الأحد، 3 أكتوبر 2010

موسم مهرجانات السينما في العالم العربي

بيتر سكارليت مدير مهرجان أبو ظبي

من أبو ظبي إلى مراكش

الثلث الأخير من العام، كالعادة، تزدحم فيه المهرجانات السينمائية التي تقام في العالم العربي، ويقال إنها "تتنافس"، لا أدري على أي شيء التنافس، فالتنافس عادة ما يكون حول هدف معين تبذل الأطراف المتنافسة جهدها من أجل تحقيق هذا الهدف أو الفوز به. غير أنني لا أدري كنه التنافس المقصود في هذه الحالة؟
هل هو تنافس على الجمهور مثلا؟ لا يمكن، لأن جمهور الخليج غير جمهور المغرب، غير جمهور تونس، غير جمهور سورية.
هل هو تنافس على الأفلام، أي للحصول على أحدثها وأهمها؟
ربما.. لكن الأفلام تتقاطع في معظم هذه المهرجانات بدرجة كبيرة، فهناك قواسم مشتركة عديدة بين مهرجانات أبو ظبي (الذي عاد إلى اسمه الحقيقي وودع تسمية "الشرق الأوسط" التي لا معنى لها)، والدوحة- ترايبيكا الذي لايزال متمسكا باسم يثير من الالتباس والابتسام أكثر مما يحمل من معنى، وقرطاج الذي لايزال مصرا على أن يقام كل سنتين بالتوازي مع مهرجان المسرح الدولي (على الأقل هذه هي المهرجانات التي أعلنت عن برامجها أو عن جزء منها حتى الآن).
أيا كان الأمر، فالملاحظ أن هذا الازدحام الكبير لا يترك فرصة حقيقية أمام المتخصص الراغب في متابعة هذه المهرجانات عن كثب بشكل جاد، سواء بسبب تقاطعها وتداخلها معا من ناحية، أو بسبب ازدحامها بدرجة كبيرة باعتبارها تشترك في سمة واحدة هي الرغبة في الاستحواذ على أكبر عدد من الأفلام التي تتجاوز عادة المائة فيلم مثلا، بينما ينفرد مهرجان فقير الموارد، ضعيف الامكانيات هو مهرجان دمشق السينمائي، بنوع من الحماقة التي لا تتناسب مع ما يفرض عادة من رقابة بوليسية مشددة على اختياراته للأفلام، عندما يعلن عن برنامج يحتوي على أكثر من 325 فيلما سرعان ما سيتضح بالطبع، أن معظمها نسخ من الأسطوانات الرقمية المدمجة DVD التي تباع على أرصفة المدينة العتيقة، والعهدة علىالراوي!
مهرجان الاسماعيلية السينمائي للأفلام القصيرة والتسجيلية، (3- 9 اكتوبر) هو أول المهرجانات التي تأتي في موسم الخريف هذا العام لكنه مهرجان متميز بنوعية عروضه التي لا يقابلها مهرجان آخر في المنطقة، يليه مباشرة مهرجان أبو ظبي وهو مهرجان كبير بكل المقاييس، في برامجه وطموحه ومساندته المرموقة لصناع الأفلام من العرب، سواء مخرجي الأفلام التسجيلية أو الروائية، عن طريق الصندوق الخاص الذي خصصه لدعم المشاريع الطموحة للسينمائيين في عموم العالم العربي بل وبعض السينمائيين المقيمين في أوروبا، وهي خطوة لابد من الترحيب بها، فها نحن نرى ما كنا دائما نطالب به وندعو إليه، ونشرح لمن يريد أن يفهم ويدرك، أن دعم السينما، أي الإنتاج نفسه، يجب أن يكون هدفا أساسيا بالنسبة لمهرجانات السينما التي تقام في منطقتنا التي تعد منطقة "ناشئة، جنينية" في مجال الإنتاج أو الحركة السينمائية، ولا تقتصر المهرجانات فقط على الاستهلاك، أي العرض والتصفيق وتوزيع الجوائز.

من "نسخة طبق الأصل" لكياروستامي الذي سيعرض في الدوحة

ولاشك أن من الإيجابي تماما أن يحصل السينمائيون العرب على دعم مالي ولو مبدئي، لمشاريعهم، من أبو ظبي أسوة بما يأتي من دعم من مهرجانات أوروبية مرموقة مثل روتردام الدولي.
ومن واجب الناقد بكل تأكيد، أن يسعى بكل قوته إلى دعم السينما المحلية والاقليمية في المحيط الثقافي الذي ينتمي إليه، أما موضوع تعامل الناقد مع هذه الافلام بالنقد فيما بعد، فامر آخر. فمن حق السينمائي أن يصنع أفلامه، ومن حق الناقد أن يمارس مهمته في نقدها وتقويمها بل ومن واجبه، دون أن يكون في هذا أي تناقض، فإذا كان من واجب الناقد أن يدعم حق أي سينمائي عربي في الحصول على فرصة لإخراج فيلمه، فمن واجبه أيضا نقد هذا الفيلم بعد أن يكتمل بكل موضوعية وصراحة، وليس في هذا أي تناقض، فهناك فارق كبير بين مدير "البروباجندا"، أي أن يتحول صحفي ما، إلى مندوب دعاية للأفلام، وبين أن يكون مخلصا لقرائه، أي لجمهور المشاهدين الذين يوجه كتاباته إليهم، فيتعامل مع الأفلام بالنقد استنادا إلى رؤيته وثقافته الخاصة. وهذه كلها من الأمور المسلم بها المعروفة في العالم، لكن يبدو أننا في حاجة دائما، إلى التأكيد عليها حتى لا يسيء البعض الفهم، سواء عن سوء قصد أو عن حسن نية.
بعد مهرجان أبو ظبي (14- 23 أكتوبر) الذي يمتلك برنامجا حافلا في أقسامه المختلفة للأفلام الروائية والتسجيلية والقصيرة والتجريبية وأفلام من الإمارات (المسابقة القديمة التي تم ضمها إليه هذا العام)، يأتي مهرجان الدوحة- ترايبيكا (26- 30 أكتوبر)، الذي يمكن أن نطلق عليه "ميني مهرجان" فهو يستغرق أربعة أيام فقط يعرض خلالها 30 فيلما.
 يفتتح مهرجان أبو ظبي (الرابع) بالفيلم الأمريكي الجديد "السكرتارية" للمخرج راندال والاس، ويختتم بفيلم "المفتش دي ولغز لهيب الشبح" للمخرج الصيني تسوي هارك.
أما مهرجان الدوحة (الثاني) فيفتتح بالفيلم الفرنسي "الخارجون عن القانون" للمخرج الجزائري رشيد بوشارب.
وبينما تحتوي مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في مهرجان أبو ظبي على 15 فيلما، تحتوي مسابقة الدوحة للأفلام العربية (وهي مسابقة جديدة لم يكن لها وجود العام الماضي أي في الدورة الأولى) على 10 أفلام فقط منها 4 تعرض عرضا أول. وهذا تقدم كبير يحققه مهرجان الدوحة في مجال الاهتمام بسينما المنطقة التي يقام فيها، بعد ما وجه إليه من نقد العام الماضي بسبب غلبة العنصر الاجنبي الذي لا يتمتع بخبرة ما، على تشكيلة إدارته بقيادة مقدمة برنامج السينما في قناة الجزيرة الدولية الناطقة بالانجليزية الاسترالية أماندا بالمر.
أما مسابقة مهرجان أبو ظبي فهي دولية تماما، أي مفتوحة على أفلام العالم، وفيها من الأفلام العربية ثلاثة أفلام هي "رسائل البحر" لداود عبد السيد من مصر، و"الترويض" أو (روداج) لنضال الدبس من سورية، و"شتي يادنيا" لبهيج حجيج من لبنان.
وجدير بالذكر أن المهرجانان سيعرضان الفيلم الأمريكي "ميرال" الذي يتناول القضية الفلسطينية وتاريخها وكان قد عرض في مسابقة مهرجان فينيسيا السينمائي الأخير. سيعرضه ابو ظبي في مسابقته وهو أمر غريب لأنه سبق أن شارك في مسابقة مهرجان دولي، وسيعرض الفيلم أيضا في مهرجان لندن الذي يفتتح قبل أبو ظبي بيوم واحد (13- 28 أكتوبر) ولاشك أن الكثير من النقاد الانجليز في لندن سيجدون صعوبة في المواءمة بين المهرجانين لكن الإيجابي أن العروض الصحفية لمهرجان لندن بدأت بالفعل في 28 سبتمبر بمعدل ثلاثة أفلام يوميا.
مسابقة أبوظبي فيها أفلام جيدة جدا منها ما سبق أن شاهدناه في فينيسيا مثل "سيرك كولومبيا" للمخرج البوسني دانيش تانوفيتش، والفيلم الصيني – الفرنسي "الخندق" (او الحفرة" The Ditch والفيلم الروسي البديع "أرواح ساكنة". والفيلم الكندي من تأليف كاتب لبناني، هو فيلم "خدمات إنقاذ"، وهناك افلام جديدة مثل الفيلم الدنماركي "في عالم أفضل". ولكن المهرجان أعلن عن عرض الفيلم الفرنسي "كارلوس" في نسخة تقع في 159 دقيقة بينما المعروف أن زمن عرض الفيلم يتجاوز خمس ساعات ونصف الساعة وكان قد عرض في مهرجان كان الماضي. فهل اختصر المخرج فيلمه إلى نسخة تصلح للعرض في دور السينما التجارية هي التي سيعرضها المهرجان؟ ربما!
المخرج المصري ابراهيم البطوط أحد رواد ما يسمى بتيار السينما المستقلة في مصر (التي تصور عادة بكاميرا الديجيتال) سيعرض فيمه الجديد "الحاوي" في الدوحة، في حين سيذهب فيلم داود عبد السيد للعرض في مسابقة مهرجان قرطاج أيضا الذي سيقام في الفترة من 23 إلى 30 أكتوبر أي أن لدينا أربعة مهرجانات في شهر واحد (لا تنسوا الاسماعيلية الذي أطلق عليه الناقد الكبير مصطفى درويش مداعبا (مهرجان اسماعيلية- رايح جاي)!

من فيلم "ميرال" أكثر الأفلام إثارة للنقاش هذا العام

بعد قرطاج لدينا مهرجان القاهرة (غير القابل للتطور بسبب هيمنة امرأة لا تفهم شيئا في السينما على أموره ومقدراته منذ 30 سنة!) وسيقام في الفترة (30 نوفمبر- 9 ديسمبر)، ثم يأتي مهرجان دبي (12- 19 ديسمبر) الذي يعد أحد أبرز وأهم مهرجانات العالم العربي ولاشك أنه سيدخر مفاجآت كثيرة لجمهوره في جعبته، ثم تختتم السنة بمهرجان مراكش في أقصى المغرب العربي (من 3 إلى11 ديسمبر).
الطريف أن القائمين على أمر مهرجان الدوحة جعلوا شعاره "أنا الفيلم". ونسوا أن يضيفوا: "والفيلم أنا". وياله من تواضع!
سنتوقف قريبا أمام برنامج مهرجان أبو ظبي لاكتشاف مناطق القوة والضعف فيه، وخصوصا أمام ما سيقدمه من مفاجآت منها مثلا عرض فيلم "اليازرلي" السوري لقيس الزبيدي الذي لم يعرض قط منذ أكثر من ثلاثين عاما!
وكل عام وانتم بخير......

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger