بدأ القومجيون العرب واتباعهم وأشباههم في حملة من النباح والصياح الغوغائي الفظ عن "المؤامرة" التي اطاحت بأحلامهم في وصول "عربي، مسلم" إلى رئاسة اليونسكو.
وأخذ المرتزقة في صحف الحكومة المصرية يغذون كل النزعات الشوفينية المتخلفة التي لا تظهر عند الأمم إلا في حقب ما بعد الهزائم المريرة والتراجع الحضاري المخيف نتيجة زحف القيم المتخلفة الماضوية، واستسلام النخبة لأوهام "التفوق" المزعوم، وأحلام البحث عن دور كان موجودا في الماضي، أضاعوه بعد ان ارتضوا بتسليم قيادهم لمجموعة من العسكر الذين لا يجيدون حتى ممارسة مهنتهم الأصلية (قبل أن يتحولوا إلى ممارسة هواياتهم في السياسة على أمتنا لأكثر من نصف قرن بكل ما أدت إليه تلك الهوايات من كوارث اقتصادية واجتماعية).
الآن أصبح فاروق حسني شهيد الأمة، وضحية المؤامرة الغربية والصهيونية باعتباره أحد أبطال"رفض التطبيع" والذي ظل طوال 22 عاما يرفض التطبيع مع إسرائيل، كما وصفه أحد رؤساء تحرير جريدة حزب قومجي معارض، ضاحكا بذلك على السذج والبسطاء الذين أدمنوا تعاطي نظرية المؤامرة، وكأن فاروق حسني حكومة مستقلة داخل الحكومة المصرية الخاضعة خضوع الإبل للمستبد غير العادل، الذي توقف فسيولوجيا حتى عن التفكير، وأصبح يكتفي بالخلود للنوم تاركا كل شؤون الثقافة والتعليم والصحة وأي شيء بخلاف الأمن والجيش والخارجية لامرأة الفرعون وولدها الباحث عن دور يحقق له أوهامه.
فاروق حسني ينتمي إلى حكومة استبدادية ونظام يحتقر الثقافة والفكر، ويتعامل مع أصحاب الفكر إما بالرشوة والشراء، أو بالتهديد والوعيد (كما فعل فاروق حسني نفسه عندما هدد صنع الله ابراهيم ملوحا له بما تعرض له من سجن في الماضي- وحديث الوزير منشور في هذه المدونة).
وليت الذين ينبحون يتوقفون لحظة لسؤال أنفسهم: ما الذي قدمه فاروق حسني للعالم وما الذي يمكنه تقديمه له، وهو الذي كرس عبوديته طوال 22 عاما في خدمة نظام قمعي متخلف، يحتقر الثقافة والمثقفين، ويسبح بحمد رجل واحد، تنتشر صوره في كل مكان، وتبدأ كل أحاديث الوزراء وتنتهي بالتأكيد على أن ما يقومون به يتم طبقا لتوجيهاته السامية!
وهل يمكن المقارنة بين فاروق حسني وبين أي مثقف حقيقي في الغرب أو في الشرق بمن في ذلك البلغارية التي فازت برئاسة اليونسكو التي لعبت دورا بارزا من اجل اعلاء صورة بلادها في أوروبا!
نعم الغرب منحاز لمصالحه، وهناك شبهة عقاب لفاروق حسني على تصريحاته الجوفاء بشأن "حرق الكتب العبرية"، ولكن هذا لا يستدعي على الفور، كما يفعل قطيع من القومجيين والمتثاقفين، المسارعة إلى الاندماج في حلقة البكاء على ضياع فرصة أن يرأس اليونسكو "عربي، مسلم"، وكأن المطلوب من رئيس اليونسكو أن يغلب المصلحة القومية العربية الضيقة على الأفق الإنساني المفتوح على كل الثقافات والابداعات في العالم مهما اختلفنا معها.
وماذا أضاف العرب ثقافيا إلى التراث الإنساني طوال القرن الأخير على الأقل، لكي يطالبوا الآن بدور بارز لهم في إدارة ثقافة العالم؟
ألم يحولوا الثقافة العربية إلى "مسخرة" جعلت العالم بأسره يضحك علينا يوما بعد يوم، من أول تهجير المثقف خارج بلاده ومصادرة رأيه، إلى سعي الحاكم لنصب خيمة يحيطها بقطيع من الإبل في كل مكان يحل به في العالم غير البدوي!
ألا يقدم العرب نموذجا باليا في الاستبداد الاقطاعي وسيطرة القبيلة الحاكمة على مجريات الأمور، ومصادرة الفكر، وحظر المرأة من دخول التاريخ، والدعوة إلى تصنيف الناس على أساس طائفي أو ديني أو عنصري طوال الوقت بدعوى أننا الأمة "الأرقى" والأنقى" فيما تمارس كل اشكال القمع والإرهاب والتخويف والانتهاك لحقوق الرجل والمرأة، في الشارع والجامعة والمدرسة وحقل عمل السياسي والثقافي عموما!
إن سقوط فاروق حسني يجب أن يصبح يوم احتفال للمثقفين الأحرار في مصر وفي العالم العربي وفي العالم، وليس يوم ندب ونحيب لا يليق سوى بالعبيد والخانعين والذين يرغبون في استمرار ثقافة الاستبداد إلى الأبد!
0 comments:
إرسال تعليق