزة لأحسن فيلم في هذا المجال باسم جائزة المجلس الأوروبي لحقوق الانسان.

يعرض المهرجان أكثر من 200 فيلم، ويبلغ عدد المترددين على عروضه نحو 190 ألف شخص، وهو مهرجان طويل نسبيا إذ يستغرق 16 يوما. والدورة الجديدة وهي الثالثة والثلاثون، ستقام في الفترة من 5 إلى 20 أبريل 2014.

ينقسم إلى أقسام عديدة تغطي كل الاهتمامات وأنواع الأفلام، من الكلاسيكية إلى التسجيلية والروائية والتحريك وافلام الاطفال وافلام الشباب، إلى جانب المسابقة الدولية ومسابقة لأفلام حقوق الإنسان.

تشمل المسابقة الدولية عرض 12 فيلما من بولندا وبلجيكا وفرنسا وكندا وأيسلندا وألمانيا وإيطاليا والنرويج والسويد وبريطانيا واستراليا وأيرلندا.  أفلام المسابقة هي "20 ألف يوم على الأرض" للمخرج البريطاني إيان فورسايث، و"تربتيك" TRIPTYQUE  للمخرج الكندي روبير لوباج، و"فيوليت" للفرنسي مارتن بروفوست، و"عمياء" أول أفلام المخرج النرويجي إسكيل فوغت، و"أنا ونفسي وأمي" Me, Myself and Mum للمخرج والممثل الفرنسي عليوم غليين، و"تلك السنوات السعيدة" للمخرج الإيطالي دانييل لوتشيتي، و"بابسوزا" لاثنين من المخرجين البولنديين، عن حياة الشاعرة والمغنية الغجرية البولندية الشهيرة برونسلافا فايس التي عرفت باسم "بابسوزا" PAPUSZA .

لقراءة باقي المقال انقر على الرابط هنا

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger