كارلوس ودراكولا وبيرلسكوني وحافظ الاسد
أكتب ونحن على مسافة يومين فقط من مهرجان كان السينمائي. المفترض أن تقلع طائرتي من لندن- هيثرو بعد غد الأربعاء، إلى مطار نيس في جنوب فرنسا، أقرب المطارات الدولية إلى مدينة كان، التي ينطلق مهرجانها السينمائي الكبير في الثاني عشر من الشهر الجاري ويستمر لمدة 12 يوما.
إلا أن المفاجآت واردة باحتمالات كبيرة الآن، أن تتغير، ليس فقط خطتي الشخصية، بل خطط الآلاف من السينمائيين والصحفيين ورجال صناعة السينما والعاملين بشركات التوزيع و التسويق والدعاية والإعلان الذين يفدون من كل حدب وصوب.
في العام الماضي كاد المهرجان أن يواجه فوضى كبيرة، بل ونوعا من الذعر الذي كان يصلح في حد ذاته لموضوع فيلم سينمائي مثير، بسبب المخاوف الهائلة التي كانت قائمة من انتشار مرض أنفلونزا الخنازير. غير أن المهرجان، الذي يعد الأكبر من نوعه في العالم، مر بسلام ودون أن نسمع عن وقوع أحد صريعا للمرض الذي اتضح فيما بعد أن بعض الاحتكارات المتخصصة في الأدوية والعقاقير الطبية، قد بالغت كثيرا في تصوير قوته وضراوته.
اما الآن فنحن نواجه خطرا لا يمكن لأحد أن يدعي أنه "وهمي" أو "متخيل"، هو خطر انتشار سحابة الغبار البركاني الهائلة التي ينفثها يوميا بقوة، بركان الشر الكامن في أيسلندا، والتي تحلق حاليا فوق غرب أوروبا، وقد أدت بالفعل خلال الثماني والأربعين ساعة الأخيرة، إلى إغلاق عشرات المطارات في اسبانيا والبرتغال وايطاليا وألمانيا وايرلندا واسكتلندا، وإلى إلغاء عشرات الرحلات التي تحط طائراتها تحديدا في مطار نيس. وأصبح السؤال الآن: هل سيبقى مطار نيس مفتوحا حتى يمر يوما الثلاثاء والأربعاء، وهما اليومان اللذان يشهدان وصول آلاف القاصدين إلى الحدث الكبير؟ وهل يتعرض المهرجان لأزمة بسبب اضطرار شركات الطيران إلى إلغاء رحلاتها إلى نيس حفاظا على سلامة المسافرين، خصوصا بعد أن أصبحت الطائرات القادمة من أمريكا الشمالية تضطر حاليا إلى اللجوء إلى طرق أخرى لكي تبتعد عن تلك السحابة الجبارة من الغبار البركاني الكثيف الذي يمكن أن يؤدي إلى شلل المحركات وسقوط الطائرة لا قدر الله.
هل سنرى نوعا من الماراثون، عندما يهرع آلاف الصحفيين والسينمائيين في بلدان أوروبا الغربية على الاقل، للبحث عن طرق بديلة: السيارات والبواخر والقطارات، التي تجعل الرحلة التي تستغرق عادة ساعة أو ساعتين، قد تصل في هذه الحالة، إلى من 10 إلى 20 ساعة. أم أن الكثيرين سيفضلون إلغاء رحلاتهم في انتظار مشاهدة الافلام الجديدة في عروضها العامة في العواصم الأوروبية أو في مهرجانات أخرى تكون بعيدة عن تلك السحابة البركانية التي يقول العلماء إنها قد تستغرق عامين!؟
لا أحد يعرف شيئا. ولكنه حظ هذا المهرجان الذي أعد العدة كاملة، لاستقبال ضيوفه ووضع جداول العروض العامة والصحفية، كما استعد للمؤتمرات الصحفية الحاشدة التي سيحضرها كبار السينمائيين ونجوم السينما في العالم.
لكن مشكلة كان هذا العام لا تأتي فقط من السماء، بل من إيطاليا التي انفجر فيها غضب رسمي عارم على عرض فيلم "دراكيلا" الذي يسخر من رئيس الحكومة الإيطالية سيلفيو بيرلسكوني ويصوره مثل دراكولا مصاص الدماء، ويظهره لا مباليا بل ويرقص طربا فوق جثث ضحايا زلزال لاكيلا في شمال ايطاليا في أبريل العام الماضي. وقد أدى إعلان المهرجان عن عرض الفيلم ضمن برنامج العروض الخاصة إلى استياء وزير الثقافة الإيطالي الذي اعلن أنه لن يذهب إلى كان، احتجاجا على عرض الفيلم. وجدير بالذكر أن عنوان الفيلم هو مزيج من كلمة لاكيلا (اسم البلدة) ودراكولا.
في الوقت نفسه، تسربت أنباء عن وجود خلافات عميقة بين المدير الفني للمهرجان تيري فريمو، ورئيس المهرجان جيل جاكوب، بسبب إصرار فريمو ضد رغبة الرئيس وباقي أعضاء لجان الاختيار جميعا وعددهم 30 شخصا، على عرض فيلم "كارلوس" الفرنسي لأوليفييه أسايس، وهو فيلم تليفزيوني (او بالأحرى مسلسل) تصل مدة عرضه إلى نحو خمس ساعات ونصف الساعة، ويروي قصة "ابن آوي" أو كارلوس، الذي يعتبر أشهر زعماء الإرهاب الدولي في السبعينيات، والموجود حاليا في سجن فرنسي بعد القبض عليه في السودان عام 1994. وكان رأي جاكوب أنه لا يجب أن يعرض مهرجانه فيلما تليفزيونيا مهما كانت أهميته، إلا أن فريمو استجاب لضغوط شركة قنال- بلاس canal plus التي أنتجت الفيلم- المسلسل، والتي تعد الراعي الرسمي الرئيسي لمهرجان كان!
مشكلة فريدة تسربت تفاصيلها إلى الصحافة الفرنسية، بل إن رد فعل كارلوس أيضا كان غاضبا جدا، وقد رفع عن طريق محاميته (وهي في الوقت نفسه زوجته) دعوى قضائية لوقف عرض الفيلم بدعوى انه يشوهه ويتهمه بأنه كان مدمنا للمخدرات في حين أنه يقول إنه لم يسبق له أن تعاطى المخدرات أو المهدئات طوال حياته، كما يتهمه بجريمة قتل سيدة سورية يقول كارلوس إن مخابرات حافظ الأسد هي التي اغتالتها، بالإضافة إلى عشرات الملاحظات الأخرى. غير أن المحكمة رفضت القضية بدعوى أنه لا يحق لكارلوس أن يكون له رأي في الفيلم، وإلا لأخذنا رأي أسامة بن لادن اولا قبل الشروع في عمل فيلم عنه!
هذا الفيلم سيعرض للصحافة والنقاد يوم الأربعاء 19 مايو من الثانية عشرة ظهرا إلى ما شاء الله، أي إلى أن ينتهي على خير.
لم يبق إلا أن نأمل في انقشاع السحابة البركانية بعيدا عن نيس وكان، خلال اليومين القادمين، لكي نتمكن من اللحاق بالمهرجان، وكارلوس وبيرلسكوني، وكل الصحبة.. فإلى اللقاء في "يوميات مهرجان كان" كما تعودنا، والتي أصبحت تقليدا راسخا في هذا الموقع.
إلا أن المفاجآت واردة باحتمالات كبيرة الآن، أن تتغير، ليس فقط خطتي الشخصية، بل خطط الآلاف من السينمائيين والصحفيين ورجال صناعة السينما والعاملين بشركات التوزيع و التسويق والدعاية والإعلان الذين يفدون من كل حدب وصوب.
في العام الماضي كاد المهرجان أن يواجه فوضى كبيرة، بل ونوعا من الذعر الذي كان يصلح في حد ذاته لموضوع فيلم سينمائي مثير، بسبب المخاوف الهائلة التي كانت قائمة من انتشار مرض أنفلونزا الخنازير. غير أن المهرجان، الذي يعد الأكبر من نوعه في العالم، مر بسلام ودون أن نسمع عن وقوع أحد صريعا للمرض الذي اتضح فيما بعد أن بعض الاحتكارات المتخصصة في الأدوية والعقاقير الطبية، قد بالغت كثيرا في تصوير قوته وضراوته.
اما الآن فنحن نواجه خطرا لا يمكن لأحد أن يدعي أنه "وهمي" أو "متخيل"، هو خطر انتشار سحابة الغبار البركاني الهائلة التي ينفثها يوميا بقوة، بركان الشر الكامن في أيسلندا، والتي تحلق حاليا فوق غرب أوروبا، وقد أدت بالفعل خلال الثماني والأربعين ساعة الأخيرة، إلى إغلاق عشرات المطارات في اسبانيا والبرتغال وايطاليا وألمانيا وايرلندا واسكتلندا، وإلى إلغاء عشرات الرحلات التي تحط طائراتها تحديدا في مطار نيس. وأصبح السؤال الآن: هل سيبقى مطار نيس مفتوحا حتى يمر يوما الثلاثاء والأربعاء، وهما اليومان اللذان يشهدان وصول آلاف القاصدين إلى الحدث الكبير؟ وهل يتعرض المهرجان لأزمة بسبب اضطرار شركات الطيران إلى إلغاء رحلاتها إلى نيس حفاظا على سلامة المسافرين، خصوصا بعد أن أصبحت الطائرات القادمة من أمريكا الشمالية تضطر حاليا إلى اللجوء إلى طرق أخرى لكي تبتعد عن تلك السحابة الجبارة من الغبار البركاني الكثيف الذي يمكن أن يؤدي إلى شلل المحركات وسقوط الطائرة لا قدر الله.
هل سنرى نوعا من الماراثون، عندما يهرع آلاف الصحفيين والسينمائيين في بلدان أوروبا الغربية على الاقل، للبحث عن طرق بديلة: السيارات والبواخر والقطارات، التي تجعل الرحلة التي تستغرق عادة ساعة أو ساعتين، قد تصل في هذه الحالة، إلى من 10 إلى 20 ساعة. أم أن الكثيرين سيفضلون إلغاء رحلاتهم في انتظار مشاهدة الافلام الجديدة في عروضها العامة في العواصم الأوروبية أو في مهرجانات أخرى تكون بعيدة عن تلك السحابة البركانية التي يقول العلماء إنها قد تستغرق عامين!؟
لا أحد يعرف شيئا. ولكنه حظ هذا المهرجان الذي أعد العدة كاملة، لاستقبال ضيوفه ووضع جداول العروض العامة والصحفية، كما استعد للمؤتمرات الصحفية الحاشدة التي سيحضرها كبار السينمائيين ونجوم السينما في العالم.
لكن مشكلة كان هذا العام لا تأتي فقط من السماء، بل من إيطاليا التي انفجر فيها غضب رسمي عارم على عرض فيلم "دراكيلا" الذي يسخر من رئيس الحكومة الإيطالية سيلفيو بيرلسكوني ويصوره مثل دراكولا مصاص الدماء، ويظهره لا مباليا بل ويرقص طربا فوق جثث ضحايا زلزال لاكيلا في شمال ايطاليا في أبريل العام الماضي. وقد أدى إعلان المهرجان عن عرض الفيلم ضمن برنامج العروض الخاصة إلى استياء وزير الثقافة الإيطالي الذي اعلن أنه لن يذهب إلى كان، احتجاجا على عرض الفيلم. وجدير بالذكر أن عنوان الفيلم هو مزيج من كلمة لاكيلا (اسم البلدة) ودراكولا.
في الوقت نفسه، تسربت أنباء عن وجود خلافات عميقة بين المدير الفني للمهرجان تيري فريمو، ورئيس المهرجان جيل جاكوب، بسبب إصرار فريمو ضد رغبة الرئيس وباقي أعضاء لجان الاختيار جميعا وعددهم 30 شخصا، على عرض فيلم "كارلوس" الفرنسي لأوليفييه أسايس، وهو فيلم تليفزيوني (او بالأحرى مسلسل) تصل مدة عرضه إلى نحو خمس ساعات ونصف الساعة، ويروي قصة "ابن آوي" أو كارلوس، الذي يعتبر أشهر زعماء الإرهاب الدولي في السبعينيات، والموجود حاليا في سجن فرنسي بعد القبض عليه في السودان عام 1994. وكان رأي جاكوب أنه لا يجب أن يعرض مهرجانه فيلما تليفزيونيا مهما كانت أهميته، إلا أن فريمو استجاب لضغوط شركة قنال- بلاس canal plus التي أنتجت الفيلم- المسلسل، والتي تعد الراعي الرسمي الرئيسي لمهرجان كان!
مشكلة فريدة تسربت تفاصيلها إلى الصحافة الفرنسية، بل إن رد فعل كارلوس أيضا كان غاضبا جدا، وقد رفع عن طريق محاميته (وهي في الوقت نفسه زوجته) دعوى قضائية لوقف عرض الفيلم بدعوى انه يشوهه ويتهمه بأنه كان مدمنا للمخدرات في حين أنه يقول إنه لم يسبق له أن تعاطى المخدرات أو المهدئات طوال حياته، كما يتهمه بجريمة قتل سيدة سورية يقول كارلوس إن مخابرات حافظ الأسد هي التي اغتالتها، بالإضافة إلى عشرات الملاحظات الأخرى. غير أن المحكمة رفضت القضية بدعوى أنه لا يحق لكارلوس أن يكون له رأي في الفيلم، وإلا لأخذنا رأي أسامة بن لادن اولا قبل الشروع في عمل فيلم عنه!
هذا الفيلم سيعرض للصحافة والنقاد يوم الأربعاء 19 مايو من الثانية عشرة ظهرا إلى ما شاء الله، أي إلى أن ينتهي على خير.
لم يبق إلا أن نأمل في انقشاع السحابة البركانية بعيدا عن نيس وكان، خلال اليومين القادمين، لكي نتمكن من اللحاق بالمهرجان، وكارلوس وبيرلسكوني، وكل الصحبة.. فإلى اللقاء في "يوميات مهرجان كان" كما تعودنا، والتي أصبحت تقليدا راسخا في هذا الموقع.
1 comments:
رحلة سعيدة وسالمة وآمنة وغانمة. ربما تمنح الأجواء التى وصفتها مزيدا من الإثارة التى تليق أكثر بفن السينما .نتمنى أيضا أن تكون الأفلام غير مخيبة للآمال وأن يجعل الله الأفلام الطويلة والمملة والسخيفة بردا وسلاما على كل المشاهدين .آمين
محمود عبد الشكور
إرسال تعليق