السبت، 4 سبتمبر 2010

يوميات فينيسيا 3: في مكان ما.. معروف لكن غير محدد


مازال الوقت مبكرا كثيرا للحكم على أفلام مسابقة المهرجان. وتقييم المسابقة جزء أساسي من عمل أي ناقد، ومطلوب، وليس فقط الكتابة المتفرقة عن الأفلام خارج السياق الذي تعرض فيه، وحكمنا على قيمة أي مسابقة لا ينبع من الجري وراء الصرعات الصحفية، أو التنبؤات الإعلامية السطحية، أو حتى مجرد التعامل الخارجي المظهري مع الحدث، ولكن الرغبة في التعلم والاستفادة من التجربة، واطلاع القاريء المهتم، على الأسس التي نحكم من خلالها على نجاح المسابقات بين الأفلام في هذا المهرجان أو ذاك. وإلا فما فائدة مشاهدة الأفلام في سياق مسابقات محددة، تحكمها اختيارات محددة، وتحصل في النهاية الأفلام الفائزة طبقا للجنة تحكيم محددة ومعروفة سلفا، على جوائز محددة!
هناك حتى الآن، تنوع واضح في الأفلام والاتجاهات الفكرية، رغم غلبة تيمة البحث عن معنى في عالم فقد فيه الكثير من الأشياء المعنى والهدف.
هذا المفهوم العام المشترك، تشترك فيه أفلام من روسيا، ومن فرنسا، ومن أمريكا، ومن اليابان.
هذا "الضياع" أو ضياع المعنى، إذا جاز التعبير، أو الإحساس بالاغتراب عن الواقع يتجسد تماما في فيلم المخرجة صوفيا كوبولا الجديد "في مكان ما"، وهو عنوان مجرد لموضوع فيه أيضا الكثير من عناصر التجريد رغم أنه يعرض لجوانب انسانية في سياق أقرب إلى السيرة الذاتية.
علاقة فتاة صغيرة في العاشرة من عمرها، بوالدها النجم السينمائي الشهير، الذي يتحول إلى كيان فاقد للإحساس بما يجري حوله فقد أصبح عبدا في آلة جهنمية تجعله يجاهد لكي ينتزع فرصة للاختلاء بابنته وقضاء بعض الوقت في نزهة بريئة معها، ويلجأ من أجل ذلك إلى الفرار من ملاحقيه: من الإعلام إلى الفتيات طالبي الشهرة، إلى الإغواء المتمثل في الجنس، إلى حياة القلق والتوتر التي تجعله يستأجر فتاتين متشابهتين في كل شيء لتأدية عرض جنسي مثير كل ليلة، فقط من أجل أن يستطيع الاسترخاء ثم النوم.
الأرق هي السمة المميزة لهذه الشخصية التي تتأملها الابنة في نضج وفهم كبيرين، ودون أن تفقد أبدا حبها له. وفي لحظة تألق ما تلمع في ذهنه، يقرر الأب أن يعيش مع هذه الابنة الرائعة أجما أوقات حياته قبل أن يودعها.

فيلم شخصي حميمي يطرق بابا جديدا في العلاقة بين الأب والابنة، وبين الفنان الذي يحتاج إلى الهدوء والاسترخاء لكنه يجد نفسه أيضا مستلبا بالإغواء الجنسي تارة، وأضواء الإعلام ونمط حياة المشاهير تارة أخرى.
وهناك سخرية من الإعلام السائد في إيطاليا التي يتنقل لها البطل حيث يحتفى به، ومن الطابع الذي خلقته ورسخته تحديدا الشبكات الاعلامية التي يمتلكها سلفيو بيرلسكوني، رغم حصول الفيلم على تمويل من شركته "ميديا ست".
معالجة صوفيا كوبولا للموضوع تأتي في إطار خفيف، يغلب عليه الطابع الكوميدي والمبالغات، سواء في رسم المواقف، أو في أداء الشخصية الرئيسية ومن حولها، لكن تحت جلد الكوميديا في الفيلم، تنبع الكثير من المواقف الانسانية العذبة. وهذا هو ما يبقى من الفيلم في النهاية.

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger