الأحد، 5 سبتمبر 2010

يوميات فينيسيا 4: بين السياسي والنفسي والفلسفي

من فيلم "سيرك كولومبيا"

شاهدنا حتى كتابة هذه السطور 11 فيلما من أفلام المسابقة الـ24، ولاشك أن معظم هذه الأفلام مثيرة للكثير من الاهتمام، كما أنها تتنوع في اهتماماتها ما بين البحث في أغوار النفس البشرية، ومحاولة البحث عن جسر للتواصل بين البشر، وفهم الإنسان لنفسه، لماضيه وللبشر من حوله، وأيضا البحث في القضايا السياسية مثل القضية الفلسطينية كما في فيلم "ميرال"، وموضوع الديكتاتورية العسكرية في علاقتها بالفرد، بالإنسان، كما في فيلم "تشريح الجثث" Postmortum من شيلي الذي أعتبره إحدى التحف السينمائية التي كشف عنها مهرجان فينيسيا هذا العام مع التحفة الأخرى من روسيا "أرواح ساكنة"، و"الغابة النرويجية" من الإنتاج الفرنسي للمخرج الفيتنامي تران أن هونج الذي صوره في اليابان.
ولاشك أن هذه الأفلام البارزة تستحق نقدا تفصيليا للكشف عن كنوزها وأسباب سحرها وتفردها الفني.
أما خارج المسابقة فقد لفت الانتباه بقوة الفيلم البوسني (من الاإنتاج المشترك مع بلجيكا وفرنسا وبريطانيا) أي فيلم "سيرك كولومبيا" Cirkus Columbia للمخرج دانيس تانوفيتش صاحب الفيلم الشهير "أرض محايدة" No Man’s Land الحاصل على الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي من عام 2001.
والفيلم الجديد تعليق درامي- كوميدي ساخر أيضا عن التمزق السياسي الذي يؤدي إلى النزاع المسلح في يوغسلافيا والبوسنه، وهو ينتقل من العلاقات العائلية إلى العلاقات بين أبناء الوطن الذي كان واحدا ثم بدأ يتمزق في أوائل التسعينيات، وهي الفترة التي يغطيها الفيلم البديع.
استمتعت أيضا كثيرا بفيلم "أرواح ساكنة" الذي أخرجه الروسي ألكسي فيدورشينكو، بحساسية خاصة، ومن خلال شكل في السرد يقتحم منطقة جديدة في لغة السينما، ويجرب، ويفتح المجال للمزج بين التسجيلي والخيالي، وبين العالم الداخلي، عالم الروحانيات، والتقاليد الشعبية الخاصة التي تعود لمئات السنين من التراكمات، وبين الوفاء للزوجة بعد الوفاة، وكيف يدفع هذا الوفاء المرء لبذل كل ما يمكنه من أجل أن يحقق للروح التي صعدت لتوها، الراحة والسكون من خلال تلك التقاليد المتعارف عليها. ولاشك أن الفيلم يستحق وقفة خاصة قريبا على هذه الصفحة لما فيه من لحظات خاصة بالتأمل في علاقة الموت بالحياة.

طاقم فيلم "امرأة" الإيطالي

خارج المسابقة أيضا وفي إطار برنامج "السينما الإيطالية المعاصرة" شاهدت فيلم "امرأة" A Woman لمخرجة إيطالية شابة (30 عاما) هي جيادا كولاجراندي، وبطولة وليم دافو وجيس ويكسلر. وهو فيلم ناطق بالانجليزية وتدور أحداثه بين أمريكا وايطاليا، وموضوعه من نوع الدراما النفسية المعقدة، ويبحث في خصوصية أو بالأحرى، ازدواجية عالم المرأة، رغبتها في الحب، اندفاعها من أجل ارضاء الحبيب، وفي الوقت نفسه، الخوف من المستقبل، والقلق من الحاضر، ومحاولة التأمل في الموت، ومغزى الروح، وعلاقة الروح بالماء، تماما كما يتردد في فيلم "أرواح ساكنة".
وجدير بالذكر أن برنامج "السينما الإيطالية المعاصرة" يشمل عرض 30 فيلما من الأفلام الإيطالية الروائية الطويلة.
ولعل ما يميز هذه الأفلام التي ذكرتها جميعا، الرقة البالغة التي يتعامل بها مخرجوها مع الموضوع، والبحث عن أشكال جديدة في السرد، والجرأة الشديدة في التعبير، بالجسد، عن عذابات الروح أحيانا، وبالبحث في أعماق الصورة ومحاولة النفاذ من خلال الصور إلى عالم النفس البشرية من الداخل، وعدم الاكتفاء بالوقوف على السطح.

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger