شاهدت فيلم "ميكانو" للمخرج محمود كامل في مهرجان تطوان السينمائي. ولاحظت من أول وهلة غرابة الموضوع وأجوائه تماما عن سينمانا بل وعن واقعنا وانعدام صلته بإيقاع الحياة المصرية وبالسمات السائدة في المجتمع ولو حتى من الناحية الشكلية الخارجية.
هذا فيلم يدرك المشاهد من أول وهلة، أنه فيلم أجنبي جرى تمصيره ولوي عنق أحداثه بقوة لكي تتلاءم أحداثه وشخصياته مع الممثلين الذين سيقومون بأداء الأدواء الرئيسية.
وفي مناقشة مع المخرج مجدي أحمد علي عقب مشاهدة الفيلم أكد لي مجدي أن الفيلم فعلا ممصر، وذكر أنه مأخوذ عن فيلم أمريكي هو فيلم "50 موعدا أول" (2004) First 50 Dates من اخراج بيتر سيجال، وكان مجدي قد شاهده ولم أشاهده. وقد حصلت على الفيلم وشاهدته لكي أتأكد من حقيقة نقله مع التصرف والتعديل إلى السينما المصرية، فبدلا من الفتاة التي تفقد الذاكرة نتيجة تعرضها لحادث، هنا شاب هو الذي يفقد ذاكرته تماما بين فترة وأخرى، بسبب ورم في المخ كان قد أزيل بعملية جراحية. وقد أحكم شقيقه الأكبر السيطرة على حياته بالكامل ومنعه من الخروج من المنزل وأبقى عليه معزولا عن العالم الخارجي يأتيه بكل ما يحتاج إليه، على اعتبار أنه "ثروة قومية" أو بالأحرى ثروة عائلية خاصة يستفيد منها الشقيق بل ويتعيش عليها أيضا!
فالأخ الذي يفقد ذاكرته، الذي يقوم بدوره الممثل تيم الحسن، مهندس معماري عبقري يقدم من التصميمات الفنية ما يعجز أي عقل بشري في مصر من تقديمه لمشاريع طموحة، ويقوم الشقيق بتسويق هذه التصميمات الفذة لشركات الإنشاءات مقابل مبالغ مالية كبيرة.
والسؤال البديهي هنا: إذا كان صاحبنا هذا يفقد ذاكرته تماما بحيث لا يتذكر حتى تلك الفتاة الجميلة التي قابلها قبل أسبوع (تقوم بالدور الممثلة نور) فكيف يظل محتفظا بذاكرته الهندسية طوال الوقت، يعرف بدقة كل الخطوط والأشكال ويمكنه التجويد والابتكار دون أي اضطراب!
لا يوجد في الفيلم أي تطور درامي حقيقي بل مجرد مجموعة من المشاهد التي تعكس أولا خشية الشقيق من افتضاح حقيقة شقيقه مما يمكن أن يؤدي إلى تخلي الشركات عن الاستعانة برسومه (وهو ما يحدث فيما بعد بالفعل) دون أن نعرف السبب، فماذا يهم من أمر الحالة الصحية للأخ العبقري طالما أن رسومه العبقرية تؤدي الهدف المطلوب!
ثانيا: نتابع تطور قصة الحب التي تبدأ أولا من طرف نور تجاه الأخ تيم الحسن، ثم يتجاوب معها تيم الحسن فيما بعد في أداء آلي كسول، وبطريقة نمطية تجعله يبدو أقرب إلى البلاهة منه إلى الشخص فاقد الذاكرة أو الذي يخشى أن يفقدها (في لحظات استفاقته بالطبع من نوبات الفقدان المتعاقبة التي لا نعرف متى تأتي)!
هناك استطرادات كثيرة في تفاصيل لا معنى لها سوى أنها تراكم من التأكيد على الفكرة البدائية القديمة التي تقول إن الحب يحقق المعجزات، ويصبح بالتالي بطلنا "تيم"، متيما بحب نور وعلى استعداد للتضحية بكل أموال الدنيا من أجلها رغم تحذير شقيقه له عدة مرات مما يمكن أن يؤدي إليه استغراقه في تلك العلاقة، ملوحا له باحتمال أن يرتد فاقدا الذاكرة، فلا يستطيع أن يتعرف عليها بعد ذلك.
أداء نور في دور الحبيبة التي لا تكف عن محاولة مساعدة حبيبها على التذكر ورغبتها في أن يبادلها الحب وأن يطلق العنان لمشاعره، هو أداء لا بأس به في اطار الحدود المغلقة للدور وطبيعته الرومانسية البسيطة.
أما الأداء الأكثر بروزا وتأثيرا في الفيلم ولعله أيضا الحسنة الوحيدة هنا، فهو أداء الممثل خالد الصاوي الذي يتقدم بقوة فارضا نفسه كأحد الممثلين الكبار في السينما المصرية، فهو يضفي الكثير بأدائه الواثق المعبر، وقوة شخصيته، على دور الشقيق المهيمن الذي يحب شقيقه ويخشى أيضا عليه، كما يخشى ضياع المستقبل إلى أن يستسلم للواقع ويقبل بحقيقة أن الحب يمكنه أن يصنع المعجزات، فيتخلى عن محاصرة شقيقه.
الأخ وائل حمدي (وهو صحفي يشاهد الأفلام ويكتب عنها أحيانا) يضع اسمه على الفيلم ككاتب للسيناريو متصورا أن لا أحد غيره شاهد الفيلم الأمريكي، وكان حري به أن يشير إلى اقتباسه له عن الفيلم الأمريكي، لكنه لم يفعل بل صرح بأن الفكرة من وحي خياله:
"فكرة الفيلم كانت من وحى خيالى، ولم أكن أعلم أن مرض فقدان الذاكرة المؤقت حقيقى، وعندما كتبت قصة قصيرة فى مجلة «جود نيوز سينما» عام ٢٠٠٥ بمناسبة عيد الحب، نشرت ضمن مجموعة قصص لأصدقاء فى المجلة، وبعد ذلك تلقيت اتصالا من صديق أبلغنى أن الحالة المرضية التى تعرضت لها فى القصة حقيقة، وأكد لى أن فقدان الذاكرة بشكل دورى حالة علمية وبعض الأفلام الأمريكية استعانت بها فى أفلام كوميدية ومن هنا بدأت أهتم بالموضوع بشكل أكبر" (جريدة "المصري اليوم"- 4-2-2009).
هذا هو الحال اليوم في السينما المصرية السائدة، فلا يبدو أن أحدا يمانع: لا المخرج ولا الشركة المنتجة، ولا نقاد ذلك النوع من السينما الذين اعتبروا الفيلم "من أفضل أفلام الموسم" كما قرأت، بل ولا حتى الجمهور الذي يرغب في رؤية أحلامه المجهضة باستمرار تتحقق على الشاشة: في الحصول على الحب رغم كل المعوقات، ولو خارج الدنيا وخارج التاريخ!
هذا فيلم يدرك المشاهد من أول وهلة، أنه فيلم أجنبي جرى تمصيره ولوي عنق أحداثه بقوة لكي تتلاءم أحداثه وشخصياته مع الممثلين الذين سيقومون بأداء الأدواء الرئيسية.
وفي مناقشة مع المخرج مجدي أحمد علي عقب مشاهدة الفيلم أكد لي مجدي أن الفيلم فعلا ممصر، وذكر أنه مأخوذ عن فيلم أمريكي هو فيلم "50 موعدا أول" (2004) First 50 Dates من اخراج بيتر سيجال، وكان مجدي قد شاهده ولم أشاهده. وقد حصلت على الفيلم وشاهدته لكي أتأكد من حقيقة نقله مع التصرف والتعديل إلى السينما المصرية، فبدلا من الفتاة التي تفقد الذاكرة نتيجة تعرضها لحادث، هنا شاب هو الذي يفقد ذاكرته تماما بين فترة وأخرى، بسبب ورم في المخ كان قد أزيل بعملية جراحية. وقد أحكم شقيقه الأكبر السيطرة على حياته بالكامل ومنعه من الخروج من المنزل وأبقى عليه معزولا عن العالم الخارجي يأتيه بكل ما يحتاج إليه، على اعتبار أنه "ثروة قومية" أو بالأحرى ثروة عائلية خاصة يستفيد منها الشقيق بل ويتعيش عليها أيضا!
فالأخ الذي يفقد ذاكرته، الذي يقوم بدوره الممثل تيم الحسن، مهندس معماري عبقري يقدم من التصميمات الفنية ما يعجز أي عقل بشري في مصر من تقديمه لمشاريع طموحة، ويقوم الشقيق بتسويق هذه التصميمات الفذة لشركات الإنشاءات مقابل مبالغ مالية كبيرة.
والسؤال البديهي هنا: إذا كان صاحبنا هذا يفقد ذاكرته تماما بحيث لا يتذكر حتى تلك الفتاة الجميلة التي قابلها قبل أسبوع (تقوم بالدور الممثلة نور) فكيف يظل محتفظا بذاكرته الهندسية طوال الوقت، يعرف بدقة كل الخطوط والأشكال ويمكنه التجويد والابتكار دون أي اضطراب!
لا يوجد في الفيلم أي تطور درامي حقيقي بل مجرد مجموعة من المشاهد التي تعكس أولا خشية الشقيق من افتضاح حقيقة شقيقه مما يمكن أن يؤدي إلى تخلي الشركات عن الاستعانة برسومه (وهو ما يحدث فيما بعد بالفعل) دون أن نعرف السبب، فماذا يهم من أمر الحالة الصحية للأخ العبقري طالما أن رسومه العبقرية تؤدي الهدف المطلوب!
ثانيا: نتابع تطور قصة الحب التي تبدأ أولا من طرف نور تجاه الأخ تيم الحسن، ثم يتجاوب معها تيم الحسن فيما بعد في أداء آلي كسول، وبطريقة نمطية تجعله يبدو أقرب إلى البلاهة منه إلى الشخص فاقد الذاكرة أو الذي يخشى أن يفقدها (في لحظات استفاقته بالطبع من نوبات الفقدان المتعاقبة التي لا نعرف متى تأتي)!
هناك استطرادات كثيرة في تفاصيل لا معنى لها سوى أنها تراكم من التأكيد على الفكرة البدائية القديمة التي تقول إن الحب يحقق المعجزات، ويصبح بالتالي بطلنا "تيم"، متيما بحب نور وعلى استعداد للتضحية بكل أموال الدنيا من أجلها رغم تحذير شقيقه له عدة مرات مما يمكن أن يؤدي إليه استغراقه في تلك العلاقة، ملوحا له باحتمال أن يرتد فاقدا الذاكرة، فلا يستطيع أن يتعرف عليها بعد ذلك.
أداء نور في دور الحبيبة التي لا تكف عن محاولة مساعدة حبيبها على التذكر ورغبتها في أن يبادلها الحب وأن يطلق العنان لمشاعره، هو أداء لا بأس به في اطار الحدود المغلقة للدور وطبيعته الرومانسية البسيطة.
أما الأداء الأكثر بروزا وتأثيرا في الفيلم ولعله أيضا الحسنة الوحيدة هنا، فهو أداء الممثل خالد الصاوي الذي يتقدم بقوة فارضا نفسه كأحد الممثلين الكبار في السينما المصرية، فهو يضفي الكثير بأدائه الواثق المعبر، وقوة شخصيته، على دور الشقيق المهيمن الذي يحب شقيقه ويخشى أيضا عليه، كما يخشى ضياع المستقبل إلى أن يستسلم للواقع ويقبل بحقيقة أن الحب يمكنه أن يصنع المعجزات، فيتخلى عن محاصرة شقيقه.
الأخ وائل حمدي (وهو صحفي يشاهد الأفلام ويكتب عنها أحيانا) يضع اسمه على الفيلم ككاتب للسيناريو متصورا أن لا أحد غيره شاهد الفيلم الأمريكي، وكان حري به أن يشير إلى اقتباسه له عن الفيلم الأمريكي، لكنه لم يفعل بل صرح بأن الفكرة من وحي خياله:
"فكرة الفيلم كانت من وحى خيالى، ولم أكن أعلم أن مرض فقدان الذاكرة المؤقت حقيقى، وعندما كتبت قصة قصيرة فى مجلة «جود نيوز سينما» عام ٢٠٠٥ بمناسبة عيد الحب، نشرت ضمن مجموعة قصص لأصدقاء فى المجلة، وبعد ذلك تلقيت اتصالا من صديق أبلغنى أن الحالة المرضية التى تعرضت لها فى القصة حقيقة، وأكد لى أن فقدان الذاكرة بشكل دورى حالة علمية وبعض الأفلام الأمريكية استعانت بها فى أفلام كوميدية ومن هنا بدأت أهتم بالموضوع بشكل أكبر" (جريدة "المصري اليوم"- 4-2-2009).
هذا هو الحال اليوم في السينما المصرية السائدة، فلا يبدو أن أحدا يمانع: لا المخرج ولا الشركة المنتجة، ولا نقاد ذلك النوع من السينما الذين اعتبروا الفيلم "من أفضل أفلام الموسم" كما قرأت، بل ولا حتى الجمهور الذي يرغب في رؤية أحلامه المجهضة باستمرار تتحقق على الشاشة: في الحصول على الحب رغم كل المعوقات، ولو خارج الدنيا وخارج التاريخ!
4 comments:
Congratulations on being picked as one of the judges in Cannes! Keep the great reviews coming.
Sammy Sheik
لا تتعب نفسك يا أستاذ أمير ذلك هو الوضع السينمائى فى بلدنا العزيز ويبدو أن لا أحد قد مل منه بما فيهم سيادو وزيرنا المبجل المحترم ال(فنان). كان الله فى عون هذا البلد. تحياتى
عمر منجونة
حقا لقد شاهدت الفيلم من زمان ، وكإضافة بسيطة فإن دور الأخ الذي يحاول ان يحمي أخاه من الوقوع في حب الفتاة في الفيلم المصري ، قد قدمه أب وأخ الفاقدة للذاكرة في الفيلم الأمريكي .
لكن الاحظ ان هناك اختلاف طفيف وهو ان القصة المصرية يغلب عليها الطابع الدرامي الرومانسي ، بينما الأمريكي يغلب عليه الطابع الكوميدي .
شكراً على المقال.والحقيقة ان الذي قد أعيبه على السيناريست هو عدم ذكره انه مأخوذ عن فيلم آخر. و لكنه افاد كما ذكرت - و هذا على مسؤوليته الشخصية - انه لم يسبق له العلم بتشابه الفكره. ولكن ان تكون فكرة مأخوذه عن فيلم آخر فهذا ليس بالشيء الجديد على السينما المصرية أو العالمية مثلما حدث في أفلام كثيرة مأخوذه عن القصة المعرف "الكونت دي مونت كريستو" أو "روميو و جوليت" و آخرين قدمتهم السينما العالمية أكثر من مره و السينما المصرية أيضاً و لا يعيب ذلك الفيلم عامة. و النقطة الثانية التي من الممكن ان نشك في امكانية حدوثها الا و هو براعة تيم في التصميم المعماري و ان كان الرد على هذا لم يسقطه السيناريست و أوجد له رد على لسان الطبيب على ما أعتقد و ان كنا لا نعلم مدى صدق ذلك أو دقته علمياً. كذلك نتفهم محاولة الأخ الأكبر أبقاء أخية بالمنزل لها تفسيرها المقنع فأي عائلة بها شخص في حالة تيم من الطبيعي ان تحاول ابعاده عن الناس حتى لا يكتشفوا ما به من خلل و ليس لأنه ثروةقومية!؟ أما بالنسبة لكون الشركة قد أستغنت عن الأخ الأكبر فهذا من المعقول جداً فيكفي كونه كذب وأخفى على الشركة حالة أخيه التي من الممكن ان تعيق التعاقد او الثقة فيه أو تعرض الشركة الى خسائر فادحة إذا ما أصيب بالفقدان اثناء أحد المشاريع التي يقوم بها. أما عن سبب تخلي الشركة عن تيم و أخيه فذلك كان بعدما ذهب الزوج السابق للبطلة نور بعد علمه بحالة تيم الحسن الى الشركة و اخبار المدير بالأوراق عن حالة تيم. و لكن عدا ذلك فأنا ارى انه فيلم في غاية الرقة والرقي بالمشاعر. حيث لم يتخلله اي مشهد أثاره أو اسفاف مما نشاهد الآن و أمس في معظم الأفلام المصرية.فمن وقت لآخر نحن في حاجة الى قصة رومانسية رقيقة تريح اعصابنا من كم التوتر الذي نعيشه في الواقع و التي تنقله دائماً السينما لنا من باب تذكيرنا بما نعانيه أو من باب كشف الحقائق. والفكرة التي أستقرت في نفسي عند مشاهدة الفيلم ليست ان الحب يعمل المعجزات و لكن انه مهما كان المستقبل يبدوا مظلم فيجب ان يكون هناك بصيص أمل في انه ربما يأتينا الغد بشيء أفضل. و ان كانت حالة الأخوين حالة مستعصية من حيث استقرار اي منهم فأن دخول نور كطرف ثالث قد يمثل نوع من تخفيف العبء عن الأخ الأكبر وأن كان الأحساس بأنه درب من المستحيل ان تظل تعيش الحالة مرة تلو الأخرى...
إرسال تعليق