الجمعة، 24 ديسمبر 2010

مهرجان دبي السينمائي 4


مدن الترانزيت: من أفلام مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية


شارك في مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية 10 أفلام روائية طويلة هي 3 أفلام من المغرب، وفيلمان من مصر، وفيلمان من سورية، وفيلمان من العراق، وفيلم واحد من كل من الأردن ولبنان.
شاهدت سبعة من هذه الأفلام العشرة، ولم يتوفر لي الوقت لمشاهدة الأفلام الثلاثة بسبب حاجتي لمشاهدة عروض أخرى وثائقية تكتسب أهمية خاصة عندي.
والملاحظ أن تضارب مواعيد العروض وتداخلها، حال بين كثير من الحاضرين، وبين مشاهدة ما كانوا يرغبون في مشاهدته. ولعل مرجع ذلك أساسا، تكدس معظم العروض في الفترة المسائية الرئيسية، أي من السادسة إلى الحادية عشرة، وغياب أو ندرة الأفلام التي تعرض في الفترة الصباحية أو ما فترة بعد الظهر. وترجع إدارة المهرجان هذا الاختيار إلى اتاحة الفرصة أمام جمهور المهرجان وضيوفه لحضور فعالياته الثقافية من ندوات ومحاضرات وورش عمل وغير ذلك.
وكان من بين ما لفت الأنظار في مسابقة هذا العام للأفلام الروائية من العالم العربي (المهر العربي) غياب الأفلام من الجزائر وفلسطين وتونس، في حين شارك سينمائيون من المغرب بثلاثة أفلام. ولعل السبب يرجع إلى ذلك التنافس القائم بين المهرجانات العربية الدولية من أجل الحصول على الأفلام الجديدة، وتداخل أو تقارب توقيت انعقاد عدد من المهرجانات التي تقام في نفس الفترة من أواخر العام مثل مراكش ودمشق والقاهرة والدوحة.
من الأفلام الجديدة التي عرضت بالمهرجان الفيلم الروائي الأردني (الثاني في تاريخ الأردن حسبما أعلم) وهو بعنوان "مدن الترانزيت" من إخراج محمد الحسكي، وقد أنتج بمساهمة مالية من الهيئة الملكية للأفلام. وتقوم بدور البطولة فيه الممثلة الأردنية المتألقة صبا مبارك. ويبدو الدور وكأنه كتب لها خصيصا. فهي تقوم بدور امرأة تدعى "ليلى" كانت قد تركت بلدها بعد زواجها من رجل مهاجر إلى الولايات المتحدة، وتعود اليوم الى الأردن بعد غياب 14 عاما وبعد انفصالها بالطلاق عن زوجها.
بعد عودتها تصطدم "ليلى" بالمتغيرات الكثيرة التي وقعت في بلدها من انتشار الأفكار السلفية الجامدة بدعوى العودة إلى الجذور، وتغير نظرة الناس إلى الأشياء، وفقدان المرأة حريتها بدرجة مخيفة، وتراجع التيار الليبرالي والتقدمي واستسلامه التام أمام ما يحدث من زحف للقيم الأصولية.
تعجز ليلى عن اقامة أي علاقة حقيقية مع المجتمع التي عادت إليه، بل وتصطدم حتى بعائلتها التي لحقت بها التحولات فيما أصبح والد ليلى الذي نفهم أنه كان ضمن صفوف التيار التقدمي في الماضي، صامتا يعاني من الإحساس التام بالاغتراب عن المجتمع، في حين قبعت الخالة صاحبة الأفكار التقدمية في منزلها تكتفي بمشاهدة الأفلام السينمائية المصرية القديمة من زمن ما قبل التشوه!
لاشك أن الفكرة التي يطرحها الفيلم جيدة، وتتميز بالشجاعة والجرأة في مواجهة المسكوت عنه اجتماعيا اليوم في مجتمعاتنا العربية عموما: أي مشكلة زحف تيارات الفكر المتخلف، مع صمت الجميع واستسلامهم، بمن في ذلك أصحاب الأفكار المتقدمة.
غير أن المشكلة الحقيقية في هذا الفيلم تتمثل في ضعف وهشاشة بناء السيناريو، كما في رداءة الإخراج وبدائيته وعجزه عن الابتكار والتجديد في الشكل، وخضوعه لتقنية المسلسل التليفزيوني الذي يميل إلى الإطالة والشرح والتوقف أمام الكثير من الأشياء بهدف تكرار الفكرة وليس تطويرها.

الناقد عرفان رشيد يدير المؤتمرالصحفي بحضور صبا مبارك ومدير عام الهيئة الملكية للأفلام جورج داود

وتتمثل أول جوانب ضعف السيناريو في بناء الشخصية الرئيسية أي "ليلى"، فهي لا تقدم طرحا فكريا أو موقفا اجتماعا مضادا للمفاهيم والأفكار السائدة، بل يكتفي الفيلم بالتركيز على الجانب السطحي والمظهر الخارجي لها، فهى ترتدي الملابس الضيقة، تدخن بلا توقف بل وتريد أيضا أن تدخن في الشارع وتثور على شقيقتها التي أصبحت الآن محجبة، بعد أن تنهرها شقيقتها عن التدخين في عرض الطريق. تستضيف في الشقة التي استأجرتها في عمان، صديقا قديما من رفاق الماضي، أصبح اليوم متزوجا ويحرص على الاستمرار ضمن مؤسسة الزواج رغم عدم إيمانه بها، حيث يقضي الإثنان أمسية بريئة لكنهما يأتيان على زجاجة خمر، ويترتب على ذلك أن يثور صاحب المنزل على ما يعتبره "تدنيا في أخلاقيات المرأة" ويطرد ليلى وتقع مشاجرة بينهما تنتهي إلى مركز الشرطة!
هنا فإن كل علامات التمرد ومخالفة السائد عند ليلى تتمثل في السكن المنفرد بعيدا عن قيود العائلة، ارتداء لملابس الضيقة اللافتة التي تظهر جزءا من صدرها، التدخين المستمر، شرب الخمر، مصاحبة رجل متزوج، أي أنها تتخذ في الحقيقة صورة أقرب ما تكون إلى صورة "العاهرة" في المجتمعات العربية، قبل أو بعد العولمة والأسلمة. وهي صورة "نمطية" تسيء للشخصية ولما يريد الفيلم أن يطرحه، بل وقد تصبح أيضا مبررا لما يتعرض له من هجوم.
هنا يمكن القول ببساطة، إن "ليلى" تصبح نموذجا عكسيا لما يرغب الفيلم في أن يصوره. ورغم كونها الشخصية المحورية التي تظهر تقريبا في جميع المشاهد، وتبدو الشخصيات المحيطة مجرد شخصيات ثانوية يراد لها أن تبرز شخصيتها، إلا أنها تظل شخصية أحادية البعد، خاصة وأنها لا تملك فكرا مضادا، كما لا تنتمي إلى مشروع فكري مناهض للمشروع المتخلف السائد. ولا يمكن بالتالي للمتفرج أن يتعاطف معها خاصة وأنها شخصية لا تتطور ولا تتضح لها أبعاد أكثر عمقا، فتظل طوال الفيلم، تهتف وتكتفي بالصراخ والإعراب عن دهشتها. وينتهي الفيلم وكأن "ليلى" قررت العودة من حيث أتت بعد أن عجزت عن التأقلم مع محيطها الأصلي.
إن فيلم "مدن الترانزيت" نموذج للأفلام التي تملك الكثير من الطموح، لكنها تعاني بشدة من ضعف القدرات الدرامية والبصرية. فالمخرج محمد الحسكي يهدر طاقة تمثيلية عالية مثل طاقة الممثلة صبا مبارك، كما يكتفي بالتصوير النمطي الذي لا يرصد كما كان ينبغي، مظاهر التغير في المجتمع بنظرة أكثر قربا وعمقا من الناس، مكتفيا بالوقوف مثل السائح المنبهر القادم من الخارج دون فهم لطبيعة ما حدث من تحول، ودون قدرة على تجسيد التناقضات القائمة بعمق ومن خلال الدراما وتعقيداتها، وبناء وتعاقب الصور نفسها. ولذا فالفيلم لا يضيف شيئا، لكن من المؤكد أنه يمكن اعتباره تجربة "احترافية" أخرى من أجل ترسيخ الفيلم الروائي كشكل فني جديد في الثقافة الأردنية.
ولاشك أن "جرأة" الموضوع ولو ظاهريا، وراء منح لجنة تحكيم اتحاد النقاد الدولي (فيبريسي) جائزته له وحصوله أيضا على جائزة لجنة التحكيم الخاصة. ولكن الجوائز دائما ما تكون محيرة.. أليس كذلك!
-----------------------------------------------------------------------------------
 مع الناقدة الأمريكية ثيلما آدامز والناقد البريطاني مايكل آدامز في ندوة النقد بمهرجان دبي  

0 comments:

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger