الخميس، 14 أكتوبر 2010

افتتاح تقليدي لمهرجان أبو ظبي


افتتحت الدورة الرابعة لمهرجان أبو ظبي السينمائي مساء الخميس 14 أكتوبر، وتمتد حتى الثالث والعشرين من الشهر نفسه. وكما هي العادة في المهرجانات التي تقام في البلدان العربية بلا استثناء، يتقدم مسؤول كبير يمثل الدولة التي يقام فيها المهرجان، لكي يلقي كلمة طويلة، تتطرق كالعادة إلى أهمية السينما للإنسان، وأهميتها في التواصل بين البشر، وكوسيلة للتعبير. هذه الأفكار نفسها عادت مجددا فترددت في الكلمة التي ألقاها المدير التنفيذي للمهرجان الأمريكي بيتر سكارليت.
لكن سكارليت أعد فقرة لتسليط الأضواء على المهرجان بالاشتراك مع أحد مقدمي البرامج في التليفزيون المحلي، قام خلالها باستعراض قدراته التمثيلية الفكاهية، لتقديم الأنواع المختلفة من الأفلام التي سيقدمها المهرجان لجمهوره عبر أيامه العشرة، من الفيلم الوثائقي الذي يهتم بالبيئة، إلى أفلام الرعب.
بطبيعة الحال لا يجرؤ مدير أي مهرجان دولي يقام في العالم العربي على القيام بهذا الدور الذي قام به سكارليت، فعادة ما يترك مديرو المهرجانات ذلك النوع من التقديم التمثيلي لأشخاص محترفين من الممثلين أو غيرهم. ولو فعل أي مدير عربي مثلما فعل سكارليت فربما تعرض لهجوم شرس من جانب الصحافة السائدة اتي تميل إلى المحافظة بشكل عام، بل وربما أعفي أيضا من مهمته بدعوى خروجه عن التقاليد (التي يجب أن تكون دائما جادة، متجهمة، رسمية، تعرض أرقاما يتصور المدير- الموظف (في معظم الأحيان) أنه يقدمها لإرضاء الوزير، الذي قد يكون فنانا أو معاديا للفنون!
المهم أن بيتر سكارليت أقر من العام الماضي، هذا المبدأ الذي يخلط بين دور المدير الفني، ورجل الاستعراض، وبين المسؤول المهرجاني، والممثل. ولا أعرف مقدار نجاحه في هذا الدور الأخير، لكن المؤكد أنه أعد للمناسبة بشكل جاد جدا، واستعد لها.
نجح سكارليت العام الماضي في تقديم دورة غير عادية في مستواها، أو متقدمة جدا بنوعية ما عرض من أفلام، كان بينها عدد كبير لافت من أفلام شهدت عرضها العالمي الأول في أبو ظبي، غير أن هذا النجاح لا أظن أنه قادر على تكراره بنفس الدرجة العام الحالي، وذلك استنادا إلى برنامج الأفلام المعلن، وأسماء لجان التحكيم، التي زاد عددها بموجب لجنتين لتحكيم أفلام قسم آفاق جديدة، ومسابقة أفلام من الإمارات.
لاشك أن هناك جهدا كبيرا في الاختيار والمحاولة والتنويع والانفتاح على ثقافات عديدة في الشرق والغرب، لكن أفلام العرض العالمي الأول تكاد تغيب كمثال، عن أفلام المسابقة الرسمية الرئيسية للأفلام الروائية الطويلة، فمعظمها أفلام عرضت في مهرجانات أخرى بل وداخل مسابقات دولية أخرى أيضا مثل "الحفرة" الصيني، و"سيرك كولومبيا" البوسني، وميرال" الأمريكي الفرنسي، و"أرواح صامتة" الروسي، و"مزهرية" الفرنسي (وبالمناسبة الترجمة خاطئة لأن التعبير الفرنسي potiche مقصود به في هذه الحالة تحديدا المرأة المعتدة بنفسها كثيرا التي تتدلل على زوجها وتسبب له المتاعب، ويصلح بالتالي أن نطلق عليه "المرأة المدللة" أو صعبة المراس. لكن ليست هذه هي المشكلة على أي حال.
المشكلة أيضا أن فيلم الافتتاح الأمريكي "سكريتاريا" Secretariat للمخرج راندال والاس، بدأت عروضه الأمريكية بالفعل، أي أن عرضه في افتتاح مهرجان كبير مثل مهرجان أبو ظبي، ليس العرض العالمي الأول، كما أنه ليس من الأفلام التي تظل طويلا في الذاكرة، بل سبق أن شاهدنا عشرات الأفلام المشابهة التي تدور عادة، حول فكرته أي فكرة القدرة الخاصة لـ "الحلم الأمريكي"، فكرة "التحدي"، والرغبة في التفوق، والمنافسة، وتحقيق المستحيل. ولكن بدلا من وجود ملاكم فردي عنيد شرس مثل "روكي" مثلا، هنا امرأة (ربة منزل) تمتلك حصانا تطلق عليه اسما سخيفا هو "سكريتاريا"، وهذه المرأة تحاول أن تثبت لنفسها ولأبنائها كيف يمكنها أن تحقق المستحيل وأن تحعل هذا الحصان يتفوق ويحقق ما لم يحققه أي حصان قبله في الفوز بأهم ثلاثة سباقات في أمريكا، وتحقق بذلك ما عجز والدها الراحل عن تحقيقه، وهو الذي ترك لها تلك الثروة من الخيول والممتلكات التي ترفض أن تتخلى عنها حتى لو كان معنى هذا أن تغامر أو بالأحرى، تقامر وتتعرض لخسارة كل شيء (مرة أخرى، المغامرة فكرة عميقة في الفكر الأمريكي الفردي، يحتفي بها الفيلم كثيرا بل ويمجدها في شخص المرأة التي تبرع ديان لين في أداء دورها أمام جون مالكوفيتش الذي يلعب دور مدرب الخيول المغرم بارتداء قبعات رديئة الذوق، والذي ينجح في تدريب "سكريتاريا" حتى يحقق ما يحققه من تفوق ونجاح مبهر.
أسلوب إخراج الفيلم لا يخرج، عن أسلوب إخراج أفلام الملاكمة أو سباق السيارات أو البطولات الرياضية عموما، التي تدور حول بطل فردي، يسعى لتحقيق ما يتصور الجميع من حوله أنه من المستحيلات، بالعزيمة والإصرار وعدم اليأس، مع مزج "البيزينس" بفكرة التفوق الفردي، والتلويح للمشاهدين بإمكانية تحقيق الحلم الأمريكي اعتمادا على الإرادة والعزيمة، رغم أن الفيلم يدور بالطبع في أوساط طبقة تتمتع بالثراء والجاه.
معظم مشاهد الفيلم في نصفه الثاني وما تنتهي إليه، متوقع سلفا: الهزيمة المريرة، ثم التغلب عليها بالإرادة الحديدية، ومن ثم الفوز الساحق المبهر على الخصم في منافسة لم يتردد سيناريو الفيلم في تشبيهها بالصراع بين اثنين من الملاكمين فعلا.
تبرير بيتر سكارليت لاختياره هذا الفيلم في الافتتاح تبرير لم يتعاطف معه أحد فقد قال إنه يعلم حب الناس في الشرق الأوسط للخيول، وخصوصا في منطقة الخليج، وحماسهم الكبير لها، أو شيئا بهذا المعنى، وهي نظرة نمطية ضيقة للعلاقة بين الناس والسينما في العالم العربي، أو فكرة نمطية تقليدية عن العربي عموما وثقافته "المحدودة".
وعلى أي حال، سوف نتفق ونختلف حول مستوى الكثير من الأفلام في هذا المهرجان، وهو أمر طبيعي، لكن لا خلاف على أن أهم ما يميزه عن سائر المهرجانات التي تقام في المنطقة، ليس فقط جوائزه المالية الضخمة أو الأكبر في العالم (مليون دولار بالتمام والكمال لصناع الأفلام الفائزة أصحاب الخظ السعيد جدا)، بل النصف مليون دولار التي يقدمها الصندوق الخاص الذي أنشأه المهرجان لدعم عدد من المشاريع المتنوعة السينمائية للمخرجين العرب. وهو بلاشك أمر يستحق التقدير والإشادة والاحترام. فهذا مهرجان يحتفي بالسينما بشكل جاد، ليس فقط عن طريق استهلاكها، بل والمساهمة في صنعها وتطويرها أيضا.

1 comments:

Abdullah - student in alabama يقول...

بالفعل استاذ أمير ،
ليس هو ذلك الفلم الذي يبقى في الذاكره ..
المراجعات النقديه تضعه أحد الافلام العشره التي ستذهب لترشيحات افضل فلم مع افضل ممثله !
عن نفسي آرى ان ديان لي عملت كل هو ممكن للتويج بالاوسكار والى الان هي الافضل واكثر من سحرني ادائه !
جانب آخر في الفلم كان رائع هو آجواء السبعينات !
ولا يوجد سبب لوضعه افتتاحيه المسابقه سوى انه يوافق افكار المنطقه من ناحيه هدفه الظاهر بالرغم من ان عمقه يبرز المرآه بمثابه قائد لا يختلف عن الرجال !
شكراً على تزويدنا وآثرائنا بالجديد !
سلام

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger