لولا التكنولوجيا الجديدة ما كانت هذه المدونة، ولا كنت أستطيع ان أكتب فتصل كلمتي فورا إلى القارئ المفترض (ليتني أعرف أين هو، ومن هو بالضبط، وحتى الذين يعلقون على ما أنشره من حين إلى آخر، يفضلون إخفاء هوياتهم رغم أنها أساسية إذا كنا نسعى حقا للتواصل الحقيقي معا.. أليس كذلك؟).
التكنولوجيا الجديدة هي التي جعلتنا نفكر بسرعة وننفذ بسرعة أكبر، نحصل على المعلومة بشكل أسهل كثيرا عما كان في المضي.
كنا في الماضي مثلا (في العصر الكربوني.. نسبة إلى ورق الكربون الذي كنا نستخدمه في كتابة أكثر من نسخة من المقال الواحد.. واحدة للنشر وأخرى للحفظ في الأرشيف الشخصي) نعاني كثيرا من أجل الحصول على معلومات عن المخرجين والأفلام. وكنا نتزاحم على المكاتب الصحفية في مهرجانات مثل فينيسيا وغيره، للحصول على المطبوعات والصور. أما اليوم فأجد أمامي يوميا أطنانا مما يوجد في صناديق الصحفيين هنا في فينيسيا وقد ألقي بها الصحفيون مباشرة في سلال القمامة، أي أخرجت من الصناديق إلى القمامة مباشرة. وأنا أيضا أفعل مثلهم، أكتفي بإلقاء نظرة عابرة لاستطلاع ما هو منشور في الملف الصحفي أو النشرات الصحفية ثم ألقي معظم ما يقع بين يدي في القمامة.
السبب؟ يعود في تصوري إلى أن شبكة الانترنت توفر كل هذه المعلومات لكل من يستطيع استخدام جهاز الكومبيوتر (عفوا لا أحب كلمات سخيفة مفتعلة مثل الحاسوب أو الشريط لوصف الفيلم أو الخيالة لوصف السينما مع الاعتذار لمن يصرون على تعريب كلمات دخلت كل اللغات الحية وأصبحت جزءا من نسيجها). فما الداعي إذن لحمل أطنان من الورق في حقائبنا طالما أن من الممكن الحصول على ما نريد بكل بساطة. وخصوصا بعد أن وضعت المكاتب الصحفية للمهرجانات كل المعلومات على مواقعها على الانتلرنت؟ هذا أمر لم يكن متخيلا في الماضي.
الشئ الآخر أن بوسعك اليوم تنزيل الصور مباشرة من الموقع المخصصة لذلك ونشرها في ثوان معدودة دون حاجة إلى التقاتل والتزاحم للحصول على الشرائح الملونة ثم استخدام نظام فصل الألوان وغير ذلك من الطرق القديمة في النشر الصحفي.
والحصول على الفيلم نفسه أو تسجيل صوتي للمخرج أو مقابلة بالفيديو لأي سينمائي أصبح أيضا ممكنا ومن الممكن نشره على مواقع الانترنت (يفضل أيضا بعض الإخوة أنصار تعريب ما لا يعرب أن يطلقوا عليها الشبكة العنكبوتية، وهي تسمية تجعل بدني يقشعر لأنني لا أحب العناكب أو العنكبوتيات خاصة من ينتمي منهم للبشر)!
تكنولوجيا الصورة أيضا أصبحت اليوم جزءا لا يتجزأ من الفيلم السينمائي. فلولا ما قطعته البشرية في هذا المجال (آسف أقصد البشرية مطروحا منها العالم العربي) لما أمكن تحقيق الكثير من الأفلام الحديثة وإلا لكانت ميزانية بعض الأفلام تتجاوز المليار دولار؟.
طبعا في بلادنا العزيزة لايزال هناك مخرجون لا يمكنهم شراء سيارة جديدة لتحطيمها أو نسفها مثلا في فيلم سينمائي، فالمنتج لا يمكنه أن يتحمل هذا، بل وقد عرفت منتجا سينمائيا يرفض شراء صالون من الكراسي والكنبات لحرقه وأصر على استخدام صالون مستعمل من بيته.
أين نحن من التكنولوجيا؟ سؤال يتردد كثيرا جدا في الصحف العربية، والمؤتمرات العربية، ومحطات التليفزيون العربية، دون أن يملك أحد إجابة حقيقية عنه.
أين نحن من التكنولوجيا سؤال يقتضي العودة لفحص منظومة التعليم بأكملها، ومعرفة ماذا ندرس للطلاب، وما هو المطلوب منهم أكثر من النجاح في الامتحان (والحصول على الشهادة)، وهل المجتمع نفسه يرحب أصلا بفكرة العمل والابتكار والعلم، أم يميل أكثر إلى الخرافة والقيم التواكلية و"مشي حالك ياعم الحاج"؟
وسيدفعنا التفكير أيضا إلى تأمل حالة الانحطاط التي وصلت إليها النخبة التي يفترض أن تقود أي مجتمع نحو التنوير. ماذا يكتب عباقرة الصحف الرسمية من أساتذة الجامعات، وماذا يقول أئمة المعارضة التي لا تريد أكثر من مكان لها على هامش السلطة.. في المعارضة أيضا.. فهل هناك من يجرؤ على اعتبار نفسه بديلا للسلطة.
حتى فكرة النقد في حد ذاتها مازالت غير مرغوب فيها تماما، فهناك من يعتبر النقد خروجا على الإجماع أو ما يطلقون عليه- وهو تعبير هزلي في رأيي يقصد به عادة إرهاب الآخرين - (ضمير الأمة). وهناك من يعتبرون أن كل من ينقد هو حاقد، أو غيور، أو يسعى للفتنة والتخريب، أو في أفضل الأحال "يريد شيئا".
أعتذر فقد سرحت بعيدا عن فينيسيا التي أوجد فيها الآن لكن الأوجاع كثيرة، بل وتصبح أكبر عندما تجد نفسك في بيئة مختلفة، تسير الأمور فيها بشكل طبيعي بعيدا عن المساخر التي نعرفها وخبرناها جيدا في المهرجانات العربية. فأنت تذهب عادة لتكتشف أن "تكنولوجيا" مهرجانات العرب لم تخترع المقص بعد. فقد حدث أنني اكتشفت عندما ذهبت في أحد المهرجانات لاستلام البطاقة الصحفية أنها ليست جاهزة لأن الصورة التي كنت قد أرسلتها لهم كبيرة بعض الشئ وفي حاجة إلى مقص لتصغير أجزاء منها قبل لصقها على البطاقة.
وفي وقت آخر كانوا يفرضون على كل صحفي يزور المهرجان أن يتوجه بنفسه إلى مقر المهرجان البعيد تماما عن الحدث نفسه، لكي يدخل في غرفة مظلمة ليصورونه ثم يعرضون بطاقته على سعادة رئيس المهرجان شخصيا لتوقيعها بنفسه (لابد من التوقيع والختم!!).
الصديق الرائع مهندس الديكور صلاح مرعي أضحكني وأبكاني كثيرا عندما كنا نتعاون معا في اقامة مهرجان الاسماعيلية السينمائي عام 2001 فقد أراد عمل بطاقات لكل الصحفيين والضيوف تحمل ألوانا معينة حسب نوعيتهم (صحافة، سينمائي، ضيف..). واقترحت اسناد الأمر إلى شركة متخصصة بحيث تكتب الأسماء بالعربية والافرنجية وتغلف بالبلاستيك. لكنه أصر على أن يتولى بنفسه عملها على الكومبيوتر الشخصي في منزله ويصممها بنفسه (لا أدري لماذا). وقد تأخر بالطبع كثيرا بسبب انشغاله في عشرات الأشياء الأخرى. وكنت قلقا لأن الناحية الأمنية تستدعي التدقيق فيمن يدخل وفيمن يخرج خاصة وأن المهرجان اقيم بعد 11 سبتمبر بشهر ونصف فقط. وكان الأمن قلقا للغاية. وعندما أتى صلاح مرعي بالبطاقات في النهاية، لم تكن هناك حاجة إليها، فقد اكتشفنا أن المهرجان نفسه أصبح مفتوحا لكل من هب ودب، بل وكانت هناك حملات لتشجيع أهل المدينة للنزول من منازلهم والتوجه إلى قاعات العرض مجانا لكي لا تقتصر العروض على الضيوف والصحفيين ومحبي السينما الذين أتوا من القاهرة بحافلات خاصة وفرناها لهم. ووقف الأمن يتفرج مع المتفرجين القلائل، ودفع أحدهم بابا للخول كان مغلقا في قصر ثقافة الاسماعيلية فانكسر الباب.. ووقف الأمن يتفرج.. بالله عليكم: لماذا يعكر الأمن صفو حياتنا ليلا ونهارا ثم لا يفعل ما يتعين عليه أن يفعله وهو توفير الحماية للضيوف الأجانب على الأقل!
صباح الخير. وسلم لي على التكنولوجيا ياريس!
التكنولوجيا الجديدة هي التي جعلتنا نفكر بسرعة وننفذ بسرعة أكبر، نحصل على المعلومة بشكل أسهل كثيرا عما كان في المضي.
كنا في الماضي مثلا (في العصر الكربوني.. نسبة إلى ورق الكربون الذي كنا نستخدمه في كتابة أكثر من نسخة من المقال الواحد.. واحدة للنشر وأخرى للحفظ في الأرشيف الشخصي) نعاني كثيرا من أجل الحصول على معلومات عن المخرجين والأفلام. وكنا نتزاحم على المكاتب الصحفية في مهرجانات مثل فينيسيا وغيره، للحصول على المطبوعات والصور. أما اليوم فأجد أمامي يوميا أطنانا مما يوجد في صناديق الصحفيين هنا في فينيسيا وقد ألقي بها الصحفيون مباشرة في سلال القمامة، أي أخرجت من الصناديق إلى القمامة مباشرة. وأنا أيضا أفعل مثلهم، أكتفي بإلقاء نظرة عابرة لاستطلاع ما هو منشور في الملف الصحفي أو النشرات الصحفية ثم ألقي معظم ما يقع بين يدي في القمامة.
السبب؟ يعود في تصوري إلى أن شبكة الانترنت توفر كل هذه المعلومات لكل من يستطيع استخدام جهاز الكومبيوتر (عفوا لا أحب كلمات سخيفة مفتعلة مثل الحاسوب أو الشريط لوصف الفيلم أو الخيالة لوصف السينما مع الاعتذار لمن يصرون على تعريب كلمات دخلت كل اللغات الحية وأصبحت جزءا من نسيجها). فما الداعي إذن لحمل أطنان من الورق في حقائبنا طالما أن من الممكن الحصول على ما نريد بكل بساطة. وخصوصا بعد أن وضعت المكاتب الصحفية للمهرجانات كل المعلومات على مواقعها على الانتلرنت؟ هذا أمر لم يكن متخيلا في الماضي.
الشئ الآخر أن بوسعك اليوم تنزيل الصور مباشرة من الموقع المخصصة لذلك ونشرها في ثوان معدودة دون حاجة إلى التقاتل والتزاحم للحصول على الشرائح الملونة ثم استخدام نظام فصل الألوان وغير ذلك من الطرق القديمة في النشر الصحفي.
والحصول على الفيلم نفسه أو تسجيل صوتي للمخرج أو مقابلة بالفيديو لأي سينمائي أصبح أيضا ممكنا ومن الممكن نشره على مواقع الانترنت (يفضل أيضا بعض الإخوة أنصار تعريب ما لا يعرب أن يطلقوا عليها الشبكة العنكبوتية، وهي تسمية تجعل بدني يقشعر لأنني لا أحب العناكب أو العنكبوتيات خاصة من ينتمي منهم للبشر)!
تكنولوجيا الصورة أيضا أصبحت اليوم جزءا لا يتجزأ من الفيلم السينمائي. فلولا ما قطعته البشرية في هذا المجال (آسف أقصد البشرية مطروحا منها العالم العربي) لما أمكن تحقيق الكثير من الأفلام الحديثة وإلا لكانت ميزانية بعض الأفلام تتجاوز المليار دولار؟.
طبعا في بلادنا العزيزة لايزال هناك مخرجون لا يمكنهم شراء سيارة جديدة لتحطيمها أو نسفها مثلا في فيلم سينمائي، فالمنتج لا يمكنه أن يتحمل هذا، بل وقد عرفت منتجا سينمائيا يرفض شراء صالون من الكراسي والكنبات لحرقه وأصر على استخدام صالون مستعمل من بيته.
أين نحن من التكنولوجيا؟ سؤال يتردد كثيرا جدا في الصحف العربية، والمؤتمرات العربية، ومحطات التليفزيون العربية، دون أن يملك أحد إجابة حقيقية عنه.
أين نحن من التكنولوجيا سؤال يقتضي العودة لفحص منظومة التعليم بأكملها، ومعرفة ماذا ندرس للطلاب، وما هو المطلوب منهم أكثر من النجاح في الامتحان (والحصول على الشهادة)، وهل المجتمع نفسه يرحب أصلا بفكرة العمل والابتكار والعلم، أم يميل أكثر إلى الخرافة والقيم التواكلية و"مشي حالك ياعم الحاج"؟
وسيدفعنا التفكير أيضا إلى تأمل حالة الانحطاط التي وصلت إليها النخبة التي يفترض أن تقود أي مجتمع نحو التنوير. ماذا يكتب عباقرة الصحف الرسمية من أساتذة الجامعات، وماذا يقول أئمة المعارضة التي لا تريد أكثر من مكان لها على هامش السلطة.. في المعارضة أيضا.. فهل هناك من يجرؤ على اعتبار نفسه بديلا للسلطة.
حتى فكرة النقد في حد ذاتها مازالت غير مرغوب فيها تماما، فهناك من يعتبر النقد خروجا على الإجماع أو ما يطلقون عليه- وهو تعبير هزلي في رأيي يقصد به عادة إرهاب الآخرين - (ضمير الأمة). وهناك من يعتبرون أن كل من ينقد هو حاقد، أو غيور، أو يسعى للفتنة والتخريب، أو في أفضل الأحال "يريد شيئا".
أعتذر فقد سرحت بعيدا عن فينيسيا التي أوجد فيها الآن لكن الأوجاع كثيرة، بل وتصبح أكبر عندما تجد نفسك في بيئة مختلفة، تسير الأمور فيها بشكل طبيعي بعيدا عن المساخر التي نعرفها وخبرناها جيدا في المهرجانات العربية. فأنت تذهب عادة لتكتشف أن "تكنولوجيا" مهرجانات العرب لم تخترع المقص بعد. فقد حدث أنني اكتشفت عندما ذهبت في أحد المهرجانات لاستلام البطاقة الصحفية أنها ليست جاهزة لأن الصورة التي كنت قد أرسلتها لهم كبيرة بعض الشئ وفي حاجة إلى مقص لتصغير أجزاء منها قبل لصقها على البطاقة.
وفي وقت آخر كانوا يفرضون على كل صحفي يزور المهرجان أن يتوجه بنفسه إلى مقر المهرجان البعيد تماما عن الحدث نفسه، لكي يدخل في غرفة مظلمة ليصورونه ثم يعرضون بطاقته على سعادة رئيس المهرجان شخصيا لتوقيعها بنفسه (لابد من التوقيع والختم!!).
الصديق الرائع مهندس الديكور صلاح مرعي أضحكني وأبكاني كثيرا عندما كنا نتعاون معا في اقامة مهرجان الاسماعيلية السينمائي عام 2001 فقد أراد عمل بطاقات لكل الصحفيين والضيوف تحمل ألوانا معينة حسب نوعيتهم (صحافة، سينمائي، ضيف..). واقترحت اسناد الأمر إلى شركة متخصصة بحيث تكتب الأسماء بالعربية والافرنجية وتغلف بالبلاستيك. لكنه أصر على أن يتولى بنفسه عملها على الكومبيوتر الشخصي في منزله ويصممها بنفسه (لا أدري لماذا). وقد تأخر بالطبع كثيرا بسبب انشغاله في عشرات الأشياء الأخرى. وكنت قلقا لأن الناحية الأمنية تستدعي التدقيق فيمن يدخل وفيمن يخرج خاصة وأن المهرجان اقيم بعد 11 سبتمبر بشهر ونصف فقط. وكان الأمن قلقا للغاية. وعندما أتى صلاح مرعي بالبطاقات في النهاية، لم تكن هناك حاجة إليها، فقد اكتشفنا أن المهرجان نفسه أصبح مفتوحا لكل من هب ودب، بل وكانت هناك حملات لتشجيع أهل المدينة للنزول من منازلهم والتوجه إلى قاعات العرض مجانا لكي لا تقتصر العروض على الضيوف والصحفيين ومحبي السينما الذين أتوا من القاهرة بحافلات خاصة وفرناها لهم. ووقف الأمن يتفرج مع المتفرجين القلائل، ودفع أحدهم بابا للخول كان مغلقا في قصر ثقافة الاسماعيلية فانكسر الباب.. ووقف الأمن يتفرج.. بالله عليكم: لماذا يعكر الأمن صفو حياتنا ليلا ونهارا ثم لا يفعل ما يتعين عليه أن يفعله وهو توفير الحماية للضيوف الأجانب على الأقل!
صباح الخير. وسلم لي على التكنولوجيا ياريس!
0 comments:
إرسال تعليق