لا تقل الحقيقة عنهم وإلا فلن تدعى في المرة القادمة
بقلم سيمون هاتينسون
بقلم سيمون هاتينسون
(( ترجمت هذا المقال الطريف قبل أكثر من عشر سنوات عن صحيفة "الجارديان" البريطانية، ونشر ضمن فصول كتابي "النقد السينمائي في بريطانيا" الصادر عن مكتبة الاسكندرية عام 2004. وأهميته في كونه يكشف لنا تفاصيل خافية علينا، من عالم الصحافة السينمائية، ومن عالم السينما أيضا)).
في الأسبوع الماضي تلقيت مكالمة هاتفية من شركة "فوكس". وكان هذا شيئا مفاجئا لأن "فوكس" نادرا ما تتصل بالصحف ذات المستوى الرفيع، فهي تعرف أن "الخبطات" الصحفية ذات التأثير تختص بها عادة صحف "التابلويد" الشعبية، فإشاعة من النوع المتقن أو كلمة أو كلمتان عما شاهده الصحفي في عرض خاص لفيلم ما، قد يساهم في إنجاح الفيلم. وعلاوة على ذلك فقد أصبح روبرت ميردوخ هو الذي يمتلك شركة فوكس، وأصبح المجال بالتالي أوسع للترويج لأفلام الشركة في صحف التابلويد التي يملكها ميردوخ مثل "ذي صن" و"نيوز أوف ذي وورلد".
ولكن كان هناك سبب لهذه المكالمة، فقد نشر لي مقال صغير في ذلك اليوم ضمن ملحق الجمعة عن بيتي توماس مخرج فيلم "دكتور دوليتل" الجديد لإيدي ميرفي. لم يكن مقالا رصينا لكنه كان دقيقا وبعيدا عن الهجومية.
وجاء صوت مسؤولة العلاقات العامة في الشركة عبر الهاتف: "هالو سيمون.. مقالك عن بيتي توماس لم يكن لطيفا.. أليس كذلك؟".
ماذا كانت تقصد؟
"أتعرف.. كان مقالا حادا.. لم يكن إيجابيا".سألتها هل طلب أحد أن تبلغني بأن المقال لم يكن لطيفا؟ وجاءت الإجابة: نعم، لقد تلقيت مكالمة هاتفية من أمريكا وقالوا لنا أن نخبركم بأنهم غير سعداء بالمقال. ويقولون إنه في المستقبل، إذا كان هناك أي مستقبل....".
ولم تكمل مسؤولة العلاقات العامة العبارة، أو ربما أكملتها، لكني من شدة الصدمة لم أعد قادرا على سماع ما قالته بعد ذلك. والأمر المدهش أيضا أن مكالمتها معي جاءت في الساعة الثالثة بعد الظهر، أي في السابعة صباحا بتوقيت لوس أنجليس. وتساءلت أنا بصوت خفيض: في أي وقت بالضبط يستيقظ عادة أساطين السينما في لوس أنجليس ويبدأون في تمشية كلابهم!
إنني أذكر هذه المكالمة- وقد تكررت معي كثيرا خلال الأسابيع الماضية- لكي أوضح جانبا خطيرا أعتقد أن مشاهدي السينما لا يعرفون عنه الكثير، فبينما تزداد المساحة المخصصة للسينما في الصحافة، يتضاءل الاهتمام بنقاد السينما وبتوفير الظروف المناسبة لهم من أجل أداء وظيفتهم. وإذا كانت شركات الإنتاج تتهافت عادة على نشر ولو بضعة أسطر عن أفلامها، فإنها في الوقت نفسه ترغب في التحكم فيما ينشر.
قبل سنوات ذهبت في رحلة صحفية لزيارة ستديوهات شركة "يونيفرسال" لمشاهدة افتتاح مدينة الملاهي والخدع السينمائية التي استخدمت في فيلم "الحديقة الجوراسية" Jurasic Park وقد أجلسونا في مقاعد الدرجة الأولى في الطائرة، وقدموا لنا ما لذ وطاب من الطعام والشراب طوال الرحلة، وأنزلونا في فندق من الدرجة الأولى، بل ووضعوا رئيسة قسم العلاقات العامة في الشركة في خدمتنا.
عادة ما يردد مديرو العلاقات العامة في شركات السينما السؤال نفسه: ما رأيك؟ فقد كان رأيهم أن مدينة ملاهي الحديقة الجوراسية هي أعظم مدينة من نوعها في العالم. وكانت الإحصائيات لديهم جاهزة للبرهنة على ذلك. ولكنهم لم يعرفوا أن رأي الصحفيين لا يتكون إلا بعد الانتهاء من المشاهدة الفعلية وبعد نهاية الرحلة.
وسأل أحد الصحفيين ما إذا كان ممكنا أن يأخذونا في جولة داخل ديزني لاند، وهي مدينة الملاهي المنافسة لمدينة يونيفرسال. وغضبت مديرة العلاقات العامة من الاقتراح لدرجة أنها لم تستطع الرد على الصحفي. وبعد استشارة زملائها جاءت الإجابة بالرفض. وقد رفضوا أن يسمحوا لنا حتى بزيارة وسط لوس أنجليس لأنهم رأوا أن هذا الجزء من المدينة ربما لا ينعكس إيجابيا في مقالاتنا الصحفية عن الرحلة.
وبعد يومين من إعدادنا للحدث المنتظر، أخذونا أخيرا إلى مدينة الحديقة الجوراسية. ولسوء الحظ لم تكن قد اكتملت بعد، ولكن يونيفرسال كانت تأمل أن نكتب عنها كما لو كانت قد اكتملت بالفعل. وقالوا لنا إن المدينة الجوراسية أكبر من مجرد مدينة للملاهي، بل "تجربة" كبيرة، وكجزء من هذه التجربة الكبيرة قررت الذهاب إلى المقهى الجوراسي لكي أتناول سندوتشا من البرجر الجوراسي. وأخذت أتحدث مع رجل جوراسي كان يقوم بالخدمة في المقهى. كان شابا وسيما، وممثلا عاطلا عن العمل يعمل في المقهى مقابل أجر زهيد إلى حين يعثر على عمل في السينما. وأخذت أسأله عن أجره وعن طموحاته السينمائية، وفجأة وجدت مديرة العلاقات العامة تجذبني من ذراعي وتجرني بعيدا وهي تقول لي: لا أعتقد أن هذا الشخص يمكنه أن يساعدك كثيرا في كتابة مقالك الصحفي. عدني ألا تنشر شيئا مما قاله لك.
وبعد عودتي من الرحلة نشرت مقالا شديد النقد للنظام الشمولي في يونيفرسال. وكان من السهل أن أفعل ذلك بحكم أنني أتمتع بوظيفة دائمة في الصحيفة التي أكتب لها، ولكن المشكلة أن معظم الصحفيين الذين يذهبون في رحلات مثل هذه هم من الصحفيين الذين يكتبون بالقطعة، وهم يحرصون بالتالي على دعم علاقاتهم بشركات الإنتاج، فإذا طلبت منهم يونيفرسال عدم التحدث عن شخص قابلوه في مقهى ما فإنهم يحرصون على الالتزام بذلك.
إن ما تفعله شركات الإنتاج إذن أنها تلتف حول الصحف وتمنح بعض الصحفيين من الذين يكتبون بالقطعة المقابلات الصحفية بشكل مباشر. وهم يقولون لنا إن هذه الطريقة هي الأفضل لأن هؤلاء يمكن الاعتماد عليهم أكثر. وهذا صحيح، وللأسف فمعنى أنه يمكن الاعتماد عليهم أنهم ينقلون بشكل مباشر، المادة الصحفية الجاهزة التي تتضمنها المطبوعات الدعائية التي توفرها لهم شركات الانتاج للترويج لأفلامها دون محاولة لتكوين رأي خاص بهم. وهناك في لوس أنجليس، مجموعة من الصحفيين الذيم يعملون بالقطعة ويتمتعون بمعاملة "خاصة" من جانب شركات الانتاج. وهم يقولون لك إنهم في موقف لا يسمح لهم بأن يكونوا شرفاء، دعنا من التمتع بروح نقدية، لذا فإنهم يجلسون بهدوء حول الموائد المستديرة، يبتسمون بينما تروي لهم "الموهبة" كيف كان المخرج عظيما، ثم يهرولون لكتابة مقالات المديح التي تضمن لهم الحصول على مقابلات صحفية أخرى.
صديق لي حضر مؤخرا حفلا صحفيا أقامته شركة وورنر أطلقت عليه "أول مؤتمر عالمي للتليفزيون". وقد قصدت وورنر بذلك أن الصحفيين المأجورين يستطيعون قضاء ثلاثة أيام في صحبة نجوم فيلمي "إي آر" ER و"أصدقاء" Friends ثم يعودون إلى بلادهم وهم يحملون بعض المقالات الدعائية لبيعها. إنه "اتفاق جنتلمان" فشركة وورنر تحصل على الدعاية التي تلزمها، والصحفيون إياهم يحصلون على بعض المال مقابل كتاباتهم. وبالطبع عليهم جميعا أن يحددوا مسبقا للشركة الصحف التي سينشرون فيها مقالاتهم، وتملك وورنر حق "الفيتو".
وقد تم تقديم صديقي هذا إلى نجوم فيلم "أصدقاء"، وقيل للجميع إنهم يستطيعون توجيه الأسئلة كما يشاءون "فأنتم في بلاد الحرية" (بالمناسبة تحتفظ شركة وورنر داخل صندوق زجاجي بقطعة من جدار برلين).
وكانت ليزا كيدرو قد اختيرت لتوها أكثر شخصيات الفيلم شعبية. ووجه صديقي إليها السؤال التالي: كيف تشعرين بعد أن أصبحت أكثر شخصيات الفيلم شعبية؟ وهنا قفزت موظفة العلاقات العامة قائلة: "أعتقد أنني أستطيع الاجابة على هذا السؤال بالنيابة عن ليزا. إننا جميعا نشعر بالألفة مع بعضنا البعض كثيرا جدا".. أو شيء من هذا القبيل!
ولكن هذه هي أمريكا. في بريطانيا نحن أسعد حظا، ففيما عدا استثناءات قليلة فإن كل المقابلات التي تقرؤونها في "الجارديان" هي مقابلات تمت بشكل مباشر: صحفي واحد يجري الحديث مباشرة مع النجم أو المخرج. أما في أمريكا فقد يشترك عشرة أو خمسة عشر صحفيا في إجراء مقابلة صحفية مع شخصية واحدة. فهل يستطيع الصحفي أن يكتب في مقدمة موضوعه أنه قضى عشرين دقيقة في انتظار أن يوجه سؤالا واحدا؟ نعم يستطيع أن يفعل ذلك، ولكن من الذي سيرغب بعد ذلك في قراءة المقابلة. إن كل قاريء وكل رئيس تحرير يريد أن يشعر أن أمامه مقابلة خاصة نادرة أو قطعة من روح النجم السينمائي.
شركات هوليوود ترى أن هذه هي الطريقة الوحيدة الممكنة، فمع الإقبال على إجراء المقابلات الصحفية مع النجوم يجب تنظيم مقابلات جماعية لعدة صحفيين وإلا كيف يمكن الاستجابة لكل هذا العدد. وبسبب صعوبة تنظيم هذه المؤتمرات أو اللقاءات الصحفية الجماعية يصبح من الضروري التحكم فيها مسبقا. ويصبح أمرا طبيعيا بالنسبة للصحفيين المتحلقين حول المائدة أن يتم إسكات ذلك الصحفي المشاغب الذي لا يفتأ يكرر أسئلة بعيدة عن الموضوع حسبما ترى مندوبة العلاقات العامة.
ربما تقول لنفسك: إننا أسعد حظا في انجلترا العجوز فليس لدينا نجوما كثيرين، وعندما نجري معهم مقابلات صحفية فإننا نجريها حسب شروطنا نحن.. أليس كذلك؟
ليس تماما. أولا هناك عملية تدقيق شديدة، فقد يتصل بك مندوب الصحافة أو وكيل الفنان لكي يقول لك مثلا: سيمون.. هل يمكنك إرسال بعض النسخ من مقالاتك المنشورة إلى مستر ألبرت فيني لكي يلقي نظرة عليها. ثم يتضح أن المستر ألبرت فيني ألقى نظرة سريعة عليها ولم يعجبه ما تتضمنه، وإذن فلن تحدث المقابلة.
إلى حد ما. فقد أصبحت شركات الإنتاج والتوزيع تعرض علينا صورا التقطها مصورو الشركة أو المصور الخاص للنجم. أما صورنا الخاصة فينبغي أن نحصل على تصريح منهم بنشرها. قد تسمع مثلا هذا التعليق على لقطة التقطتها أنت: "هذه لقطة رائعة للسير أنطوني هوبكنز. غريب أنه استطاع الاحتفاظ بهذه النظرة الساخرة في عينيه رغم تقدمه في العمر". ولكن لا تندهش إذا ما تبعها شيء من هذا النوع: سير أنطوني يطلب ضرورة أن تحصل على حق نشر الصورة أولا.
على الأقل (ستقول لنفسك) نحن في انجلترا غير مضطرين للتجمع حول مائدة مستديرة ضمن حشد من الصحفيين للاستماع إلى ما يتعطف علينا به نجم سينمائي. هذا صحيح لكن معظم المقابلات الصحفية التي تقرأها في هذه الصحيفة أجريت في فنادق. وتحديدا في فندق دورشستر، لدرجة أنني كنت أتصور أن فندق دورشستر أبرم اتفاقا تجاريا مع شركات السينما. إن هذا يخلق جوا كان بريخت سيسعد به كثيرا ويأخذ في تذكيرنا بعدم واقعيته طوال الوقت.
أحيانا تستطيع أن تقابل النجم في غرفته بالفندق، ألا يبدو هذا رائعا أو مغويا، أو على الأقل مشبعا للغرور؟ كلا. إنه أمر يسبب الحرج، فالصحفي في موقف كهذا يتحول إلى شخص متطفل بمجرد دخوله إلى الغرفة. ولا عجب إذن أن يصبح النجوم عادة عدائيين تجاه الصحافة ويرفضون التحدث إلى الصحفيين (رغم أن عقودهم تنص على عكس ذلك).. وهنا يبدأ الصحفيون في تخمين من الذي سيرقد في الفراش ومن الذي سيبقى جالسا أثناء اجراء المقابلة!
ولكن على الأقل عندما نصل إلى النجم نستطيع أن نوجه له ما نشاء من أسئلة. أليس كذلك؟
أحيانا، فغالبا ما يناولك مندوب العلاقات العامة أثناء اجتيازك عتبة باب الحجرة قائمة بالمحظورات. ولي تجربة شخصية في هذا المجال، فقد كنت في طريقي لاجراء مقابلة صحفية مع كورتناي لوف (نجمة موسيقى البوب التي تحولت إلى ممثلة سينمائية)، وكان يتردد أنها استُغلت كثيرا في الدعاية لنفسها، فقد كثر الحديث عن علاقتها بكيرت كوبان، وعن إدمانهما المخدرات، وعن ماضيها في رقص التعري (ستربتيز). وكان الفيلم الذي تألقت فيه هو فيلم "الشعب ضد لاري فلينت" لميلوش فورمان، وهو عن العلاقة بين صانع أفلام إباحية (بورنوجرافية) وزوجته راقصة الاستربتيز ومدمنة المخدرات، وكما هو شائع فالشخصية تعكس جانبا من الحياة الخاصة للممثلة. وكان من المستحيل عدم الربط بين الاثنتين في الأسئلة.
ولكنهم قالوا لي قبل المقابلة: غير مسموح بتوجيه أي أسئلة عن كيرت كوبان أو عن المخدرات أو الاستربتيز. وإذا كنت قد عدت إلى صحيفتي بدون توجيه هذه الأسئلة لكان رئيس التحرير قد وجد مبررا لطردي من العمل. ولذلك أخذت في توجيه الأسئلة. وجاءني صوت مندوبة العلاقات العامة من ركن الغرفة: ما هذا .. هذا لعب خشن.. سؤال آخر من هذا النوع وستجد نفسك مطرودا.. وهنا انتهت المقابلة.
الشركات تقول: إننا نريد أن نحمي نجومنا.. لا نريد أسئلة استفزازية. وأنا أقول: ولا أنا أيضا، لكن أفضل الكتابات تلك التي يستطيع الكاتب أن يقبض فيها على ثنايا موضوعه، وأن يربط بين أجزائنه.
ما هو الحل إذن؟
ربما كان يتعين علينا أن نقلل من الاعتماد على المقابلات الصحفية ونهتم أكثر بكتابة "البورتريه" السينمائي للممثل. ولكن هنا أيضا سنواجه مشاكل من نوع آخر، فهذا النوع من الكتابة يتطلب تكوين علاقات مع المحيطين بالموضوع أو بالنجم الذي نعتزم كتابة بورتريه عنه. فأنت تحتاج إلى معلومات دقيقة. ثانيا: سنجد أنفسنا وقد أصبحنا أكثر اعتمادا على مواد الأرشيف المنشورة عن الشخصية.. قصاصات الصحف وما إلى ذلك، وهو ما قد يجعلنا نردد نفس الأحكام والمعلومات القديمة بأخطائها.
ربما يصبح بوسعنا أن نلجأ إلى النوع الرفيع من مقالات الفكر حول: كيف فشلت السينما الفرنسية في استعادة موقعها منذ وفاة جان فيجو. ولكن يجب أن نكون واقعيين، فمعظم الناس يهتمون بالنجوم وبحياة النجوم بما في ذلك قراء صحيفة "الجارديان". ونحن نحرص على تحقيق نوع من التوازن بين المواد المنشورة: أن نستخدم مواضيع قد لا تثير سوى اهتمام الأقلية، لكي نغطي مواضيع أكثر شعبية.
أما شركات الإنتاج فلديها إجابة أفضل تتمثل فيما يطلقون عليه EPK وهم يوزعونها على محطات التليفزيون، وهي مقابلات تليفزيونية مصورة معدة سلفا مع نجوم السينما من خلال أسئلة وأجوبة بارعة. وتستطيع محطات التليفزيون التعامل مع هذه المقابلات وإعادة تقطيعها وترتيبها بحيث تجعل النجم يبدو وكأنه يتحدث إلى مقدم البرنامج بشكل شخصي ويجيب عن أسئلته.
وماذا عن المقابلة الصحفية التي أجريتها مع ليوناردو دي كابريو؟ لقد نشرتها تماما كما تمت، ولم يحدث من قبل أن تلقيت ردود فعل إيجابية من مسؤولي العلاقات العامة كما حدث هذه المرة. لقد اتصلوا بي تليفونيا، واحدا وراء الآخر، وهتفوا: "عظيم.. يالها من خبطة.. لقد كان رائعا أن نقرأها كما وقعت بالضبط".
وواحدا بعد الآخر أكدوا لي أنهم سيحرصون على ضمان ألا أدعى إلى أي حفل من حفلاتهم في المستقبل!
(صحيفة "الجارديان" 21 اغسطس 1998)
أحيانا، فغالبا ما يناولك مندوب العلاقات العامة أثناء اجتيازك عتبة باب الحجرة قائمة بالمحظورات. ولي تجربة شخصية في هذا المجال، فقد كنت في طريقي لاجراء مقابلة صحفية مع كورتناي لوف (نجمة موسيقى البوب التي تحولت إلى ممثلة سينمائية)، وكان يتردد أنها استُغلت كثيرا في الدعاية لنفسها، فقد كثر الحديث عن علاقتها بكيرت كوبان، وعن إدمانهما المخدرات، وعن ماضيها في رقص التعري (ستربتيز). وكان الفيلم الذي تألقت فيه هو فيلم "الشعب ضد لاري فلينت" لميلوش فورمان، وهو عن العلاقة بين صانع أفلام إباحية (بورنوجرافية) وزوجته راقصة الاستربتيز ومدمنة المخدرات، وكما هو شائع فالشخصية تعكس جانبا من الحياة الخاصة للممثلة. وكان من المستحيل عدم الربط بين الاثنتين في الأسئلة.
ولكنهم قالوا لي قبل المقابلة: غير مسموح بتوجيه أي أسئلة عن كيرت كوبان أو عن المخدرات أو الاستربتيز. وإذا كنت قد عدت إلى صحيفتي بدون توجيه هذه الأسئلة لكان رئيس التحرير قد وجد مبررا لطردي من العمل. ولذلك أخذت في توجيه الأسئلة. وجاءني صوت مندوبة العلاقات العامة من ركن الغرفة: ما هذا .. هذا لعب خشن.. سؤال آخر من هذا النوع وستجد نفسك مطرودا.. وهنا انتهت المقابلة.
الشركات تقول: إننا نريد أن نحمي نجومنا.. لا نريد أسئلة استفزازية. وأنا أقول: ولا أنا أيضا، لكن أفضل الكتابات تلك التي يستطيع الكاتب أن يقبض فيها على ثنايا موضوعه، وأن يربط بين أجزائنه.
ما هو الحل إذن؟
ربما كان يتعين علينا أن نقلل من الاعتماد على المقابلات الصحفية ونهتم أكثر بكتابة "البورتريه" السينمائي للممثل. ولكن هنا أيضا سنواجه مشاكل من نوع آخر، فهذا النوع من الكتابة يتطلب تكوين علاقات مع المحيطين بالموضوع أو بالنجم الذي نعتزم كتابة بورتريه عنه. فأنت تحتاج إلى معلومات دقيقة. ثانيا: سنجد أنفسنا وقد أصبحنا أكثر اعتمادا على مواد الأرشيف المنشورة عن الشخصية.. قصاصات الصحف وما إلى ذلك، وهو ما قد يجعلنا نردد نفس الأحكام والمعلومات القديمة بأخطائها.
ربما يصبح بوسعنا أن نلجأ إلى النوع الرفيع من مقالات الفكر حول: كيف فشلت السينما الفرنسية في استعادة موقعها منذ وفاة جان فيجو. ولكن يجب أن نكون واقعيين، فمعظم الناس يهتمون بالنجوم وبحياة النجوم بما في ذلك قراء صحيفة "الجارديان". ونحن نحرص على تحقيق نوع من التوازن بين المواد المنشورة: أن نستخدم مواضيع قد لا تثير سوى اهتمام الأقلية، لكي نغطي مواضيع أكثر شعبية.
أما شركات الإنتاج فلديها إجابة أفضل تتمثل فيما يطلقون عليه EPK وهم يوزعونها على محطات التليفزيون، وهي مقابلات تليفزيونية مصورة معدة سلفا مع نجوم السينما من خلال أسئلة وأجوبة بارعة. وتستطيع محطات التليفزيون التعامل مع هذه المقابلات وإعادة تقطيعها وترتيبها بحيث تجعل النجم يبدو وكأنه يتحدث إلى مقدم البرنامج بشكل شخصي ويجيب عن أسئلته.
وماذا عن المقابلة الصحفية التي أجريتها مع ليوناردو دي كابريو؟ لقد نشرتها تماما كما تمت، ولم يحدث من قبل أن تلقيت ردود فعل إيجابية من مسؤولي العلاقات العامة كما حدث هذه المرة. لقد اتصلوا بي تليفونيا، واحدا وراء الآخر، وهتفوا: "عظيم.. يالها من خبطة.. لقد كان رائعا أن نقرأها كما وقعت بالضبط".
وواحدا بعد الآخر أكدوا لي أنهم سيحرصون على ضمان ألا أدعى إلى أي حفل من حفلاتهم في المستقبل!
(صحيفة "الجارديان" 21 اغسطس 1998)
((تحذير: جميع الحقوق محفوظة))
7 comments:
مقال طريف فعلا , و لا أظنه يتعلق بسياسات هوليوود وحدها , بل هى طبيعة معظم الشركات الضخمة فى أى مكان , منذ بضعة أيام أستضاف أحد برامج (التوك شو) فريق عمل أحد الأفلام الحديثة فى السوق المصرى , وفى اطار التقرير المعد عن الفيلم خرج لنا مدير التصوير المبدع ليحدثنا عن مجهوده الكبير فى تنفيذ رؤية المخرج المتمثله فى (اظهار النجوم زى القمر حتى لا يفقدوا شعبيتهم) وكالعادة تصفيق وتهليل من المذيع الذى ربما تجده فى حلقة يحدثنا عن تجربة يسرى نصر الله الابداعية وفى الحلقة التالية يقدم -نفس المذيع- محمد سعد باعتباره رمزا سينمائيا رغم أنف الحاقدين . لكن ما يسير التساؤل هو ان كان هذا الحال هنا وهناك , فهل يعنى أن ثقافة الجمهور فى بلد حركة النشر فيها مشهود لها بالاتساع هى نفس ثقافة الجمهور فى بلد يكاد يقرأ الفرد فيها عناوين الصحف (بالعافية)؟ . بالمناسبة سمعت عن قرار فى بريطانيا بمنع بيع الفيشار داخل دور العرض فهل الأمر صحيح؟
- تساؤل أخير ان كان هناك منفذ توزيع فى القاهرة لمنشوارات مكتبة الأسكندرية؟
خالص التحية
عمر منجونة
ثقافة الجمهور السينمائية في العالم كله متشابهة أي أن الأغلبية تفضل الألام الأمريكية الشعبية الرائجة ذات الميزانيات الكبيرة والنجوم مهما بلغت تفاهتها والسبب الرئيسي في ذ1لك هو آلة الدعاية الاعلامية ووجود مثل هؤلاء الصحفيين الذين وصفهم الكاتب في مقاله أي الكتاب بالقطعة الذين على استعداد للترويج لأي شيء مقابل حفنة دولارات لأنهم يتعيشون هلى هذا النوع من الكتابات، بل وهم الأغلبية في الصحافة الأمريكية وغيرها أيضا.
أما قرار حظر بيع الفشار فقد بدأ تطبيقه بالفعل في دور العرض المملوكة لواحدة من أكبر شبكات العرض في بريطانا لكنه ليس شاملا بعد فهي تجارة تدر الكثير من الأرباح.
أما مطبوعات مكتبة الاسكندرية فأعتقد أنها متوفرة في مكتبة المجلس الأعلى للثقافة الواقعة في نطاق دار أوبرا القاهرة..
أستاذ أمير: شكرا لك على هذا المقال الذي يكشف الكثير عما خفي في العلاقة بين نقاد السينما والصحافة.. ليس الأمر عندنا فقط لكن ايضا في بلدان كنا نتصور انها تفوقت كثيرا.. لكن مأساة النقد واحدة كما يتضح من المقال.. وفقاقيع الكتابة الصحفية هم المنتشرين والمتواجدين.. والنجوم يضلون ايضا التعامل معهم. اطرف ما في المقال موضوع الشرايط الفيديو التي يضعون فيها لقاءات مع نجم ويوزعونها على محطات التليفزيون ليستخدموها بطريقتهم.. نوع ن الغش تقريبا.
أستاذي أمير
أولاً أنا أشكرك جزيل الشكر على هذه المدونة العظيمة التي وقعت عليها مصادفة , ويا لها من مصادفة ورب صدفة خير من ألف ميعاد .
قرأت هذه المقالة المُترجمة , وأكاد أجزم أننا كعرب بدأنا نعاني من بوادر مثل هذا التطبيل الإعلامي لسلسلة من نجوم السينما - زعموا -..
ولدي استفسار آمل أن لا أثقل عليك .
هل هناك كتب مترجمة للغة العربية تكشف خفايا هوليوود أو أسرار صناعة أفلام عظيمة كالمواطن كين والعراب , أو كتب تتحدث عن الجانب الثقافي والفكري في السينما الأمريكية .
وهل هناك كتب عربية تتحدث عن مخرج بعينه ؟ أو كتاب سيرة ذاتية عن مخرج أو منتج أو كاتب سيناريو أو ممثل بشرط أن يكون لهذا تأثيره الواضح على مسيرة السينما .
نحن في السعودية في أشد العطش للثقافة السينمائية الجيدة بعيداً عن أفلام جاكي شان وفان دام
هل تصدق أننا نذهب مجموعة من الشباب كل 3 أسابيع تقريباً إلى البحرين لمتابعة جديد السينما !؟
حبي وتقديري أستاذي
رسالة اأخ عبد الله من السعودية اسعدتني كثيرا.. هذا جيل متشوق بالفعل للثقافة السينمائية وللسينما الجادة الفنية بعيدا عن السائد الأمريكي.
نعم ياعزيزي هناك الكثير من الكتب الأجنبية عت خفايا العمل في هوليوود وعن تجارب حقيقية شخصية لكتابها أيضا. وهناك كذلك كتب تستعرض بالتفصيل تجربة اوروسون ويلز في فيلم "المواطن كين".. والقائمة طويلة. كما أن هناك بعض الكتب عن أعمال مخرجين محددين في السينما العربية مثل صلاح ابو سيف ويوسف شاهين وتوفيق صالح وعاطف الطيب وإن كان معظم هذه الكتب طبعت منه كميات محدودة للغاية وصدر معظمه في اطار التكريم أو الاحتفال بالمخرج أو عقب وفاته. شاهين تحديدا صدر عنه عدد من الكتب في مصر ولبنان. ولكني لا أعرف أي كتاب عن مخرجين من الجزائر أو تونس. شكرا على اهتمامك.. وكن على تواصل واتصال.. ربما سأكتب بعد فترة عن بعض الكتب الأساسية بالنسبة لهواة السينما الجادة. تحياتي
أشكرك أستاذي أمير على هذه الأريحية غير المستغربة..
بالنسبة للكتب فأرجو أن تخرج من نطاق [ ربما اكتب ] إلى [ سأكتب قريباً ] لأنك أستاذ في النقد السينمائي , ومن الرعيل الأول من النقاد العرب , وعلى عاتقك أمانة كبيرة هي إرشاد الشباب المتعطش للسينما .
نحن في السعودية نعيش في عطش كبير وكبير جداً للسينما , ولكن للأسف بغياب مصادر التلقي الرئيسية كالكتب الجادة التي تشرح وتبين وتفسر الأفلام أو تحلل الموجات السينمائية الواقعية وغيرها فيضطر البعض أن يستسلم للزخم الجماهيري الذي يركز على الأفلام التافهة كفلم مناحي - إن كنت سمعت به أستاذي -
ما أرجوه أن نرى رأيك في كتب عن السينما الأمريكية والفرنسية والإيطالية , شرط أن تكون الكتب باللغة العربية فلازلنا في طور الجهل باللغة الانجليزية ..
حبي وتقديري أستاذي
عزيزي عبد الله من السعودية:
هل تريد عناوين للكتب المتوفرة باللغة العربية في المجالات التي ذكرتها؟ أم تريدني أن أستعرض هذه الكتب بالتفصيل.. لأنه في الحالة الثانية هذا يقتضي وقتا طويلا وجهدا هائلا لا يمكن القيام به حاليا لأن المرء مضطر للعمل وللسفر أيضا كثيرا جدا لتغطية أحداث هنا وهناك والكتابة عن أي كتاب تستدعي قراءته أو اعادة قراءته.. يمكنني أن أتكلم عن بعض الكتب التي قرأتها وأعرفها جيدا.. انتظرني بعد أن أعود من روما ثم باريس التي سأقضي بها عدة أيام مباشرة بعد مهرجان روما في عطلة قصيرة خاصة، أي حتى منتصف الشهر. واكتب لي على بريدي الالكتروني
amarcord222@gmail.com
إرسال تعليق