إحياء للمناقشة التي دعا إليها الصديق ليث الربيعي حول طبيعة السينما في عالمنا ودورها الثقافي المهم، أنشر هنا مداخلة بعث بها الصديق عمر منجونة من القاهرة، وفي انتظار ورود مزيد من المداخلات، من كل أصدقاء هذه المدونة، خاصة من السينمائيين الشباب الذين يتطلعون إلى صنع سينما مختلفة في المشرق العربي والمغرب العربي.
أستاذى العزيز / أمير العمرى
بما أن هذه هى المرة الأولى التى أراسل حضرتك فيها عن طريق البريد الالكترونى فاسمح لى أن أسجل أولا احترامى لكل ما تكتبه ولكل مجهودك فى سبيل نشر ثقافة السينما.
قرأت رسالة الأستاذ ليث الربيعى ورد حضرتك عليها وبناء عليه اسمح لى بتدوين بعض الآراء أو ربما الهواجس بشأن الموضوع المطروح:
- السينما ثقافة أم صناعة ؟ ولماذا علينا المقارنة أصلا، لازلت لا أفهم سبب الاصرار على تقسيم السينما فنى وتجارى، جماهيرى ونخبوى، وكل تلك الاشياء التى لا تخدم بالأساس الا المنتجين وما يسمى بنجوم الشباك. واذا خصصنا الحديث عن دولنا العربية نضيف طرفا ثالثا وهم المتطرفون الذين يستمرون بادعاء تفاهة السينما أو حرمانيتها أو... نعود للموضوع - لا أتخيل أبدا أن أرى يوما ما تلك المذيعة الشقراء، بجسدها النحيل جالسة أمام الدكتور يوسف زيدان - على سبيل المثال- تحدثه عن عدم تجارية روايته الأخيرة "عزازيل" أو أن شخصية هيبا كانت قاسية جدا على (الناس) أو أن لغته الشعرية غير مفهومة على العوام ومع ذلك فـ(عزازيل) مستمرة فى (البوكس أوفيس) بنجاح ... لكنى بكل بساطة (وسخافة) يمكننى أن أجد نفس المذيعة تتحدث مع المخرج - الأسطورى- عادل أديب يحدثنا عن أن فيلمه الأخير قد اختير فى أحد مهرجانات كندا من (أحسن عشرة أفلام فى العالم!) بل وكانت القائمة تضم أفلاما لوودى ألين وسكورسيزى، وزيادة من جرعة السخافة يتحدى (الأسطورة) أن يأتى بأكبر عشرة نقاد فى مصر وأن يكون هو فى الطرف المقابل وأن يأتى بلجنة تحكيم عالمية (على نمط أفلام جود نيوز) فتسأل كلا الطرفين عشرة أسئلة فى السينما - ونشوف مين اللى بيفهم أكتر.
- لا يمكننى بالطبع أن أنكر ظروف نشأة السينما كترفيه والهالة المحيطة (بصناعتها) منذ البداية وكل هذه الأمور لكن أعود وأجد هذا السؤال يسد طريقى : بدون برجمان و أنطونيونى وفيللينى وكوروساوا ومايك لى ويوسف شاهين وصلاح أبو سيف هل كانت ستوجد سينما بالأساس ؟ أقصد فن السينما فالسينما لم تحصل على اعترافها كفن الا من خلال عرق وفكر هؤلاء وغيرهم من أصحاب الرؤى الفنية لا أصحاب دور العرض ومن يبيع (الفشار) بداخلها فلماذا بحق الله ننسف كل مجهودات هؤلاء، ولماذا يصبح مروان حامد بين ليلة وضحاها مخرج عالمى (مع احترامى الشديد لتجربتيه الشابتين) ونتجاهل محمد خان ويسري نصر الله وداود عبد السيد.. لماذا يصرف على كرة القدم الملايين (والأساس أنها نشاط غير ربحى - يعنى الفلوس مش هترجع) بينما توفيق صالح محتجز فى منزله منذ ما يقرب من ربع قرن أو يزيد.. ولماذا لا تحقق أفلام هؤلاء المخرجين ما تحققه بعض الأعمال الأدبية حسنة الذكر؟ باعتقادى ان المسألة ليست مجرد عرض وطلب.
- صانع الفيلم هو الأساس، ولا أدعى أننى - فى الوقت الراهن- ارتكز على ما يكفينى من معلومات لمعرفة عدد العناصر التى تملك رؤية (الخلق) فى العمل السينمائى لكنى أجد نفسى بطريقة أو بأخرى منجذبا الى نظرية صانع الفيلم أو سينما المؤلف - مع عدم اغفال دور كاتب السيناريو بالتأكيد لكنهم على الأكثر شخصان مسؤولان عن تلك العملية (الخلق الفنى) ما أعنيه هنا هو: أن وجود فكرة ما يسمى بصنّاع الفيلم تقطع كل السبل المؤدية الى قيام علاقة بين المبدع والمتلقى ونظرية (المخرج المايسترو) لا تحقق المطلوب على غرار الرواية فمن يقرأ لشتاينبك يعلم أنه شتاينبك وكذلك من يقرأ لمحفوظ أما من يشاهد افتتاحية عصابات نيويورك لمارتن سكورسيزى (لاحظ أستاذ أمير اللام تدل على تبعية الفيلم لمخرجه) - أعنى (مشهد المعركة فى البداية) فأنه يتساءل ان كان سكورسيزى قد تخيل هذا المشهد البديع عند قراءته للسيناريو ونفذه بالشكل الذى تخيله أم أن الأمر مجرد مصمم معارك ومونتيره (شاطرين) وبالتالى فسكورسيزى هو مجرد المشرف الذى يجلس خلف (المونيتور) ويقول (أكشن - كات) ثم يحصد المجد وحده. بالطبع فان مثل تلك رؤية (لصنّاع الفيلم) تسبب عدم القدرة على احترام السينمائى (المخرج) من قبل الأوساط المختلفة بنفس قدر الاحترام للروائى - أو التشكيلى - أو الموسيقى (كخالقين لأعمالهم) بينما الابداع فى الفيلم لكاتب السيناريو والمنتج الجيد قادر على الصرف على الفيلم ليخرج (عالميا) والمخرج لا يقوم الا بتحريك الكاميرا (زاوية يمين - زاوية شمال على رأى شريف عرفة) والباقى فى يد الصنّاع ومن ثم كيف يمكن احترام تاركوفسكى بنفس قدر احترام دستويفسكى و كيف أقول أن الأول مسؤول عن (طفولة ايفان) بنفس مسؤولية الأخير عن (الجريمة والعقاب) وهلم جرا مع باقى أنواع الفنون.
أعتقد أنى قد أطلت كثيرا فى الحديث فأرجو أن أكون قد نجحت فى توصيل جزء من رؤيتى حول الموضوع المطروح.
تقبل منى خالص التحية.
عمر منجونة
* تعليق بسيط فقط على رسالة الأستاذ عمر منجونة أن الأموال التي تنفق على كرة القدم تعود بالربح كثيرا سواء من خلال دخل المباريات أم المتاجرة في اللاعبين. وقد أكون مخطئا لأنني لست خبيرا رياضيا. وفي انتظار مزيد من الآراء التي تثري الموضوع.
أستاذى العزيز / أمير العمرى
بما أن هذه هى المرة الأولى التى أراسل حضرتك فيها عن طريق البريد الالكترونى فاسمح لى أن أسجل أولا احترامى لكل ما تكتبه ولكل مجهودك فى سبيل نشر ثقافة السينما.
قرأت رسالة الأستاذ ليث الربيعى ورد حضرتك عليها وبناء عليه اسمح لى بتدوين بعض الآراء أو ربما الهواجس بشأن الموضوع المطروح:
- السينما ثقافة أم صناعة ؟ ولماذا علينا المقارنة أصلا، لازلت لا أفهم سبب الاصرار على تقسيم السينما فنى وتجارى، جماهيرى ونخبوى، وكل تلك الاشياء التى لا تخدم بالأساس الا المنتجين وما يسمى بنجوم الشباك. واذا خصصنا الحديث عن دولنا العربية نضيف طرفا ثالثا وهم المتطرفون الذين يستمرون بادعاء تفاهة السينما أو حرمانيتها أو... نعود للموضوع - لا أتخيل أبدا أن أرى يوما ما تلك المذيعة الشقراء، بجسدها النحيل جالسة أمام الدكتور يوسف زيدان - على سبيل المثال- تحدثه عن عدم تجارية روايته الأخيرة "عزازيل" أو أن شخصية هيبا كانت قاسية جدا على (الناس) أو أن لغته الشعرية غير مفهومة على العوام ومع ذلك فـ(عزازيل) مستمرة فى (البوكس أوفيس) بنجاح ... لكنى بكل بساطة (وسخافة) يمكننى أن أجد نفس المذيعة تتحدث مع المخرج - الأسطورى- عادل أديب يحدثنا عن أن فيلمه الأخير قد اختير فى أحد مهرجانات كندا من (أحسن عشرة أفلام فى العالم!) بل وكانت القائمة تضم أفلاما لوودى ألين وسكورسيزى، وزيادة من جرعة السخافة يتحدى (الأسطورة) أن يأتى بأكبر عشرة نقاد فى مصر وأن يكون هو فى الطرف المقابل وأن يأتى بلجنة تحكيم عالمية (على نمط أفلام جود نيوز) فتسأل كلا الطرفين عشرة أسئلة فى السينما - ونشوف مين اللى بيفهم أكتر.
- لا يمكننى بالطبع أن أنكر ظروف نشأة السينما كترفيه والهالة المحيطة (بصناعتها) منذ البداية وكل هذه الأمور لكن أعود وأجد هذا السؤال يسد طريقى : بدون برجمان و أنطونيونى وفيللينى وكوروساوا ومايك لى ويوسف شاهين وصلاح أبو سيف هل كانت ستوجد سينما بالأساس ؟ أقصد فن السينما فالسينما لم تحصل على اعترافها كفن الا من خلال عرق وفكر هؤلاء وغيرهم من أصحاب الرؤى الفنية لا أصحاب دور العرض ومن يبيع (الفشار) بداخلها فلماذا بحق الله ننسف كل مجهودات هؤلاء، ولماذا يصبح مروان حامد بين ليلة وضحاها مخرج عالمى (مع احترامى الشديد لتجربتيه الشابتين) ونتجاهل محمد خان ويسري نصر الله وداود عبد السيد.. لماذا يصرف على كرة القدم الملايين (والأساس أنها نشاط غير ربحى - يعنى الفلوس مش هترجع) بينما توفيق صالح محتجز فى منزله منذ ما يقرب من ربع قرن أو يزيد.. ولماذا لا تحقق أفلام هؤلاء المخرجين ما تحققه بعض الأعمال الأدبية حسنة الذكر؟ باعتقادى ان المسألة ليست مجرد عرض وطلب.
- صانع الفيلم هو الأساس، ولا أدعى أننى - فى الوقت الراهن- ارتكز على ما يكفينى من معلومات لمعرفة عدد العناصر التى تملك رؤية (الخلق) فى العمل السينمائى لكنى أجد نفسى بطريقة أو بأخرى منجذبا الى نظرية صانع الفيلم أو سينما المؤلف - مع عدم اغفال دور كاتب السيناريو بالتأكيد لكنهم على الأكثر شخصان مسؤولان عن تلك العملية (الخلق الفنى) ما أعنيه هنا هو: أن وجود فكرة ما يسمى بصنّاع الفيلم تقطع كل السبل المؤدية الى قيام علاقة بين المبدع والمتلقى ونظرية (المخرج المايسترو) لا تحقق المطلوب على غرار الرواية فمن يقرأ لشتاينبك يعلم أنه شتاينبك وكذلك من يقرأ لمحفوظ أما من يشاهد افتتاحية عصابات نيويورك لمارتن سكورسيزى (لاحظ أستاذ أمير اللام تدل على تبعية الفيلم لمخرجه) - أعنى (مشهد المعركة فى البداية) فأنه يتساءل ان كان سكورسيزى قد تخيل هذا المشهد البديع عند قراءته للسيناريو ونفذه بالشكل الذى تخيله أم أن الأمر مجرد مصمم معارك ومونتيره (شاطرين) وبالتالى فسكورسيزى هو مجرد المشرف الذى يجلس خلف (المونيتور) ويقول (أكشن - كات) ثم يحصد المجد وحده. بالطبع فان مثل تلك رؤية (لصنّاع الفيلم) تسبب عدم القدرة على احترام السينمائى (المخرج) من قبل الأوساط المختلفة بنفس قدر الاحترام للروائى - أو التشكيلى - أو الموسيقى (كخالقين لأعمالهم) بينما الابداع فى الفيلم لكاتب السيناريو والمنتج الجيد قادر على الصرف على الفيلم ليخرج (عالميا) والمخرج لا يقوم الا بتحريك الكاميرا (زاوية يمين - زاوية شمال على رأى شريف عرفة) والباقى فى يد الصنّاع ومن ثم كيف يمكن احترام تاركوفسكى بنفس قدر احترام دستويفسكى و كيف أقول أن الأول مسؤول عن (طفولة ايفان) بنفس مسؤولية الأخير عن (الجريمة والعقاب) وهلم جرا مع باقى أنواع الفنون.
أعتقد أنى قد أطلت كثيرا فى الحديث فأرجو أن أكون قد نجحت فى توصيل جزء من رؤيتى حول الموضوع المطروح.
تقبل منى خالص التحية.
عمر منجونة
* تعليق بسيط فقط على رسالة الأستاذ عمر منجونة أن الأموال التي تنفق على كرة القدم تعود بالربح كثيرا سواء من خلال دخل المباريات أم المتاجرة في اللاعبين. وقد أكون مخطئا لأنني لست خبيرا رياضيا. وفي انتظار مزيد من الآراء التي تثري الموضوع.
3 comments:
فى البداية اسمحلى اعبر مش عن اعجابى لا عن انبهارى بالمدونة عامة وبافكارها وفعلا اللى بيكتبها اكيد عايش فى سحر السينما عشان تخرج المدونة بالجمال دة
كل ما بيتفتح موضوع السنما التجارية والسينما الابداعية على طول بتتوجة اصابع الاتهام اولا للجمهور والجملة الخالدة الجمهور عايز كدة وبتفكيرى مقدرتش انكر ان فعلا الجمهور بيعوز كدة بس فى شرخ فى النص اكيد حصل ما بين جمهور كان بيقدر سحر وجمال السينما وجمهور انتهى بية الحال انة عاوز كدة الفرق دة اعتقد والله اعلم ان اللى صنعة هو المنتجين والقائمين على الصناعة فالحل ودة برضوا اعتقداى اننا نعمل نفس العملية بس بالعكس اننا نستدرج الجمهور باعمال تجارية بتحمل جواها فن
السينما ليست ثقافة وليست تسلية، برأيي هي واسطة يمكن استخدامها للفن أو للتسلية.
المشكلة تكمن في كلفة الصناعة السينمائية وإمكانية الربح الهائلة، تواجد هذين الأمرين معا يجعل رجال الأعمال يستثمرون في هذه الصناعة ويبحثون عن "صيغة مضمونة" للربح فتنتج السينما التجارية التي تحاول استنساخ الأفلام الناجحة تجاريا.
كما أرى اليوم فالسينما الجادة اليوم بغالبيتها هي سينما مدعومة من صناديق مختلفة أو سينما قطاع عام (لكن هنا يجب منح المخرج حريته الإبداعية)... ليت العرب يدركون أهمية السينما الفنية ويخصصون بعضا منها لمثل هذه الصناديق.
بالنسبة لكرة القدم فبحسب معلوماتي هنالك بعض العائدات (من التذاكر، بيع اللاعبين وعوائد البث) لكنها عادة لا تغطي التكلفات... وفي أحسن الأحوال فإن الربح الذي تعود به قليل (جدا) نسبة للمبالغ المستثمرة.
بالنسبة لتعليق الاستاذ (واحد مش فاهم حاجة) فأنا متفق معه فى المجمل لكنى اختلف فقط على تعبير (سينما تجارية بداخلها فن) برأيى الأمر لا يعدو الا أن يكون مجرد فيلم جيد/ سئ فنيا وكل تلك المسميات انما هى من صنيع المنتجين والصحافة الغير متخصصة , والا لاختلف النقد حيال النوعين فكان يمكن أن نقول أن فيلم (شيفرة دافنشى) هو تحفة تجارية لكنه شئ على الصعيد الفنى وهذا - فى حد علمى - غير جائز نقديا.
إرسال تعليق