عودة رائد السينما التشيكية الجديدة - القديمة
من أهم "الأحداث" السينمائية هنا في مهرجان روتردام السينمائي هذا العام عرض الفيلم التشيكي "فتاة دينو فيراري" The Ferrari Dino Girl (لا أدري لماذا أصبح المخرجون الكبار يفضلون إطلاق أسماء طرز سيارات شهيرة قديمة على أفلامهم فقد أطلق كلينت إيستوود على أحدث أفلامه كمخرج اسم "جران تورينو" Gran Torino).
أما "فتاة الفيراري" فهو فيلم غير خيالي non- fiction للمخرج الأسطور التشيكي يان نيمتش Jan Nemec الذي اعتبر رائدا حقيقيا للسينما التشيكية الجديدة التي ظهرت في ستينيات القرن الماضي متأثرة بالموجة الجديدة الفرنسية، وكانت تقدم أفكارا شديدة الجرأة، شكلا ومضمونا- وتسبح ضد التيار السائد في السينما الذي عرف باسم "الواقعية الاشتراكية".
أما "فتاة الفيراري" فهو فيلم غير خيالي non- fiction للمخرج الأسطور التشيكي يان نيمتش Jan Nemec الذي اعتبر رائدا حقيقيا للسينما التشيكية الجديدة التي ظهرت في ستينيات القرن الماضي متأثرة بالموجة الجديدة الفرنسية، وكانت تقدم أفكارا شديدة الجرأة، شكلا ومضمونا- وتسبح ضد التيار السائد في السينما الذي عرف باسم "الواقعية الاشتراكية".
الحفل الضيوف
كان نيمتش صاحب فيلم "تقرير عن الحفل والضيوف" O slavnosti a hostech الذي اعتبر من أكثر الأفلام التشيكية نقدا للستالينية، بل وكانت الشخصية الرئيسية فيه ترمز إلى لينين نفسه.
وقد ظهر الفيلم عام 1966 أي قبل عامين من "ربيع براغ" أي تلك الحركة التي تزعمها الأمين العام للحزب الشيوعي نفسه الكسندر دوبتشك لتجديد الاشتراكية وجعلها ديمقراطية شعبية عن حق، والاستجابة لمطالب النخبة في ضرورة إتاحة حرية الفكر والنقد والانتقال.
وكانت أساسا حركة مثقفين لاقت تأييدا كبيرا وانتهت كما هو معروف تاريخيا، بدخول قوات حلف وارسو العاصمة التشيكية براغ، وإخماد الحركة واعتقال زعمائها وإعادة النظام القديم، فقد كانت نظرة الكرملين أنها "ثورة مضادة" يجب قمعها كما فعلوا في المجر عام 1956.
يان نيمتش من مواليد 1936 أي أنه كان في الثلاثين من عمره وهو يتألق ويقدم تحفته السينمائية "تقرير عن الحفل والضيوف" لكنه حاضر في روتردام بفيلمه الأحدث (يقول هو إنه قد يكون الأخير فالرجل يعاني من تدهور في حالته الصحة وقد أجرى جراحتين في الفترة الأخيرة، وبالتالي غاب بشخصه عن المهرجان وحضر بتاريخه وفيلمه).
كان نيمتش صاحب فيلم "تقرير عن الحفل والضيوف" O slavnosti a hostech الذي اعتبر من أكثر الأفلام التشيكية نقدا للستالينية، بل وكانت الشخصية الرئيسية فيه ترمز إلى لينين نفسه.
وقد ظهر الفيلم عام 1966 أي قبل عامين من "ربيع براغ" أي تلك الحركة التي تزعمها الأمين العام للحزب الشيوعي نفسه الكسندر دوبتشك لتجديد الاشتراكية وجعلها ديمقراطية شعبية عن حق، والاستجابة لمطالب النخبة في ضرورة إتاحة حرية الفكر والنقد والانتقال.
وكانت أساسا حركة مثقفين لاقت تأييدا كبيرا وانتهت كما هو معروف تاريخيا، بدخول قوات حلف وارسو العاصمة التشيكية براغ، وإخماد الحركة واعتقال زعمائها وإعادة النظام القديم، فقد كانت نظرة الكرملين أنها "ثورة مضادة" يجب قمعها كما فعلوا في المجر عام 1956.
يان نيمتش من مواليد 1936 أي أنه كان في الثلاثين من عمره وهو يتألق ويقدم تحفته السينمائية "تقرير عن الحفل والضيوف" لكنه حاضر في روتردام بفيلمه الأحدث (يقول هو إنه قد يكون الأخير فالرجل يعاني من تدهور في حالته الصحة وقد أجرى جراحتين في الفترة الأخيرة، وبالتالي غاب بشخصه عن المهرجان وحضر بتاريخه وفيلمه).
الغزو السوفيتي
والفيلم يقدم ويروي ويستعرض تفصيلا .. كيف كان نيمتش السينمائي التشيكي الوحيد الذي تجرأ وصور فيلما وثائقيا عن الغزو السوفيتي (أو اقتحام قوات حلف وارسو) عاصمة بلاده.
وكان من أوائل الذين عرفوا بوصول القوات في الرابعة صباحا، وسار مع رفاقه في الشوارع وهم يصيحون بأعلى أصواتهم، ينبهون السكان إلى الخطر القادم، والسكان، كما يروي في الفيلم، ينهروهم باعتبارهم مجموعة من الشباب العابث فلم يكن أحد يتخيل أن موسكو ستجنح إلى على اختيار التدخل العسكري.
يعود نيمتش اليوم في هذا الفيلم، من خلال شخصية مخرج يلعبها ممثل، إلى الأماكن الحقيقية التي صور فيها ومنها الدبابات السوفيتية والناس يتجمهرون حولها، حرق الحافلات، واطلاق الرصاص، محاصرة جسور براغ الشهيرة ومنها أشهر وأعرق جسر في العالم وهو جسر تشارلز أو فاكلاف الذي يعود إلى القرن الرابع عشر (قمت بزيارة براغ مرتين واعتبرها من أجمل مدن أوروبا).
والفيلم يقدم ويروي ويستعرض تفصيلا .. كيف كان نيمتش السينمائي التشيكي الوحيد الذي تجرأ وصور فيلما وثائقيا عن الغزو السوفيتي (أو اقتحام قوات حلف وارسو) عاصمة بلاده.
وكان من أوائل الذين عرفوا بوصول القوات في الرابعة صباحا، وسار مع رفاقه في الشوارع وهم يصيحون بأعلى أصواتهم، ينبهون السكان إلى الخطر القادم، والسكان، كما يروي في الفيلم، ينهروهم باعتبارهم مجموعة من الشباب العابث فلم يكن أحد يتخيل أن موسكو ستجنح إلى على اختيار التدخل العسكري.
يعود نيمتش اليوم في هذا الفيلم، من خلال شخصية مخرج يلعبها ممثل، إلى الأماكن الحقيقية التي صور فيها ومنها الدبابات السوفيتية والناس يتجمهرون حولها، حرق الحافلات، واطلاق الرصاص، محاصرة جسور براغ الشهيرة ومنها أشهر وأعرق جسر في العالم وهو جسر تشارلز أو فاكلاف الذي يعود إلى القرن الرابع عشر (قمت بزيارة براغ مرتين واعتبرها من أجمل مدن أوروبا).
رحلة فيلم
ويروي الفيلم أيضا كيف تم تهريب نيجاتيف الفيلم وتسليمه للتليفزيون النمساوي قبل أن تصبح اللقطات التي صورها نيمتش أشهر اللقطات التي عرضت في العالم كله لدخول القوات إلى براغ. وقد تمكن نيمتش من اخراجها من تشيكوسلوفاكيا مع صديقة له، مشروع ممثلة شقراء برفقة صديق لها، بينما منعته السلطات من الخروج لكنه عاد وتحايل حتى يمر عبر الحدود وقام بنفسه بتسليم الفيلم إلى المسؤول النمساوي ولم يعد نيمتش إلى بلاده إلا عام 1989 بعد سقوط النظام السابق، وعمل وعاش أولا في ألمانيا ثم في الولايات المتحدة.
شخصية الممثلة والصديق يعاد تجسيدهما في الفيلم بممثلة وممثل، ويعود نيمتش إلى المنطقة الحدودية التي شهدت خروجهما، ويروي عن طريق صوت المعلق الكثير من التفاصيل التي تتعلق بالفترة، ويشرح كيف أنه فشل أولا في إقناع حراس الحدود بأنه إيطالي بعد أن ظل يردد كلمات إيطالية لا معنى لها واضح أنه حفظها من الأفلام، ثم كيف عاد واعترف بأنه تشيكي وقدم لهم جواز سفره.
ويروي أن الجنود السوفيت لم يفهموا شيئا مما حدث وكانوا يتطلعون إلى زملائهم التشيك الذين كان واضحا أنهم متعاطفين مع نيمتش بل إن أحدهم اقل له في النهاية: إن الجمهورية التشيكية ستبقى، وهو ما يدل على اشتعال الروح الوطنية بسبب صدمة الغزو السوفيتي.
مؤخرا فقط تمكن نيمتش من العثور على النسخة السلبية من فيلمه الوثائقي عن اقتحام براغ أو "اغتصاب تشيكوسلوفاكيا" كما يصفه هو. وهو يستخدم ذلك الفيلم القديم داخل الفيلم الجديد ويعرض كامل اللقطات التي اقتنصها بصحبة مصور بارع كان يصور أحيانا من داخل سيارة، وأحيانا في عرض الطريق، وتعرض الاثنان للموت عدة مرات، وكانا يلجآن إلى التصوير من داخل مساكن لا يعرفون أصحابها بل كان نيمتش يدق الباب وتفتح له سيدة مثلا، فيطلب الدخول للتصوير من شرفة مسكنها.. وهكذا.
ويروي الفيلم أيضا كيف تم تهريب نيجاتيف الفيلم وتسليمه للتليفزيون النمساوي قبل أن تصبح اللقطات التي صورها نيمتش أشهر اللقطات التي عرضت في العالم كله لدخول القوات إلى براغ. وقد تمكن نيمتش من اخراجها من تشيكوسلوفاكيا مع صديقة له، مشروع ممثلة شقراء برفقة صديق لها، بينما منعته السلطات من الخروج لكنه عاد وتحايل حتى يمر عبر الحدود وقام بنفسه بتسليم الفيلم إلى المسؤول النمساوي ولم يعد نيمتش إلى بلاده إلا عام 1989 بعد سقوط النظام السابق، وعمل وعاش أولا في ألمانيا ثم في الولايات المتحدة.
شخصية الممثلة والصديق يعاد تجسيدهما في الفيلم بممثلة وممثل، ويعود نيمتش إلى المنطقة الحدودية التي شهدت خروجهما، ويروي عن طريق صوت المعلق الكثير من التفاصيل التي تتعلق بالفترة، ويشرح كيف أنه فشل أولا في إقناع حراس الحدود بأنه إيطالي بعد أن ظل يردد كلمات إيطالية لا معنى لها واضح أنه حفظها من الأفلام، ثم كيف عاد واعترف بأنه تشيكي وقدم لهم جواز سفره.
ويروي أن الجنود السوفيت لم يفهموا شيئا مما حدث وكانوا يتطلعون إلى زملائهم التشيك الذين كان واضحا أنهم متعاطفين مع نيمتش بل إن أحدهم اقل له في النهاية: إن الجمهورية التشيكية ستبقى، وهو ما يدل على اشتعال الروح الوطنية بسبب صدمة الغزو السوفيتي.
مؤخرا فقط تمكن نيمتش من العثور على النسخة السلبية من فيلمه الوثائقي عن اقتحام براغ أو "اغتصاب تشيكوسلوفاكيا" كما يصفه هو. وهو يستخدم ذلك الفيلم القديم داخل الفيلم الجديد ويعرض كامل اللقطات التي اقتنصها بصحبة مصور بارع كان يصور أحيانا من داخل سيارة، وأحيانا في عرض الطريق، وتعرض الاثنان للموت عدة مرات، وكانا يلجآن إلى التصوير من داخل مساكن لا يعرفون أصحابها بل كان نيمتش يدق الباب وتفتح له سيدة مثلا، فيطلب الدخول للتصوير من شرفة مسكنها.. وهكذا.
خفة غير محتملة
لم تكن كاميرا الفيديو قد ظهرت وانتشرت على نحو ما نعرف اليوم، وكان نيمتش قد اتصل بمدير شاب للاستديو السينمائي الذي كان يعمل له وكان بالطبع من القطاع العام أي خاضع للدولة، وطلب منه ارسال مصور مع بعض عُلب الفيلم الخام على الفور، واستقل الاثنان سيارة نيمتش وشرعا في تصوير تلك الأحداث التاريخية الدرامية التي أعاد المخرج الأمريكي فيليب كوفمان تجسيدها في فيلمه الشهير "خفة الكائن غير المحتملة" The Unbearable Lightness of Being المقتبس من راوية للكاتب التشيكي الاصل ميلان كونديرا.
أما الفتاة الشقراء التي حملت نسخة الفيلم في حقيبة وتمكنت من خداع السلطات زاعمة أنها ايطالية الجنسية فقد كانت تقود سيارة فيراري، في حين أن نيمتش، كما يقول في فيلمه الجديد، كان يقود الطبعة الشعبية أي سيارة من نوع فيات.. لعله لايزال يحتفظ بها حتى اليوم!
لم تكن كاميرا الفيديو قد ظهرت وانتشرت على نحو ما نعرف اليوم، وكان نيمتش قد اتصل بمدير شاب للاستديو السينمائي الذي كان يعمل له وكان بالطبع من القطاع العام أي خاضع للدولة، وطلب منه ارسال مصور مع بعض عُلب الفيلم الخام على الفور، واستقل الاثنان سيارة نيمتش وشرعا في تصوير تلك الأحداث التاريخية الدرامية التي أعاد المخرج الأمريكي فيليب كوفمان تجسيدها في فيلمه الشهير "خفة الكائن غير المحتملة" The Unbearable Lightness of Being المقتبس من راوية للكاتب التشيكي الاصل ميلان كونديرا.
أما الفتاة الشقراء التي حملت نسخة الفيلم في حقيبة وتمكنت من خداع السلطات زاعمة أنها ايطالية الجنسية فقد كانت تقود سيارة فيراري، في حين أن نيمتش، كما يقول في فيلمه الجديد، كان يقود الطبعة الشعبية أي سيارة من نوع فيات.. لعله لايزال يحتفظ بها حتى اليوم!
لقاء مع شابرول
ولعل من أكثر الجوانب طرافة في الفيلم ما يرويه نيمتش عن أنه عندما كان في نيويورك، طلب المخرج الفرنسي الشهير كلود شابرول، وهو أحد رواد الموجة الجديدة مقابلته، وعندما التقيا بادره شابرول بالتساؤل عن الفيلم الوثائقي الذي سمع أنه صوره.. فأخذ نيمتش يروي له تجربته في تصوير الفيلم، فلم يبد أي حماس على شابرول الذي علق قائلا بنوع من الدهشة: ولكن السوفيت على حق فتشيكوسلوفاكيا تابعة لهم.. لقد كسبوها.
وكان رد نيمتش: كلا.. نحن لسنا تابعين لهم. فقال شابرول: لقد جاءت الدبابات عام 1945 لكي تحرر تشيكوسلوفاكيا من النازية.. فرد نيمتش قائلا: لكنهم انسحبوا وتركونا. فعلق شابرول دون يأس: لكنها أصبحت تابعة لهم هم حرروها بالدبابات وبالتالي أصبح هناك قانون الدبابات التي يمكنها أن تحضر في أي وقت.. فما هي المشكلة، تماما كما أصبحت بلدان أخرى تابعة للأمريكيين الذين اكتسبوها بالحرب. هذا قانون المنتصر في الحرب.
بعد برهة قال له شابرول: أنت مخرج موهوب قدمت "تقرير عن الحفل" الذي أعرف أنه كان فيلما جيدا، وأنت تستطيع أن تقدم أفلاما فيها الكثير من الجرأة من خلال خيالك الفني الخصب، فلماذا تشغل نفسك بأفلام وثائقية حول قضايا تحسمها الدبابات سيختلف حولها التاريخ، فضلا عن أن أحدا لا يريد أن يراها!
ولعل من أكثر الجوانب طرافة في الفيلم ما يرويه نيمتش عن أنه عندما كان في نيويورك، طلب المخرج الفرنسي الشهير كلود شابرول، وهو أحد رواد الموجة الجديدة مقابلته، وعندما التقيا بادره شابرول بالتساؤل عن الفيلم الوثائقي الذي سمع أنه صوره.. فأخذ نيمتش يروي له تجربته في تصوير الفيلم، فلم يبد أي حماس على شابرول الذي علق قائلا بنوع من الدهشة: ولكن السوفيت على حق فتشيكوسلوفاكيا تابعة لهم.. لقد كسبوها.
وكان رد نيمتش: كلا.. نحن لسنا تابعين لهم. فقال شابرول: لقد جاءت الدبابات عام 1945 لكي تحرر تشيكوسلوفاكيا من النازية.. فرد نيمتش قائلا: لكنهم انسحبوا وتركونا. فعلق شابرول دون يأس: لكنها أصبحت تابعة لهم هم حرروها بالدبابات وبالتالي أصبح هناك قانون الدبابات التي يمكنها أن تحضر في أي وقت.. فما هي المشكلة، تماما كما أصبحت بلدان أخرى تابعة للأمريكيين الذين اكتسبوها بالحرب. هذا قانون المنتصر في الحرب.
بعد برهة قال له شابرول: أنت مخرج موهوب قدمت "تقرير عن الحفل" الذي أعرف أنه كان فيلما جيدا، وأنت تستطيع أن تقدم أفلاما فيها الكثير من الجرأة من خلال خيالك الفني الخصب، فلماذا تشغل نفسك بأفلام وثائقية حول قضايا تحسمها الدبابات سيختلف حولها التاريخ، فضلا عن أن أحدا لا يريد أن يراها!
يعلق نيمتش في الفيلم على عبارة شابرول الأخيرة قائلا: ربما كان شابرول على حق!
0 comments:
إرسال تعليق