يشعر كثيرون بالغضب من تناول السينما العربية لقضايا الجنس، فالمفاهيم "الأخلاقية" او تلك التي تتلحف بالأخلاق القويمة وتتشدق بالحديث عن "القيم" و"التقاليد" و"الثوابت"، ترى أن الجنس "حرام"، وتصويره يثير الغرائز، ويحض على الرذيلة بالضرورة كما لو أن الجنس فعل سري يجب إستنكاره، ويتعين علينا إنكاره أو تغييبه من تناولنا الأدبي والفني.
هؤلاء يذكرونني بالنعامة التي لا تريد أن ترى وتفضل أن تدفن رأسها في الرمال.نحن جميعا نعرف أن الشباب، وأعني كل الشباب في العالم بما في ذلك العالم العربي، مهتم كثيرا بالجنس، ويريد أن يفهم العلاقة بين الجنس والحياة، وبين المجتمع والجنس، وبين الفن وتصوير الجنس. وفي فهم الجنس فهم للعلاقة الصحية بين الرجل والمرأة، وكيف يمكن أن تصب في اتجاه صحيح وتبتعد عن الانحرافات والتشوهات النفسية الخطيرة، وفي فهم طبيعة الجنس فهم للحياة، ولا يمكن للسينما أن تنعزل عن الحياة. وأي إنكار لأهمية تناول الجنس على الشاشة وغير الشاشة، هو إنكار لأهمية التعلم والتنوير والفهم بل وإنكار للحياة نفسها.
وقد أثار الكثير من الأفلام العربية غضب الكثيرين واستنكارهم بعد أن أصبحت المجتمعات العربية تعود إلى الوراء بل وترتد، إلى مناقشة ما كنا نتصور أنه حسم من قضايا في بدايات القرن العشرين، وذلك تارة باسم "الصحوة" في حين أنها في الواقع "غفوة" جلبها تجار "الأفيون الفكري" معهم من جبال أفغانستان ووزيرستان وحطوا بها على مجتمعاتنا التي كانت مهيئة لاستقبال كل تلك الأفكار المتخلفة العتيقة البالية بعد هزيمة مشروع التحرر على أيدي الطبقات الحاكمة التي ارتضت حاليا بالتبعية (للغرب على الصعيد السياسي عموما، ولأكثر الأفكار البالية تخلفا على الصعيد الفكري خصوصا - وأنظر قناة الجزيرة الفضائية نموذجا بينا واضحا لتلك الازدواجية المرضية!).
لقد أثار فيلم "سميرة في الضيعة" للمخرج المغربي لطيف الحلو، مناقشات صاخبة بسبب تصويره لمشكلة الجنس في اطار اجتماعي واضح. وكان فيلم "حين ميسرة" قد قوبل من البعض بنوع من الهجوم غير المسبوق إعلاميا بدعوى تناوله البين للجنس، وقبل هذا وذاك، تعرض الكثير من السينمائيين لهجمات من أشخاص لا يحبون السينما أصلا بل يكرهونها ويعتبرونها شرا مستطيرا.
وسوف أتطرق قريبا إلى هذا الموضوع بالتفصيل من خلال التناول النقدي لفيلم "سميرة في الضيعة" لكي نرى حقا ما إذا كنا "جماعة بشرية" محصنة ضد إغواء الجنس بل ضد ضرورته، أم أننا نكذب على أنفسنا وعلى غيرنا ونريد أن يصدق الآخرون أكاذيبنا!
0 comments:
إرسال تعليق