الجمعة 3 سبتمبر
* أطلقت على الفيلم الأمريكي "ميرال" المشارك في المسابقة "فيلمنا" أي الفيلم العربي في المسابقة، ليس لأن مخرجه عربي، بل هو يهودي أمريكي، لكنه أفضل من كثير من المخرجين العرب. ولكن الفيلم أيضا بل وأساسا، فيلم المنتج التونسي طارق بن عمار، الذي يتجرأ أخيرا ويلمس موضوعا من مواضيع الساعة في السياسة العربية وهو موضوع فلسطين- إسرائيل، ولو من خلال مذكرات رولا جبريل الفلسطينية – الإيطالية (التي تقوم بدورها في الفيلم الممثلة الهندية الشابة فريدا بنتو، وهي بالمناسبة تشبهها كثيرا). أما السبب الذي دعاني إلى أن أطلق عليه "فيلمنا" فهو طرحه القوي الشريف لوجهة النظر العربية في الصراع، وإدانته القوية التي لاشك فيها للطغيان الإسرائيلي. ولابد أن تكون لي وقفت خاصة فيما بعد، مع هذا الفيلم تفصيلا.
* في المؤتمر الصحفي لمناقشة فيلم "ميرال" (الذي يضم عددا كبيرا من الممثلين العرب) قال المخرج جوليان شنابل إنه لا يفكر في إخراج فيلم آخر قبل عامين، وإنه متفرغ حاليا لدفع فيلم "ميرال" وتوصيله للجمهور، كما قال إن الفيلم جرى تصوير قسم كبير منه في القدس وفي أراضي السلطة الفلسطينية خاصة رام الله، وأن التجربة كانت ممتعة رغم أنها كانت مرهقة كثيرا. وأضاف أنه تلقى رسالة من يهودي أمريكي من المتعصبين لدولة إسرائيل، شكره فيه على الفيلم وقال إنه يشعر بالأسف لأنه خلال زياراته إلى إسرائيل طيلة سنوات، لم يكن ينتبه لمأساة الفلسطينيين.
* حضر المؤتمر الصحفي (أو كما يسميه البعض الندوة الصحفية، أو المناقشة مع الصحفيين، التي تعقد عادة لكل أفلام المسابقة، بحضور طاقم الفيلم) أقول حضر إلى جانب المخرج شنابل، الممثلة الفلسطينية الكبيرة هيام عباس، والممثلة الجميلة ياسمين المصري (وهي في الحقيقة أجمل كثيرا عما هي على الشاشة)، والممثلة الفلسطينية ربى بلال. كما حضر المنتج طارق بن عمار، والممول الفرنسي للفيلم ديوكس والمنتج المنفذ جون كيليك، وغابت بطلة الفيلم الممثلة الهندية فريدا بنتو التي اضطرت كما قال المخرج، إلى السفر للهند.
* رئيس لجنة التحكيم الرئيسية كوينتين تارانتينو صرح بأن هناك الكثير من الأفلام المثيرة في المسابقة هذا العام، وأكد أنه رغم وجود الكثير من أفلام أصدقائه المخرجين، أو الذين يعجب بأفلامهم إلا أنه سيحرص على الموضوعية، فاذا لم يعجبه الفيلم لن يدافع عنه.
* الممثلة العظيمة من كل الأجيال، فانيسا ريدجريف، ظهرت كضيفة شرف في المشهد الأول فقط من فيلم "ميرال"، وبدت وقد تقدمت كثيرا جدا في العمر.
* وهذا بالضبط شأن صديقنا الناقد البريطاني المخضرم ديريك مالكولم، الذي بدا أيضا وقد بدأ التقدم في العمر يهزمه، فقد أصبح يتحرك بصعوبة بالغة، وخصوصا أن الدخول والخروج من مجمع المهرجان شاق للغاية بسبب الترتيبات الأمنية من ناحية، والإنشاءات الجديدة التي فرضت تحويل المسارات، وتغيير معالم المنطقة وإغلاقة المنافذ الطبيعية إليها، حتى لا يصطدم الزائرون بمناطق القتال، عفوا.. أقصد مناطق التشييد والبناء. ديريك حاليا أوشك على بلوغ الثمانين من عمره، لكنه لايزال يتمتع بذاكرة قوية، وقدرة على الحكم السديد على الأفلام.
* صديقنا الآخر، جون روا، الناقد الفرنسي لصحيفة لومانتييه، بدا هو الآخر متقدما في العمر. وقد حضرنا معا في قارب واحد (حرفيا وليس مجازا!) من المطار إلى جزيرة ليدو ظهر يوم الأربعاء، والتقينا مجددا في الباص الداخلي صباح اليوم، وأخذنا نتذكر ندوة النقد في مهرجان تطوان قبل أشهر (في مارس الماضي). وطبعا حكاية مرور الزمن تنعكس علينا جميعا هنا، فلابد أن الآخرين أيضا يلاحظون نفس الشيء علي وعلى غيري، فنحن نلتقي معا هنا، في فينيسيا، منذ ربع قرن.
* ظهر الناقد المخضرم سمير فريد اليوم بعد مشاهدة فيلم "ميرال"، وتبادلنا الحديث عن الفيلم لبضع دقائق، قبل الصعود إلى المؤتمر الصحفي، وسمير رأيه أن الإسرائيليين لن يعجبهم الفيلم، أو بالأحرى، لن يشعروا بالارتياح لما يطرحه، وسيرفضه أيضا المتشددون على الجانب العربي والفلسطيني. سمير بالمناسبة بدأ في التردد بانتظام على هذا المهرجان منذ عام 1978 عندما حضر مع فيلم يوسف شاهين "اسكندرية ليه". وكان قد سبق له حضور الدورة التي عرض فيها فيلم "المومياء" لشادي عبد السلام، وأظنها كانت عام 1970.. كانت أيام!
السبت 4 سبتمبر
السبت 4 سبتمبر
* إلى جانب مسابقة الأفلام الطويلة، وقسم "آفاق" (وله لجنة تحكيم تمنح جائزة لأحسن فيلم وهي مبتدعة حديثا على غرار جائزة قسم "نظرة خاصة" في مهرجان كان) هناك أيضا أسبوع النقاد، و"أيام فينيسيا" (أو أيام سينما المؤلفين)، ولكن المهرجان يهتم كثيرا هذا العام بالسينما الإيطالية، التي يخصص لها قسمين هما "السينما الايطالية المعاصرة" (30 فيلما)، و"الكوميديا الايطالية" (19 فيلما قصيرا وطويلا) وهو أمر طبيعي في إطار الرغبة في الترويج للسينما القومية من خلال هذا المهرجان الإيطالي الدولي، وهو ما نأمل أن تحذو حذوه المهرجانات العربية الدولية، فالذين يذهبون إلى مهرجان القاهرة مثلا يرغبون عادة في الاطلاع على أحدث الأفلام المصرية، وعلى جزء من تاريخ السنما المصرية أيضا، وكذلك الذين يترددون على مهرجانات مثل قرطاج ودمشق وغيرهما. أما مهرجان دبي ومهرجان أبو ظبي، فكلاهما يمكنه الاحتفاء بتيار سينمائي عربي أو بالأفلام التي تنتج في دولة ما بدلا من الاحتفال بالسينما الهندية والسينما التركية.. وأنا هنا أفضل استخدام تعبير "الأفلام التونسية" أو اللبنانية أو السورية، وهكذا، لأنني لا أرغب في استخدام تعبيرات مثل "السينما التونسية أو السعودية كما يفعل البعض بكل أسف يوميا، وبإلحاح، في الصحافة العربية، لأسباب يتعلق معظمها بالرغبة في تكريس الوهم بوجود "سينما" أي صناعة سينمائية أو حركة سينمائية متكاملة في تلك البلدان، في حين أن مثل هذه الصناعة أو "السينما المتكاملة" لا توجد، بكل أسف، وهذه حقيقة علمية، لا تقال في معرض الفخر أو الشجب، ولا للتباهي أو التحسر، بل كإقرار لحقيقة علمية، أما الذين يتوهمون أو يوهمون الآخرين بوجود مثل هذه "السينما العربية" في هذا البلد أو ذاك، فسرعان ما يحبطون عندما يرون تلك "السينمات" لا تمتلك حتى الساعة الآليات الأولية لضمان استمرار الإنتاج خلال العام، بل يظهر في معظمها فيلم أو فيلمان على أكثر تقدير، كل عام أو عامين، وهي أفلام لا تلقى توزيعا حقيقيا، ومعظمها من الإنتاج أو التمويل "الأجنبي"، أي أن المنتج العربي المحلي غائب بشكل كان ينبغي أن يدفع نقادنا العرب إلى البحث في أسباب هذه الظاهرة. * وقد سبق أن قلت، قبل أيام، إن حجم التواجد العربي في مهرجان فينيسيا يعكس الحجم الحقيقي لحركة سينمائية لا تتطور بل ولا تمتلك التأثير في محيطها الطبيعي، وتتراجع يوميا أمام المسلسلات التليفزيونية التي أصبحت تستقطب أفضل مخرجي المنطقة.
* في الوقت نفسه ألاحظ، بكل أسف وأسى، أن بعض الكتاب والسينمائيين العرب، أصبحوا يستخدمون التراجع السياسي المصري (وهو ما لا أتوقف شخصيا عن انتقاده) كمبرر للشطب على الإنجاز الثقافي المصري بالجملة، والدعوة إلى إعلان وفاة الثقافة المصرية، واتهام السينما المصرية بكل النقائص والعيوب، في نعرات شوفينية مريضة تغلي بالحقد "العنصري" أحيانا بكل أسف، وكما لو أن المشاكل التي تحيط بالسلطة السياسية والثقافية القائمة وهي قائمة في كل بلدان المنطقة التي تشترك في التخلف الذي لا يتجزأ، توقف حركة الإبداع الثقافي تماما وتشله، وهو غير صحيح، بل يستمر الإبداع في كل الظروف على مستوى البنية التحتية الثقافية، التي لا تتصدر أجهزة الإعلام الرسمية، فنحن نصنع الأفلام القصيرة والطويلة، المستقلة، ونصدر الكتب، ونكتب القصائد الجديدة، والأدب الجديد، ويظهر ناشرون متخصصون في نشر هذه الابداعات بعيدا عن آلة الدولة القمعية التي لا تنشر سوى لمن ترضى عنه، وهكذا.. وتستمر حركة المجتمع المدني في نموها رغم أنف السلطة.
* وجود الفيلم المصري وانتشاره في المنطقة العربية لا أتصور أبدا أنه يمنع ظهور أفلام أخرى، في تلك الدول، بدليل أن المغرب ينتج نحو 15 فيلما سنويا، رغم وجود الفيلم المصري والمسلسل المصري، فماذا فعل المغرب في مجال توزيع أفلامه داخل المغرب أولا وأساسا، وماذا تجني تلك الأفلام وتحقق من داخل سوقها الطبيعية؟ هذا سؤال مهم لا يطرحه أحد بل تصبح القضية المغلوطة دائما: لماذا لا توزع الأفلام المغربية داخل السوق المصرية؟ وكأن توزيع فيلم مغربي أو غيره، وعرضه في مصر، ثم فشله في البقاء أكثر من أسبوع (لأسباب عديدة ليس هنا مجال شرحها) كفيل بنجاح التجربة المغربية في الإنتاج!
* وبمناسبة هذا الحديث نشرت مجلة فاريتي التي تصدر يوميا على هامش مهرجان فينيسيا تصريحات للأخ علي جعفر، وهو "ظاهرة" عجيبة ظهرت حديثا قبل ثلاث أو أربع سنوات. علي جعفر هذا شاب لبناني الأصل، بريطاني الجنسية، واضح أنه نال قسطا من التعليم في نظام التعليم البريطاني، يتحدث ويكتب بالانجليزية، ويرفض بشدة الحديث لوسائل الاعلام الناطقة بالعربية سوى باللغة الانجليزية، رغم معرفته الجيدة باللغة العربية. وقد طرح نفسه أمام مؤسسة السينما البريطانية على أنه مهتم بالسينما في "الشرق الأوسط، ثم كخبير فيها (لا أعرف من أين جاء بخبرته هذه، ومتى حصل عليها!)، وبدأ يكتب عروضا للأفلام العربية في مجلة "سايت آند ساوند"، ثم قفز منها إلى مجلة فاريتي، وأصبح يوظف ما يكتبه لحساب الملاحق الإعلانية التي تحصل عليها المجلة من منتجين مثل عماد أديب وشركنه جود نيوز مثلا، ويجري المقابلات مع أصحاب تلك الشركات، ويمتدح أفلامها، وهو الخلط المعروف القديم بين الصحافة والبيزنس، أو بين النقد والدعاية المدفوعة. والآن انتقل جعفر هذا لكي يعمل في مجال الترويج والعلاقات العامة لحساب شركة المنتج التونسي الأصل (أو التايكون) طارق بن عمار الذي ينشط في أوروبا.
* أما تصريحات علي جعفر الأخيرة فجاءت بمناسبة عرض فيلم "ميرال" من انتاج بن عمار. ويقول جعفر إن شركة بن عمار تتطلع بهذا الفيلم وغيره من الأفلام المشابهة التي تتناول مواضيع تلمس قضايا شرق أوسطية، إلى النفاذ إلى سوق الشرق الأوسط، وضمان ألا يكون قاصرا على الأفلام المصرية!!
وكان الأجدر بالمستر علي جعفر أن يشير إلى الأفلام الأمريكية التقليدية فالأفلام المصرية انحسر توزيعها في معظم بلدان المنطقة وشمال افريقيا لأسباب مغلوطة في رأيي، كما لو أن وقف توزيعها سيساهم في النهوض بالسينما في تلك الدول وهو ما لم يحدث، وثانيا الفيلم المصري ليس غريبا على المشاهدين على أي حال، وليس عدوا ولا يجب، فهو جزء أصيل من ثقافة المنقطة، شئنا أم أبينا، في صعوده أم في تدهوره، والمشاهدون يتفاعلون معه عبر عشرات الملايين من أجهزة التليفزيون يوميا. ولا أعرف ماذا كان يمكن أن يكون رد الفعل إذا صرحت المنتجة المصرية إسعاد يونس مثلا بأن شركتها تتطلع إلى الحيلولة بين أفلام شركة طارق بن عمار وسوق الشرق الأوسط!! عموما الكلام الفارغ كثير جدا.. ومجاني.. لكن فاريتي يهمها إعلانات طارق بن عمار، تماما كما كان يهمها في السابق، إعلانات عماد الدين أديب وكامل أبو علي!
الأحد 5 سبتمبر
الأحد 5 سبتمبر
* المخرج الأمريكي الكبير مارتن سكورسيزي موجود في فينيسيا لعرض فيلمه التسجيلي الطويل (60 دقيقة) بعنوان "رسالة إلى إيليا" الذي يتابع فيه مسيرة السينمائي الكبير الراحل ايليا كازان الذي غادر عالمنا عام 2003 عن 94 عاما بعد أن أثرى المسرح والسينما في الولايات المتحدة بعدد من أبرز الأعمال منها "على رصيف الميناء" و"عربة اسمها اللذة" و"متمرد بدون قضية" و"أمريكا.. أمريكا" و"الترتيب" و"التايكون الأخير". وقد عرض الفيلم هنا حتى الآن عرضان، وكنت أعول على تمكني من اللحاق بالعرض الثاني إلا أن الأعداد الكبيرة التي أصطفت أمام القاعة حالت بيني وبين المحاولة خصوصا وأن القاعة التي عرض بها الفيلم للصحفيين، لا تتسع لأكثر من 150 مقعدا، ولا أدري لماذا لم يخصص له المهرجان عرضا رئيسيا للصحفيين الموجودين بالآلاف!
* الأسد الذهبي كجائزة خاصة عن الانجاز السينمائي مدى الحياة حصل عليها هذا العام المخرج الصيني من هونج كونج جون وو، الذي لا أجده شخصيا يستحق هذه الجائزة، لكنه الاعجاب الشخصي أو ذلك الاهتمام الخاص لدى مدير مهرجان فينيسيا ماركو موللر، وولعه الكبير بسينما جنوب شرق آسيا، وكل ما يأتي منها، وهذه السينما هي أيضا أحد الأركان البارزة في برامج الدورة الحالية.
الإثنين 6 سبتمبر
الإثنين 6 سبتمبر
أفضل أفلام المسابقة حتى الآن بعد عرض 13 فيلما من بين 24 هي من وجهة نظر كاتب هذه السطور:
1- تشريح الجثث بعد الموت post mortum من شيلي
2- القتل الضروري- من بولندا
3- أرواح ساكنة- من روسيا
4- ميرال- من الولايات المتحدة
5- الغابة النرويجية- من فرنسا
6- في مكان ما- من الولايات المتحدة
والملاحظة البارزة (منذ سنوات في الحقيقة) هي أن السينما الفرنسية لا تتألق في معظم الأحوال، إلا من خلال أفلام يخرجها عادة مخرجون غير فرنسيين، كما هو الحال هنا مثلا، ففيلم "الغابة النرويجية" رغم أنه من الانتاج الفرنسي إلا أن مخرجه فيتنامي، وكذلك فيلم "فينوس السوداء" وهو للمخرج التونسي عبد اللطيف قشيش، والمخرج التشيلي راؤول رويز، والروسي يوسيلياني، وطبعا البولندي الراحل كيشلوفسكي، كأمثلة فقط. وكثيرا ما تحصل أفلام المخرجين "الأجانب" في السينما الفرنسية على الجوائز، في حين يغيب الاهتمام بالأفلام التي يخرجها مخرجون فرنسيون "أصليون" مثلما هو الحال فيما يتعلق بفيلميين في مسابقة مهرجان فينيسيا هما "الزوجة الثمينة" – بطولة جيرار ديبارديو وكاترين دينيف واخراج فرنسوا أوزن ، وفيلم "سعداء قليلون" للمخرج أنتوني كوردييه. ولست شخصيا، من المعجبين بأفلام المخرج فرنسوا أوزون (الذي يطلقون عليه الطفل المرعب) فهو مخرج من نوع الـ perverse أي المخرج صاحب الأفكار السطحية الشاذة التي توهم بأنها أفكار كبيرة فلسفية، وأفلامه تشير بشكل واضح على التحذلق المفتعل الذي يميز التيار العريض في السينما الفرنسية، التلاعب بالكلمات والدوران حول أفكار مجردة لا تدل سوى على الفراغ القاتل، وعدم الاهتمام بما يجري في العالم.
إن السينما الفرنسية تكون في أفضل أحوالها، عندما تعبر عن القضايا التي تشغل الفرنسيين، أو عن قضايا تشغل العالم، ولكن لكي يتناول المخرج موضوعا مجردا عن الإنسان، فلابد أن تجد الكثير جدا من الثرثرة الكلامية، وافتعال المناقشات حول أشياء مثل هل القبلة مثلا بمكن أن يكون لها دلالة أخرى غير الرغبة، وهل الرغبة لصيقة بالمرء أم لا، وهل الطعام له علاقة بالقبلات، وبشكل ممارسة الحب، وما إلى ذلك من خواء كان السينمائيون الفرنسيون في الستينيات قد أعلنوا تمردهم عليه باعتبار أن هذا اللغو من سمات البورجوازية الفرنسية التي تهوى الثرثرة في موضوعات شتى فارغة أثناء تناول الطعام. والسينما الفرنسية بهذا المعنى، في أزمة كبيرة لا يصلح معها سوى انتفاضة على التقليدي والقديم والمعلب، والأفكار المجردة التافهة والسطحية. ولولا وجود جودار وآلان رينيه، والسينمائيين الأجانب في فرنسا لأعلن موت السينما الفرنسية رسميا رغم وجود تافرنييه وبلييه وأسايس وبيسون وغيرهم.
الثلاثاء 7 سبتمبر
الثلاثاء 7 سبتمبر
مازلنا هنا في انتظار عرض فيلم عبد اللطيف قشيش "فينوس السوداء" (160 دقيقة)، وفيلم "ظلال" التسجيلي لماريان خوري ومصطفى الحسناوي، كما أننا بانتظار عرض فيلم مانويل دي أوليفييرا الجديد المخرج البالغ من العمر حاليا أكثر من 101 سنة، وفيلمه الجديد من النوع القصير (16 دقيقة) في المهرجان فيلمان للمخرج الياباني غزير الانتاج تاكاشي مييكي المعروف بإغراقه في مشاهد الدماء والأشلاء والقتل، الأول داخل المسابقة وهو "13 قاتلا"، والثاني خارجها وهو "الرجل الحمار الوحشي" أو حسب عنوانه الأصلي Zebraman وأفلام العم تاكاشي عادة ما تلقى اقبالا هستيريا من جانب قطاع من مدمني الأفلام، لكن أحدا من النقاد لا يأخذه على محمل الجد! في المهرجان أيضا فيلمان من إخراج الممثل فنسنت جاللو (بطل فيلم "القتل الضروري" المعروض بالمسابقة) الفيلم الأول قصير وعنوانه "العميل"، والثاني طويل باسم "وعود مكتوبة على الماء" وهو من أفلام المسابقة، أي أن له فيلم من تمثيله في المسابقة، وآخر من إخراجه، وثالث في قسم "آفاق".. ياله من رجل محظوظ.. ربما يخرج بجائزة ما، وإن كان ولابد من حصوله على جائزة، فرأيي أن تكون جائزة أحسن ممثل.
الأربعاء 8 سبتمبر
لا أحد يطالبني الآن بالكتابة عن الفيلم- التحفة "فينوس السوداء" للتونسي عبد اللطيف قشيش الذي عرض مساء أمس في اطار أفلام المسابقة. سأكتب عنه بعد أن ينتهي "المولد".. هذا فيلم صادم، قاس، عنيف، ولكنه صادق، ومقنع وواقعي حتى آخر حرف في الكتاب، كتاب السينما الرفيعة. برز هذا الفيلم وارتفع فوق سائر الأفلام وأصبح المرشح الأول هنا بلاشك على الأقل من قبل الذين يفهمون في السينما الحقيقية. سهل من على السطح، صعب للغاية في التنفيذ والخروج بهذه النتيجة المبهرة.
الفيلم اليوناني "اتنبرو" تحاول مخرجته محاكاة جودار في الشكل، ولكن بدون عمقه وفلسفته وثقافته. ولكن بينما يصنع جودار سينما حداثية تعتمد على العقل وعلى المنطق والتحليل الفلسفي للصورة بحيث يكشف عن معانيها المتعددة الطبقات، هنا فيلم ما بعد حداثي، يخلط بين الجد والعبث، وبين العالم والخيال المستقر عن العالم، المرأة في الصدارة، والجرأة الجنسية بارزة بشكل يصدم أحيانا، والمناقشات حول الموت تكشف عن رغبة في التمسك بالحياة. وتساؤلات حول الصداقة والحب واللذة والأبوة والبنوة.
الخميس 9 سبتمبر
* شاهدنا الفيلم المصري التسجيلي الطويل "ظلال" إخراج ماريان خوري ومصطفى الحسناوي المعروض هنا في قسم "آفاق"، وهو عمل جيد جدا، وإن كان لا يخلو بالطبع من بعض العيوب، ويدور بأكمله داخل مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية التي كانت من قبل "منطقة يحظر فيها التصوير تماما" فاقتحمتها المخرجة وزميلها التونسي الموهوب بالكاميرا والنتيجة هي هذا الفيلم المرعب. وسأكتب عنه بالتفصيل فيما بعد. * من السينما التجارية الأمريكية عرض خارج المسابقة فيلم "البلدة" The Town للممثل والمخرج بن أفليك، الذي يذكرك بأداء كلينت إيستوود أحيانا، ببروده ونظراته الغائمة، وقوة شكيمته بالطبع. هذا فيلم بوليسي من أفلام الجريمة والمافيا والعنف، عن عصابة تسرق البنوك، يقيم أحد أفرادها (بن أفليك نفسه) علاقة عاطفية مع مديرة بنك سرقته العاصبة لتوها، وتتطور القصة وتدخل إلى أغوار جديدة، فهل الجريمة تنتهي بالعقاب، أم أن المجرم يمكنه أن يفلت هذه المرة أيضا؟ لن أحرق "الحبكة" حتى يستمتع محبو هذا النوع من الأفلام المثيرة بالفيلم عند عرضه عروضا عامة قريبا، وأنا على ثقة من أنه سيلقى إعجاب الكثيرين.
الجمعة 10 سبتمبر
* شاهدنا الفيلم المصري التسجيلي الطويل "ظلال" إخراج ماريان خوري ومصطفى الحسناوي المعروض هنا في قسم "آفاق"، وهو عمل جيد جدا، وإن كان لا يخلو بالطبع من بعض العيوب، ويدور بأكمله داخل مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية التي كانت من قبل "منطقة يحظر فيها التصوير تماما" فاقتحمتها المخرجة وزميلها التونسي الموهوب بالكاميرا والنتيجة هي هذا الفيلم المرعب. وسأكتب عنه بالتفصيل فيما بعد. * من السينما التجارية الأمريكية عرض خارج المسابقة فيلم "البلدة" The Town للممثل والمخرج بن أفليك، الذي يذكرك بأداء كلينت إيستوود أحيانا، ببروده ونظراته الغائمة، وقوة شكيمته بالطبع. هذا فيلم بوليسي من أفلام الجريمة والمافيا والعنف، عن عصابة تسرق البنوك، يقيم أحد أفرادها (بن أفليك نفسه) علاقة عاطفية مع مديرة بنك سرقته العاصبة لتوها، وتتطور القصة وتدخل إلى أغوار جديدة، فهل الجريمة تنتهي بالعقاب، أم أن المجرم يمكنه أن يفلت هذه المرة أيضا؟ لن أحرق "الحبكة" حتى يستمتع محبو هذا النوع من الأفلام المثيرة بالفيلم عند عرضه عروضا عامة قريبا، وأنا على ثقة من أنه سيلقى إعجاب الكثيرين.
الجمعة 10 سبتمبر
نشرت مجلة فاريتي التي تصدر بصفة يومية أثناء مهرجان فينيسيا، معلومات عن المهرجان مستمدة من تصريحات باولو باراتا رئيس بينالي فينيسيا الذي أقام حفل غذاء على شرف الصحفيين الأجانب الحاضرين قبل يومين. وقال رئيس البينالي إن هذا العام شهد مشاركة 3427 صحفيا منهم 2088 صحفيا ايطاليا، و1339 صحفيا أجنبيا. أي بزيادة قدرها 4 في المائة عن العام السابق. وقال ماركو موللر مدير المهرجان خلال الحفل إن مشاركة الصحافة الالكترونية (الانترنت) في تغطية المهرجان زادت بنسبة 33 في المائة وهو ما يعكس بروز هذا النوع من الصحافة على حسب الأنواع الأخرى. ولكن هناك ارتفاع في تغطية الصحافة المطبوعة بنسبة 21 في المائة، وشاركت 433 مطبوعة أجنبية (غير ايطالية) في تغطية المهرجان).
أتمنى لو تنشر المهرجانات السينمائية التي تقام في العالم العربي، من الدوحة إلى مراكش، أرقام الصحفيين والإعلاميين الذين يقومون بتغطية أحداثها سنة بعد أخرى، كما أتمنى لو تنشر ميزانياتها وعدد ما تتلقاه من أفلام وما تختاره بعد ذلك، وأن تنشر أيضا بيانات بأسماء لجان الاختيار والبرمجة. وأن تقول لنا ما هي بالضبط مسؤولية مدير أو مديرة المكتب الصحفي، وهل هي مجرد "تسهيلات" أو أكبر من ذلك بعض الشيء.. والأفضل طبعا لو تكرمت بنشر مهمة رئيس المهرجان تحديدا، وأقصد هنا رئيس أي مهرجان عربي: ماذا يفعل بالضبط بعيدا عن حضور حفل الافتتاح وحفل الختام والقاء كلمة حماسية عن السينما وبناء الإنسان. وكل عام وأنتم بخير!
السبت 11 سبتمبر
السبت 11 سبتمبر
لم أشاهد الفيلم الأمريكي "نسخة بارني" وهو آخر أفلام المسابقة الرسمية، فقد غادرت شاطيء ليدو وفينيسيا بل وإيطاليا كلها قبل أن يعرض. اليوم السبت يقام حفل الختام حينما ينجل ياللغز وتتم الإجابة على السؤال الكبير الذي يثير اهتمام الكثيرين: من الفائز بالأسد الذهبي؟
اليوم أيضا يصادف مرور 9 سنوات على الحدث الجلل الذي غير علاقة العالم بالعرب والمسلمين، وجعل المسلم مثلما كان اليهودي في أوروبا في القرون الوسطى حتى القرن التاسع عشر عندما انفجر ما عرف بـ"قضية دريفوس" في فرنسا. لكن هذا موضوع آخر.. طويل.. طويل.
لا أعرف من الذي سيفوز بالأسد الذهبي ولا الفضي، ولا يهمني أصلا، لا الذهب ولا الفضة، لكن يمكنني القول إن الفيلم الألمالي "ثلاثة" هو أكثر أفلام المسابقة سخفا في الموضوع، ورداءة في الأسلوب، وإن امتلأ بالكثير من الادعاءات والتحذلقات والافتعالات (ولاشك أنه سيعجب بعض من يعشقون كل شيء في السينما الأوروبية ويكرهون السينما التي تنتج في محيطهم العربي بل ويردمون على تاريخ السينما المصرية (صاحبة التاريخ العريق) والعربية صاحبة الانجاز الأحدث، بدعوى أنها "متخلفة"، ربما لأنها لا تنطق الفرنسية، والناس يظهرون في أفلامها دون أن يرتدوا القبعة!
فيلم "ثلاثة" باختصار شديد يمر منه أكثر من ساعة، عبارة عن تمهيد وتقديم للشخصيات، والتفاف حول الموضوع، قبل أن نكتشف أن طبيبا يقيم علاقة جنسية مع امرأة، ومع زوجها الذي تم استئصال احدى خصيتيه بسبب اصابته بالسرطان، ويكتشف وهو في مرحلة النقاهة بعد العملية أنه شاذ جنسيا، أو بالأحرى، أنه يستطيع أن يمارس الجنس مع الرجل ومع المرأة، لا يهم في أي موضع يكون في كلتا الحالتين!
الزوجة تعلم متأخرا بعلاقة زوجها بعشيقها، وبأنها حامل من الرجلين ربما في وقت واحد (شيء يذكرنا بفكرة سخيفة مشابهة في فيلم المسافر!) ولكن بتوأم في رحمها، و يبشرنا الفيلم في نهايته بأن هذا الحب، الذي يجمع الثلاثي، هو الحب الشكل المثالي للحب في المستقبل. ولا يمكنك كمشاهد أن تعترض قط على هذه الرؤية، فلو فعلت وكتبت صراحة أنك تجد الفكرة سخيفة، أو أن الشذوذ الجنسي مسالة مرضية ضد الطبيعة البشرية السوية وتقتضي العلاج، لوجدت نفسك أمام القضاء بتهمة ازدراء الذين يطلقون على أنفسهم "المثليين جنسيا" وليس "الشواذ جنسيا"، بل وربما يكون القاضي وكل أعضاء المحكمة أيضا، من هؤلاء.
أقصى ما فعله البعض أثناء عرض هذا الفيلم "الشاذ" هو الانسحاب من القاعة، وهو ما لم أفعله، بل جلست حتى النهاية لكي اعرف إلام يرمي هذا المخرج الغريب، الذي فشل في إثارة أي اهتمام بالموضوع بسبب تلاعباته المفتعلة بالشكل، ويبدو أن الموضوع يبرر الأسلوب فعلا، والبعض يرى أيضا أن "الموضوع هو الأسلوب". وهو كذلك بالفعل.
0 comments:
إرسال تعليق