مات مايكل جاكسون، نجم موسيقى البوب لأكثر من عقدين من الزمان. وأنا لا أجد مناصا الآن من الاعتراف بأنني لم أكن أحب مايكل جاكسون، ولا رقصاته وأغانيه التي كنت دائما أجدها غريبة على ذوقي، وإن كنت أفهم لماذا كان يحبها ملايين الشباب في العالم.
كنت دائما أتشكك في شخصية مايكل جاكسون الغريبة المليئة بالمتناقضات: ولعه المفاجيء بالأطفال، إجرائه سلسلة من العمليات الجراحية لـ"تبييض" بشرته، وإنقاص حجم أنفه وكأنه يهرب من "زنجيته" ويستنكرها بدون أي سبب في الواقع. أغانيه التي فيها من الرقص الاستعراضي أكثر مائة مرة مما فيها من الغناء. موسيقاه التي تصيبني بالتوتر العصبي.لكني بعد سماع خبر وفاته لا يسعني سوى أن أقف احتراما وتبجيلا لهذا المغني الاستعراضي الذي شغل الدنيا بأسرها لأكثر من عشرين عاما.
الموت دائما نهاية لفصل طويل، هو فصل الحياة الدنيا، أو بالأحرى، نهاية لقصة الحياة بكل ما فيها من شقاء وسعادة.وعند هذه النهاية التي سننتهي جميعا إليها مهما طال الزمن، يجب أن نتوقف، ونتأمل، ونتساءل عن معنى وجودنا المؤقت على الأرض، ونسرح ولو قليلا فيما يمكن أن يكون في انتظارنا هناك في العالم الآخر.لذلك يمكنني دائما، أن أغفر وأستغفر، لكل من تنتهي حياته بالموت، من يغلق الموت هذا الفصل الطويل – القصير الممتد بالنهاية المنتظرة التي لا نعرف أين ستأخذنا.
فالموت هو الحقيقة الوحيدة الثابتة المطلقة في حياتنا رغم أننا لا نعرف عنه شيئا، ولا نعرف ماذا يحدث لنا بعده تحديدا.
كنت في حوار قبل أسبوع أو أكثر قليلا، مع زميل لي من السودان حول جعفر النميري. كان زميلي هذا يبدي استغرابه ودهشته الكبيرة ممن يترحمون الآن على الرئيس السوداني جعفر النميري الذي رحل أخيرا. وكان لا يفهم بمنطقه الشخصي، كيف يمكن أن يترحم البعض على رجل شارك، حسب قوله، في "سفك الدماء، وسرقة شعبه وخداعه لسنوات، بل وكان أيضا في عرف "الخائن".
كان رأيي الذي قلته له أن الموت يغلق فصل الحياة بكامله، ويصبح الإنسان بين يدي ربه، هو الذي يمكنه أن يحاسبه، ولا نستطيع نحن أن نفعل شيئا سوى أن نترحم عليه، فقد كان إنسانا منا، من البشر أمثالنا، يخطئ ويصيب، أصبح حسابه الآن عند الله عز وجل.
لم يبد على صاحبي الاقتناع بمنطقي هذا بل كان يجد هذا المنطق متناقضا تماما خاصة أنه يصدر عن شخص يعلن أنه ضد الديكتاتورية والفاشية والحكم المتسلط.
نعم.. نحن ضد الحاكم المتسلط إلى أن يصبح بين يدي الله، فنتركه لحكم العزيز الجبار، كما نتركه أيضا لحكم التاريخ الذي لا يرحم أحدا مهما كان، فلن يصبح بوسعنا مطاردته في الدار الآخرة أيضا!
أما مايكل جاكسون، الذي أقام الدنيا بأسرها ولم يقعدها، بقضاياه المثيرة للجدل، علاقته بالأطفال، وبالحيوانات، هاجسه الخاص بشكله ومظهره، علاقة العمل التي ربطته أو كانت تربطه، بالوليد بن طلال والشركة التي كوناها معا. وغير ذلك، فقد انطوت صفحته وذهب ولا نملك سوى أن نتمنى له الرحمة والمغفرة.
مايكل جاكسون الذي تتردد أقاويل الآن حول أنه أنهى حياته بيده، بعد أن تناول جرعات زائدة من العقاقير، كان في النهاية ضحية عصره، ضحية الإعلام والصورة التي يرسمها للمشاهير، وربما أنه كان في قرارة نفسه إنسانا بسيطا يحب أن يحيا حياة بسيطة بعيدة عن الأضواء والصخب.. رحمه الله.
0 comments:
إرسال تعليق