على صعيد التجارة السينمائية أي السوق كان أغرب ما وقع أمس أن صدر تهديد عن المشترين الروس أثناء جلسة مناقشة في الخيمة الروسية بسوق كان، لموزعي الأفلام الأمريكية تحديدا.
هذا التهديد مؤداه أنه ما لم يخفض الموزعون الأمريكيون أسعار الصفقات التي تم التعاقد عليها بالفعل قبل وقوع الأزمة الاقتصادية العالمية القائمة، فإن الروس يقولون إنهم لن يحترموا الاتفاقات الموقعة على شراء أفلام لم تكن قد انتهت بعد.
الروس يطالبون الموزعين الأمريكيين بخفض يصل إلى 90 في المائة في قيمة التعاقدات، ويقولون إن مبيعات الاسطوانات الرقمية (دي في ي) انخفضت بنسبة 60 في المائة بسبب القرصنة، كما تناقص الاقبال على دور السينما بسبب القرصنة أيضا، وتناقص شراء محطات التليفزيون للأفلام الجديدة.
الموزعون الأمريكيون قالوا إن الأمر ليس قاصرا على الروس فقط بل يشمل الجميع، أي أن الأزمة تشمل الكل فلم يطالب الروس بمعاملة خاصة هنا، كما أشاروا على الروس بالمساومة للحصول على أسعار أفضل بالنسبة للأفلام التي انتهت فعلا وأصبحت جاهزة، لأنها في تلك الحالة تكون ملكا للمنتج ولا يكون قد تبقى عليها قروض للبنوك. أنا شخصيا لا أفهم كثيرا في عمليات التمويل وتعقيداتها والدروب الخاصة بعالم الصفقات، لكني أشم رائحة أزمة ما!
في عالم المشاهدة السينمائية كان أغرب ما وقع معي خلال الأيام الماضية أن جاء شابان أمريكيان بينهما واحد من أصول صينية واضحة، يفترض ان الاثنين ناقدان، وقد جلسا بجواري مباشرة في قاعة ديبوسيه المخصصة للعروض الصحفية. وبمجرد أن بدأ عرض الفيلم أخذ الأخ الصيني الأمريكي يسعل باستمرار، وبين آونة وأخرى، يصدر صوتا حادا من أنفه كما لو كان يسلك أنفه بقوة. وتكرر هذا الأمر عشرات المرات دون أن يشغل بال الأمريكي الآخر (الأصلي) الجالس بجواره و القادم بصحبته. ولكن الموضوع كله عكر علي كثيرا جدا صفو المشاهدة، فما هذا؟ وما معنى هذه الأصوات والسعال؟ كنت أود أن أهمس في أذنه ببساطة: أنت في حاجة إلى رؤية طبيب ياعزيزي.. فارحم نفسك وارحمنا فنحن في زمن أنفلونزا الخنازير!
ولو فعلت لقامت القيامة طبعا، فستكون تهمة الاعتداء العنصري على الحرية الشخصية جاهزة على الفور. ما حدث أنني أصبحت أراقب نفسي جيدا ولحسن الحظ لم تظهر علي أي أعراض بعد. هل كانت هذه حالة عصبية التي أصيب بها الناقد الصيني-الأمريكي ربما من فرط الهلع في التسابق على مشاهدة الأفلام في كان؟ ربما!
أخيرا تمكنت من مشاهدة الفيلم اليوناني "زمن الغبار" للمخرج الكبير ثيو أنجلوبولوس ضمن عروض السوق الدولية للأفلام وهو ما كان يسألني عنه باهتمام صديقنا محمد هاشم الذي ترجم كتابا كاملا عن أنجلوبولوس وسينماه الشاعرية ذات البصمة الخاصة، وهو أساسا أيضا من المهتمين بالسينما الفنية. لكن لعل محمد لا يشعر بنوع من الاحباط إذا ما قل له إنني وجدت- لدهشتي الشديدة- أن الفيلم أقل أفلام مخرجه تألقا حتى الآن. نعم هناك الحركة البطيئة المميزة للكاميرا، والإيقاع التأملي البطيء، والاعتماد على التداخل بين الماضي والحاضر، وعلى استدعاء الذاكرة، والبطل الذي يرغب في تصفية حساباته الشخصية مع ماضيه ومع عالمه، لكن أنجلوبولوس فقد شيئا مهما هنا ربما يكون المدخل الخاص الجديد للموضوع، وغرق في الانتقال بين عدد كبير من الشخصيات، ومزج بين الانجليزية واليونانية، واستخدم طاقما تمثيليا "دوليا" متنافرا مثل وليم دافوي وميشيل بيكولي وايرين جاكوب وبرونو جانز وغيرهم.
الأحداث أيضا كثيرة ومتلاحقة، والشخصيات تتحرك كالعادة في التاريخ، من وفاة ستالين حتى استقالة نيكسون. وتنتقل بين أماكن ومدن مختلفة. فيلم محير ومربك بل ومرتبك في بنائه، واعتماده على الحوار التقليدي بين شخصين في لقطات قريبة ومتوسط وعلى القطع المتبادل، يحد كثيرا من استمتاعك به.
ماذا يحدث للسينمائيين الكبار عندما يشيخون أو يكبرون؟ هذا السؤال أيضا يراودك وأنت تشاهد فيلم "نجمة لامعة" لمخرجة جين كامبيون التي أتحفتنا هنا في كان بفيلم "البيانو" عام 1993. هذا الفيلم أثار سخط الجميع بسبب بطئه ولغته الأدبية العقيمة، حتى بدا أنه يعكس تراجعا إلى سينما عفا عليها الدهر خاصة وأنه يتناول موضوعا لا جديد فيه من أي ناحية، يدور حول العلاقة العاطفية بين الشاعر الانجليزي جون كيتس وفاني براون، وكيف انتهت حياة الشاعر مبكرا، وترك فاني التي أحبته بصدق وحيدة تبكي حبها المفقود.
فيلم رومانسي يعتمد أساسا على الحوار واستخدام القصائد الشهيرة للشاعر، ولكن ليست وظيفة السينما قراءة الشعر ولا ترجمة قسم من حياة أي إنسان، بل البحث في قيمة جديدة ورؤية خاصة معاصرة لما يكمن في الماضي.. أليس كذلك!
هذا التهديد مؤداه أنه ما لم يخفض الموزعون الأمريكيون أسعار الصفقات التي تم التعاقد عليها بالفعل قبل وقوع الأزمة الاقتصادية العالمية القائمة، فإن الروس يقولون إنهم لن يحترموا الاتفاقات الموقعة على شراء أفلام لم تكن قد انتهت بعد.
الروس يطالبون الموزعين الأمريكيين بخفض يصل إلى 90 في المائة في قيمة التعاقدات، ويقولون إن مبيعات الاسطوانات الرقمية (دي في ي) انخفضت بنسبة 60 في المائة بسبب القرصنة، كما تناقص الاقبال على دور السينما بسبب القرصنة أيضا، وتناقص شراء محطات التليفزيون للأفلام الجديدة.
الموزعون الأمريكيون قالوا إن الأمر ليس قاصرا على الروس فقط بل يشمل الجميع، أي أن الأزمة تشمل الكل فلم يطالب الروس بمعاملة خاصة هنا، كما أشاروا على الروس بالمساومة للحصول على أسعار أفضل بالنسبة للأفلام التي انتهت فعلا وأصبحت جاهزة، لأنها في تلك الحالة تكون ملكا للمنتج ولا يكون قد تبقى عليها قروض للبنوك. أنا شخصيا لا أفهم كثيرا في عمليات التمويل وتعقيداتها والدروب الخاصة بعالم الصفقات، لكني أشم رائحة أزمة ما!
في عالم المشاهدة السينمائية كان أغرب ما وقع معي خلال الأيام الماضية أن جاء شابان أمريكيان بينهما واحد من أصول صينية واضحة، يفترض ان الاثنين ناقدان، وقد جلسا بجواري مباشرة في قاعة ديبوسيه المخصصة للعروض الصحفية. وبمجرد أن بدأ عرض الفيلم أخذ الأخ الصيني الأمريكي يسعل باستمرار، وبين آونة وأخرى، يصدر صوتا حادا من أنفه كما لو كان يسلك أنفه بقوة. وتكرر هذا الأمر عشرات المرات دون أن يشغل بال الأمريكي الآخر (الأصلي) الجالس بجواره و القادم بصحبته. ولكن الموضوع كله عكر علي كثيرا جدا صفو المشاهدة، فما هذا؟ وما معنى هذه الأصوات والسعال؟ كنت أود أن أهمس في أذنه ببساطة: أنت في حاجة إلى رؤية طبيب ياعزيزي.. فارحم نفسك وارحمنا فنحن في زمن أنفلونزا الخنازير!
ولو فعلت لقامت القيامة طبعا، فستكون تهمة الاعتداء العنصري على الحرية الشخصية جاهزة على الفور. ما حدث أنني أصبحت أراقب نفسي جيدا ولحسن الحظ لم تظهر علي أي أعراض بعد. هل كانت هذه حالة عصبية التي أصيب بها الناقد الصيني-الأمريكي ربما من فرط الهلع في التسابق على مشاهدة الأفلام في كان؟ ربما!
أخيرا تمكنت من مشاهدة الفيلم اليوناني "زمن الغبار" للمخرج الكبير ثيو أنجلوبولوس ضمن عروض السوق الدولية للأفلام وهو ما كان يسألني عنه باهتمام صديقنا محمد هاشم الذي ترجم كتابا كاملا عن أنجلوبولوس وسينماه الشاعرية ذات البصمة الخاصة، وهو أساسا أيضا من المهتمين بالسينما الفنية. لكن لعل محمد لا يشعر بنوع من الاحباط إذا ما قل له إنني وجدت- لدهشتي الشديدة- أن الفيلم أقل أفلام مخرجه تألقا حتى الآن. نعم هناك الحركة البطيئة المميزة للكاميرا، والإيقاع التأملي البطيء، والاعتماد على التداخل بين الماضي والحاضر، وعلى استدعاء الذاكرة، والبطل الذي يرغب في تصفية حساباته الشخصية مع ماضيه ومع عالمه، لكن أنجلوبولوس فقد شيئا مهما هنا ربما يكون المدخل الخاص الجديد للموضوع، وغرق في الانتقال بين عدد كبير من الشخصيات، ومزج بين الانجليزية واليونانية، واستخدم طاقما تمثيليا "دوليا" متنافرا مثل وليم دافوي وميشيل بيكولي وايرين جاكوب وبرونو جانز وغيرهم.
الأحداث أيضا كثيرة ومتلاحقة، والشخصيات تتحرك كالعادة في التاريخ، من وفاة ستالين حتى استقالة نيكسون. وتنتقل بين أماكن ومدن مختلفة. فيلم محير ومربك بل ومرتبك في بنائه، واعتماده على الحوار التقليدي بين شخصين في لقطات قريبة ومتوسط وعلى القطع المتبادل، يحد كثيرا من استمتاعك به.
ماذا يحدث للسينمائيين الكبار عندما يشيخون أو يكبرون؟ هذا السؤال أيضا يراودك وأنت تشاهد فيلم "نجمة لامعة" لمخرجة جين كامبيون التي أتحفتنا هنا في كان بفيلم "البيانو" عام 1993. هذا الفيلم أثار سخط الجميع بسبب بطئه ولغته الأدبية العقيمة، حتى بدا أنه يعكس تراجعا إلى سينما عفا عليها الدهر خاصة وأنه يتناول موضوعا لا جديد فيه من أي ناحية، يدور حول العلاقة العاطفية بين الشاعر الانجليزي جون كيتس وفاني براون، وكيف انتهت حياة الشاعر مبكرا، وترك فاني التي أحبته بصدق وحيدة تبكي حبها المفقود.
فيلم رومانسي يعتمد أساسا على الحوار واستخدام القصائد الشهيرة للشاعر، ولكن ليست وظيفة السينما قراءة الشعر ولا ترجمة قسم من حياة أي إنسان، بل البحث في قيمة جديدة ورؤية خاصة معاصرة لما يكمن في الماضي.. أليس كذلك!
0 comments:
إرسال تعليق