وصلت إلى كان قبل يوم من الافتتاح. المشهد عادة مثير للاهتمام. لماذا؟ لأن المرء يشهد حالة فريدة شبيهة بالميلاد والنمو قبل الأفول والغياب، ولا أقول الزوال.
المدينة التي تعيش على مهرجان السينما ومؤتمرات ومهرجانات أخرى أقل أهمية ورونقا خلال العام، تتزين، تفرش البساط الأحمر، تعلق الزينات والأضواء، ترفع لافتات الأفلام الجديدة اتي ستشعل المناقشات هنا على طول الطريق السحري، طريق الكروازيت، وهو شارع كورنيش البحر المتوسط اليلتف حول المدينة التي انطلقت فيها الحياة انطلاقة لم تكن تتوقعها قبل اكثر من ستين عاما فنقلتها من قرية للصيادين الفقرء الى بقعة لأغنى الأغنياء ونجوم السينما الذين يجتذبون سنويا الآلاف من عشاق السينما للتجمع امام قصر المهرجان لمشاهدة نجوم هوليوود المشاهير بوجه خاص اليحرص المهرجان على وجود نخبة منهم سنويا. من هؤلاء هذا العام جوني ديب وشون بن وكاترين دينيف وروبرت دي نيرو وغيرهم.
رائجة المدينة نفسها تتغير وليس فقط منظرها العام في اليوم التالي أي غدا قبيل الافتتاح. كما لو كانت كميات العطور الهائلة التي تضعها الحسناوات اللاتي يغشين المدينة والمهرجان، سواء من نجوم السينما أو من الراغبات في الشهرة والباحثات عن فرصة للظهور على الشاشة السحرية، ليس بالتأكيد تحقيقا لدعوة الفنان الامريكي الشهيرالراحل آندي وورهول الذي كان يطالب بحق الظهور لكل امرء على شاشة التليفزيون لمدة 15 دقيقة تحقيقا لمبدأ ديمقراطية الاعلام في القرن العشرين (الذي كان طبعا!). فالباحثات عن الظهور هنا يقصدن الشاشة الكبيرة بالتحديد التي لايزال لها سحرها الخاص.
ابتداء من صباح اليوم التنشر فيه هذه الكلمات، سيبدأ ايضا الزحف المقدس، ليس لتحرير التراب من الطغمة الديكتاتورية الفاسدة في سورية واليمن وليبيا والجزائر وغير ذلك من التراب العربي الذي يشهد دون شك، عملية الاستقلال الحقيقي عن الاستعمار الداخلي البغيض، بل أقصد بالزحف المقدس، زحف نقاد السينما والصحافة السينمائية الذين يصل عددهم عادة الى عدة آلاف منهم من يأتي للمرة الأولى، ومنهم من رأيتهم اليوم أو بالأحرى، اصطدمت بهم عيناي من نساء يرتدين الطرحة ويتحدثن بأصوات عالية ويصدرت جلبة ويضفين في الحقيقة جوا من الكآبة على المشهد البديع في كان بكل ما يكشف عنه من جمال، فصاحباتها القادمات من بلادنا ينقلن معهن ثقافة التصحر والبداوة والتخلف العقلي التي تنتقلت من بلد مجاور باسم التدين، مازال يقبع خارج التاريخ، بجلابيبهن التي يدعين انها تحمي الهوية فيما الهوية مستلبة حتى النهاية الدموية، وخاضعة خضوعا مزريا لكل ما هو غريب وتغريبي من بدع مضحكة تجعلهن في اغطية رؤوسهن تبدين اضبه بالمهرجين. والمصيبة ايضا أنني "اصطدمت" أو اصطدمت عيناي ببعض رموز غسيل اقدام نظام مبارك المجرم طوال ثلاثين عاما واليوم جاء هؤلاء مع وزير الثقافة الجديد (ابن النظام الثقافي القديم) عماد أبو غازي، ضمن وفد الردح والزغاريد بعد اختيار مصر الدولة الضيف التي يحتفل بها مهرجان كان. والمذهل في الأمر أن يكون الشباب هم الذين قاموا بالثورة التي قلبت نظام مبارك أو على الأقل هزته بعنف (فالتغيير لم يتم بعد في رأيي) ويركب موجتها بعض عجائز الصحافة والنقد والسينما من اللاتي أكلن وشربن على مائدة وزير الحظيرة فاروق حسني طيلة سنوات دون أن يشبعن أبدا!
ما هذه المهزلة التي تتبدى ملامحجها مذكرة ايانا بمهزلة وزير الحظيرة قبل سنتين في مهرجان فينيسيا عندما اصطحب وفدا على نفقة الدولة من صحافة الحكومة الفاسدة والمعارضة الفاسدة بل وبعض صحفيي ما يسمى بالست صحافة مستقلة، من أجل التطبيل والتزمير لفيلم الحكومة "المسافر" الذي يبدو أن مخرجه نفسه تبرأ منه (وانضم للثورة على الحكومة في الميدان) بعد أن عبث به الوزبر نفسه واقتطع منه 20 دقيقة لكي يعدل من ترهله فلم يعتدل بل ولم يجرؤ على عرضه الى أن رحل ولا أظن ان هذا الفيلم سيعرض أبدا، وهنا يجب الدعوة الى محاسبة الوزير وكل من ساهموا في انتاج مهزلة هذا الفيلم على تبديد اموال الشعب ودافعي الضرائب (ولا احب استخدام تعبير اموال الدولة). فهل سنشهد في كان مهزلة الزفة المصرية التي يحضر فيها مطبلاتية نظام مبارك من صناع افلام محدودي الموهبة مع حفنة من الصحفيين الرسميين عديمي الموهبة الذين يطبلون لكل الانظمة بعد ان جاءوا اليوم يحتفلون بثورة يناير؟ والنبي سلم لي ع الثورة ياسطى حنفي!
0 comments:
إرسال تعليق