حين نشرت قبل سنوات عددا من المقالات، في أماكن مختلفة، تحت عنوان "مشروع تخريب السينما في مصر"، تساءل كثيرون عما قصدته تحديدا بهذا المشروع، وهل يمكن أن يكون هناك مشروع من هذا النوع، أم أن الأمر لا يعدو كونه نوعا من "مبالغات" الشعراء!
الإجابة تتلخص في أنه مشروع "مضاد" و"تراجعي" و"عتيق" غير مكتوب وغير موقع بالطبع، وغير معتمد رسميا بالتالي، لكنه، على نحو غير مباشر، يلقى الموافقة والدعم والتشجيع من قطاعات مختلفة، منها ما هو في الحكومة: داخل نظم الإعلام والتعليم والثقافة، ومنها ما هو في المعارضة، تلك المعارضة الرجعية، المتزمتة، المتخلفة التي تؤمن بنمط الحياة في مجتمعات التصحر والبداوة وترغب في نقل هذا النموذج المتخلف إلى بلادنا. ويكفي أن نقرأ ما يكتبه أنصار هذا النوع من "المعارضة" من تعليقات تنشر أسفل ما ينشر يوميا في الصحف من مواضيع تتناول قضايا السينما وغيرها من الفنون، وتتاح الفرصة للتعليق عليها على مواقع تلك الصحف الموجودة على شبكة الانترنت، لكي نتبين حجم ما وصلنا إليه من تدهور فكري، ونقص تعليمي خطير، ومدى ما وصلت إليه أيضا حالة "الهستيريا" الدينية المرضية التي باتت تستلزم علاجا عاجلا داخل غرفة العناية المركزة.
أما مشروع تخريب السينما في مصر فله قسمات وسمات وملامح مشتركة، كما أن له حُراسه وسدنته، منهم من يعمل تطوعا تحت تصور أنه يعمل للصالح العام، ومنهم من تلبسته حالة الهستيريا التي أشرنا إليها بسبب نقص الكثير من الجوانب التي تساعد على التوازن في الحياة.
أما أهم سمات المشروع فيمكن تلخيصها في النقاط الرئيسية التالية:
1- تحويل السينما إلى ظاهرة لقيطة منفصلة عن ثقافة المجتمع الذي تنشأ فيه، كأنما يمكن زرع فن السينما "الحداثي" جدا في مجتمع اقطاعي بدوي رعوي تقليدي لا مكان للمرأة فيه مثلا، بل ولا مكان فيه أصلا، لدراسة الفلسفات الحديثة التي هي أساس كل الفنون الحديثة.
2- تحويل المشاهدة السينمائية إلى فعل لا معنى له مرتبط بالوجبات السريعة، وبالتالي تحويل أماكن المشاهدة من "دور عرض" لها أسسها ومناسيبها المعروفة التي تجعلها لا تقل أهمية ورونقا واهتماما بالديكورات والمعمار عن المسرح، إلى مجرد "قاعات" شبيهة بالعلب الصغيرة التي تحتوي على عدد محدود من المقاعد المتراصة أمام شاشة صغيرة تشبه شاشة التليفزيون المنزلي الذي أصبح يطلق على شاشاته الكبيرة حاليا "السينما المنزلية". وليس من الغريب إذن أن توجد هذه القاعات المتعددة داخل "مجمع سينمائي" واحد بالقرب من مطاعم تقدم الوجبات السريعة مثل ماكدونالدز وبيتزا هوت وكنتكي فرايد تشيكن وغيرها. وإن كان أهم ما يميز تلك المجمعات السينمائية وجود ما يعرف بـ"الفشار" أو pop corn ومن هنا جاء تعبير أفلام الفشار pop corn movies أي تلك الأفلام (الأمريكية غالبا) التي تصنع للتسلية المطلقة، وتسبح في عوالم خيالية أو تمتلئ بالكائنات الغريبة التي تشيع نوعا من الفزع الخفيف والإثارة التي تدفع الجمهور، وهو في معظمه من المراهقين، إلى استهلاك أكبر كمية من الفشار.
وتوجد هذه المطاعم والمجمعات السينمائية داخل مجمعات استهلاكية ضخمة يعرف المجمع الواحد منها بالمول mall أي ذلك السوق المتعدد الطوابق الذي يحتوي على عدد من المطاعم والمقاهي أيضا. وهو نموذج أمريكي يجمع العديد من الخدمات الاستهلاكية في مكان واحد بما في ذلك الأماكن التي تقدم "عروض التسلية". ومن المستحيل بالتالي أن تجد في هذه الأسواق المتعددة مسرحا أو معرضا لأعمال الفن التشكيلي، أما "علب" عرض الأفلام فهي متوفرة بغزارة.
3- إغفال الاهتمام باللغة السينمائية التي تعبر بالإشارة والدلالة والاخفاء والاظهار والظل والضوء والتكوين والعلاقة بين اللقطات والصور، وتحويلها إلى مجرد انتقالات آلية "أو ميكانيكية" بين اللقطات لتسهيل رواية قصة ذات مضمون أخلاقي وعظي بسيط ومباشر.
4- تحويل الثقافة السينمائية إلى معلومات استعراضية لا سياق لها، ودون أي قدرة تحليلية، أي إلى مجرد أرقام وأسماء وميزانيات وجوائز ومسابقات ونجوم وألاعيب لا تشبع أي رغبة حقيقية في المعرفة، ولا في فهم العالم والإنسان. وتلعب البرامج التي تقدم على شاشة التليفزيون، دورا أساسيا في تمييع فكرة الثقافة السينمائية بمفهومها الحقيقي، أي المشاهدة العميقة والمناقشة والتحليل وفهم نسق العلاقات داخل الفيلم، سواء العلاقات الدرامية أم البصرية داخل الصور واللقطات والمشاهد. هذه البرامج تستعرض أكثر مما تحلل، وتركز في استعراضها على الأمريكي السائد blockbusters أكثر من تقديم المحاولات الفنية في السينما الأمريكية وغير الأمريكية، وتهتم بالمقابلات مع النجوم أكثر من تحليل الفيلم، وبالعرض أكثر من النقد، وباستعراض جسد المذيعة وكمية المساحيق التي تغطي وجهها، أكثر مما تهتم بالجمهور نفسه وبالنماذج البسيطة التي تعبر أفضل عن هذا الجمهور. وعندما تستعين بعض هذه البرامج بالجمهور فإنها تقدمه مثل مجموعة من القرود، حيث يتم رصهم في صفوف خلف المذيعة أو مقدمة البرنامج لكي يصفقوا ويهللوا للمذيعة وللضيف أو الضيفة عند لحظات معينة، واستجابة لإشارات يصدرها لهم شخص مكلف بذلك، بينما تجري المذيعة مقابلاتها مع هذا النجم أو تلك النجمة.
5- بدلا من أن يؤدي تكوين كيانات إنتاجية كبيرة إلى دعم الأفلام الأكثر طموحا من الناحية الفنية والإنتاجية، وتحقيق الأحلام المؤجلة لكبار السينمائيين مثل محمد خان وداود عبد السيد ورأفت الميهي، يبدو أن تلك الكيانات التي تحولت إلى احتكارات مهيمنة، تسعى إلى تخريب السوق السينمائية في مجالي الإنتاج والتوزيع، فهي تسعى إلى طرد الأفلام الجادة واستبعادها والتسويف في عرضها، و"اعتقال" عدد من السيناريوهات المتيزة والتسويف في إنتاجها، وتشجيع السائد الذي يمكن أن يدر ربحا سريعا، والخلط بين منطق إنتاج "فيلم" وافتتاح "مطعم" سياحي، والوقوف في وجه اختيارات الجمهور عن طريق فرض نوعية محددة على ذوقه، وتأجيل عرض الأفلام الأخرى التي تخرج عن أنماط التهريج السائدة.
6- إجهاض وضرب والإجهاز على تجربة نوادي السينما التي بدأت في الستينيات في مصر وازدهرت في السبعينيات، وقبل ذلك في تونس والمغرب. ومن نوادي السينما تخرج عادة ثقافة جديدة، حداثية، تميل إلى المرونة والجمال وتنبذ التشدد والتزمت والقبح: في السلوك كما في المظهر.
7- إغفال أي ذكر أو اهتمام بالسينما في مناهج التعليم، بل والاستغناء تماما عن عرض الأفلام السينمائية في المدارس والجامعات كما كان يحدث في الماضي ولو على سبيل الاستفادة اجتماعيا من مضامين الأفلام. وهو تراجع يتسق مع التراجع في تدريس الدراما أو الاهتمام بالمسرح المدرسي والجامعي والإجهاز على فرق التمثيل بالجامعات، خضوعا لفكرة أن التمثيل حرام، وأن مشاركة المرأة بالتمثيل على المسرح من الكبائر وغير ذلك من فتاوى التكفير المنتشرة بغزارة بسبب تهافت الإعلام السائد وعجزه عن نشر ثقافة حقيقية ذات اسس واضحة لا تساوم ولا تسعى إلى إمساك العصا من المنتصف.
8- ازدراء دراسة الفنون والرسم والتشكيل والتحريض على عدم التقدم للالتحاق بالمعاهد التي تدرس هذه الفنون، واعتبار دراسة الرقص حرام، حسبما قالت عميدة معهد الباليه في مصر لطالبات المعهد، ونشرت الصحف ذلك ولم يصدر أي تعليق من المعهد بل ولم تصدر وزارة التعليم العالي قرارا بالتحقيق مع العميدة.
9- تخلي الدولة عن نشر الكتاب السينمائي والمجلة السينمائية، وجعل ما يصدر منها قاصرا على المناهج والمعلومات المتداولة القديمة في الغرب، والتخلي عن دراسة الاتجاهات والظواهر الراسخة في السينما المصرية والعربية، وجعل مكافأة الترجمة أضعاف مكافأة التأليف، وجعل المهرجان السينمائي تظاهرة ذات طابع احتفالي سياحي ترويجي لصورة النظام بدلا من أين يكون معهدا ومدرسة لتأهيل هواة السينما لكي يضيفوا ثقافيا إلى رصيد المجتمع الجمالي والفكري والفني.
10- سيطرة مجموعة من أشباه السينمائيين وأصحاب النفوس المريضة والذين كفوا أن تكون لهم أي علاقة حقيقية بالابداع السينمائي منذ عقود، على النقابات الفنية والسينمائية والتمثيلية بوجه خاص، واستغلال العمل النقابي لمعاقبة الفنانين المتميزين الجادين وفرض الغرامات عليهم والتعسف معهم في اصدار تصريحات بالتصوير وغير ذلك من القرارات والتصريحات التي تشوه صورة الفن عندما يتحدثون عن السينما كما لو كانوا معادين بالفطرة للثقافة، وكما لو كانت السينما شيئا أشبه بالكباريه!
11- انتشار مجموعة من أشباه الكتبة الذين نشأوا في بيئة ثقافية متدنية ولم يطلعوا أو يبذلوا أي جهد في الإطلاع على النماذج المتقدمة في السنيما العالمية على مجال كتابة السيناريو ، حتى أصبح كل من يجيد كتابة التعليقات السوقية الغليظة والبذيئة أحيانا، كاتبا للسيناريو يتسابق ممولو الأفلام للتعاقد معه.
12- فساد الرقابة التي لا تجرؤ على التصدي لأفلام كتبة السيناريوهات من أنصاف الأميين سينمائيا، في أشكالها المتدنية فنيا وفكريا والمعادية للإنسان نفسه في صورته البسيطة، بينما تتجرأ الرقابة دوما وتعترض على أي عمل حقيقي يتصدى لمناقشة الفساد السياسي والاجتماعي المتفشي، وتراقب كل ما يتعلق بنقد سلطة الشرطة والقضاء بينما أصبحت هاتان المؤسستان تحديدا من أكثر المؤسسات فسادا في مصر والعالم العربي.
والقائمة بعد ذلك طويلة.. ليت هناك من يستطيع أن يكملها غيري!
الإجابة تتلخص في أنه مشروع "مضاد" و"تراجعي" و"عتيق" غير مكتوب وغير موقع بالطبع، وغير معتمد رسميا بالتالي، لكنه، على نحو غير مباشر، يلقى الموافقة والدعم والتشجيع من قطاعات مختلفة، منها ما هو في الحكومة: داخل نظم الإعلام والتعليم والثقافة، ومنها ما هو في المعارضة، تلك المعارضة الرجعية، المتزمتة، المتخلفة التي تؤمن بنمط الحياة في مجتمعات التصحر والبداوة وترغب في نقل هذا النموذج المتخلف إلى بلادنا. ويكفي أن نقرأ ما يكتبه أنصار هذا النوع من "المعارضة" من تعليقات تنشر أسفل ما ينشر يوميا في الصحف من مواضيع تتناول قضايا السينما وغيرها من الفنون، وتتاح الفرصة للتعليق عليها على مواقع تلك الصحف الموجودة على شبكة الانترنت، لكي نتبين حجم ما وصلنا إليه من تدهور فكري، ونقص تعليمي خطير، ومدى ما وصلت إليه أيضا حالة "الهستيريا" الدينية المرضية التي باتت تستلزم علاجا عاجلا داخل غرفة العناية المركزة.
أما مشروع تخريب السينما في مصر فله قسمات وسمات وملامح مشتركة، كما أن له حُراسه وسدنته، منهم من يعمل تطوعا تحت تصور أنه يعمل للصالح العام، ومنهم من تلبسته حالة الهستيريا التي أشرنا إليها بسبب نقص الكثير من الجوانب التي تساعد على التوازن في الحياة.
أما أهم سمات المشروع فيمكن تلخيصها في النقاط الرئيسية التالية:
1- تحويل السينما إلى ظاهرة لقيطة منفصلة عن ثقافة المجتمع الذي تنشأ فيه، كأنما يمكن زرع فن السينما "الحداثي" جدا في مجتمع اقطاعي بدوي رعوي تقليدي لا مكان للمرأة فيه مثلا، بل ولا مكان فيه أصلا، لدراسة الفلسفات الحديثة التي هي أساس كل الفنون الحديثة.
2- تحويل المشاهدة السينمائية إلى فعل لا معنى له مرتبط بالوجبات السريعة، وبالتالي تحويل أماكن المشاهدة من "دور عرض" لها أسسها ومناسيبها المعروفة التي تجعلها لا تقل أهمية ورونقا واهتماما بالديكورات والمعمار عن المسرح، إلى مجرد "قاعات" شبيهة بالعلب الصغيرة التي تحتوي على عدد محدود من المقاعد المتراصة أمام شاشة صغيرة تشبه شاشة التليفزيون المنزلي الذي أصبح يطلق على شاشاته الكبيرة حاليا "السينما المنزلية". وليس من الغريب إذن أن توجد هذه القاعات المتعددة داخل "مجمع سينمائي" واحد بالقرب من مطاعم تقدم الوجبات السريعة مثل ماكدونالدز وبيتزا هوت وكنتكي فرايد تشيكن وغيرها. وإن كان أهم ما يميز تلك المجمعات السينمائية وجود ما يعرف بـ"الفشار" أو pop corn ومن هنا جاء تعبير أفلام الفشار pop corn movies أي تلك الأفلام (الأمريكية غالبا) التي تصنع للتسلية المطلقة، وتسبح في عوالم خيالية أو تمتلئ بالكائنات الغريبة التي تشيع نوعا من الفزع الخفيف والإثارة التي تدفع الجمهور، وهو في معظمه من المراهقين، إلى استهلاك أكبر كمية من الفشار.
وتوجد هذه المطاعم والمجمعات السينمائية داخل مجمعات استهلاكية ضخمة يعرف المجمع الواحد منها بالمول mall أي ذلك السوق المتعدد الطوابق الذي يحتوي على عدد من المطاعم والمقاهي أيضا. وهو نموذج أمريكي يجمع العديد من الخدمات الاستهلاكية في مكان واحد بما في ذلك الأماكن التي تقدم "عروض التسلية". ومن المستحيل بالتالي أن تجد في هذه الأسواق المتعددة مسرحا أو معرضا لأعمال الفن التشكيلي، أما "علب" عرض الأفلام فهي متوفرة بغزارة.
3- إغفال الاهتمام باللغة السينمائية التي تعبر بالإشارة والدلالة والاخفاء والاظهار والظل والضوء والتكوين والعلاقة بين اللقطات والصور، وتحويلها إلى مجرد انتقالات آلية "أو ميكانيكية" بين اللقطات لتسهيل رواية قصة ذات مضمون أخلاقي وعظي بسيط ومباشر.
4- تحويل الثقافة السينمائية إلى معلومات استعراضية لا سياق لها، ودون أي قدرة تحليلية، أي إلى مجرد أرقام وأسماء وميزانيات وجوائز ومسابقات ونجوم وألاعيب لا تشبع أي رغبة حقيقية في المعرفة، ولا في فهم العالم والإنسان. وتلعب البرامج التي تقدم على شاشة التليفزيون، دورا أساسيا في تمييع فكرة الثقافة السينمائية بمفهومها الحقيقي، أي المشاهدة العميقة والمناقشة والتحليل وفهم نسق العلاقات داخل الفيلم، سواء العلاقات الدرامية أم البصرية داخل الصور واللقطات والمشاهد. هذه البرامج تستعرض أكثر مما تحلل، وتركز في استعراضها على الأمريكي السائد blockbusters أكثر من تقديم المحاولات الفنية في السينما الأمريكية وغير الأمريكية، وتهتم بالمقابلات مع النجوم أكثر من تحليل الفيلم، وبالعرض أكثر من النقد، وباستعراض جسد المذيعة وكمية المساحيق التي تغطي وجهها، أكثر مما تهتم بالجمهور نفسه وبالنماذج البسيطة التي تعبر أفضل عن هذا الجمهور. وعندما تستعين بعض هذه البرامج بالجمهور فإنها تقدمه مثل مجموعة من القرود، حيث يتم رصهم في صفوف خلف المذيعة أو مقدمة البرنامج لكي يصفقوا ويهللوا للمذيعة وللضيف أو الضيفة عند لحظات معينة، واستجابة لإشارات يصدرها لهم شخص مكلف بذلك، بينما تجري المذيعة مقابلاتها مع هذا النجم أو تلك النجمة.
5- بدلا من أن يؤدي تكوين كيانات إنتاجية كبيرة إلى دعم الأفلام الأكثر طموحا من الناحية الفنية والإنتاجية، وتحقيق الأحلام المؤجلة لكبار السينمائيين مثل محمد خان وداود عبد السيد ورأفت الميهي، يبدو أن تلك الكيانات التي تحولت إلى احتكارات مهيمنة، تسعى إلى تخريب السوق السينمائية في مجالي الإنتاج والتوزيع، فهي تسعى إلى طرد الأفلام الجادة واستبعادها والتسويف في عرضها، و"اعتقال" عدد من السيناريوهات المتيزة والتسويف في إنتاجها، وتشجيع السائد الذي يمكن أن يدر ربحا سريعا، والخلط بين منطق إنتاج "فيلم" وافتتاح "مطعم" سياحي، والوقوف في وجه اختيارات الجمهور عن طريق فرض نوعية محددة على ذوقه، وتأجيل عرض الأفلام الأخرى التي تخرج عن أنماط التهريج السائدة.
6- إجهاض وضرب والإجهاز على تجربة نوادي السينما التي بدأت في الستينيات في مصر وازدهرت في السبعينيات، وقبل ذلك في تونس والمغرب. ومن نوادي السينما تخرج عادة ثقافة جديدة، حداثية، تميل إلى المرونة والجمال وتنبذ التشدد والتزمت والقبح: في السلوك كما في المظهر.
7- إغفال أي ذكر أو اهتمام بالسينما في مناهج التعليم، بل والاستغناء تماما عن عرض الأفلام السينمائية في المدارس والجامعات كما كان يحدث في الماضي ولو على سبيل الاستفادة اجتماعيا من مضامين الأفلام. وهو تراجع يتسق مع التراجع في تدريس الدراما أو الاهتمام بالمسرح المدرسي والجامعي والإجهاز على فرق التمثيل بالجامعات، خضوعا لفكرة أن التمثيل حرام، وأن مشاركة المرأة بالتمثيل على المسرح من الكبائر وغير ذلك من فتاوى التكفير المنتشرة بغزارة بسبب تهافت الإعلام السائد وعجزه عن نشر ثقافة حقيقية ذات اسس واضحة لا تساوم ولا تسعى إلى إمساك العصا من المنتصف.
8- ازدراء دراسة الفنون والرسم والتشكيل والتحريض على عدم التقدم للالتحاق بالمعاهد التي تدرس هذه الفنون، واعتبار دراسة الرقص حرام، حسبما قالت عميدة معهد الباليه في مصر لطالبات المعهد، ونشرت الصحف ذلك ولم يصدر أي تعليق من المعهد بل ولم تصدر وزارة التعليم العالي قرارا بالتحقيق مع العميدة.
9- تخلي الدولة عن نشر الكتاب السينمائي والمجلة السينمائية، وجعل ما يصدر منها قاصرا على المناهج والمعلومات المتداولة القديمة في الغرب، والتخلي عن دراسة الاتجاهات والظواهر الراسخة في السينما المصرية والعربية، وجعل مكافأة الترجمة أضعاف مكافأة التأليف، وجعل المهرجان السينمائي تظاهرة ذات طابع احتفالي سياحي ترويجي لصورة النظام بدلا من أين يكون معهدا ومدرسة لتأهيل هواة السينما لكي يضيفوا ثقافيا إلى رصيد المجتمع الجمالي والفكري والفني.
10- سيطرة مجموعة من أشباه السينمائيين وأصحاب النفوس المريضة والذين كفوا أن تكون لهم أي علاقة حقيقية بالابداع السينمائي منذ عقود، على النقابات الفنية والسينمائية والتمثيلية بوجه خاص، واستغلال العمل النقابي لمعاقبة الفنانين المتميزين الجادين وفرض الغرامات عليهم والتعسف معهم في اصدار تصريحات بالتصوير وغير ذلك من القرارات والتصريحات التي تشوه صورة الفن عندما يتحدثون عن السينما كما لو كانوا معادين بالفطرة للثقافة، وكما لو كانت السينما شيئا أشبه بالكباريه!
11- انتشار مجموعة من أشباه الكتبة الذين نشأوا في بيئة ثقافية متدنية ولم يطلعوا أو يبذلوا أي جهد في الإطلاع على النماذج المتقدمة في السنيما العالمية على مجال كتابة السيناريو ، حتى أصبح كل من يجيد كتابة التعليقات السوقية الغليظة والبذيئة أحيانا، كاتبا للسيناريو يتسابق ممولو الأفلام للتعاقد معه.
12- فساد الرقابة التي لا تجرؤ على التصدي لأفلام كتبة السيناريوهات من أنصاف الأميين سينمائيا، في أشكالها المتدنية فنيا وفكريا والمعادية للإنسان نفسه في صورته البسيطة، بينما تتجرأ الرقابة دوما وتعترض على أي عمل حقيقي يتصدى لمناقشة الفساد السياسي والاجتماعي المتفشي، وتراقب كل ما يتعلق بنقد سلطة الشرطة والقضاء بينما أصبحت هاتان المؤسستان تحديدا من أكثر المؤسسات فسادا في مصر والعالم العربي.
والقائمة بعد ذلك طويلة.. ليت هناك من يستطيع أن يكملها غيري!
4 comments:
dear Mr Amir
i dont think the accurate list you have mentioned in your article needs to be completed for it will take us tens of years to come up with solutions to the deteriorated situation we have reached.Ibrahim El Batout
بوست أكثر من رائع لدرجة البكاء على حال الفن في هذا الوطن
في حكاية كده افتكرتها مش عارف ليها علاقة بالموضوع ولا لا..كان محمد منير بيحكى انه لما دخل كلية الفنون التطبيقية سنة 1971 اشترك في مظاهرة عظيمة في الكلية للمطالبة بحرب لتحرير سيناء
بعدها بحوالي 23 سنة كان في الكلية بيصور فيلم مع نجلاء فتحي..الطلبة عملوا مظاهرة في نفس المكان بيطالبوا فيه بوقف التصوير داخل كلية (الفنون) التطبيقية لانه حرام
ازاى تحول الوطن خلال ربع قرن أو اقل ان نفس المكان اللى كان بيتنادي فيه بحرية الارض لمكان ضد الانسانية والحرية
حاجة تقرف والله
أشكرك على جمع كل هذه المنغصات في صفحة واحدة
ربما إن طرحت المشكلة بهذا الوضوح فقد تتغير الأمور.
تحية
النقاط المذكورة في المقال تؤكد ما حدث من تراجع في النظر للسينما في المجتمع لأن المجتمع نفسه تراجع في امور كثيرة جدا.. والأمور تحتاج إلى ما هو اكثر بكثير من تدخل الدولة أو المؤسسات لأنها كلها أصبحت فاسدة!!
إرسال تعليق