أمامي برامج لثلاثة مهرجانات سينمائية دولية ستقام كلها في شهر أكتوبر (المجيد!).. مهرجان لندن (14- 30 اكتوبر)، ومهرجان أبو ظبي (الشرق الأوسط الدولي من 8 إلى 17 أكتوبر)، ومهرجان الدوحة (تريبيكا) من 29 أكتوبر- 1 نوفمبر.
الأفلام تداخلت وتناسخت وتكررت بطريقة تستعصي على الترتيب. أقدم هذه المهرجانات هو مهرجان لندن السينمائي (هذه الدورة ستكون الثالثة والخمسين)، أتابعه منذ سنوات طويلة، منذ أن كان الكثير من الكاتبين في نقد الأفلام وغير الأفلام لايزالون في مرحلة الطفولة المبكرة جدا، وليست هذه ميزة لي بالضرورة، كما أنها لا يجب أن تكون عيبا، لكنها الحقيقة التي ترعبني أحيانا!
أما مهرجان أبو ظبي فهو يجتاز هذا العام دورته الثالثة بطموح كبير جدا لأن يصبح مهرجانا دوليا كبيرا، مع العلم أنه يقام في بلد ليس فيه صناعة سينمائية ولا حركة سينمائية أصلا، لكنه يسعى إلى اجتذاب العالم كله إلى عاصمة دولة الإمارات، وجعلها بؤرة سينمائية، للصناعة وللفن.. وكان المهرجان قد تعثر في دورتيه السابقتين، وقرأت عنه تقارير سلبية من كتاب أثق في أحكامهم.
هذا العام استورد المهرجان مديرا فنيا له هو بيتر سكارليت (وهو ناقد وخبير مهرجانات بلاشك). ورأيي الشخصي في هذا الأمر، بموضوعية كاملة، أن هذا القرار صائب للغاية، ولم لا؟ لقد سبق أن طالبت باستيراد مبرمجي ومديري المهرجانات العربية لكي يضعونها في السياق الصحيح قبل الادعاء بالقدرة على تنظيم المهرجانات، فمن واقع خبرتي الخاصة في المهرجانات العربية أثبتت التجربة فشلها دائما، فمهما كان المدير العربي منظما وطموحا دائما هناك من يفرضون عليه أشياء لا يقبل بها فقط كونه عربيا مثلهم (يتحدث بلغتهم) أما الأجنبي فله عند العرب رهبة كبيرة (وأنا هنا لا أستثني أحدا من العرب، العاربة منهم والمستعربة).
ولا يخفى على أحد أن "عقدة الخواجة" موجودة فعلا، لسبب بسيط للغاية، أن الخواجة (الأوروبي الأمريكي تحديدا) أثبت خلال أكثر من أربعة قرون أنه الأكثر تفوقا، سواء عن طريق الاستعمار أو غير الاستعمار، ولكن أساسا، وحتى بعد زوال عصر الاستعمار، واصل "الخواجة" تقدمه في مجال العلوم الطبيعية والإنسانية في حين انزوى العربي في خيمته (مجازا) يغط في نومه، ويرضى بفكرة أن "الله معه" دائما لأنه الأكثر إيمانا. ومن جهة أخرى أخذ العربي الموجود في مراكز السلطة والنفوذ يضطهد ويستبعد ويطرد العربي الذي يعرف، لسبب بسيط أيضا، أن الذي يعرف يهدد بضياع نفوذ من لا يعرف ولكنه يحكم ويتحكم في مراكز النفوذ والقوة.. ومهرجانات السينما أيضا!
بيتر سكارليت من خلال البرنامج الذي وصلني، وضع أفضل برنامج لمهرجان "دولي" يقام في المنطقة العربية، وأشدد على كلمة "دولي" هنا بمعنى international أي ليس مهرجانا عربيا أو افريقيا متخصصا بل مهرجان مفتوح لسينما العالم كله.
بيتر سكارلت مدير مهرجان أبو ظبي السينمائي
ولكن بحكم طبيعة البلد والمنطقة التي يقام بها، اهتم سكارليت كثيرا بالسينما العربية، بتسليط الأضواء على تجاربها الجديدة المتميزة حتى لو كانت تتمثل في فيلم أول لمخرج شاب يجرب حظه في الإخراج شأن فيلم "هليوبوليس" المصري لمخرجه أحمد عبد الله مثلا.
هنا جاء جدول المسابقة الرسمية متوازنا بدرجة كبيرة، ما بين الأفلام القادمة من العالم، وتلك القادمة من العالم العربي ومحيطه الطبيعي الذي يعرف بالشرق الأوسط، أي من تركيا وإيران مثلا. سيشهد المهرجان مثلا العرض العالمي الأول لفيلم "بالألوان الطبيعية" للمخرج أسامة فوزي الذي لم يقدم شيئا منذ فيلمه الشهير "بحب السيما" (2004). وفي رأيي الشخصي أن الافتتاح بفيلم أسامة فوزي كان أفضل من الافتتاح بفيلم "المسافر" للمخرج أحمد ماهر الذي احترق بعد عرضه في فينيسيا وردود الفعل السلبية العديدة تجاهه خاصة من جانب بطله الممثل الكبير عمر الشريف!
وتضم مسابقة الأفلام الروائية 18 فيلما منها 6 أفلام عربية، و7 أفلام من بلدانى العالم الثالث (منها تركيا وايران وبنجلاديش)، و5 من روسيا وفرنسا والولايات المتحدة وكندا. والملاحظ وجود فيلم واحد أمريكي في المسابقة على العكس من الدورتين السابقتين.
أما مهرجان الدوحة فهو أقل طموحا، سواء في عدد أيامه (4 ايام فقط)، أو في نوعية برنامجه، أو في الشخصية التي تديره.
فقد وقع الاختيار على مقدمة برنامج السينما في قناة الجزيرة العالمية (الناطقة بالانجليزية).. ولابد أن يكون الشخص أو المسؤول الذي أسند المهمة إلى هذه المذيعة (وهي استرالية شقراء تدعى أماندا بالمر) قد أعجب بطريقتها في تقديم برنامج السينما وبالمقابلات التي تجريها مع نجوم السينما، وتصور أنها يمكنها أن تصنع لهم في الدوحة مهرجانا سينمائيا ناجحا. ولعل هذا يذكرني على نحو ما، بشخصية عربية رحلت الآن، كانت قد قررت عمل مهرجان دولي لأفلام التليفزيون فكلفت شركة سوني بتنظيمه، فقط لأن المسؤول العربي رأى أن "ماركة" جهاز التليفزيون الموجود في مكتبه من نوع "سوني"!
ما علينا.. الأخت بالمر المعجبة بنفسها (وهذا من حقها طبعا، فهي تتمع بالحسن والجمال) وضعت روابط لعشرات الحلقات التليفزيونية التي قدمتها من برنامجها التليفزيوني على موقع مهرجان الدوحة السينمائي لعلها بذلك تقول للمترددين عليه إنها البنت "الشطورة" "اللهلوبة" "بتاعة السيما ونجوم السيما" التي ستأتي لهم بما لم يأت به الأولون، بل وكتبت في مجال التعريف بنفسها على الموقع ذاته (بالانجليزية) إنها اكتسبت الاعتراف الدولي عن طريق دعمها غير المحدود للسينمائين المستقلين في العالم، وإنها من أكبر الخبراء في العالم بالسينما العربية!
وقد وضعت صورتها في كل مكان في الموقع، وكتبت تحتها في الصفحة الرئيسية "بالمر تقدم مهرجان الدوحة تريبيكا السينمائي" وهو رابط إلى شريط فيديو صنعته تتحدث فيه عن المهرجان وعلاقته بمهرجان نيويورك التي لا نفهم شيئا عنها، كما لا نفهم كيف يمكن لبالمر بقدراتها المحدودة كمقدمة برامج تسلية entertainment أن تتحدث عن "تعليم المجتمع القطري وتأهيله سينمائيا"!
ولا تضع بالمر إلى جوارها أي شخصية أخرى من الشخصيات التي تستعين بها في ادارة المهرجان ومنها أسماء مثل ليزا كيرشنر، وتامي روزين وجوناثان روسو وغيرهم.
أماندا بالمر مديرة مهرجان الدوحة
أما مشكلة بالمر الحقيقة، أو لعله هنا "مأزق بالمر"، فينحصر في أن مهرجانها الذي تقيمه هيئة قطر للمتاحف وسيقام في مقر المتحف الاسلامي بالدوحة، يأتي بعد مهرجان أبو ظبي مباشرة، وقبل مهرجانات القاهرة ودمشق ودبي، وهي مهرجانات "عملاقة" قياسا إلى مهرجان الأخت بالمر مهما كان رأينا في هذه المهرجانات أو ملاحظاتنا عليها التي يعرفها قراء هذه المدونة جيدا، بل إن مهرجان الدوحة (الذي لا ندري بالضبط فائدة تعاقده مع مهرجان تريبيكا بنيويورك سوى أنه يحمل اسمه تماما مثل الكوكاكولا التي تنتج في بلدان العالم الثالث أو سجائر مارلبورو التي تشتري الإسم، ثم تصنع توليفتها الخاصة غير الأصلية بالطبع!) يتقاطع مع مهرجان دمشق (الذي يفتتح في 31 اكتوبر) ومهرجان أوسيان للسينما العربية والآسيوية بالهند (الذي يفتتح في 24 أكتوبر ويستمر حتى 30 منه).
والغريب أيضا أن مهرجان الدوحة لا يهتم بالأفلام التسجيلية، على العكس من مهرجان أبو ظبي الذي خصص مسابقة كاملة لهذا النوع من الأفلام تشمل 15 فيلما منها ما يعرض للمرة الأولى في العالم، ومنها أفلام "نعيش هنا" لمحمد زرن من تونس، و"1958" لغسان صلهب من لبنان، و"شيوعيين كنا" لماهر أبي سمرا من لبنان أيضا، و"جيران" لتهاني راشد، و"كاريوكا" لنبيهة لطفي من مصر، و"من مرفأ الذاكرة" لكمال الجعفري من فلسطين، و"مبدأ الصدمة" للمخرج البريطاني الكبير مايكل وينتربوتوم، كما سيعرض خارج المسابقة فيلم جديد هو "ما هتفت لغيرها" للناقد والمخرج اللبناني محمد سويد.
وقد كان بودي أن أذهب إلى الدوحة، ليس لمشاهدة الأفلام التي سيعرضها المهرجان فقد شاهدت معظمها في كان وفينيسيا، بل وفي مهرجان روتردام الذي يقام عادة في بداية العام مثل فيلم "المر والرمان" لنجوى النجار الذي يتردد أن بالمر قررت ضرورة حصوله على جائزة رئيسية من الجوائز المخصصة للأفلام العربية، كما قررت أيضا حصول فيلم "بابل" لمحمد الدراجي على احدى الجوائز، لكني كنت أرغب فقط أن أرى كيف سيتمكن فريق بالمر الذي لا خبرة سابقة له ولها في إدارة المهرجانات، من اقامة هذا المهرجات، وأن أعرف ما الذي يربطه بمهرجان نيويورك الذي حصل على 15 مليون دولار مقابل بيع اسمه، لكن يبدو أن المهرجان لا يرحب بالنقاد المخضرمين من أمثالي ولا يرحب أصلا بالنقاد العرب، بل سيكتفي على الأغلب، بدعوة البعض من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وغالبا أيضا، بعض مديري المهرجانات الذين يقومون بتسهيل حصول أماندا بالمر على الدعوات التي تبقيها طيلة العام تدور وتلف بالمهرجانات الدولية بحجة الإعداد لبرنامجها السينمائي.. إنها هنا "عقدة الخواجة" بالمعنى السلبي، ليس الخواجة صاحب الخبرة بل الخواجاية صاحبة العيون الزرق والشعر الأشقر!
وقد ترددت أنباء أيضا عن اهتمام خاص لدى بالمر بالسينما الإسرائيلية، وبأنها قد تدعو أفلاما إسرائيلية وسينمائيين من اسرائيل بعد أن كانت قد خصصت حلقة من برنامجها لفيلم "عجمي" الذي اشترك في اخراجه مخرجان: يهودي وفلسطيني. ولكن يبدو أن أحدا في الدوحة لفت نظر بالمر إلى خطورة هذه الخطوة (التي نعلم يقينا أنها كانت شديدة الحماس لها) واكتفت بأن أتت بالمخرج المشارك وهو اسكندر قبطي (من فلسطينيي اسرائيل) وأسندت إليه مهمة تنظيم ورشة عمل للشباب الراغب في تعلم تصوير الأفلام.
جدير بالذكر أنه بعد أن ترك الصديق محمد مخلوف عمله بالمهرجان كمستشار اقليمي، لم يعد هناك أي عربي يعمل في إدارة المهرجان بل كلهم من العجم، وحتى المسؤولة الصحفية (وهي أمريكية من أصل عربي) لا تعرف اللغة العربية. مهرجان الدوحة السينمائي سيعرض 33 فيلما منها 22 فيلما من دولتين فقط هما الولايات المتحدة وبريطانيا. وباقي الأفلام من ايران وكندا ومصر والمجر وتونس وفرنسا والنمسا وفلسطين والصين. والمهرجان لا ينظم مسابقة لكنه سيمنح جائزتين باسم الجمهور لأحسن الأفلام (باستفتاء أو استطلاع رأي عبر أوراق توزع على المشاهدين) تبلغ قيتها المالية 100 ألف دولار. ويتردد حاليا أن محمد مخلوف يعد لعقد مؤتمر صحفي يعلن فيه أسباب الخلافات التي نشبت مع مديرة المهرجان الاسترالية أماندا بالمر، وقد استغنى المهرجان أيضا عن العربي الذي حل محل مخلوف وهو الموزع السينمائي اللبناني طلعت قبطان. وأصبح المهرجان حاليا يعمل ببركة دعاء الوالدين.
الأمر الملفت للنظر بشدة في برامج المهرجانات الثلاثة تكرار أسماء معينة من الأفلام مثل "ابن بابل" للمخرج العراقي المقيم في بريطانيا محمد الدراجي. وقد قيل إن عرضه في أبو ظبي سيكون العرض العالمي الأول، وهي معلومة غير صحيحة فقد ثبت أنه شارك في مهرجان سان سباستيان الدولي في اسبانيا الذي انتهى أخيرا.
وهناك من بين الأفلام المتكررة أيضا "الرأسمالية قصة حب" للأمريكي مايكل مور، و"احكي ياشهرزاد" للمصري يسري نصر الله، و"واحد صفر" للمصرية كاملة أبو ذكري، و"أسرار مدفونة" للتونسية رجاء عماري، و"لا أحد يعرف عن القطط الفارسية" للإيراني بهمن قوبادي، و"عن إيلي" للإيرانية أشجار فرهادي، و"المخبر" للأمريكي سودربرج، و"الزمن الباقي" للفلسطيني إيليا سليمان.
سأحضر مهرجان أبو ظبي للمرة الأولى، وسأحضر مهرجان لندن السينمائي أو الجزء الأعظم منه. وبعد ذلك سأذهب إلى الهند لحضور مهرجان أوسيان للأفلام العربية الآسيوية في نيودلهي، وهو مهرجان جدير بالاكتشاف تماما مثلما الهند "قارة" جديرة بالاكتشاف.
2 comments:
رحلة موفقة أستاذ أمير , بانتظار ما ستعرض له من أفلام عبر القارات. على ذكر مهرجان لندن الا يمكن أن تخصص مقالا تعريفيا به , بالنسبة لى فهو أكثر غموضا بكثير من مهرجانات مثل كان وفينيسيا. وبمناسبة زحام المهرجانات هل يحتل مهرجان القاهرة موقعا فى جدول متابعات حضرتك؟
تحياتى. عمر منجونة
الأخ عمر منجونة: صبرا جميلا علي.. سأكتب طبعا عن مهرجان لندن أحد أكثر المهرحانات المفضلة لدي لأنه مهرجان حقيقي له جمهوره.. أما مهرجان القاهرة فمنذ سنوات جعلت اجازتي الشتوية في نوفمبر أي مع انعقاد مهرجان القاهرة.. ودائما ما أذهب على نفقتي الشخصية وأقيم في بيتي بالقاهرة ولا أنتظر دعوة من أحد.. وتصلني بطاقة صحفية من أصدقائي وأحبائي العاملين بالمكتب الصحفي، قلما أستخدمها. وسأكون متواجدا في القاهرة ان شاء الله من منتصف نوفمبر وأرجو أن نلتقي.
إرسال تعليق