الأربعاء، 9 يناير 2013

أحداث أهم عام في التاريخ 1968 في فيلم تسجيلي




أمير العمري


من أجمل الأفلام التسجيلية التي أعجبتني فيلم "68" (90 دقيقة) للمخرج الفرنسي باتريك روتمان. وقد أخرج روتمان فيلمه هذا عام 2008  وهو يعتمد على كم هائل من الوثائق المصورة، منها الكثير من الوثائق النادرة التي نراها للمرة الأولى، منها لقطات بالألوان لانتفاضة مايو 1968 في باريس.
كان المخرج روتمان في ذلك الوقت، أي قبل 40 عاما من صنع فيلمه، طالبا في السوربون، وقد شارك في الأحداث كما كان شاهدا عليها. وقد ظل يبحث فيما وقع في 68 واصدر كتابا مهما في الموضوع، ثم جاء هذا الفيلم الذي لعل أكثر ما يميزه أنه يربط بين ما حدث في فرنسا في ذلك الصيف، وبين ما كان يحدث في العالم في تلك السنة المميزة في القرن العشرين.
لقد كان 1968 عام الثورة والغضب والتمرد والاحتجاج ضد الفقر والظلم والتفرقة العنصرية، والأهم ربما، أنه كان عام الاحتجاج والغضب على حرب فيتنام، وكان يمثل ايضا علامة فاصلة بين عصرين: عصر التقاليد العتيقة المحافظة، وعصر الفكر الجديد المنطلق والرغبة في نظام تعليمي جديد والاعتراف بالحقوق المدنية وإقرار مبدا الحرية الجنسية.
يأتي الفيلم في إيقاع ساخن لاهث سريع، مصحوب بالأغاني السياسية الغاضبة للفترة، وهي أغان لها معان واضحة محددة وكلماتها رقيقة بقدر ما هي عنيفة، أغاني جيمي هندركس وبوب ديلان وجيم موريسون وجانيس جوبلن وغيرهم.
وينتقل الفيلم من باريس إلى براغ، ومن واشنطن إلى المكسيك، ويشير إلى ما اجتاح، ليس فقط الدول الصناعية من حركات احتجاج، بل بلدان العالم الثالث أيضا.


ويصور انتفاضة "ربيع براغ" في تشيكوسلوفاكيا ضد البيروقراطية السوفيتية، ثم دخول قوات حلف وارسو إلى براغ، والمصير الذي انتهى إليه زعيم الحركة وزعيم الحزب الشيوعي وقتذاك الكسندر دوبتشك، ثم ينتقل إلى مقدمات وملابسات اغتيال مارتن لوثر كنج ثم روبرت كنيدي، حتى يصل إلى مصرع جيفارا.
لكن تبقى انتفاضة باريس بما لها وما عليها هي أساس الفيلم، ويستخدم المخرج ما توفر له من لقطات ووثائق لكي يجعلنا نرى كيف تحولت الحركة تدريجيا من حركة سلمية منظمة، إلى احتجاج غاضب ثم ما أدى إليه تدخل الشرطة العنيف إلى اتجاهها للعنف ثم انضمام العمال إلى الطلاب والمثقفين إلى الاضراب العام الذي شل البلاد والمعارك العنيفة التي دارت وأدت إلى تخريب قطاع كبير من باريس.
ويصور الفيلم كيف أدى هذا كله إلى تحول في موقف المتعاطفين مع الانتفاضة، واستغلال ديجول الموقف وإعلانه تدخل قوات الجيش لانقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي التام.
إنك تشاهد هذا الفيلم ولا تستطيع أن تدير وجهك ولو للحظة واحدة، رغم تدفق الصور واللقطات المباشرة الصادمة بكل ما تحتويه أحيانا من عنف وضراوة.

باتريك روتمان مخرج الفيلم

ويصور الفيلم دخول القوات السوفيتية وقوات حلف وارسو على اعاصمة الشتكية براغ، وكيف واجهها السكان.
إن الصورة هنا ليست للإثارة ولا لإطلاع المشاهد على ما حدث فقط، بل يستخدم المخرج أسلوبا تحليليا في قراءة الأحداث، سواء من خلال التعليق الصوتي المكتوب بعناية ودقة، أو من خلال التداخل بين الصور والتعليق والعناوين المكتوبة على الشاشة، واستخدام المقابلات المصورة من الفترة نفسها، والبرامج التليفزيونية والاذاعية والأغاني.
إن "68" أحد الأعمال الكبيرة في تاريخ الفيلم الوثائقي. ولحسن الحظ أن وسائل الاتصال أصبحت تجعله متوفرا بسهولة اليوم لمن يريد حقا أن يرى، وأن يتعلم!

ملحوظة: الفيلم متوفر على شبكة الانترنت في نسخة ناطقة بالفرنسية

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger