الجمعة، 19 سبتمبر 2008

"القاهرة" بوق فاروق حسني


وزير الثقافة المصري فاروق حسني رجل يؤمن بالحلول العملية، ولا يكتفي بتقريب حفنة من الصحفيين منه لنشر أخباره وإجراء المقابلات معه، أو بتعيين مستشار إعلامي له يرد على أجهزة الإعلام، ويصادق رؤساء التحرير، ويدعو هذا أو ذاك على الغذاء أو العشاء (لزوم الشغل). وفي حالة وجود أزمة ما قد تؤثر على صورة الوزير، وهيبة الوزير أمام الرأي العام، يقوم هذا المستشار الإعلامي الذي هو في حقيقة الأمر، عبارة عن "منظفاتي" لصورة الوزير، بجمع أصدقائه من الإعلاميين الذين يعتمد عليهم الوزير (مقابل حصولهم على مزايا وخدمات خاصة بالطبع وليس لجمال عينيه) ويضع الجميع خطة المواجهة الأزمة.هذه التفاصيل ليست من وحي الخيال كما قد يتصور البعض بل كلها منشورة في كتاب "مثقفون تحت الطلب" الذي كتبه ونشره على نفقته الخاصة المستشار الاعلامي السابق لفاروق حسني طيلة 15 عاما محمد عبد الواحد.
أقول إن الوزير لم يكتف بهذا كله، بل فعل ما لم يفعله أي وزير آخر، وكأنه امتلك جزءا من تركة الدولة، آل إليه في غياب أي محاسبة أو حساب، فقد اصدر قبل أكثر من 8 سنوات جريدة خاصة أسبوعية هي جريدة "القاهرة" التي أطلق عليها أستاذنا الناقد الكبير فاروق عبد القادر لفظا آخر مناسبا لاداع لذكره هنا.هذه الجريدة صدرت بصبغة "يسارجية" جدا، بعد أن اختار الوزير بفراسته المعهودة، "يسارجيا" سابقا انتحر في أحضان نظام فاسد من أجل حفنة جنيهات ملوثة. هذا الصحفي الشاطر هو صلاح عيسى الذي عرف في زمن السادات بمشاغباته الطفولية للسلطة.
صلاح عيسى تولى إعداد واخراج صحيفة "القاهرة" لكي تصبح بوق الوزير، ولكن في صورة عصرية، فهي تستكتب كل إخواننا المظاليم من الكتاب والصحفيين الباحثين عن النشر بأي طريقة كانت بعد أن فسد سوق الصحافة وأصبح خاضعا بالكامل لتوجيهات الأمن من ناحية، ومصالح رجال "البيزنس" من ناحية أخرى.العدد 437 من الجريدة المذكورة (بتاريخ 2 سبتمبر) ينشر مثلا صفحة كاملة تحت عنوان "الوزير الفنان فاروق حسني في زيارة لأكاديمية الفنون". وكأن الفنان قام بغزو عكا، ولم يزر أحد المباني التابعة لوزارته. والأكاديمية الآن يسيطر عليها الأخ يحيي سومثنج، (أو سومثنج يحيي لا فرق) العميد الذي حولها بدوره إلى اقطاعية خاصة ورثها عن السيد والده، واخذ يعيث فيها فسادا مشهودا أصبح خلال العام الأخير حديث الصحافة المصرية حتى الحكومية منها، دون أن أي رد فعل من "الفنان" سوى إخراج لسانه للأكاديميين والطلاب المضطرين للتعامل مع تلك الأكاديمية.وفي العدد نفسه أيضا أخبار أخرى بارزة عن الوزير (وزير غالبا من الوزر حسب ما علمنا الشاعر نجيب سرور!) وأعماله الكثيرة الاستعراضية مثل: "فاروق حسني في الملتقى الثقافي باتحاد الكتاب".
وطبعا محظور تماما نشر أي مقال ينتقد الوزير أو سياسات الوزارة، بل وكان هناك عمود ثابت في وقت ما يكتبه "صحفجي" معروف باسم مستعار يهاجم فيه كل من ينتقد الوزير أو وزارته، ويشن حملات تشويه شخصية مباشرة ضد منتقديه.لكن الأكثر مدعاة للسخرية هو أن جريدة الوزارة تستغل الصحفيين والنقاد والكتاب أبشع استغلال، فهي لا تدفع لهم أجورا أو مكافآت، وإذا دفعت فإنها تدفع مبالغ أقل ما يقال عنها إنها أقرب ما تكون إلى "إعانة تسول"، مبالغ هزيلة مهينة تصل إلى ما يوازي سعر زجاجة من زيت الطعام، بينما يحصل رئيس تحريرها على مبلغ فلكي شهريا من عرق الصحفيين البؤساء.
وتتبع "القاهرة" خطى مدرسة صحفية عفا عليها الدهر، نستطيع أن نطلق عليها "صحافة اللطع" أي أن صفحاتها تمتلئ باللطع (نسبة إلى لطع دودة القطن) أو المقالات والمواضيع والأخبار المتناثرة المتكاثرة التي تزحم الصفحة من أعلاها ومن أسفلها وفي منتصفها، وتمتلئ بالأسماء والأعمدة والشبابيك والأبواب في شكل متنافر يجعلك تعجز عن متابعة أي شئ فيها بأي درجة من درجات التركيز.
وعلى رأي المثل: أبو بلاش كتر منه، فالمناضل السابق المنتحر في أحضان الدولة لا يتابع الصحافة العالمية، فضلا عن أنه لا يتابع حتى الصحافة العربية المتطورة التي تصدر خارج مصر، والتي أصبحت صفحاتها الثقافية مثالا على الاحترام والرصانة والرونق بعيدا عن تلك "الزغللة البصرية" المؤذية والملوثة للعين.غير أن السؤال الأهم هو: وهل من حق الوزير، فنانا كان أم غير فنان، أن يستهلك أموال الدولة في تلك الترهات أو الدعاية لنفسه وإنجازاته الباهرة، ومن أجل ضمان تركيع "المناضل" السابق واستغلاله كـ"مقاول انفار" يجلب المقالات من النقاد والكتاب المحاصرين الذين لا يجدون مكانا ينشرون فيه كتاباتهم، باسم الثقافة، وباسم الحرية. وياأيتها الحرية.. كم من الجرائم ترتكب باسمك!

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger