أمير العمري- سان سباستيان
سيكون هذا بلاشك،
"فيلم العام"، فمنذ عرضه في مهرجان فينيسيا- البندقية، اكتسب هذا الفيلم
قوة دفع جعلته يحل بالترحاب على مهرجان سان سباستيان وسط إقبال كبير من عشاق سينما
الصدمة والغرابة وتحديدا، أفلام المخرج النمساوي الشهير أولريش سيدل.
عنوان الفيلم بالألمانية هو Im Keller الذي يمكن ترجمته إلى "الطابق الأسفل" أي الذي يقع تحت مستوى الأرض. ويشار عادة إلى "الطابق الأسفل" الذي يقع تحت أرض البناية، باعتباره مكانا لإقامة وسكنى الفقراء وطبقة حراس العمارات في المدن العربية، بينما يبدو الأمر مختلفا في الثقافة الأوروبية وثقافة المجتمع النمساوي بوجه خاص، فالطابق الأسفل هنا امتداد طبيعي لمنازل طبقة بورجوازية المدن. صحيح أنهم لا يقيمون فيه، إلا أنه يعد لدى الكثيرين، الجزء الأهم من المنزل، الذي يختزنون فيه أسرارهم وخباياهم. الطابق الأسفل في فيلمنا هذا بالمفهوم الفرويدي، هو المقابل لما يطلق عليه فرويد "الأنا السفلى" أي الرغبات التي لا يمكن للمرء التعبير عنها أمام الآخرين، أسراره الداخلية، سلوكياته التي تتناقض مع صورته "الرسمية" على السطح، فهي تختزن الكثير من الأسرار التي تصل إلى أقصى درجات القسوة والشذوذ والانحراف.
عنوان الفيلم بالألمانية هو Im Keller الذي يمكن ترجمته إلى "الطابق الأسفل" أي الذي يقع تحت مستوى الأرض. ويشار عادة إلى "الطابق الأسفل" الذي يقع تحت أرض البناية، باعتباره مكانا لإقامة وسكنى الفقراء وطبقة حراس العمارات في المدن العربية، بينما يبدو الأمر مختلفا في الثقافة الأوروبية وثقافة المجتمع النمساوي بوجه خاص، فالطابق الأسفل هنا امتداد طبيعي لمنازل طبقة بورجوازية المدن. صحيح أنهم لا يقيمون فيه، إلا أنه يعد لدى الكثيرين، الجزء الأهم من المنزل، الذي يختزنون فيه أسرارهم وخباياهم. الطابق الأسفل في فيلمنا هذا بالمفهوم الفرويدي، هو المقابل لما يطلق عليه فرويد "الأنا السفلى" أي الرغبات التي لا يمكن للمرء التعبير عنها أمام الآخرين، أسراره الداخلية، سلوكياته التي تتناقض مع صورته "الرسمية" على السطح، فهي تختزن الكثير من الأسرار التي تصل إلى أقصى درجات القسوة والشذوذ والانحراف.
ربما لا يمكنك أن تعرف
تماما ما إذا كان فيلم "الطابق الأسفل" تسجيليا أم روائيا، فالنوعان
يختلطان هنا على نحو محير يدفع إلى التساؤل عما إذا كان المخرج يستمد أيضا من
خياله الخاص أحيانا. يفترض أنه فيلم تسجيلي، لكن مخرجه يكتب على الشاشة في بدايته
أنه "يستند إلى مفهوم وفكرة أولريش سيدل وفيرونيكا فرانز"- شريكته في
كتابة الفيلم. وفي مقابلة منشورة معه يقول إنه كان يدخل أحيانا بعض التعديلات على
سلوكيات بعض الشخصيات الحقيقية التي تعيش في مناطق متفرقة من النمسا، مذكورة بالإسم،
دون أدنى ممانعة من جانبها للظهور والكشف عما تخبؤه تحت الأرض.
يتدرج الفيلم، من تقديم
سلوكيات غريبة حقا ولكن "مقبولة" نسبيا، إلى سلوكيات أخرى تصل إلى أقصى
درجات العبث بالذات وبالجسد البشري وبالآخر، وهو "عبث" غرضه تحقيق
المتعة، فهذه الشخصيات تجد في الغرابة والانحراف عن السلوك السائد، لذة خاصة، لكن
الفيلم بالطبع، يستخدم ما يصوره لكي يكشف ويفضح ويسخر من تلك الطبقة وتوجهاتها
التي تصل إلى أقصى حدود الشذوذ والعنف. ورغم ما في الفيلم من قسوة، إلا أنه يتضمن
الكثير من العبث المضحك الساخر، والتعليق الذي يأتي من الصورة داخلها.
لاشك أن الفيلم جاء متأثرا باكتشاف
حالة النمساوي جوزيف فريتزل عام 2008، عندما توجهت امرأة في الثانية والأربعين من
عمرها، تدعى اليزابيث فريتزل، للشرطة وقالت إنها تمكنت من الفرار لتوها من قبو
داخل منزل الأسرة، احتجزها فيه والدها لمدة 24 سنة وأخذ يعتدي عليها جنسيا بانتظام
لسنوات، ومارس كل أشكال العنف، وأنها أنجبت نتيجة لذلك، سبعة أطفال من والدها. لكن
المؤكد أن حالة فريتز ليست وحيدة.
في الفيلم نرى أولا رجلا في
السبعين من عمره، يهبط إلى الطابق الأسفل من منزله لكي يمارس هوايته في غناء
الأوبرا وحده، ثم يدعو أصدقاءه للحاق به حيث يمارسون جميعا هواية إطلاق الرصاص،
ويتناقشون حول المسلمين والقرآن، بما يكشف عنصريتهم ورسوخ الصورة النمطية في
عقولهم عن "الآخر" وميلهم الدفين للعنف.
وهناك امرأة شابة (بدينة
شأن كل نساء أفلام المخرج سيدل!) تظهر عارية داخل دورة المياه الموجودة في الطابق
الأسفل، تقول إنها انتقلت من العمل في سوبرماركت إلى مجال أفلام
"البورنو" الإباحية، ثم إلى بائعة للجنس، ولكنها تحب أن تختلي بصديقها
(الذي نراه نحيفا جدا) تمارس معه كل الأشكال الجسدية الغريبة.
وهناك إمرأة تجاوزت الخمسين
من عمرها، تقيم مع زوجها في الطابق الأعلى، ولكننا نراها يوميا، في المساء، تغلق
الباب المؤدي الى الطابق الأسفل باحكام، وتتسلل الى أسفل، إلى غرفة مليئة
بالصناديق الكرتونية تحتفظ داخلها بدمى على شكل أطفال رضع، تفتح واحدة منها
وتتناول دمية منها، تداعبها وتهدهدها في حنان الأم، وتغني لها وكأنها طفلة حقيقية.
وهناك رجل في السبعين متزوج
لكنه يقضي أمسياته في الأسفل مع أصدقائه، يشربون ويستعيدون معا "الأمجاد
النازية" القديمة، وهو يعلق على الجدارن الكثير من الشعارات والصور والشارات
النازية، ويكشف ذات مرة، عن صورة ضخمة معلقة على الجدار لهتلر يقول إنها أعظم هدية
تلقاها في عيد ميلاده، وسط إعجاب وتهليل الحاضرين الذين يشربون معا "نخب
الفوهرر"!
وننتقل إلى امرأة
"مازوكية" بدينة عارية، تقول إنها تحب كل أنواع العنف، وإن الرجل لديها
هو الرجل العنيف الذي يمكنه أن يسيطر عليها ويهينها، ونرى رفيقها يضربها بالسوط
بينما هي تقوم باحصاء عدد الضربات!
وهناك زوجان يفخران بما
جلباه من رحلات صيد الى جنوب افريقيا، وقد علقا كل ما يمكن تخيله من رءوس
الحيوانات التي اصطادوها، فوق جدار "الطابق الأسفل" وكذلك كل أدوات
القنص والصيد. وفي مشهد آخر نرى امرأة تقيم مع رفيقها الذي يستمتع باذلالها له، ونراها
وهي ترغمه على تنظيف الحمام يوميا ولعق زجاج الحمام بلسانه عاريا تماما، يزحف على
الأرض في دعة واستكانة وهي تناديه بـ "الخنزير" وتأمره أن يؤدي أشياء
غريبة.
لقطات الفيلم طويلة
الكاميرا فيها ثابتة، والشخصيات تقف أمامها وكأنها تسجل للتاريخ دونما خجل أو وجل،
بل بنوع من الفخر أيضا. وقد اقتضى الأمر من المخرج سنوات من البحث إلى أن تمكن من
اقناع هؤلاء بالظهور في فيلمه، دون أن يدركوا بالطبع أنه يستخدم تلك المادة،
لتقديم صورة ساخرة من الطبقة الوسطى النمساوية التي يتهمها بالنازية والتطرف،
رابطا بين الموقف السياسي وبين الانحراف الجنسي والسلوكي.
يستخدم سيدل المونتاج في
الانتقال بين المشاهد ويربط بينها ببراعة، بحيث لا تشعر بالملل، بل ويمكنك أيضا
العثور على سمات مشتركة بين هذه الشخصيات المتفرقة، وهو مثلا يفاجئك بأن من يهوى
العزف على آلة موسيقية ما، من عشاق إطلاق النار، وأن من يعشق هتلر ومازال يؤمن
بعبقريته، يقود فرقة موسيقية. وهو يترك صاحب المنزل يصحبه بالكاميرا من أعلى إلى
أسفل، يقدم بنفسه وصفا لمنزله ولطابقه الأسفل بنوع من الزهو، ويستعرض ما يحتفظ فيه
من أسرار، ربما باستثناء المرأة التي تعشق دمى الأطفال، التي يعترف سيدل بأنها
كانت تحتفظ بتلك الصناديق في الطابق الأعلى من منزلها لكنه طلب أن يصورها في
الطابق الأسفل.
يقول سيدل: ربما يكون عدد
قليل هم من يحتفظون بصورة لهتلر يضعونها على جدران منازلهم، لكن الرفض والكراهية
أو اللامبالاة تجاه الآخر، يمكن العثور عليها في كل مكان".
ويعلق على ما يتضمنه الفيلم
من "نكات" لفظية كثيرة يلقيها الرجال- بقوله إن الضحك موجود في كل
أفلامه لكن الجديد في هذا الفيلم هي النكات القذرة التي يلقيها الرجال "إنهم يعبرون
عن الهواجس الجنسية لدى الذكور، عن العنصرية، والنظرة المتعالية الى الجنس الآخر،
في سياق يبدو "تعبيرا مرحا، مقبولا اجتماعيا. عادة قبل أن أقوم بتصوير مشهد
ما أسال نفسي: هل يتعين علي الضحك أم البكاء؟ ربما يجب أن أتابع هذه النقطة، وربما
يوما ما أخرج فيلما فقط عن النكات القذرة التي يلقيها الرجال!
0 comments:
إرسال تعليق