بقلم: عماد إرنست
تستضيف مدونة "حياة في السينما" الكاتب والمخرج الصديق عماد إرنست أحد السينمائيين البارزين في مجال الفيلم التجريبي والفيلم الفني الذي يمزج بين الروائي والتسجيلي وغير الخيالي ويستخدم مفردات السينما في أفلامه ويصوغها بطريقته وطبقا لأسلوبه الخاص. في هذا المقال الذي يمكن اعتباره شهادة شخصية لكاتبه على علافته بالسينما وبالتعبير بالصورة، يناقش عماد العلاقة بين الفيديو والسينما ونظرته الخاصة لما يسمى بالسينما المستقلة في مصر. ولعل هذا المقال بحميميته يفتح الباب للمناقشة واتعليقات من جانب السينمائيين الشباب والمتطلعين لأن يصبحوا مخرجين في المستقبل.
بعد عرض فيلمي التسجيلي القصير، المصور والموَّلف بتقنيات الڤيديو الرقمية، وذلك ضمن أسبوع لأعمال الڤيديو بمصر، جلست بإحدى قاعات المجلس الأعلى للثقافة مع مخرجين زملاء لنتلقى ردود الفعل على أعمالنا المختلفة. وعلى مشارف انتهاء النقاش توجه أحد الحضور بسؤال لم يتم الإجابة عليه، لا أتذكر لماذا !كان السؤال مثيراً ، على الأقل بالنسبة لي ، هذا هو السؤال ..هل الڤيديو بديل للسينما ؟
سؤال مفاجئ رغم بساطته ، وأذكر عقب طرحه أني ابتسمت بلا سبب واضح في ذهني .شيء ما مرح، لكنه مرير في ذات الوقت، كان يتسلل بخلفية هذه الابتسامة. ولأني اعتدت على أخذ هذه الابتسامة بجدية كلما لمحتها تعبر وجهي. لذلك، ولدى مغادرتي مع صديقتي غامرت بالصمت غير المبرر والمقلق لها .
أقول : "غامرت" ؛ هذا لأني أعرف خطورة تعقب هذه الابتسامة الملتبسة !"
لقد أعجبهم الفيلم ، فلم أنت شارد !؟ "
" أنت تعرفين أني أقدر الأسئلة المفاجئة وقد واجهني اليوم أحدها . "
" أي سؤال تعني !؟ "
" هل ( أنا ) بديل ( لي ) !!؟ "
" لم يسألك أحد هذا السؤال !
كل ما أعرفه أن أكثر الحضور فهماً للسينما قال عنه رائع .
"ابتسمت لها بود وهي تطمئن راحة يدي برفق .
ركبنا تاكسي طرازه قديم عبر بنا جسر الأسود ثم وسط المدينة، وسؤال الرجال يطارد جبهتي من اليمين لليسار والعكس.
أعادتني اهتزازات التاكسي للحظة دخولي معهد السينما كطالب يسعى للتحقق بفن السينما.
تذكرت وقوفي المتوتر في بهو المعهد الداخلي، وترددي بالحديث مع زملائي، فقد كانت عيني تحاول احتواء البهو، والغرف، والممرات والسلالم، والنوافذ. كانت مشغولة في صراع بدائي متكرر مع المكان .. بين الحين والأخر كنت أشارك زميلاً، وأتعاطف مع أخر، الكل يصافح الكل بحرارة.
صافحت السائق وهو يعيد باقي الخمسة جنيهات لصديقتي، فضحكت صديقتي بصوت عال. تذكرت ضيق الرجل لعدم إجابة سؤاله، ووقوفه صامتاً وسط الحضور بالقاعة، لقد شعر أنه وحده مع سؤاله، تجمد للحظات وأخرج سيجارة، فإذا بأمن القاعة يمنعه بسرعة فتراجع متلفتاً حوله باحثاً عن تكملة .أحياناً تتحول علامة الاستفهام لمخلب وحشي يطاردك وسط الحشد ؟
هل الڤيديو بديل للسينما ؟لم أجد علاقة بين ذكرياتي وسؤاله ، فعدت ليدي صديقتي الحانية ، واستمتعت معها بالتنزة بأرصفة وسط القاهرة بين المارة المتلكئين أمام احتفالية الأوكازيون . تدفقنا معهم أكثر ثم أقل ، فأكثر ..
وإذا بالسؤال يعود ليواجهني بأفيش احدى دور العرض تعرض "للجمهور" "فيلماً" "روائياً" "طويل" : هل الڤيديو بديل للسينما التجارية ؟
فتحت باب مسكني وتوجهت إلى الكامير الـ Mini DV. أمسكت بحقيبتها ورفعتها، فإذا بها "خفيفة" فتوقفت عند نسب خفتها . خفيفة بالنسبة لأي شيء .. .. !؟
في شتاء ١٩٩١، وفي السنة الدراسية الثانية، طلب منا عمل فيلم تسجيلي عن أي موضوع نرغبه، ثم تسلمنا كاميرا V.H.S للتصوير بها. ولأنها كانت المرة الأولى التي سأضع فيها عيني بكاميرا تنتج صوراً متحركة؛ لذلك قررت أن أصور بنفسي. لم يكن بداخلي رغبة للخروج عن نطاق الحي الذي أسكنه، فنزلت بها يوماً كاملاً لأبحث عن موضوع من خلالها. "اللي عشته أحسن من اللي ماعشتهوش".
عدت خائباً، لكني اكتشفت شيئاً مشجعاً ، وهو أني بدونها كنت أفعل نفس الشيء ، كنت أمتلك قدرة تحديد الـ FRAME . لكن أي FRAME سيوقفني !!؟
غفوت شاعراً بتدفق ألم شديد بالكتف الأيمن .
اليوم الثاني تحركت بها بداخل الحي القديم المتهالك والأثري ( الجمالية ) . لم أرفعها أو أديرها ، توغلت بها حتى وصلت لحي اليهود ، وعبرت بوابة خان قديم ، وهنا بدأت تجتاحني العين المحتوية للمكان !!
شعور متدفق بأنك مألوف للبشر والجدران، وأن هذا المكان ينتمي إليك وأنت إليه ، شعور يزداد ثم ينقص لكنه لا يختفي أو ينقطع ، شعور خطي متصل !
أحسست بخفة الكاميرا بيدي لكني لم أجرؤ على إخراجها ؛ فقد كان الشعور يلتهم قراري بالتفاعل كمخرج، أو بالأحرى كمصور . أذكر بطئ حركتي وثقل خطواتي في الممرات والدهاليز المتكلسة .. وإذا بي أعود فجأة للخلف لأرى شيئاً قد مر علي !!
وقفت أرقب ما أراه وأنا منغمس مع حركتهم المتكررة بعمق القديم المتهالك . ندائهم من الداخل يأتي ."لم تعد الكاميرا موجودة" .. واندمج ما هو حسي مع ما هو معرفي في علامات ترقيم لغوية، وقرارات قوية حتى أصل إلى " لماذا توقفت وعدت للخلف لأرى ما قد مر علي " ؟
طلب مني الفنان مدكور ثابت (لاحظ الخلفية التجريبية لهذا المخرج) أن أكتب ورقة عما أنوي الوصول إليه من المادة المصورة. وقعت في حيص بيص. كان أكثر المواقف التي واجهتني قسوة، ولكني، ولكي أخرج من هذا المطلب، قدمت له ورقة أقل ما توصف به أنها هروب. لكنه بخبرته تفهم أني باحتياج للجلوس بغرفة المونتاچ، وبكم مفتوح من الساعات، ليكتمل حظي الاستثنائي بأن أضع قدمي على أول الطريق الحقيقي للتمتع بجدية بصنع الأفلام .. الانحياز للإسثثناء !
أغلقت الكاميرا الـ Mini DV ، ثم وضعتها بحقيبتها وأخرجت البطارية حتى لا تنفذ .شتاء ١٩٩١، كانت من نوع الـ V.H.S. ، استعدت تجربتي معها كاملة وتعرفت على نسب الخفة.
الأنالوج والديچيتال الخطي والرقمي مفردتان تستخدمان خارج النطاق التقني في التفسيرات الحديثة لعلم الإيكولوچيا فالاتصال الخطي يتضمن كماً متدفقاً بلا فراغات دالة ، ولا يوجد به " لا " ، و لا يتساءل " إما أو " كل شيء فيه أكثر أو أقل ، مثل كل الإيماءات والتحولات والإيقاعات غير التقليدية، والسياق الإتصالي ذاته. أما الاتصال الرقمي فيتضمن عناصر حرص ، وانقطاعات أو فراغات ، ويسمح بقول الـ " لا " و " إما / أو " بدلاً من " كِلا / و " ( مثل كل اتصال دلالي لغوي ) " .. هذان .. " الشكلان ليسا في موقف تعارض، فالوظيفة العامة لما هو رقمي أن يرسم حدوداً بداخل ما هو خطي، مثله في ذلك مثل مفتاح غلق وفتح دائرة كهربائية تعمل بداخل تيار متدفق " .
هذه ترجمة لتعريف موجز لـ "بيل نيكولز" لمفهومي الخطي والرقمي لدى "جريجوري بيتسون" صاحب كتاب "خطوات نحو إيكولوچيا العقل" .الآن .. السؤال يحتاج إلى إجابة أكثر وضوحاً !
فما سبق كان لعبة " سرد وأسلوب "" لماذا " يطارد الرجل ذاكرتي ؟ و " لماذا " كان السؤال هاماً له لحظتها !؟
"نصصت" أداتي الاستفهام لأنهما التجسد اللغوي لكاميرتين، الأولى ڤيديو والثانية سينما ٣٥ميلي .. الأولى ابتسامتي المرحة والمريرة والثانية تتمثل في قلقه من عدم تحققه في سؤاله. الاثنتان اندمجتا بلا صراع تقليدي بفراغ القاعة.
هنا نستطيع رؤية العلاقة الملتبسة بين مفهومي الخطي والرقمي عند بيتسون؛ فالابتسامة كانت إيماءة غير تقليدية (خطي/ متدفق) أعقبها صمت تأملي فيها (رقمي/حرص)، بينما بالنسبة له كان هناك أشخاص تتحدث بتدفق (خطي/مثرثر) قطعها ذهنه بسؤال متكلس (رقمي / لا) ثم فعل إنتظار متدفق لبرهة، أعقبه عدم السيطرة على سلوكه، بالتجمد وإشعال السيجارة، ثم الحيرة (خطي/ متدفق ومتحول). وهكذا تشابكت صراعاتنا الحسية والمعرفية ما بين تدفقات خطية وإنقطاعات رقمية. ويمكن متابعة الجزء السردي "في البداية" من هذا المنظور، إلى أن تتوقف عند كلمتي ..
السينما التجارية: هذه السينما غير معنية إلا بالجاهز من تفسيرات السلوك البشري، وبما يخدم صراعها التقليدي الأرسطي ذي الثلاث فصول، والتي لا تريد المغامرة بتغييره ، لأنه مستقر التواصل ومربح . وهنا يكمن خطأها ؛ فالقلق المتزايد التجزئة في الاتصال بين البشر لن يجد التهدئة بشاشتها ( لاحظ قلة البطولة الخارقة بعد ١١ سبتمبر، ولجوء السينما التجارية الأمريكية لأبطال ذوي بشرة غير بيضاء للتخفيف من القلق تجاه نسيج المجتمع. ومن قبل نجاح جماهيري لفيلم تلاعب فقط بسرد الصراع التقليدي وبأبطاله ـ ليس بطلاً واحداً ـ مثل فيلم Pulp Fiction ).
السينما التجارية: هذه السينما غير معنية إلا بالجاهز من تفسيرات السلوك البشري، وبما يخدم صراعها التقليدي الأرسطي ذي الثلاث فصول، والتي لا تريد المغامرة بتغييره ، لأنه مستقر التواصل ومربح . وهنا يكمن خطأها ؛ فالقلق المتزايد التجزئة في الاتصال بين البشر لن يجد التهدئة بشاشتها ( لاحظ قلة البطولة الخارقة بعد ١١ سبتمبر، ولجوء السينما التجارية الأمريكية لأبطال ذوي بشرة غير بيضاء للتخفيف من القلق تجاه نسيج المجتمع. ومن قبل نجاح جماهيري لفيلم تلاعب فقط بسرد الصراع التقليدي وبأبطاله ـ ليس بطلاً واحداً ـ مثل فيلم Pulp Fiction ).
ولأن هذا القلق الاتصالي يحمل بداخله احتمالات ووعوداً بالضحك، لذلك أتوقع صعود أكثر لموجة الكوميديا بمصر ( لاحظ مقولات ممثلي الكوميديا بأنهم يأخذون قفشاتهم من الشارع . وعلى النقيض ، يتم الهرب بالحدوتة لخارج مواقع القلق مثل الجامعة الأمريكية ، هولندا ، شرم الشيخ ، أفريقيا ، ومواقع صراع عالمية وعربية جاهزة التفسيرات الصحفية ) . ثمة فيلم واحد اشتبك مع مواقع القلق على مستوى الفكرة الأولى بين ما هو حسي وما هو معرفي وهو " فيلم ثقافي".هل هذه هي السينما التي سيصبح الڤيديو بديلاً لها؟
يا صاحب السؤال ، أعرف أنك تعني العرض العاملكني أتخيل ذلك اليوم الذي سيحل بغرفة ماكينة العرض بمصر المحروسة جهاز صغير يُعرَض من خلاله اسطوانات الـ D.V.D وجهاز آخر فوقه ، أقل حجماً، ومن نفس الشباك السحري سيصدر صوراً، على نفس الشاشة االبيضاء ، في ذات القاعة المظلمة ، للآخر الجالس بكرسيه يطبق تذكرته و ينتظر ..
السؤال الآن أصبح ملكي ، إذن فالاجابة تتطلب تحديد إلى أي سينما أنتمي !
هناك ثلاثة أنواع من السينما تهتم بالمتفرج "المجهول" وشباك التذاكر مؤشر مهم لها ، حتى إذا إدعى من لا يعرفها غير ذلك !
وهم بترتيب درجة الاهتمام بالتواصل مع الآخر المجهول ـ المتفرج ـ وكذلك سبب الرغبة في هذا التواصل : ( سينما البحث ، السينما التجارية ، السينما المستقلة.سينما البحث : هي تلك السينما التي تعتبر البحث بعناصر صناعة الفيلم شرطاً أساسياً ورئيسياً لتجديد وتغيير اللغة السينمائية لكي تتجه بالفن السينمائي لخصوصيته السيميولوچية. وأمثلتها متروبوليس، والمواطن كين، وسايكو، وساتيركون، وتيوريما، وبرسونا، والقربان، ونظرة عوليس وهكذا .. العزيمة والسوق السوداء، المخدوعون، المومياء، الإختيار، السقا مات، مرسيدس، الطوق والإسورة، البحث عن سيد مرزوق، الحريف، وهكذا .. وهي تعمل على وتر الخيال الجمعي بمفهوم الإنعتاق المرفرف تحت راية الحداثة كمشروع فني وثقافي .
السينما المستقلة : هي تلك السينما التي راجعت أخطاء الطليعة بفن السينما، وأحدها الانجراف المبالغ فيه في التخصص اللغوي، نتج عنه الانفصال عن المتفرج والحديث للصفوة. وتعلمت أيضاً من نقاط القوة بالسينما التجارية، فيجب الابتعاد فيها عن الغموض الملتبس بالسرد، حتى إذا كان خطياً متقطع الصراع أو مغاير تماماً للسرد الأرسطي. وهي تنظر بحرص للماضي ومشروعه الحداثي ، وكذلك تنتقد بشدة الحاضر والمستقبل في مشروعهما المندفع "الما بعد حداثي"، إلا أنها تتبنى بعض أفكاره عن اللغة السينمائية التي تتواءم مع نقدها لسلبيات المشروع الحداثي . لافظة فكرة الإنعتاق وموجهة إهتمامها التام صوب اليومي والهامشي بألعابه الكامنة والعنيفة والبريئة معاً .
سقط بالقانون، دخان، حزن في الوش، رمبل فيش، بلب فيكشن، عاري، مقابر خاوية، جنس وأكاذيب وشرائط فيديو ، وهكذا ..يسري نصر الله و زكي فطين عبد الوهاب و أسامة فوزي، مخرجون كان لهم تماس متواتر مع ما سبق!
أنا أنتمي للسينما المستقلة، التي أعلن أحد ممارسيها العنيدين "چيم چاراموش" أنه لم يعد يعرف معناها بالتحديد. ذلك ربما لتسلق بعض الراغبين في السينما التجارية من خلالها، أو لجذب أضواء النيون للفراشات .. وربما أيضاً، والأهم، "نزول" بعض مخرجي سينما البحث لآليات التنفيذ المستقل بحثاً عن الخروج من أزمة إنتاج أفلامهم. كل هذا لا يهم، المهم أن هذه السينما قد طرحت نفسها بقوة، وساهمت في بث الحيوية بالوسيط السينمائي العالمي منذ السبعينات وبمصر منذ التسعينات . وكما ذكرت، هناك مخرجون بمصر كان لهم اقتراب قوي لمنطق السينما المستقلة، أولهم، وأعني نصر الله، صور فيلمه على ١٦مم بإرادة صلبة، ثم وبمساعدة تمويل فرنسي، أخرجه للنور وهو "سرقات صيفية". إلا أن بداخله صفات تميزه كسينما بحث أكثر من كونه مستقلاً، لذلك نجد فيلمه التالي "مرسيدس" ينتمي في طرحه اللغوي للتعقيد والغموض السردي، في محاولة لاكتشاف "الجديد" باللغة السينمائية على طريقة سينما البحث.
والملحوظة المهمة بهذا الفيلم، إنه بداخله وعود بسينما مستقلة، نراها في عالم سينما الدرجة الثالثة، وكذلك النقد الواضح لمشروع الحداثة السياسي والتخوف والريبة من فساد الحاضر الما بعد حداثي (مرسيدس)، وبالأخير ذلك القلق الكامن بمجمل رحلة البطل بين الحسي والمعرفي. ثم يأتي فيلم "المدينة"، الذي يزداد فيه اقتراب المخرج من السينما المستقلة، وابتعاده عن سينما البحث، ليس فقط بآليات الإنتاج، ولكن الأهم هو في ابتعاده عن الغموض والتعقيد السردي .
زكي فطين عبد الوهاب ، لسبب واحد لن أستطيع أن أتحدث عن فيلمه "رومانتيكا" وذلك لعدم اكتماله بالطريقة التي كان يريدها، وهنا تظهر فكرة التداخل الإنتاجي بين السينمات الثلاث التي قد تجهَض لعدم تحديد النوع بذهن الانتاج وصانع الفيلم. لكن اختيارات المخرج زكي فطين لفئة الخيرتية بالقاهرة وشخصياته الاستثنائية جعلت عالمه مستقل وقوي، وأرجو عودة هذا المخرج لصناعة الفيلم بأي إمكانية.
أسامة فوزي، ومصطفى ذكري، سينمائيان من العيار الغنوصي، فيلمهما الأول "عفاريت الإسفلت" فتح إطار جديد للسيناريو للنظر للهامشي، لكن طموحه لخلق مجتمع فيلمي ينتمي لطموحات سينما البحث؛ فالكثافة العددية للشخصيات المساعدة جنحت بالفيلم لكتابة تقترب لنوع تبتعد عنه السينما المستقلة، ألا وهي كتابة "الملحمة" بمفهومها القديم للإنعتاق .
جرأة الفكرة سمة أساسية ترتبط بالاستقلال . إلا أن نموها وتطورها يقع على عاتق الجهد وعدم التسرع. إن "جنة الشياطين" وبرغم عدم إجابته على : لماذا عزل ومسرحة الهامشي ؟ إلا أنه أصبح من أهم محاولات السينما المخلصة .هل الفيديو بديل للسينما ؟ بلقاء للمخرج "ڤيم ڤيندرز" مع شباب السينما بإيطاليا ، وذلك بعد تجربته بعمل فيلم روائي طويل بكاميرا Digital Hi 8 ، حثهم على عدم التنازل عن الأفكار ، والعمل بأي إمكانيات متاحة لهم .
وحيث أن فرص تمويل الأفكار المختلفة تقابل بمعوقات كثيرة ومتنوعة لتنفيذها بآليات السينما داخل مصر المحروسة ، أهمها التحمس وسرعة التنفيذ .ولأني أؤمن بأن صدأ القلب والعقل يجعلا ( البقاء ) هو الرهان الوحيد وليس " الحياة " !لذلك ، سأرد على سؤالك هل الڤيديو بديل للسينما بسؤالي لنفسي في البداية ، وهو ..هل أنت ( شتاء ٩١ ) بديل لك ( أبريل ٢٠٠٢) ؟
اختفاء تدريجي ترقيمي ـ Digital Fade Out
* نشِرَ ببرنامج السينما المستقلة بمهرجان الإسماعيلية سبتمبر ٢٠٠٢ وبنشرة ملتقى الأفلام المستقلة ٢٠٠٦
* بعد ما يقرب من ثلاث شهور عمل على المادة كانت النتيجة فيلم بعنوان "حمام تركي" ٢٤ دقيقة ١٩٩١ سيناريو وتصوير وإخراج عماد ارنست، ومونتاچ هناء ارنست، وصوت أحمد الجزار. وهو فيلم لا يخضع لشروط النوع عن عمال معالجة وتنقية أتربة ورش الصاغة بالجمالية من خلال أداء حركة واحدة لمدة ثماني ساعات يومياً للحصول على بواقي الذهب أو الفضة المتناثر بتلك الورش.
* نتيجة لفتوح الثورة العلمية وزيادة وتيرة التخصص بدأ علم الإيكولوچيا Ecology في أواخر القرن التاسع عشر كفرع من البيولوجيا. ويعود المصطلح للعالم الألماني إرنست هايكل عام ١٨٨٦ كنحت من كلمة oikos الإغريقية وتعني منزل الأسرة وكدراسة للعلاقات التي تربط ما بين أعضاء كوكب الأرض. وبعام ١٩٠٩ أصبح العلم الذي يدرس العلاقات المتبادلة بين الكائن الحي وبيئته، ثم توسعت بحوثه لتتحرى التشوهات التي أصابت العقل والثقافة في مختلف أوجه الحضارة متطرقة للجدل والصراع الخاص بما هو حسي وما هو معرفي.
* لأنه لا يوجد نموذج واحد أمثل، وأنه لا توجد سينما واحدة بل سينمات ثلاث يندرج تحتها عدد متنوع من السينمات تعمل تحت مسماها بحسب ثقافة مكانها وصانعها، يأتي هذا التحليل المقتضب للسينمات الثلاث ـ مُنحياً التجريبية لمنطق سردها الخاص ـ ليصبح هذا الرأي شخصي مثله مثل هذا النص المُهدى لصاحب السؤال.
* لست من المحبذين لفكرة أن معيار المال قادر على تحديد من يقع بنطاق الإستقلال ومن بخارجه، وإلا سيصبح الأغنى مستقل أكثر من الفقير، والمستقيم أفضل من المكافح، وبالتأكيد سيترك العمل الفني ويبحث بالنيات مُسقِطاً المصطلح بدائرتي الثنائيات الكسولة و صيغة أفعل التفضيل المنغمس فيهما العقل المصري والعربي لدهور طويلة. لذا فالنص يبحث بالأساس في جدل الحسي والمعرفي بالفن، وأتى كمحاولة "شبه" تنظيرية لتأسيس المصطلح على أرضية "ثقافية" و"فنية" لا مراهقة سياسية تجادل بأمور تمويل بديهية الرفض في حالة خلافها مع قناعات صاحب العمل، طالما هو على قدر من الوعي والتمسك بهذه القناعات. وهو أيضاً ليس مراهقة إجتماعية تجعل من الدولة جزء منفصل عن الفرد، حتى وإن كانت مؤسساتها تمر بأوهن مراحلها، فما يحدث مجرد ظرف تاريخي، قاسي بلا شك، الرهان فيه على "صلابة الوعي والإرادة" ومدى "تماسك القناعات" وبالأخير على حب "السينما المصرية" دون شوفينية تحجم من إمكاناتها الكثيفة والغنية للغاية !!!
* يرجح ظهور الغنوصية كإتجاه فلسفي وديني لمصر القرن الأول الميلادي في الرسائل الرمزية لهرمز مثلث الحكمة أو العظمة. وكل مفاهيمها وتصوراتها تتمحور حول مفهوم التحرر والانعتاق. وخلاصها لا يأتي عبر عبادات شكلية أو طقوس ما لم تترافق مع المعرفة وتكون مقدمة لخلاص من الجسد والعالم بآن واحد. فبعثها هو بعث للأرواح لا للأجساد. لذا يعد صراعها الانساني صراع بين عرفان يؤدي به للخلاص، وبين جهل يبقيه في دورة الميلاد والموت. ولمن شاهد فيلم "جنة الشياطين" قد يلحظ التماس الشديد مع هذا البعد الفلسفي مع مزيج من الأبيقورية والنتشوية مغلفة بسحر بيرجماني كجماليات سينمائية جاذبة بشدة لهذه التوجه الفني.
0 comments:
إرسال تعليق