وتولى موللر بعد ذلك منصب مدير مهرجان لوكارنو الذي رحب بالأعمال الجديدة لأسماء البكري ويسري نصر الله ومحمد ملص والناصر الخمير وغيرهم. لكن موللر أهمل السينما العربية وأخذ يتعامل معها بالجملة، متناسيا أن هناك سينما مصرية عريقة تملك وحدها تراثا أكبر من تراث 7 من دول أورونبا الغربية مجتمعة، والسينما السورية، والسينما اللبنانية، ولا يهتم بالتعامل مع المواهب الجديدة التي تنشأ في هذه البلدان بل يكتفي بفيلم واحد (عادة من المغرب العربي وممل فرنسيا) للقول إن السينما العربية ممثلة والسلام. وقدحملت تساؤلاتي وذهبت إلى لقاء نوللر لكي أعرف منه كيف يعمل وماذا يتوقع للمستقبل، وأيضا أواجهه بما يقال عنه ومن تعمده تهميش الأفلام العربية. وقد دار حواري معه على النحو التالي:
** أولا حدثنا عن طريقتك في العمل لإقامة مهرجان كبير بحجم فينيسيا سنويا.. هل تعتمد على لجان للمشاهدة والاختيار أم تشاهد الأفلام بنفسك خصوصا أفلام المسابقة؟
* أولا المهرجان جزء من مؤسسة كبيرة هي مؤسسة بينالي فينيسيا للفنون، وهي مؤسسة تقيم مهرجانات للمسرح والموسيقى وتنظم معارض مختلفة للفنون التشكيلية والعمارة، ولذلك لدينا أطقم مدربة من الموظفين على درجة عالية من الكفاءة تعمل على مدار العام. أما بالنسبة للاختيار فلدينا نظام متكامل من المستشارين والمراسلين.
هناك درة بو شوشة، وهي تونسية لكنها تنتقل إلى مهرجانات وبلدان كثيرة، وقد أصبحت حاليا مديرة مهرجان قرطاج السينمائي، وهي ترشح الأفلام لنا. ثم لدينا لجنة اختيار تتكون من 5 أشخاص معظمهم من الشباب بين 30 و40 عاما، ثم هناك أنريكو ماجريللي الذي يقوم بدور "كاجيموشا" أو الرجل البديل لي شخصيا، وكنا قد بدأنا العمل معا لمهرجان فينيسيا في عام 1979 أي منذ حوالي 30 عاما.
ما يحدث هو أننا نشاهد الأفلام معا، ولكن لا أستطيع مشاهدة كل الأفلام لأنني أكون أحيانا مشغول في الرد على مكالمات هاتفية ومخاطبة السينمائيين ومكاتبتهم عن طريق البريد الالكتروني. لقد شاهدنا جميعا معا حوالي 3 آلاف فيلم طويل، شاهد المراسلون والمستشارون منها حوالي النصف، أما النصف الآخر فقد شاهدت منه حوالي 800 فيلم. وأنا أفضل الترحال بنفسي خصوصا إلى آسيا لأنني أتكلم عدة لغات آسيوية، إلى الصين وهونج كونج وتايوان واليابان. ولدينا أحد المساعدين في لجنة الاختيار يجيد اللغتين الكورية والأندونيسية، ةقد قضى حوالي شهرين في فيتنام وتايلاند وكوريا.
** وهل أنت سعيد باختيارات هذا العام خاصة أفلام المسابقة الرئيسية التي تضم فيلمين من أفلام الرسوم من اليابان، أليس معنى هذا أنك ربما أردت ان تستكمل العدد الى 21 فيلما بينما كان يمكن الاكتفاء بـ 19 فيلما مثلا أو 20.
* لقد اخترنا 21 فيلما لأن الأفلام فرضت نفسها. إذا لم تكن قد شاهدت فيلم المخرج الياباني هايو ميازاكي إذهب وشاهده بعد ظهر اليوم لأنه أحد الأفلام التي تدخل السعادة على القلب وتجعل المرء يتمتع بالحيوية لمدة يومين أو ثلاثة على الأقل. أما فيلم الرسوم الياباني الثاني فهو فيلم مختلف تماما وقريب من عالم بيتر بان الذي نعرفه جيدا في مجتمعاتنا المعاصرة.
* كان يهمنا كثيرا تقديم فيلم مثل الفيلم المصري الذي حصل على جائزة أحسن فيلم في مهرجان تاورومينا وهو فيلم "عين شمس" للمخرج ابراهيم البطوط، لكن لم يتقدم أحد بالفيلم إلينا، وقد عرفنا عنه بعد أن كان الوقت قد أصبح متأخرا. وقد ضمته مندوبة المهرجان درة بوشوشة إلى أفلام مسابقة مهرجان قرطاج.
كان هناك فيلم مصري كنت أرغب تماما في العثور على مكان له في المهرجان وهو فيلم "خلطة فوزية" لمجدي أحمد علي. وأنا من المعجبين بالأفلام التي يصنعها مجدي لأنه واحد من السينمائيين القليلين في مصر الذين يعملون عند الخط الرفيع بين الفيلم الفني والفيلم التجاري، بين الجماهيري والنخبوي، وهو يفعل هذا في فيلمه الجديد الذي أعجبني حقا. ولكن لأنني يجب أن أشرك لجنة الاختيار معي، كنا في حاجة إلى أن نرى هذا الفيلم قبل فترة كافية وأن نناقشه، لكنه لم يصل إلينا إلا يوم 20 يوليو الماضي ونحن ننتهي من الاختيارات، وقد شاهد أعضاء اللجنة الفيلم ولم يفهموه. لم يفهموا أهمية الفيلم أو جرأته. لكني لا أحاول التماس الأعذار لهم. ولكن يجب أن تعلم أنه في توقيت صعب كهذا يجب أن يحصل الفيلم على إجماع اعضاء اللجنة على الفور لكي يشارك، وإلا يستبعد. وهذا للأسف ما حدث. ولم أستطع إعادته للمناقشة مرة أخرى.
أعتقد أنه يتعين علينا أن نجذب اهتمام السينمائيين العرب إلى مهرجان فينيسيا بأن نبذل جهدا أكبر، أعرف أن المخرجين مهتمون بالأمر أما منتجو الأفلام فليس لديهم اهتمام بالمهرجانات الدولية الكبيرة.
* لا أعرف ما إذا كان هذا ما نريده، بمعنى أننا لن نستطيع أن نكون مهرجانا له سوق كبير للأفلام لأن مواعيد اقامة المهرجان ليست مناسبة. فلأن مهرجان فينيسيا ينعقد في أواخر الصيف وبداية الخريف فنحن نريد أن نسلط الإضواء على أفلام جديدة ستعرض خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة في العام قبل هجوم أفلام أعياد الكريسماس، لأن الأفلام التي نعرضها هي أفلام جادة تحتاج إلى جمهور مختلف أكثر معرفة وثقافة. "
مشكلتنا هي أننا نخضع لنوع من رقابة السوق التي تفرض أفلاما معينة في ايطاليا وفي البلدان الأوروبية المجاورة. وهذا يشمل استبعاد الأفلام العربية والأفريقية. لا أعتقد أنه تم توزيع أي فيلم عربي أو افريقي في ايطاليا خلال الثمانية عشر شهرا الأخيرة. ولهذا السبب نحن في حاجة إلى مهرجانات لليسنما، وأيضا هذا يجعلني أحرص على احترام آراء لجنة الاختيار التي تضم نقادا من الشباب أساسا، لأنهم يقولون لي ما هي الأفلام التي يمكنها أن تستمر في الحياة بعد عرضها في المهرجان وتجد طريقها للتوزيع. وهذه أيضا إحدى مهامنا أي ضمان حياة أطول للأفلام فيما بعد المهرجان. القصر الجديد للمهرجان سيضم قاعات للاجتماعات وقاعات للمشاهدة ويسعى لجعل فينيسيا مدينة حية طوال العام.
المنتجون السينمائيون الجدد الذين يتمتعون بالحيوية في العالم العربي يعرفون أنني عندما أنشأت جوائز هيوبرت بالس في مهرجان روتردام، ثم نظام دعم الأفلام في لوكارنو، كان هدفي الأساسي أن يكون لدينا مهرجان للأفلام الموجودة، ومهرجان للأفلام التي نريدها أن توجد، المنشآت الجديدة أيضا سيكون لها مضمون، وبهذا المعنى يمكنني أن أجيب عن سؤالك الخاص بعلاقتنا بالعالم العربي والسينمائيين العرب بأننا سنسعى لتحسين علاقتنا بالمشرق.
** ماذا يعني لديك إهداء هذه الدورة من المهرجان للسينمائي المصري الراحل يوسف شاهين؟
* أعتقد أنه بسبب الوضع الحالي للسينما فنحن في حاجة للعودة إلى الفنان نفسه وعالمه، إلى فنان وإنسان رائع أحب السينما الأمريكية، ودرسها وعرف ما يأخذه منها وما يتركه، ثم ابتكر سينما جيدة، هو والمخرج السنغالي عثمان سمبان الذي كان أيضا صديقا مقربا، وربما كان يتعين علي أن أهدى الدورة الماضية إلى سمبان.
لقد علمنا الإثنان أن السينما هي الأفلام التي نشاهدها، وكان يوسف شاهين يتعامل مع كل فيلم جديد يخرجه كما لو أن السينما لم تخترع بعد، وكان بالتالي يتيح لنفسه الفرصة للابتكار والخلق، وهذا النوع من الحرية هو شئ نفتقده بشدة اليوم.
0 comments:
إرسال تعليق