الخميس، 9 سبتمبر 2010

يوميات فينيسيا 9: ملاحظات عامة

من الفيلم الأمريكي المستقل "انقطاع ميك"

السينما الإيطالية في أزمة ما في شك في هذا، فما لم يكن هناك فيلم من أفلام كبار المخرجين، أي من الأجيال القديمة التي ظهرت في الخمسينيات والستينيات (مع استثناءات قليلة)، لا نشاهد سوى مشاريع أفلام مصنوعة فيما يبدو وعين صانعها على جمهور التليفزيون الإيطالي، أي برؤية شديدة المحلية، تفتقر بشكل فاضح إلى ما يسمى بـ"البعد الإنساني الكوني" الذي يجعل الجمهور في كل مكان، يتفهم ويتابع ويهتم، أما ما نراه في فينيسيا عاما بعد عام من الأفلام الإيطالية للأجيال الحديثة من السينمائيين، فهي أعمال لا تثير الاهتمام، ليس فقط على صعيد الموضوع، بل على مستوى الشكل والأسلوب واللغة أيضا.
هناك كثير جدا من الثرثرة، ولكن في الفراغ، وضعف واضح في بنية السيناريو، وجمود مرعب في الخيال والابتكار، وكأنما حالة الانحطاط السياسي التي تعيشها إيطاليا في عهد امبراطورية بيرلسكوني ورفاقه الأشرار، انعكس على الإبداع بشكل عام، والإبداع السينمائي بوجه خاص، فأدى إلى نوع من الاغتراب، أي الرغبة في صنع أفلام التسلية والاثارة الهروبية، أو الاهتمام بأمور فرعية لا تساهم سوى في تكريس العزلة واهتمام الفرد بذاته وليس بما يدور حوله. أنا هنا لا أقصد فيلما بعينه، بل أعني السينما الايطالية بشكل عام، التي نتابعها عاما بعد آخر هنا في فينيسيا، فلا نجد فيلما مشرفا من أفلام الشباب أو الأجيال الجديدة، بينما كان الفيلم الإيطالي الأكثر أهمية العام الماضي مثلا، هو فيلم "الانتصار" لماركو بيللوكيو، وهذا العام يمكن القول بأن فيلم بيللوكيو "ليست شقيقة" هو أيضا الأفضل. وبيللوكيو هذا بدأ الاخراج السينمائي عام 1964! ( بالمناسبة بعض الكاتبين يكتبون الاسم بطريقتهم "بلوتشيو" بينا الايطاليون ينطقونه بيللوكيو، والبعض ينطقه "بينوكيو".. والله أعلم!).
ومع ذلك، فمن الواضح أن نقاد إيطاليا، وتحديدا كثير من الصحفيين السينمائيين فيها، يبهرهم فيلم مثل "العاطفة"، ويتحمسون كثيرا لدرس التاريخ الممل في فيلم "كنا نؤمن".
الأمر نفسه يمكن ترديده بشأن السينما الأمريكية المستقلة التي تعرض نماذج كثيرة منها هنا، فالواضح أن أسوأ الأفلام في المسابقة حتى الآن (لم يبق سوى فيلمان) هي هذه الأفلام باستثناء فيلم "ميرال" وهو ليس أمريكيا تماما بالطبع، وفيلم صوفيا كوبولا "في مكان ما".. وماعدا ذلك، أفلام يفوقها كثيرا جدا فيلم تقليدي من السينما الأمريكية التي يحبها الجمهور هو فيلم "البلدة" لبن أفليك.. فما معنى أن تصنع أفلاما "مستقلة" ولكن عقيمة وغير مثيرة فنيا من أي زاوية!
سبق أن كتبت أقول إن حالة الأفلام الفرنسية عموما أيضا ليست على ما يرام، وإن المثير فنيا من فرنسا يكون عادة من إخراج سينمائيين غير فرنسيين (بالمعنى الحرفي والثقافي وليس بمعنى حيازة شهادة الجنسية!)، وبالتالي لا يوجد من فرنسا هنا فيلم يمكن التعامل معه بجدية سوى فيلم "فينوس السوداء" للتونسي عبد اللطيف بن كشيش. صحيح أنه يحمل الجنسية الفرنسية، ويكتب بالفرنسية، لكن هذا لا يجعل منه فرنسيا، بل إنه يصرح لمجلة "فاريتي" بأن في فيلمه الأخير ما يمكن فهمه على ضوء تجربته الشخصية، أو بالأحرى معاناته الخاصة في فرنسا من سوء معاملة الفرنسيين ومطالبتهم له باستمرار بأن يقدم ما هو متوقع منه كـ"عربي" وليس كممثل (عندما كان يعمل بالتمثيل)!
فرنسا وإيطاليا وأمريكا أقل مما يجب كثيرا من خلال ما هو معروض.. ما هي الأفلام الجيدة التي تربعت فوق القمة إذن؟ هي أفلام من روسيا وشيلي وبولندا والصين واسبانيا.. مع الاستثناءات المحدوة التي أشرت إليها. فهل لهذا مغزى ما، أم أن الأمر محض مصادفة؟
ما يهم هو أن لدينا، للمرة الأولى منذ سنوات بعيدة، 10 أفلام أو ربما أكثر، على مستوى جيد جدا، يمكن مناقشتها نقديا بشكل تفصيلي باعتبارها أعمالا فنية تنتمي إلى عالمنا، وهذا يكفي في الوقت الحالي.

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger