تلقيت رسائل كثيرة خلال الفترة الماضية يثني فيها أصحابها على ما أقوم به من جهد، وهو أمر يسعدني بكل تأكيد واشكر بدوري أصحاب هذه الرسائل على ثقتهم الجميلة في شخصي وفي قلمي، لكني أعتذر عن عدم نشر رسائلهم بسبب طابعها الشخصي، وأكتفي فقط بنشر الرسائل التي تثير بعض القضايا العامة التي قد تهم القراء الذين يداومون على التردد على هذه المدونة. من هذه الرسائل أختار هذه الرسالة التي وصلتني أخيرا من الناقد السينمائي الأستاذ حسن وهبي من المغرب تعليقا على الحديث الذي أدليت به لصحيفة "الأمة العربية" الجزائرية اليومية أخيرا. وهذا نص الرسالة.
الصورة: نور الدين الصايل
الأخ أمير العمري
تحية احترام وتقدير
اكتب لك هذه المرة لأشكرك على المجهودات التي تبذلها من اجل الكتابة على مدونتك الجميلة. كما اكتب لك بعد اطلاعي على الحوار الذي أجرته معك "الأمة العربية" الجزائرية ليوم 11 شتنبر 2010 من اضافة بعض المعلومات فقط بخصوص الحالة التي يعيشها المغرب من حيث الانتاج السينمائي وكذا دور المهرجانات السينمائية العربية و بالخصوص المغرب.
فيما يتعلق بالسينما العربية اتفق معكم ان تطورها مرتبط بالارادة السياسية والتي غالبا ما تضع هذا الاهتمام في المرتبة الاخيرة ولا يأتي التنافس الا في سياق التسابق الاعلامي او الاقتصادي والسياسي بحثا عن ارقام لا جدوى من ورائها. لكن الاستثناء موجود بالمغرب الذي اصبح ينتج 15 فيلما في السنة بالرغم من انها لا تحصل على جوائز دولية وان حصلت بعضها على جوائز مهمة.
ان المؤسسة العمومية بالمغرب قررت أن تدعم السينما المغربية بما يكفي من تمويل وفق نظام خاص تنفذه لجنة تتكون من السينمائيين والنقاد والمهنيين والمثقفين تعمل على قراءة السيناريوهات المقدمة للمركز أو التمويل أو التمويل بعد الانتاج. واذا تميزت السينما المغربية بتطورها على مستوى الكتابة السينمائية والتقنية. فهي اليوم تعرف تقدما على أيدي مجموعة من المخرجين الشباب من طينة محمد مفتكر وفيلمه الطويل الاول "البراق" الحاصل عل مجموعة من الجوائز و محمد عهبنسودة صاحب اول تجربة طويلة كذلك "موسم لمشاوشة" ومحمد شريف طريبق .. كلهم شباب حصلوا على جوائز مما ينم عن مجيئ جيل جديد من السينمائيين المغاربة. دون الاستهانة بالرواد وهم ينخرطون في الكتابة السينمائية المتميزة نذكر المخرج داوود أولاد السيد صاحب "في انتظار بازوليني" و جيلالي فرحاتي المبدع الممتد من "شاطئ الاطفال الضائعين" إلى "الذاكرة المعتقلة".
أخي الكريم لا اقصد الدفاع من منطق اقليمي لكن المؤسسة العمومية والتي يقودها السيد نور الدين الصايل مدير المركز السينمائي المغربي قد اعطى دفعة قوية لعجلة الانتاج السينمائي والارقام دليل على ذلك . الا ان مشكل القاعات السينمائية لازال مطروحا بشدة . اذ عندما تغلق قاعة سينمائية يصعب اعادة فتحها من جديد بالرغم من التسهيلات التي تقدمها الدولة لمشاريع القاعات السينمائية . لولا المركبات السينمائية حيث تتجمع قاعات سينمائية في مكان معين وتسمى " ميكاراما" موجودة اليوم اكبر المدن المغربية حيث بإمكان المشاهد اختيار القاعة/ الفيلم الذي يريد مشاهدته و قد قامت كذلك مجموعة أرباب القاعات بإعادة هيكلة قاعاتها مثل قاعة سينما كوليزي بمدينة مراكش . الا أن هذه التجارب الصغيرة والقليلة لا تكفي لسد حاجيات السكان الذين يزدادون بشكل مهول. صحيح ان التجربة جميلة وتستحق كل تقدير لكن مطمح النقاد والمهتمين لازال كبيرا من اجل المزيد من الابداع و المزيد من الانتاج وهي السياسة التي يدافع عنها الناقد والسينمائي نور الدين الصايل منذ كان رئيسا للأندية السينمائية إلى التلفزيون إلى المركز السينمائي ويسير في نفس الاتجاه عدد كبير من النقاد السينمائيين المغاربة .
وبخصوص المهرجانات السينمائية اتفق مع الافكار الواردة في حوارك. الا ان بعض مهرجانات المغرب يمكن الاشارة الى تلك التي تطمح إلى الدولية كمهرجان مراكش وهنا قد تكون ملاحظتك جد صحيحة بخصوص التنافس المهرجاني العربي لكن كن على يقين ان هذا المهرجان والذي تتبعته من بدايته إلى اليوم قد اعطى دفعة جديدة إلى السينما المغربية والانتاج السينمائي بفعل التواصل الذي يحققه اثناء انعقاد دوراته وخلال فقرته التي تتناول الاشكاليات العامة للسينما. وتدفع إلى التكوين السينمائي وخاصة الشباب واليوم يتوجه المهرجان إلى ابداعات الشباب وانتاجات التربوية و التلاميذية.. أما المشاهدة فلا ينكر احد تلك الأفلام الرائعة التي قدمت لنا نحن المشاهدون في دول الجنوب وعلى الشاشة الكبرى واتذكر هنا تلك الأفلام الاسبانية والامريكية الجنوبية والايطالية رغم ما يوجه اليها من انتقاد اليوم.
اما مهرجان السينما الإفريقية و الذي بدأ كملتقى على يد الجامعة الوطنية للأندية السينمائية وهو اليوم يعد من اهم المهرجانات الإفريقية بعد واغادوغو ببوركينا فاسو. اذا لم نقل انه اكبر منافس له. ولعل الندوة التي تناولت موضوع التعاون جنوب/ جنوب قد ابانت عن تجربة المغرب في مجال التعاون مع دول الجنوب بالقارة الافريقية وشهادة السينمائيين الافارقة تدل على الخدمات التي يقدمها المركز السينمائي المغربي للسينمائيين الافارقة كما هو الحال مع السودان ومالي وغيرها ونبه نور الدين الصايل في الندوة اننا لن نعيد انتاج السينمائيين الكبار كعصمان صمبين لهذا علينا الاستمرار بما نتوفر عليه من امكانيات تقنية وابداعية ومالية .
المهرجان هو فرصة للتواصل وتبادل التجارب والخبرات وتشجيع للإنتاج المشترك و الانتاج الوطني كذلك و الكتابة النقدية السينمائية . اليس من حقنا ان نصنع مهرجانات سينمائية اقليمية متميزة تلبي حاجيات القارة او البلد ؟
مودتي حسن وهبي- المغرب
مودتي حسن وهبي- المغرب
تعليقي على رسالة الأستاذ حسن وهبي كالتالي:
أولا كنت ومازلت، من أكثر الداعمين للأفلام المغربية، ومن اكثر النقاد الذين يكتبون بالعربية اهتماما بنقد وتحليل الافلام المغربية، وهذا أمر معروف ليس في حاجة إلى تذكير، وكان أحدث ما نشرته في مجال نقد الأفلام المغربية هو مقالي المنشور في موقع "الجزيرة الوثائقية" الاسبوع الماضي عن فيلم "كازانيجرا"، فحتى لو فاتني أن أكتب عن الفيلم في حينه أعود إليه ولا أنساها بعد فترة. وفي هذا الإطار أنا لا أهتم لا بالإقليمية، ولا بالمواقف الشخصية الخاصة بالقائم على الدعم الحكومي للأفلام في المغرب، وهو في هذه الحالة السيد نور الدين الصايل مدير المركز السينمائي المغربي. وإن كنت بحكم تكويني وخبرتي في هذا المجال، أميل كثيرا إلى عدم المبالغة في قيمة شخص ما ايأ كان، ولا في إسباغ العظمة والمجد عليه، خصوصا إذا كان مثل الصايل، المعروف بعدائه الشديد للنقاد العرب الذين تعمقوا في فهم السينما وقضاياها على مدى سنوات طويلة، فيما عدا حفنة يقل عددها عن عدد أصابع اليد الواحدة، من أصدقائه الشخصيين الذين يتولون تلميعه في أجهزة الإعلام التي يعملون بها، ولحسن الحظ: لست منهم ولا أريد.
ثانيا: إنه لمن المرحب به بكل تأكيد، أن يكون المغرب الدولة الوحيدة التي تنتج هذا العدد من الأفلام بعد مصر، لكننا لازلنا نأمل أن يتحول ظهور الأفلام في المغرب إلى حركة حقيقية للإنتاج السينمائي، أي في وجود ستديوهات ودور عرض سينمائي متعددة وسوق داخلي يسمح بإعادة تمويل الأفلام المحلية دون حاجة دائمة إلى التمويل الفرنسي، وفي ظل وجود سينمائيين مغاربة مؤهلين للعمل في هذه الافلام في مجالات المونتاج والتصوير والصوت والديكور... وغير ذلك، وهي أركان العمل السينمائي وكلها لاتزال تعتمد على العنصر الأجنبي وخصوصا الفرنسي (وليس العربي بالمناسبة!). وهذا ما كنت أقصده عندما تحدثت عن غياب سينما حقيقية عربية في ظل غياب كل هذه الأركان الأساسية.
ثالثا: حديثي عن المهرجانات السينمائية التي تقام في البلدان العربية يستند على تجربتي الشخصية الطويلة منذ ثلاثين عاما، مع مهرجانات مثل قرطاج والقاهرة ودمشق وتطوان وأبو ظبي ودبي والاسماعيلية وغير ذلك. وكلها تشترك في اهتمامها الكبير بحفلات الافتتاح والختام والبساط الأحمر وما إلى ذلك، لكنها تشترك جميعا (وهذا كلام نشرته أكثر من مرة) في إهمالها التام لتخصيص عروض خاصة للنقاد مثلا، وتنظيم مؤتمرات صحفية أو ندوات حقيقية لمناقشة الأفلام المتسابقة على الاقل، يديرها نقاد لهم وزنهم بما يضفي عليها طابعا ثقافيا حقيقيا يحقق فائدة ومردودا فكريا، وليس مجموعة من مديري الدعاية أو الموظفين في المهرجانات الذين يكتفون بمجرد "تحريك" الأسئلة وكاننا في حصة مدرسية. لكنها أزمة الحرية بالطبع.
من جهة أخرى، لم يسبق لي الذهاب إلى مهرجان مراكش الذي يشيد به الصديق حسن ايما إشادة.. غير أنني أعلم من أصدقاء مقربين لي في المغرب أن مراكش يتعامل مع نفسه على أنه مهرجان فرنسي يقام في أرض مغربية، ولا أعرف كيف يمكن قراءة هذه المقولة. ولأن السيد الصايل المهيمن على شؤون معظم المهرجانات في المغرب بحكم منصبه وقربه من السلطة، هو الذي يتحكم فيمن يحضر أو لا يحضر مثل هذه المهرجانات (ومهرجان خريبكة من بينها) فلم أسعد بالمرور بتجربة مهرجان مراكش أو سواه من مهرجانات السيد صايل الذي كما أشرت، يسعده بكل تأكيد حضور نقاد من فرنسا، ولا يسعده حضور النقاد العرب الذين يفوقون كثيرا نقاد الشانزليزيه، وذلك لأسباب ترجع إلى التكوين الشخصي الخاص جدا للسيد صايل نفسه، وهو أمر معروف للكثيرين في المغرب لا أرغب في الخوض فيه.
أخيرا: إن مواقف السيد صايل وغيره من القائمين على أمر المؤسسات السينمائية العربية متطابقة بالنسبة لي، مثل محمد الأحمد في دمشق، وعلي أبو شادي في مصر، وغيرهما، الذين أصبحوا منذ دهر، موظفين لدى جهاز الدولة، وخرجوا بالتالي من حلبة النقد السينمائي والعمل الثقافي الفكري المستقل. أرجو أن يتقبل الصديق حسن تعليقي هذا بسعة صدره المعهودة، وطبعا، الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.. كما أرجو.
0 comments:
إرسال تعليق