الفيلم الذي كتب له السيناريو ابراهيم هاني وأخرجه لطيف الحلو، يقوم على البناء الدرامي التقليدي (الأرسطي) أي يعتمد على وحدة الزمان والمكان والحدث، كما يتضمن بداية وذروة ونهاية، ويدور بين عدد محدود من الشخصيات هي هنا، مرة أخرى، الزوج والزوجة والعشيق: أي الثلاثي الشائع في الدراما الغربية لعقود.
الزوجة هي سميرة (سناء موزيان) إبنة الأسرة الفقيرة من الدار البيضاء التي ترغب في الزواج لكي تتحرر كما تظن من قيد الأسرة، والزوج هو إدريس (محمد خوبي) في الخمسينيات من عمره، وصاحب الضيعة والأرض الزراعية التي يسخر في العمل فيها عددا من المزارعين والعمال، والعشيق الذي سيكون، هو فاروق (يوسف بريطل) ابن شقيقة ادريس، وهو شاب يتمتع بالقوة والوسامة، يستقدمه الزوج لكي يساعد زوجته في كل ما يتعلق بأشغال المنزل.
سميرة تتزوج وتغادر المدينة إلى الريف، وبينما تتصور هي أنها تترك عالمها المغلق المقيد إلى حيث الحرية، تصبح الضيعة بمثابة السجن، سجن الحياة العقيمة الجافة التي تخلو من كل ود وحب، والأهم، من الإشباع الجنسي والارتواء الجسدي.
الزوج لا يشغل باله إلا أمران فقط: محصول الأرض ووالده المقعد العاجز. ويتعين على سميرة أن ترعى الوالد المشلول، وتعاني من أجل ذلك كثيرا، وهنا يأتي دور فاروق، الذي يبدأ في القيام بكل أعمال المنزل، بل إنه يقوم أيضا بطهي الطعام فيتحول من مجرد مساعد إلى شخص يهيمن على الأمور داخل البيت.

ويقع المحظور بالطبع، فتقيم سميرة علاقة جنسية عنيفة مع فاروق الذي يبدو في البداية مترددا قبل أن يستسلم للإغواء الذي لا يقاوم.
الزوج العاجز الذي يدرك عجزه، ويدرك أنه أتى بفتاة فقيرة اشتراها كزوجة- جارية- خادمة ،تسهر على خدمة والده أساسا، وسترا للمظهر الاجتماعي التقليدي في الريف، يبدأ في الشك فيما يمكن أن يحدث أثناء غيابه في العمل.. ثم يتيقن من وقوع المحظور، فيقوم بطرد فاروق من المنزل رغم بكاء الزوجة واستعطافها له أن يتركه، فهي تعرف أن خروجه من المنزل يعني الحكم عليها بالوحدة الأبدية داخل الجدران الأربعة للمكان المعزول.
الفيلم كما أشرت، يقوم على الصراع الدرامي التقليدي الذي يتجسد بشكل مباشر وليس من خلال إيحاءات أو رموز كثيرة. هناك فقط الحذاء المدبب اللامع الذي تشتريه سميرة لفاروق عندما تذهب إلى المدينة للتسوق وتعود لتهيديه إياه لكنه لا يرتديه بل يحتفظ به داخل دولابه الخاص، إلى أن يعثر عليه الزوج المتشكك فيكون رمزا لوقوع المحظور بين فاروق وسميرة.


هنا مع فيلم "سميرة في الضيعة" قامت الضجة الكبرى في الإعلام الذي يبحث عن أي شيء مثير، بسبب كون هذا الفيلم يصور فكرة العجز الجنسي عند الرجل والرغبة الجنسية عند المرأة، ويصور مشاهد للزوجة وهي تمارس ما يعرف بـ"العادة السرية" (وهي تسمية خاطئة علميا على أي حال)، وأخرى للعلاقة الجنسية بين فاروق وسميرة وإن كنت أرى أن تلك المشاهد صورت من جانب لطيف الحلو على استحياء شديد وراعت عدم خدش حياء الجمهور في المغرب وفي العالم العربي عموما، الذي لا يمانع من مشاهدة مشاهد العري والجنس في الأفلام الأجنبية، بينما تصدمه مشاهد أقل حدة في الأفلام العربية، فاللحم الأجنبي "حلال" أو مستباح لنا لمشاهدته، أما نحن فالجنس في حياتنا مستور ومحجوب ووراء الستار ولا يجب أن نتكلم عن مشاكلنا الجنسية ولا هواجسنا ولا نعبر عنها بأي شكل من الأشكال، في القصيدة واللوحة والسينما والرواية وإلا أصبحنا من الهراطقة، بل وكثيرا ما نتظاهر أيضا بأن الجنس "لا وجود له".. إلا في الغرب بالطبع!
0 comments:
إرسال تعليق