منذ أن بدأت أتردد على مهرجانات السينما الدولية وخصوصا مهرجان مهرجان السينمائي وأنا أقرأ وأسمع دائما سؤالا واحدا يتردد في الاعلام العربي والصحافة العربية، لا هم للإعلاميين سواه وهو: ما هو حجم الوجود العربي ومدي فعاليته وقوته خصوصا أمام اسرائيل، ولماذا تغيب السينما العربية أو الأفلام القادمة من العالم العربي من المسابقة الرسمية، ولماذا لا يحصل فيلم عربي على السعفة الذهبية... وغير ذلك من الأسئلة والتساؤلات التي تدور كلها في إطار الذات العربية "الغائبة" أو "المغيبة" ربما تحت تصور ان هناك مؤامرة ما تحاك ضد الثقافة العربية، كما لو كان العرب قد فعلوا كل ما يمكنهم فعله، وقدموا للسينما كل ما يلزم لنهضتها وتحررها وازدهارها، لكن الصهيونية تحاربهم، والغرب عموما يخشى قوة سينمانا وتأثيرها العظيم فيحول بينها وبين التواجد الفعال في المحافل الدولية التي يسيطر عليها!!
هذه الافكار تتردد في الوسط السينمائي أيضا وبقوة، ويعزي بها الكثير من السينمائيين العرب أنفسهم، أو يخدع بها من يعلمون الحقيقة منهم جمهورهم تبريرا لعجزهم وتقاعسهم وذيليتهم.
ولا اريد ان أزيد فأضيف أن هناك ايضا بعض من يكتبون في السينما من الصحفيين وغيرهم، ممن يرددون هذه الفكرة لارضاء الدوائر التي تدور في فلكها الصحف التي يكتبون لها والتي لا ترى مثلا أي شيء مهم في مهرجان كان كله سوى "الوجود العربي" وكيف هو، وهل هو فعال، وما نصيب العرب من الجوائز؟ وكأننا في مبارة أو مسابقة لكرة القدم لابد فيها من الفوز.
ان الوجود العربي في مهرجان كان هذا العام هو وجود يعكس بالفعل حقيقة ما تقدمه المساهمة العربية في سينما العالم على مدر العام، كما يعكس حقيقة التبعية الثقافية الكاملة التي تعيشها المجتمعات العربية، أي تبعيتها للغرب تحديدا الذي لولاه ولولا ما يقدمه من دعم وتبن للانماط السينمائية المتقدمة لما وجد اصلا فيلم يمثل تلك الثقافة في كان أو غير كان.
فالفيلم المغربي الذي يعرض هنا في قسم "نصف شهر المخرجين" هو من التمويل الفرنسي، وكذلك الحال بالنسبة لفيلم اللبنانية نادين لبكي "هلق لوين" المعروض في قسم "نظرة خاصة". وغير ذلك فلا أظن ان هناك ما يستحق ان يعرض في كان من الافلام الجديدة التي لم يسبق لها الدوران في حلبة المهرجانات السينمائية العربية. وكماانهناكاهتماما سياسيا دائما بالسينما الايرانية جاء الاهتمام السياسي هذا العام بالسينما في تونس ومصر.
فإلى جانب فيلمين ومخرجتين (المغربية واللبنانية) تلقى السينما المصرية والافلام التونسية وصناعها، اختفاء كبيرا هنا ولكن لسبب سياسي، وطبيعي ان السياسة تتحكم في كل شيء في حياتنا شئنا أم أبينا. والسبب هو الثورتان التونسية والمصرية اللتان استقطبتا اهتمام العالم. وهناك فيلم مصري عن تلك الثورة المصرية من اخراج 10 سينمائيين مصريين. وفيلم تونسي تسجيلي عن الثورة التونسية شاركت في انتاجه قناة الجزيرة الوثائقية. وهو حجم مشاركة معقول جدا، بعيدا بالطبع عن حديث الجوائز ومن بفوز أو لا يفوز، فمرة أخرى لسنا في مباراة من مبارايات كرة القدم.
وكون أن اسرائيل تشارك بفيلم في المسابقة الرسمية ليس معناه ابدا ان السينما في اسرائيل اهم واقوى واعظم كما يميل بعض اولئك الذيبن يميلون الى تعذيب الذات، فالفيلم الاسرائيلي في المسابقة فضيحة بكل المستويات، أقصد فضيحة سينمائية، والفيلم الاسرائيلي الآخر في اسبوع النقاد فضيحة اخرى ودليل دامغ على ان تلك الافلام التي تنتج في اسرائيل لا تقدم ما يمكن ان يثير اهتمام احد في العالم الا اذا تناولت موضوع الصراع العربي او الفلسطيني الاسرائيلي. وعدا ذلك فانها تغرق في سحابات المخدرات والجنس والشذوذ الجنسي والصراعات الشخصية السخيقة التي لا تثير أدنى اهتمام من أحد.
ومطلوب اخيرا من المتباكين على احوال سينما العرب ان يحثوا السلطات العربية التي تسيطر على الثروة والسلطة، على الاستجابة لمطالب السينمائيين، والاهتمام بدعم تجارب الانتاج السينمائي المتقدمة اكثر قليلا من تفاخرها هنا في كان، عاما وراء عام، بمهرجاناتها السينمائية التي يرفع أحدها شعارا مضحكا أخجل منه كلما رأيته منشورا في المطبوعات السينمائية الرائجة في سوق كان السينمائية التي تتزود به على سبيل المادة الدعائية المباشرة، هذا الشعار الذي يقول ان "الفيلم هو الحياة" في حين ان الفيلم ليس هو الحياة بالطبع، ولو كان كذلك لكنا نعيش حياة ضيقة جدا، فالفيلم يمكن ان يكون نافذة على الحياة لكنه ليس بديلا عنها أبدا فالحياة أبقى واشمل من كل الافلام في النهاية خصوصا الافلام السخيفة.. اليس كذلك!
0 comments:
إرسال تعليق