الاثنين، 6 ديسمبر 2010

"إجري.. يا لولا.. إجري" على خطوتك الأولى أن تكون صحيحة

بقلم: منى صفوان


(يسعدني أن أستضيف هنا الصحفية والكاتبة اليمنية الصديقة منى صفوان المقيمة في القاهرة، في مقال يعكس رؤيتها الخاصة حول الفيلم الألماني "إجرى يالولا.. إجري"، وهو مقال جيد مكتوب باخلاص وبإحساس خاص بروح الفيلم)

بامكانك ان تغير قدرك المحتوم، حتى لو كان هذا القدر هو الموت المحقق، موتك أنت او موت من تحب. هذه عبارة الخلاصة لفيلم يقيس بضع دقائق في حياة "لولا" و حبيبها "ماني"، بطريقة يمكنها ان تعيد صياغة هذه الحياة.
فالمخرج الذي ابتكر طريقة المقارنة بين ثلاثة احداث، يمكنها ان تحدث لشخص واحد، ارسل رسالة سهلة، تقول انك لو فعلت كذا لحدث لك كذا.
الفيلم الالماني "إجري.. يا لولا.. إجري" Run Lola Run هو قصة الشابة التي يقع حبيبها في مأزق مع رئيس عصابته، لأن عليه أن يسلمه 100 الف مارك كان قد سرقها، ثم نساها في عربة المترو، و قبل مغادرته للعربة يرى حقيبة المال في متناول يد متشرد، فيأخذها بالفعل.
الفيلم يبدأ باتصال يأتي إلى "لولا" من حبيبها " ماني" يحكي لها كل ما سبق، وعلى "لولا" الآن ان تساعد حبيبها، قبل ان يأتي وقت التسليم، وان لم تفعل سيضطر لسرقة المحل الذي امامه، و يعرض نفسه لتهمه اخرى، الان خلال دقائق ربما هي اقل من المفترض، على الفتاة ان توفر مبلغ 100 الف مارك لانقاذ حياة حبيبها و كل ما تفكر فيه الان هو من الذي تذهب اليه!
ومن هنا يبدأ جري "لولا " بكل قوتها لتصل لهدفها. الفيلم اعمق من ان يشرح، لكنه ببساطة فكرته، يعرض ثلاث محاولات لها، بطريقة اخراجية مختلفة، فلو فعلت كذا سيحصل لها كذا ، ففي المرة الاولى تكون النتيجة ان تقتل هي، و في المره الثانية يقتل حبيبها، اما في المرة الثالثة فتحصل على المال و بطريقة مشروعة، وفي نفس الوقت يجد حبيبها الرجل المتشرد و يسلم المبلغ في موعده و بذلك يكونان بأمان و بحوزتهما 100 الف مارك اخرى، هذه النهاية النموذجية للقصة.
وهي نهاية لا تحصل عليها "لولا" الا بعد تكريس فكرة واحدة، هي : ان على خطوتك الاولى أن تكون صحيحة، وأنك ان اجتزت العقبة الاولى ستصل بسرعه، ، وليس عليك سوى أن تجري، و الأمور هي التي ستقود نفسها.
الامر تماما كلعبة الدومينو التي اظهرها المخرج في لقطه ذكية و خفيفة في بداية الفيلم، ثم اختفت في الاعادات التالية للاحداث.
لعبة الدومينو المشهورة، تعتمد على سقوط القطعة الاولى، ثم من بعدها تسقط كل القطع تباعا في مسار واحد له فروع، الفروع في الفيلم كانت هي قصص الاشخاص الذين تلقاهم"لولا" صدفه اثناء جريها، و ما الذي يحدث لهم بمجرد ان تجري الى جوارهم، و كيف تتغير حياتهم للأحسن او للأسوأ بحسب الانطلاقة التي تبدأها " لولا".
قطع الدومينو المتساقطه تسقط بسرعه تضاهيها سرعة "لولا" ، الفيلم ينفذ سريعا اليك، و يوجه لك رسائل قوية، متلاحقة، ويوضح كل شيء لك مع مرور الوقت، فمتى على "لولا" استخدام قوتها و حماسها و صراخها، متى عليها ان تقامر، و ما الذي عليها ان تفعله والذي يجب أن تتجنبه.
لقد حصلت على المال مرة حين هددت والدها مدير البنك، واستولت على المبلغ.
ومرة ساعدت حبيبها " ماني" في سرقة المتجر و قتل الشرطي، الذي يحرسه. القتل والسرقة طريقتان، كلاهما منبوذ لتحقيق الهدف، نتيجتها ان تقتل هي في احدها، و يقتل حبيبها في المره الثانية.
لكن حين تدخل دون سابق تفكير الى كازينو قمار و تقامر لتفوز، وهي ليست عضوا في هذا النادي و ليست من رواده، و ليس مرحبا بها، انها الغريبة على هذا العالم الذي ليست جزءا منه لكنها تريد منه شيئا، وكل ما يهمها ان تفوز بالملبغ دون ان تقتل او تسرق، الفيلم لا يعطي للقمار قيمة اخلاقية، بقدر ما يظهر مشهد القمار والكازينو برمته. انه لوحة سريالية ويغنيه بكثير من الرموز ليوصل فكرته، بأن الحياة هي مغامرة و مقامرة، ومهما كان اعتراض من حولك على قدرتك او حماسهم لهدفك، و مهما كان استيائهم لوجودك وهذا ما حدث لها في الكازينو، ولأنك الغريب عنهم ولست منهم ، فهذا لم يهز " لولا" التي غادرت الكازينو وسط ذهولهم، ومعها ال 100 الف مارك .
انها ذاتها طريقة قطع الدومينو التي بسقوطها تحرك كل مرة ففي الوقت الذي ساقت فيه الاقدار المتشرد في طريق حبيبها، ليسترد منه المبلغ و بسهوله، اما كيف وصل المتشرد للمكان الذي يقف فيه حبيب "لولا" في انتظارها، فهذه هي حكمة الفيلم. وتسقط قطع اخرى في جهات مختلفة، و مفترقة عن بعضها، لتصل كلها لنقطة و احدة بعد ذلك.
فحين كان على " لولا" ان تسير في طريق معين هذ المرة غير الطريق الذي كانت تسلكه كل مرة، لا تخترق صفوف الراهبات، فتسير الى جوارهن. و تصطدم بالشاب على الدراجة الذي كان في كل مرة يضايقها، و هذه المرة يصمت و يغير مساره و يقف في محل لشرب القهوة، مصادفا المتشرد الذي يشتري منه الدراجة، فيسير بها باتجاه المكان الذي ينتظر فيه حبيب " لولا" ، التي بدورها بدلا من ان تعرقل سيارة الاسعاف التي تصطدم بلوح زجاجي يحمله العمال على الطريق، تختار هذه المره ان تصعد الى سيارة الاسعاف فتجد الممرض يحاول انقاذ حياة رجل يمد لها يده، وتمد له يدها، وكانها جاءت لتكون الى جواره، فتنتظم دقات قلب المريض و تنقذ حياته. ... هكذا تسقط قطع الدومينو تباعا بترتيب لتصل لهدف واحد...
الآن ... تنزل "لولا" من سيارة الاسعاف و تجد " ماني" ينزل من سيارة رجل العصابة و قد سلمه حقيبة المال و يجري باتجاه حبيبته سعيدا، بينما هي تقف في ذهول صامت.
و حين يمشيان معا في طريق العودة يسألها.." ما هذا الكيس الذي في يدك؟".
تلتفت اليه و تصمت، نعرف نحن ان في الكيس المبلغ الذي كان يبحث عنه وهو ملكهما الآن، و بذلك تصلنا الحكمة التي اردها هذا المخرج من فيلمه، الذي عليه ان ينتهي هنا، وفعلا يفعل، لنلمح لماذا اخرجه بهذه الطريقه المتسارعة الايقاع.
لقد دمج المخرج بين رسوم الكارتون وبين الأحداث، و الصق اكثر من صورة في كادر واحد، واعتمد على تلاحق الصور وتقطيعاتها، في اكثر من موقف حتى لا يسترسل فيه، ووظف الموسيقى في مكانها، اما ليعبر عن موقف مسترخي في حدث يبدو مشدود الاعصاب، أو عن علاقة حميمة جدا بين الشابين في استخدام الضوء الأحمر ليعطي مبررا لجري "لولا" طول الفيلم، لانقاذ حبيبها، دون ان يغوص في تفاصيل علاقة عاطفية او مشاهد حميمية.
انها قصة حب ولكن بشكل مختلف تماما، و فيلم سريع الايقاع لا يسرف في لقطاته، ولا يخل بها .
يبقى الفيلم خفيفا و ساحرا ، ومحافظا على ايقاعه السريع برغم انه يقارب الساعتين، و يعطي بعدا للسينما الالمانية التي أعيدت لها الروح بهذا الفيلم، بعد توقف مربك لها .
فهذا الفيلم الالماني الذي حصد جائزة الاوسكار عن احسن فيلم اجنبي، العام الفائت، اعاد الاحداث ثلاث مرات كل مره يستخدم زاوية مختلفة للكاميرا، وعدسة مختلفة، لحدث واحد بحركة تؤكد ان زواية النظر او التعامل مع حدث واحد يمكنها ان تختلف وان تحدث نتيجه مختلفة .
الفيلم، عرضه الاسبوع الماضي "نادي السينما" في المسرح المكشوف لاوبرا القاهرة ، و نال اهتمام النقاد و الصحفيين، وخلال الندوة التي اعقبت الفيلم و ادارها الناقد رفيق الصبان كان واضحا ان نجوم الفيلم، هم الفكرة و المونتاج وانه فيلم اخراج من الدرجة الاولى، لا يعظم الأداء التمثلي المبهر، فهو لا يعتمد على تعبير الممثلين او نجوميتهم بل على طريقة عرض الاحداث.
من شاهد الفكرة، كان معجبا بسيناريو ستيف كلوفيكس الخفيف واجتمعت الاراء حول فلسفة عبثية الاقدار التي يمكن التحكم بها، كما تحكم المخرج الكبير ديفيد ياتس في فيلمه وأعاد الاحداث ثلاث مرات ليوصل الفكرة، وجعل بطلة فيلمه " فرانكا بو تنيتا" تجري دون توقف.. لتقطع كل هذه المسافه... جريا.
جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger