((يسعدني أن أستضيف في "حياة في السينما" الصديقة الشاعرة والكاتبة المبدعة ظبية خميس بنشر هذه الصورة الرائعة المليئة بالتأملات في العلاقة بين السينما والمرأة في عالمنا العربي، التي أبدعتها ظبية من خلال العودة الطويلة إلى الماضي، إلى الذاكرة، للتأمل في تأثير الصور السينمائية على الوجدان، بل وعلى المسار الإبداعي للكاتبة، لتطرح من خلالها الكثير من التساؤلات العميقة المقلقة. شكرا لظبية على هذا النص البديع- أمير العمري)).
أطياف أنثوية بين الأمس واليوم
بقلم: ظبية خميس
عبر تلك الأشعة الساحرة تدفقت الصور والمشاهد، والأشخاص، والأحداث لتشدنا إلى دنياها التي تتحول إلى دنيانا، بعد قليل. بدءاً بأفلام الأبيض والأسود ، ثم "التكنوكلر" ، والملونة على شاشة السينما، وبعد ذلك التلفزيون، والصورة المرئية في الصحف والمجلات. تعرفنا على الحياة خارج الأسوار، الحب، الرحيل، التمرد ، التحقق، والأساطير التي لا يشبهها غير خيال لا حدود له في عقولنا التي كانت فتية ، ثم أرواحنا حين تاهت في البحث عن هويتها فيما بعد كنساء صغيرات كبرن على مرأى أحلام تحدث في أماكن أخرى.
في مساءات " الدوحة " في النصف الأول من الستينات كنا نجتمع في بيت من بيوت الحي لنشاهد سينما صيفية، شاشة مفرودة للأحلام حين كانت تقف صباح بشعرها الذهبي وثيابها الخلابة لتغني مع عبد الحليم حافظ ، أو فريد الأطرش. كانت النساء في اليوم الذي يليه يطلقن موضة "شعر صباح" على أقمشة معينة تأخذ كلها شكل فستان صباح في الفيلم الذي شاهدناه في تلك الأمسية. ثم تتحدث النساء عن أثر "الطماطم" على حمرة الخدود، و "الحليب" لتصبح البشرة هي بشرة صباح. أما عبد الحليم وفريد فتتشكل الأحزاب بين الصبايا فهذه من حزب هذا وتلك من حزب الآخر والكل يحلمن بفتى أحلام يأخذ من ملامحهما.
أمام الشاشة الكبيرة ، وفيما بعد أمام الشاشة الصغيرة تلاحقت أجيال من الشباب والشابات كل منهم يبتكر عواطفه، وأحلامه، وشخصيته، وأهواءه ، ومزاجه في الملبس والحركة عبر النماذج المطروحة على تلك الشاشات. الأناقة ،والأحلام الرومانتيكية ،وحتى أحلام الرفض والخروج عن التقاليد جاء كثير منها من الصورة المرئية.
سندريلا تستيقظ من نومها
من أم كلثوم ، أسمهان ، ليلى مراد، جاءت أساطير المرأة التي تفوق الواقع في الجمال، والأناقة ،وتحقق الأحلام. كانت تلك المرأة المحلوم بها تضيء الشاشة كما تفعل ليلى مراد بوجهها ونورها وأغانيها وتنتهي القصص بالزواج والسعادة في الحب رغم الفارق الطبقي، أو الشهرة والفن والمجد بدءاً من ثوب فقير مقطع إلى مغنية تقف لتكون معبودة الجماهير. الثياب الأنيقة ، والدور الفخمة ، والحفلات، والمجوهرات، والسيارات والشاب الوسيم الذي ينتشلها مثل سندريلا لتعيش العالم الوردي. "غرام وانتقام"، "ليلى بنت الفقراء"، "سلامة"، وغيرها من الأفلام ذات النهايات السعيدة.
وكان الموازي لذلك نجمات فاتنات عالميات من بيتي ديفز ، كاثرين هيبرن ، أنجريد بيرجمان والكونتيسة الحافية إيفا جاردنر على اختلاف مضامين الأفلام غير أن هوليود قد صدرت بشكل أو بآخر محتواها إلى السينما العربية والتي كانت في الأساس للمتفرج العربي هي السينما المصرية. وكما اختلفت مضامين هوليوود بمراحلها المختلفة كذلك جدت تحولات جذرية في المجتمعات العربية تغير وجه السينما العربية ليرافق ذلك. ومع ما بعد 1952 تغيرت النجومية النسائية من " بنت البشوات " أو "بنت الفقراء" إلى فاتن حمامة.. جمال نور الشمعة مقابل جمال أضواء الثريات. جاءت فاتن حمامة نموذجاً جديداً للفتاة البريئة، والمنكسرة، والتي تحاول ألا تكون ضحية. وجاءت أيضاً سينما الأدب من "دعاء الكروان" لطه حسين، مروراً بروايات إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وغيرهم. ها هي مديحة يسري المحامية، وفاتن حمامة الطالبة المتمردة في "الباب المفتوح " للكاتبة لطيفة الزيات ، وشادية المنتقمة في " شيء من الخوف " وغيرهن. حتى فاتن حمامة الرمز الأسطوري السينمائي لمرحلة الخمسينات جددت جلدها كثيراً عبر التحولات المجتمعية والسياسية فها هي تمزق هدوءها في عاصفة أنثوية خاصة في "الخيط الرفيع" ، وتتحول إلى أم كادحة في "يوم حلو ، يوم مر". غير أن فاتن حمامة عبر مراحلها المختلفة كانت قيمة معنوية خاصة لدى المرأة العربية فقد إرتبطت في ذهن النساء بالبراءة، والشرف، والنقاء، والعصرية.
كانت فاتن حمامة الحلم الوردي لفتيات الخمسينات ونموذجهن الذي يحتذى به. وكان في زمنها، أيضاً، مكان آخر لنجمات صنعن نماذج أخرى مثل "هند رستم" والتي وازت "مارلين مونرو" في تفجر الأنوثة الطاغية والرمز الحسي للجمال الأنثوي، وكانت شادية الممثلة العظيمة التي لم توفى حقها بعد في "المرأة المجهولة" وغيرها من الأفلام ذات النهايات الدامية للنساء اللواتي يحدن عن الطريق الشرقي لفكرة الشرف، والعائلة ، والإلتزام السلوكي والإجتماعي.
قوس قزح من النساء
من البعد الإنبهاري لأنوثة السينما العربية في الأربعينات، إلى البعد الإجتماعي - الأخلاقي في الخمسينات جاء البعد الجديد الإيروتيكي والتمردي لمرحلة الستينيات عبر سعاد حسني ونادية لطفي وغيرهن. الستينات كانت مرحلة سارتر، وسيمون دوبفوار، وثورة الطلبة، وبرجيت باردو، والحركة الهيبية، والتحرر الوطني في العالم، والحركات اليسارية. كان زمن جين فوندا المختلفة آئنذاك، والآن ديلون وموسيقى وأغاني البيتلز. لم يعشق جمهور الشباب نجمة سينمائية عربية كما قد عشق سعاد حسني. كانت فتاة أحلام الجميع : الحيوية ، العصرية ، الأنوثة، الفتنة، العفوية، البراءة والإبداع مجتمعين في نموذج تلك الفنانة منذ فيلمها الأول " حسن ونعيمة " وحتى فيلمها الأخير رغبة متوحشة" أو "الراعي والنساء" في نسخة المخرج على بدرخان وسعاد حسني موضوع يشغل وجدان المشاهدين.
قدمت سعاد حسني نماذج مختلفة من الأداء الخاص بفتاة الطبقة المتوسطة المصرية وأحلامها ، إلى الفتاة المتمردة، إلى أفلام الكوميديا الخفيفة، والأفلام الإستعراضية، إنتهاءاً بأفلام درامية جادة. كانت النموذج الرومانتيكي المأساوي في " الحب الكبير " ، والنموذج المتمرد – المطحون في "الكرنك"، والنموذج الأنثوي المغري في "خلي بالك من زوزو" . سعاد لم تكن إمرأة واحدة ، بل كانت عدداً من الأساطير التي أرضت رجل الشارع، والمثقف، والطالب، وعزفت على أوتار اليسار، والموسيقى، والشعر عبر علاقتها بالشاعر والرسام صلاح جاهين وعلاقتها بالحركة اليسارية المصرية ثم تلك الصورة الرومانتيكية الغائمة لعلاقتها بفتى الأحلام آئنذاك عبد الحليم حافظ.
أما نادية لطفي فقد كانت توازي في صور مكملة لنموذج سعاد حسني وخصوصاً عبر بطولاتها لأفلام إحسان عبد القدوس مثل " النظارة السوداء " والحالة الوجودية الحائرة لخيارات المرأة العربية الشابة آئنذاك ، معززة حضورها بتواجدها مع عبد الحليم حافظ في فيلم " الخطايا " الذي يمثل قمة أفلام الغواية والأنثوية الجريئة مكملة مشوارها بسينما الأدب عبر ثلاثية نجيب محفوظ بين القصرين. وإكتملت صورة نادية لطفي كنموذج عبر نشاطها السياسي والإجتماعي ومواقفها الوطنية سواء في مصر أو خارجها مثالاً على ذلك رحلتها إلى لبنان ومناصرتها أثناء مذابح صبراً وشتيلاً ، ووقوفها مع القضية الفلسطينية ، وأخيراً وقوفها مع الشعب العراقي في محنته.زمن الجنس والمخدرات
ومع السبعينيات وبداية تداعي النموذج الإشتراكي السياسي ، وطغيان حالة الإنفتاح الإقتصادي في مصر وإنتشار سوق السينما الأمريكية لأفلام العنف وسوق السينما الهندية لأفلام المآسي الغنائية جاءت موجة جديدة من السينما العربية – المصرية كان أهم ما يميزها أفلام تناقش قضايا المخدرات وجاءت نماذج جديدة من الأدوار النسائية. كانت نجلاء فتحي، وميرفت أمين تودعان أخر مراحل السينما الرومانتيكية التقليدية للستينات وجاءت مرحلة سينما " نادية الجندي" و" نبيلة عبيد" على اختلاف توجهاتهما.
نموذج المرأة التي تقهر الجميع بسطوة أنوثتها، وتناقش عبر تلك الأنوثة المزخرفة، والعنيفة، والمتوحشة قضايا وطنية وقضايا كبرى من تجارة المخدرات في فيلم " الباطنية " وما تبعه من الأفلام إلى " سبعة باب " تحركت نادية الجندي في أوساط الجماهير ، وجمهورها من الطبقة الجديدة من العمال و" الصنايعية " الذين أثروا في فترة الإنفتاح، قالبين معهم الكثير من سمات الطبقة المتوسطة المصرية ، وصانعين شريحة جديدة ذات مقاييس خاصة وقادرة على شراء شباك التذاكر. " الإمبراطورة "، " أمن دولة "، " مهمة في تل أبيب "، بعض من أفلام نادية الجندي التي تقتل أبطال أفلامها بشهواتهم وغرائزهم وتتسبب فيها بموتهم ثم قد تموت هي ، أيضاً ، ميتة درامية فجة في آخر الفيلم. كانت هذه هي مرحلة " الأنوثة التي لا تقهر " وهي في معظمها أفلام تجارية ، سطحية قائمة على الإثارة والإبتذال والنموذج الأنثوي الفج المهيمن حسياً والذي يتخذ ذلك الطريق للوصول عبر سلطة الجسد إلى سلطة المال والقوة.
وفي خط مواز برزت ظاهرة سينما نبيلة عبيد وأن اختلفت سماتها عن سينما نادية الجندي غير أن كلا النجمتين صنعتا ظاهرة فيلم نجومية الممثلة والتي يتحول فيها بقية الممثلين إلى مساندين لا شركاء أياً كان حجمهم في السينما التجارية أو الفنية. كلتا الممثلتين ، أيضاً ، تنتمين عمرياً إلى سينما الستينيات ومع ذلك فقد استطعن تحجيم الممثلات الشابات لوقت طويل. نبيلة عبيد اختارت في طريقها الأعمال الأدبية لإحسان عبد القدوس مثل "أرجوك أعطني هذا الدواء" ، " العذراء والشعر الأبيض " ، وقد أنقذت هذه الأعمال نبيلة عبيد في مرحلة طويلة من التخبط الفني بعد بدايتها المبكرة مع فيلم " رابعة العدوية " الذي أطلقها في بداية الستينات. إهتمت نبيلة عبيد بتقديم إشكاليات خاصة بالأنوثة ، الجنس ، والعلاقة بين المرأة والرجل. كما حاولت أن تتعامل أيضاً مع بعض القضايا السياسية في ظل العلاقة بالمرأة الهامشية وعبر العزف على أوتار الجنس أيضاً وكان أبرز أفلامها في مسيرتها تلك : أيام في الحلال ، الراقصة والسياسي ، الراقصة والطبال ، شادر السمك ، الغرقانة ، قضية سميحة بدران ، أبناء وقتلة وغيرها.
نادية الجندي ونبيلة عبيد إستطاعتا أن تصنعا سينما خاصة بنجومية المرأة، وأن تقدما كلتاهما نماذجاً خارجة عن المألوف العربي للأنوثة. عبر قضايا المخدرات إستطاعت نادية الجندي أن تفرض صورة المرأة المهيمنة والتي تحول إستغلالها إلى إستغلال بديل تنمو عبره صورة " حسية للإذلال " حيث يتساقط الرجل عند قدميها وحيث تصل هي إلى السلطة المطلقة أياً كان الثمن أو النهاية. أما نبيلة عبيد فقد تطرقت في أفلامها إلى الجنس كموضوع أساسي وإشكاليات الوجود الأنثوي سواء عبر الحب ، العقم ، العاهة ، الإستغلال ، المرض النفسي أو غيرها من ظواهر قد تعيشها الأنثى العربية لكنها لا تتطرق للحديث عنها. كانت نبيلة عبيد صورة أخرى للهيمنة الحسية عبر أنوثة خاصة تمزج ما بين الجرأة، كسر التابو، والنرجسية الخاصة.
وفي خط مواز برزت ظاهرة سينما نبيلة عبيد وأن اختلفت سماتها عن سينما نادية الجندي غير أن كلا النجمتين صنعتا ظاهرة فيلم نجومية الممثلة والتي يتحول فيها بقية الممثلين إلى مساندين لا شركاء أياً كان حجمهم في السينما التجارية أو الفنية. كلتا الممثلتين ، أيضاً ، تنتمين عمرياً إلى سينما الستينيات ومع ذلك فقد استطعن تحجيم الممثلات الشابات لوقت طويل. نبيلة عبيد اختارت في طريقها الأعمال الأدبية لإحسان عبد القدوس مثل "أرجوك أعطني هذا الدواء" ، " العذراء والشعر الأبيض " ، وقد أنقذت هذه الأعمال نبيلة عبيد في مرحلة طويلة من التخبط الفني بعد بدايتها المبكرة مع فيلم " رابعة العدوية " الذي أطلقها في بداية الستينات. إهتمت نبيلة عبيد بتقديم إشكاليات خاصة بالأنوثة ، الجنس ، والعلاقة بين المرأة والرجل. كما حاولت أن تتعامل أيضاً مع بعض القضايا السياسية في ظل العلاقة بالمرأة الهامشية وعبر العزف على أوتار الجنس أيضاً وكان أبرز أفلامها في مسيرتها تلك : أيام في الحلال ، الراقصة والسياسي ، الراقصة والطبال ، شادر السمك ، الغرقانة ، قضية سميحة بدران ، أبناء وقتلة وغيرها.
نادية الجندي ونبيلة عبيد إستطاعتا أن تصنعا سينما خاصة بنجومية المرأة، وأن تقدما كلتاهما نماذجاً خارجة عن المألوف العربي للأنوثة. عبر قضايا المخدرات إستطاعت نادية الجندي أن تفرض صورة المرأة المهيمنة والتي تحول إستغلالها إلى إستغلال بديل تنمو عبره صورة " حسية للإذلال " حيث يتساقط الرجل عند قدميها وحيث تصل هي إلى السلطة المطلقة أياً كان الثمن أو النهاية. أما نبيلة عبيد فقد تطرقت في أفلامها إلى الجنس كموضوع أساسي وإشكاليات الوجود الأنثوي سواء عبر الحب ، العقم ، العاهة ، الإستغلال ، المرض النفسي أو غيرها من ظواهر قد تعيشها الأنثى العربية لكنها لا تتطرق للحديث عنها. كانت نبيلة عبيد صورة أخرى للهيمنة الحسية عبر أنوثة خاصة تمزج ما بين الجرأة، كسر التابو، والنرجسية الخاصة.
المرأة في ثوبها المنزلي
لقد استمرت ظاهرة النجمتين خلال مرحلة الثمانينات وشاب علاقتهما منافسة حادة لم يكسرها غير بداية أفول الظاهرتين. وفي خط موازي منذ الثمانينات مروراً بالتسعينيات كانت هناك أيضاً سينما أخرى، جديدة، ومختلفة إلى حد ما، ومتفاوتة في تجريبها الفني. وقد جاءت هذه السينما بوجوهها الفنية ورافقت الحضور الخاص لسينما يوسف شاهين المتميزة ، وبداية ظهور ظاهرة المخرجات النساء ، وكذلك نمو وتعددية السينما العربية على قلة نتاجها سواءاً في المغرب ، تونس ، الجزائر ، سوريا ، لبنان وغيرها من الدول العربية التي لم يتجاوز إنتاجها أحياناً فيلم واحد أو فيلمين مثل الكويت ، والبحرين. أضف إلى ذلك الإنتاج التليفزيوني الضخم للمسلسلات والأعمال الفنية المصرية والعربية وانتشار الفيديو والأفلام الأجنبية ، ثم الفضائيات وقنوات الأفلام المتخصصة مضافاً إلي ذلك رصيد ضخم من المجلات والصحف الفنية.
لقد جاءت التحولات الاجتماعية العربية، والإنهيارات السياسية، واختلاف الشعارات بأجيال جديدة سواءاً من صانعين الفنون أو المتلقين من الجماهير. وكانت القضايا الاجتماعية هي السائدة في سينما الثمانينات للموجة الجديدة من المخرجين مثل خيري بشارة في " الطوق والأسورة " ، " ويوم حلو يوم مر " وعاطف الطيب في أفلامه " سواق الأوتوبيس" ، و"ملف في الآداب" ، و "البرئ ، ومحمد خان في " أحلام هند وكاميليا "، ورأفت الميهي في "سيداتي سادتي " وغيرها من أفلام كانت تحاول أن تتناول شخوص الهامش ، وقضايا الأفراد، وإشكاليات الحياة. كانت شريهان فتاة أخرى غير فتاة "الفوازير" في "الطوق والأسورة" ذلك العمل الفني المأخوذ من عمل أدبي ليحي الطاهر عبد الله تدور أحداثه في الأقصر ويتناول حياة فتاة مطحونة في جو من الخرافات ، والضغوط وعدم التكافؤ الإنساني في العلاقة بين المرأة والرجل. أما نجلاء فتحي فإنها ليست فتاة الأمس الرومانتيكية في فيلم " هند وكاميليا" فهي الخادمة التي تعاني والتي تحاول تجاوز معاناتها في علاقتها الصداقية بخادمة أخرى. وفي فيلم " سواق الأوتوبيس" لا نرى الفتاة المثيرة ميرفت أمين بل ممثلة تلعب دور الزوجة لرجل من فئة مطحونة. لقد تغير دور النجمة أياً كان حجمها وتحولت إلى ممثلة وصارت الأفلام أقرب في طعمها ونكهتها إلى حياة البشر العاديين ، وإشكالياتهم. وقد أثر ذلك على جيل آخر من مخرجي التسعينات مع تطوير من نوع خاص لثيماتهم الفنية غير أن المرأة أصبحت أقرب للواقع إلا فيما قل من أفلام تجارية لا زالت تحاول أن تستخدم الجنس ، والعنف كتوابل لمضامينها.
يمكن أن نقول أن نجمات مثل ليلى علوي ، إلهام شاهين ، هالة صدقي ، معالي زايد ، آثار الحكيم ، رغدة ، نجلاء فتحي ، ميرفت أمين ، عايدة رياض تحول طريقهن إلى النجاح والقبول هو الطريق إلى التمثيل والتماهي مع قضايا النساء سواءاً كن من المثقفات ، أو المطحونات، أو نساء الطبقة المتوسطة بكافة الإشكاليات التي ترافق خطوات المرأة في مجتمعاتنا العربية. وكان الفشل الفني حليف من لا ترضى بذلك كما قد حاولت شريهان في بعض أفلامها مثل " كريستال". برزت أيضاً ومع التسعينات ظاهرة أفلام فانتازية تلهو بمضامينها حسب سخرية ، أو إبهار خاص وقد إستطاع خيري بشارة أن يحول دفته "الواقعية" كي يقود زمام هذا النوع من السينما عبر أفلامه " كابوريا"، " حرب الفراولة" ، " قشر البندق" وغيرها من أفلام تبعتها لمخرجين ومخرجات آخرين مثل " إستكاوزا" للمخرجة إيناس الدغيدي. غير أن هذه الأفلام تدخل أكثر ضمن إتجاه ترفيهي تجاري أكثر منه مضموني فني.
وبالرغم من تعدد الأسماء النسائية للمخرجات – على قلتهن – غير أن إضافتهن بقيت محدودة وغير مؤثرة عبر الأفلام التي أخرجتها كل من نادية حمزة ، وإيناس الدغيدي ، وأخيراً المخرجة الشابة ساندرا نشأت. فجميعهن إخترن السينما التجارية ، وأبرزن تسطيحاً مذهلاً لصراع المرأة والرجل ولعبن على الأوتار الجنسية لجذب الجمهور إلى شباك التذاكر. وبهذا المعنى لا يمكن القول بأنهن نجحن في صناعة سينما جديدة للمرأة ، أو عززن مفاهيم متطورة أو ذات أبعاد إجتماعية عميقة وحقيقية في قضية المرأة والمجتمع أو المرأة والفن. غير أن مخرجات أخريات سواءاً في السينما العربية مثل هيني سرور اللبنانية، أو في الأفلام الوثائقية مثل نبيهة لطفي ، وعطيات الأبنودي أو في التليفزيون مثل إنعام محمد علي قد تكون جهودهن أقرب للتحقق في محاولة تلمس قضايا المرأة العربية من جانب أو آخر.
وفيما يتعلق بنجمات السينما العربية يبقى الحديث عن يسرا خاصاً ، ذلك أنها كانت البطلة المفضلة لأفلام يوسف شاهين وتلاميذه ويكاد تحققها يكون محدوداً في هذه المدرسة. كما كان هناك أيضاً ظاهرة الراقصات الممثلات والتي قادتها كل من لوسي وفيفي عبده في طريقين مختلفين فقد كانت لوسي الممثلة المفضلة لمخرجي الموجة الجديدة ، فيما صارت فيفي عبده الموازي الحالي لسينما النجمات الوحيدات مثل نادية الجندي ونبيلة عبيد في السابق.
الأمومة، الجريمة، والإنحراف
وعلى نطاق آخر وعبر أجيال من ممثلات السينما العربية كانت تتشكل صور أخرى لأنماط نسائية مختلفة في ذاكرة الجماهير العربية. فصورة الأم المثالية إرتبطت بنماذج تقليدية، مضحية وصابرة كانت أبرز أمثلتها فردوس محمد، وأمنية رزق ، وكريمة مختار ، وأمال زايد. جاءت الأم على مستوى أقل من الجمال الجسدي وعلى مستوى فائق من التضحية لتصبح المثل الأعلى لجيل الأبناء في صورتهم وتوقعاتهم عن دور وشخصية الأم بشكل قد يتجاوز إنسانية المرأة ويرغمها على لعب أدوار نمطية تشبع توقعات غير محدودة في إرضاءها لصورة ذلك النمط الذي تتالى من جيل لجيل عن الأم العربية التي تلغي فرديتها ، حياتها وأحلامها الخاصة ، ومظهرها من أجل مثالية الدور المزمع للأم والزوجة.
ثم هناك صورة المرأة المجرمة – أو القاتلة الضحية والتي تمارس جرائم بشعة نتيجة ضغوط وانتهاكات تعرضت لها بسبب الرجال مثل أفلام ريا وسكينة ، المرأة المجهولة ، والقاتلة وغيرها حيث تتحول رقة الأنوثة إلى عنف بشع وجرائم تبررها علاقتها بالرجال وما نابها من مصائب من وراء ذلك.
ولا يمكن نسيان صورة المومس الفاضلة ، وفتاة الليل ، والشقة المفروشة التي أثثت أجيالاً من السينما المصرية سواءاً في دور راقصة الملاهي والكباريهات ، أو فتيات الدعارة والشقق المفروشة أو الفتاة التي تنحرف بسبب الإغتصاب أو الفقر لتتحول إلى مومس تكسب عواطف الجماهير وتنتهي نهايات تشبه نهاية غادة الكاميليا. ولقد برعت سينما حسن الإمام في تقديم هذه النماذج. ترى ما الذي كان يبرر تورية الجنس الحار أمام هذه الصورة المكررة في تاريخ السينما العربية بما يفوق معظم السينمات الأخرى في العالم. تشكل المرأة المنحرفة أو المومس عقدة خاصة في السينما المصرية تبحث عن تبرير مكرر وتمجيد خاص لتلك الأنثى في إسباغ صفات جمالية وحسية خاصة عليه إرتبطت دائماً بالعهر والدعارة لأسباب خارج إرادة بطلة الفيلم مع تعاطف إجتماعي خاص لذلك النموذج.
وفي إطار آخر جاءت صورة المرأة المناضلة مثل جميلة بو حيرد كما قدمتها ماجدة ، وهي بالطبع صورة مثالية خالية من أية شوائب ثم هناك شخصية المرأة ذات العاهات الخاصة كالبكم ، والخرس ، والشلل ، وغيرها كما قد قدمتها سميرة أحمد.
أضف إلى ذلك صورة المرأة في الكوميديا العربية كما قد ارتبطت في أذهاننا بممثلات مثل ماري منيب ، وزينات صدقي وغيرهن كن دائماً يحسبن على منطقة العوانس ، والقبيحات ذوات الدم الخفيف إلى أن تغيرت الصورة رويداً ، رويداً مع كوميديات مثل إسعاد يونس ، وسهير البابلي وصولاً إلى مرحلة تلاشت تقريباً فيما يتعلق بوجود الشخصية النسائية الكوميدية.
تلاشي وولادة الأساطير
لقد تراكضت صورة المرأة أمام الكاميرا في عيوننا ما بين الرمز المثالي والأسطوري للجمال والكمال ، إلى الملتهم، والغواية، والتحقق والحياة ما بين عالمي العقوبة والوجود. وقد رافق ذلك كله صحافة فقيرة، نسبياً، في النقد الفني رغم شعبيها كمجلات الموعد ، ونورا ، وفن ، والسينما والناس وغيرها من المجلات الفنية التي حرصت على تقديم النجمات في إطار البريق، أو الشائعة، أو الأخبار الشخصية مع رؤية محدودة للمضمون الفني والأبعاد الثقافية والإجتماعية للفن السينمائي، إلا فيما ندر.
وقليلة هي الكتب التي تناولت تجارب النساء أمام الكاميرا أو خلفها في الوطن العربي. كل ذلك يؤثر على الوعي المشترك بين ذائقة الفنانة الخاصة وبين المتلقين. كما أن ذلك في حد ذاته يخلق من أسطورة المرأة – الممثلة حالة درامية خاصة في علاقتها بذاتها.
يقول الأستاذ عادل حسين في كتابه الخاص عن " ليلى مراد"- " لماذا لا يقنع الفنان بما حصل عليه من أضواء وشهرة فيستمتع بها في شيخوخته ، لماذا تتحول الأضواء إلى كتلة من الأسى لا تفارقه ، لماذا لا يساوي الحساب الختامي لسنوات الشهرة والبريق سوى الوحدة والحسرة ؟ لقد كانت ليلى مراد نموذجاً للكوكب الساطع المحب الرقيق .. صورة لكل عاشق فتن بوجهها الملائكي وصوتها العذب .. صورة أحبها وعشقها ملايين الشباب كما تمنت ملايين القيات أن تلتصق بها وتقلدها. " (ص101)
في نموذج ليلى مراد نرى هالة الأسطورة وسطوتها حتى على ذات الفنانة الخاصة بعد تراجع الأضواء عنها، تلك الأضواء التي تداعب نرجسية الفنانة فتظن أنها أكبر من حجم الحقيقة الوجودية للكائن العادي حتى تبدأ مرحلة الإنهيار، أياً كان السبب لذلك. وفي حالة ليلى مراد يقول المؤلف :
" إن ليلى مراد لم تستطع أن تتأقلم مع العصر الجديد. لقد إعتادت أن تعيش وسط الباشوات والباكوات في قصورهم حياة الترف ، حياة علية القوم وعندما أتى عصر الثورة حاولت أن تؤقلم نفسها معها ، ولكنها لم تستطع. لم تستطع أن تحيا حياة الجمهورية وهي الملكة المتوجة في مملكة الغناء والطرب. لقد تأقلم الآخرون من المطربين والمطربات على ذلك العصر الجديد ، ولكنها لم تستطع ففضلت الإبتعاد عن هذا الجو الثوري". (ص108.
مع كل تحول سياسي ، ثقافي ، اجتماعي هناك سقوط لحظي لأسطورة ما تشكلت ، وولادة جديدة لأسطورة أخرى فمع بداية الثورة الإجتماعية جاء نموذج فاتن حمامة ومع تطور التجربة جاء نموذج فاتن حمامة ومع تطور التجربة جاء نموذج سعاد حسني ثم مع سقوط النموذج الإشتراكي الثوري وبداية سوق الإنفتاح جاءت نماذج نادية الجندي ونبيلة عبيد لترسم أدواراً مختلفة على الشاشة الكبيرة للنساء.
غير أنه أياً كان عدد لحظات السقوط المؤقت للنموذج، تتحول الأسطورة التي كانت إلى حلم وحنين خاص يعيش في ذاكرة ووجدان الأجيال فهذا الكلام الذي يذكره الأستاذ عادل حسين عن ليلى مراد كذكرى أسطورة يمكن أن ينطبق على عدد غير نهائي من نماذج الأمس، اليوم ، والغد فهو يقول :
- " ويا ليلى.. أيتها الأسطورة القادمة من ذلك الفضاء الواسع .. يا صاحبة الصوت النوراني الذي يجعلنا نحلق عالياً في السماء لنرى الكون أوسع وأكمل .. مازلت تعيشين بيننا، في عقولنا ، قلوبنا ، أحلامنا ، ما زالت هذه العذوبة ، هذه الرقة ، هذا الحياء والخجل مثلاً أعلى لكل إمرأة وحلم كل رجل. ما زالت مثلاً أعلى لكل إمرأة وحلم كل رجل. ما زالت موجودة ليلى مراد كما عرفناها دائماً، وأبداً ". (ص112).
أسئلة وإشكالات
في تأملات أخرى تتصل بصورة المرأة العربية أمام الكاميرا وخلفها تتدفق ملاحظات ذات أهمية خاصة بدءاً من تأملات في تطور بعض القيم الغربية وراء تلك الصورة وخصوصاً فيما يتعلق بإرتباط أمور مثل المال ، والقوة ، والحب بتلك القيم وهي أمور كان لها سطوة الحضور أمام الشاشة في ثقافتنا المعاصرة. فإلى أي مدى كان هناك تأثر في صناعة صورة المرأة وعلاقة المرأة بالكاميرا بما وراء ذلك من جماليات ومضامين غربية وما هو موقع القيم في حياة المجتمع وتطوره كما قد يطرحه الفنان عبر وسيلته الفنية. لقد وضع المجتمع الغربي المال ، والتقنية والمصلحة في قلب الفكر الجماعي ، العلمي والتقني لكنه أزاح المسائل الأساسية المتعلقة بالحياة الخاصة والخطاب الأخلاقي وأي عالم أو فنان يغامر اليوم بالنظر في هذه المسائل ، وبالغرق في شئون الاقتصاد ، والتاريخ ، والسياسة ، والحقوق ، والمقدس ، والزمن. أي عقلية ستتمكن من التجرأ على كشف قناعاتها الأصلية دون خوف من مجابهة رغبات إقترانها بالتنازل.
ثمة أكثر من حصار ومن محظور ليس أقلها التباس القيم العامة في ظل نظام العولمة ، والإنزياح الإجباري للذاكرة الحضارية الخاصة مرتطماً بجدار آخر تسبب فيه الغرب بشكل غير مباشر وهو العصبية والتعنت الديني والتقليدي إزاء مواجهة أسئلة وجودية ومجتمعية صعبة تعاني منها المرأة العربية كما يعاني منها الرجل.
إن ذلك يتعدى ثيمات كثيرة حتى يصل إلى ثيمة الحب ، أيضاً، الموضوع المفضل للأدب والرسم والموسيقى والغناء والسينما ولكن كما يقول فرانسو فوركيه : "ولكننا نحس ، غالباً ، بأن الفنان لا يقول ، أو يرسم ، أو يؤلف أو يلعب (ثيمة الحب) إلا من خلال عملية السمع والنطق كما لو أنه قد فقد الأثر هو أيضاً. أنه يقدم لنا الصورة (الكليشية) في حين أننا نتمنى أن ينقل إلينا الإرتعاشة". (ص111).
لقد استطاع فيلم مثل " تيتانك" أن يستدر دموع وعواطف مئات الملايين من المشاهدين في العالم موقظاً ذكرى خاصة عن الحب والتحدي والثورة الإجتماعية ولكن أين هي السينما العربية من ذلك رغم ثراء النموذج الأدبي في الذاكرة العربية فيما يتعلق بفكرة الحب ، والتضحية ، والتحدي الطبقي.
وفيما يتعلق بصانعات الفيلم أو الصورة سواءاً كن كاتبات سيناريو، أو فكرة، أو مخرجات هل ثمة عوائق تواجه تحققهن برؤية خاصة ومتجاوزة للمنجز السابق في ظل شبكة فنية معقدة تحتاج إلى التمويل ، وتجاوز الرقابة ، وخبرات فنية خاصة ، أم أن شروط النجاح التجاري بالنسبة إليهن تتضاد مع مقومات مغايرة لما هو قائم وموجود. لماذا لم نرى أعمال أدبية مميزة لعدد كبير من الكاتبات العربيات بدءاً بأعمال مي زيادة ، ليلى بعلبكي ، غادة السمان، حنان الشيخ، هدى بركات ، كوليت خوري ، ليلى العثمان ، أحلام مستغانمي وغيرهن على الشاشة الفضية. وهل عين المرأة المخرجة غير قادرة على الخروج من مألوف قد عرفته إلى خصوصية ترى بها المرأة والمجتمع من زاوية نسوية تستطيع أن تلامس ما لم تلامسه عين الرجل المخرج علماً بأن الفن الجيد والمضمون هو واحد سواء كان الذي يصنعه رجل أو إمرأة.
في الشريط السينمائي (إستاكوزا) تقدم لنا المخرجة إيناس الدغيدي نسخة مطورة من فكرة " ترويض النمرة " ذلك النص الذي سبق تقديمه في السينما العالمية والعربية والتليفزيون. اختارت المخرجة إذن ، أسطورة الإنتصار على شكل من أشكال التمرد النسائي والصراع الذي يقوم بين رجل وإمرأة عبر صورة كاريكتورية لذلك الصراع تنتهي ، بالطبع ، بخضوع المرأة للرجل بإسم الحب والتطويع. وفي شريطها السينمائي الآخر " إمرأة واحدة تكفي" ، تختار ، أيضاً ، نصاً يقوم على تنافس ثلاثة نساء من ثلاثة شرائح إجتماعية على رجل واحد هو محور الفيلم ومع إختلاف الفئات من خادمة ، إلى طالبة ، إلى سيدة أعمال ينتهي الفيلم بهزيمتهن جميعاً عاطفياً وإنسانياً وبداية جديدة لذلك الرجل.
أما المخرجة نادية حمزة فهي أميل للخيارات " الميلودرامية" مفضلة بوسي ، وسماح أنور لبطولة أفلامها. أفلام تدور حول الإنحراف ، والضياع ، والعقوبة والسجن أو الموت مفاضلة بين السجانة ودورها كأم وإبنتها المنحرفة التي تنتهي كسجينة.
لماذا لا نجد مخرجة عربية ذات رؤية مميزة قادرة على التحقق بحجم يوازي الكثير من المخرجين المميزين العرب رغم أن هذه المرحلة ، عربياً ، تشهد وجود عدد كبير من الكاتبات والأديبات والفنانات المتميزات ، ورغم وجود تقدم كبير في أوضاع المرأة ، وحرياتها وحقوقها على المستوى الدولي والعربي. هل الصورة هي أكثر صعوبة من الكلمة في تقديم معنى أكثر تميزاً وعمقاً. ورغم أن السينما في العالم الثالث ، عموماً ، هي سينما مجتمع أو ترفيه غير أنني لا أريد أن أحدد دورها بالشكل التعليمي ، أو التلقيني ، أو الإصلاحي ولكن حتى على صعيد فني محض تفتقر السينما العربية في يومنا هذا إلى مصورات ، ومخرجات ، وكاتبات سيناريو مبدعات بشكل متميز. هل هي مشكلة مؤسسات ، أم مشكلة خوف من الحلم وتعرية الذات الخاصة ، أم عوائق تجعل من الهدف التجاري للقدرة على الاستمرار وتحجيم المغامرة الفنية ما يقنن تلك القدرات ، ويعطلها ، أو في أحسن الأحوال يجعل منها مواهب متوسطة الحجم أو " مديوكر".
لماذا يبقى نجاح المرأة في مجال الفن البصري محدوداً مقارنة بالرجل على المستوى التاريخي. هل هناك عوائق فكرية – حضارية أو ثقافية. أن الخط النسوي النقدي يرى أن تقدير ذلك يجب أن يكون مختلفاً لأن مفهوم التميز والعظمة في الفن الذي تصنعه النساء مختلف عن الفن الذي يصنعه الرجال. وهو فن مختلف في مزاياه الشكلية والمضمونية فيما يتعلق بوضع وتجربة النساء. وتقترح بعض النظريات النسوية النقدية أن النساء الفنانات أو المبدعات أكثر قدرة على الرؤية الداخلية أو الشفافة في تعاملهن مع وسيلتهن الفنية.
ما الذي تطمح إليه الفنانة – المخرجة وما الذي تصارع من أجله خارج مدارات قبول المجتمع الفني الذكوري – الأبوي لموهبتها وتوظيفها ضمن الرؤية السائدة. من يصنع صورة المرأة أمام الكاميرا وبأية رؤية وقناعات وخيال. وماذا عن كاتبات الأفلام ، والمصورات والمخرجات وكيف يمكن أن يكن مختلفات في الشكل والمضمون عن ما كان سائداً في وعي سابق في تاريخ الفن والسينما العربية.
ثمة أسئلة – عوائق لابد أن تواجه المخرجة السينمائية العربية اليوم كسؤال العري سواءاً كغواية أو مضمون ذو ضرورة فنية / تحقق المرأة والإشكاليات الممكنة التي تواجهها كفرد ضمن رؤى إجتماعية وتقليدية ودينية ونمطية خاصة.
وفي ظل أسئلة النجاحات الفنية هل هناك ما يميز المخرجات أو صانعات الصورة العربية عن غيرهم وهل من مشترك قائم بينهن. هل هناك رؤية ثورية خاصة تختلف عن المدرسة التي تعلمن فيها الفن من المدرسة الرجالية السينمائية العامة. ما هو النموذج لهن ، وعن ماذا يبحثن ، وكيف يرين المرأة بعين المرأة.
عندما نشدد على مفردات مثل المؤسسة ، والجمهور بدلاً عن الفرد أو الخاص كحالة شرطية للإنتاج والتصور الفني فإننا نقدم قيداً جاهزاً. على النساء أن يراجعن تاريخهن الخاص، وحالتهن وصورتهن التي لم تقدم بعد. لابد من تشجيع الدخول في مغامرة البحث عن ما لم يعرف ، أو يعرض بعد.
- في ندوة خاصة بصورة المرأة العربية في الإعلام بما فيها الصورة السينمائية والبصرية جاء عدد من الملاحظات، وكانت هذه الندوة قد أقيمت تحت رعاية إدارة شؤون المرأة والأسرة بمقر جامعة الدول العربية خلال شهر ديسمبر عام 1998.
إحدى تلك الملاحظات ترى أن التعايش مع السماوات المفتوحة وثورة الإتصالات لا ينفي الحفاظ على الموروث الثقافي للأمة العربية وأن الإعلام المتطور هو القادر على تحقيق التوازن والتعادلية بين الأصالة والمعاصرة بما يكسب الجمهور العربي المعلومات والسلوكيات التي تجعله قادرا على التحاور المرن مع الثقافات دون جمود أو تصارع.
أما الملاحظة الأخرى والتي تنطبق أيضاً على صانعات السينما العربيات فتنص على أن الجهود الرامية إلى زيادة أعداد المرأة الإعلامية لن تؤدي بالضرورة إلى تحسين صورة المرأة في المضامين المقدمة عنها وقد أرجعت أسباب ذلك إلى العديد من الأسباب ، منها أن هذه الجهود تتجاهل البينة الثقافية الأبوية التي نشأت في ظلها هؤلاء الإعلاميات وأنهن لا يستطعن التعبير بحرية عن آرائهن وخبراتهن.
كما أن المرأة الإعلامية مضطرة إلى التعاون مع زملائها ، وإنها تخضع بالضرورة لنظام عمل وتراث المؤسسة الصحفية والإعلامية بمحدداته الإقتصادية والقانونية والإجتماعية ومن ثم فهي غير قادرة في الوقت الحالي على الأقل – على إحداث التغيير المنشود. وأن الواقع يشير إلى أن التحيز الطبقي والإجتماعي من جانب وسائل الإعلام العربية بما فيها السينما والصورة البصرية عموماً لنساء المدن على حساب نساء الريف والبادية ولصورة المرأة الأنثى ، الجميلة ، على حساب الصور الأخرى للمرأة كمنتجة ومشاركة في التنمية والتغير كان هو السائد على الصورة الموجهة للجماهير وأن غياب الجمهور النسائي واحتياجاته من قائمة الأولويات الإعلامية فتح سوقاً تجارياً للإعلام كان المستهدف فيه هو الإستهلاك أكثر منه الوعي والإلتزام الخاص بقضايا المرأة.
كذلك فإن الإعلام العربي يصور النوع – ذكوراً وإناثاً – كغريمين متصارعين على السلطة العائلية والنفوذ ، وإن كل منهما ، يأخذ الأسرة بعيداً عن أدوارها ووظائفها لأعضائها وللمجتمع. وإن الصورة الإعلامية أكثر إنحيازاً إلى المرأة الحضرية في الشرائح الوسطى والعليا ، كما يدلل على هذا مشاركتها في البرامج الإذاعية والتليفزيونية والصحافة والدراما والسينما حيث تبدو أقل اهتماماً بالمرأة في الشرائح الدنيا ، وفي الأرياف والبوادي العربية.
أخيراً لاشك أن مئة عام من السينما بالإضافة إلى الصحافة والتليفزيون قد أسهمت كثيراً في زيادة وعي المرأة العربية وكسر الكثير من التقليدية وخلق أحلام ، ونماذج ، وأفراح خاصة أسعدت الكثير من النساء والرجال غير أن حقيبة المستقبل تمتلئ أيضاً بالمزيد من الطموحات والأحلام ولاشك أن المرأة العربية المبدعة قادرة مثل مثيلاتها في العالم من تحقيق تلك الأحلام والصبو نحو المزيد منها مشاركة بذلك المزيد من الوعي الجميل الذي أخذ في التفتح لدى أجيال من المبدعين الرجال العرب ، أيضاً.
القاهرة
10 أبريل 1999
0 comments:
إرسال تعليق